Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: شوال

كَلْوَاذَى

كَلْوَاذَى:
مثل الذي قبله إلا أن آخره ألف تكتب ياء مقصورة: وهو طسّوج قرب مدينة السلام بغداد وناحية الجانب الشرقي من بغداد من جانبها وناحية الجانب الغربي من نهر بوق، وهي الآن خراب أثرها باق، بينها وبين بغداد فرسخ واحد للمنحدر، وقد ذكرها الشعراء ولهج كثيرا بذكرها الخلعاء، وقد أوردنا في طيزناباذ والفرك شعرين فيهما ذكر كلواذى لأبي نواس، وقال أيضا يهجو إسماعيل بن صبيح:
أحين ودّعنا يحيى لرحلته ... وخلّف الفرك واستعلى لكلواذى
أتته فقحة إسماعيل مقسمة ... عليه أن لا يريم الدهر بغداذا
فحرفه ردّه لا قول فقحته ... أقم عليّ ولا هذا ولا هذا
وقال مطيع بن إياس:
حبّذا عيشنا الذي زال عنّا، ... حبّذا ذاك حين لا حبّذا ذا
زاد هذا الزمان شرّا وعسرا ... عندنا إذ أحلّنا بغداذا
بلدة تمطر التراب على النا ... س كما تمطر السماء الرّذاذا
خربت عاجلا، وأخرب ذو العر ... ش بأعمال أهلها كلواذى
ينسب إليها جماعة من النّحاة، منهم: أبو الخطّاب محظوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي ويقال الكلواذي الفقيه الحنبلي الكثير الفضل والعلم والأدب والكتابة وله شعر حسن جيد، سمع أبا محمد الجوهري
وأبا طالب العشاري وغيرهما، سمع منه جماعة من الأئمة، توفي سنة 515، ومولده في شوال سنة 432، وذكر أهل السير أنها سميت بكلواذى بن طهمورث الملك، وفي كتاب محمد بن الحسن الحاتمي الذي سماه جبهة الأدب يبتدئ فيه بالرد على المتنبي قال:
قلت له، يعني للمتنبي: أخبرني عن قولك:
طلب الإمارة في الثغور، ونشوه ... ما بين كرخايا إلى كلواذى
من أين لك هذه اللغة في كلواذى، ما أحسبك أخذتها إلا عن الملّاحين، قال: وكيف؟ قلت: لأنك أخطأت فيها خطأ تعثّرت فيه ضالّا عن وجه الصواب، قال: ولم؟ قلت: لأن الصواب كلواذ بكسر الكاف وإسكان اللام وإسقاط الياء، قال:
وما الكلواذ؟ قلت: تابوت التوراة وبها سميت المدينة، قال: وما الدليل على هذا؟ قلت: قول الراجز:
كأن أصوات الغبيط الشادي ... زير مهاريق على كلواذ
والكلواذ: تابوت توراة موسى، عليه السلام، وحكي في بعض الروايات أنه مدفون في هذا الموضع فمن أجله سميت كلواذ، قال: فأطرق المتنبي لا يجيب جوابا ثم قال: لم يسبق إليّ علم هذا والقول منك مقبول والفائدة غير مكفورة.

المالِكِيّةُ

المالِكِيّةُ:
نسبت إلى رجل اسمه مالك: قرية على باب بغداد وأخرى على الفرات بالعراق، وينسب إليها أبو الفتح عبد الوهاب بن محمد بن الحسين الصابوني الخفّاف المالكي الحنبلي، حدّث عن أبي الخطّاب نصر بن أحمد بن البطر وغيره، ثقة صالح،
ذكره السمعاني في مشايخه وقال: مولده سنة 482، وابنه عبد الخالق بن عبد الوهاب، روى عن أبي المعالي أحمد بن محمد البخاري البزاز وأبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحسين وأبي عبد العزيز كادش وغيرهم، وتوفي في شوال سنة 592 وقد نيف على الثمانين وهو من المكثرين، قال أبو زياد: ومن مياه عمرو بن كلاب المالكية.

مَالِينُ

مَالِينُ:
بكسر اللام، وياء مثناة من تحت ساكنة، قال الأديبي: مالين قرينة على شط جيحون، وقال أبو سعد: مالين في موضعين أحدهما كورة ذات قرى مجتمعة على فرسخين من هراة يقال لجميعها مالين وأهل هراة يقولون مالان، وإليها ينسب أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الماليني الصوفي كان أحد الرحّالين في طلب الحديث ما بين الشاش إلى الإسكندرية وسمع الكثير، روى عن أبي عمرو ابن نجيد السلمي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد بن عدي وغيرهم، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي وخلق لا يحصى، ومات بمصر سنة 412. ومالين أيضا: من قرى باخرز، وينسب إلى مالين باخرز منصور بن محمد بن أبي نصر منصور الهلالي الباخرزي الماليني أبو نصر، سكن مالين وكان شيخا فقيها صالحا ورعا كثير العبادة مكثرا من الحديث، سمع أبا بكر أحمد بن علي الشيرازي وموسى بن عمران الأنصاري وأبا نزار عبد الباقي بن يوسف المراغي، كتب عنه أبو سعد، وكانت ولادته سنة 466 بمالين باخرز وقتل بنيسابور في وقعة الغزّ في الحادي عشر من شوال سنة 546، ورأيت مالين هراة فقيل لي إنها خمس وعشرون قرية، وقال الإصطخري: من نيسابور إلى بوزجان على يسار الجائي من هراة إلى نيسابور على مرحلة منها مالين وتعرف بمالين كباخرز وليس بمالين هراة.

مَامَطِيرُ

مَامَطِيرُ:
بفتح الميم الثانية، وكسر الطاء: بليدة من نواحي طبرستان قرب آملها، ينسب إليها المهدي بن محمد بن العباس بن عبد الله بن أحمد بن يحيى المامطيري أبو الحسن الطبري يعرف بابن سرهنك، قال شيرويه: قدم همذان في شوال سنة 440، روى عن أبي جعفر أحمد بن محمد صاحب عبد الرحمن بن أبي حاتم والحاكم أبي عبد الله وأبي عبد الرحمن السّلمي وذكر جماعة، قال: وحدثنا عنه محمد بن عثمان والميداني وأبو القاسم محمد بن جعفر القؤول وغيرهم، وكان صدوقا، وأبو الحسن علي بن أحمد ابن طازاد المامطيري، يروي عن عبد الله بن عتّاب ابن الرّقبي الدمشقي وغيره، روى عنه أبو سعد الماليني الحافظ.

مَاهِيَان

مَاهِيَان:
بكسر الهاء، وياء، وآخره نون: قرية بينها وبين مرو نحو فرسخين، ينسب إليها أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن أبي الفضل الماهياني،
كان فقيها فاضلا وسمع الحديث ورواه، ومات بماهيان في شوال سنة 549، ومولده في رجب سنة 492، وجماعة سواه.

مَجْدُوَانُ

مَجْدُوَانُ:
بالفتح، والسكون ثم دال مهملة مضمومة، وآخره نون: من قرى نسف، ينسب إليها أبو جعفر محمد بن النضر بن رمضان المؤذّن الزاهد المجدواني، كان عابدا صالحا أديبا، سمع غريب الحديث لأبي عبيد من أبي الحسن محمد بن طالب بن علي النسفي وغيره، وسمع منه أبو العباس المستغفري، وتوفي في شوال سنة 387.

قَرْمُونِيَةُ

قَرْمُونِيَةُ:
بالفتح ثم السكون، وضم الميم، وسكون الواو، ونون مكسورة، وياء خفيفة، وهاء: كورة بالأندلس يتصل عملها بأعمال إشبيلية غربي قرطبة وشرقي إشبيلية قديمة البنيان عصت على عبد الرحمن ابن محمد الأموي فنزل عليها بجنوده حتى افتتحها وخرّبها ثم عادت إلى بعض ما كانت عليه، وبينها وبين إشبيلية سبعة فراسخ وبين قرطبة اثنان وعشرون فرسخا، وأكثر ما يقول الناس قرمونة، ينسب إليها خطّاب بن مسلمة بن محمد بن سعيد أبو المغيرة الإيادي القرموني صاحب قرطبة، سمع من محمد بن عمر بن لبابة وأسلم بن عبد العزيز وأحمد بن خالد وقاسم بن أصبغ ورحل إلى المشرق وحج سنة 332، وسمع محمد بن الأعرابي وخلقا غيره وعاد إلى الأندلس وروى، وسمع منه ابن الفرضي وذكره في تاريخه وقال: سألته عن مولده فقال سنة 274، وتوفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة 372، وكان بصيرا بالنحو واللغة، وقال ابن صارة الأندلسي في بعض ملوك العرب وكان قد فتح قرمونة:
أطلّ على قرمونة متجلّيا ... مع الصبح حتى قلت كانا على وعد
فأرملها بالسيف ثم أعارها ... من النار أثواب الحداد على النقد
فيا حسن ذاك السيف في راحة العلى، ... ويا برد تلك النار في كبد المجد!

مُلْقَاباذ

مُلْقَاباذ:
بالضم ثم السكون، والقاف، وآخره ذال معجمة: محلة بأصبهان، وقيل بنيسابور، ينسب إليها أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد البختري الملقاباذي النيسابوري من بيت العدالة والتزكية، سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن إسماعيل الشجاعي وأبا سعد محمد بن المظهّر بن يحيى العدل البحتري وغيرهما، ذكره أبو سعد في التحبير، وكانت ولادته في سنة 470، ومات في شوال سنة 551، وعبد الله بن مسعود بن محمد بن منصور الملقاباذي أبو سعيد النسوي العثماني حفيد عميد خراسان كان قد انقطع إلى العبادة، 13- 5 معجم البلدان دار صادر
سمع أبا بكر أحمد بن علي الشيرازي وأبا المظفر موسى ابن عمران الأنصاري، سمع منه أبو سعد وأبو القاسم، وكانت ولادته سنة 462 بنيسابور، وتوفي في سنة 540 أو 541.

المَهْدِيّةُ

المَهْدِيّةُ:
بالفتح ثم السكون، في موضعين: إحداهما بإفريقية والأخرى اختطها عبد المؤمن بن عليّ قرب سلا، فأما المهديّ ففي اشتقاقه عندي أربعة أوجه:
أحدها أن يكون من المهدي، بفتح ميمه، ويعني أنه هو مهتد في نفسه لا أنه هداه غيره ولو كان ذلك لكان المهدي، بضم الميم، كقولك المرميّ والمكريّ والملقيّ، ولو كان يفعل ذلك بغيره لضمّت الميم، وليس الضم والفتح للتعدية وغير التعدية، فإن الأصمعي يقول: هداه يهديه في الدين هدى وهداه يهديه هداية إذا دلّه على الطريق، وهديت العروس فأنا أهديها هداء، وأهديت الهديّة إهداء وأهديت الهدي، هذان الأخيران بالألف والأول كما تراه ثلاثيّا متعدّيا فلا يفتقر إلى زيادة ألف التعدية فهو بمنزلة اسم الزمان والمكان وإن كان اسم رجل لأنك إذا قلت مضرب أو مشرب إنما المراد موضع
الضرب والشرب ومحلهما، فكذلك هذا المسمّى المراد أنه موضع الهدي ومحلّه، ويجوز أن يكون المهديّ منسوبا إلى اسم مكان الهدي كما أن مضربيّ منسوب إلى اسم مكان الضرب، والقياس هدى يهدي والمكان مهديّ بتصحيح الياء كما أن قاض أصله قاضي بتصحيح الياء مثل مضرب سواء ولكنهم استثقلوا الخروج من الكسر إلى الضم كما استثقلوا في القاضي والغازي فعدلوا إلى الأخفّ فقالوا مهدى كما قالوا مغزى فصار مقصورا لا يحتمل ما تحتمله الياء من التحريك في النصب فلزم طريقة واحدة وأعيدت الياء في القاضي إلى أصلها لما أمن الثقل عليها، فإن قيل فهلّا فرّوا في القاضي والغازي إلى القصر وألزموه طريقة واحدة؟ قلنا إنما فرّوا من الثقل، ولو قالوا قاضا لصار بعد الضاد ألف وقبلها ألف وصار في زنة الفعل من قاضيت ففرّوا إلى الأخفّ، لكنهم لما نسبوا إليهما ردّوهما إلى الأصل الواحد في رأيي فقالوا قاضيّ ومهديّ، فكسروا الدال التي في مهدي وشدّدوا ياء النسبة وإن كان الأشهر الأكثر قاضويّ ومهدويّ ومغزويّ إلا أن ذلك هو الأولى على أصلنا، فهذا هو وجه حسن في تعليل من قال قاضيّ ومغزيّ لا مطعن للمنصف فيه، والوجه الثاني وهو الذي يراه النحويون في هذا أن المهديّ هو اسم المفعول من هدى يهدي فهو مهديّ مثل ضرب يضرب فهو مضروب فعلى هذا أصله مهدوي، بفتح أوله وسكون ثانيه وضم الدال وسكون واوه وتصحيح يائه، بوزن مضروب، فاستثقلوا الخروج من الواو الساكنة إلى الياء فأدغموا الواو في الياء فصارت ياء مشددة فكسرت لها الدال فصار مهديّ مثل مرميّ ومشويّ ومقليّ، والوجه الثالث أن يكون منسوبا إلى المهد تشبيها له بعيسى، عليه السلام، فإنه تكلم في المهد فضيلة اختصّ بها وإنه يأتي في آخر الزمان فيهدي الناس من الضلالة ويردهم إلى الصواب، وهذه المدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان، القيروان في جنوبيها، والثياب السوسية المهدويّة إليها تنسب، وقد اختطها المهدي، واختلف في نسبه فأكثر أهل السير الذين لم يدخلوا في رعيتهم وبعض رعيتهم الذين كانوا يخفون أمرهم يزعمون أنه كان ابن يهوديّ من أهل سلمية الشام وتزوّج القدّاح الذي كان أصل هذه الدعوة بأمه فربّاه إلى أن حضرته الوفاة ولم يكن له ولد فعهد إليه وعلّمه الدعوة وكان اسمه سعيدا فلما صار الأمر إليه سمي عبيد الله، وقال قوم قليلون: إنه ولد القداح نفسه، في قصص طويلة، وقال من صحّح نسبه: إنه أحمد بن إسماعيل الثاني ابن محمد بن إسماعيل الأكبر بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، قدم إفريقية، فملكها وأقام بالقيروان مدّة ثم خطّ المهدية، وهي على ساحل بحر الروم داخلة فيه ككفّ على زند، عليها سور عال محكم كأعظم ما يكون يمشي عليه فارسان، عليها باب من حديد مصمت مصراع واحد تأنّق المهديّ في عمله، وقال بعض أهل المعرفة بأخبارهم:
في سنة 300 خرج المهدي بنفسه إلى تونس يرتاد لنفسه موضعا يبني فيه مدينة خوفا من خارج يخرج عليه، وأراد موضعا حصينا حتى ظفر بموضع المهدية وهي جزيرة متصلة بالبرّ كهيئة كف متصلة بزند، فتأمّلها فوجد فيها راهبا في مغارة فقال له: بم يعرف هذا الموضع؟ فقال: هذا يسمّى جزيرة الخلفاء، فأعجبه هذا الاسم فبناها وجعلها دار مملكته وحصّنها بالسور المحكم والأبواب الحديد المصمت وجعل في كل مصراع من الأبواب مائة قنطار، ولها بابان بأربعة مصاريع لكل باب منها دهليز يسع خمسمائة فارس،
وكان شروعه في اختطاطها لخمس خلون من ذي القعدة سنة 303، وقال أبو عبيد البكري: كان شروعه فيها سنة 300 وكمّل سورها في سنة خمس وانتقل إليها سنة ثمان في شوال، ولم تزل دار مملكة لهم إلى أن ولي الأمر إسماعيل بن أبي القاسم سنة 44 فسار إلى القيروان محاربا لأبي يزيد واتخذ مدينة صبرة واستوطنها بعد أبيه معدّ وعمل فيها مصانع واحتفر أبآرا وبنى فيها قصورا عالية، قال بطليموس: مدينة برقة وهي المهدية طولها اثنتان وثلاثون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب تحت اثنتي عشرة درجة، منزلها من قلب العقرب الجناح الأيمن ولها ممسك العنان ولها جبهة الليث تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها اثنتا عشرة درجة من الجدي، وقال أبو عبيد البكري: جعل لمدينتها بابا حديد لا خشب فيهما كل باب وزنه ألف قنطار وطوله ثلاثون شبرا كل مسمار من مساميره ستة أرطال وجعل فيها من الصهاريج العظام، وأهل تلك النواحي يسمّونها مواجل، ثلاثمائة وستين موجلا غير ما يجري إليها من القناة التي فيها، والماء الجاري الذي بالمهدية جلبه عبيد الله من قرية ميّانش وهي على مقربة من المهدية في أول أقداس ويصبّ في المهدية في صهريج داخل المدينة عند جامعها ويرفع من الصهريج إلى القصر بالدواليب وكذلك يسقي أيضا من قرية ميّانش من الآبار بالدواليب يصبّ في محبس يجري منه في تلك القناة، قال: ومرسى المهدية منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركبا، على طرفي المرسى برجان بينهما سلسلة حديد فإذا أريد إدخال سفينة أرسل حرّاس البرجين أحد طرفي السلسلة حتى تدخل السفينة ثم يمدّونها كما كانت تحبيسا لها، ولما فرغ من إحكام ذلك قال: اليوم أمنت على الفاطميّات، يعني بناته، وارتحل إليها وأقام بها ثم عمّر فيها الدكاكين ورتب فيها أرباب المهن كلّ طائفة في سوق فنقلوا إليها أموالهم فلما استقام ذلك أمر بعمارة مدينة أخرى إلى جانب المهدية وجعل بين المدينتين قدر طول ميدان وأفردها بسور وأبواب وحفظة وسماها زويلة وأسكن أرباب الدكاكين من البزّازين وغيرهم فيها بحرمهم وأهاليهم وقال: إنما فعلت ذلك لآمن غائلتهم وذاك أن أموالهم عندي وأهاليهم هناك، فإن أرادوني بكيد وهم بزويلة كانت أموالهم عندي فلا يمكنهم ذلك، وإن أرادوني بكيد وهم بالمهدية خافوا على حرمهم هناك، وبنيت بيني وبينهم سورا وأبوابا فأنا آمن منهم ليلا ونهارا لأني أفرّق بينهم وبين أموالهم ليلا وبينهم وبين حرمهم نهارا، وشرب أهلها من الآبار والصهاريج، ومهما ذكرنا من حصانتها فإن أحوال ملوكها تناقضت حتى أفضى الأمر إلى أن أنفذ روجار صاحب صقليّة جرجي إليها في سنة 543 فأخلاها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس وخرج هاربا حتى لحق بعبد المؤمن وبقيت في يد الأفرنج اثنتي عشرة سنة حتى قدم عبد المؤمن في سنة 555 إلى إفريقية فأخذ المهدية في أسرع وقت فهي في يد أصحابه إلى يومنا هذا ولم تغن حصانتها في جنب قضاء الله شيئا، وينسب إلى المهدية جماعة وافرة من العلماء في كل فنّ، منهم: أبو الحسن علي بن محمد بن ثابت الخولاني المعروف بالحدّاد المهدوي القائل:
قالت، وأبدت صفحة ... كالشمس من تحت القناع:
بعت الدفاتر وهي آ ... خر ما يباع من المتاع
فأجبتها، ويدي على ... كبدي وهمّت بانصداع:
لا تعجبي فيما رأي ... ت فنحن في زمن الضّياع

مِيرْتُلَةُ

مِيرْتُلَةُ:
بالكسر، جمع بين ساكنين، وتاء مثناة من فوقها مضمومة، ولام: حصن من أعمال باجة وهو أحمى حصون المغرب وأمنعها من الأبنية القديمة على نهر آنا، ينسب إليه محمد بن عبد الله بن عمر بن عبد الله بن إبراهيم بن غانم بن موسى بن حفص بن مندلة أبو بكر من أهل إشبيلية وأصله من ميرتلة، صحب أبا الحجاج الأعلم كثيرا وأخذ عن أبي محمد بن خزرج وأبي مروان بن سرّاج وغيرهما، كان أديبا لغويّا شاعرا فصيحا وقد أخذ عنه، وتوفي في عقب شوال سنة 533، ومولده في جمادى الأولى سنة 444.

مِيلَةُ

مِيلَةُ:
بالكسر ثم السكون، ولام: مدينة صغيرة بأقصى إفريقية، بينها وبين بجاية ثلاثة أيام، ليس لها غير المزدرع وهي قليلة الماء، بينها وبين قسطنطينية يوم واحد، قال البكري: وفي سنة 378 في شوال خرج المنصور بن المهدي من القيروان غازيا لكتامة فلما قرب من ميلة زحف إليها ناويا على اصطلام أهلها واستباحتها، فخرج إليه النساء والعجائز والأطفال فلما رآهم بكى وأمر ألا يقتل منهم واحد، وأمر بهدم سورهم وتسيير من فيها إلى مدينة باغاية، فخرجوا بجماعتهم يريدونها وقد حملوا ما خفّ من أمتعتهم، فلقيهم ماكس بن زيري بعسكر فأخذ جميع ما كان معهم وبقيت ميلة خرابا ثم عمّرت بعد ذلك وسوّرت وجعل فيها سوق وحمامات، وهي من أصل مدن الزاب، في وسطها عين تعرف بعين أبي السباع مجلوبة تحت الأرض من جبل بني ساروت.

نَفْزَةُ

نَفْزَةُ:
بالفتح ثم السكون، وزاي: مدينة بالمغرب بالأندلس، وقال السلفي: نفزة، بكسر النون، قبيلة كبيرة منها بنو عميرة وبنو ملحان المقيمون بشاطبة، ينسب إليها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن الفقيه النفزي أحد الأئمة على مذهب مالك وله تصانيف، وأبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن النفزي الأندلسي، سمع مشايخنا ودخل نيسابور وأصبهان وخرج من بغداد سنة 613 ودخل شيراز، وأبو عبد الله محمد بن سليمان الميالسي النفزي وهو ابن أخت غانم بن الوليد بن عمرو بن عبد الرحمن المخزومي أبي محمد من الأندلس، روى عن خاله، مات في شوال سنة 525، ومولده سنة 434، قال أبو الحسن المقدسي: وأبو محمد عبد الغفور بن عبد الله بن محمد بن عبد الله النفزي وله تصانيف، مات في ربيع الآخر سنة 539، وأبوه من أهل الرواية، مات في سنة 537.

الواحاتُ

الواحاتُ:
واحدها واح، على غير قياس، لا أعرف معناها وما أظنها إلا قبطية: وهي ثلاث كور في غربي مصر ثم غربي الصعيد لأن الصعيد يحوطه جبلان
غربي وشرقي وهما جبلان مكتنفا النيل من حيث يعلم جريانه إلى أن ينتهي الجبل الشرقي إلى المقطّم بمصر وينقطع وليس وراءه غير بادية العرب والبحر القلزمي والآخر إلى البحر، فما وراء الجبل الغربي الواح الأول أوله مقابل الفيوم ممتدّ إلى أسوان، وهي كورة عامرة ذات نخيل وضياع حسنة وفيها تمر جيد أفخر تمور مصر وهي أكبر الواحات، وبعدها جبل آخر ممتدّ كامتداد الذي قبله وراءه كورة أخرى يقال لها واح الثانية وهي دون تلك العمارة، وخلفها جبل ممتد كامتداد الذي قبله وراءه كورة أخرى يقال لها واح الثالثة وهي دون الأوليين في العمارة، ومدينة الواح الثالثة يقال لها سنترية، بالسين المهملة، وفيها نخل كثير ومياه جمّة منها مياه حامضة يشربها أهل تلك النواحي وإذا شربوا غيرها استوبأوها، وبين أقصى واح الثالثة وبلاد النوبة ست مراحل، وبها قبائل من البربر من لواتة وغيرهم، وقد نسب إليهم قوم من أهل العلم، وبعد ذلك بلاد فزان والسودان، والله أعلم بما وراء ذلك، وينسب إلى واح عبد الغني بن بازل بن يحيى الواحيّ المصري أبو محمد، قال شيرويه: قدم علينا همذان في شوال سنة 467، روى عن أبي الصلت الطبري وأبي الحسن علي بن عبد الله القصّاب الواسطي وأبي سعد محمد بن عبد الرحمن النيسابوري وأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، وذكر كما أدّى وقال:
سمعت منه بهمذان وبغداد، وكان صدوقا، وقال السلفي: أنشدني أبو الثناء محمود بن أسلان الخالدي أنشدني أبو عبد الله الطباخ الواحي لنفسه وقال:
طل مدة الهجران ما شئت وارفض، ... فما صدّك المضني الحشا صدّ مبغض
وإلا فما للقلب أنّى ذكرتكم ... ينازعني شوقا إليكم ويقتضي
ولولا شهادات الجوارح بالذي ... علمتم لما عرّضت نفسي لمعرض
وأعلم أني إن بعدت فذكركم ... يراني بعين القلب كالقمر المضي
وربّتما كأس أهمّ بشربها ... سروري ولم تسفح حذار محرّض
نعم وجليس دام يجلس مجلسا ... بغير حفاظ لي فقيل له انهض
فيا ذا الرياسات الموفّق حامدا ... دعاء محبّ معرض متعرض
أتحيا على الدنيا سعيدا مملّكا، ... وأحتاج فيها للغنى والتركّض؟
وللغير بحر من عطائك زاخر، ... وما لي منه حسوة المتبرّض
أقل واصطنع واصفح ولن واغتفر وجد ... أمل وتفضّل وأحب وأنعم وعوّض
ولا تحوجنّي للشفيع فما أرى ... به ولو انّ العمر في الهجر ينقضي
فما أحد في الأرض غيرك نافعي، ... وأنت كما أهوى مصحّي وممرضي
وما لك مثلي والحظوظ عجيبة، ... ولكنّ من يكثر على المرء يدحض

قُوْنْكَةُ

قُوْنْكَةُ:
بوزن التي قبلها إلّا أن هذه بالكاف:
مدينة بالأندلس من أعمال شنتبرية، ينسب إليها إبراهيم بن محمد بن خيرة أبو إسحاق القونكي، روى ببلدته عن قاضيها أبي عبد الله محمد بن خلف بن السقّاط، سمع منه صحيح البخاري وسكن قرطبة فأخذ بها عن أبي عليّ العسّالي كثيرا وعن أبي عبد الله محمد بن كرج وغيرهما، وكان حافظا للحديث، ومات في شوّال سنة 517، قاله ابن بشكوال.

فَرَاوَةُ

فَرَاوَةُ:
بالفتح، وبعد الألف واو مفتوحة: وهي بليدة من أعمال نسا بينها وبين دهستان وخوارزم، خرج منها جماعة من أهل العلم، ويقال لها رباط فراوة، بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون، وممن نسب إليها أبو نعيم محمد بن القاسم الفراوي صاحب الرباط بفراوة، سمع حميد بن زنجويه وغيره، روى عنه أبو إسحاق محمد بن يحيى وغيره، وكان مجتهدا في العبادة، وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد الفراوي شيخ شيوخنا، كان إماما متفننا مناظرا محدّثا واعظا مكرما لأهل العلم، سمع أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبا حفص عمر بن أحمد بن محمد بن مسرور وأبا بكر محمد ابن القاسم الصفّار وأبا إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي وأبا بكر أحمد بن الحسن البيهقي وأبا القاسم القشيري وأبا المعالي الجويني وخلقا كثيرا سواهم، روى عنه شيخنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي وأبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة بالإجازة، وله مجالس في الوعظ والتذكير مجموعة، ومات سنة 503 في شوال بنيسابور ودفن عند قبر محمد بن إسحاق بن حربة، وكان مولده سنة إحدى وستين أو أربعين وأربعمائة، ومنصور ابن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي أبو القاسم بن أبي المعالي بن أبي البركات بن أبي عبد الله بن أبي مسعود النيسابوري أحد العدول المزكّين من بيت مشهور بالرواية، قدم منصور بغداد وحدّث بها عن جدّه أبي البركات وعن جد أبيه أبي عبد الله الفراوي وعاد إلى بلده، وروى هناك الكثير عن جدّ أبيه وعن وجيه بن طاهر الشحامي، ومولده في شهر رمضان سنة 522، وتوفي بنيسابور سنة 608.

خُوارُ

خُوارُ:
بضم أوله، وآخره راء: مدينة كبيرة من أعمال الريّ بينها وبين سمنان للقاصد إلى خراسان على رأس الطريق تجوز القوافل في وسطها، بينها وبين الريّ نحو عشرين فرسخا، جئتها في شوال سنة 613، وقد غلب عليها الخراب، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم، منهم: أبو يحيى زكرياء بن مسعود الأشقر الخواري، حدث عن عليّ بن حرب الموصلي.
وخوار أيضا: قرية من أعمال بيهق من نواحي نيسابور، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم، منهم:
أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري البيهقي، إمام مسجد الجامع بنيسابور أحد الأئمة المشهورين، حدث عن الإمامين أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي وأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي بقطعة من تصانيفهما، روى عنه جماعة من الأئمة، آخرهم شيخنا المؤيد بن محمد بن عليّ الطوسي وغيره، فإنه حدث عنه بالوسيط وغيره، ومات في تاسع عشر شعبان سنة 536، وأخوه عبد الحميد بن محمد الخواري، حدث عن الحافظ أبي بكر البيهقي، حدث عنه أبو القاسم بن عساكر. وخوار أيضا:
قرية من نواحي فارس. والخوار: قرية في وادي ستارة من نواحي مكة قرب بزرة، فيها مياه ونخيل.

إنارة الفكر، بما هو الحق في كيفية الذكر

إنارة الفكر، بما هو الحق في كيفية الذكر
للشيخ، الإمام، برهان الدين: إبراهيم بن عمر البقاعي، الشافعي.
المتوفى: سنة 885.
مختصر.
أوله: (الحمد لله الذي يذكر من ذكره... الخ).
ذكر فيه أنه ألفه: بدمشق، لما رأى اجتماع العوام على شيخ في الجامع، يرقصون، ويرفعون أصواتهم، فكتب نهيا لهم.
وفرغ في: شوال، سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.

خُوجانُ

خُوجانُ:
بضم أوله، وبعد الواو جيم، وآخره نون:
قصبة كورة أستوا من نواحي نيسابور، وأهلها يسمونها خبوشان، بالشين، ينسب إليها جماعة وافرة من العلماء، ومن المتأخرين: الأمير أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الفراتي الخوجاني أخو الأمير سعيد من أهل خوجان نيسابور من أولاد العلماء، وكان فاضلا، ولي القضاء بقصبة خوجان وحمدوا سيرته، وذكره أبو سعد في التحبير وقال:
ولد في سنة 465، ومات بقرية زاذيك من نواحي استوا في شوال سنة 544. وخوجان أيضا: قرية بالمغرب.

خُوزُ

خُوزُ:
بضم أوله، وتسكين ثانيه، وآخره زاي:
بلاد خوزستان يقال لها الخوز، وأهل تلك البلاد يقال لهم الخوز وينسب إليه، ومنهم: سليمان بن الخوزي، روى عن خالد الحذّاء وأبي هاشم الرّماني، حدث عنه عبد الله بن موسى، وعمرو بن سعيد الخوزي، حدث عنه عباد بن صهيب. والخوز أيضا، شعب الخوز: بمكة، قال الفاكهي محمد بن إسحاق: إنما سمّي شعب الخوز لأن نافع بن الخوزي مولى عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي نزله وكان أول من بنى فيه، ويقال شعب المصطلق، وعنده صلّي على أبي جعفر المنصور، ينسب إليه أبو إسماعيل إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي مولى عمر ابن عبد العزيز، حدّث عن عمرو بن دينار وأبي الزبير وغيرهما بمناكير كثيرة وكان ضعيفا، روى عنه المعتمر بن سليمان والمعافى بن عمران الموصلي، وقال التّوزّي: الأهواز تسمّى بالفارسية هرمشير وإنما كان اسمها الأخواز فعرّبها الناس فقالوا الأهواز، وأنشد لأعرابي:
لا ترجعنّ إلى الأخواز ثانية، ... فعيقعان الذي في جانب السوق
ونهر بطّ الذي أمسى يؤرّقني ... فيه البعوض بلسب غير تشفيق
والخوز الأمّ الناس وأسقطهم نفسا، قال ابن الفقيه قال الأصمعي: الخوز هم الفعلة وهم الذين بنوا الصّرح واسمهم مشتقّ من الخنزير، ذهب أن اسمه بالفارسية خوه فجعله العرب خوز، زادوه زايا كما زادوها في رازي ومروزي وتوزي، وقال قوم: معنى قولهم خوزيّ أي زيّهم زيّ الخنزير، وهذا كالأول، وروي أن كسرى كتب إلى بعض عمّاله: ابعث إليّ بشرّ طعام على شرّ الدوابّ مع شرّ الناس، فبعث إليه برأس سمكة مالحة على حمار مع خوزيّ، وروى أبو خيرة عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: ليس في ولد آدم شرّ من الخوز ولم يكن منهم نجيب، والخوز: هم أهل خوزستان ونواحي الأهواز بين فارس والبصرة وواسط وجبال اللور المجاورة لأصبهان.
والخوزيّون: محلّة بأصبهان نزلها قوم من الخوز فنسبت إليهم فيقال لها درخوزيان، نسب إليها أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد الخوزي يعرف بابن نجوكه، سمع أبا نعيم الحافظ، وقيل إنه آخر من حدّث عنه السمعاني منه إجازة، ومات في سنة 517 أو 518، وأحمد بن محمد بن أبي القاسم بن فليزة أبو نصر الأمين الخوزي الأصبهاني، سكن سكة الخوزيين، بها سمع أبا عمرو بن مندة وأبا العلاء سليمان بن عبد الرحيم الحسناباذي، مات يوم الأربعاء ثالث عشر شوّال سنة 531، ذكره في التحبير.

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.