Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فرسخ

إِشْبِيلِيَة

إِشْبِيلِيَة:
بالكسر ثم السكون، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، ولام، وياء خفيفة: مدينة كبيرة عظيمة وليس بالأندلس اليوم أعظم منها تسمى حمص أيضا، وبها قاعدة ملك الأندلس وسريره، وبها كان بنو عبّاد، ولمقامهم بها خربت قرطبة، وعملها متصل بعمل لبلة وهي غربي قرطبة بينهما ثلاثون فرسخــا، وكانت قديما، فيما يزعم بعضهم، قاعدة ملك الروم وبها كان كرسيهم الأعظم وأما الآن فهو بطليطلة.
وإشبيلية قريبة من البحر يطل عليها جبل الشّرف، وهو جبل كثير الشجر والزيتون وسائر الفواكه، ومما فاقت به على غيرها من نواحي الأندلس زراعة القطن فإنه يحمل منها إلى جميع بلاد الأندلس والمغرب، وهي على شاطئ نهر عظيم قريب في العظم من دجلة أو النيل، تسير فيه المراكب المثقلة، يقال له وادي الكبير، وفي كورتها مدن وأقاليم تذكر في مواضعها، ينسب إليها خلق كثير من أهل العلم، منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب الإشبيلي وهو قاضيها، مات سنة 276.

أَسْيُوتُ

أَسْيُوتُ:
بالفتح ثم السكون، وياء مضمومة، وواو ساكنة، وتاء مثناة: جبل قرب حضرموت مطلّ على مدينة مرباط ينبت الدادي الذي يصلح به النبيذ، وفيه يكون شجر اللبان، ومنه يحمل إلى جميع الدنيا ولا يكون في غيره قط، بينه وبين عمان، على ما قيل، ثلاثمائة فرسخ.

الإسكَنْدَرِيَّة

الإسكَنْدَرِيَّة:
قال أهل السير: إنّ الإسكندر بن فيلفوس الرومي قتل كثيرا من الملوك وقهرهم، ووطئ البلدان إلى أقصى الصين وبنى السدّ وفعل الأفاعيل، ومات وعمره اثنتان وثلاثون سنة وسبعة أشهر، لم يسترح في شيء منها، قال مؤلف الكتاب: وهذا إن صح، فهو عجيب مفارق للعادات، والذي أظنّه، والله أعلم، أنّ مدّة ملكه أو حدة سعده هذا المقدار، ولم تحسب العلماء غير ذلك من عمره، فإن تطواف الأرض بسير الجنود مع ثقل حركتها لاحتياجها في كل منزل إلى تحصيل الأقوات والعلوفة ومصابرة من يمتنع عليه من أصحاب الحصون يفتقر إلى زمان غير زمان السير ومن المحال أن تكون له همة يقاوم بها الملوك العظماء، وعمره دون عشرين سنة، وإلى أن يتسق ملكه ويجتمع له الجند وتثبت له هيبة في النفوس وتحصل له رياسة وتجربة وعقل يقبل الحكمة التي تحكى عنه يفتقر إلى مدة أخرى مديدة، ففي أيّ زمان كان سيره في البلاد وملكه لها ثم إحداثه ما أحدث من المدن في كل قطر منها واستخلافه الخلفاء عليها؟ على أنه قد جرى في أيامنا هذه وعصرنا الذي نحن فيه في سنة سبع عشرة وثماني عشرة وستمائة من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّ لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر وخراسان وخوارزم وبلاد سجستان ونواحي غزنة وقطعة من السند وقومس وأرض الجبل بأسره غير أصبهان وطبرستان وأذربيجان وأرّان وبعض أرمينية وخرجوا من الدربند، كلّ ذلك في أقل من عامين. وقتلوا أهل كل مدينة ملكوها ثم خذلهم الله وردهم من حيث جاءوا، ثم إنّهم بعد خروجهم من الدربند ملكوا بلاد الخزر واللّان وروس وسقسين وقتلوا القبجاق في بواديهم حتى انتهوا إلى بلغار في نحو عام آخر فكأن هذا عضد قصة الإسكندر، على أنّ الإسكندر كان إذا ملك البلاد عمرها واستخلف عليها، وهذا يفتقر إلى زمان غير زمان الخراب فقط، قال أهل السير: بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلها باسمه ثم تغيرت أساميها بعده، وصار لكل واحدة منها اسم جديد، فمنها الإسكندرية التي بناها في باورنقوس ومنها الإسكندرية التي بناها تدعى المحصّنة ومنها الإسكندرية التي بناها ببلاد الهند ومنها الإسكندرية التي في جاليقوس ومنها الإسكندرية التي في بلاد السّقوياسيس ومنها الإسكندرية التي على شاطئ النهر الأعظم ومنها الإسكندرية التي بأرض بابل ومنها الإسكندرية التي هي ببلاد الصّغد وهي سمرقند، ومنها الإسكندرية التي تدعى مرغبلوس وهي مرو، ومنها الإسكندرية التي في مجاري الأنهار بالهند ومنها الإسكندرية التي سميت كوش وهي بلخ، ومنها الإسكندرية العظمى التي ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة إسكندرية نقلتها من كتاب ابن الفقيه كما كانت فيه مصورة، وقرأت في كتاب الحافظ أبي سعد:
أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن بن محمد الإيادي من لفظه بالإسكندرية قرية بين حلب وحماة، قال الأديب الأبيوردي:
فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلا ... لعلوة، إلّا ظلّت العين تذرف
ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة ... ولو أنني من لجّة البحر أغرف
والإسكندرية أيضا: قرية على دجلة بإزاء الجامدة بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخــا، ينسب إليها أحمد ابن المختار بن مبشّر بن محمد بن أحمد بن عليّ بن المظفّر أبو بكر الإسكندراني من ولد الهادي بالله أمير المؤمنين، تفقّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وكان أديبا فاضلا خيّرا قدم بغداد في سنة 510 متظلّما من عامل ظلمه، فسمع منه أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ وغيره أبياتا من شعره، قاله صاحب الفيصل.
ومنها الإسكندرية قرية بين مكة والمدينة ذكرها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار في معجمه وأفادنيها من لفظه، وجميع ما ذكرنا من المدن ليس فيها ما يعرف الآن بهذا الاسم إلا الإسكندرية العظمى التي بمصر، قال المنجّمون: طول الإسكندرية تسع وستون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلث، وفي زيج أبي عون: طول الإسكندرية إحدى وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، وذكر آخر أنّ الإسكندرية في الإقليم الثاني، وقال: طولها إحدى وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، واختلفوا في أول من أنشأ الإسكندرية التي بمصر اختلافا كثيرا نأتي منه بمختصر لئلّا نملّ بالإكثار:
ذهب قوم إلى أنها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: خير مسالحكم الإسكندرية. ويقال: إنّ الإسكندر والفرما أخوان، بنى كلّ واحد منهما مدينة بأرض مصر وسمّاها باسمه، ولما فرغ الإسكندر من مدينته، قال: قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة، وعن الناس غنيّة، فبقيت بهجتها ونضارتها إلى اليوم، وقال الفرما لما فرغ من مدينته:
قد بنيت مدينة عن الله غنيّة وإلى الناس فقيرة، فذهب نورها فلا يمرّ يوم إلّا وشيء منها ينهدم، وأرسل الله عليها الرمال فدمّتها إلى أن دثرت وذهب أثرها.
وعن الأزهر بن معبد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: أين تسكن من مصر؟ قلت: أسكن الفسطاط، فقال: أفّ أمّ نتن! أين أنت عن الطيبة؟
قلت أيّتهنّ هي؟ قال: الإسكندرية، وقيل: إنّ الإسكندر لما همّ ببناء الإسكندرية دخل هيكلا عظيما كان لليونانيّين فذبح فيه ذبائح كثيرة وسأل ربّه أن يبيّن له أمر هذه المدينة هل يتمّ بناؤها أم هل يكون أمرها إلى خراب؟ فرأى في منامه كأن رجلا قد ظهر له من الهيكل، وهو يقول له: إنّك تبني مدينة يذهب صيتها في أقطار العالم ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها، ويثبت حكم أهلها وتصرف عنها السّموم والحرور وتطوى عنها قوّة الحرّ والبرد والزمهرير ويكتم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وإن جلبت عليها ملوك الأرض بجنودهم وحاصروها لم يدخل عليها ضرر. فبناها وسمّاها الإسكندرية ثم رحل عنها بعد ما استتمّ بناءها فجال الأرض شرقا وغربا، ومات بشهرزور وقيل ببابل وحمل إلى الإسكندرية فدفن فيها.
وذكر آخرون أنّ الذي بناها هو الإسكندر الأوّل ذو القرنين الرومي، واسمه أشك بن سلوكوس، وليس هو الإسكندر بن فيلفوس، وأن الإسكندر الأول هو الذي جال الأرض وبلغ الظّلمات وهو صاحب موسى والخضر، عليهما السلام، وهو الذي بنى السّدّ، وهو الذي لما بلغ إلى موضع لا ينفذه أحد صوّر فرسا من نحاس وعليه فارس من نحاس ممسك يسرى يديه على عنان الفرس وقد مدّ يمناه وفيها مكتوب: ليس ورائي مذهب. وزعموا أنّ بينه وبين الإسكندر الأخير صاحب دارا المستولي على أرض فارس وصاحب أرسطاطاليس الحكيم الذي زعموا أنّه عاش اثنتين وثلاثين سنة دهر طويل وأنّ الأوّل كان مؤمنا كما قص الله عنه في كتابه وعمّر عمرا طويلا وملك الأرض، وأما الأخير فكان يرى رأي الفلاسفة ويذهب إلى قدم العالم كما هو رأي أستاذه أرسطاطاليس، وقتل دارا ولم يتعدّ ملكه الروم وفارس. وذكر محمد بن إسحاق أنّ يعمر بن شدّاد بن عاد بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، هو الذي أنشأ الإسكندرية وهي كنيسة حنس، وزبر فيها: أنا يعمر بن شداد أنشأت هذه المدينة وبنيت قناطرها ومعابرها قبل أن أضع حجرا على حجر، وأجريت ماءها لأرفق بعمّالها حتى لا يشقّ عليهم نقل الماء، وصنعت معابر لممرّ أهل السّبيل وصيّرتها إلى البحر وفرّقتها عند القبّة يمينا وشمالا. وكان يعمل فيها تسعون ألفا لا يرون لهم ربّا إلا يعمر بن شداد، وكان تاريخ الكتاب ألفا ومائتي سنة.
وقال ابن عفير: ان أول من بنى الإسكندرية جبير المؤتفكي وكان قد سخّر بها سبعين ألف بنّاء وسبعين ألف مخندق وسبعين ألف مقنطر فعمّرها في مائتي سنة وكتب على العمودين اللذين عند البقرات بالإسكندرية، وهما أساطين نحاس يعرفان بالمسلّتين:
أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدّتي وقوّتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني، وكنزت أموالها في مراجل جبيريّة وأطبقته بطبق من نحاس وجعلته داخل البحر، وهذان العمودان بالإسكندرية عند مسجد الرحمة، وروي أيضا أنّه كان مكتوبا عليهما بالحميرية: أنا شداد بن عاد الذي نصب العماد وجنّة الأجناد وسدّ بساعده الواد بنيت هذه الأعمدة في شدّتي وقوّتي إذ لا موت ولا شيب، وكنزت كنزا على البحر في خمسين ذراعا لا تصل إليه إلا أمة هي آخر الأمم، وهي أمّة محمد، صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنما دعا جبيرا المؤتفكي إلى بنائها أنّه وجد بالقرب منها في مغارة على شاطئ البحر تابوتا من نحاس ففتحه فوجد فيه تابوتا من فضّة، ففتحه فإذا فيه درج من حجر الماس، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتة حمراء مرودها عرق زبرجد أخضر فدعا بعض غلمانه فكحّل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدّرّ، فاستعان بذلك على بناء الإسكندرية وجعل فيها أساطين الذهب والفضة وأنواع الجواهر حتى إذا ارتفع بناؤها مقدار ذراع أصبح وقد ساخ في الأرض، فأعاده أيضا فأصبح وقد ساخ فمكث على ذلك مائة سنة كلما ارتفع البناء ذراعا أصبح سائخا في الأرض فضاق ذرعا بذلك، وكان من أهل تلك الأرض راع يرعى على شاطئ البحر وكان يفقد في كل ليلة شاة من غنمه إلى أن أضرّ به ذلك فارتصد ليلة، فبينما هو يرصد إذا بجارية قد خرجت من البحر كأجمل ما يكون من النساء فأخذت شاة من غنمه فبادر إليها وأمسكها قبل أن تعود إلى البحر وقبض على شعرها فامتنعت عليه ساعة ثم قهرها وسار بها إلى منزله فأقامت عنده مدّة لا تأكل إلّا اليسير ثم واقعها فأنست به وبأهله وأحبّتهم ثم حملت وولدت فازداد أنسها وأنسهم بها، فشكوا إليها يوما ما يقاسونه من تهدّم بنائهم وسيوخه كلما علّوه وأنهم إذا خرجوا بالليل اختطفوا، فعملت لهم الطلسمات وصوّرت لهم الصّور فاستقرّ البناء وتمّ أمر المدينة وأقام بها جبير المؤتفكي خمسمائة سنة ملكا لا ينازعه أحد، وهو الذي نصب العمودين اللذين بها ويسمّيان المسلّتين. وكان أنفذ في قطعهما وحملهما إلى جبل بريم الأحمر سبعمائة عامل، فقطعوهما وحملوهما، ونصبهما في مكانهما غلام له يقال له قطن بن جارود المؤتفكي وكان أشد من رؤي في الخلق، فلما نصبهما على السّرطانين النّحاس جعل بإزائهما بقرات نحاس كتب عليها خبره وخبر المدينة وكيف بناها ومبلغ النفقة عليها والمدة، ثم غزاه رومان بن تمنع الثّمودي فهزمه وقتل أصحابه قتلا ذريعا وأقام عمودا بالقرب منهما وكتب عليه:
أنا رومان الثمودي صنّفت أصناف هذه المدينة وأصناف مدينة هرقل الملك بالدوام على الشهور والأعوام ما اختلف ابنا سمير، وبقيت حصاة في ثبير، وأنا غيّرت كتاب جبير الشديد ونشرته بمناشير الحديد وستجدون قصّتي ونعتي في طرف العمود، فولد رومان بزيعا فملك الإسكندرية بعده خمسين سنة لم يحدث فيها شيئا، ثم ملك بعده ابنه رحيب، وهو الذي بنى الساطرون بالإسكندرية وزبر على حجر منه: أنا رحيب بن بزيع الثمودي بنيت هذه البنية في قوّتي وشدّتي وعمّرتها في أربعين سنة على رأس ست وتسعين سنة من ملكي، وولد رحيب مرّة، وولد مرة موهبا ملك بعد أبيه مائتي سنة وغزا أنيس بن معدي كرب العادي موهبا بالإسكندرية وملكها بعده، ثم ملكها بعده يعمر بن شدّاد بن جنّاد بن صيّاد بن شمران بن ميّاد بن شمر بن يرعش فغزاه ذفافة بن معاوية بن بكر العمليقي فقتل يعمر وملك الإسكندرية، وهو أول من سمّي فرعون بمصر، وهو الذي وهب هاجر أمّ إسماعيل، عليه السلام، إلى ابراهيم، عليه السلام، وهذه أخبار نقلناها كما وجدناها في كتب العلماء، وهي بعيدة المسافة من العقل لا يؤمن بها إلّا من غلب عليه الجهل، والله أعلم.
ولأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصري قال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولها وهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال:
أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال.
قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّة الإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها، فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة.
وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت ريّا، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها قلبطرة، وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله.
قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّص الرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفي الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟
فلا سبيل للناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره.
وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية. حدثني القاضي المفضل أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي عارض الجيش لصلاح الدين يوسف بن أيوب، قال: حدثني الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد الأبّي، وأبّة من بلاد افريقية، قال: اذكر ليلة وانا امشي مع الأديب ابي بكر احمد بن محمد العيدي على ساحل بحر عدن، وقد تشاغلت عن الحديث معه فسألني: في أي شيء أنت مفكر؟ فعرّفته أنني قد عملت في تلك الساعة شعرا، وهو هذا:
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ طرف الذي أهواه ينظره
فقال مرتجلا:
يا راقد الليل بالإسكندرية لي ... من يسهر الّليل، وجدا بي، وأسهره
ألاحظ النجم تذكارا لرؤيته، ... وإن مرى دمع أجفاني تذكّره
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ عين الذي أهواه تنظره قلت: ولو استقصينا في أخبار الإسكندرية جميع ما بلغنا لجاء في غير مجلّد، وهذا كاف بحمد الله.

إِسْبَسْكَثُ

إِسْبَسْكَثُ:
بالكسر ثم السكون، وفتح الباء الموحدة، وسكون السين أيضا، وفتح الكاف، والثاء مثلثة: قرية على فرسخــين من سمرقند، منها أبو حامد أحمد بن بكر الإسبسكثي.

أَرْوَى

أَرْوَى:
بالفتح ثم السكون، وفتح الواو، والقصر، وهو في الأصل جمع أروية: وهو الأنثى من الوعل، وهو أفعولة إلّا أنهم قلبوا الواو الثانية ياء وأدغموها في التي بعدها وكسروا الأولى لتسلم الياء، وثلاث أراويّ فإذا كثرت فهي الأروى على أفعل، بغير قياس، وبه سميّت المرأة، وهذا الماء أيضا وهو بقرب العقيق عند الحاجر يسمّى مثلثة أروى: وهو
ماء لفزارة، وفيه يقول شاعرهم:
وإنّ بأروى معدنا، لو حفرته ... لأصبحت غنيانا كثير الدراهم
وأروى أيضا قرية من قرى مرو على فرسخــين، ينسب إليها أبو العباس أحمد بن محمد بن عميرة بن عمرو بن يحيى بن سليم الأرواوي.

أَرْنِيطُ

أَرْنِيطُ:
بوزن الذي قبله إلا أن آخره طاء مهملة:
مدينة في شرقي الأندلس من أعمال تطيلة مطلة على أرض العدوّ، بينها وبين تطيلة عشرة فراسخ، وبينها وبين سرقسطة سبعة وعشرون فرسخــا، قال ابن حوقل: هي بعيدة عن بلاد الإسلام.

أَرْمَئِيلُ

أَرْمَئِيلُ:
بالفتح ثم السكون، وفتح الميم، وهمزة مكسورة، وياء خالصة ساكنة، ولام: مدينة كبيرة بين مكران والدّيبل من أرض السّند، بينها وبين البحر نصف فرسخ في الإقليم الثاني، طولها اثنتان وتسعون درجة وخمس عشرة دقيقة، وعرضها من جهة الجنوب خمس وعشرون درجة وست وأربعون دقيقة.

باجَخُوستُ

باجَخُوستُ:
بفتح الجيم، وضم الخاء المعجمة، وواو ساكنة، وسين مهملة ساكنة أيضا، وتاء مثناة:
قرية كبيرة من قرى مرو، على فرسخــين من مرو، منها: أبو سهل النّعمان الأكّار الباجخوستي، كان صالحا عابدا، ذكره أبو سعد في شيوخه وقال:
إنه مات في رمضان سنة 548.

بارْجَاخ

بارْجَاخ:
قيل: تلّ بينه وبين الشاش بما وراء النهر في أطراف بلاد الترك أربعون فرسخــا، حوله ألف عين تجيء من المشرق إلى المغرب، وتسمى بركوب آب أي الماء المغلوب، يصاد فيه الدّرّاج الأسود.

أُرْشُذُونَةُ

أُرْشُذُونَةُ:
بالضم ثم السكون، وضم الشين المعجمة، والذال المعجمة، وواو ساكنة، ونون، وهاء: مدينة بالأندلس معدودة في أعمال ريّة قبلي قرطبة، بينها وبين قرطبة عشرون فرسخــا.

بُرَاقُ

بُرَاقُ:
بالضم: من قرى حلب بينهما نحو فرسخ، حدثني غير واحد من أهل حلب أن بها معبدا يقصده المرضى والزّمنى فيبيتون فيه فيرى المريض من يقول له شفاؤك في كذا وكذا، أو يرى شخصا يمسح بيده على مرضه فيبرأ، وهذا مستفاض في أهل حلب، والله أعلم، ولعل الأخطل إياه عنى بقوله:
وماء تصبح القلصات منه، ... كخمر براق قد فرط الأجونا

بَرْزَند

بَرْزَند:
الدال مهملة: بلد من نواحي تفليس من أعمال جرزان من أرمينية الأولى، كان أول من عمرها الأفشين وجعلها معسكرا له بعد أن كانت خرابة، وقال الاصطخري: بين برزند وأردبيل خمسة عشر فرسخــا، وقال أبو سعد: برزند من نواحي أذربيجان وقد ذكرنا أنها من أعمال تفليس وعمارة الأفشين، وأظن أن الموضع الذي عمره الأفشين برزنج أو موضع آخر يوافق اسمه اسم هذا، والله أعلم فليحقق، منها أبو منصور صالح بن بديل ابن علي البرزندي، روى عن أبي الغنائم عبد الصمد ابن علي بن المأمون وأبي منصور بكر بن حيدر، سمع منه أبو القاسم الرّويدشتي، مات ببغداد في شعبان سنة 493، وبديل بن علي بن بديل البرزندي أبو القاسم الفقيه، روى عن أبي طالب العشاري وأبي إسحاق البرمكي، وكان صدوقا، قاله شيرويه.

بَرْزَنْج

بَرْزَنْج:
بالفتح ثم السكون، وفتح الزاي، وسكون النون، وجيم: مدينة من نواحي أرّان، بينها وبين برذعة ثمانية عشر فرسخــا في طريق باب الأبواب، وفي برزنج المعبر الذي على نهر الكرّ يعبر فيه إلى شماخي مدينة شروان.

الأَثْلَةُ

الأَثْلَةُ:
بلفظ واحد الأثل: موضع قرب المدينة في قول قيس بن الخطيم:
والله ذي المسجد الحرام، وما ... جلّل من يمنة لها خنف
إنّي لأهواك، غير ذي كذب، ... قد شفّ منّي الأحشاء والشّغف
بل ليت أهلي وأهل أثلة في ... دار قريب، بحيث نختلف
كذا قيل في تفسيره والظاهر أنه اسم امرأة.
والأثلة أيضا قرية بالجانب الغربي من بغداد على فرسخ واحد.

بَرَدَى

بَرَدَى:
بثلاث فتحات، بوزن جمزى وبشكى، قال جرير:
لا ورد للقوم إن لم يعرفوا بردى، ... إذا تجوّب عن أعناقها السّدف
أعظم أنهر دمشق، وقال نفطويه: هو بردى ممال يكتب بالياء، مخرجه من قرية يقال لها قنوا من كورة الزّبداني على خمسة فراسخ من دمشق مما يلي بعلبكّ، يظهر الماء من عيون هناك ثم يصبّ إلى قرية تعرف بالفيجة على فرسخــين من دمشق، وتنضمّ إليه عين أخرى ثم يخرج الجميع إلى قرية تعرف بجمرايا فيفترق حينئذ فيصير أكثره في بردى، ويحمل الباقي نهر يزيد، وهو نهر حفره يزيد ابن معاوية في لحف جبل قاسيون، فإذا صار ماء بردى إلى قرية يقال لها دمّر افترق على ثلاثة أقسام، لبردى منه نحو النصف، ويفترق الباقي نهرين، يقال لأحدهما: ثورا في شمالي بردى، وللآخر بأناس في قبليّه، وتمتزج هذه الأنهر الثلاثة بالوادي ثم بالغوطة حتى يمرّ بردى بمدينة دمشق في ظاهرها فيشق ما بينها وبين العقيبة حتى يصبّ في بحيرة المرج في شرقي دمشق، وهو أهبط أنهار دمشق، وإليه تنصبّ فضلات أنهرها، ويساوقه من الجهة الشمالية نهر ثورا، وفي شمال ثورا نهر يزيد، إلى أن ينفصل عن دمشق وبساتينها، ومهما فضل من ذلك كله صبّ في بحيرة المرج. وأما بأناس فإنه يدخل إلى وسط مدينة دمشق فيكون منه بعض مياه قنواتها وقساطلها وينفصل باقيه فيسقي زروعها من جهة الباب الصغير والشرقي. وقد أكثر الشعراء في وصف بردى في شعرهم وحق لهم، فإنه بلا شك أنزه نهر في الدنيا، فمن ذلك قول ذي القرنين أبي المطاع بن حمدان:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلا استخفّني، ... إلى بردى والنّيربين، حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف يكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال العمّاد أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني الكاتب يذكر هذه الأنهر من قصيدة:
إلى ناس بأناس لي صبوة، ... لها الوجد داع وذكري مثير
يزيد اشتياقي وينمو، كما ... يزيد يزيد وثورا يثور
ومن بردى برد قلبي المشوق، ... فها أنا من حرّه مستجير
وبردى أيضا: جبل بالحجاز في قول النعمان بن بشير:
يا عمرو لو كنت أرقى الهضب من بردى ... أو العلى من ذرى نعمان أو جردا
وكلّ هذه مواضع بالحجاز.
بما رقيتك لاستهويت مانعها، ... فهل تكوننّ إلا صخرة صلدا؟
وبردى أيضا: من قرى حلب من ناحية السّهول.
وبردى أيضا: نهر بثغر طرسوس.

بَرْدِيجُ

بَرْدِيجُ:
بسكون الراء، وكسر الدال، وياء ساكنة، وجيم: مدينة بأقصى أذربيجان، بينها وبين برذعة أربعة عشر فرسخــا، والماء يحيط بها في نهر يقارب دجلة في العظم يقال له الكرّ، ينسب إليها الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي، سمع نصر بن علي الجهضمي وبكار بن قتيبة وسعيد ابن أيوب الواسطي وغيرهم، روى عنه جعفر بن أحمد ابن سنان القطّان وسليمان الطبراني وابن عدي وغيره، وقال حمزة بن يوسف السّهمي: سألت الدارقطني عن أبي بكر البرديجي فقال: ثقة مأمون جبل، مات في شهر رمضان سنة 301، وهو أحد أركان الحديث.

أَثُور

أَثُور:
بالفتح ثم الضم وسكون الواو وراء: كانت الموصل قبل تسميتها بهذا الاسم تسمّى أثور. وقيل أقور بالقاف. وقيل هو اسم كورة الجزيرة بأسرها وبقرب السلامية. وهي بليدة في شرقي الموصل بينهما نحو فرسخ مدينة خراب يباب يقال لها أقور وكأن الكورة كانت مسمّاة بها، والله أعلم.

بِرَامٌ

بِرَامٌ:
يروى بكسر أوله وفتحه والفتح أكثر، قال نصر: جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع، وقيل: هو على عشرين فرسخــا من المدينة، وذكر الزّبير أودية العقيق فقال: ثم قلعة برام، وفيها يقول المحرّق المزني وهو ابن أخت معن بن أوس المزني:
وإنّي لأهوى، من هوى بعض أهله، ... براما وأجزاعا بهنّ برام
وكان أوس بن حارثة بن لام الطائيّ قد أغار على هوازن في بلادهم فسبى منهم سبيا، فقصده أبو براء عامر بن مالك فيهم فأطلقهم له وكساهم، فقال أبو براء:
ألم ترني رحلت العيس، يوما، ... إلى أوس بن حارثة بن لام
إلى ضخم الدّسيعة مذحجيّ، ... نماه من جديلة خير نام
وفي أسرى هوازن أدركتهم ... فوارس طيّء، بلوى برام
تقرّب ما استطاع أبو بجير، ... وفكّ القوم من قبل الكلام
فما أوس بن حارثة بن لام ... بغمر، في الحروب، ولا كهام
وكان عبد الله بن الزبير قد نفى من المدينة من كان بها من بني أمية، وكان فيهم أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فلحق بالشام فحنّ إلى أوطانه فقال أشعارا بتشوّقه، منها:
ليت شعري، وأين منّي ليت، ... أعلى العهد يلبن فبرام
أم كعهدي العقيق أم غيّرته، ... بعدي، الحادثات والأيام
وبقومي بدّلت لخما وعكّا ... وجذاما، وأين منّي جذام؟
وتبدّلت من مساكن قومي ... والقصور، التي بها الآطام:
كلّ قصر مشيّد ذي أواسي، ... يتغنّى على ذراه الحمام
أقر منّي السلام إن جئت قومي، ... وقليل لهم لديّ السلام
أقطع الليل كلّه باكتئاب ... وزفير، فما أكاد أنام
نحو قومي، إذ فرّقت بيننا الدا ... ر، وحادت عن قصدها الأحلام
خشية أن يصيبهم عنت الده ... ر وحرب يشيب فيها الغلام
ولقد حان أن يكون، لهذا ال ... بعد عنّا، تباعد وانصرام
فبلغت هذه الأبيات وغيرها من شعره إلى عبد الله بن الزبير فقال: حنّ أبو قطيفة، ألا من رآه فليبلغه عنّي أني قد أمّنته فليرجع. فرجع فمات قبل أن يبلغ المدينة.

الأَجْفُر

الأَجْفُر:
بضم الفاء، جمع جفر، وهو البئر الواسعة لم تطو: موضع بين فيد والخزيمية، بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخــا نحو مكة. وقال الزمخشري:
الأجفر ماء لبني يربوع، انتزعته منهم بنو جذيمة.

بانِقْيا

بانِقْيا:
بكسر النون: ناحية من نواحي الكوفة ذكرها في الفتوح، وفي أخبار إبراهيم الخليل، عليه السلام:
خرج من بابل على حمار له ومعه ابن أخيه لوط يسوق غنما ويحمل دلوا على عاتقه حتى نزل بانقيا، وكان طولها اثنى عشر فرسخــا، وكانوا يزلزلون في كل ليلة فلما بات إبراهيم عندهم لم يزلزلوا، فقال لهم شيخ بات عنده إبراهيم، عليه السلام: والله ما دفع عنكم إلا بشيخ بات عندي فإني رأيته كثير الصلاة، فجاؤوه وعرضوا عليه المقام عندهم وبذلوا له البذول، فقال: إنما خرجت مهاجرا إلى ربي. وخرج حتى أتى النّجف، فلما رآه رجع أدراجه أي من حيث مضى، فتباشروا وظنوا أنه رغب فيما بذلوا له، فقال لهم: لمن تلك الأرض؟ يعني النجف، قالوا:
هي لنا، قال: فتبيعونيها؟ قالوا: هي لك فو الله ما تنبت شيئا، فقال: لا أحبها إلا شراء، فدفع إليهم غنيمات كنّ معه بها، والغنم يقال لها بالنبطية نقيا، فقال: أكره أن آخذها بغير ثمن، فصنعوا ما صنع أهل بيت المقدس بصاحبهم وهبوا له أرضهم، فلما نزلت بها البركة رجعوا عليه، وذكر إبراهيم، عليه السلام، أنه يحشر من ولده من ذلك الموضع سبعون ألف شهيد، فاليهود تنقل موتاها إلى هذا المكان، لهذا السبب. ولما رأى، عليه السلام، غدرهم به تركهم ومضى نحو مكة في قصة فيها طول، وقد ذكرها الأعشى فقال:
فما نيل مصر، إذ تسامى عبابه، ... ولا بحر بانقيا، إذا راح مفعما
بأجود منه نائلا، إنّ بعضهم ... إذا سئل المعروف صدّ وجمجما
وقال أيضا:
قد سرت ما بين بانقيا إلى عدن، ... وطال في العجم تكراري وتسياري
وأما ذكرها في الفتوح فقال أحمد بن يحيى: لما قدم خالد بن الوليد، رضي الله عنه، العراق بعث بشير ابن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري إلى بانقيا فخرج
عليه فرّخبنداذ في جيش فهزمهم بشير وقتل فرخبنداذ، وانصرف بشير وبه جراحة فمات بعين التمر، ثم بعث خالد جرير بن عبد الله إلى بانقيا فخرج إليه بصبهري بن صلوبا فاعتذر إليه وصالحه على ألف درهم وطيلسان، وقال: ليس لأحد من أهل السواد عهد إلا لأهل الحيرة وألّيس وبانقيا، فلذلك قالوا: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة، وذكر إسحاق بن بشير أبو حذيفة فيما قرأته بخط أبي عامر العبدري بإسناده إلى الشعبي: أن خالد بن الوليد سار من الحيرة حتى نزل بصلوبا صاحب بانقيا وسمّيا على ألف درهم وزن ستة، وكتب لهم كتابا فهو عندهم إلى اليوم معروف، قال: فلما نزل بانقيا على شاطئ الفرات قاتلوه ليلة حتى الصباح، فقال في ذلك ضرار ابن الأزور الأسدي:
أرقت ببانقيا، ومن يلق مثل ما ... لقيت ببانقيا من الحرب يأرق
فلما رأوا أنه لا طاقة لهم بحربه طلبوا إليه الصلح فصالحهم، وكتب لهم كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن بصبهري ومنزله بشاطئ الفرات، إنك آمن بأمان الله على حقن دمك في إعطاء الجزية عن نفسك وجيرتك وأهل قريتك بانقيا وسمّيا على ألف درهم جزية، وقد قبلنا منك ورضي من معي من المسلمين بذلك، فلك ذمة الله وذمة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وذمة المسلمين على ذلك، شهد هشام بن الوليد وجرير بن عبد الله بن أبي عوف وسعيد بن عمرو، وكتب سنة 13 والسلام، ويروى أن ذلك كان سنة 12، وبانقيا أيضا: من رستاق منبج على أميال من المدينة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.