Ibn Manẓūr, Lisān al-ʿArab (d. 1311 CE) لسان العرب لابن منظور

Search results for: سيد

هرر

هرر: هَرَّ الشيءَ يَهُرُّه ويَهِرُّه هَرّاً وهَريراً: كَرِهَهُ؛ قال

المفضل بن المهلب بن أَبي صُفْرَةَ:

ومَنْ هَرَّ أَطْرافَ القَنَا خَشْيَةَ الرَّدَى،

فليسَ لمَجْدٍ صالحٍ بِكَسُوبِ

وهَرَرْتُه أَي كَرِهْتُه أَهُرُّه وأَهِرُّه، بالضم والكسر. وقال ابن

الأَعرابي: أَجِد في وَجْهِهِ هِرَّةً وهَرِيرَةً أَي كراهية. الجوهري:

والهِرُّ الاسم من وقولك هَرَرْتُه هَرّاً أَي كرهته. وهَرَّ فلان الكأْسَ

والحرْبَ هَرِيراً أَي كرهها؛ قال عنترة:

حَلَفْنا لهم، والخَيْلُ تَرْدي بنا معاً:

نُزايِلُكُمْ حتى تَهِرُّوا العَوالِيا

الرَّدَيانُ: ضَرْبٌ من السَّيْرِ،وهو أَن يَرْجُمَ الفَرَسُ الأَرضَ

رَجْماً بحوافره من شدَّة العَدْوِ. وقوله نزايلكم هو جواب القسم أَي لا

نزايلكم، فحذف لا على حدِّ قولهم تالله أَبْرَحُ قاعداً أَي لا أَبرح،

ونزايلكم: نُبارِحُكُمْ، يقال: ما زايلته أَي ما بارحته. والعوالي: جمع

عاليةِ الرمح، وهي ما دون السِّنان بقدر ذراع. وفلان هَرَّهُ الناسُ إِذا

كرهوا ناحِيته؛ قال الأَعشى:

أَرَى الناسَ هَرُّونِي وشُهِّرَ مَدْخَلِي،

ففي كلِّ مَمْشًى أَرْصُدُ الناسَ عَقْربَا

وهَرَّ الكلبُ إِليه يَهِرُّ هَرِيراً وهِرَّةً، وهَرِيرُ الكلبِ: صوته

وهو دون النُّبَاحِ من قلة صبره على البرد؛ قال القَطَامِيُّ يصف شدَّة

البرد:

أَرى الحَقَّ لا يعْيا عَلَيَّ سبيلُه،

إِذا ضافَنِي ليلاً مع القُرِّ ضائِفُ

إِذا كَبَّدَ النجمُ السَماءَ بشَتْوَةٍ،

على حينَ هَرَّ الكلبُ، والثَّلْجُ خاشِفُ

ضائف: من الضيف. وكَبَّدَ النجمُ السماءَ: يريد بالنجم الثريا،

وكَبَّدَ: صار في وسط السماء عند شدَّة البرد. وخاشف: تسمع له خَشْفَة عند المشي

وذلك من شدة البرد. ابن سيده: وبالهَرِيرِ شُبِّهَ نَظَرُ بعض الكُماةِ

إِلى بعض في الحرب. وفي الحديث: أَنه ذكر قارئ القرآن وصاحب الصدقة فقال

رجل: يا رسول الله أَرأَيْتَكَ النَّجْدَةَ التي تكون في الرجل؟

فقال: ليستْ لها بِعِدْلٍ، إِن الكلب يَهِرُّ من وراءِ أَهله؛ معناه أَن

الشجاعة غَرِِيزة في الإِنسان فهو يَلقَى الحروبَ ويقاتل طبعاً

وحَمِيَّةً لا حِسبَةً، فضرب الكلب مثلاً إِذ كان من طبعه أَن يَهِرَّ دون أَهله

ويَذُبَّ عنهم، يريد أَنَّ الجهاد والشجاعة ليسا بمثل القراءَة والصدقة.

يقال: هَرَّ الكلبُ يَهِرُّ هَرِيراً، فهو هارٌّ وهَرَّارٌ إِذا نَبَحَ

وكَشَرَ عن أَنيابه، وقيل: هو صوته دون نُباحه. وفي حديث شُرَيْحٍ: لا

أَعْقِلُ الكلبَ الهَرَّارَ أَي إِذا قتل الرجلُ كلبَ آخر لا أُوجب عليه

شيئاً إِذا كان نَبَّاحاً لأَنه يؤْذي بِنُباحِه. وفي حديث أَبي الأَسود:

المرأَة التي تُهارُّ زوجَها أَي تَهِرُّ في وجهه كما يَهِرُّ الكلب. وفي

حديث خزيمة: وعاد لها المَطِيُّ هارّاً أَي يَهِرُّ بعضها في وجه بعض من

الجهد. وقد يطلق الهرير على صوت غير الكلب، ومنه الحديث: إِني سمعت

هَرِيراً كَهَرِيرِ الرَّحَى أَي صوت دورانها. ابن سيده: وكلب هَرَّارٌ كثير

الهَرِير، وكذلك الذئب إِذا كَشَرَ أَنيابه وقد أَهَرَّه ما أَحَسَّ به.

قال سيبويه: وفي المثل: شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ، وحَسُنَ الابتداءُ بالنكرة

لأَنه في معنى ما أَهَرَّ ذا ناب إِلاَّ شَرٌّ، أَعني أَنَّ الكلام عائد

إِلى معنى النفي وإِنما كان المعنى هذا لأَن الخبرية عليه أَقوى، أَلا

ترى أَنك لو قلت: أَهَرَّ ذا نابٍ شَرٌّ، لكنت على طرف من الإِخبار غير

مؤَكدف فإِذا قلت: ما أَهَرَّ ذا نابٍ إِلاَّ شَرٌّ، كان أَوْكَدَ، أَلا ترى

أَن قولك ما قام إِلاَّ زيد أَوْ كَدُ من قولك قام زيد؟ قال: وإِنما

احتيج في هذا الموضع إِلى التوكيد من حيث كان أَمراً مُهِماً، وذلك أَن قائل

هذا القول سمع هَرِيرَ كلب فأَضاف منه وأشفق لاستماعه أَن يكون لطارِقِ

شَرٍّ، فقال: شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ أَي ما أَهَرَّ ذا ناب إِلاَّ شَرٌّ

تعظيماً للحال عند نفسه وعند مُستَمِعِه، وليس هذا في نفسه كأَن يطرقه

ضيف أَو مسترشد، فلما عناه وأَهمه أَكد الإِخبار عنه وأَخرجه مخرج الإِغاظ

به. وهارَّه أَي هَرَّ في وجهه. وهَرْهَرْتُ الشيءَ: لغة في مَرْمَرْتُه

إِذا حَرَّكْتَه؛ قال الجوهري: هذا الحرف نقلته من كتاب الاعْتِقابِ

لأَبي تُرابٍ من غير سماع. وهرَّت القوسُ هَرِيراً: صَوَّتَتْ؛ عن أَبي

حنيفة؛ وأَنشد:

مُطِلٌّ بِمُنْحاةٍ لها في شِمالِه

هَرِيرٌ، إِذا ما حَرَّكَتْه أَنامِلُهْ

والهِرُّ: السِّنَّوْرُ، والجمع هِرَرَةٌ مثل قِرْدٍ وقِرَدَةٍ،

والأُنثى هِرَّةٌ بالهاء، وجمعها هِرَرٌ مثل قِرْبةٍ وقِرَبِ. وفي الحديث: أَنه

نهى عن أَكل الهرِّ وثَمَنِه؛ قال ابن الأَثير: وإِنما نهى عنه لأَنه

كالوحشيِّ الذي لا يصح تسليمه وأَنه يَنْتابُ الدُّورَ ولا يقيم في مكان

واحد، فإِن حبس أَو ربط لم ينتفع به ولئلا يتنازع الناس فيه إِذا انتقل

عنهم، وقيل: إِنما نهى عن الوحشي منه دون الإِنسي. وهِرّ: اسم امرأَة، من

ذلك؛ قال الشاعر:

أَصَحَوْتَ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرُّ؟

وهَرَّ الشِّبْرِقُ والبُهْمَى والشَّوْكُ هَرّاً: اشتدَّ يُبْسُه

وتَنَفَّشَ فصار كأَظفار الهِرِّ وأَنيابه؛ قال:

رَعَيْنَ الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حتى

إِذا ما هَرَّ، وامْتَنَعَ المَذاقُ

وقولهم في المثل: ما يعرف هِرّاً من بِرٍّ؛ قيل: معناه ما يعرف من

يَهُرُّه أَي يكرهه ممن يَبَرُّه وهو أَحسن ما قيل فيه. وقال الفَزاريُّ:

البِرُّ اللُّطف، والهِرُّ العُقُوق، وهو من الهَرِيرِ؛ ابن الأَعرابي:

البِرُّ الإِكرام والهِرُّ الخُصُومَةُ، وقيل: الهِرُّ ههنَا السِّنَّوْرُ

والبِرُّ الفأْر. وقال ابن الأَعرابي: لا يعرف هاراً من باراً لو كُتِبَتْ

له، وقيل: أَرادوا هِرْهِرْ، وهو سَوْقُ الغنم، وبِرْبِرْ وهو دعاؤُها؛

وقيل: الهِرُّ دهاؤُها والبِرُّ سَوْقُها. وقال أَبو عبيد: ما يعرف

الهَرْهَرَةَ من البَرْبَرَةِ؛ الهَرْهَرَةُ: صوت الضأْن، والبَرْبَرَةُ: صوتُ

المِعْزَى. وقال يونس: الهِرُّ سَوْقُ الغنم، والبِرُّ دعاءُ الغنم. وقال

ابن الأَعرابي: الهِرُّ دعاءُ الغنم إِلى العَلَفِ، والبِرُّ دعاؤُها

إِلى الماء. وهَرْهَرْتُ بالغنم إِذا دعوتها.

والهُرارُ: داءٌ يأْخُذُ الإِبلَ مثلُ الوَرَمِ بين الجلد واللحم؛ قال

غَيْلانُ بن حُرَيْث:

فإِلاَّ يكن فيها هُرارٌ، فإِنَّني

بِسِلٍّ يُمانِيها إِلى الحَوْلِ خائِفُ

أَي خائِفٌ سِلاَّ، والباء زائدة؛ تقول منه: هُرَّتِ الإِبِلُ تُهَرُّ

هَرّاً. وبعير مَهْرُورٌ أَصابه الهُرارُ، وناقة مَهْرُورَةٌ؛ قال الكميت

يمدح خالد بن عبد الله القَسْرِيَّ:

ولا يُصادفْنَ إِلاَّ آجِناً كَدِراً،

ولا يُهَرُّ به منهنَّ مُبْتَقِلُ

قوله به أَي بالماء يعني أَنه مَريءٌ ليس بالوَبِيءِ، وذكر الإِبِلَ وهو

يريد أَصحابها. قال ابن سيده: وإِنما هذا مثل يَضْرِبُه يخبر أَن

الممدوح هنيءُ العطية، وقيل: هو داء يأْخذها فَتَسْلَحُ عنه، وقيل: الهُرارُ

سَلْحُ الإِبل من أَيِّ داءٍ كان. الكسائيُّ والأُمَوِيُّ: من أَدواءِ

الإِبل الهُرَارُ، وهو استطلاق بطونها، وقد هَرَّتْ هَرّاً وهُراراً، وهَرَّ

سَلْحُه وأَرَّ: اسْتَطْلَقَ حتى مات. وهَرَّهُ هو وأَرَّهُ: أَطلقه من

بطنه، الهمزة في كل ذلك بدل من الهاء. ابن الأَعرابي: هَرَّ بِسَلْحِهِ

وهَكَّ به إِذا رمى به. وبه هُرارٌ إِذا اسْتَطْلَقَ بطنُه حتى يموت.

والهَرَّارَانِ: نَجْمانِ؛ قال ابن سيده: الهَرَّارانِ النَّسْرُ

الواقِعُ وقلبُ العقرب؛ قال شُبَيْلُ بن عَزْرَةَ الضُّبَعِيُّ:

وساق الفَجْرُ هَرَّارَيْهِ، حتى

بدا ضَوْآهُما غَيْرَ احتِمالِ

وقد يفرد في الشعر؛ قال أَبو النجم يصف امرأَة:

وَسْنَى سَخُونٌ مَطْلَعَ الهَرَّارِ

والهَرُّ: ضَرْبٌ من زجر الإِبل. وهِرٌّ: بلد وموضع؛ قال:

فَوَالله لا أَنْسَى بلاءً لقيتُه

بصَحْراءِ هِرٍّ، ما عَدَدْتُ اللَّيالِيا

ورأْس هِرّ: موضع في ساحل فارسَ يرابَطُ فيه. والهُرُّ والهُرّهُورُ

والهَرْهارُ والهُراهِرُ: الكثير من الماءِ واللَّبَنِ وهو الذي إِذا جَرى

سمعت له هَرْهَرْ، وهو حكاية جَرْيِهِ. الأَزهري: والهُرْهُورُ الكثير من

الماءِ واللبن إِذا حلبته سمعت له هَرْهَرَةً؛ وقال:

سَلْمٌ تَرَى الدَّالِيَّ منه أَزْوَرا،

إِذا يَعُبُّ في السَّرِيِّ هَرْهَرَا

وسمعت له هَرْهَرَةً أَي صوتاً عند الحَلْب. والهَرُورُ والهُرْهُورُ:

ما تناثر من حب العُنْقُود، زاد الأزهري: في أَصل الكَرْم. قال أَعرابي:

مررت على جَفنةٍ وقد تحركت سُرُوغُها بقُطُوفها فَسَقَطَتْ أَهْرارُها

فأَكلتُ هُرْهُورَةً فما وقعت ولا طارت؛ قال الأَصمعي: الجفنة الكَرْمَة،

والسُّروغُ قضبان الكرم، واحدها سَرْغٌ، رواه بالغين، والقطوف العناقيد،

قال: ويقال لما لا ينفع ما وَقَعَ ولا طارَ. وهرّ يَهُرُّ إِذا أَكل

الهَرُور، وهو ما يتساقط من الكرم، وهَرْهَرَ إِذا تَعَدَّى. ابن السكيت: يقال

للناقة الهَرِمَة هِرْهِرٌ، وقال النضر: الهِرْهِرُ الناقة التي تَلْفِظُ

رَحِمُها الماءَ من الكِبَر فلا تَلْقَحُ؛ والجمع الهَراهِرُ؛ وقال

غيره: هي الهِرْشَفَّةُ والهِرْدِشَةُ أَيضاً. ومن أَسماءِ الحيات: القَزَازُ

والهِرْهِيرُ. ابن الأَعرابي: هَرَّ يَهَرُّ إِذا ساءَ

خُلُقُه.والهُرْهُور: ضرب من السُّفُن. ويقال للكانُونَيْنِ: هما الهَرَّارانِ وهما

شَيْبان ومِلْحانُ. وهَرْهَرَ بالغنم: دعاها إِلى الماءِ فقال لها: هَرْهَرْ.

وقال يعقوب: هَرْهَرَ بالضأْن خصها دون المعز. والهَرْهَرَةُ: حكاية

أَصوات الهند في الحرب. غيره: والهَرْهَرَةُ والغَرْغَرَةُ يحكى به بعض

أَصوات الهند والسِّنْدِ عند الحرب. وهَرْهرَ: دعا الإِبل إِلى الماءِ.

وهَرْهَرةُ الأَسد: تَرْديدُ زئِيرِه، وهي الي تسمى الغرغرة. والهَرْهَرَةُ:

الضحك في الباطل. ورجل هَرْهارٌ: ضَحَّاك في الباطل. الأَزهري في ترجمة

عقر: التَّهَرْهُرُ صوت الريح، تَهَرْهَرَتْ وهَرْهَرَتْ واحدٌ؛ قال وأَنشد

المؤَرِّجُ:

وصِرْتَ مملوكاً بِقاعٍ قَرْقَرِ،

يَجْري عليك المُورُ بالتَّهَرْهُرِ

يا لك من قُنْبُرَةٍ وقُنْبُرِ

كنتِ على الأَيَّام في تَعَقُّرِ

أَي في صر وجلادة، والله أَعلم.

غذا

غذا: الغِذاءُ: ما يُتَغَذّى به ، وقيل: ما يكونُ به نَماءُ الجِسْمِ

وقِوامُه من الطَّعامِ والشَّرابِ واللَّبن، وقيل: اللَّبَنُ غِذاء الصغير

وتُحْفَةُ الكَبيرِ، وغَذاهُ يَغٌذُوهُ غِذاء. قال ابن السكيت: يقال

غَذَوْتُه غِذاءً حَسَناً، ولا تقل غَذَيْتُه؛ واستَعْمله أَيوبُ بنُ عَبايةَ

في سَقْيِ النَّخل فقال:

فجاءَتْ يَداً مَعَ حُسْنِ الغِذَا

ءِ، إِذْ غَرْسُ قَوْمٍ قَصِيرٌ طويلُ

غَذاهُ غَذْواً وغَذَّاه فاغْتَذى وتغَذَّى. ويقال: غَذَوْتُ الصبيَّ

باللَّبَنِ فاغْتذَى أَي رَبَّيْته به، ولا يقال غَذَيْته، بالياء.

والتَّغْذية أَيضاً: التَّرْبية. قال ابن سيده: غَذَيتُ الصبِيَّ لغة في

غَذَوْتُه إِذا غَذَّيْتَه؛ عن اللحياني. وفي الحديث: لا تُغَذُّوا أَولادَ

المشركين؛ أَرادَ وَطْءَ الحَبالى من السَّبْيِ فجَعَلَ ماءَ الرَّجُلِ

لِلْحَمْل كالغذَاء. والغَذِيُّ: السَّخْلَةُ؛ أَنشد أَبو عمرو بنُ

العلاء:لو أَنَّني كُنْتُ من عادٍ ومن إِرَمِ

غَذِيَّ بَهْمٍ، ولُقْماناً وذا جَدَنِ

قال ابن بري: البيت لأَفْنُونٍ التغلبي، واسمه صُرَيم بن مَعْشر، قال:

وغَذِيُّ بَهْمٍ في البيت هو أَحد أَملاكِ حِمْيَرَ، وسُمِّي بذلك لأَنه

كان يُغَذَّى بلُحُوم البَهْمِ؛ وعليه قول سلمى بن ربيعة الضَّبّي:

من لَذَّة العَيْشِ، والفَتَى

للدهر، والدَّهْرُ ذُو فُنُونِ

أَهْلَكْنَ طَسْماً، وبَعْدَهمْ

غَذِيَّ بَهْمٍ وذا جُدُونِ

قال: ويَدُلُّك على صحة ذلك عَطْفُه لقماناً وذا جَدَنٍ عليه في قوله:

لو أَنني كنتُ من عادٍ ومن إرَمِ

قال: وهو أَيضاً خبر كُنتُ ولا يَصِحُّ كنتُ سِخالاً. قال الأَصمعي:

أَخْبرَني خَلَف الأَحْمر أَنه سمِع العرب تنشد البيت غُذَيَّ بَهْمٍ،

بالتصغير، لقبُ رجلٍ.

قال شمر: وبلغني عن ابن الأَعرابي أَنه قال الغَذَوِيُّ البَهْمُ الذي

يُغَذَى. قال: وأَخبرني أَعرابي من بَلْهُجَيم قال الغَذَوِيُّ الحَمَلُ

أَو الجَدْيُ لا يُغَذَّى بلَبَنِ أُمِّه، ولكن يُعاجَى، وجمع غَذِيٍّ

غِذاءٌ مثلُ فَصِيلٍ وفِصالٍ؛ ومنه قول عمر، رضي الله عنه: أَمُحْتَسِبٌ

عليهم بالغِذاءِ؛ هكذا رواه الجوهري؛ وقال ابن بري: الصواب في حديث عمر أَنه

قال احْتَسِبْ عليهم بالغِذَاءِ ولا تَأْخُذْها منهم، وكذلك ورد في حديث

عمر، رضي الله عنه، أَنه قال لعامل الصَّدَقات: احْتَسِبْ عليهم

بالغِذاءِ ولا تأْخذها منهم. قال أَبو عبيدة: الغِذاءُ السِّخالُ الصِّغارُ،

واحِدُها غَذِيٌّ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: شَكا إِليه أَهلُ الماشِيَة

تَصْديقَ الغِذاء وقالوا إِن كنتَ مُعْتَدًّا علينا بالغِذاءِ فخُذْ منه

صَدَقَته، فقال: إِنا نَعْتَدُّ بالغِذاءِ حتى السَّخْلَةَ يَرُوحُ بها

الرَّاعِي على يَدِه، ثم قال في آخره: وذلك عَدْلٌ بَيْنَ غِذاء المالِ

وخِيارِه. قال ابن الأَثير: وإِنما ذَكَّرَ الضميرَ رَدّاً إِلى لفظ

الغِذاء، فإِنه بوزْن كِساءٍ ورداءٍ، قد جاء السِّمامُ المُنْقَع، وإن كان

جَمْع سَمٍّ؛ قال: والمراد بالحديث أَنْ لا يَأْخُذَ الساعي خِيارَ المالِ

ولا رَدِيَّه، وإِنما يَأْخُذُ الوسَط، وهو معنى قوله: وذلك عَدْلٌ بين

غِذاءِ المال وخيارِه. وغَذِيُّ المال وغَذَوِيُّه: صِغارُه كالسِّخالِ

ونحْوِها. والغَذَوِيُّ: أَن يَبِيعَ الرجُلُ الشاةَ بِنتاجِ ما نَزَا به

الكَبْشُ ذلك العامَ؛ قال الفرزدق:

ومُهُورُ نِسْوَتِهِمْ، إِذا ما أَنكحوا،

غَذَوِيُّ كلِّ هَبَنْقَعٍ تِنْبالِ

ويروى غَدَوِيُّ، بالدال المهملة، منسوب إِلى غَدٍ كأَنهم يُمَنُّونَه

فيقولون: تَضَعُ إِبلُنا غَداً فنُعْطِيك غَداً. قال ابن بري: وروى أَبو

عبيد هذا البيت:

ومُهورُ نِسْوَتِهِم إِذا ما أَنْكَحُوا

بفتح الهمزة والكاف مبنياً للفاعل.

والغَذَى، مقصورٌ: بَوْلُ الجَمَلِ. وغَذَا بِبَوْلهِ وغَذاهُ غَذْواً:

قَطَعَه، وفي التهذيب: غَذَّى البيعرُ ببَوْلِه يُغَذِّي تَغْذِيَةً. وفي

الحديث: حتى يَدْخُلَ الكلبُ فيُغَذِّيَ على سَواري المَسْجِدِ أَي

يبولَ على السَّوارِي لعدَم سُكَّانِه وخُلُوِّه من الناس. يقال: غَذَّى

ببَوْلِه يغذي إِذا أَلقاهُ دَفْعَة دَفْعَة. غَذَا البَوْلُ نَفْسُه يَغْذُو

غَذْواً وغَذَواناً: سالَ، وكذلك العَرَقُ والماءُ والسِّقاءُ، وقيل:

كلُّ ما سالَ فقد غَذَا. والعِرْق يَغْذُو وغَذْواً أَي يسِيلُ دَماً،

ويُغَذِّي تَغْذيَةً مثلُه. وفي حديث سعد بن مُعاذٍ: فإِذا جُرْحُه يَغْذُو

دَماً أَي يَسِيلُ. وغَذَا الجُرْحُ يَغْذُو إِذا دام سَيَلانُه. وفي حديث

العباس: مَرَّت سَحابة فنظر إِليها النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: ما

تُسَمُّون هذه؟ قالوا: السَّحابَ، قال: والمُزْنَ، قالوا: والمُزْنَ،

قال: والغَيْذَى؛ قال الزمخشري: كأَنَّه فَيْعَلٌ من غَذا يَغْذُو إِذا

سالَ، قال: ولم أَسمع بفَيْعل في معتلّ اللام غير هذا إِلاَّ الكَيْهاةَ،

وهي الناقة الضَّخْمة؛ قال الخطابي: إِن كانَ محفوظاً فلا أُراه سُمِّي به

إِلاَّ لسيلان الماء من غَذَا يَغْذُو. وغَذَا البَوْلُ: انْقَطَع،

وغَذَا أَي أَسْرَع.

والغَذَوانُ: المُسْرِعُ الذي يَغْذُو ببَوْلِه إِذا جَرَى؛ قال:

وصَخْر بن عَمْرِو بنِ الشريدِ كأَنَّه

أَخُو الحَربِ، فَوْقَ القارِح الغَذَوانِ

هذه رواية الكوفيين، ورواه غيرهم العَدَوانِ، بالفتح، وقد غَذَا.

والغَذَوانُ أَيضاً: المُسْرِع. وفي الصحاح: والغَذَوانُ من الخَيْل النَّشِيطُ

المُسْرِعُ، وقد روي بيتُ امرئ القيس:

كَتَيْسِ ظِباءِ الحُلَّب الغَذَوانِ

مكان العَدَوانِ. أَبو عبيد: غَذَا الماءُ يَغْذُو إِذا مرَّ مرّاً

مُسرِعاً؛ قال الهذلي:

تَعْنُو بمَخْرُوتٍ لَه ناضِحٌ،

ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو وذُو شَلْشَلِ

وعَرَقٌ غاذٍ أَي جارٍ. والغَذَوان: النَّشِيطُ من الخيل. وغذا الفَرسُ

غَذواً: مَرَّ مَرّاً سَريعاً. أَبوزيد: الغاذِية يافُوخُ الرَأْسِ ما

كانَتْ جِلْدَةً رَطْبَةً، وجَمْعُها الغَواذِي. قال ابن سيده: والغاذِيةُ

من الصَّبيِّ الرَّمَّاعَةُ ما دامَتْ رَطْبَةً، فإِذا صَلُبَتْ وصارَتْ

عَظماً فهي يافُوخٌ.

ضطر

ضطر: الضَّوْطَرُ: العظِيمُ، وكذلك الضَّيْطَرُ والضَّيْطارُ، وقيل: هو

الضَّخْمُ اللئيمُ، وقيل: الضَّيْطَرُ والضَّيْطَرَى الضخمُ الجَنْبينِ

العظيمُ الاسْت، وقيل: الضَّيْطَرُ الضخمُ الجَنْبينِ العظيمُ الاسْت،

وقيل: الضَّيْطَرُ العظيمُ من الرجالِ، والجمعُ ضَياطِرُ وضَياطِرةٌ

وضَيْطارُونَ؛ وأَنشد أَبو عمرو لعَوْفِ بن مالك:

تَعَرَّضَ ضَيْطارُو فُعالَةَ دُونَنا،

وما خَيْرُ ضَيْطارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحَا؟

يقول: تَعَرَّضَ لنا هَؤُلاءِ القَوْمُ ليُقاتِلُونا ولَيْسوا بشيءٍ

لأَنَّه لا سِلاَحَ معهم سوى المِسْطَح؛ وقال ابن بزي: البيت لمالك بن عوف

النَّضْرِيّ. وفُعالةُ: كنايةٌ عن خُزاعةَ، وإِنما كَنَى هو وغيرُه عنهم

بفُعالَة لكَونِهم حُلَفاءَ لِلّنبيّ، صلى الله عليه وسلم، يقول: ليس فيهم

شيءٌ مما يَنْبَغِي أَن يكونَ في الرجالِ إِلاَّ عِظَمَ أَجْسامِهم،

وليس لهم مع ذلك صَبْرٌ ولا جَلَدٌ، وأَيُّ خَيْرٍ عند ضَيْطارٍ سِلاحُه

مِسْطَحٌ يُقَلِّبُه في يده؟ وقيل: الضَّيْطَرُ اللئيمُ؛ قال الراجز:

صَاحِ أَلَمْ تَعْجَبْ لِذاكَ الضَّيْطَرِ؟ الجوهري: الضَّيْطَرُ الرجلُ

الضخمُ الذي لا غَناءَ عِنْدَه، وكذلك الضَّوْطَرُ والضَّوْطَرَى. وفي

حديث عليّ، عليه السلام: مَنْ يَعْذِرُني مِنْ هؤلاءِ الضَّياطِرةِ؟ هم

الضَّخامُ الذين لا غَناءَ عندهم، الواحدُ ضَيْطارٌ، والياء زائدة، وقالوا

ضَيَاطِرُون كأَنَّهم جَمَعُوا ضَيْطَراً على ضَياطِرَ جَمْعَ السلامةِ؛

وقول خِداش

بنِ زُهَير:

ونَرْكَبُ خَيْلاً لا هَوَادَةَ بَيْنَها،

وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرة الحُمْرِ

قال ابن سيده يجوز أَن يكونَ عَنَى أَن الرماحَ تَشْقَى بهم أَي أَنهم

لا يُحْسِنون حَمْلَها ولا الطَّعْنَ بها، ويجوز أَن يكونَ على القَلْبِ

أَي تَشقى الضياطرَةُ الحُمْرُ بالرماح يعني أَنَّهم يُقْتَلُون بها.

والهَوادةُ: المُصالحَةُ والمُوادعةُ. والضَّيْطارُ: التاجرُ لا يَبْرحُ

مكانَه.

وبَنُو ضَوْطَرى: حَيٌّ معروف، وقيل: الضَّوْطَرَى الحَمْقى، قال ابن

سيده: وهو الصحيح. ويقال للقوم إِذا كانوا لا يَغْنون غَناءً: بَنُو

ضَوطَرَى؛ ومنه قول جرير يُخاطبُ الفرزدقَ حين افتخر بعَقْرِ أَبيه غالب في

معاقرة سُحَيم بن وُثَيلٍ الرِّياحِي مائةَ ناقة بموضع يقال له صَوْأَرٌ على

مسيرة يوم من الكوفة، ولذلك يقول جرير أَيضاً:

وقد سرّني أَنْ لا تَعُدَّ مُجَاشِعٌ

من المَجْد إِلاَّ عَقْرَ نِيبٍ بصَوأَرِ

قال ابن الأَثير: وسببُ ذلك أَن غالباً نحرَ بذلك الموضعِ ناقةً وأَمَر

أَنْ يُصْنعَ منها طعامٌ، وجعَلَ يُهْدُِي إِلى قومٍ من بني تميمٍ

جِفاناً، وأَهْدَى إِلى سُحَيم جَفنةً فكفأَها، وقال: أَمُفتَقِرٌ أَنا إِلى

طعامِ غالبٍ إِذا نَحرَ ناقَةً؟ فَنَحَرَ غالبٌ ناقتين فَنَحَرَ سُحيمٌ

مثْلَهما، فنحر غالبٌ ثلاثاً فنَحر سُحَيمٌ مثلَهن، فعَمَدَ غالبٌ فَنَحَرَ

ما ناقةٍ ونَكَلَ سُحَيْمٌ، فافتخر الفرزدقُ في شِعْره بكَرم أَبيه غالب

فقال:

(* قوله: «فقال» يعني جريراً كما يفيده كلام المؤلف بعد).

تَعُدُّون عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكم،

بَني ضَوْطَرَى، لولا الكَمِيَّ المُقَنَّعا

يُريدُ: هَلاَّ الكَمِيَّ، ويروى: المُدَجَّجا، ومَعْنى تَعُدُّون

تَجْعَلُون وتَحْسَبون، ولهذا عدَّاه إِلى مفعولين؛ ومثله قول ذي

الرُّمَّة:أَشَمّ أَغَرّ أَزْهَر هِبْرِزِيّ،

يَعُدُّ القاصِدِينَ له عِيالا

قال: ومثله للكميت:

فأَنتَ النّدَى فيما يَنُوبُك والسَّدَى،

إِذا الخَوْدُ عَدّتْ عُقْبةَ القِدْر مالَها

قال: وعليه قول أَبي الطيب:

ولَو انَّ الحياةَ تَبْقَى لِحَيٍّ،

لَعَدَدْنا أَضَلَّنا الشُّجْعانا

قال: وقد يجوز أَن يكون تَعُدّون في بيت جرير من العدّ، ويكون على

إِسقاط من الجار، تقديرُه تَعُدّون عقر النيب من أَفْضلِ مجدِكم، فلما أَسقط

الخافض تَعَدّى الفعلُ فنَصب.

وأَبو ضَوْطَرَى: كُنْيَة الجُوع.

أول

أول: الأَوْلُ: الرجوع. آل الشيءُ يَؤُول أَولاً ومآلاً: رَجَع. وأَوَّل

إِليه الشيءَ: رَجَعَه. وأُلْتُ عن الشيء: ارتددت. وفي الحديث: من صام

الدهر فلا صام ولا آل أَي لا رجع إِلى خير، والأَوْلُ الرجوع. في حديث

خزيمة السلمي: حَتَّى آل السُّلامِيُّ أَي رجع إِليه المُخ. ويقال: طَبَخْت

النبيذَ حتى آل إلى الثُّلُث أَو الرُّبع أَي رَجَع؛ وأَنشد الباهلي

لهشام:

حتى إِذا أَمْعَرُوا صَفْقَيْ مَباءَتِهِم،

وجَرَّد الخَطْبُ أَثْباجَ الجراثِيم

آلُوا الجِمَالَ هَرامِيلَ العِفاءِ بِها،

على المَناكِبِ رَيْعٌ غَيْرُ مَجْلُوم

قوله آلوا الجِمَال: ردُّوها ليرتحلوا عليها.

والإِيَّل والأُيَّل: مِنَ الوَحْشِ، وقيل هو الوَعِل؛

قال الفارسي: سمي بذلك لمآله إِلى الجبل يتحصن فيه؛ قال ابن سيده:

فإِيَّل وأُيَّل على هذا فِعْيَل وفُعيْل، وحكى الطوسي عن ابن الأَعرابي:

أَيِّل كــسَيِّد من تذكِرة أَبي علي. الليث: الأَيِّل الذكر من الأَوْعال،

والجمع الأَيايِل، وأَنشد:

كأَنَّ في أَذْنابِهنَّ الشُّوَّل،

من عَبَسِ الصَّيْف، قُرونَ الإِيَّل

وقيل: فيه ثلاث لغات: إِيَّل وأَيَّل وأُيَّل على مثال فُعَّل، والوجه

الكسر، والأُنثى إِيَّلة، وهو الأَرْوَى.

وأَوَّلَ الكلامَ وتَأَوَّله: دَبَّره وقدَّره، وأَوَّله وتَأَوَّله:

فَسَّره. وقوله عز وجل: ولَمَّا يأْتهم تأْويلُه؛ أَي لم يكن معهم علم

تأْويله، وهذا دليل على أَن علم التأْويل ينبغي أَن ينظر فيه، وقيل: معناه لم

يأْتهم ما يؤُول إِليه أَمرهم في التكذيب به من العقوبة، ودليل هذا قوله

تعالى: كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين. وفي حديث

ابن عباس: اللهم فَقِّهه في الدين وعَلِّمه التَّأْويل؛ قال ابن

الأَثير: هو من آلَ الشيءُ يَؤُول إِلى كذا أَي رَجَع وصار إِليه، والمراد

بالتأْويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأَصلي إِلى ما يَحتاج إِلى دليل لولاه ما

تُرِك ظاهرُ اللفظ؛ ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها: كان النبي،صلى الله

عليه وسلم، يكثر أَن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك

يَتَأَوَّل القرآنَ، تعني أَنه مأْخوذ من قوله تعالى: فسبح بحمد ربك واستغفره.

وفي حديث الزهري قال: قلت لعُروة ما بالُ عائشةَ تُتِمُّ في السَّفَر يعني

الصلاة؟ قال: تأَوَّلَت

(* قوله «قال تأولت إلخ» كذا بالأصل. وفي الأساس:

وتأملته فتأولت فيه الخير أي توسعته وتحرَّيته) كما تأَوَّل عثمانُ؛

أَراد بتأْويل عثمان ما روي عنه أَنه أَتَمَّ الصلاة بمكة في الحج، وذلك

أَنه نوى الإِقامة بها. التهذيب: وأَما التأْويل فهو تفعيل من أَوَّل

يُؤَوِّل تأْويلاً وثُلاثِيُّه آل يَؤُول أَي رجع وعاد. وسئل أَبو العباس أَحمد

بن يحيى عن التأْويل فقال: التأْويل والمعنى والتفسير واحد. قال أَبو

منصور: يقال أُلْتُ الشيءَ أَؤُوله إِذا جمعته وأَصلحته فكان التأْويل جمع

معاني أَلفاظ أَشكَلَت بلفظ واضح لا إشكال فيه. وقال بعض العرب: أَوَّل

اللهُ عليك أَمرَك أَي جَمَعَه، وإِذا دَعَوا عليه قالوا: لا أَوَّل اللهُ

عليك شَمْلَك. ويقال في الدعاء للمُضِلِّ: أَوَّل اللهُ عليك أَي رَدَّ

عليك ضالَّتك وجَمَعها لك. ويقال: تَأَوَّلت في فلان الأَجْرَ إِذا

تَحَرَّيته وطلبته. الليث: التأَوُّل والتأْويل تفسير الكلام الذي تختلف

معانيه ولا يصح إِلاّ ببيان غير لفظه؛ وأَنشد:

نحن ضَرَبْناكم على تنزيله،

فاليَوْمَ نَضْرِبْكُم على تَأْويلِه

(* قوله: نضربْكم، بالجزم؛ هكذا في الأصل ولعل الشاعر اضطُرّ الى ذلك

محافظة على وزن الشعر الذي هو الرجز).

وأَما قول الله عز وجل: هل ينظرون إِلا تأْويله يوم يأْتي تأْويله؛ فقال

أَبو إِسحق: معناه هل ينظروه إِلا ما يَؤُول إِليه أَمرُهم من البَعْث،

قال: وهذا التأْويل هو قوله تعالى: وما يعلم تأْويله إلا الله؛ أَي لا

يعلم مَتَى يكون أَمْرُ البعث وما يؤول إِليه الأَمرُ عند قيام الساعة إِلا

اللهُ والراسخون في العلم يقولون آمنا به أَي آمنا بالبعث، والله أَعلم؛

قال أَبو منصور: وهذا حسن، وقال غيره: أَعلم اللهُ جَلَّ ذكرُه أَن في

الكتاب الذي أَنزله آياتٍ محكماتٍ هن أُمُّ الكتاب لا تَشابُهَ فيه فهو

مفهوم معلوم، وأَنزل آيات أُخَرَ متشابهات تكلم فيها العلماء مجتهدين، وهم

يعلمون أَن اليقين الذي هو الصواب لا يعلمه إِلا الله، وذلك مثل المشكلات

التي اختلف المتأَوّلون في تأْويلها وتكلم فيها من تكلم على ما أَدَّاه

الاجتهاد إِليه، قال: وإِلى هذا مال ابن الأَنباري. وروي عن مجاهد: هل

ينظرون إِلا تأْويله، قال: جزاءه. يوم يأْتي تأْويله، قال: جزاؤه. وقال

أَبو عبيد في قوله: وما يعلم تأْويله إِلا الله، قال: التأْويل المَرجِع

والمَصير مأْخوذ من آل يؤول إِلى كذا أَي صار إِليه. وأَوَّلته: صَيَّرته

إِليه. الجوهري: التأْويل تفسير ما يؤول إِليه الشيء، وقد أَوّلته تأْويلاً

وتأَوّلته بمعنى؛ ومنه قول الأَعْشَى:

على أَنها كانت، تَأَوُّلُ حُبِّها

تَأَوُّلُ رِبْعِيِّ السِّقاب، فأَصْحَبا

قال أَبو عبيدة: تَأَوُّلُ حُبِّها أَي تفسيره ومرجعه أَي أَن حبها كان

صغيراً في قلبه فلم يَزَلْ يثبت حتى أَصْحَب فصار قَديماً كهذا السَّقْب

الصغير لم يزل يَشِبُّ حتى صار كبيراً مثل أُمه وصار له ابن يصحبه.

والتأْويل: عبارة الرؤيا. وفي التنزيل العزيز: هذا تأْويل رؤياي من قبل. وآل

مالَه يَؤوله إِيالة إِذا أَصلحه وساسه. والائتِيال: الإِصلاح والسياسة

قال ابن بري: ومنه قول عامر بن جُوَين:

كَكِرْفِئَةِ الغَيْثِ، ذاتِ الصَّبيـ

رِ، تَأْتي السَّحاب وتَأْتالَها

وفي حديث الأَحنف: قد بَلَوْنا فلاناً فلم نجده عنده إِيالة للمُلْك،

والإِيالة السِّياسة؛ فلان حَسَن الإِيالة وسيِّءُ الإِيالة؛ وقول لبيد:

بِصَبُوحِ صافِيَةٍ، وجَذْبِ كَرِينَةٍ

بِمُؤَتَّرٍ، تأْتالُه، إِبْهامُها

قيل هو تفتعله من أُلْتُ أَي أَصْلَحْتُ، كما تقول تَقْتَاله من قُلت،

أَي تُصْلِحهُ إِبهامُها؛ وقال ابن سيده: معناه تصلحه، وقيل: معناه ترجع

إِليه وتَعطِف عليه، ومن روى تَأْتَالَه فإِنه أَراد تأْتوي من قولك

أَوَيْت إِلى الشيء رَجَعْت إِليه، فكان ينبغي أَن تصح الواو، ولكنهم

أَعَلُّوه بحذف اللام ووقعت العين مَوْقِعَ اللام فلحقها من الإِعلال ما كان يلحق

اللام. قال أَبو منصور: وقوله أُلْنَا وإِيلَ علينا أَي سُسْنَا

وسَاسونا.

والأَوْل: بلوغ طيب الدُّهْن بالعلاج. وآل الدُّهْن والقَطِران والبول

والعسل يؤول أَوْلاً وإِيالاً: خَثُر؛ قال الراجز:

كأَنَّ صَاباً آلَ حَتَّى امَّطُلا

أَي خَثُر حَتَّى امتدَّ؛ وأَنشد ابن بري لذي الرمة:

عُصَارَةُ جَزْءٍ آلَ، حَتَّى كأَنَّما

يُلاقُ بِجَادَِيٍّ ظُهُورُ العَراقبِ

وأَنشد لآخر:

ومِنْ آيلٍ كالوَرْسِ نَضْحاً كَسَوْنَهُ

مُتُونَ الصَّفا، من مُضْمَحِلٍّ وناقِع

التهذيب: ويقال لأَبوال الإِبل التي جَزَأَت بالرُّطْب في آخر جَزْئِها:

قد آلَتْ تؤولُ أَوْلاً إِذا خَثُرت فهي آيلة؛ وأَنشد لذي الرمة:

ومِنْ آيلٍ كالوَرْسِ نَضْح سُكُوبه

مُتُونَ الحَصَى، مِنْ مُضْمَحِلٍّ ويابس

وآل اللبنُ إِيالاً: تَخَثَّر فاجتمع بعضه إِلى بعض، وأُلْتُهُ أَنا.

وأَلْبانٌ أُيَّل؛ عن ابن جني، قال ابن سيده: وهذا عزيز من وجهين: أَحدهما

أَن تجمع صفة غير الحيوان على فُعَّل وإِن كان قد جاء منه نحو عِيدان

قُيَّسٌ، ولكنه نادر، والآخَرُ أَنه يلزم في جمعه أُوَّل لأَنه من الواو

بدليل آل أَوْلاً لكن الواو لَما قَرُبت من الطرف احْتَمَلت الإِعلال كما

قالوا نُيَّم وصُيَّم.

والإِيالُ: وعاء اللّبَن. الليث: الإِيال، على فِعال، وِعاء يُؤَال فيه

شَراب أَو عصير أَو نحو ذلك. يقال: أُلْت الشراب أَؤُوله أَوْلاً؛

وأَنشد:فَفَتَّ الخِتامَ، وقد أَزْمَنَتْ،

وأَحْدَث بعد إِيالٍ إِيَالا

قال أَبو منصور: والذي نعرفه أَن يقال آل الشرابُ إِذا خَثُر وانتهى

بلوغُه ومُنْتهاه من الإِسكار، قال: فلا يقال أُلْتُ الشراب. والإِيَال:

مصدر آل يَؤُول أَوْلاً وإِيالاً، والآيل: اللبن الخاثر، والجمع أُيَّل مثل

قارح وقُرَّح وحائل وحُوَّل؛ ومنه قول الفرزدق:

وكأَنَّ خاتِرَه إِذا ارْتَثَؤُوا به

عَسَلٌ لَهُمْ، حُلِبَتْ عليه الأُيَّل

وهو يُسَمِّن ويُغْلِم؛ وقال النابغة الجعدي يهجو ليلى الأَخْيَلِيَّةَ:

وبِرْذَوْنَةٍ بَلَّ البَراذينُ ثَغْرَها،

وقد شَرِبتْ من آخر الصَّيْفِ أُيَّلا

قال ابن بري: صواب إِنشاده: بُريْذِينةٌ، بالرفع والتصغير دون واو، لأَن

قبله:

أَلا يا ازْجُرَا لَيْلى وقُولا لها: هَلا،

وقد ركبَتْ أَمْراً أَغَرَّ مُحَجَّلا

وقال أَبو الهيثم عند قوله شَرِبَتْ أَلْبان الأَيايل قال:

هذا محال، ومن أَين توجد أَلبان الأَيايل؟ قال: والرواية وقد شَرِبَتْ

من آخر الليل أُيَّلاً، وهو اللبن الخاثر من آل إِذا خَثُر. قال أَبو

عمرو: أُيّل أَلبان الأَيايل، وقال أَبو منصور: هو البول الخاثر بالنصب

(*

قوله «بالنصب» يعني فتح الهمزة) من أَبوال الأُرْوِيَّة إِذا شربته المرأَة

اغتلمت. وقال ابن شميل: الأُيَّل هو ذو القرن الأَشعث الضخمِ مثل الثور

الأَهلي. ابن سيده: والأُيَّل بقية اللبن الخاثر، وقيل: الماء في الرحم،

قال: فأَما ما أَنشده ابن حبيب من قول النابغة:

وقد شَرِبَتْ من آخر الليل إِيَّلاً

فزعم ابن حبيب أَنه أَراد لبن إِيَّل، وزعموا أَنه يُغْلِم ويُسَمِّن،

قال: ويروى أُيَّلاً، بالضم، قال: وهو خطأٌ لأَنه يلزم من هذا أُوَّلاً.

قال أَبو الحسن: وقد أَخطأَ ابن حبيب لأَن سيبوبه يرى البدل في مثل هذا

مطرداً، قال: ولعمري إِن الصحيح عنده أَقوى من البدل، وقد وَهِم ابن حبيب

أَيضاً في قوله إِن الرواية مردودة من وجه آخر، لأَن أُيَّلا في هذه

الرواية مثْلُها في إِيّلا، فيريد لبن أُيَّل كما ذهب إِليه في إِيَّل، وذلك

أَن الأُيَّل لغة في الإِيَّل، فإِيَّل كحِثْيَل وأُيَّل كَعُلْيَب، فلم

يعرف ابن حبيب هذه اللغة. قال: وذهب بعضهم إِلى أَن أُيَّلاً في هذا البيت

جمع إِيَّل، وقد أَخْطأَ من ظن ذلك لأَن سيبويه لا يرى تكسير فِعَّل على

فُعَّل ولا حكاه أَحد، لكنه قد يجوز أَن يكون اسماً للجمع؛ قال وعلى هذا

وَجَّهت أَنا قول المتنبي:

وقِيدَت الأُيَّل في الحِبال،

طَوْع وهُوقِ الخَيْل والرجال

غيره: والأُيَّل الذَّكَر من الأَوعال، ويقال للذي يسمى بالفارسية كوزن،

وكذلك الإِيَّل، بكسر الهمزة، قال ابن بري: هو الأَيِّل، بفتح الهمزة

وكسر الياء، قال الخليل: وإِنما سمي أَيِّلاً لأَنه يَؤُول إِلى الجبال،

والجمع إِيَّل وأُيَّل وأَيايل، والواحد أَيَّل مثل سَيِّد ومَيِّت. قال:

وقال أَبو جعفر محمد بن حبيب موافقاً لهذا القول الإِيَّل جمع أَيِّل،

بفتح الهمزة؛ قال وهذا هو الصحيح بدليل قول جرير:

أَجِعِثْنُ، قد لاقيتُ عِمْرَانَ شارباً،

عن الحَبَّة الخَضْراء، أَلبان إِيَّل

ولو كان إِيَّل واحداً لقال لبن إِيَّل؛ قال: ويدل على أَن واحد إِيَّل

أَيِّل، بالفتح، قول الجعدي:

وقد شَرِبت من آخر الليل أَيِّلاً

قال: وهذه الرواية الصحيحة، قال: تقديره لبن أَيِّل ولأَن أَلبان

الإِيَّل إِذا شربتها الخيل اغتَلَمت. أَبو حاتم: الآيل مثل العائل اللبن

المختلط الخاثر الذي لم يُفْرِط في الخُثورة، وقد خَثُرَ شيئاً صالحاً، وقد

تغير طَعمه إِلى الحَمَض شيئاً ولا كُلَّ ذلك.يقال: آل يؤول أَوْلاً

وأُوُولاً، وقد أُلْتُهُ أَي صببت بعضه على بعض حتى آل وطاب وخَثُر. وآل:

رَجَع، يقال: طبخت الشراب فآل إِلى قَدْر كذا وكذا أَي رجع. وآل الشيءُ مآ

لاً: نَقَص كقولهم حار مَحاراً.

وأُلْتُ الشيءَ أَوْلاً وإِيالاً: أَصلحته وسُسْتُه. وإِنه لآيل مال

وأَيِّل مال أَي حَسَنُ القيام عليه. أَبو الهيثم: فلان آيل مال وعائس مال

ومُراقِح مال

(* قوله «ومراقح مال» الذي في الصحاح وغيره من كتب اللغة:

رقاحيّ مال) وإِزَاء مال وسِرْبال مال إِذا كان حسن القيام عليه والسياسة

له، قال: وكذلك خالُ مالٍ وخائل مال. والإِيَالة: السِّياسة. وآل عليهم

أَوْلاً وإِيَالاً وإِيَالة: وَليَ. وفي المثل: قد أُلْنا وإِيل علينا،

يقول: ولَينا وَوُلي علينا، ونسب ابن بري هذا القول إِلى عمر وقال: معناه

أَي سُسْنا وسِيسَ علينا، وقال الشاعر:

أَبا مالِكٍ فانْظُرْ، فإِنَّك حالب

صَرَى الحَرْب، فانْظُرْ أَيَّ أَوْلٍ تَؤُولُها

وآل المَلِك رَعِيَّته يَؤُولُها أَوْلاً وإِيالاً: ساسهم وأَحسن

سياستهم وَوَليَ عليهم. وأُلْتُ الإِبلَ أَيْلاً وإِيالاً: سُقْتها. التهذيب:

وأُلْتُ الإِبل صَرَرْتها فإذا بَلَغَتْ إِلى الحَلْب حلبتها.

والآل: ما أَشرف من البعير. والآل: السراب، وقيل: الآل هو الذي يكون

ضُحى كالماء بين السماء والأَرْض يرفع الشُّخوص ويَزْهَاهَا، فاَّما

السَّرَاب فهو الذي يكون نصف النهار لاطِئاً بالأَرْض كأَنه ماء جار، وقال ثعلب:

الآل في أَوّل النهار؛ وأَنشد:

إِذ يَرْفَعُ الآلُ رأْس الكلب فارتفعا

وقال اللحياني: السَّرَاب يذكر ويؤنث؛ وفي حديث قُسّ بن ساعدَة:

قَطَعَتْ مَهْمَهاً وآلاً فآلا

الآل: السَّراب، والمَهْمَهُ: القَفْر. الأَصمعي: الآل والسراب واحد،

وخالفه غيره فقال: الآل من الضحى إِلى زوال الشمس، والسراب بعد الزوال إِلى

صلاة العصر، واحتجوا بأَن الآل يرفع كل شيء حتى يصير آلاً أَي شَخْصاً،

وآلُ كل شيء: شَخْصه، وأَن السراب يخفض كل شيء فيه حتى يصير لاصقاً

بالأَرض لا شخص له؛ وقال يونس: تقول العرب الآل مُذ غُدْوة إِلى ارتفاع الضحى

الأَعلى، ثم هو سَرَابٌ سائرَ اليوم؛ وقال ابن السكيت: الآل الذي يرفع

الشخوص وهو يكون بالضحى، والسَّراب الذي يَجْري على وجه الأَرض كأَنه الماء

وهو نصف النهار؛ قال الأَزهري: وهو الذي رأَيت العرب بالبادية يقولونه.

الجوهري: الآل الذي تراه في أَول النهار وآخره كأَنه يرفع الشخوص وليس هو

السراب؛ قال الجعدي:

حَتَّى لَحِقنا بهم تُعْدي فَوارِسُنا،

كأَنَّنا رَعْنُ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلا

أَراد يرفعه الآل فقلبه، قال ابن سيده: وجه كون الفاعل فيه مرفوعاً

والمفعول منصوباً باسمٍ

(* أراد بالاسم الصحيح: الرَّعْن) صحيح، مَقُول به،

وذلك أَن رَعْن هذا القُفِّ لما رفعه الآل فرُؤي فيه ظهر به الآل إِلى

مَرْآة العين ظهوراً لولا هذا الرَّعْن لم يَبِنْ للعين بَيانَه إِذا كان

فيه، أَلا ترى أَن الآل إِذا بَرَق للبصر رافعاً شَخْصه كان أَبدى للناظر

إِليه منه لو لم يلاق شخصاً يَزْهاه فيزداد بالصورة التي حملها سُفوراً

وفي مَسْرَح الطَّرْف تجَلِّياً وظهوراً؟ فإِن قلت: فقد قال الأَعشى:

إِذ يَرْفَع الآلُ رأْسَ الكلبِ فارتفعا

فجعل الآل هو الفاعل والشخص هو المفعول، قيل: ليس في هذا أَكثر من أَن

هذا جائز، وليس فيه دليل على أَن غيره ليس بجائز، أَلا ترى أَنك إِذا قلت

ما جاءني غير زيد فإِنما في هذا دليل على أَن الذي هو غيره لم يأْتك،

فأَما زيد نفسه فلم يُعَرَّض للإِخبار بإِثبات مجيء له أَو نفيه عنه، فقد

يجوز أَن يكون قد جاء وأَن يكون أَيضاً لم يجئ؟ والآل: الخَشَبُ

المُجَرَّد؛ ومنه قوله:

آلٌ على آلٍ تَحَمَّلَ آلا

فالآل الأَول: الرجل، والثاني السراب، والثالث الخشب؛ وقول أَبي دُوَاد:

عَرَفْت لها مَنزلاً دارساً،

وآلاً على الماء يَحْمِلْنَ آلا

فالآل الأَولِ عيدانُ الخَيْمة، والثاني الشخص؛ قال: وقد يكون الآل

بمعنى السراب؛ قال ذو الرُّمَّة:

تَبَطَّنْتُها والقَيْظَ، ما بَيْن جَالِها

إِلى جَالِها سِتْرٌ من الآل ناصح

وقال النابغة:

كأَنَّ حُدُوجَها في الآلِ ظُهْراً،

إِذا أُفْزِعْنَ من نَشْرٍ، سَفِينُ

قال ابن بري: فقوله ظُهْراً يَقْضِي بأَنه السرادب، وقول أَبي ذؤَيب:

وأَشْعَثَ في الدارِ ذي لِمَّة،

لَدَى آلِ خَيْمٍ نَفَاهُ الأَتِيُّ

قيل: الآل هنا الخشب. وآلُ الجبل: أَطرافه ونواحيه. وآلُ الرجل: أَهلُه

وعيالُه، فإِما أَن تكون الأَلف منقلبة عن واو، وإِما أَن تكون بدلاً من

الهاء، وتصغيره أُوَيْل وأُهَيْل، وقد يكون ذلك لِما لا يعقل؛ قال

الفرزدق:

نَجَوْتَ، ولم يَمْنُنْ عليك طَلاقَةً

سِوَى رَبَّة التَّقْريبِ من آل أَعْوَجا

والآل: آل النبي،صلى الله عليه وسلم. قال أَبو العباس أَحمد بن يحيى:

اختلف الناس في الآل فقالت طائفة: آل النبي،صلى الله عليه وسلم، من اتبعه

قرابة كانت أَو غير قرابة، وآله ذو قرابته مُتَّبعاً أَو غير مُتَّبع؛

وقالت طائفة: الآل والأَهل واحد، واحتجوا بأَن الآل إِذا صغر قيل أُهَيْل،

فكأَن الهمزة هاء كقولهم هَنَرْتُ الثوب وأَنَرْته إِذا جعلت له عَلَماً؛

قال: وروى الفراء عن الكسائي في تصغير آل أُوَيْل؛ قال أَبو العباس: فقد

زالت تلك العلة وصار الآل والأَهل أَصلين لمعنيين فيدخل في الصلاة كل من

اتبع النبي،صلى الله عليه وسلم، قرابة كان أَو غير قرابة؛ وروى عن غيره

أَنه سئل عن قول النبي،صلى الله عليه وسلم: اللهم صلّ على محمد وعلى آل

محمد: مَنْ آلُ محمد؟ فقال: قال قائل آله أَهله وأَزواجه كأَنه ذهب إِلى

أَن الرجل تقول له أَلَكَ أَهْلٌ؟ فيقول: لا وإِنما يَعْنِي أَنه ليس له

زوجة، قال: وهذا معنى يحتمله اللسان ولكنه معنى كلام لا يُعْرَف إِلاَّ أَن

يكون له سبب كلام يدل عليه، وذلك أَن يقال للرجل: تزوَّجتَ؟ فيقول: ما

تأَهَّلت، فَيُعْرَف بأَول الكلام أَنه أَراد ما تزوجت، أَو يقول الرجل

أَجنبت من أَهلي فيعرف أَن الجنابة إِنما تكون من الزوجة، فأَما أَن يبدأ

الرجل فيقول أَهلي ببلد كذا فأَنا أَزور أَهلي وأَنا كريم الأَهْل، فإِنما

يذهب الناس في هذا إِلى أَهل البيت، قال: وقال قائل آل محمد أَهل دين

محمد، قال: ومن ذهب إِلى هذا أَشبه أَن يقول قال الله لنوح: احمل فيها من

كل زوجين اثنين وأَهلك، وقال نوح: رب إِن ابني من أَهلي، فقال تبارك

وتعالى: إِنه ليس من أَهلك، أَي ليس من أَهل دينك؛ قال: والذي يُذْهَب إِليه

في معنى هذه الآية أَن معناه أَنه ليس من أَهلك الذين أَمرناك بحملهم معك،

فإِن قال قائل: وما دل على ذلك؟ قيل قول الله تعالى: وأَهلك إِلا من سبق

عليه القول، فأَعلمه أَنه أَمره بأَن يَحْمِل من أَهله من لم يسبق عليه

القول من أَهل المعاصي، ثم بيّن ذلك فقال: إِنه عمل غير صالح، قال: وذهب

ناس إِلى أَن آل محمد قرابته التي ينفرد بها دون غيرها من قرابته، وإِذا

عُدَّ آل الرجل ولده الذين إِليه نَسَبُهم، ومن يُؤْويه بيته من زوجة أَو

مملوك أَو مَوْلى أَو أَحد ضَمَّه عياله وكان هذا في بعض قرابته من

قِبَل أَبيه دون قرابته من قِبَل أُمه، لم يجز أَن يستدل على ما أَراد الله

من هذا ثم رسوله إِلا بسنَّة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما قال:

إِن الصدقة لا تحل لمحمد وآل محمد دل على أَن آل محمد هم الذين حرمت عليهم

الصدقة وعُوِّضوا منها الخُمس، وهي صَلِيبة بني هاشم وبني المطلب، وهم

الذين اصطفاهم الله من خلقه بعد نبيه، صلوات الله عليه وعليهم أَجمعين. وفي

الحديث: لا تحل الصدقة لمحمد وآل محمد؛ قال ابن الأَثير: واختلف في آل

النبي، صلى الله عليه وسلم، الذين لا تحل الصدقة لهم، فالأَكثر على أَنهم

أَهل بيته؛ قال الشافعي: دل هذا الحديث أَن آل محمد هم الذين حرمت عليهم

الصدقة وعوّضوا منها الخُمس، وقيل: آله أَصحابه ومن آمن به وهو في اللغة

يقع على الجميع. وقوله في الحديث: لقد أُعْطِي مِزْماراً من مزامير آل

داود، أَراد من مزامير داود نفسه. والآل: صلة زائدة. وآل الرجل أَيضاً:

أَتباعه؛ قال الأَعشى:

فكذَّبوها بما قالت، فَصَبَّحَهم

ذو آل حَسَّان يُزْجي السَّمَّ والسَّلَعا

يعني جَيْشَ تُبَّعٍ؛ ومنه قوله عز وجل: أَدخلوا آل فرعون أَشدَّ

العذاب.التهذيب: شمر قال أَبو عدنان قال لي من لا أُحْصِي من أَعراب قيس وتميم:

إِيلة الرجل بَنُو عَمِّه الأَدْنَوْن. وقال بعضهم: من أَطاف بالرجل

وحلّ معه من قرابته وعِتْرته فهو إِيلته؛ وقال العُكْلي: وهو من إِيلتنا أَي

من عِتْرَتنا. ابن بزرج: إِلَةُ الرجل الذين يَئِلُ إِليهم وهم أَهله

دُنيا. وهؤُلاء إِلَتُكَ وخم إِلَتي الذين وأَلْتُ إِليهم. قالوا: رددته

إِلى إِلته أَي إِلى أَصله؛ وأَنشد:

ولم يكن في إِلَتِي عوالا

يريد أَهل بيته، قال: وهذا من نوادره؛ قال أَبو منصور: أَما إِلَة الرجل

فهم أَهل بيته الذين يئل إِليهم أَي يلجأُ إِليهم. والآل: الشخص؛ وهو

معنى قول أَبي ذؤيب

يَمانِيَةٍ أَحْيا لها مَظَّ مائِدٍ

وآل قِراسٍ، صَوْبُ أَرْمِيَةٍ كُحْلِ

يعني ما حول هذا الموضع من النبات، وقد يجوز أَن يكون الآل الذي هو

الأَهل.

وآل الخَيْمة: عَمَدها. الجوهري: الآلة واحدة الآل والآلات وهي خشبات

تبنى عليها الخَيْمة؛ ومنه قول كثيِّر يصف ناقة ويشبه قوائمها بها:

وتُعْرَف إِن ضَلَّتْ، فتُهْدَى لِرَبِّها

لموضِع آلات من الطَّلْح أَربَع

والآلةُ: الشِّدَّة. والآلة: الأَداة، والجمع الآلات. والآلة: ما

اعْتَمَلْتَ به من الأَداة، يكون واحداً وجمعاً، وقيل: هو جمع لا واحد له من

لفظه. وقول علي، عليه السلام: تُسْتَعْمَل آلَةُ الدين في طلب الدنيا؛

إِنما يعني به العلم لأَن الدين إِنما يقوم بالعلم. والآلة: الحالة، والجمع

الآلُ. يقال: هو بآلة سوء؛ قال الراجز:

قد أَرْكَبُ الآلَةَ بعد الآله،

وأَتْرُك العاجِزَ بالجَدَالَه

والآلة: الجَنازة. والآلة: سرير الميت؛ هذه عن أَبي العَمَيْثَل؛ وبها

فسر قول كعب

بن زهير:

كُلُّ ابنِ أُنْثَى، وإِن طالَتْ سَلاَمَتُه،

يوماً على آلَةٍ حَدْباءَ محمول

التهذيب: آل فلان من فلان أَي وَأَل منه ونَجَا، وهي لغة الأَنصار،

يقولون: رجل آيل مكان وائل؛ وأَنشد بعضهم:

يَلُوذ بشُؤْبُوبٍ من الشمس فَوْقَها،

كما آل مِن حَرِّ النهار طَرِيدُ

وآل لحمُ الناقة إِذا ذَهَب فضَمُرت؛ قال الأَعْشَى:

أَذْلَلْتُهَا بعد المِرَا

ح، فآل من أَصلابها

أَي ذهب لحمُ صُلْبها.

والتأْويل: بَقْلة ثمرتها في قرون كقرون الكباش، وهي شَبِيهة بالقَفْعاء

ذات غِصَنَة وورق، وثمرتها يكرهها المال، وورقها يشبه ورق الآس وهيَ

طَيِّبة الريح، وهو من باب التَّنْبيت، واحدته تأْويلة. وروى المنذري عن

أَبي الهيثم قال: إِنما طعام فلان القفعاء والتأْويل، قال: والتأْويل نبت

يعتلفه الحمار، والقفعاء شجرة لها شوك، وإِنما يضرب هذا المثل للرجل إِذا

استبلد فهمه وشبه بالحمار في ضعف عقله. وقال أَبو سعيد. العرب تقول أَنت

في ضَحَائك

(* قوله «أنت في ضحائك» هكذا في الأصل، والذي في شرح القاموس:

أنت من الفحائل) بين القَفْعاء والتأْويل، وهما نَبْتَان محمودان من

مَرَاعي البهائم، فإِذا أَرادوا أَن ينسبوا الرجل إِلى أَنه بهيمة إِلا أَنه

مُخْصِب مُوَسَّع عليه ضربوا له هذا المثل؛ وأَنشد غيره لأَبي وَجْزَة

السعدي:

عَزْبُ المَراتع نَظَّارٌ أَطاعَ له،

من كل رَابِيَةٍ، مَكْرٌ وتأْويل

أَطاع له: نَبَت له كقولك أَطَاعَ له الوَرَاقُ، قال: ورأَيت في تفسيره

أَن التأْويل اسم بقلة تُولِعُ بقر الوحش، تنبت في الرمل؛ قال أَبو

منصور: والمَكْر والقَفْعاء قد عرفتهما ورأَيتهما، قال: وأَما التأْويل فإِني

ما سمعته إِلاَّ في شعر أَبي وجزة هذا وقد عرفه أَبو الهيثم وأَبو سعيد.

وأَوْل: موضع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

أَيا نَخْلَتَيْ أَوْلٍ، سَقَى الأَصْلَ مِنكما

مَفِيضُ الرُّبى، والمُدْجِناتُ ذُرَاكُما

وأُوال وأَوَالُ: قربة، وقيل اسم موضع مما يلي الشام؛ قال النابغة

الجعدي: أَنشده سيبويه:

مَلَكَ الخَوَرْنَقَ والسَّدِيرَ، ودَانَه

ما بَيْنَ حِمْيَرَ أَهلِها وأَوَال

صرفه للضرورة؛ وأَنشد ابن بري لأُنَيف

بن جَبَلة:

أَمَّا إِذا استقبلته فكأَنَّه

للعَيْنِ جِذْعٌ، من أَوال، مُشَذَّبُ

حرد

حرد: الحَرْدُ: الجِد والقصد. حَرَدَ يَحْرِد، بالكسر، حَرْداً: قصد.

وفي التنزيل: وغدوا على حرد قادرين؛ والحَرْدُ: المنع، وقد فسرت الآية على

هذا، وحَرَّد الشيءَ: منعه؛ قال:

كأَن فِداءها، إِذا حَرَّدوُه

أَطافوا حولَه. سلَكٌ يتيم

ويروى: جَرَّدوه أَي نقوه من التبن. ابن الأَعرابي: الحَرْدُ: القصد،

والحَرْدُ: المنع، والحَرْدُ الغيظ والغضب، قال: ويجوز أَن يكون هذا كله

معنى قوله: وغدوا على حرد قادرين؛ قال: وروي في بعض التفسير أَن قريتهم كان

اسمها حَرْدَ؛ وقال الفراء: وغدوا على حرد، يريد على حَدٍّ وقُدْرة في

أَنفسهم. وتقول للرجل: قد أَقبلتُ قِبَلَكَ وقصدت قصدك وحَرَدْتُ

حَرْدَكَ؛ قال وأَنشدت:

وجاء سيْل كان من أَمر آللهْ،

يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ

يريد: يقصد قصدها. قال وقال غيره: وغدوا على حرد قادرين، قال: منعوا وهم

قادرون أَي واجدون، نصب قادرين على الحال. وقال الأَزهري في كتاب الليث:

وغدوا على حرد، قال: على جدّ من أَمرهم، قال: وهكذا وجدته مقيداً

والصواب على حَدٍّ أَي على منع؛ قال: هكذا قاله الفراء.

ورجل حَرْدانُ: متنحٍّ معتزل، وحَرِدٌ من قوم حِرادٍ وحَريدٌ من قوم

حُرَداءَ. وامرأَة حَريدَةٌ، ولم يقولوا حَرْدَى. وحيّ حَريد: منفرد معتزل

من جماعة القبيلة ولا يخالطهم في ارتحاله وحلوله، إِما من عزتهم وإِما من

ذلتهم وقلتهم. وقالوا: كل قليل في كثير: حَريدٌ؛ قال جرير:

نَبني على سَنَنِ العَدُوِّ بيوتنا،

لا نستجير، ولا نَحُلُّ حَريدٍا

يعني إِنَّا لا ننزل في قوم من ضعف وذلة لما نحن عليه من القوة والكثرة.

وقد حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً، الصحاح: حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً أَي تنحى

وتحوّل عن قومه ونزل منفرداً لم يخالطهم؛ قال الأَعشى يصف رجلاً شديد

الغيرة على امرأَته، فهو يبعد بها إِذا تزل الحيُّ قريباً من ناحيته:

إِذا نزل الحيُّ حَلَّ الجَحِيشُ

حَرِيدَ المَحَلِّ، غَويّاً غَيُورا

والجَحِيش: المتنحي عن الناس أَيضاً. وقد حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً إِذا

ترك قومه وتحوّل عنهم.

وفي حديث صعصعة: فرفع لي بيت حَريدٌ أَي منتبذ متنح عن الناس، من قولهم:

تحرّد الجمل إِذا تنحى عن الإِبل فلم يبرك، وهو حريد فريد. وكَوْكَبٌ

حريدٌ: طلع منفرداً، وفي الصحاح: معتزل عن الكواكب، والفعل كالفعل والمصدر

كالمصدر؛ قال ذو الرمة:

يعتسفان الليلَ ذا السُّدودِ،

أَمّاً بكل كوكب حَرِيدِ

ورجل حَريد: فَريد وحيدٌ.

والمُنحَرِد: المنفرد، في لغة هذيل؛ قال أَبو ذؤيب:

كأَنه كوكب في الجوّ منحرد

ورواه أَبو عمرو بالجيم وفسره منفرد، وقال: هو سهيل؛ ومنه التحريد في

الشعر ولذلك عُدَّ عيباً لأَنه بُعْدٌ وخلاف للنظير، وحَمرِدَ عليه

حَرْداً: كلاهما غضب؛ قال ابن سيده: فأَما سيبويه فقال حَرِدَ حَرْداً.

ورجل حَرِدٌ وحارد: غضبان. الأَزهري: الحِرْدُ جَزْمٌ، والحَرَدُ لغتان.

يقال: حَرِدَ الرجل، فهو حَرِدٌ إِذا اغتاظ فتحرش بالذي غاظه وهَمَّ به،

فهو حارد؛ وأَنشد:

أُسودُ شَرًى لاقتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ،

تَساقَيْن سُمّاً، كلُّهُنَّ حَوارِدُ

قال أَبو العباس، وقال أَبو زيد والأَصمعي وأَبو عبيدة: الذي سمعنا من

العرب الفصحاء في الغضب حَرِدَ يَحْرَدُ حَرَداً، بتحريك الراء؛ قال أَبو

العباس: وسأَلت ابن الأَعرابي عنها فقال: صحيحة، إِلا أَن المفضَّل أَخبر

أَن من العرب من يقول حَرِدَ حَرَداً وحَرْداً، والتسكين أَكثر والأُخرى

فصيحة؛ قال: وقلما يلحن الناس في اللغة. الجوهري: الحَرَدُ الغضب؛ وقال

أَبو نصر أَحمد بن حاتم صاحب الأَصمعي: هو مخفف؛ وأَنشد للأَعرج المغني:

إِذا جياد الخيل جاءت تَرْدِي،

مملوءةً من غَضَبٍ وحَرْدِ

وقال الآخر:

يَلُوكُ من حَرْدٍ عليَّ الأُرَّمَا

قال ابن السكيت: وقد يحرك فيقال منه حَرِدَ، بالكسر، فهو حارد

وحَرْدَانُ؛ ومنه قيل: أَسد حارد وليوث حوارد؛ قال ابن بري: الذي ذكره سيبويه

حَرِدَ يَحْرَدُ حَرْداً، بسكون الراء، إِذا غضب. قال: وكذلك ذكره الأَصمعي

وابن دريد وعلي بن حمزة؛ قال: وشاهده قول الأَشهب بن رميلة:

أُسُودُ شرًى لاقتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ،

تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأَساوِدِ

وحارَدَتِ الإِبل حِراداً أَي انقطعت أَلبانها أَو قلَّت؛ أَنشد ثعلب:

سَيَرْوِي عقيلاً رجْلُ ظَبْيٍ وعُلْبةٌ،

تَمَطَّتْ به، مَصْلُوبَةٌ لم تُحارِدِ

مصلوبة: موسومة. وناقة مُحارِدٌ ومُحارِدَة:

بَيِّنَةُ الحِرادِ؛ واستعاره بعضهم للنساء فقال:

وبِتْنَ على الأَعْضادِ مُرْتَفِقاتِها؛

وحارَدْنَ إِلاَّ مَا شَرِبْنَ الحَمائما

يقول: انقطعت أَلبانهنّ إِلا أَن يشربن الحميم وهو الماء يُسَخِّنَّه

فيشربنه، وإِنما يُسَخِّنَّه لأَنهنّ إِذا شربنه بارداً على غير مأْكول

عَقَر أَجوافهن. وناقة مُحارِدٌ، بغير هاء: شديدة الحِراد؛ وقال الكميت:

وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ، ولم يكن،

لعُقْبَةِ قِدرِ المُسْتَعيرينَ، مُعْقِبُ

النكد: التي ماتت أَولادها. والجلاد: الغلاظ الجلود، القصار الشعور،

الشداد الفصوص، وهي أَقوى وأَصبر وأَقل لبناً من الخُورِ، والخُورُ أَغزر

وأَضعف. والحارد: القليلة اللَّبن من النُّوق. والحَرُودُ من النوق:

القليلة الدرِّ. وحاردت السنة: قلّ ماؤها ومطرها، وقد استعير في الآنية إِذا

نَفِدَ شرابها؛ قال:

ولنا باطيةٌ مملوءةٌ،

جَونَةٌ يتعها بِرْزِينُها

فإِذا ما حارَدَتْ أَو بَكَأَتْ،

فُتّ عن حاجِبِ أُخرى طهينُها

البرزي: إِناء يتخذ من قشر طَلْعِ الفُحَّالِ يشرب به. والحَرَدُ: داء

في القوائم إِذا مشى البعيرُ نفَض قوائمه فضرب بهن الأَرض كثيراً؛ وقيل:

هو داء يأْخذ الإِبل من العِقالِ في اليدين دون الرجلين. بعير أَحْرَدُ

وقد حَرِدَ حَرَداً، بالتحريك لا غير؛ وبعير أَحْرَدُ: يخبط بيديه إِذا

مِشى خلفه؛ وقيل: الحَرَدُ أَن ييبس عَصَبُ احدى اليدين من العِقال وهو

فصيل، فإِذا مَشى ضرب بهما صدرَه؛ وقيل: الأَحْرَدُ الذي إِذا مشى رفع قوائمه

رفعاً شديداً ووضعها مكانها من شدة قَطافَتِه، يكون في الدواب وغيرها،

والحَرَدُ مصدره. الأَزهري: الحَرَدُ في البعير حادث ليس بخلقة. وقال ابن

شميل: الحَرَدُ أَن تنقطع عَصَبَةُ ذراع البعير فَتَسترخي يده فلا يزال

يخفق بها أَبداً، وإِنما تنقطع العصبة من ظاهر الذراع فتراها إِذا مشى

البعير كأَنها تَمُدُّ مَدّاً من شدة ارتفاعها من الأَرض ورخاوتها،

والحَرَدُ ابنما يكون في اليد، والأَحْرَدُ يُلَقِّفُ؛ قال: وتلقيقه شدّة رفعه

يده كأَنما يَمُدّ مدّاً كما يَمُدُّ دَقَّاقُ الأَرز خشبته التي يدُق بها،

فذلك التلقيف. يقال: جمل أَحْرَدُ وناقة حَرْداءُ؛ وأَنشد:

إِذا ما دُعيتمْ لِلطِّعانِ أَجَبْتُمُ،

كما لَقَّفَتْ زُبٌّ شآمِيَةٌ حُرْدُ

الجوهري: بعير أَحرد وناقة حرداء، وذلك أَن يسترخي عصب إِحدى يديه من

عِقال أَو يكون خلقة حتى كأَنه ينفضها إِذا مشى؛ قال الأَعشى:

وأَذْرَتْ برجليها النَّفيَّ، وراجَعَتْ

يَداها خِنافاً لَيِّناً غيرَ أَحْردِ

ورجل أَحرد إِذا ثقلت عليه الدرع فلم يستطع الانبساطَ في المشي، وقد

حَرِدَ حَرَداً؛ وأَنشد الأَزهري:

إِذا ما مشى في درعه غيرَ أَحْرَدِ

والمُحَرَّدُ من كل شيء: المُعَوَّجُ. وتَحْرِيد الشيء: تعويجه كهيئة

الطاق. وحَبْلٌ مُحَرَّد إِذا ضُفِرَ فصارت له حروف لاعوجاجه. وحَرَّدَ

حبله: أَدرج فَتْلَه فجاء مستديراً، حكاه أَبو حنيفة. وقال مرة: حبل حَرِدٌ

من الحَرَدِ غير مُستوي القُوَى. قال الأَزهري: سمعت العرب تقول للحبل

إِذا اشتدت غارةُ قُواه حتى تتعقد وتتراكب: جاء بحبل فيه حُرُودٌ، وقد حرّد

حبله.

والحُرْدِيُّ والحُرْدِيَّةُ: حياصة الحظيرة التي تُشَدُّ على حائط

القصب عَرْضاً؛ قال ابن دريد: هي نبطية وقد حَرَّده تحريداً، والجمع

الحَراديُّ. الأَزهري: حَرَّدَ الرجُلُ إِذا أَوى إِلى كوخ. ابن الأَعرابي: يقال

لخشب السقف الرَّوافِدُ، ويقال لما يلقى عليها من أَطيان القصب

حَرادِيُّ. وغُرْفَةٌ مُحَرَّدَةٌ: فيها حراديّ القصب عَرْضاً. وبيت مُحَزّد:

مسنَّم، وهو الذي يقال له بالفارسية كُوخ، والحُرْدِيُّ من القصب، نَبَطِيٌّ

معرَّب، ولا يقال الهُرْدِيُّ. وحَرِدَ الوَتَرُ حَرَداً، فهو حَرِدٌ

إِذا كان بعضُ قُواه أَطولَ من بعض.

والمُحَرَّدُ من الأَوتار: الحَصَدُ الذي يظهر بعض قواه على بعض وهو

المُعَجَّرُ.

والحِرْدُ: قطعة من السَّنام؛ قال الأَزهري: لم أَسمع بهذا لغير الليث

وهو خطأٌ إِنما الحِرْدُ المعى.

حكى الزهري: أَن بَريداً من بعض الملوك جاء يسأَله عن رجل معه ما مع

المرأَة كيف يُوَرَّثُ؟ قال: من حيث يخرج الماء الدافق؛ فقال في ذلك

قائلهم:ومُهِمَّةٍ أَعيا القضاةَ قضاؤها،

تَذَرُ الفقيهَ يَشُكُّ مِثلَ الجاهل

عَجَّلْتَ قبل حنيذها بِشِوائها،

وقطعتَ مُحْرَدَها بِحُكْمٍ فاصل

المحرَدُ: المُقَطَّعُ. يقال: حردت من سَنام البعير حَرْداً إِذا قطعت

منه قطعة؛ أَراد أَنك عجلت الفتوى فيها ولم تستأْن في الجواب، فشبهه برجل

نزل به ضيف فعجل قراه بما قطع له من كَبِد الذبيحة ولحمها، ولم يحبسه على

الحنيذ والشواء؛ وتعجيل القرى عندهم محمود وصاحبه ممدوح.

والحِرْدُ، بالكسر: مَبْعَرُ البعير والناقة، والجمع حُرود. وأَحرادُ

الإِبل: أَمعاؤها، وخليق أَن يكون واحدها حِرْداً لواحد الحُرود التي هي

مباعرها لأَن المباعر والأَمعاء متقاربة؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:

ثم غَدَتْ تَنْبِضُ أَحرادُها،

إِنْ مُتَغَنَّاةً وإِنْ حادِيَهْ

تنبض: تضطرب. متغناة: متغنية وهذا كقولهم الناصاة في الناصية، والقاراة

في القارية. الأَصمعي: الحُرود مباعر الإِبل، واحدها حِرْدٌ وحِرْدَة،

بكسر الحاء. قال شمر وقال ابن الأَعرابي: الحُرود الأَمعاء؛ قال وأَقرأَنا

لابن الرِّقَاع:

بُنِيَتْ على كَرِشٍ، كأَنَّ حُرودَها

مُقُطٌ مُطَوَّاةٌ، أُمِرَّ قُواها

ورجل حُرْدِيٌّ: واسع الأَمعاء. وقال يونس: سمعت أَعرابيّاً يسأَل يقول:

مَن يتصدّق على المسكين الحَرِد؟ أَي المحتاج.

وتحرّد الأَديمُ: أَلقى ما عليه من الشعر.

وقَطاً حُرْدٌ: سِراعٌ؛ قال الأَزهري: هذا خطأٌ والقطا الحُرْدُ القصارُ

الأَرجل وهي موصوفة بذلك؛ قال: ومن هذا قيل للبخيل أَحْرَدُ اليدين أَي

فيهما انقباض عن العطاء؛ قال: ومن هذا قول من قال في قوله تعالى: وغدوا

على حَرْدٍ قادرين، أَي على منع وبخل. والحَريد: السمك المُقَدَّد؛ عن

كراع.

وأَحراد، بفتح الهمزة وسكون الحاء ودال مهملة: بئر قديمة بمكة لها ذكر

في الحديث. أَبو عبيدة: حرداء، على فعلاء ممدودة، بنو نهشل بن الحرث لقب

لقبوا به: ومنه قول الفرزدق:

لَعَمْرُ أَبيك الخيْرِ، ما زَعْمُ نَهْشَل

وأَحْرادها، أَن قد مُنُوا بِعَسِير

(* قوله «لعمر أبيك إلخ» كذا بالأصل

والذي في شرح القاموس:

لعمر أبيك الخير ما زعم نهشل * عليّ ولا حردانها بكبير

وقد علمت يوم القبيبات نهشل * وأحرادها أن قد منوا

بعسير)

فجمعهم على الأَحراد كما ترى.

أيه

أيه: إِيهِ: كلمةُ اسْتِزادة واسْتِنْطاقٍ، وهي مبنية على الكسر، وقد

تُنَوَّنُ. تقول للرجل إِذا اسْتَزَدته من حديث أَو عمل: إِيهِ، بكسر

الهاء. وفي الحديث: أَنه أَنشد شعر أُمية بن أَبي الصَّلْتِ فقال عند كل بيت

إِيهِ؛ قال ابن السكيت: فإِن وصلت نوَّنت فقلت إِيهٍ حَدِّثْنا، وإِذا

قلت إِيهاً بالنصب فإِنما تأْمره بالسكوت، قال الليث: هِيهِ وهِيهَ، بالكسر

والفتح، في موضع إِيه وإيهَ. ابن سيده: وإِيهِ كلمة زجر بمعنى حَسْبُكَ،

وتنوَّن فيقال إِيهاً. وقال ثعلب: إِيهٍ حَدِّثْ؛ وأَنشد لذي الرمة:

وَقَفْنا فقلنا: إِيهِ عن أُمِّ سالِمٍ

وما بالُ تَكْليم الديارِ البَلاقِع؟

أَراد حدِّثْنا عن أُم سالم، فترك التنوين في الوصل واكتفى بالوقف؛ قال

الأَصمعي: أَخطأَ ذو الرمة إِنما كلام العرب إِيهٍ، وقال يعقوب: أَراد

إِيهٍ فأَجراه في الوصل مُجْراه في الوقف، وذو الرمة أَراد التنوين، وإِنما

تركه للضرورة؛ قال ابن سيده: والصحيح أَن هذه الأَصوات إِذا عنيت بها

المعرفة لم تنوّن، وإِذا عنيت بها النكرة نونت، وإِنما استزاد ذو الرمة هذا

الطَّلَل حديثاً معروفاً، وقال بعض النحوين: إِذا نونت فقلت إِيهٍ

فكأَنك قلت استزادة، كأَنك قلت هاتِ حديثاً مَّا، لأَن التنوين تنكير، وإِذا

قلت إِيه فلم تنوّن فكأَنك قلت الاستزادة، فصار التنوين علم التنكير وتركه

علم التعريف؛ واستعار الحَذْلَمِيُّ هذا للإِبل فقال:

حتى إِذا قالتْ له إِيهٍ إِيهْ

وإِن لم يكن لها نطق كأَنَّ لها صوتاً ينحو هذا النحو. قال ابن بري: قال

أَبو بكر السراج في كتابه الأُصول في باب ضرورة الشاعر حين أَنشد هذا

البيت: فقلنا إِيهِ عن أُم سالم، قال: وهذا لا يعرف إِلا منوّناً في شيء من

اللغات، يريد أَنه لا يكون موصولاً إِلا منوّناً، أَبو زيد: تقول في

الأَمر إِيهٍ افْعَلْ، وفي النهي: إِيهاً عَنِّي الآنَ وإِيهاً كُفَّ. وفي

حديث أُصَيْلٍ الخُزَاعِيِّ حين قَدِمَ عليه المدينة فقال له: كيف تركتَ

مكة؟ فقال: تركتها وقد أَحْجَنَ ثُمَامُها وأَعْذَقَ إِذْخِرُها وأَمْشَر

سَلَمُها، فقال: إِيهاً أُصَيْلُ دَع القُلوبَ تَقِرُّ أَي كُفَّ واسكت.

الأَزهري: لم يُنَوِّنْ ذو الرُّمَّةِ في قوله إِيهٍ عَنْ أُمِّ سالم،

قال: لم ينوّن وقد وصَل لأَنه نوى الوقف، قال: فإِذا أَسْكَتَّهُ

وكفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا، فإِذا أَغْرَيْتَهُ بالشيء قلت وَيْهاً

يا فلانُ، فإِذا تعجبت من طِيب شيء قلتَ واهاً ما أَطْيبهُ وحكي أَيضاً

عن الليث: إِيهِ وإِيهٍ في الاستزادة والاسْتنطاق وإِيهِ وإِيهاً في

الزَّجْر، كقولك إِيهِ حَسْبُكَ وإِيهاً حَسْبُكَ؛ قال ابن الأَثير: وقد ترد

المنصوبة بمعنى التصديق والرضا بالشيء. ومنه حديث ابن الزبر لما قيل له

يا ابْنَ ذاتِ

النِّطاقَيْنِ فقال: إِيهاً والإِلهِ أَي صدَّقْتُ ورضيتُ بذلك، ويروى:

إِيهِ، بالكسر، أَي زدني من هذه المَنْقَبَةِ، وحكى اللحياني عن الكسائي:

إِيهِ وهِيهِ، على البَدَلِ، أَي حدِّثْنَا، الجوهري: إِذا أَسكتَّه

وكَفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا؛ وأَنشد ابن بري قولَ حاتم الطائي:

فرخ

فرخ: الفَرْخ: ولد الطائر، هذا الأَصل، وقد استعمل في كل صغير من

الحيوان والنبات والشجر وغيرها، والجمع القليل أَفرُخ وأَفراخه وأَفرِخَةٌ

نادرة؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَفْواقُها حِذَةَ الجَفِيرِ، كأَنَّها

أَفْواهُ أَفْرِخَةٍ من النِّغْرانِ

والكثير فُرُخٌ وفِراخٌ وفِرْخانٌ؛ قال:

مَعْها كفِرْخانِ الدجاجِ رُزَّخَا

دَرادِقاً، وهْيَ الشُّيوخُ فُرَّخَا

يقول: إِن هؤلاء وإِن كانوا صغاراً فإِن أَكلهم أَكل الشيوخ. والأُنثى

فرخة.

وأَفْرَخَت البيضة والطائرة وفرّخت، وهي مُفْرِخٌ ومُفْرِّخٌ: طار لها

فَرْخ. وأَفرخ البيضُ: خرج فرخه. وأَفرخ الطائر: صار ذا فرخ؛ وفرَّخ كذلك.

واسْتَفْرَخُوا الحَمامَ: اتخذوها للفراخ. وفي حديث عليّ، رضوان الله

عليه: أَتاه قوم فاستأْمروه في قتل عثمان، رضي الله عنه، فنهاهم وقال: إِن

تفعلوه فَبَيْضاً فَلْيُفْرِخَنَّه؛ أَراد إِن تقتلوه تهيجوا فتنة يتولى

منها شيء كثير؛ كما قال بعضهم:

أَرى فتنةً هاجت وباضت وفرّخت،

ولو تُركت طارت إِليها فراخُها

قال ابن الأَثير: ونصب بيضاً بفعل مضمر دل الفعل المذكور عليه تقديره

فَلْيُفْرِخَنَّ بَيْضاً فَلْيُفْرِخَنَّه، كما تقول زيداً أَضرب ضربت

(*

قوله «أضرب ضربت» كذا في نسخة المؤلف). أَي ضربت زيداً، فحذف الأَول وإِلا

فلا وجه لصحته بدون هذا التقدير، لأَن الفاء الثانية لا بدَّ لها من

معطوف عليه، ولا تكون لجواب الشرط لكون الأُولى كذلك. ويقال أَفرخت البيضة

إِذا خلت من الفرخ وأَفَرختها أُمّها. وفي حديث عمر: يا أَهل الشام،

تجهزوا لأَهل العراق فإِن الشيطان قد باض فيهم وفرّخ أَي اتخذهم مقرّاً

ومسكناً لا يفارقهم كما يلازم الطائر موضع بيضه وأَفراخه.

وفَرْخُ الرأْسِ: الدماغُ على التشبيه كما قيل له العصفور؛ قال:

ونحن كشَفْنا عن مُعاويةَ التي

هي الأُمُّ، تَغْشَى كلَّ فَرْخٍ مُنَقْنِق

وقول الفرزدق:

ويومَ جَعَلْنا البِيضَ فيه، لعامِرٍ،

مُصَمَّمَةً، تَفْأَى فِراخَ الجَماجِمِ

يعني به الدماغ. والفَرْخُ: مقدَّمُ دماغ الفرس. والفَرْخُ: الزرع إِذا

تهيأَ للانشقاق بعدما يطلُع؛ وقيل: هو إِذا صارت له أَغصان؛ وقد فرّخ

وأَفرخ تفريخاً. الليث: الزرع ما

دام في البَذر فهو الحب، فإذا انشق الحب عن الورقة فهو الفَرْخ؛ فإذا

طلع رأْسه فهو الحَقْل. وفي الحديث: أَنه نهى عن بيع الفَرُّوخ بالمَكِيل

من الطعام؛ قال: الفَرُّوخ من السنبل ما استبانت عاقبته وانعقد حبه وهو

مِثلُ نهيه عن المُخاضَرة والمُحاقَلة. وأَفرخَ الأَمر وفرّخ: استبانت

عاقبته بعد اشتباه. وأَفرخَ القومُ بيضَهم إِذا أَبدوا سرهم؛ يقال ذلك للذي

أَظْهرَ أَمرَهُ وأَخرج خبره لأَن إفراخَ البيض أَن يخرج فرخه.

وفَرَّخَ الرَّوْعُ وأَفْرَخَ: ذهب الفَزَع؛ يقال: لِيُفْرِخْ رَوْعُكَ

أَي ليخرج عنك فَزَعُك كما يخرج الفرخ عن البيضة؛ وأَفْرِخْ رَوْعَك يا

فلان أَي سَكِّنْ جأْشَك. الأَزهري، أَبو عبيد: من أَمثالهم المنتشرة في

كشف الكرب عند المخاوف عن الجبان قولهم: أَفْرِخْ رَوْعَك؛ يقول:

لِيَذْهَبْ رُعْبُك وفَزَعك فإن الأَمر ليس على ما تحاذر. وفي الحديث: كتب معاوية

إلى ابن زياد: أَفْرِخْ رَوْعَكَ قد وليناك الكوفة؛ وكان يخاف أَن

يوليها غيره. وأَفْرَخَ فؤادُ الرجل إذا خرج رَوْعُه وانكشف عنه الفزع كما

تفرخ البيضة إذا انفلقت عن الفرخ فخرج منها؛ وأَصل الإِفراخ الانكشاف مأْخوذ

من إِفراخ البيض إِذا انقاض عن الفرخ فخرج منها؛ قال وقلبه ذو الرمة

لمعرفته في المعنى فقال:

جَذْلانَ قد أَفْرَخَتْ عن رُوعِه الكُرَبُ

قال: والرَّوْعُ في الفؤاد كالفرخ في البيضة؛ وأَنشد:

فقل لِلْفُؤَادِ إِنْ نَزَا بِكَ نَزْوَةً

من الخَوْفِ: أَفرِخْ، أَكثرُ الرَّوعِ باطِلُه

وقال أَبو عبيد: أَفرَخَ رَوْعُه إِذا دعي له أَن يسكن رَوْعُه ويذهب.

وفُرِّخَ الرِّعْدِيدُ: رُعِبَ وأُرْعِدَ، وكذلك الشيخ الضعيف. الأَزهري:

ويقال للفَرِقِ الرِّعْدِيدِ، قد فرَّخَ تَفْريخاً؛ وأَنشد:

وما رأَينا من معشر يَنْتَخوا

من شَنا إِلا فَرَّخُوا

(* قوله «وما رأينا من معشر إلخ» كذا في نسخة المؤلف وشطره الثاني ناقص

ولهذا تركه الــسيد مرتضى كعادته فيما لم يهتد إلى صحته من كلام المؤلف).

أبو منصور: معنى فرّخوا ضعفوا كأَنهم فراخ من ضعفهم؛ وقيل: معناه ذلوا.

الهوازني: إذا سمع صاحب الأَمَةِ الرعدَ والطَّحنَ فَرِخَ إِلى الأَرض

أَي لزق بها يفرخ فرخاً. وفَرِخَ الرجل إِذا زال فزعه واطمأَن.

والفَرِخُ: المدغدغ من الرجال.

والفَرْخَة: السنان العريض.

والفُرَيْخُ على لفظ التصغير: قَيْنٌ كان في الجاهلية تنسب إليه النصال

الفُرَيْخِيَّة؛ ومنه قول الشاعر:

ومَقْذوذَيْنِ من بَرْيِ الفُرَيْخِ

وقولهم: فلان فُرَيخ قريش، إِنما هو على وجه المدح كقول الحُباب

بن المنذر «أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ»

والعرب تقول: فلان فُريخ قومه إذا كانوا يعظمونه ويكرمونه، وصغر على وجه

المبالغة في كرامته.

وفَرّوخ: من ولد إِبراهيم، عليه السلام. وفي حديث أَبي هريرة: يا بني

فَرّوخ؛ قال الليث: بلغنا أَن فَرّوخ كان من ولد إِبراهيم، عليه السلام،

ولد بعد إِسحاق وإسماعيل وكثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين هم في وسط

البلاد؛ وأَما قول الشاعر:

فإِنْ يَأْكلْ أَبو فَرّوخَ آكُلْ،

ولو كانت خَنانيصاً صغاراً

فإنه جعله أَعجميّاً فلم يصرفه لمكان العجمة والتعريف.

حير

حير: حار بَصَرُه يَحارُ حَيْرَةً وحَيْراً وحَيَراناً وتَحيَّر إِذا

نظر إِلى الشيء فَعَشيَ بَصَرُهُ. وتَحَيَّرَ واسْتَحَارَ وحارَ: لم يهتد

لسبيله. وحارَ يَحَارُ حَيْرَةً وحَيْراً أَي تَحَيَّرَ في أَمره؛

وحَيَّرْتُه أَنا فَتَحَيَّرَ. ورجل حائِرٌ بائِرٌ إِذا لم يتجه لشيء. وفي حديث

عمر، رضي الله عنه: الرجال ثلاثة، فرجل حائر بائر أَي متحير في أَمره لا

يدري كيف يهتدي فيه. وهو حائِرٌ وحَيْرانُ: تائهٌ من قوم حَيَارَى،

والأُنثى حَيْرى. وحكى اللحياني: لا تفعل ذلك أُمُّكَ حَيْرَى أَي

مُتَحَيِّرة، كقولك أُمُّكَ ثَكْلَى وكذلك الجمع؛ يقال: لا تفعلوا ذلك أُمَّهاتُكُمْ

حَيْرَى؛ وقول الطرماح:

يَطْوِي البَعِيدَ كَطَيِّ الثَّوْبِ هِزَّتُهُ،

كما تَرَدَّدَ بالدَّيْمُومَةِ الحَارُ

أَراد الحائر كما قال أَبو ذؤيب: وهي أَدْماءُ سارُها؛ يريد سائرها. وقد

حَيَّرَهُ الأَمر. والحَيَرُ: التَّحَيُّرُ؛ قال:

حَيْرانُ لا يُبْرِئُه من الحَيَرْ

وحارَ الماءُ، فهو حائر. وتَحَيَّرَ: تَرَدَّدَ؛ أَنشد ثعلب:

فَهُنَّ يَروَيْنَ بِظِمْءٍ قاصِرِ،

في رَبَبِ الطِّينِ، بماءٍ حائِرِ

وتَحَيَّر الماءُ: اجْتَمع ودار. والحائِرُ: مُجْتَمَعُ الماء؛ وأَنشد:

مما تَرَبَّبَ حائِرَ البَحْرِ

قال: والحاجر نحو منه، وجمعه حُجْرانٌ. والحائِرُ: حَوْضٌ يُسَبَّبُ

إِليه مَسِيلُ الماء من الأَمطار، يسمى هذا الاسم بالماء. وتَحَيَّر الرجلُ

إِذا ضَلَّ فلم يهتد لسبيله وتَحَيَّر في أَمره. وبالبصرة حائِرُ

الحَجَّاجِ معروف: يابس لا ماء فيه، وأَكثر الناس يسميه الحَيْرَ كما يقولون

لعائشة عَيْشَةُ، يستحسنون التخفيف وطرح الأَلف؛ وقيل: الحائر المكان

المطمئن يجتمع فيه الماء فيتحير لا يخرج منه؛ قال:

صَعْدَةٌ نابِتَةٌ في حائِر،

أَيْنَما الرِّيحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ

وقال أَبو حنيفة: من مطمئنات الأَرض الحائِرُ، وهو المكان المطمئن

الوَسَطِ المرتفعُ الحروفِ، وجمعه حِيرانٌ وحُورانٌ، ولا يقال حَيْرٌ إِلا أَن

أَبا عبيد قال في تفسير قول رؤبة:

حتى إِذا ما هاجَ حِيرانُ الدَّرَقْ

الحِيران جمع حَيْرٍ، لم يقلها أَحد غيره ولا قالها هو إِلا في تفسير

هذا البيت. قال ابن سيده: وليس كذلك أَيضاً في كل نسخة؛ واستعمل حسان بن

ثابت الحائر في البحر فقال:

ولأَنتِ أَحْسَنُ إِذْ بَرَزْت لَنا،

يومَ الخُروجِ، بِسَاحَة العَقْرِ

من دُرَّةٍ أَغْلَى بها مَلِكٌ،

مما تَرَبَّبَ حائِرَ البَحْرِ

والجمع حِيرَانٌ وحُورَانٌ. وقالوا: لهذه الدار حائِرٌ واسعٌ، والعامّة

تقول: حَيْرٌ، وهو خطأٌ. والحائِرُ: كَرْبَلاءُ، سُميت بأَحدِ هذه

الأَشياء. واسْتحارَ المكان بالماء وتَحَيَّر: تَمَلأَ. وتَحَيَّر فيه الماء:

اجتمعَ. وتَحَيَّرَ الماءُ في الغيم: اجتمع، وإِنما سمي مُجْتَمَعُ الماء

حائراً لأَنه يَتَحَيَّرُ الماء فيه يرجع أَقصاه إِلى أَدناه؛ وقال

العجاج:

سَقَاهُ رِيّاً حائِرٌ رَوِيُّ

وتَحَيَّرَتِ الأَرضُ بالماء إِذا امتلأَتْ. وتَحَيَّرَتِ الأَرضُ

بالماء لكثرته؛ قال لبيد:

حتى تَحَيَّرَتِ الدَّبارُ كأَنَّها

زَلَفٌ، وأُلْقِيَ قِتْبُها المَحْزُومُ

يقول: امتلأَت ماء. والديار: المَشَارات

(* قوله: «المشارات» أي مجاري

الماء في المزرعة كما في شرح القاموس).

والزَّلَفُ: المَصانِعُ.

واسْتَحار شَبَابَ المرأَة وتَحَيَّرَ: امتلأَ وبلغ الغابة؛ قال أَبو

ذؤيب:

وقد طُفْتُ من أَحْوالِهَا وأَرَدْتُها

لِوَصْلٍ، فأَخْشَى بَعْلَها وأَهَابُها

ثلاثةَ أَعْوَامٍ، فلما تَجَرَّمَتْ

تَقَضَّى شَبابِي، واسْتَحارَ شبابُها

قال ابن بري: تجرّمت تكملت السنون. واستحار شبابها: جرى فيها ماء

الشباب؛ قال الأَصمعي: استحار شبابها اجتمع وتردّد فيها كما يتحير الماء؛ وقال

النابغة الذبياني وذكر فرج المرأَة:

وإِذا لَمَسْتَ، لَمَسْتَ أَجْثَمَ جاثِماً

مُتَحَيِّراً بِمكانِه، مِلْءَ اليَدِ

(* في ديوان النابغة: متحيِّزاً).

والحَيْرُ: الغيم ينشأُ مع المطر فيتحير في السماء. وتَحَيَّر السحابُ:

لم يتجه جِهَةً. الأَزهري: قال شمر والعرب تقول لكل شيء ثابت دائم لا

يكاد ينقطع: مُسْتَحِيرٌ ومُتَحَيِّرٌ؛ وقال جرير:

يا رُبَّما قُذِفَ العَدُوُّ بِعَارِضٍ

فَخْمِ الكَتائِبِ، مُسْتَحِيرِ الكَوْكَبِ

قال ابن الأَعرابي: المستحير الدائم الذي لا ينقطع. قال: وكوكب الحديد

بريقه. والمُتَحيِّرُ من السحاب: الدائمُ الذي لا يبرح مكانه يصب الماء

صبّاً ولا تسوقه الريح؛ وأَنشد:

كَأَنَّهُمُ غَيْثٌ تَحَيَّر وَابِلُهْ

وقال الطرماح:

في مُسْتَحِيرِ رَدَى المَنُو

نِ، ومُلْتَقَى الأَسَل النَّواهِل

قال أَبو عمرو: يريد يتحير الردى فلا يبرح. والحائر: الوَدَكُ:

ومَرَقَةٌ مُتَحَيَّرَةٌ: كثيرة الإِهالَةِ والدَّسَمِ. وتَحَيَّرَتِ الجَفْنَةُ:

امتلأَت طعاماً ودسماً؛ فأَما ما أَنشده الفارسي لبعض الهذليين:

إِمَّا صَرَمْتِ جَدِيدَ الحِبا

لِ مِنِّي، وغَيَّرَكِ الأَشْيَبُ

فيا رُبَّ حَيْرَى جَمادِيَّةٍ،

تَحَدَّرَ فيها النَّدَى السَّاكِبُ

فإِنه عنى روضة متحيرة بالماء.

والمَحارَةُ: الصَّدَفَةُ، وجمعها مَحارٌ؛ قال ذو الرمة

فَأَلأَمُ مُرْضَعٍ نُشِغَ المَحَارَا

أَراد: ما في المحار. وفي حديث ابن سيرين في غسل الميت: يؤخذ شيء من

سِدْرٍ فيجعل في مَحارَةٍ أَو سُكُرُّجَةٍ؛ قال ابن الأَثير: المَحارَةُ

والحائر الذي يجتمع فيه الماء، وأَصل المَحْارَةِ الصدفة، والميم زائدة.

ومَحارَةُ الأُذن: صدفتها، وقيل: هي ما أَحاط بِسُمُومِ الأُذُنِ من قَعْرِ

صَحْنَيْها، وقيل: مَحارَةُ الأُذن جوفها الظاهر المُتَقَعِّرُ؛ والمحارة

أَيضاً: ما تحت الإِطارِ، وقيل: المحارة جوف الأُذن، وهو ما حول

الصِّماخ المُتَّسِعِ. والمَحارَةُ: الحَنَكُ وما خَلْفَ الفَراشَةِ من أَعلى

الفم. والمحارة: مَنْفَذُ النَّفَسِ إِلى الخياشيم. والمَحارَةُ:

النُّقْرَةُ التي في كُعْبُرَةِ الكَتِف. والمَحارَةُ: نُقْرَةُ الوَرِكِ.

والمَحارَتانِ: رأْسا الورك المستديران اللذان يدور فيهما رؤوس الفخذين.

والمَحارُ، بغير هاء، من الإِنسان: الحَنَكُ، ومن الداية حيث يُحَنِّكُ

البَيْطارُ. ابن الأَعرابي: مَحارَةُ الفرس أَعلى فمه من باطن.

وطريق مُسْتَحِيرٌ: يأْخذ في عُرْضِ مَسَافَةٍ لا يُدرى أَين مَنْفَذُه؛

قال:

ضاحِي الأَخادِيدِ ومُسْتَحِيرِهِ،

في لاحِبٍ يَرْكَبْنَ ضِيفَيْ نِيرِهِ

واستحار الرجل بمكان كذا ومكان كذا: نزله أَياماً.

والحِيَرُ والحَيَرُ: الكثير من المال والأَهل؛ قال:

أَعُوذُ بالرَّحْمَنِ من مالٍ حِيَرْ،

يُصْلِينِيَ اللهُ به حَرَّ سَقَرْ

وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:

يا من رَأَى النُّعْمان كانَ حِيَرَا

قال ثعلب: أَي كان ذا مال كثير وخَوَلٍ وأَهل؛ قال أَبو عمرو بن العلاء:

سمعت امرأَة من حِمْيَر تُرَقِّصُ ابنها وتقول:

يا رَبَّنا مَنْ سَرَّهُ أَن يَكْبَرَا،

فَهَبْ له أَهْلاً ومالاً حِيَرَا

وفي رواية: فَسُقْ إِليه رَبِّ مالاً حِيَرَا. والحَيَرُ: الكثير من

أَهل ومال؛ وحكى ابن خالويه عن ابن الأَعرابي وحده: مال حِيَرٌ، بكسر الحاء؛

وأَنشد أَبو عمرو عن ثعلب تصديقاً لقول ابن الأَعرابي:

حتى إِذا ما رَبا صَغِيرُهُمُ،

وأَصْبَحَ المالُ فِيهِمُ حِيَرَا

صَدَّ جُوَيْنٌ فما يُكَلِّمُنا،

كأَنَّ في خَدِّه لنا صَعَرا

ويقال: هذه أَنعام حِيراتٌ أَي مُتَحَيِّرَة كثيرة، وكذلك الناس إِذا

كثروا.

والحَارَة: كل مَحَلَّةٍ دنت مَنازِلُهم فهم أَهل حارَةٍ. والحِيرةُ،

بالكسر: بلد بجنب الكوفة ينزلها نصارى العِبَاد، والنسبة إِليها حِيرِيٌّ

وحاريٌّ، على غير قياس؛ قال ابن سيده: وهو من نادر معدول النسب قلبت الياء

فيه أَلفاً، وهو قلب شاذ غير مقيس عليه غيره؛ وفي التهذيب: النسبة

إِليها حارِيٌّ كما نسبوا إِلى التَّمْرِ تَمْرِيٌّ فأَراد أَن يقول

حَيْرِيٌّ، فسكن الياء فصارت أَلفاً ساكنة، وتكرر ذكرها في الحديث؛ قال ابن

الأَثير: هي البلد القديم بظهر الكوفة ومَحَلَّةٌ معروفة بنيسابور. والسيوف

الحارِيَّةُ: المعمولة بالحِيرَةِ؛ قال:

فلمَّا دخلناهُ أَضَفْنا ظُهُورَنا

إِلى كُلِّ حارِيٍّ فَشِيبٍ مُشَطَّبِ

يقول: إِنهم احْتَبَوْا بالسيوف، وكذلك الرجال الحارِيَّاتُ؛ قال

الشماخ:يَسْرِي إِذا نام بنو السَّريَّاتِ،

يَنامُ بين شُعَبِ الحارِيَّاتِ

والحارِيُّ: أَنْماطُ نُطُوعٍ تُعمل بالحِيرَةِ تُزَيَّنُ بها

الرِّحالُ؛ أَنشد يعقوب:

عَقْماً ورَقْماً وحارِيّاً نُضاعِفُهُ

على قَلائِصَ أَمثالِ الهَجانِيعِ

والمُسْتَحِيرَة: موضع؛ قال مالك بن خالد الخُناعِيُّ:

ويمَّمْتُ قاعَ المُسْتَحِيرَةِ، إِنِّني،

بأَن يَتَلاحَوْا آخِرَ اليومِ، آرِبُ

ولا أَفعل ذلك حَيْرِيْ دَهْرٍ وحَيْرِيَّ دَهْرٍ أَي أَمَدَ الدَّهْرِ.

وحَيْرِيَ دَهْرٍ: مخففة من حَيْرِيّ، كما قال الفرزدق:

تأَمَّلْتُ نَسْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُمَا،

عَلَيَّ مِنَ الغَيْثَ، اسْتَهَلَّتْ مَواطِرُهْ

وقد يجوز أَن يكون وزنه فَعْلِيَ؛ فإِن قيل: كيف ذلك والهاء لازمة لهذا

البناء فيما زعم سيبويه؟ فإِن كان هذا فيكون نادراً من باب إِنْقَحْلٍ.

وحكى ابن الأَعرابي: لا آتيك حِيْرِيَّ الدهر أَي طول الدهر، وحِيَرَ

الدهر؛ قال: وهو جمع حِيْرِيّ؛ قال ابن سيده: ولا أَدري كيف هذا؛ قال

الأَزهري: وروى شمر بإِسناده عن الرَّبِيع بن قُرَيْعٍ قال: سمعت ابن عمر يقول:

أَسْلِفُوا ذاكم الذي يوجبُ الله أَجْرَهُ ويرُدُّ إِليه مالَهُ، ولم

يُعْطَ الرجلُ شيئاً أَفضلَ من الطَّرْق، الرجلُ يُطْرِقُ على الفحل أَو على

الفرس فَيَذْهَبُ حَيْرِيَّ الدهر، فقال له رجل: ما حَيْرِيُّ الدهر؟

قال: لا يُحْسَبُ، فقال الرجلُ: ابنُ وابِصَةَ ولا في سبيل الله، فقال: أَو

ليس في سبيل الله؟ هكذا رواه حَيْرِيَّ الدهر، بفتح الحاء وتشديد الياء

الثانية وفتحها؛ قال ابن الأَثير: ويروى حَيْرِيْ دَهْرٍ، بياء ساكنة،

وحَيْرِيَ دَهْرٍ، بياء مخففة، والكل من تَحَيُّرِ الدهر وبقائه، ومعناه

مُدَّةَ الدهر ودوامه أَي ما أَقام الدهرُ. قال: وقد جاء في تمام الحديث:

فقال له رجل: ما حَيْرِيُّ الدهر؟ فقال: لا يُحْسَبُ؛ أَي لا يُعْرَفُ

حسابه لكثرته؛ يريد أَن أَجر ذلك دائم أَبداً لموضع دوام النسل؛ قال: وقال

سيبويه العرب تقول: لا أَفعل ذلك حَيْرِيْ دَهْرٍ أَي أَبداً. وزعموا أَن

بعضهم ينصب الياء في حَيْرِيَ دَهْرٍ؛ وقال أَبو الحسن: سمعت من يقول لا

أَفعل ذلك حِيْرِيَّ دَهْرٍ، مُثَقَّلَةً؛ قال: والحِيْرِيُّ الدهر كله؛

وقال شمر: قوله حِيْرِيَّ دَهْرٍ يريد أَبداً؛ قال ابن شميل: يقال ذهب

ذاك حارِيَّ الدَّهْرِ وحَيْرِيَّ الدهر أَي أَبداً. ويَبْقَى حارِيَّ دهر

أَي أَبداً. ويبقى حارِيَّ الدهر وحَيْرِيَّ الدهر أَي أَبداً؛ قال:

وسمعت ابن الأَعرابي يقول: حِيْرِيَّ الدهر، بكسر الحاء، مثل قول سيبويه

والأَخفش؛ قال شمر: والذي فسره ابن عمر ليس بمخالف لهذا إِنما أَراد لا

يُحْسَبُ أَي لا يمكن أَن يعرف قدره وحسابه لكثرته ودوامه على وجه الدهر؛ وروى

الأَزهري عن ابن الأَعرابي قال: لا آتيه حَيْرِيْ دهر وحِيْرِيَّ دهر

وحِيَرَ الدَّهْرِ؛ يريد: ما تحير من الدهر. وحِيَرُ الدهرِ: جماعةُ

حِيْرِيَّ؛ وأَنشد ابن بري للأَغلب العجلي شاهداً على مآلِ حَيَر، بفتح الحاء،

أَي كثير:

يا من رَأَى النُّعْمانَ كانَ حَيَرَا،

من كُلِّ شيءٍ صالحٍ قد أَكْثَرَا

واسْتُحِيرَ الشرابُ: أُسِيغَ؛ قال العجاج:

تَسْمَعُ لِلْجَرْعِ، إِذا اسْتُحِيرَا،

للماءِ في أَجْوافِها خَرِيرَا

والمُسْتَحِيرُ: سحاب ثقيل متردّد ليس له ريح تَسُوقُهُ؛ قال الشاعر

يمدح رجلاً:

كأَنَّ أَصحابَهُ بالقَفْرِ يُمْطِرُهُمْ،

من مُسْتَحِيرٍ، غَزِيرٌ صَوْبُهُ دِيَمُ

ابن شميل: يقول الرجل لصاحبه: والله ما تَحُورُ ولا تَحُولُ أَي ما

تزداد خيراً. ثعلب عن ابن الأَعرابي: والله ما تَحُور ولا تَحُول أَي ما

تزداد خيراً. ابن الأَعرابي: يقال لِجِلْدِ الفِيلِ الحَوْرانُ ولباطن

جِلْدِهِ الحِرْصِيانُ.

أَبو زيد: الحَيِّرُ الغَيْمُ يَنْشَأُ مع المطر فَيَتَحَيَّرُ في

السماء.

والحَيْرُ، بالفتح: شِبْهُ الحَظِيرَة أَو الحِمَى،، ومنه الحَيْرُ

بِكَرْبَلاء.

والحِيَارانِ: موضع؛ قال الحرثُ بنُ حِلَّزَةَ:

وهُوَ الرَّبُّ والشَّهِيدُ عَلَى يو

م الحِيارَيْنِ، والبلاءُ بَلاءُ

كفي

كفي: الليث: كَفَى يَكْفِي كِفايةً إِذا قام بالأَمر. ويقال:

اسْتَكْفَيْته أَمْراً فكَفانِيه. ويقال: كَفاك هذا الأَمرُ أَي حَسْبُك، وكَفاكَ

هذا الشيء. وفي الحديث: من قرأَ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة

كَفَتاه أَي أَغْنَتاه عن قيام الليل، وقيل: إِنهما أَقل ما يُجزئ من القراءة

في قيام الليل، وقيل: تَكْفِيانِ الشرَّ وتَقِيان من المكروه. وفي

الحديث: سَيَفْتَحُ اللهُ عليكم ويَكْفِيكم اللهُ أَي يَكْفيكم القِتالَ بما

فتَح عليكم. والكُفاةُ: الخَدَمُ الذين يَقومون بالخِدْمة، جمع كافٍ.

وكفَى الرجلُ كِفايةً، فهو كافٍ وكُفًى مثل حُطَمٍ؛ عن ثعلب، واكْتَفَى،

كلاهما: اضْطَلَع، وكَفاه ما أَهَمَّه كِفايةً وكَفاه مَؤُونَته كِفاية

وكَفاك الشيءُ يَكفِيك واكْتَفَيْت به. أَبو زيد: هذا رجل كافِيك من رَجُل

وناهيك من رجل وجازيكَ من رجل وشَرْعُكَ من رجُل كله بمعنى واحد. وكَفَيْته

ما أَهَمَّه. وكافَيْته: من المُكافاة، ورَجَوْتُ مُكافاتَك.

ورجل كافٍ وكَفِيٌّ: مثل سالِم وسَلِيمٍ. ابن سيده: ورجل كافِيكَ من رجل

وكَِفْيُكَ من رجُل

(* قوله« وكفيك من رجل» في القاموس مثلثة الكاف.)

وكَفَى به رجلاً. قال: وحكى ابن الأَعرابي كَفاكَ بفلان وكَفْيُكَ به

وكِفاكَ، مكسور مقصور، وكُفاكَ، مضموم مقصور أَيضاً، قال: ولا يثنى ولا يجمع

ولا يؤنث. التهذيب: تقول رأَيت رجُلاً كافِيَك من رجل، ورأَيت رجلين

كافِيَك من رجلين، ورأَيت رجالاً كافِيَكَ من رجال، معناه كَفاك به رجلاً.

الصحاح: وهذا رجل كافِيكَ من رجُل ورَجلان كافِياكَ من رجلين ورِجالٌ

كافُوكَ من رِجال، وكَفْيُك، بتسكين الفاء، أَي حَسْبُكَ؛ وأَنشد ابن بري في

هذا الموضع لجثامة الليثي:

سَلِي عَنِّي بَني لَيْثِ بنِ بَكْرٍ،

كَفَى قَوْمي بصاحِبِهِمْ خَبِيرا

هَلَ اعْفُو عن أُصولِ الحَقِّ فِيهمْ،

إِذا عَرَضَتْ، وأَقْتَطِعُ الصُّدُورا

وقال أَبو إِسحق الزجاج في قوله عز وجل: وكفَى بالله وليّاً، وما أَشبهه

في القرآن: معنى الباء للتَّوْكيد، المعنى كفَى اللهُ وليّاً إِلا أَن

الباء دخلت في اسم الفاعل لأَن معنى الكلام الأَمْرُ، المعنى اكْتَفُوا

بالله وليّاً، قال: ووليّاً منصوب على الحال، وقيل: على التمييز. وقال في

قوله سبحانه: أَوَلم يَكْفِ بربّك أَنه على كل شيء شهيد؛ معناه أَوَلم

يَكْفِ ربُّك أَوَلم تَكْفِهم شهادةُ ربِّك، ومعنى الكِفاية ههنا أَنه قد

بين لهم ما فيه كِفاية في الدلالة على توحيده. وفي حديث ابن مريم: فأَذِنَ

لي إِلى أَهْلي بغير كَفِيٍّ أَي بغير مَن يَقوم مَقامي. يقال: كَفاه

الأَمرَ إِذا قام فيه مَقامه. وفي حديث الجارود: وأَكْفي مَنْ لم يَشهد أَي

أَقوم بأَمْرِ مَن لم يَشهد الحَرْبَ وأُحارِبُ عنه؛ فأَمّا قول

الأَنصاري:

فكَفَى بِنا فَضْلاً، على مَن غَيْرُنا،

حُبُّ النبيِّ مُحَمَّدٍ إِيّانا

فإِنما أَراد فكَفانا، فأَدخل الباء على المفعول، وهذا شاذ إِذ الباء في

مثل هذا إِنما تدخل على الفاعل كقولك كفَى باللهِ؛ وقوله:

إِذا لاقَيْتِ قَوْمي فاسْأَلِيهمْ،

كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا

هو من المقلوب، ومعناه كفَى بقوم خَبِيراً صاحبُهم، فجعل الباء في

الصاحب، وموضعها أَن تكون في قوم وهم الفاعلون في المعنى؛ وأَما زيادَتها في

الفاعل فنحو قولهم: كَفى بالله، وقوله تعالى: وكفى بنا حاسبين، إِنما هو

كفى اللهُ وكفانا كقول سحيم:

كفى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْء ناهِياً

فالباء وما عملت في موضع مرفوع بفعله، كقولك ما قام من أَحد، فالجار

والمجرور هنا في موضع اسم مرفوع بفعله، ونحوه قولهم في التعجب: أَحْسِنْ

بِزَيْدٍ، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله ولا ضمير في الفعل، وقد

زيدت أَيضاً في خبر لكنَّ لشبهه بالفاعل؛ قال:

ولَكِنَّ أَجْراً لو فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ،

وهَلْ يُعْرَفُ المعْروفُ في الناسِ والأَجْرُ

(* قوله« وهل يعرف» كذا بالأصل، والذي في المحكم: ولم ينكر.)

أَراد: ولكِنّ أَجراً لو فَعَلْتِه هَيِّن، وقد يجوز أَن يكون معناه

ولكنَّ أَجراً لو فعلته بشيء هين أَي أَنت تَصِلين إِلى الأَجرِ بالشيء

الهين، كقولك: وُجُوبُ الشكر بالشيءِ الهيّن، فتكون الباء على هذا غير زائدة،

وأَجاز محمد بن السَّرِيّ أَن يكون قوله: كَفَى بالله، تقديره كفَى

اكْتِفاؤك بالله أَي اكْتفاؤك بالله يَكْفِيك؛ قال ابن جني: وهذا يضعف عندي

لأَن الباء على

هذا متعلقة بمصدر محذوف وهو الاكتفاء، ومحال حذف الموصول وتبقية صلته،

قال: وإِنما حسَّنه عندي قليلاً أَنك قد ذكرت كفَى فدلَّ على الاكتفاء

لأَنه من لفظه، كما تقول: مَن كَذب كان شرًّا له، فأَضمرته لدلالة الفعل

عليه، فههنا أَضمر اسماً كاملاً وهو الكذب، وهناك أَضمر اسماً وبقي صلته

التي هي بعضه، فكان بعضُ الاسم مضمراً وبعضه مظهراً، قال: فلذلك ضعف عندي،

قال: والقول في هذا قول سيبويه من أَنه يريد كفى الله، كقولك: وكفى الله

المؤمنين القتال؛ ويشهد بصحة هذا المذهب ما حكي عنهم من قولهم مررت

بأَبْياتٍ جادَ بِهنَّ أَبياتاً وجُدْنَ أَبْياتاً، فقوله بهنَّ في موضع رفع،

والباء زائدة كما ترى. قال: أَخبرني بذلك محمد بن الحسن قراءة عليه عن

أَحمد بن يحيى أَن الكسائي حكى ذلك عنهم؛ قال: ووجدت مثله للأَخطل وهو

قوله:فقُلْتُ: اقْتُلُوها عَنْكُمُ بِمِزاجِها،

وحُبَّ بِها مَقْتولَةً حِينَ تُقْتَل

فقوله بها في موضع رفع بحُبَّ؛ قال ابن جني: وإِنما جاز عندي زيادة

الباء في خبر المبتدإِ لمضارعته للفاعل باحتياج المبتدإِ إِليه كاحتياج الفعل

إِلى فاعله.

والكُفْيةُ، بالضم: ما يَكْفِيك من العَيش، وقيل: الكُفْيَةُ القُوت،

وقيل: هو أَقلّ من القوت، والجمع الكُفَى. ابن الأَعرابي: الكُفَى

الأَقوات، واحدتها كُفْيةٌ. ويقال: فلان لا يملك كُفَى يومه على ميزان هذا أَي

قُوتَ يومه؛ وأَنشد ثعلب:

ومُخْتَبِطٍ لم يَلْقَ مِن دُونِنا كُفًى،

وذاتِ رَضِيعٍ لم يُنِمْها رَضِيعُها

قال: يكون كُفًى جمع كُفْيَة وهو أَقلّ من القُوت، كما تقدّم، ويجوز أَن

يكون أَراد كُفاةً ثم أَسقط الهاء، ويجوز أَن يكون من قولهم رجل كَفِيٌّ

أَي كافٍ.

والكِفْيُ: بطن الوادي؛ عن كراع، والجمع الأَكْفاء.

ابن سيده: الكُفْوُ النظير لغة في الكُفءِ، وقد يجوز أَن يريدوا به

الكُفُؤ فيخففوا ثم يسكنوا.

كلم

كلم: القرآنُ: كلامُ الله وكَلِمُ الله وكَلِماتُه وكِلِمته، وكلامُ

الله لا يُحدّ ولا يُعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عما يقول المُفْتَرُون

علُوّاً كبيراً. وفي الحديث: أَعوذ بِكلماتِ الله التامّاتِ؛ قيل: هي

القرآن؛ قال ابن الأَثير: إنما وَصَف كلامه بالتَّمام لأَنه لا يجوز أَن

يكون في شيء من كلامه نَقْص أَو عَيْب كما يكون في كلام الناس، وقيل: معنى

التمام ههنا أَنها تنفع المُتَعَوِّذ بها وتحفظه من الآفات وتَكْفِيه. وفي

الحديث: سبحان الله عَدَد كلِماتِه؛ كِلماتُ الله أي كلامُه، وهو صِفتُه

وصِفاتُه لا تنحصر بالعَدَد، فذِكر العدد ههنا مجاز بمعنى المبالغة في

الكثرة، وقيل: يحتمل أَن يريد عدد الأَذْكار أَو عدد الأُجُور على ذلك،

ونَصْبُ عدد على المصدر؛ وفي حديث النساء: اسْتَحْلَلْتم فُرُوجَهن بكلمة

الله؛ قيل: هي قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحْسان، وقيل: هي

إباحةُ الله الزواج وإذنه فيه. ابن سيده: الكلام القَوْل، معروف، وقيل:

الكلام ما كان مُكْتَفِياً بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه،

وهو الجُزْء من الجملة؛ قال سيبويه: اعلم أَنّ قُلْت إنما وقعت في

الكلام على أَن يُحكى بها ما كان كلاماً لا قولاً، ومِن أَدلّ الدليل على

الفرق بين الكلام والقول إجماعُ الناس على أَن يقولوا القُرآن كلام الله ولا

يقولوا القرآن قول الله، وذلك أَنّ هذا موضع ضيِّق متحجر لا يمكن تحريفه

ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه، فَعُبِّر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون

إلا أَصواتاً تامة مفيدة؛ قال أَبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل

واحد منهما موضع الآخر؛ ومما يدل على أَن الكلام هو الجمل المتركبة في

الحقيقة قول كثيِّر:

لَوْ يَسْمَعُونَ كما سمِعتُ كلامَها،

خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا

فمعلوم أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب

السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة

مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه، وقد قال سيبويه: هذا باب أَقل ما يكون عليه الكلم،

فدكر هناك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو

على حرف واحد، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة. الجوهري: الكلام اسم جنس يقع

على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأَنه جمع كلمة

مثل نَبِقة ونَبِق، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلِمُ من العربية،

ولم يقل ما الكلام لأنه أَراد نفس ثلاثة أَشياء: الاسم والفِعْل

والحَرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعاً وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة،

وتميم تقول: هي كِلْمة، بكسر الكاف، وحكى الفراء فيها ثلاث لُغات: كَلِمة

وكِلْمة وكَلْمة، مثل كَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ،

وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان؛ قال:

فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ،

جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ

(* قوله «مفعم» ضبط في الأصل والمحكم هنا بصيغة اسم المفعول وبه أيضاً

ضبط في مادة فعم من الصحاح).

وكأَنّ الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول، أَلا ترى إلى

قلة الكلام هنا وكثرة القول؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَميمِيَّةٌ، والكَلِمة:

اللفظة، حجازيةٌ، وجمعها كَلِمٌ، تذكر وتؤنث. يقال: هو الكَلِمُ وهي

الكَلِمُ. التهذيب: والجمع في لغة تميم الكِلَمُ؛ قال رؤبة:

لا يَسْمَعُ الرَّكْبُ به رَجْعَ الكِلَمْ

وقالل سيبويه: هذا باب الوقف في أَواخر الكلم المتحركة في الوصل، يجوز

أن تكون المتحركة من نعت الكَلِم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة، ويجوز أن تكون

من نعت الأَواخر، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأْنيث

الكلم بل يحتمل الأَمرين جميعاً؛ فأَما قول مزاحم العُقَيليّ:

لَظَلّ رَهِيناً خاشِعَ الطَّرْفِ حَطَّه

تَحَلُّبُ جَدْوَى والكَلام الطَّرائِف

فوصفه بالجمع، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أَبو الحسن عنهم من

قولهم: ذهب به الدِّينار الحُمْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ؛ وكما قال:

تَراها الضَّبْع أَعْظَمهُنَّ رَأْسا

فأَعادَ الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد، لما كانت الضبع هنا

جنساً، وهي الكِلْمة، تميمية وجمعها كِلْم، ولم يقولوا كِلَماً على

اطراد فِعَلٍ في جمع فِعْلة. وأما ابن جني فقال: بنو تميم يقولون كِلْمَة

وكِلَم كَكِسْرَة وكِسَر. وقوله تعالى: وإذ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّه

بكَلِمات؛ قال ثعلب: هي الخِصال العشر التي في البدن والرأْس. وقوله تعالى:

فتَلَقَّى آدمُ من ربه كَلِماتٍ؛ قال أَبو إسحق: الكَلِمات، والله أَعلم،

اعْتِراف آدم وحواء بالذَّنب لأَنهما قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنْفُسَنا. قال

أَبو منصور: والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة

مؤلفة من جماعة حروفٍ ذَاتِ مَعْنىً، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة

بأَسْرها. يقال: قال الشاعر في كَلِمته أَي في قصيدته. قال الجوهري: الكلمة

القصيدة بطُولها.

وتَكلَّم الرجل تَكلُّماً وتِكِلاَّماً وكَلَّمه كِلاَّماً، جاؤوا به

على مُوازَنَة الأَفْعال، وكالمَه: ناطَقَه. وكَلِيمُك: الذي يُكالِمُك.

وفي التهذيب: الذي تُكَلِّمه ويُكَلِّمُك يقال: كلَّمْتُه تَكلِيماً

وكِلاَّماً مثل كَذَّبْته تَكْذيباً وكِذَّاباً. وتَكلَّمْت كَلِمة وبكَلِمة.

وما أَجد مُتكَلَّماً، بفتح اللام، أي موضع كلام. وكالَمْته إذا حادثته،

وتَكالَمْنا بعد التَّهاجُر. ويقال: كانا مُتَصارِمَيْن فأَصبحا

يَتَكالَمانِ ولا تقل يَتَكَلَّمانِ. ابن سيده: تَكالَمَ المُتَقاطِعانِ كَلَّمَ

كل واحد منهما صاحِبَه، ولا يقال تَكَلَّما. وقال أَحمد بن يحيى في قوله

تعالى: وكَلَّم الله موسى تَكْلِيماً؛ لو جاءت كَلَّمَ الله مُوسَى مجردة

لاحتمل ما قلنا وما قالوا، يعني المعتزلة، فلما جاء تكليماً خرج الشك

الذي كان يدخل في الكلام، وخرج الاحتمال للشَّيْئين، والعرب تقول إذا وُكِّد

الكلامُ لم يجز أن يكون التوكيد لغواً، والتوكيدُ بالمصدر دخل لإخراج

الشك. وقوله تعالى: وجعلها كَلِمة باقِيةً في عَقِبه؛ قال الزجاج: عنى

بالكلمة هنا كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله، جَعلَها باقِيةً في عَقِب

إبراهيم لا يزال من ولده من يوحِّد الله عز وجل. ورجل تِكْلامٌ وتِكْلامة

وتِكِلاَّمةٌ وكِلِّمانيٌّ: جَيِّدُ الكلام فَصِيح حَسن الكلامِ

مِنْطِيقٌٌ. وقال ثعلب: رجل كِلِّمانيٌّ كثير الكلام، فعبر عنه بالكثرة، قال:

والأُنثى كِلِّمانيَّةٌ، قال: ولا نظير لِكِلِّمانيٍّ ولا لِتِكِلاَّمةٍ. قال

أَبو الحسن: وله عندي نظير وهو قولهم رجل تِلِقَّاعةٌ كثير الكلام.

والكَلْمُ: الجُرْح، والجمع كُلُوم وكِلامٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

يَشْكُو، إذا شُدَّ له حِزامُه،

شَكْوَى سَلِيم ذَرِبَتْ كِلامُه

سمى موضع نَهْشة الحية من السليم كَلْماً، وإنما حقيقته الجُرْحُ، وقد

يكون السَّلِيم هنا الجَرِيحَ، فإذا كان كذلك فالكلم هنا أَصل لا مستعار.

وكَلَمَه يَكْلِمُه

(* قوله «وكلمه يكلمه» قال في المصباح: وكلمه يكلمه

من باب قتل ومن باب ضرب لغة ا هـ. وعلى الأخيرة اقتصر المجد. وقوله «وكلمة

كلماً جرحه» كذا في الأصل وأصل العبارة للمحكم وليس فيها كلماً) كَلْماً

وكَلَّمه كَلْماً: جرحه، وأَنا كالِمٌ ورجل مَكْلُوم وكَلِيم؛ قال:

عليها الشَّيخُ كالأَسَد الكَلِيمِ

والكَلِيمُ، فالجر على قولك عليها الشيخ كالأَسدِ الكليم إذا جُرِح

فَحَمِي أَنْفاً، والرفع على قولك عليها الشيخُ الكلِيمُ كالأَسد، والجمع

كَلْمى. وقوله تعالى: أَخرجنا لهم دابّة من الأَرض تُكَلِّمهم؛ قرئت:

تَكْلِمُهم وتُكَلِّمُهم، فتَكْلِمُهم: تجرحهم وتَسِمهُم، وتُكَلِّمُهم: من

الكلام، وقيل: تَكْلِمهم وتُكَلِّمهم سواء كما تقول تَجْرحهُم وتُجَرِّحهم،

قال الفراء: اجتمع القراء على تشديد تُكَلِّمهم وهو من الكلام، وقال أَبو

حاتم: قرأَ بعضهم تَكْلِمهُم وفسر تَجْرحهُم، والكِلام: الجراح، وكذلك

إن شدد تُكلِّمهم فذلك المعنى تُجَرِّحهم، وفسر فقيل: تَسِمهُم في وجوههم،

تَسِمُ المؤمن بنقطة بيضاء فيبيضُّ وجهه، وتَسِم الكافر بنقطة سوداء

فيسودّ وجهه. والتَّكْلِيمُ: التَّجْرِيح؛ قال عنترة:

إذ لا أَزال على رِحالةِ سابِحٍ

نَهْدٍ، تَعاوَرَه الكُماة، مُكَلَّمِ

وفي الحديث: ذهَب الأَوَّلون لم تَكْلِمهم الدنيا من حسناتهم شيئاً أي

لم تؤثِّر فيهم ولم تَقْدح في أَديانهم، وأَصل الكَلْم الجُرْح. وفي

الحديث: إنا نَقُوم على المَرْضى ونُداوي الكَلْمَى؛ جمع كَلِيم وهو الجَريح،

فعيل بمعنى مفعول، وقد تكرر ذكره اسماً وفعلاً مفرداً ومجموعاً. وفي

التهذيب في ترجمة مسح في قوله عز وجل: بِكَلِمةٍ منه اسمه المَسِيح؛ قال أَبو

منصور: سمى الله ابتداء أَمره كَلِمة لأَنه أَلْقَى إليها الكَلِمة ثم

كَوَّن الكلمة بشَراً، ومعنى الكَلِمة معنى الولد، والمعنى يُبَشِّرُك

بولد اسمه المسيح؛ وقال الجوهري: وعيسى، عليه السلام، كلمة الله لأَنه لما

انتُفع به في الدّين كما انتُفع بكلامه سمي به كما يقال فلان سَيْفُ الله

وأَسَدُ الله.

والكُلام: أَرض غَليظة صَليبة أو طين يابس، قال ابن دريد: ولا أَدري ما

صحته، والله أَعلم.

لوح

لوح: اللَّوْحُ: كلُّ صَفِيحة عريضة من صفائح الخشب؛ الأَزهري:

اللَّوْحُ صفيحة من صفائح الخشب، والكَتِف إِذا كتب عليها سميت لَوْحاً. واللوحُ:

الذي يكتب فيه. واللوح: اللوح المحفوظ. وفي التنزيل: في لوح محفوظ؛ يعني

مُسْتَوْدَع مَشِيئاتِ الله تعالى، وإِنما هو على المَثَلِ. وكلُّ عظم

عريض: لَوْحٌ، والجمع منهما أَلواحٌ، وأَلاوِيحُ جمع الجمع؛ قال سيبويه:

لم يُكَسَّرْ هذا الضرب على أَفْعُلٍ كراهيةَ الضم على الواو« وقوله عز

وجل: وكتبنا له في الأَلْواحِ؛ قال الزجاج: قيل في التفسير إِنهما كانا

لَوْحَيْن، ويجوز في اللغة أَن يقال لِلَّوْحَيْنِ أَلواح، ويجوز أَن يكون

أَلواحٌ جمعَ أَكثر من اثنين. وأَلواحُ الجسد: عظامُه ما خلا قَصَبَ

اليدين، والرجلين، ويُقال: بل الأَلواحُ من الجسد كلُّ عظم فيه عِرَضٌ.

والمِلْواحُ: العظيم الأَلواح؛ قال:

يَتْبَعْنَ إِثْرَ بازِلٍ مِلْواحِ

وبعير مِلْواحٌ ورجل مِلْواحٌ.

ولَوْحُ الكَتِف: ما مَلُسَ منها عند مُنْقَطَعِ غيرها من أَعلاها؛

وقيل: اللوحُ الكَتفُ إِذا كتب عليها. واللَّوْحُ، واللُّوحُ أَعْلى: أَخَفُّ

العَطَشِ، وعَمَّ بعضهم به جنس العطش؛ وقال اللحياني: اللُّوحُ سرعة

العطش. وقد لاحَ يَلُوحُ لَوْحاً ولُواحاً ولُؤُوحاً، الأَخيرة عن اللحياني،

ولَوَحاناً والْتَاحَ: عَطِشَ؛ قال رؤبة:

يَمْصَعْنَ بالأَذْنابِ من لُوحٍ وبَقّ

ولَوَّحه: عَطَّشه. ولاحَه العَطَشُ ولَوَّحَه إِذا غَيَّره.

والمِلْواحُ: العطشانُ. وإِبلٌ لَوْحَى أَي عَطْشَى. وبعير مِلْوَحٌ ومِلْواحٌ

ومِلْياحٌ: كذلك، الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، فأَما مِلْواحٌ فعلى القياس،

وأَما مِلْياحٌ فنادر؛ قال ابن سيده: وكأَنَّ هذه الواو إِنما قلبت ياء

عندي لقرب الكسرة، كأَنهم توهموا الكسرة في لام مِلْواح حتى كأَنه لِواحٌ،

فانقلبت الواو ياء لذلك. ومَرْأَة ملْواحٌ: كالمذكر؛ قال ابن مُقْبِل:

بِيضٌ مَلاوِيحُ، يومَ الصَّيْفِ، لا صُبُرٌ

على الهَوانِ، ولا سُودٌ، ولا نُكُعُ

أَبو عبيد: المِلْواحُ من الدواب السريعُ العطشِ؛ قال شمر وأَبو الهيثم:

هو الجَيِّدُ الأَلواح العظيمها. وقيل: أَلواحه ذراعاه وساقاه وعَضُداه.

ولاحَه العطشُ لَوْحاً ولَوَّحَه: غَيَّرَه وأَضمره؛ وكذلك السفرُ

والبردُ والسُّقْمُ والحُزْنُ؛ وأَنشد:

ولم يَلُحْها حَزَنٌ على ابْنِمِ،

ولا أَخٍ ولا أَبٍ، فَتَسْهُمِ

وقِدْحٌ مُلَوَّحٌ: مُغَيَّر بالنار، وكذلك نَصْلٌ مُلَوَّحٌ. وكل ما

غَيَّرته النارُ، فقد لَوَّحَته، ولَوَّحَته الشمسُ كذلك غَيَّرته

وسَفَعَتْ وجْهَه. وقال الزجاج في قوله عز وجل: لَوَّاحةٌ للبشر أَي تُحْرِقُ

الجلدَ حتى تُسَوِّده؛ يقال: لاحَه ولَوَّحَه. ولَوَّحْتُ الشيءَ بالنار:

أَحميته؛ قال جِرانُ العَوْدِ واسمه عامر بن الحرث:

عُقابٌ عَقَنْباةٌ، كَأَنَّ وَظِيفَها

وخُرْطُومَها الأَعْلى، بنارٍ مُلَوَّحُ

وفي حديث سَطِيح في رواية:

يَلوحُه في اللُّوحِ بَوْغاءُ الدِّمَنْ

اللُّوحُ: الهواء. ولاحَه يَلوحُه: غَيَّرَ لونَه. والمِلْواحُ: الضامر،

وكذلك الأُنثى؛ قال:

من كلِّ شَقَّاءِ النَّسا مِلْواحِ

وامرأَة مِلْواحٌ ودابة مِلواحٌ إِذا كان سريع الضُّمْر. ابن الأَثير:

وفي أَسماء دوابه، عليه السلام، أَن اسم فرسه مُلاوِحٌ، وهو الضامر الذي

لا يَسْمَنُ، والسريع العطش والعظيمُ الأَلواح، وهو المِلْواحُ أَيضاً.

واللَّوْحُ: النظرة كاللَّمْحة. ولاحَه ببصره لَوْحةً: رآه ثم خَفِيَ عنه؛

وأَنشد:

وهل تَنْفَعَنِّي لَوْحةٌ لو أَلُوحُها؟

ولُحْتُ إِلى كذا أَلُوحُ إِذا نظرت إِلى نار بعيدة؛ قال الأَعشى:

لَعَمْري لقد لاحتَ عُيُونٌ كثيرةٌ،

إِلى ضَوْءِ نارٍ، في يَفاعٍ تُحَرَّقُ

أَي نَظَرَتْ.

ولاحَ البرقُ يَلوح لَوْحاً ولُؤُوحاً ولَوَحاناً أَي لمَحَ. وأَلاحَ

البرقُ: أَوْمَضَ، فهو مُلِيح؛ وقيل: أَلاحَ ما حَوْله؛ قال أَبو ذؤيب:

رأَيتُ، وأَهْلي بِوادِي الرَّجِيـ

ـعِ من نَحْوِ قَيْلَةَ، بَرْقاً مُلِيحا

وأَلاحَ بالسيف ولَوَّحَ: لمَعَ به وحَرَّكه. ولاحَ النجمُ: بدا.

وأَلاحَ: أَضاء وبدا وتلأْلأَ واتسع ضَوْءُه؛ قال المُتَلَمِّسُ:

وقد أَلاحَ سُهَيْلٌ، بعدما هَجَعُوا،

كأَنه ضَرَمٌ، بالكَفِّ، مَقْبُوسُ

ابن السكيت: يقال لاحَ سُهَيْلُ إِذا بدا، وأَلاحَ إِذا تلأْلأَ؛ ويقال:

لاحَ السيفُ والبرقُ يَلُوحُ لَوْحاً. ويقال للشيء إِذا تلأْلأَ: لاحَ

يَلوحُ لَوْحاً ولُؤُوحاً. ولاح لي أَمرُك وتَلَوَّحَ: بانَ ووَضَحَ.

ولاحَ الرجلُ يَلُوح لُؤُوحاً: برز وظهر. أَبو عبيد: لاحَ الرجلُ وأَلاحَ،

فهو لائح ومُلِيحٌ إِذا برز وظهر؛ وقول أَبي ذؤيب:

وزَعْتَهُمُ حتى إِذا ما تَبَدَّدوا

سِراعاً، ولاحَتْ أَوْجُهٌ وكُشُوحُ

إِنما يريد أَنهم رُمُوا فسقطت تِرَسَتُهم ومَعابِلُهُمْ، وتفرّقوا

فأَعْوَرُوا لذلك وظهرتْ مَقاتِلُهم. ولاحَ الشيبُ يَلوح في رأْسه: بدا.

ولَوَّحه الشيبُ: بَيَّضَه؛ قال:

من بَعْدِ ما لَوَّحَكَ القَتيرُ

وقال الأَعشى:

فلئن لاحَ في الذُّؤابةِ شَيْبٌ،

يا لَبَكْرٍ وأَنْكَرَتْني الغَواني

وقول خُفافِ بن نُدْبَةَ أَنشده يعقوب في المقلوب:

فإِمَّا تَرَيْ رأْسِي تَغَيَّرَ لَوْنُه،

ولاحتْ لَواحِي الشيبِ في كلِّ مَفْرَقِ

قال: أَراد لوائحَ فقَلَبَ. وأَلاحَ بثوبه ولَوَّح به، الأَخيرة عن

اللحياني: أَخذ طَرَفَه بيده من مكان بعيد، ثم أَداره ولمَع به ليُرِيَهُ من

يحبُّ أَن يراه. وكلُّ من لمَع بشيء وأَظهره، فقد لاحَ به ولَوَّح

وأَلاحَ، وهما أَقل. وأَبيضُ يَقَقٌ ويَلَقٌ، وأَبيضُ لِياحٌ ولَياحٌ إِذا

بُولِغَ في وصفه بالبياض، قلبت الواو في لَياح ياء استحساناً لخفة الياء، لا

عن قوّة علة. وشيء لَِياحٌ: أَبيض؛ ومنه قيل للثور الوحشي لَِياحٌ

لبياضه؛ قال الفراء: إِنما صارت الواو في لياح ياء لانكسار ما قبلها؛

وأَنشد:أَقَبُّ البَطْنِ خَفَّاقُ الحَشايا،

يُضِيءُ الليلَ كالقَمَرِ اللِّياحِ

قال ابن بري: البيت لمالك بن خالد الخُناعِي يمدح زُهَيرَ بنَ الأَغَرّ،

قال: والصواب أَن يقول في اللِّياحِ إِنه الأَبيض المتلأْلئ؛ ومنه

قولهم: أَلاحَ بسيفه إِذا لمع به. والذي في شعره خَفَّاقٌ حشاه، قال: وهو

الصحيح أَي يَخْفِقُ حَشاه لقلة طُعْمِه؛ وقبله:

فَتًى ما ابنُ الأَغَرِّ إِذا شَتَوْنا،

وحُبَّ الزادُ في شَهْرَيْ قُِماحِ

وشهْرا قُِمحٍ هما شهرا البرد.

واللِّياحُ واللَّياحُ: الثور الوحشي وذلك لبياضه. واللَّياحُ أَيضاً:

الصبح. ولقيته بِلَياحٍ إِذا لقيته عند العصر والشمس بيضاء، الياس في كل

ذلك منقلبة عن واو للكسرة قبلها؛ وأَما لَياحٌ فشاذ انقلبت واوه ياء لغير

علة إِلاَّ طلب الخفة. وكان لحمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، سيف يقال

له لَِياحٌ؛ ومنه قوله:

قد ذاقَ عُثْمانُ، يومَ الجَرِّ من أُحُدٍ،

وَقْعَ اللَّياحِ، فأَوْدَى وهو مَذموم

قال ابن الأَثير: هو من لاحَ يَلوح لِياحاً إِذا بدا وظهر. والأَلواحُ:

السِّلاحُ ما يَلوحُ منه كالسيف والسِّنان؛ قال ابن سيده: والأَلواحُ ما

لاحَ من السلاح وأَكثر ما يُعْنى بذلك السيوفُ لبياضِها؛ قال عمرو بن

أَحمر الباهلي:

تُمْسِي كأَلْواحِ السلاحِ، وتُضْـ

ـحِي كالمَهاةِ، صَبِيحةَ القَطْرِ

قال ابن بري: وقيل في أَلواح السلاح إِنها أَجفانُ السيوف لأَن غِلافَها

من خشب، يراد بذلك ضمورها؛ يقول: تمسي ضامرة لا يضرها ضُمْرُها، وتصبح

كأَنها مَهاةٌ صبيحةَ القطر، وذلك أَحسن لها وأَسرع لعَدْوها. وأَلاحَه:

أَهلكه.

واللُّوحُ، بالضم: الهواء بين السماء والأَرض؛ قال:

لطائر ظَلَّ بنا يخُوتُ،

يَنْصَبُّ في اللُّوحِ، فما يَفوتُ

وقال اللحياني: هو اللُّوحُ واللَّوْحُ، لم يحك فيه الفتح غيره. ويقال:

لا أَفعل ذلك ولو نَزَوْتَ في اللُّوحِ أَي ولو نَزَوْتَ في السُّكاك،

والسُّكاكُ: الهواءُ الذي يلاقي أَعْنانَ السماء.

ولَوَّحه بالسيف والسَّوْط والعصا: علاه بها فضربه. وأَلاحَ بَحقي: ذهب

به. وقلت له قولاً فما أَلاحَ منه أَي ما استحى. وأَلاحَ من الشيء: حاذر

وأَشْفَقَ؛ قال:

يُلِحْنَ من ذي دَأَبٍ شِرْواطِ،

مُحْتَجِزٍ بخَلَقٍ شِمْطاطِ

ويروى: ذي زَجَلٍ. وأَلاحَ من ذلك الأَمر إِذا أَشفق؛ ومنه يُلِيحُ

إِلاحةً؛ قال وأَنشدنا أَبو عمرو:

إِنّ دُلَيْماً قد أَلاحَ بِعَشي،

وقال: أَنْزِلْنِي فلا إِيضاعَ بي

أَي لا سير بي؛ وهذا في الصحاح:

إِنَّ دُلَيماً قد أَلاح من أَبي

قال ابن بري: دُلَيم اسم رجل. والإِيضاعُ: سير شديد. وقوله فلا إِيضاع

بي أَي لست أَقدر على أَن أَسيرَ الوُضْعَ، والياء رَوِيُّ القصيدة بدليل

قوله بعد هذا:

وهُنَّ بالشُّقْرةِ يَفْرِينَ الفَرِي

هنّ ضمير الإِبل. والشُّقْرة: موضع. ويَفْرِينَ الفَرِي أَي يأْتين

بالعجب في السير. وأَلاحَ على الشيء: اعتمد. وفي حديث المغيرة: أَتحلف عند

مِنبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فأَلاحَ من اليمين أَي أَشفق

وخاف.والمِلْواحُ: أَن يَعْمِدَ إِلى بُومةٍ فيَخِيطَ عينها، ويَشُدَّ في

رجلها صوفة سوداء، ويَجعلَ له مَِرْبَأَةً ويَرْتَبِئَ الصائدُ في

القُتْرةِ ويُطِيرها ساعةً بعد ساعة، فإِذا رآها الصقر أَو البازي سقط عليها

فأَخذه الصياد، فالبومة وما يليها تسمى مِلْواحاً.

وبص

وبص: الوبِيصُ: البَرِيقُ؛ وبَصَ الشيءُ يَبِصُ وَبْصاً ووَبِيصاً

وبِصَةً: بَرَقَ ولمَع، ووبَصَ البرقُ وغيره؛ وأَنشد ابن بري لامرئ

القيس:إِذا شَبّ للْمَرْوِ الصِّغارِ وَبِيصُ

وفي حديث أَخْذِ العهد على الذُّريّة: وأَعْجَبَ آدمَ وَبِيصُ ما بين

عَيْنَيْ داود، عليهما السلام؛ الوبِيصُ: البَريقُ، ورجل وَبّاصٌ: برّاق

اللون؛ ومنه الحديث: رأَيت وَبِيصَ الطيِّبِ في مَفارِقِ رسول اللّه، صلّى

اللّه عليه وسلّم، وهو مُحْرِمٌ أَي بَرِيقَه؛ ومنه حديث الحسن: لا

تَلْقَى المؤمن إِلا شاحِباً ولا تَلْقَى المُنافِقَ إِلا وَبّاصاً أَي

برّاقاً. ويقال: أَبْيَضُ وابِصٌ ووَبّاصٌ؛ قال أَبو النجم:

عن هامةٍ كالحَجَرِ الوَبّاصِ

وقال أَبو العزيب النصري:

أَما تَرَيْنِي اليومَ نِضْواً خالصا،

أَسْوَدَ حُلْبوباً، وكنتُ وَابِصَا؟

أَبو حنيفة: وبَصَتِ النارُ وَبِيصاً أَضاءتْ. والوابِصةُ: البَرْقةُ.

وعارض وَبّاصٌ: شديدُ وَبِيصِ البَرْق. وكل بَرّاقٍ وَبَّاصٌ ووابصٌ. وما

في النار وَبْصةٌ ووابِصةٌ أَي جمرة. وأَوْبَصَت نارِي: أَضاءت، زاد

غيره: وذلك أَول ما يظهر لَهَبُها. وأَوْبَصَت النارُ عند القَدْح إِذا ظهرت.

ابن الأَعرابي: الوَبِيصةُ والوابِصةُ النار. وأَوْبَصت الأَرضُ: أَول

ما يظهرمن نباتها. ووَبَّصَ الجِرْوُ تَوْبِيصاً إِذا فتح عينيه.

ورجل وابِصةُ السَّمْع: يعتمد على ما يقال له، وهو الذي يُسَمَّى

الأُذُنَ، وأَنَّث على معنى الأُذُن، وقد تكون الهاء للمبالغة. ويقال: إِن

فلاناً لوَابِصةُ سَمْعٍ إِذا كان يَثِق بكل ما يسمعه، وقيل: هو إِذا كان

يسمع كلاماً فيعتمد عليه ويظنُّه ولمَّا يَكُنْ على ثِقَة، يقال: وابِصةُ

سَمع بفلان ووابِصةُ سَمع بهذا الأَمر؛ ابن الأَعرابي: هو القَمَرُ

(*

قوله: هو القمر؛ هكذا في الأصل، ولعله أراد: الوبّاص هو القمر: هكذا في سائر

المعاجم.).

والوَبَّاصُ ووَبْصانُ: شهر ربيع الآخر

(* قوله «وبصان شهر ربيع الآخر»

هو بفتح الواو وضمها مع سكون الباء فيهما.)؛ قال:

وسِيّانِ وَبْصانٌ، إِذا ما عَدَدْته،

وبُرْكٌ لَعَمْري في الحِسَاب سَواءُ

وجمعه وَبْصاناتٌ. ووابِصٌ ووابِصةُ: اسمان. والوَابِصةُ: موضع.

كتل

كتل: الليث: الكُتْلة أَعظم من الخُبْزة وهي قطعة من كنِيز التمر.

المحكم: الكُتْلة من الطين والتمر وغيرهما ما جُمِع؛ قال:

وبالغَداةِ كُتَلَ البَرْنِجِّ

أَراد البَرْنيَّ. الصحاح: الكُتْلة القطعة المجتمعة من الصَّمْغ.

والمُكَتَّل: الشديد القصير. ورأْس مُكَتَّل: مجمَّع مدوَّر. والكُتْلة:

الفِدْرة من اللحم. وكَتَّله: سمَّنه؛ عن كراع. ورجل مُكَتَّل وذو كَتَلٍ وذو

كَتالٍ: غليظُ الجسم. والكَتَال: القوَّة. والكَتَال: اللحم. ورجل

مُكَتَّل الخلْق إِذا كان مُداخَل البدن إِلى القِصَر ما هو. وأَلقى عليه

كَتَالَه أَي ثقله؛ قال الشاعر:

ولَسْت بِراحِلٍ أَبداً إِليهم،

ولو عالَجْت من وَتِدٍ كَتالا

أَي مؤونةً وثِقْلاً. والكَتالُ: النفس. والكَتال: الحاجة تقضيها.

والكَتالُ: كلُّ ما أُصْلِح من طعام أَو كُسْوة. وزوّجها على أَن يقيم لها

كَتالَها أَي ما يُصْلحها من عيشها. والكَتال: سوء العيش. والأَكتل: الشديدة

من شدائد الدهر، واشتقاقه من الكَتَال، وهو سوء العيش وضيقه؛ وأَنشد

الليث:

إِنّ بها أَكتَلَ، أَو رِزاما،

خُوَيْرِبان يَنْقُفانِ الْهاما

قال: ورِزام اسمُ الشديدة؛ قال أَبو منصور: غلط الليث في تفسير أَكْتل

ورِزام، قال: وليسا من أَسماء الشدائد إِنما هما اسما لِصَّين من لُصوص

البادية، أَلا تراه قال خُوَيرِبان؟ يقال لِصّ خارِب، ويصغَّر فيقال

خُوَيرِب. وروى سلمة عن الفراء أَنه أَنشده ذلك، قال الفراء: أَو ههنا بمعنى

واو العطف، أَراد أَن بها أَكتَلَ ورِزاماً، وهما خارِبان، وبذلك فسر ابن

سيده أَكْتَل ورِزاماً، وسيأْتي. وفي حديث ابن الصَّبْغاء: وارْمِ على

أَقفائهم بمِكْتَل؛ المِكْتَل ههنا من الأَكْتَل وهي شديدة من شدائد الدهر.

والكَتالُ: سوء العيش وضيق المؤونة والثِّقْل، ويروى: بمِنْكَل، من

النَّكال العقوبة. وفي نوادر الأَعراب: مرّ فلان يتَكَرَّى ويتَكَتَّل

ويَتَقَلَّى إِذا مَرَّ مَرًّا سريعاً. وفلان يَتَكَتَّل في مشيه إِذا قارب في

خطوه كأَنه يتدحرج. ويقال للحمار إِذا تمرَّغ فلزِق به التراب: قد كَتِل

جلدُه؛ قال الراجز:

يشرَبُ منها نَهَلاتٌ وثعلْ،

وفي مراغٍ جلدُها منه كَتلْ

ومن العرب من يقول: كاتَله الله، بمعنى قاتله الله.

والتَّكَتُّل: ضرْب من المشي. ابن سيده: تكتَّل الرجل في مشيته وهي من

مشي القصار الغلاط. وما كتَلك عنَّا أَي ما حبسك.

والكَتِيلة: النخلة التي فاتت اليَدَ، طائية، والجمع الكَتائل؛ قال:

قد أَبصَرَتْ سُعْدَى بها كَتائلي،

طَويلةَ الأَقْناءِ والعَثاكِلِ،

مثل العَذارى الخُرَّدِ العَطابِلِ

ابن الأَعرابي: الكَتِيلة النخلة الطويلة، وهي العُلْبة والعَوانة

والقِرْواح.

النضر: كُتول الأَرض فَنادِيرُها، وهي ما أَشرف منها؛ وأَنشد:

وتَيْماء تمشِي الريحُ فيها رَدِيَّة،

مَريضة لَوْنِ الأَرْض طُلْساً كُتولها

والمِكْتَل والمِكْتلة: الزَّبيل الذي يحمَل فيه التمر أَو العنب إِلى

الجَرين، وقيل: المِكْتَل شبه الزَّبيل يسع خمسة عشر صاعاً. وفي حديث

الظِّهار: أَنه أُتِيَ بمِكْتَل من تمر؛ هو بكسر الميم: الزَّبيل الكبير كأَن

فيه كُتَلاً من التمر أَي قِطعاً مجتمعة. وفي حديث خيبر: فخرجوا

بمَساحِيهم ومَكاتِلِهم. وفي حديث سعد:

(* قوله «وفي حديث سعد الى قوله بر» هكذا

في الأصل) مِكْتَل غيره مِكْتَل برّ.

ويقال: كَتِنَتْ جَحافِل الخيل من العُشب وكَتِلَت، بالنون واللام، إِذا

لزِجَتْ. وكَتِل الشيء، فهو كَتِل: تلزَّق وتلزَّج؛ قال:

وفي مراغٍ جلدُها منه كَتِلْ

قال: وقد تكون لام كَتِل بدلاً من نون كَتِنَ، وهما بمعنى واحد.

والكُنْتَأْلُ، بالضم: القصير، والنون زائدة.

قال ابن بري: الكِتال المِراس. يقال: أَيَّ شيء كاتَلْتَ من فلان أَي

مارَسْت؛ قال ابن الطَّثَريَّة:

أَقول، وقد أَيقَنْت أَنِّي مُواجه،

من الصَّرْم، باباتٍ شديداً كِتالُها

وهو مصدر كاتَلْت. والكِتالُ أَيضاً: المؤونة؛

(* قوله «والكتال أَيضاً المؤونة» كذا بضبط الأصل بوزن كتاب كالذي قبله،

وفي القاموس: الكتال كسحاب المؤونة) ؛ قال الشاعر:

قَدَ آوصَيت أَمسِ المُخْلَفين وَصِيَّة،

قليلاً على المُسْتَخْلَفِين كِتالُها

والكَواتِل: اسم موضع؛ قال النابغة:

خلالَ المَطايا يَتَّصِلنَ، وقد أَتت

قِنانُ أُبَيْرٍ دونها والكَواتِل

وكُتْلة: موضع بشِقّ عبد الله بن

كلاب، وقال ابن جَبَلة: هي رملة دون اليمامة؛ قال الراعي:

فكُتْلَةٌ فُرؤَامٌ من مَساكِنها،

فمنتَهى السَّيْل من بَنْبان فالحُمَل

وكُتَيْل وأَكْتَل: اسمان؛ قال:

إِنَّ بها أَكْتَلَ، أَو رِزاما،

خُوَيْرِبَينِ يَنْقُفان الهاما

(في مادة «كتل» الخُوَيربان بدل الخُوَيربَين، ولكلَيهما وجه من

الأَعراب).

بوج

بوج: بَوَّجَ: صَبَّحَ. ورجل بَوَّاجٌ: صَيَّاحٌ.

وباجَ البرقُ يبوجُ بَوْجاً وبَوَجاناً، وتَبَوَّجَ إِذا بَرَق ولَمَع

وتَكَشَّفَ. وانْباجَ البرقُ انْبِياجاً إِذا تكشَّف. وفي الحديث: ثم

هَبَّتْ ريحٌ سوداءُ فيها برقٌ مُتَبَوِّجٌ أَي متَأَلِّقٌ برعُود

وبُرُوق.وتبوّج البرقُ: تفرّق في وجه السحاب، وقيل: تتابع لَمْعُهُ.

ابن الأَعرابي: باجَ الرجلُ يبوجُ بَوْجاً إِذا أَسْفَرَ وجهُه بعد

شُحُوب السفر.

والبائجُ: عِرْقٌ في باطن الفخذ؛ قال الراجز:

إِذا وَجِعْنَ أَبْهَراً أَو بائِجا

وقال جندل:

بالكاسِ والأَيْدي دَمُ البَوائَج

يعني العروق المفتقة. ابن سيده: والبائج عرق محيط بالبدن كله، سمي بذلك

لانتشاره وافتراقه. والبائجةُ: ما اتسع من الرمل. والبائجةُ: الداهيةُ؛

قال أَبو ذؤَيب:

أَمْسى، وأَمْسَيْنَ لا يَخْشَيْنَ بائجَةً،

إِلاّ ضَوارِيَ، في أَعْناقها القِدَدُ

والجمعُ البوائجُ. الأَصمعي: جاءَ فلان بالبائجة والفَلِيقَةِ، وهي من

أَسماء الداهية؛ يقال: باجَتْهُم البائجةُ تَبُوجُهُم أَي أَصابتهم، وقد

باجتْ عليهم بَوْجاً وانباجت. وانباجتْ بائجةٌ أَي انفتق فَتْقٌ منكر.

وانباجتْ عليهم بَوائجُ منكَرةٌ إِذا انفتحت عليهم دَواهٍ؛ قال الشماخ يرثي

عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:

قَضَيْتَ أُموراً، ثم غادَرْتَ بعدَها

بوائِجَ في أَكمامِها، لم تُفَتَّقِ

أَبو عبيد: البائجةُ الداهيةُ. والباجةُ: الاختلاطُ. وباجَهُم بالشر

بَوْجاً: عَمَّهُم.

ابن الأَعرابي: الباجُ يهمز ولا يهمز، وهو الطريقة من المَحاجِّ

المستوية، وقد تقدم. ونحن في ذلك باجٌ واحدٌ أَي سواءٌ. قال ابن سيده: حكاه أَبو

زيد غير مهموز، وحكاه ابن السكيت مهموزاً، وقد تقجم في الهمز. قال: وهو

من ذوات الواو لوجود «ب و ج» وعدم «ب ي ج». وفي حديث عمر، رضي الله عنه:

اجعلها باجاً واحداً، وهو فارسي معرب. ابن بزرج: وبعيرٌ بائجٌ إِذا

أَعيا. وقد بُجْتُ أَنا: مَشَيْتُ حتى أَعْيَيْتُ؛ وأَنشد:

قَدْ كُنْتَ حِيناً تَرْتَجِي رِسْلَها،

فاطَّرَدَ الحائلُ والبائجُ

يعني المُخِفُّ والمُنْقِلُ.

فضا

فضا: الفَضاءُ: المكان الواسع من الأَرض، والفعل فَضا يَفْضُو فُضُوّاً

(* قوله «يفضو فضوّاً» كذا بالأصل وعبارة ابن سيده يفضو فضاء وفضوّاً

وكذا في القاموس فالفضاء مشترك بين الحدث والمكان) فهو فاضٍ؛ قال رؤبة:

أَفْرَخَ فَيْضُ بَيْضِها المُنْقاضِ،

عَنكُم، كِراماً بالمَقام الفاضي

وقد فَضا المكان وأَفْضى إِذا اتسع. وأَفْضى فلان إِلى فلان أَي وَصَل

إِليه، وأصله أَنه صار في فُرْجَته وفَضائه وحَيِّزه؛ قال ثعلب بن عبيد يصف

نحلاً:

شَتَتْ كثَّةَ الأَوْبارِ لا القُرَّ تتَّقي،

ولا الذِّئْب تَخْشى، وهي بالبَلدِ المُفْضي

أَي العَراء الذي لا شيء فيه، وأَفْضى إِليه الأَمْرُ كذلك. وأَفْضى

الرجل: دخل على أَهله. وأَفْضى إِلى المرأَة: غَشِيها، وقال بعضهم: إِذا خلا

بها فقد أَفْضى، غَشِيَ أَو لم يَغْشَ، والإِفضاء في الحقيقة الانتهاء؛

ومنه قوله تعالى: وكيف تأْخُذونه وقد أَفضى بعضُكم إِلى بعض؛ أَي انْتَهى

وأَوى، عدَّاه بإِلى لأَن فيه معنى وصَل، كقوله تعالى: أُحلّ لكم ليلة

الصِّيام الرَّفَثُ إِلى نسائكم. ومَرَة مُفْضاة: مجموعة المَسْلَكين. وأَفضى

المرأَةَ فهي مُفضاة إِذا جامَعها فجعلَ مَسْلَكَيْها مَسْلَكاً واحداً

كأَفاضها، وهي المُفْضاة من النساء. الجوهري: أَفضى الرجلُ إِلى امرأَته

باشَرها وجامعها. والمُفضاةُ: الشَّريمُ. وأَلقى ثَوبه فَضاً: لم يُودعْه.

وفي حديث دُعائه للنابغة: لا يُفْضي اللهُ فاك؛ هكذا جاء في رواية، ومعناه

أَن لا يجعله فَضاء لا سنَّ فيه. والفَضاء: الخالي الفارغ الواسع من

الأَرض.

وفي حديث معاذ في عذاب القبر: ضربه بِمرْضافةٍ وسَط رأْسه حتى يُفْضِيَ

كلُّ شيء منه أَي يصير فَضاء. والفَضاء: الساحةُ وما اتسع من الأَرض. يقال:

أَفضيت إِذا خرجت إِلى الفضاء. وأَفْضَيت إِلى فلان بسرّي. الفراء: العرب

تقول لا يُفْضِ اللهُ فاك من أَفْضَيْت. قال: والإِفضاء أَن تَسقط ثناياه

من فوق ومن تحت وكل أَضراسه؛ حكاه شمر عنه؛ قال أَبو منصور: ومن هذا

إِفْضاء المرأَة إِذا انقطع الحِتار الذي بين مسلكيها؛ وقال أَبو الهيثم في

قول زهير:

ومَنْ يوفِ لا يذمم، ومَنْ يُفْضِ قَلْبه

إِلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ

أَي مَن يَصر قلبُه إِلى فَضاء من البر ليس دونه ستر لم يَشتبه أَمره

عليه فيتجَمجم أَي يتردّد فيه.

والفَضى، مقصور: الشيء المختلط، تقول: طعام فَضًى أَي فَوْضى مختلط.

شمر: الفَضاء ما استوى من الأَرض واتسع، قال: والصحراء فَضاء. قال أَبو بكر:

الفِضاء، ممدود، كالحِساء وهو ما يجري على وجه الأَرض، واحدته فَضِيَّةٌ

(* قوله «واحدته فضية» هذا ضبط التكملة، وفي الأصل فتحة على الياء

فمقتضاه أنه من باب فعلة وفعال.) ؛ قال الفرزدق:

فصَبَّحْن قَبْلَ الوارِداتِ من القَطا،

ببَطْحاءِ ذِي قارٍ، فِضاءً مُفَجَّرا

والفَضْيةُ: الماء المُسْتَنْقِع، والجمع فِضاء، ممدود؛ عن كراع؛ فأَما

قول عدي بن الرَّقاع:

فأَوْرَدها، لَمَّا انْجَلى الليلُ أَوْ دَنا،

فِضًى كُنَّ للجُونِ الحَوائِم مَشْرَبا

قال ابن سيده: يروى فَضًى وفِضًى، فمن رواه فَضًى جعله من باب حَلْقةٍ

وحَلَقٍ ونَشْفةٍ ونَشَفٍ، ومن رواه فِضًى جعله كَبَدْرَةٍ وبِدَرٍ.

والفَضا: جانِب

(* قوله « والفضا جانب إلخ» كذا بالأصل، ولعله الضفا

بتقديم الضاد إذ هو الذي بمعنى الجانب وبدليل قوله: ويقال في تثنيته ضفوان،

وبعد هذا فايراده هنا سهو كما لا يخفى) الموضع وغيره، يكتب بالأَلف، ويقال

في تثنيته ضَفَوانِ؛ قال زهير:

قَفْراً بِمُنْدَفِع النَّحائِتِ مِنْ

ضَفَوَيْ أُلاتِ الضّالِ والسِّدْرِ

النحائت: آبار معروفة. ومكان فاضٍ ومُفْضٍ أَي واسع. وأَرض فَضاء

وبَرازٌ، والفاضِي: البارِزُ؛ قال أَبو النجم يصف فرسه:

أَمّا إِذا أَمْسَى فَمُفْضٍ مَنْزِلُه،

نَجْعَلُه في مَرْبَطٍ ،نَجْعَلُه

مُفْضٍ: واسع. والمُفْضَى: المُتَّسَع؛ وقال رؤبة:

خَوْقاء مُفْضاها إِلى مُنْخاقِ

أَي مُتَّسَعُها؛ وقال أَيضاً:

جاوَزْته بالقَوْم حتى أَفْضَى

بهِم، وأَمْضىَ سَفَرٌ ما أَمْضَى

(* قوله« ما أمضى» كذا في الأصل، والذي في نسخة التهذيب: ما أفضى.)

قال: أَفْضَى بلغ بهم مكاناً واسعاً أَفْضَى بهم إِليه حتى انقطع ذلك

الطريق إِلى شيء يعرفونه. ويقال: قد أَفْضَيْنا إِلى الفَضاء، وجمعه

أَفْضِية. ويقال: تركت الأَمر فَضاً أَي تركته غيرَ مُحْكَم. وقال أَبو مالك:

يقال ما بقي في كِنانته إِلاَّ سهم فَضاً؛ فَضاً أَي واحد. وقال أَبو عمرو:

سهم فَضاً إِذا كان مُفْرداً ليس في الكِنابة غيره. ويقال: بَقِيت من

أَقْراني فَضاً أَي بقيت وحدي، ولذلك قيل للأَمر الضعيف غير المحكم فَضاً،

مقصور. وأَفْضَى بيده إِلى الأَرض إِذا مَسَّها بباطن راحته في سُجوده.

والفَضا: حب الزَّبيب. وتمر فَضاً: منثور مختلط، وقال اللحياني: هو المختلط

بالزبيب؛ وأَنشد:

فَقُلْتُ لهَا: يا خالتي لَكِ ناقَتي،

وتمرٌ فَضاً، في عَيْبَتي، وزَبيبُ

أَي منثور، ورواه بعض المتأَخرين: يا عَمَّتي. وأَمرُهم بينهم فَضاً أَي

سواء. ومَتاعُهم بينهم فَوْضَى فَضاً أَي مختلط مشترك. غيره: وأَمرهم

فَوْضَى وفَضاً أَي سواء بينهم؛ وأَنشد للمُعَذِّل البَكْريِّ:

طَعامُهُمُ فَوْضَى فَضاً في رِحالِهم،

ولا يُحْسِنُون الشَّرَّ إِلاَّ تَنادِيا

ويقال: الناسُ فَوْضَى إِذا كانوا لا أَميرَ عليهم ولا مَنْ يجمعهم.

وأَمرُهُم فَضاً بينهم أَي لا أَمير عليهم. وأَفْضَى إِذا افْتَقَرَ.

ظرب

ظرب: الظَّرِبُ، بكسر الراءِ: كلُّ ما نَتأَ من الحجارة، وحُدَّ

طَرَفُه؛ وقيل: هو الجَبَل الـمُنْبَسِط؛ وقيل: هو الجَبَلُ الصغير؛ وقيل: الرَّوابي الصغار، والجمعُ: ظِرابٌ؛ وكذلك فسر في الحديث: الشَّمْسُ على الظِّرَابِ. وفي حديث الاستسقاءِ: اللهم على الآكام، والظِّرابِ، وبُطونِ الأَوْدية، والتِّلالِ. والظِّرابُ: الرَّوابي الصِّغارُ، واحدها ظَرِبٌ، بوزن كَتِفٍ، وقد يجمع، في القلة، على أَظْرُبٍ. وفي حديث أَبي بكر، رضي اللّه عنه: أَيْنَ أَهْلُكَ يا مَسْعُودُ؟ فقال: بهذه الأَظْرُبِ السَّوَاقِطِ؛ السَّواقِطُ: الخاشعةُ المنخفضةُ. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها:

رأَيتُ كأَني على ظَرِبٍ. ويُصَغَّر على ظُرَيْبٍ. وفي حديث أَبي أُمامة في ذكر الدجال: حتى ينزلَ على الظُّرَيْبِ الأَحمر. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: إِذا غَسَقَ الليلُ على الظِّرابِ؛ إِنما خَصَّ الظِّراب لِقَصرها؛ أَراد أَنّ ظُلْمة الليل تَقْرُبُ من الأَرض.

الليث: الظَّرِبُ من الحجارة ما كان ناتِئاً في جَبَلٍ، أَو أَرضٍ

خَرِبةٍ، وكان طَرَفُه الثاني مُحَدَّداً، وإِذا كان خِلْقَةُ الجَبَلِ كذلك،

سُمِّيَ ظَرِباً. وقيل: الظَّرِبُ أَصْغَرُ الإِكامِ وأَحَدُّه حَجراً، لا يكون حَجَرُه إِلاَّ طُرَراً، أَبيضُه وأَسْودُه وكلُّ لونٍ، وجمعه: أَظْرابٌ. والظَّرِبُ: اسم رجل، منه. ومنه سُمِّي عامِرُ بن الظَّرِبِ العَدْوانيّ، أَحدُ فُرْسانِ بني حِمَّانَ بنِ عبدِالعُزَّى؛ وفي الصحاح:

أَحَدُ حُكَّامِ العَرَب. قال مَعْد يِكرب، المعروفُ بغَلْفاءَ، يَرْثي أَخاه

شُرَحْبيلَ، وكان قُتِلَ يومَ الكُلابِ الأَوَّل:

إِنَّ جَنْبِـي عن الفِراشِ لَنابِ، * كَتَجافي الأَسَرّ فَوْقَ الظِّرابِ

من حديثٍ نَمَى إِليَّ، فما تَرْقأُ * عَيْني، ولا أُسِـيغُ شَرابِـي

من شُرَحْبيلَ، إِذ تَعاوَرَهُ الأَرْ * ماحُ في حالِ صَبْوةٍ وشَبَابِ

والكُلابُ: اسمُ ماءٍ. وكان ذلك اليومَ رئيس بَكْرٍ. والأَسَرُّ: البعير

الذي في كِرْكِرَتِه

دَبْرَةٌ؛ وقال الـمُفَضَّلُ: الـمُظَرَّبُ الذي لَوَّحَتْهُ الظِّرابُ؛ قال رؤْبة:

شَدَّ الشَّظِـيُّ الجَنْدَلَ الـمُظَرَّبا

وقال غيره: ظُرِّبَتْ حَوافِرُ الدابةِ تَظْريباً، فهي مُظَرَّبة، إِذا

صَلُبَتْ واشْتَدَّتْ. وفي الحديث: كان له فرسٌ يقال له الظَّرِبُ،

تشبيهاً بالجُبَيْل، لقُوَّته.

وأَظْرابُ اللِّجَامِ: العُقَدُ التي في أَطْرافِ الـحَديدِ؛ قال:

بادٍ نَواجِذُه عنِ الأَظْرابِ

وهذا البيتُ ذكره الجوهريّ شاهداً على قوله: والأَظْرابُ أَسْناخُ

الأَسْنانِ؛ قال عامر بن الطُّفَيْلِ:

ومُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحالةِ سابِـحٍ، * بادٍ نَواجِذُه عنِ الأَظْرابِ

وقال ابن بري: البيت للَبيد يصف فرساً، وليس لعامر بن الطفيل، وكذلك أَورده الأَزهري للبيد أَيضاً، وقال: يقول يُقَطِّعُ حَلَقَ الرِّحالةِ بوثُوبِه، وتَبْدو نَواجِذُه، إِذا وَطِـئَ على الظِّرابِ أَي كَلَح. يقول: هو هكذا، وهذه قُوَّتُه، قال: وصوابه ومُقَطِّعٌ، بالرفع، لأَن قبله:

تَهْدي أَوائِلَهُنَّ كلُّ طِمِرَّةٍ، * جَرْداءُ مثلُ هِراوةِ الأَعْزابِ

والنَّواجذُ، ههنا: الضَّواحِكُ؛ وهو الذي اختاره الهروي. وفي الحديث: أَنه، صلى اللّه عليه وسلم، ضَحِكَ حتى بَدَتْ نواجذُه؛ قال: لأَن جُلَّ ضَحِكِه كان التَّبَسُّمَ. والنواجذُ، هنا: آخر الأَضراس، وذلك لا يَبينُ عند الضَّحِك. ويقوّي أَن الناجذَ الضاحكُ قول الفرزدق:

ولو سأَلَتْ عنِّي النَّوارُ وقَوْمُها، * إِذَنْ لم تُوارِ الناجِذَ الشَّـفَتانِ

وقال أَبو زُبَيْدٍ الطائي:

بارِزاً ناجذاه، قد بَرَدَ الـمَوْ * تُ، على مُصْطَلاهُ، أَيَّ بُرودِ

والظُّرُبُ، على مثال عُتُلٍّ: القصير الغليظُ اللَّحِيمُ، عن اللحياني؛

وأَنشد:

يا أُمَّ عبدِاللّهِ أُمَّ العبدِ،

يا أَحسَنَ الناسِ مَناطَ عِقْدِ،

لا تَعْدِليني بظُرُبٍّ جَعْدِ

أَبو زيد: الظَّرِباءُ، ممدود على فَعِلاءَ (1)

(1 قوله «الظرباء ممدود الخ» أي بفتح الظاء وكسر الراء مخفف الباء ويقصر كما في التكملة، وبكسر الظاء وسكون الراء ممدوداً ومقصوراً كما في الصحاح والقاموس.): دابة شبه

القرد. قال أَبو عمرو: هو الظَّرِبانُ، بالنون، وهو على قدر الـهِرِّ ونحوه.

وقال أَبو الهيثم: هو الظَّرِبَـى، مقصور، والظَّرِباءُ، ممدود، لحن؛ وأَنشد قول الفرزدق:

فكيف تُكَلِّمُ الظَّرِبَـى، عليها * فِراءُ اللُّؤْمِ، أَرْباباً غِضابا

قال: والظَّرِبَـى جمع، على غير معنى التوحيد. قال أَبو منصور وقال الليث: هو الظَّرِبَـى، مقصور، كما قال أَبو الهيثم، وهو الصواب. وروى شمر عن أَبي زيد: هي الظَّرِبانُ، وهي الظَّرابِـيُّ، بغير نون، وهي الظِّرْبَـى، الظاء مكسورة، والراء جزم، والباء مفتوحة، وكلاهما جِماعٌ: وهي دابة تشبه القرد؛ وأَنشد:

لو كنتُ في نارٍ جحيمٍ، لأَصْبَحَت * ظَرابِـيُّ، من حِمّانَ، عنِّي تُثيرُها

قال أَبو زيد: والأُنثى ظَرِبانةٌ؛ وقال البَعِـيثُ:

سَواسِـيَةٌ سُودُ الوجوهِ، كأَنهم * ظَرابِـيُّ غِربانٍ بمَجْرودةٍ مَحْلِ

والظَّرِبانُ: دُوَيْبَّة شِـبْهُ الكلب، أَصَمُّ الأُذنين، صِماخاه يَهْوِيانِ، طويلُ الخُرْطوم، أَسودُ السَّراة، أَبيضُ البطن، كثير الفَسْوِ،

مُنْتِنُ الرائحة، يَفْسُو في جُحْرِ الضَّبِّ، فيَسْدَرُ من خُبْث رائحته، فيأْكله. وتزعم الأَعراب: أَنها تفسو في ثوب أَحدهم، إِذا صادها، فلا تذهب رائحته حتى يَبْلى الثوبُ. أَبو الهيثم: يقال هو أَفْسى من الظَّرِبانِ؛ وذلك أَنها تَفْسُو على باب جُحْرِ الضَّبِّ حتى يَخْرُجَ، فيُصادَ. الجوهري في المثل: فَسا بَيْنَنا الظَّرِبانُ؛ وذلك إِذا تَقاطَعَ القومُ. ابن سيده: قيل هي دابة شِبْهُ القِرْد، وقيل: هي على قَدْرِ الـهِرِّ ونحوه؛ قال عبداللّه بن حَجَّاج الزُّبَيْدِيّ التَّغْلَبـيّ:

أَلا أََبْلِغا قَيْساً وخِنْدِفَ أَنني * ضَرَبْتُ كَثِـيراً مَضْرِبَ الظَّرِبانِ

يعني كثير بن شهاب الـمَذْحِجيّ، وكان معاويةُ ولاّه خُراسان، فاحْتازَ مالاً، واستتر عند هانئ بن عُروة الـمُراديّ، فأَخذه من عنده وقتله. وقوله مَضْرِبَ الظَّرِبانِ أَي ضَرَبْتُه في وجهه، وذلك أَن للظَّرِبان خَطّاً في وجهه، فشَبَّه ضربته في وجهه بالخَطِّ الذي في وَجْهِ الظَّرِبانِ؛ وبعده:

فيا لَيْتَ لا يَنْفَكُّ مِخْطَمُ أَنفِه، * يُسَبُّ ويُخْزَى، الدَّهْرَ، كُلُّ يَمانِ

قال: ومن رواه ضَرَبْتُ عُبَيْداً، فليس هو لعبداللّه ابن حَجَّاج،

وإِنما هو لأَسَدِ بن ناغِصةَ، وهو الذي قَتَلَ عُبيداً بأَمر النُّعْمان يوم بُوسَةَ؛ والبيت:

أَلا أَبلغا فِتْيانَ دُودانَ أَنـَّني * ضَرَبْتُ عُبيداً مَضْرِبَ الظَّرِبانِ

غَداةَ تَوَخَّى الـمُلْكَ، يَلتَمِسُ الـحِبا، * فَصادَفَ نَحْساً كانَ كالدَّبَرانِ

الأَزهري: قال قرأْت بخط أَبي الهيثم، قال: الظِّرْبانُ دابة صغير

القوائم، يكون طُولُ قوائمه قدر نصف إِصبع، وهو عريضٌ، يكون عُرْضُه شبراً أَو فتراً، وطُولُه مقدار ذراع، وهو مُكَربَسُ الرأْس أَي مجتمعه؛ قال: وأُذناه كأُذُنَي السِّنَّوْر، وجمعه الظِّرْبَـى.

وقيل: الظِّرْبَـى الواحدُ، وجمعه ظِرْبانٌ. ابن سيده: والجمعُ ظَرابينُ وظَرابِـيُّ؛ الياء الأُولى بدل من الأَلف، والثانية بدل من النون، والقول فيه كالقول في إِنسانٍ، وسيأْتي ذكره. الجوهري: الظِّرْبَـى على فِعْلَى، جمع مثل حِجْلَى جمع حَجَلٍ؛ قال الفرزدق:

وما جعل الظِّرْبَـى، القِصارُ أُنوفُها، إِلى الطِّمِّ من مَوْجِ البحارِ الخَضارمِ وربما مُدَّ وجُمع على ظَرابِـيّ، مثل حِرْباءٍ وحَرابيّ، كأَنه جمع ظِرْباء؛ وقال:

وهل أَنتُم إِلاّ ظَرابِـيُّ مَذْحِجٍ، * تَفَاسَى وتَسْتَنْشِـي بآنُفِها الطُّخْمِ

وظِرْبَـى وظِرْباء: اسمان للجمع، ويُشْتَمُ به الرجلُ، فيقال: يا

ظَرِبانُ. ويقال: تَشاتَما فكأَنما جَزَرا بينهما ظَرِباناً؛ شَبَّهوا فُحْشَ

تشاتمهما بنَتْنِ الظَّربان. وقالوا: هما يَتنازعان جِلْدَ الظَّرِبانِ

أَي يَتَسابَّانِ، فكَـأَنَّ بينهما جِلْدَ ظَرِبانٍ، يَتَناولانِه ويَتَجاذَبانِه. ابن الأَعرابي: من أَمثالهم: هما يَتَماشَنانِ جِلْدَ الظَّرِبانِ أَي

يَتَشاتمان. والـمَشْنُ: مَسْحُ اليدين بالشيءِ الخَشِنِ.

مني

مني: المَنى، بالياءِ: القَدَر؛ قال الشاعر:

دَرَيْتُ ولا أَدْري مَنى الحَدَثانِ

مَناهُ الله يَمْنِيه: قدَّره. ويقال: مَنى اللهُ لك ما يسُرُّك أَي

قَدَّر الله لك ما يَسُرُّك؛ وقول صخر الغيّ:

لعَمرُ أَبي عمرو لقَدْ ساقَه المَنى

إِلى جَدَثٍ يُوزَى لهُ بالأَهاضِبِ

أَي ساقَه القَدَرُ. والمَنى والمَنِيَّةُ: الموت لأَنه قُدِّر علينا.

وقد مَنى الله له الموت يَمْني، ومُنِي له أَي قُدِّر؛ قال أَبو قِلابة

الهذلي:

ولا تَقُولَنْ لشيءٍ: سَوْفَ أَفْعَلُه،

حتى تُلاقِيَ ما يَمْني لك المَاني

وفي التهذيب:

حتى تبَيّنَ ما يَمْني لك الماني

أَي ما يُقَدِّر لك القادر؛ وأَورد الجوهري عجز بيت:

حتى تُلاقَي ما يَمْني لك الماني

وقال ابن بري فيه: الشعر لسُوَيْد بن عامرٍ المُصْطلِقي وهو:

لا تَأْمَنِ المَوتَ في حَلٍّ ولا حَرَمٍ،

إِنَّ المَنايا تُوافي كلَّ إِنْسانِ

واسْلُكْ طَريقَكَ فِيها غَيْرَ مُحْتَشِمٍ،

حتَّى تُلاقَي ما يَمْني لك الماني

وفي الحديث: أَن منشداً أَنشد النبي،صلى الله عليه وسلم:

لا تَأْمَنَنَّ، وإِنْ أَمْسَيْتَ في حَرَمٍ،

حتى تلاقَي ما يمني لك الماني

فالخَيْرُ والشَّرُّ مَقْرونانِ في قَرَنٍ،

بكُلِّ ذلِكَ يأْتِيكَ الجَدِيدانِ

فقال النبي،صلى الله عليه وسلم: لو أَدرك هذا الإِسلام؛ معناه حتى

تُلاقَي ما يُقدِّر لكَ المُقَدِّرُ وهو الله عز وجل. يقال: مَنى الله عليك

خيراً يَمْني مَنْياً، وبه سميت المَنِيَّةُ، وهي الموت، وجمعها المَنايا

لأَنها مُقدَّرة بوقت مخصوص؛ وقال آخر:

مَنَتْ لَكَ أَن تُلاقِيَني المَنايا

أُحادَ أُحادَ في الشَّهْر الحَلالِ

أَي قدَّرت لك الأَقْدارُ. وقال الشَّرفي بن القطامي: المَنايا

الأَحْداث، والحِمامُ الأَجَلُ، والحَتْفُ القَدَرُ، والمَنُونُ الزَّمانُ؛ قال

ابن بري: المَنيَّة قدَرُ الموت، أَلا ترى إِلى قول أَبي ذؤيب:

مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها

جِهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ

فجعل المنايا تُقرِّب الموت ولم يجعلها الموت.

وامْتَنَيْت الشيء: اخْتَلقْته.

ومُنِيتُ بكذا وكذا: ابْتُلِيت به. ومَناه اللهُ بحُبها يَمنِيه

ويَمْنُوه أَي ابْتلاه بحُبِّها مَنْياً ومَنْواً. ويقال: مُنِيَ ببَلِيَّة أَي

ابْتُلي بها كأَنما قُدِّرت له وقُدِّر لها. الجوهري: منَوْتُه ومَنَيْته

إِذا ابتليته، ومُنِينا له وُفِّقْنا. ودارِي مَنى دارِك أَي إِزاءَها

وقُبالَتها. وداري بمَنى دارِه أَي بحذائها؛ قال ابن بري: وأَنشد ابن

خالويه:

تَنَصَّيْتُ القِلاصَ إِلى حَكِيمٍ،

خَوارِجَ من تَبالَةَ أَو مَناها

فما رَجَعَتْ بخائبةٍ رِكابٌ،

حَكِيمُ بنُ المُسَيَّبِ مُنتَهاها

وفي الحديث: البيتُ المَعْمُور مَنى مكة أَي بِحذائها في السماء. وفي

حديث مجاهد: إِن الحرم حَرَمٌ مَناه مِن السمواتِ السبع والأَرَضِين السبع

أَي حِذاءه وقَصْدَه. والمَنى: القَصْدُ؛ وقول الأَخطل:

أَمْسَتْ مَناها بأَرْضٍ ما يُبَلِّغُها،

بصاحِبِ الهَمِّ، إِلاَّ الجَسْرةُ الأُجُدُ

قيل: أَراد قَصْدَها وأَنَّث على قولك ذهَبت بعضُ أَصابعه، وإِن شئت

أَضمرت في أَمَسَتْ كما أَنشده سيبويه:

إِذا ما المَرْءُ كان أَبُوه عَبْسٌ،

فحَسْبُكَ ما تُريدُ إِلى الكَلامِ

وقد قيل: إِنَّ الأَخطل أَرادَ مَنازِلها فحذف، وهو مذكور في موضعه؛

التهذيب: وأَما قول لبيد:

دَرَسَ المَنا بمُتالِعٍ فأَبانِ

قيل: إِنه أَراد بالمَنا المَنازِل فرخمها كما قال العجاج:

قَواطِناً مكةَ منْ وُرْقِ الحَما

أَراد الحَمام. قال الجوهري: قوله دَرَس المنا أَراد المنازل، ولكنه حذف

الكلمة اكْتِفاء بالصَّدْر، وهو ضرورة قبيحة.

والمَنِيُّ، مشَدّد: ماء الرجل، والمَذْي والوَدْي مخففان؛ وأَنشد ابن

بري للأَخطل يهجو جريراً:

مَنِيُّ العَبْدِ، عَبْدِ أَبي سُواجٍ،

أَحَقُّ مِنَ المُدامةِ أَنْ تَعيبا

قال: وقد جاء أَيضاً مخففاً في الشعر؛ قال رُشَيْدُ ابن رُمَيْضٍ:

أَتَحْلِفُ لا تَذُوقُ لَنا طَعاماً،

وتَشْرَبُ مَنْيَ عَبْدِ أَبي سُواجِ؟

وجمعهُ مُنْيٌ؛ حكاه ابن جِني؛ وأَنشد:

أَسْلَمْتُموها فباتَتْ غيرَ طاهِرةٍ،

مُنّيُ الرِّجالِ على الفَخذَيْنِ كالمُومِ

وقد مَنَيْتُ مَنْياً وأَمْنَيْتُ. وفي التنزيل العزيز: مِنْ مَنِيٍّ

يُمْنَى؛ وقرئ بالتاء على النطفة وبالياء على المَنيِّ، يقال: مَنَى

الرَّجلُ وأَمْنى من المَنِيِّ بمعنًى، واسْتَمْنَى أَي اسْتَدْعَى خروج

المنيّ.

ومَنَى اللهُ الشيء: قَدَّرَه، وبه سميت مِنًى، ومِنًى بمكة، يصرف ولا

يصرف، سميت بذلك لما يُمْنَى فيها من الدماء أَي يُراق، وقال ثعلب: هو مِن

قولهم مَنَى الله عليه الموت أَي قدَّره لأَن الهَدْيَ يُنحر هنالك.

وامْتَنَى القوم وأَمْنَوْا أَتوا مِنى؛ قال ابن شميل: سمي مِنًى لأَن الكبش

مُنِيَ به أَي ذُبح، وقال ابن عيينة: أُخذ من المَنايا. يونس: امْتَنَى

القوم إِذا نزلوا مِنًى. ابن الأَعرابي: أَمْنَى القوم إِذا نزلوا مِنًى.

الجوهري: مِنًى، مقصور، موضع بمكة، قال: وهو مذكر، يصرف. ومِنًى: موضع

آخر بنجد؛ قيل إِياه عنى لبيد بقوله:

عَفَتِ الدِّيارُ محَلُّها فَمُقامُها

بمِنًى، تأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها

والمُنَى، بضم الميم: جمع المُنية، وهو ما يَتَمَنَّى الرجل.

والمَنْوَةُ: الأُمْنِيَّةُ في بعض اللغات. قال ابن سيده: وأُراهم غيروا الآخِر

بالإِبدال كما غيروا الأَوَّل بالفتح. وكتب عبد الملك إِلى الحجاج: يا ابنَ

المُتَمَنِّيةِ، أَراد أُمَّه وهي الفُرَيْعَةُ بنت هَمَّام؛ وهي

القائلة:هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلى خَمْرٍ فأَشْرَبَها،

أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ؟

وكان نصر رجلاً جميلاً من بني سُلَيم يفتتن به النساء فحلق عمر رأْسه

ونفاه إِلى البصرة، فهذا كان تمنيها الذي سماها به عبد الملك، ومنه قول

عروة بن الزُّبير للحجاج: إِن شئت أَخبرتك من لا أُمَّ له يا ابنَ

المُتَمنِّية. والأُمْنِيّة: أُفْعولةٌ وجمعها الأَماني، وقال الليث: ربما طرحت

الأَلف فقيل منية على فعلة

(*قوله« فقيل منية على فعلة» كذا بالأصل وشرح القاموس، ولعله على فعولة

حتى يتأتى ردّ أَبي منصور عليه؛ قال أَبو منصور: وهذا لحن عند الفصحاء، إِنما يقال مُنْية على فُعْلة وجمعها مُنًى،

ويقال أُمْنِيّةٌ على أُفْعولة والجمع أَمانيُّ، مشدَّدة الياء، وأَمانٍ

مخففة، كما يقال أَثافٍ وأَثافيُّ وأَضاحٍ وأَضاحِيُّ لجمع الأُثْفِيّةِ

والأُضْحيَّة. أَبو العباس: أَحمد بن يحيى التَّمَنِّي حديث النفس بما يكون

وبما لا يكون، قال: والتمني السؤال للرب في الحوائج. وفي الحديث: إِذا

تَمَنَّى أَحدُكم فَلْيَسْتَكثِرْ فإِنَّما يسْأَل رَبَّه، وفي رواية:

فلْيُكْثِرْ؛ قال ابن الأَثير: التَّمَنِّي تَشَهِّي حُصُولِ الأَمر

المَرْغوب فيه وحديثُ النَّفْس بما يكون وما لا يكون، والمعنى إِذا سأَل اللهَ

حَوائجَه وفَضْله فلْيُكْثِرْ فإِن فضل الله كثير وخزائنه واسعة. أَبو

بكر: تَمَنَّيت الشيء أَي قَدَّرته وأَحْبَبْتُ أَن يصير إِليَّ مِن المَنى

وهو القدر. الجوهري: تقول تَمَنَّيْت الشيء ومَنَّيت غيري تَمْنِيةً.

وتَمَنَّى الشيءَ: أَراده، ومَنَّاه إِياه وبه، وهي المِنْيةُ والمُنْيةُ

والأُمْنِيَّةُ. وتَمَنَّى الكتابَ: قرأَه وكَتَبَه. وفي التنزيل العزيز:

إِلا إِذا تَمَنَّى أَلْقى الشيطانُ في أُمْنِيَّتِه؛ أَي قَرَأَ وتَلا

فأَلْقَى في تِلاوته ما ليس فيه؛ قال في مَرْثِيَّةِ عثمان، رضي الله

عنه:تَمَنَّى كتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِه،

وآخِرَه لاقَى حِمامَ المَقادِرِ

(* قوله« أول ليله وآخره» كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية: أول ليلة

وآخرها.)

والتَّمَنِّي: التِّلاوةُ. وتَمَنَّى إِذا تَلا القرآن؛ وقال آخر:

تَمَنَّى كِتابَ اللهِ آخِرَ لَيْلِه،

تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلِ

أَي تلا كتاب الله مُتَرَسِّلاً فيه كما تلا داودُ الزبور مترَسِّلاً

فيه. قال أَبو منصور: والتِّلاوةُ سميت أُمْنيّة لأَنَّ تالي القرآنِ إِذا

مَرَّ بآية رحمة تَمَنَّاها، وإِذا مرَّ بآية عذاب تَمَنَّى أَن

يُوقَّاه. وفي التنزيل العزيز: ومنهم أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُون الكتاب إِلا

أَمانيَّ؛ قال أَبو إِسحق: معناه الكتاب إِلا تِلاوة، وقيل: إَلاَّ

أَمانِيَّ إِلا أَكاذيبَ، والعربُ تقول: أَنت إِنما تَمْتَني هذا القولَ أَي

تَخْتَلِقُه، قال: ويجوز أَن يكون أَمانيَّ نُسِب إِلى أَنْ القائل إِذا قال

ما لا يعلمه فكأَنه إِنما يَتَمَنَّاه، وهذا مستَعمل في كلام الناس،

يقولون للذي يقول ما لا حقيقة له وهو يُحبه: هذا مُنًى وهذه أُمْنِيَّة. وفي

حديث الحسن: ليس الإِيمانُ بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمَنِّي ولكن ما وَقَر

في القلب وصَدَّقَتْه الأَعْمال أَي ليس هو بالقول الذي تُظهره بلسانك

فقط، ولكن يجب أَن تَتْبَعَه معرِفةُ القلب، وقيل: هو من التَّمَنِّي

القراءة والتِّلاوة. يقال: تَمَنَّى إِذا قرأَ. والتَّمَنِّي: الكَذِب. وفلان

يَتَمَنَّى الأَحاديث أَي يَفْتَعِلها، وهو مقلوب من المَيْنِ، وهو

الكذب. وفي حديث عثمان، رضي الله عنه: ما تَغَنَّيْتُ ولا تَمَنَّيْتُ ولا

شَرِبت خَمراً في جاهلية ولا إِسلام، وفي رواية: ما تَمَنَّيْتُ منذ أَسلمت

أَي ما كَذَبْت. والتَّمنِّي: الكَذِب، تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْني إِذا

قَدَّر لأَن الكاذب يُقدِّر في نفسه الحديث ثم يقوله، ويقال للأَحاديث

التي تُتَمَنَّى الأَمانيُّ، واحدتها أُمْنِيّةٌ؛ وفي قصيد كعب:

فلا يغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وعَدَتْ،

إِنَّ الأَمانِيَّ والأَحْلامَ تَضلِيلُ

وتَمَنَّى: كَذَبَ ووضَعَ حديثاً لا أَصل له. وتَمَنَّى الحَديث:

اخترعه. وقال رجل لابن دَأْبٍ وهو يُحدِّث: أَهذا شيء رَوَيْتَه أَم شيء

تَمَنَّيْته؟

معناه افْتَعَلْتَه واخْتَلَقْته ولا أَصل له. ويقول الرجل: والله ما

تَمَنَّيْت هذا الكلام ولا اخْتَلَقْته. وقال الجوهري: مُنْيةُ الناقة

الأَيام التي يُتعَرَّف فيها أَلاقِحٌ هي أَم لا، وهي ما بين ضِرابِ الفَحْل

إِياها وبين خمس عشرة ليلة، وهي الأَيام التي يُسْتَبْرَأُ فيها لَقاحُها

من حِيالها. ابن سيده: المُنْيةُ والمِنية أَيّام الناقة التي لم

يَسْتَبِنْ فيها لَقاحُها من حِيالها، ويقال للناقة في أَوَّل ما تُضرب: هي في

مُنْيَتها، وذلك ما لم يعلموا أَبها حمل أَم لا، ومُنْيَةُ البِكْر التي

لم تحمل قبل ذلك عشرُ ليال، ومنية الثِّنْي وهو البطن الثاني خمس عشرة

ليلة، قيل: وهي منتهى الأَيام، فإِذا مضت عُرف أَلاقِح هي أَم غير لاقح،

وقد استَمْنَيْتُها. قال ابن الأَعرابي: البِكْرُ من الإِبل تُسْتَمْنى بعد

أَربع عشرة وإحدى وعشرين، والمُسِنَّةُ بعد سبعة أَيام، قال:

والاسْتِمْناء أَن يأْتي صاحبها فيضرب بيده على صَلاها ويَنْقُرَ بها، فإِن

اكْتارَتْ بذنبها أَو عَقَدت رأْسها وجمعت بين قُطْرَيها عُلِم أَنها لاقح؛ وقال

في قول الشاعر:

قامَتْ تُريكَ لَقاحاً بعدَ سابِعةٍ،

والعَيْنُ شاحِبةٌ، والقَلْبُ مَسْتُورُ

قال: مستور إِذا لَقِحَت ذهَب نَشاطُها.

كأَنَّها بصَلاها، وهْي عاقِدةٌ،

كَوْرُ خِمارٍ على عَذْراءَ مَعْجُورُ

قال شمر: وقال ابن شميل مُنْيةُ القِلاصِ والجِلَّةِ سَواء عَشْرُ ليال:

وروي عن بعضهم أَنه قال: تُمْتَنى القِلاصُ لسبع ليال إِلا أَن تكون

قَلُوص عَسْراء الشَّوَلانِ طَويلة المُنية فتُمْتَنى عشراً وخمس عشرة،

والمُنية التي هي المُنْية سبع، وثلاث للقِلاص وللجِلَّةِ عَشْر لَيالٍ. وقال

أَبو الهيثم يردّ على من قال تُمْتَنى القِلاصُ لسبع: إنه خطأٌ، إِنما

هو تَمْتَني القِلاصُ، لا يجوز أَن يقال امْتَنَيْتُ الناقةَ أَمْتَنِيها،

فهي مُمْتَناةٌ، قال: وقرئ على نُصَير وأَنا حاضر. يقال: أَمْنَتِ

الناقةُ فهي تُمْني إِمْناء، فهي مُمْنِيةٌ ومُمْنٍ، وامْتَنَتْ، فهي

مُمْتَنِية إِذا كانت في مُنْيَتِها على أَن الفِعل لها دون راعِيها، وقد

امْتُنيَ للفحل؛ قال: وأَنشد في ذلك لذي الرمة يصف بيضة:

وبَيْضاء لا تَنْحاشُ مِنَّا، وأُمُّها

إِذا ما رأَتْنا زيِلَ مِنَّا زَويلُها

نَتُوجٍ، ولم تُقْرَفْ لِما يُمْتَنى له،

إِذا نُتِجَتْ ماتَتْ وحَيَّ سَلِيلُها

ورواه هو وغيره من الرواة: لما يُمْتَنى، بالياء، ولو كان كما روى شمر

لكانت الرواية لما تَمْتَني له، وقوله: لم تُقْرَفْ لم تُدانَ لِما

يُمْتَنى له أَي ينظر إِذا ضُربت أَلاقح أَم لا أَي لم تحمل الحمل الذي يمتنى

له؛ وأَنشد نصير لذي الرمة أَيضاً:

وحتى اسْتَبانَ الفَحْلُ بَعْدَ امْتِنائِها،

مِنَ الصَّيْف، ما اللاَّتي لَقِحْنَ وحُولها

فلم يقل بعد امْتِنائه فيكون الفعل له إِنما قال بعد امْتِنائها هي.

وقال ابن السكيت: قال الفراء مُنْية الناقة ومِنْية الناقة الأَيام التي

يُستبرأُ فيها لَقاحها من حِيالها، ويقال: الناقة في مُنْيتها. قال أَبو

عبيدة: المُنيةُ اضْطِراب الماء وامِّخاضه في الرَّحِم قبل أَن يتغير فيصير

مَشِيجاً، وقوله: لم تُقْرَف لما يُمْتَنى له يصف البيضة أَنها لم

تُقْرَف أَي لم تُجامَع لما يُمْتنى له فيُحتاج إِلى معرفة مُنْيتها؛ وقال

الجوهري: يقول هي حامل بالفرخ من غير أَن يقارفها فحل؛ قال ابن بري: الذي في

شعره:

نَتُوجٍ ولم تُقْرِف لما يُمْتَنى له

بكسر الراء، يقال: أَقْرَفَ الأَمرَ إِذا داناه أَي لم تُقْرِف هذه

البيضةُ لما له مُنيةٌ أَي هذه البيضةُ حَمَلت بالفَرْخ من جهة غير جهة حمل

الناقة، قال: والذي رواه الجوهري أَيضاً صحيح أَي لم تُقْرَف بفحل

يُمْتَنَى له أَي لم يُقارِفْها فحل.

والمُنُوَّةُ

(* قوله« والمنوة» ضبطت في غير موضع من الأصل بالضم، وقال

في شرح القاموس: هي بفتح الميم.): كالمُنْية، قلبت الياء واواً للضمة؛

وأَنشد أَبو حنيفة لثعلبة بن عبيد يصف النخل:

تَنادَوْا بِجِدٍّ، واشْمَعَلَّتْ رِعاؤها

لِعِشْرينَ يَوماً من مُنُوَّتِها تَمْضِي

فجعل المُنوَّة للنخل ذهاباً إِلى التشبيه لها بالإِبل، وأَراد لعشرين

يوماً من مُنوَّتها مَضَتْ فوضع تَفعل موضع فَعلت، وهو واسع؛ حكاه سيبويه

فقال: اعلم أَن أَفْعَلُ قد يقع موضع فَعَلْت؛ وأَنشد:

ولَقَدْ أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني،

فَمَضَيْتُ ثُمَّت قلتُ لا يَعْنِيني

أَراد: ولقد مَرَرْتُ. قال ابن بري: مُنْية الحِجْر عشرون يوماً تعتبر

بالفعل، فإِن مَنَعت فقد وسَقَتْ. ومَنَيْت الرجل مَنْياً ومَنَوْتُه

مَنْواً أَي اختبرته، ومُنِيتُ به مَنْياً بُلِيت، ومُنِيتُ به مَنْواً

بُلِيت، ومانَيْتُه جازَيْتُه. ويقال: لأَمْنِينَّك مِناوَتَك أَي

لأَجْزِيَنَّك جزاءك. ومانَيْته مُماناة: كافأْته، غير مهموز. ومانَيْتُك: كافأْتك؛

وأَنشد ابن بري لسَبْرة بن عمرو:

نُماني بها أَكْفاءَنا ونُهينُها،

ونَشْرَبُ في أَثْمانِها ونُقامِرُ

وقال آخر:

أُماني به الأَكْفاء في كلِّ مَوْطِنٍ،

وأَقْضِي فُروضَ الصَّالِحينَ وأَقْتَري

ومانَيْتُه: لَزِمْته. ومانَيْتُه: انْتَظَرْتُه وطاوَلْتُه.

والمُماناة: المُطاولةُ. والمُماناةُ: الانْتِظار؛ وأَنشد يعقوب:

عُلِّقْتُها قَبْلَ انْضِباحِ لَوْني،

وجُبْتُ لَمَّاعاً بَعِيدَ البَوْنِ،

مِنْ أَجْلِها بفِتْيةٍ مانَوْني

أَي انتَظَرُوني حتى أُدْرِك بُغْيَتي. وقال ابن بري: هذا الرجز بمعنى

المُطاولة أَيضاً لا بمعنى الانتظار كما ذكر الجوهري؛ وأَنشد لغَيْلان بن

حُريث:

فإِنْ لا يَكُنْ فيها هُرارٌ، فإِنَّني

بسِلٍّ يُمانِيها إِلى الحَوْلِ خائفُ

والهُرار: داءٌ يأْخذ الإِبل تَسْلَح عنه؛ وأَنشد ابن بري لأَبي

صُخَيْرة:

إِيَّاكَ في أَمْركَ والمُهاواةْ،

وكَثْرةَ التَّسْويفِ والمُماناهْ

والمُهاواةُ: المُلاجَّةُ؛ قال ابن السكيت: أَنشدني أَبو عمرو:

صُلْبٍ عَصاه للمَطِيِّ مِنْهَمِ،

ليسَ يُماني عُقَبَ التَّجَسُّمِ

قال: يقال مانَيْتُك مُذُ اليومِ أَي انتظرتك. وقال سعيد: المُناوة

المُجازاة. يقال: لأَمْنُوَنَّكَ مِناوَتَك ولأَقْنُوَنَّك قِناوَتَكَ.

وتَمَنٍّ: بلد بين مكة والمدينة؛ قال كثير عزة:

كأَنَّ دُموعَ العَيْنِ، لما تَحَلَّلَتْ

مَخارِمَ بِيضاً مِنْ تَمَنٍّ جِمالُها،

قَبَلْنَ غُروباً مِنْ سُمَيْحَةَ أَتْرَعَتْ

بِهِنَّ السَّواني، فاسْتدارَ مَحالُها

والمُماناةُ: قِلَّة الغَيرةِ على الحُرَمِ. والمُماناةُ: المُداراةُ.

والمُماناةُ: المُعاقَبةُ في الرُّكوب. والمُماناةُ: المكافأَةُ. ويقال

للدَّيُّوث: المُماذِلُ والمُماني والمُماذِي.

والمَنا: الكَيْلُ أَو المِيزانُ الذي يُوزَنُ به، بفتح الميم مقصور

يكتب بالأَلف، والمِكيال الذي يَكِيلون به السَّمْن وغيره، وقد يكون من

الحديد أَوزاناً، وتثنيته مَنَوانِ ومَنَيانِ، والأَوَّل أَعلى؛ قال ابن

سيده: وأُرى الياء معاقبة لطلب الخفة، وهو أَفصح من المَنِّ، والجمع أَمْناء،

وبنو تميم يقولون هو مَنٌّ ومَنَّانِ وأَمْنانٌ، وهو مِنِّي بِمَنَى

مِيلٍ أَي بقَدْرِ مِيلٍ.

قال: ومَناةُ صخرة، وفي الصحاح: صنم كان لهُذَيْل وخُزاعَة بين مكة

والمدينة، يَعْبُدونها من دون الله، من قولك مَنَوتُ الشيء، وقيل: مَناةُ اسم

صَنَم كان لأَهل الجاهلية. وفي التنزيل العزيز: ومَناةَ الثَّالِثَةَ

الأُخرى؛ والهاء للتأْنيث ويُسكت عليها بالتاءِ، وهو لغة، والنسبة إِليها

مَنَوِيٌّ. وفي الحديث: أَنهم كانوا يُهِلُّون لمَناة؛ هو هذا الصنم

المذكور. وعبدُ مناةَ: ابن أُدِّ بن طابِخَة. وزيدُ مَناةَ: ابن تَميم بن

مُرٍّ، يمد ويقصر؛ قال هَوْبَر الحارِثي:

أَلا هل أَتَى التَّيْمَ بنَ عَبْدِ مَناءَةٍ

على الشِّنْءِ، فيما بَيْنَنا، ابنُ تَمِيمِ

قال ابن بري: قال الوزير من قال زيدُ مَناه بالهاء فقد أَخطأَ؛ قال: وقد

غلط الطائي في قوله:

إِحْدَى بَني بَكْرِ بنِ عَبْدِ مَناه،

بَينَ الكئيبِ الفَرْدِ فالأَمْواه

ومن احتجّ له قال: إِنما قال مَناةٍ ولم يرد التصريع.

وكي

وكي: الوِكاء: كلُّ سَيْر أَو خيط يُشَدُّ به فَمُ السِّقاء أَو

الوِعاء. وقد أَوكَيتُه بالوِكاء إِيكاء إِذا شددته. ابن سيده: الوِكاء رِباط

القِرْبةِ وغيرها الذي يُشد به رأْسُها. وفي الحديث: احْفَظْ عِفاصَها

ووِكاءها. وفي حديث اللُّقَطةِ: اعْرِفْ وِكاءها وعِفاصَها؛ الوِكاء: الخيط

الذي تُشدّ به الصُّرّة والكيس وغيرهما. وأَوْكَى على ما في سِقائه إِذا

شَدَّه بالوِكاء. وفي الحديث: أَوْكُوا الأَسْقِيةَ أَي شُدُّوا رُووسها

بالوِكاء لئلا يدخُلَها حيوان أَو يَسْقُطَ فيها شيء. يقال: أَوْكَيْتُ

السِّقاء أُوكيه إِيكاء، فهو مُوكًى. وفي الحديث: نَهى عن الدُّبّاء

والمُزَفَّتِ وعليكم بالمُوكَى أَي السِّقاء المَشْدود الرأْس لأَنَّ السِّقاء

المُوكَى قَلَّما يَغْفُلُ عنه صاحبُه لئلا يَشتدَّ فيه الشراب فينشق فهو

يَتَعَهَّدُه كثيراً. ابن سيده: وقد وكَى القِربةَ وأَوْكاها وأَوْكَى

عليها، وإِنَّ فلاناً لَوِكاءٌ ما يَبِضُّ بشيء، وسأَلناه فأَوْكَى علينا

أَي بَخِلَ. وفي الحديث: إِنَّ العَيْنَ وِكاءُ السَّهِ، فإِذا نامَ

أَحدُكم فلْيَتَوَضَّأْ؛ جَعلَ اليقظة للاسْت كالوِكاء للقِربة، كما أَنَّ

الوِكاءَ يمنعُ ما في القربة أَنْ يَخْرج كذلك اليَقَظة تمنع الاسْتَ أَن

تُحْدِث إِلاَّ بالاختيارِ، والسَّهُ: حَلْقةُ الدُّبر، وكنى بالعين عن

اليقظة لأَن النائم لا عين له تُبْصِر. وفي حديث آخر: إِذا نامَتِ العَيْنُ

اسْتَطْلَقَ الوِكاء، وكلُّه على المثل. وكلُّ ما شُدَّ رأْسُه مِن

وِعاء ونحوه وِكاء؛ ومنه قول الحسن: يا ابنَ آدمَ، جمعاً في وِعاء وشَدًّا في

وكاء؛ جعل الوِكاء ههنا كالجِراب. وفي حديث أَسْماء: قال لها أَعْطِي

ولا تُوكي فَيُوكى عليكِ أَي لا تَدَّخِري وتَشُدِّي ما عندك وتمنعي ما في

يدك فتنقطع مادّة الرزق عنك. وأَوْكَى فمه: سدّه. وفلان يُوكِي فلاناً:

يأْمره أَن يَسُدَّ فاه ويسكت. وفي حديث الزبير: أَنه كان يُوكي بين

الصَّفا والمَرْوة سَعْياً أَي يَملأَ ما بينهما سَعْياً كما يُوكى السِّقاء

بعد المَلْء، وقيل: كان يسكت؛ قال أَبو عبيد: هو عندي من الإِمساك عن

الكلام أَي لا يتكلَّم كأَنه يُوكي فاه فلا يتكلَّم، ويروى عن أَعرابي أَنه

سمع رجلاً يَتكلَّم فقال: أَوْكِ حَلْقك أَي سُدَّ فَمَك واسكت؛ قال أَبو

منصور: وفيه وجه آخر، قال: وهو أَصح عندي مما ذهب إِليه أَبو عبيد، وذلك

لأَن الإِيكاء في كلام العرب يكون بمعنى السَّعْي الشديد، ومما يدل عليه

قوله في حديث الزبير: إِنه كان يُوكي ما بينهما سَعْياً، قال: وقرأَت في

نوادر الأَعراب المحفوظة عنهم: الزُّوازِية المُوكي الذي يتَشددُ في

مَشْيِه، فمعنى المُوكي الذي يتشدد في مشيه. وروي عن أَحمد بن صالح أَنه قال

في حديث الزبير: إِنه كان إِذا طاف بالبيت أَوكى الثَّلاثَ سَعْياً،

يقول: جعله كله سعياً، قال أَبو عبيد، بعد أَن ذكر في تفسير حديث الزبير ما

ذكرنا قال: إِن صح أَنه كان يُوكي ما بين الصفا والمروة سعياً فإِن وجهه

أَن يملأَ ما بينهما سعياً لا يمشي على هينته في شيء من ذلك، قال: وهذا

مشبَّه بالسقاء أَو غيره يُملأ ماء ثم يُوكى عليه حيث انتهى الامْتِلاء؛

قال الأَزهري: وإِنما قيل للذي يشتد عَدْوُه مُوكٍ لأَنه كأَنه قد ملأَ ما

بين خَواءِ رجليه عَدْواً وأَوْكى عليه، والعرب تقول: ملأَ الفَرسُ

فُروجَ دَوارِجه عَدْواً إِذا اشتدَّ حُضْره، والسِّقاء إِنما يوكى على

مَلْئِه. ابن شميل: اسْتَوْكى بطن الإِنسان وهو أَن لا يخرج منه نَجْوُه. ويقال

للسقاء ونحوه إِذا امْتلأَ: قد اسْتَوْكى. ووَكَّى الفرسُ المَيْدانَ

شَدًّا: مَلأَه، وهو من هذا. ويقال: اسْتَوْكَتِ الناقة واستوكتِ الإِبل

اسْتِيكاء إِذا امتلأَت سِمَناً. ويقال: فلان مُوكي الغُلْمة ومُزِكُّ

الغُلْمة ومُشِطُّ الغُلْمة إِذا كانت به حاجة شديدة إِلى الخلاط.

فوز

فوز: الفَوْزُ: النَّجاءُ والظَّفَرُ بالأُمْنِيَّة والخيرِ، فازَ به

فَوْزاً ومَفازاً ومَفازَةَ. وقوله عز وجل: إِن للمتقين مَفازاً حَدائِقَ

وأَعْناباً؛ إِنما أَراد مُوجِبات مَفاوِز ولا يجوز أَن يكون المَفازُ هنا

اسْمَ الموضع لأَن الحدائق والأَعناب لسن مواضع. الليث: الفَوْزُ

الظَّفَرُ بالخير والنَّجاةُ من الشر. يقال: فازَ بالخير وفازَ من العذاب

وأَفازَهُ الله بكذا ففازَ به أَي ذهب به. وفي التنزيل العزيز: فلا

تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازةٍ من العذاب؛ قال الفراء: معناه ببعيد من العذاب، وقال

أَبو إِسحق: بمنْجاةٍ من العذاب، قال: وأَصل المَفازَةِ مَهْلَكَةٌ

فتفاءلوا بالسلامة والفَوْزِ. ويقال: فازَ إِذا لَقِيَ ما يُغْتَبَطُ، وتأْويله

التباعد من المكروه. والمَفازَةُ أَيضاً: واحدةُ المفاوِزِ، وسميت بذلك

لأَنها مَهْلَكة من فَوَّزَ أَي هَلَكَ، وقيل: سميت تفاؤلاً من الفَوْزِ

النَّجاةِ. وفازَ القِدْحُ فَوْزاً أَصابَ، وقيل: خرج قبل صاحبه؛ قال

الطرماح:

وابْن سَبِيلٍ قَرَيْتُه أُصُلاً

من فَوْزِ قِدْحٍ مَنْسُوبَةٍ تُلُدُهْ

وإِذا تساهم القوم على المَيْسِرِ فكلما خرج قِدْح رجل قيل: قد فازَ

فَوْزاً.والفَوْزُ أَيضاً: الهلاك. فازَ يَفُوزُ وفَوَّزَ أَي مات؛ ومنه قول

كعب بن زهير:

فَمَنْ للقَوافي شَانَها من يَحُوكُها،

إِذا ما تَوى كَعْبٌ، وفَوَّزَ جَرْوَلُ؟

يقولُ، فلا يَعْيا بشيءٍ يَقُولُه،

ومن قائلِيها من يُسِيءُ ويَعْمَلُ

قوله شانها أَي جاء بها شائنة أَي معيبة. وتوى: مات وكذا فَوَّزَ. قال

ابن بري: وقد قيل إِنه لا يقال فوّز فلان حتى يتقدم الكلامَ كَلامٌ فيقال:

مات فلانٌ وفَوَّزَ فلان بعده، يشبه بالمُصَلِّي من الخيل بعد

المُجَلِّي. وجَرْوَلٌ: يعني به الحُطَيْئَةَ؛ وقال الكميت:

وما ضَرَّها أَنَّ كَعْباً تَوَى،

وفَوَّزَ من بعدِه جَرْوَلُ

قال ابن الأَعرابي: فوَّز الرجل إِذا مات؛ وأَنشد:

(* قوله «فوّز إلخ»

الذي في ياقوت:

لله درّ رافع أنى اهتدى * فوّز من قراقر إلى سوى

خمساً إذا ما سارها الجبس بكى * ما سارها من قبله انس يرى

ورواها في قراقر على غير هذا الترتيب فقدّم وأخر وجعل بدل الجبس الجيش.

ولعله روى بهما اذ المعنى على كل صحيح، ثم ان المؤلف استشهد بالبيت على

أن فوّز بمعنى هلك وعبارة ياقوت: قراقر واد نزله خالد بن الوليد عند قصده

الشام وفيه قيل لله در إلخ ا هـ. ففوّز فيه بمعنى مضى فالانسب ما ذكره

المؤلف بعد وهو الذي اقتصر عليه الجوهري.)

فَوَّزَ من قُراقِر إِلى سُوَى

خَمْساً، إِذا ما ركب الجِبسُ بَكَى

ويقال للرجل إِذا مات: قد فَوَّزَ أَي صار في مَفازَةٍ ما بين الدنيا

والآخرة من البرزخ الممدود؛ وفي حديث سَطِيح:

أَمْ فازَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَنَنْ

أَي مات. قال ابن الأَثير: ويروى بالدال، وقد تقدم. ويقال: فَوَّزَ

الرجل بإِبله إِذا ركب بها المَفَازَةَ؛ ومنه قول الراجز:

فَوَّزَ من قُراقِر إِلى سُوَى

وهما ماءان لكلب. وفي حديث كعب بن مالك: واسْتَقْبَلَ سفراً بعيداً

ومَفازاً؛ المَفازُ والمَفازَةُ: البَرِّيَّةُ القَفْرُ، وتجمع المَفاوِزَ.

ويقال: فاوَزْتُ بين القوم وفارَضْتُ بمعنى واحد. والمَفازَة: المَهْلَكة

على التَّطَيُّر، وكلُّ قَعْرٍ مَفازَةٌ؛ وقيل: المَفازَةُ والفَلاة إِذا

كان بين الماءين رِبْعٌ من وِرْدِ الإِبل وغِبٌّ من سائر الماشية، وقيل:

هي من الأَرضين ما بين الرِّبْع من وِرْدِ الإِبلِ من الغِبِّ من وِردِ

غيرها من سائر الماشية، وهي الفَيفاةُ، ولم يعرف أَبو زيد الفَيْفَ. ابن

الأَعرابي: سميت الصحراء مفازَة لأَن من خرج منها وقطعها فاز. وقال ابن

شميل: المفازة التي لا ماء فيها وإِذا كانت ليلتين لا ماء فيها فهي مَفازة

وما زاد على ذلك كذلك، وأَما الليلة واليوم فلا يعدّ مَفازة. قال ابن

الأَعرابي: سميت المفازة من فَوَّزَ الرجل إِذا مات. ويقال: فَوَّزَ إِذا

مضى. وفَوَّزَ تَفْوِيزاً: صار إِلى المَفازة، وقيل: ركبها ومضى فيها،

وقيل: فَوَّزَ خرج من أَرض إِلى أَرض كهاجَرَ. وتَفَوَّزَ: كَفَوَّزَ؛ قال

النابغة الجعدي:

ضَلال خَوِيّ إِذ تَفَوَّزَ عن حِمًى،

ليَشْرَبَ غِبًّا بالنِّباجِ ونَبْتَلا

(* قوله« بالنباج» ونبتلا» هما اسما موضعين كما في ياقوت.)

وفازَ الرجلُ وفَوَّزَ: هلك؛ وقيل: إِن المَفازة مشتقة من هذا، والأَول

أَشهر وإِن كان الآخر أَقيس.

والفَازَةُ: بناء من خِرَقٍ وغيرها تبنى في العساكر، والجمع فازٌ،

وأَلفها مجهولة الانقلاب؛ قال ابن سيده: ولكن أَحملها على الواو لأَن بدلها من

الواو أَكثر من الياء، وكذلك إِذا حَقَّرَ سيبويه شيئاً من هذا النحو

أَو كَسَّرَه حمله على الواو أَخذاً بالأَغلب. قال الجوهري: والفازَةُ

مِظَلَّةٌ تمدّ بعمود، عَرَبيٌّ فيما أُرى.

نسر

نسر: نَسَرَ الشيءَ: كشَطَه. والنَِّسْر: طائر

(* قوله« والنسر طائر» هو

مثلث الاول كما في شرح القاموس نقلاً عن شيخ الاسلام) معروف، وجمعه

أَنْسُر في العدد القليل، ونُسُور في الكثير، زعم أَبو حنيفة أَنه من العتاق؛

قال ابن سيده: ولا أَدري كيف ذلك. ابن الأَعرابي: من أَسماء العُقاب

النُّسارِيَّة شبهت بالنَّسْر؛ الجوهري: يقال النَّسْر لا مِخْلَب له،

وإِنما له الظُّفُر كظُفُر الدَّجاجة والغُراب والرَّخَمَة. وفي النجوم:

النَّسْر الطائر، والنَّسْر الواقع. ابن سيده: والنَّسْران كوكبان في السماء

معروفان على التشبيه بالنَّسْر الطائر، يقال لكل واحد منهما نَسْر أَو

النَّسْر، ويَصِفونهما فيقولون: النَّسْر الواقع والنَّسْر الطائر. واستنسر

البُغاث: صار نَسْراً، وفي الصحاح: صار كالنَّسْر. وفي المثل: إِنّ

البُِغاث بأَرضنا يسْتنسِر أَي أَن الضعيف يصير قوِيّاً. والنَّسْر: نتف اللحم

بالمِنْقار. والنَّسْر: نَتْف البازي اللحمَ بِمَنْسِره. ونسَر الطائر

اللحم يَنْسِرُه نَسْراً: نتفه.

والمَنْسِر والمِنْسَر: مِنْقاره الذي يَسنتسِر به. ومِنقار البازي

ونحوِه: مَنْسِره. أَبو زيد: مِنْسَر الطائر مِنْقاره، بكسر الميم لا غير.

يقال: نَسَره بِمِنْسَره نَسْراً. الجوهري: والمِنْسَر، بكسر الميم، لسِباع

الطير بمنزلة المِنقار لغيرها. والمِنْسَر أَيضاً: قطعة من الجيش تمرّ

قدام الجيش الكبير، والميم زائدة؛ قال لبيد يَرْثي قتلى هوازن:

سَمَا لهمُ ابنُ الجَعْد حتى أَصابهمْ

بذي لَجَبٍ، كالطَّودِ، ليس بِمِنْسَرِ

والمَنْسِر، مثال المجلس: لغة فيه. وفي حدث عليّ، كرم الله وجهه: كلما

أَظلَّ عليكم مَنْسِر من مَناسِر أَهل الشأْم أَغلق كلُّ رجل منكم بابه.

ابن سيده: والمَنْسِر والمِنْسَر من الخيل ما بين الثلاثة إِلى العشرة،

وقيل: ما بين الثلاثين إِلى الأَربعين، وقيل: ما بين الأَربعين إِلى

الخمسين، وقيل: ما بين الأَربعين إِلى الستين، وقيل: ما بين المائة إِلى

المائتين. والنَّسْر: لَحْمَة صُلْبة في باطن الحافِرِ كأَنها حَصاة أَو نَواة،

وقيل: هو ما ارتفع في باطن حافر الفرَس من أَعلاه، وقيل: هو باطن

الحافر، والجمع نُسُور؛ قال الأَعشى:

سَوَاهِمُ جُذْعانُها كالجِلا

مِ، قد أَقرَحَ القَوْدُ منها النُّسُورا

ويروى:

قد أَقْرَحَ منها القِيادُ النُّسُورا

التهذيب: ونَسْرُ الحافر لحمُه تشبّه الشعراء بالنوى قد أَقْتَمَها

الحافِر، وجمعه النُّسُور؛ قال سلمة بن الخُرشُب:

عَدَوْتُ بها تُدافِعُنِي سَبُوحٌ،

فَرَاشُ نُسُورِها عَجَمٌ جَرِيمُ

قال أَبو سعيد: أَراد بفَراش نُسُورِها حَدّها، وفَراشة كل شيء: حدّه؛

فأَراد أَن ما تَقَشَّر من نُسُورها مثل العَجَم وهو النَّوى. قال:

والنُّسُور الشَّواخِص اللَّواتي في بطن الحافر، شُبهت بالنوى لصلابتها وأَنها

لا تَمَسُّ الأَرض.

وتَنَسَّر الحبلُ وانتَسَر طرَفُه ونَسَره هو نَسْراً ونَسَّره: نَشَره.

وتَنَسَّر الجُرْحُ: تَنَقَّض وانتشرت مِدّتُه؛ قال الأَخطل:

يَخْتَلُّهُنَّ بِحدِّ أَسمَرَ ناهِل،

مثلِ السِّنانِ جِراحُهُ تَتَنَسَّرُ

والنَّاسُور: الغاذُّ. التهذيب: النَّاسُور، بالسين والصاد، عِرْق

غَبِرٌ، وهو عرق في باطنه فَساد فكلما بدا أَعلاه رجَع غَبِراً فاسداً. ويقال:

أَصابه غَبَرٌ في عِرْقه؛ وأَنشد:

فهو لا يَبْرَأُ ما في صَدرِه،

مِثْل ما لا يَبرأُ العِرْق الغَبِرْ

وقيل: النَّاسُور العِرْق الغَبِر الذي لا يَنقطع. الصحاح: الناسُور،

بالسين والصاد، جميعاً عِلة تحدث في مآقي العين يَسقِي فلا يَنقطع؛ قال:

وقد يحدث أَيضاً في حَوَالَيِ المَقعدة وفي اللِّثة، وهو مُعَرَّب.

والنِّسْرِين: ضرْب من الرَّياحين، قال الأَزهري: لا أَدري أَعربيّ أَم

لا.والنِّسار: موضع، وهو بكسر النون، قيل: هو ماء لبني عامر، ومنه يوم

النِّسار لِبَني أَسد وذُبْيان على جُشَم بن معاوية؛ قال بشر بن أَبي خازم:

فلمَّا رأَوْنا بالنِّسار، كأَنَّنا

نَشاصُ الثُّرَيَّا هَيّجَتْه جَنُوبُها

ونَسْرٌ وناسِر: اسمان. ونَسْر والنَّسْر، كلاهما: اسم لِصَنم. وفي

التنزيل العزيز: ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً؛ وقال عبد الحق:

أَما ودِماءٍ لا تزالُ كأَنها

على قُنَّة العُزَّى، وبالنَّسْر عَنْدَمَا

الصحاح: نَسْر صنم كان لذي الكَلاع بأَرض حِمْير وكان يَغُوثُ لِمذْحِج

ويَعُوقُ لهَمْدان من أَصنام قوم نوح، على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛

وفي شعر العباس يمدح سيدَــنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

بل نُطْفة تَرْكبُ السَّفِين، وقدْ

أَلْجَمَ نَسْراً وأَهلَه الغرَقُ

قال ابن الأَثير: يريد الصنم الذي كان يعبده قوم نوح، على نبينا وعليه

الصلاة والسلام.

Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.