Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: زيتون

شلحي

شلحي
عن العبرية من شليح بمعنى السلاح الأبيض، أو زيتونــة ناضجة، أو غصن نبات، أو قناة للري، أو عرض، والياء للنسب، أو بمعنى مرسل ومندوب.

بديدا

بديدا
عن العبرية بمعنى معصرة زيتون، أو عزلة واعتكاف. يستخدم للإناث.
بديدا
عن الفارسية بديد بمعنى الظاهر المشهود الواضح، أو عن بي ديده بمعنى الأعمى والضرير.

بِيغُو

بِيغُو:
بكسر الباء، وسكون الياء، والغين معجمة:
بلدة بالأندلس من أعمال جيّان، كثيرة المياه والــزيتون والفواكه، ينسب إليها أبو محمد يعيش بن محمد بن سعيد الأنصاري البيغي، لقيه السلفي بالإسكندرية قدمها طالبا للعلم والحجّ، وكان صالحا، قرأ القرآن على محمد بن عمر البيغي ببيغو وكان قرأ على أبي عبد الله المغامي صاحب أبي عمرو الداني.

أَرَّجَانُ

أَرَّجَانُ:
بفتح أوله وتشديد الراء، وجيم وألف ونون، وعامّة العجم يسمّونها أرغان، وقد خفّف المتنبي الراء فقال:
أرجان أيّتها الجياد، فإنه ... عزمي الذي يدع الوشيج مكسّرا
وقال أبو عليّ: أرّجان وزنه فعلان، ولا تجعله أفعلان، لأنك إن جعلت الهمزة زائدة، جعلت الفاء والعين من موضع واحد، وهذا لا ينبغي أن يحمل على شيء لقلّته. ألا ترى أنه لا يجيء منه إلا حروف
قليلة، فإن قلت إن فعلان بناء نادر، لم يجيء في شيء من كلامهم، وأفعلان قد جاء نحو أنبخان وأرونان، قيل: هذا البناء وإن لم يجيء في الأبنية العربية، فقد جاء في العجمي بكم اسما، ففعلان مثله إذا لم يقيّد بالألف والنون، ولا ينكر أن يجيء العجمي على ما لا تكون عليه أمثلة العربي. ألا ترى أنه قد جاء فيه نحو سراويل في أبنية الآحاد، وإبريسم وآجرّ ولم يجيء على ذلك شيء من أبنية كلام العرب؟
فكذلك أرجان، ويدلّك على أنه لا يستقيم أن يحمل على أفعلان، أن سيبويه جعل إمّعة فعّلة، ولم يجعله إفعلة، بناء لم يجيء في الصفات وإن كان قد جاء في الأسماء نحو إشفى وإنفحة وإبين، وكذلك قال أبو عثمان في أمّا، في قولك: أما زيد فمنطلق، إنك لو سمّيت بها لجعلتها فعّلا ولم تجعلها أفعل لما ذكرنا، وكذلك يكون على قياس قول سيبويه وأبي عثمان: الإجّاص والإجّانة والإجّار فعّالا، ولا يكون إفعالا. والهمزة فيها فاء الفعل، وحكى أبو عثمان: في همزة إجّانة الفتح والكسر، وأنشدني محمد بن السري:
أراد الله أن يخزي بجيرا، ... فسلّطني عليه بأرّجان
وقال الإصطخري: أرّجان مدينة كبيرة كثيرة الخير، بها نخيل كثيرة وزيتون وفواكه الجروم والصّرود، وهي بريّة بحرية، سهليّة جبليّة، ماؤها يسيح بينها وبين البحر مرحلة، وبينها وبين شيراز ستون فرسخا، وبينها وبين سوق الأهواز ستون فرسخا، وكان أول من أنشأها، فيما حكته الفرس، قباذ بن فيروز والد أنوشروان العادل، لما استرجع الملك من أخيه جاماسب وغزا الروم، افتتح من ديار بكر مدينتين: ميّافارقين وآمد وكانتا في أيدي الروم، وأمر فبني فيما بين حدّ فارس والأهواز مدينة سماها أبز قباذ، وهي التي تدعى أرّجان، وأسكن فيها سبي هاتين المدينتين، وكوّرها كورة، وضمّ إليها رساتيق من رامهرمز وكورة سابور وكورة أردشير خرّه وكورة أصبهان، هكذا قيل.
وإن أرجان لها ذكر في الفتوح، ولا أدري أهي غيرها أم إحدى الروايتين غلط، وقيل: كانت كورة أرجان بعضها إلى أصبهان، وبعضها إلى إصطخر، وبعضها إلى رامهرمز، فصيرت في الإسلام كورة واحدة من كور فارس. وحدّث أحمد بن محمد بن الفقيه، قال: حدثني محمد بن أحمد الأصبهاني، قال: بأرّجان كهف في جبل ينبع منه ماء شبيه بالعرق من حجارة، فيكون منه هذا الموميا الأبيض الجيد، وعلى هذا الكهف باب من حديد وحفظة، ويغلق ويختم بخاتم السلطان إلى يوم من السنة يفتح فيه، ويجتمع القاضي وشيوخ البلد حتى يفتح بحضرتهم، ويدخل إليه رجل ثقة عريان، فيجمع ما قد اجتمع من الموميا، ويجعله في قارورة، فيصير ذلك مقدار مائة مثقال أو دونها، ثم يخرج ويختم الباب بعد قفله إلى قابل، ويوجه بما اجتمع منه إلى السلطان، وخاصيّته لكل صدع أو كسر في العظم يسقى الإنسان الذي قد انكسر شيء من عظامه مثل العدسة، فينزل أول ما يشربه إلى الكسر فيجبره ويصلحه لوقته، وقد ذكر البشّاري والإصطخري: إن هذا الكهف بكورة دارابجرد. وأنا أذكره إن شاء الله هناك. ومن أرجان إلى النّوبندجان نحو شيراز ستة وعشرون فرسخا، وبينهما شعب بوّان الموصوف بكثرة الأشجار والنزهة، وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وينسب إلى أرجان جماعة كثيرة من
أهل العلم، منهم أبو سهل أحمد بن سهل الأرجاني، حدّث عن أبي محمد زهير بن محمد البغدادي، حدّث عنه أبو محمد عبد الله بن محمد الإصطخري، وأبو عبد الله محمد بن الحسن الأرجاني، حدّث عن أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، حدّث عنه محمد بن عبد الله بن باكويه الشيرازي، وأبو سعد أحمد بن محمد ابن أبي نصر الضرير الأرجاني الجلكي الأصبهاني، سمع من فاطمة الجوزدانية، ومات في شهر ربيع الأول سنة 606، والقاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني الشاعر المشهور، كان قاضي تستر، ولد في حدود سنة 460 ومات في سنة 544، وغيرهم.

أَرَكٌ

أَرَكٌ:
بفتحتين، وضمّ ابن دريد همزته: مدينة صغيرة في طرف برية حلب قرب تدمر، وهي ذات نخل وزيتون، وهي من فتوح خالد بن الوليد في اجتيازه من العراق إلى الشام، وأرك أيضا طريق في قفا حضن: جبل بين نجد والحجاز.

أَسْفَاقُس

أَسْفَاقُس:
بالفتح ثم السكون، والفاء، وألف، وقاف مضمومة، وسين مهملة: اسم مدينة من نواحي إفريقية، إذا خرجت من قابس تريد الغرب جئتها ومنها الى المهدية، والغالب على غلّتها الــزيتون، وهي منيعة ذات سور من حجر، بينها وبين المهدية مرحلتان.

إِشْبِيلِيَة

إِشْبِيلِيَة:
بالكسر ثم السكون، وكسر الباء الموحدة، وياء ساكنة، ولام، وياء خفيفة: مدينة كبيرة عظيمة وليس بالأندلس اليوم أعظم منها تسمى حمص أيضا، وبها قاعدة ملك الأندلس وسريره، وبها كان بنو عبّاد، ولمقامهم بها خربت قرطبة، وعملها متصل بعمل لبلة وهي غربي قرطبة بينهما ثلاثون فرسخا، وكانت قديما، فيما يزعم بعضهم، قاعدة ملك الروم وبها كان كرسيهم الأعظم وأما الآن فهو بطليطلة.
وإشبيلية قريبة من البحر يطل عليها جبل الشّرف، وهو جبل كثير الشجر والــزيتون وسائر الفواكه، ومما فاقت به على غيرها من نواحي الأندلس زراعة القطن فإنه يحمل منها إلى جميع بلاد الأندلس والمغرب، وهي على شاطئ نهر عظيم قريب في العظم من دجلة أو النيل، تسير فيه المراكب المثقلة، يقال له وادي الكبير، وفي كورتها مدن وأقاليم تذكر في مواضعها، ينسب إليها خلق كثير من أهل العلم، منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب الإشبيلي وهو قاضيها، مات سنة 276.

أَنْطاكِيَة

أَنْطاكِيَة:
بالفتح ثم السكون، والياء مخففة، وليس في قول زهير:
علون بأنطاكيّة، فوق عقمة ... وراد الحواشي، لونها لون عندم
وقول امرئ القيس:
علون بأنطاكيّة، فوق عقمة، ... كجرمة نخل أو كجنّة يثرب
دليل على تشديد الياء لأنها للنسبة وكانت العرب إذا أعجبها شيء نسبته إلى أنطاكية، قال الهيثم بن عدي:
أول من بنى أنطاكية انطيخس وهو الملك الثالث بعد الإسكندر، وذكر يحيى بن جرير المتطبب التكريتي:
أن أول من بنى أنطاكية انطيغونيا في السنة السادسة من موت الإسكندر ولم يتمها فأتمها بعده سلوقوس، وهو الذي بنى اللاذقية وحلب والرّها وأفامية، وقال في موضع آخر من كتابه: بنى الملك أنطيغونيا على نهر أورنطس مدينة وسماها أنطيوخيا وهي التي كمّل سلوقوس بناءها وزخرفها وسماها على اسم ولده انطيوخوس وهي أنطاكية، وقال بطليموس:
مدينة أنطاكية طولها تسع وستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان وثلاثين دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، لها درجتان ونصف من الحوت، تحكم فيه كفّ الخضيب وهي في الإقليم الرابع، وقيل: إن أول من بناها وسكنها أنطاكية بنت الروم بن اليقن (اليفز) بن سام بن نوح، عليه السلام، أخت أنطالية، باللام، ولم تزل أنطاكية قصبة العواصم من الثغور الشامية، وهي من أعيان البلاد وأمهاتها، موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير.
وقال ابن بطلان في رسالة كتبها إلى بغداد إلى أبي الحسن هلال بن المحسن الصابي في سنة نيف وأربعين وأربعمائة، قال فيها: وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينهما يوم وليلة، فوجدنا المسافة التي بين حلب وأنطاكية عامرة لا خراب فيها أصلا، ولكنها أرض تزرع الحنطة والشعير تحت شجر الــزيتون، قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها منفجرة، يقطعها المسافر في بال رخيّ وأمن وسكون. وأنطاكية: بلد عظيم ذو سور وفصيل، ولسوره ثلاثمائة وستون برجا يطوف عليها بالنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلد سنة، ويستبدل بهم في السنة الثانية، وشكل البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل، والسور يصعد مع الجبل إلى قلّته فتتم دائرة، وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها من البلد صغيرة، وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية، وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب، وفي وسطها بيعة القسيان، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده فطرس رئيس الحواريين، وهو هيكل طوله مائة خطوة وعرضه ثمانون، وعليه كنيسة على أساطين، وكان يدور الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة للحكومة ومتعلمو النحو اللّغة، وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان للساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة وهو من عجائب الدنيا، وفي أعلاه خمس طبقات في الخامسة منها حمّامات وبساتين ومناظر حسنة تخرّ منها المياه، وعلّة ذلك أن الماء ينزل عليها من الجبل المطلّ على المدينة، وهناك من الكنائس ما لا يحدّ كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملوّن والبلاط المجزّع، وفي البلد بيمارستان يراعي البطريك المرضى فيه بنفسه ويدخل المجذّمين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده، ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة ويعينه على خدمتهم الأجلّاء من الرؤساء والبطارقة التماس التواضع، وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس ومياهها تسعى سيحا بلا كلفة، وفي بيعة القسيان من الخدم المسترزقة ما لا يحصى، ولها ديوان لدخل الكنيسة وخرجها، وفي الديوان بضعة عشر كاتبا، ومنذ سنة وكسر وقعت في الكنيسة صاعقة وكانت حالها أعجوبة وذلك أنه تكاثرت الأمطار في آخر سنة 1362 للإسكندر الواقع في سنة 442 للهجرة، وتواصلت أكثر أيام نيسان، وحدث في الليلة التي صبيحتها يوم السبت الثالث عشر من نيسان رعد وبرق أكثر مما ألف وعهد، وسمع في جملته أصوات رعد كثيرة مهولة أزعجت النفوس، ووقعت في الحال صاعقة على صدفة مخبأة في المذبح الذي للقسيان ففلقت من وجه النّسرانية قطعة تشاكل ما قد نحت بالفأس والحديد الذي تنحت به الحجارة، وسقط صليب حديد كان منصوبا على علوّ هذه الصدفة وبقي في المكان الذي سقط فيه وانقطع من الصدفة أيضا قطعة يسيرة، ونزلت الصاعقة من منفذ في الصدفة وتنزل فيه إلى المذبح سلسلة فضة غليظة يعلّق فيها الثّميوطون، وسعة هذا المنفذ إصبعان، فتقطعت السلسلة قطعا كثيرة وانسبك بعضها ووجد ما انسبك منها ملقى على وجه الأرض، وسقط تاج فضة كان معلقا بين يدي مائدة المذبح، وكان من وراء المائدة في غربيّها ثلاثة كراس خشبية مربّعة مرتفعة ينصب عليها ثلاثة صلبان كبار فضة مذهبة مرصّعة، وقلع قبل تلك الليلة الصليبان الطّرفيّان ورفعا إلى خزانة الكنيسة وترك الوسطاني على حاله فانكسر الكرسيان الطرفيان وتشظّيا وتطايرت الشظايا إلى داخل المذبح وخارجه من غير أن يظهر فيها أثر حريق كما ظهر في السلسلة، ولم ينل الكرسي الوسطاني ولا الصليب الذي عليه شيء، وكان على كل واحد من الأعمدة الأربعة الرخام التي تحمل القبة الفضة التي تغطي مائدة المذبح ثوب ديباج ملفوف على كل عمود فتقطّع كل واحد منها قطعا كبارا وصغارا، وكانت هذه القطع بمنزلة ما قد عفن وتهرّأ، ولا يشبه ما قد لا مسته نار ولا ما احترق، ولم يلحق المائدة ولا شيئا من هذه الملابس التي عليها ضرر ولا بان فيها أثر، وانقطع بعض الرخام الذي بين يدي مائدة المذبح مع ما تحته من الكلس والنّورة كقطع الفأس، ومن جملته لوح رخام كبير طفر من موضعه فتكسر إلى علوّ تربيع القبة الفضة التي تغطي المائدة وبقيت هناك على حالها، وتطافرت بقية الرخام إلى ما قرب من المواضع وبعد، وكان في المجنّبة التي للمذبح بكرة خشب فيها حبل قنّب مجاور للسلسلة الفضة التي تقطعت وانسبك بعضها معلّق فيها طبق فضة كبير عليه فراخ قناديل زجاج بقي على حاله ولم ينطفئ شيء من قناديله ولا غيرها ولا شمعة كانت قريبة من الكرسيين الخشب ولا زال منها شيء وكان جملة هذا الحادث مما يعجب منه، وشاهد غير واحد في داخل أنطاكية وخارجها في ليلة الاثنين الخامس من شهر آب من السنة المقدم ذكرها في السماء شبه كوّة ينور منها نور ساطع لامع ثم انطفأ وأصبح الناس يتحدّثون بذلك، وتوالت الأخبار بعد ذلك بأنه كان في أول نهار يوم الاثنين في مدينة عنجرة، وهي داخل بلاد الروم على تسعة عشر يوما من أنطاكية، زلزلة مهولة تتابعت في ذلك اليوم وسقط منها أبنية كثيرة وخسف موضع في ظاهرها، وكان هناك كنيسة كبيرة وحصن لطيف غابا حتى لم يبق لهما أثر، ونبع من ذلك الخسف ماء حارّ شديد الحرارة كثير المنبع المتدفّق، وغرق منه سبعون ضيعة، وتهارب خلق كثير من تلك الضياع إلى رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة فسلموا وبقي ذلك الماء على وجه الأرض سبعة أيام، وانبسط حول هذه المدينة مسافة يومين ثم نضب وصار موضعه وحلا، وحضر جماعة ممن شاهد هذه الحال فحدّثوا بها أهل أنطاكية على ما سطرته، وحكوا أن الناس كانوا يصعدون أمتعتهم إلى رأس الجبل فيضطرب من عظم الزلزلة فيتدحرج المتاع إلى الأرض، وفي ظاهر البلد نهر يعرف بالمقلوب يأخذ من الجنوب إلى الشمال وهو مثل نهر عيسى وعليه رحى ويسقي البساتين والأراضي، آخر ما كتبناه من كتاب ابن بطلان، وبين أنطاكية والبحر نحو فرسخين ولها مرسى في بليد يقال له السّويديّة ترسو فيه مراكب الأفرنج يرفعون منه أمتعتهم على الدواب إلى أنطاكية، وكان الرشيد العباسي قد دخل أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها، فقال له شيخ من أهلها:
ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين، قال:
وكيف؟ قال: لأن الطيب الفاخر فيها يتغيّر حتى لا ينتفع به والسلاح يصدأ فيها ولو كان من قلعيّ الهند، فصدقه في ذلك فتركها ودفع عنها. وأما فتحها فإن أبا عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب وقد تحصن بها خلق كثير من أهل جند قنّسرين فلما صار بمهروية على فرسخين من مدينة أنطاكية لقيه جمع من العدوّ ففضّهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع نواحيها، وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى باب البحر، ثم إنهم صالحوه على الجزية أو الجلاء فجلا بعضهم وأقام بعض منهم فأمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا، ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول، ويقال: بل نقضوا بعد رجوع أبي عبيدة إلى فلسطين فوجّه عمرو بن العاص من إيلياء ففتحها ورجع ومكث يسيرا حتى طلب أهل إيلياء الأمان والصلح، ثم انتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة، منهم: مسلم بن عبد الله جدّ عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي، وكان مسلم قتل على باب من أبوابها فهو يعرف بباب مسلم إلى الآن، وذلك أن الروم خرجت من البحر فأناخت على أنطاكية وكان مسلم على السور فرماه علج بحجر فقتله، ثم إن الوليد بن عبد الملك بن مروان أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصيّر إليهم الفلثر بدينار ومدّي قمح فعمّروها، وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية، والفلثر: مقدار من الأرض معلوم كما يقول غيرهم الفدّان والجريب، ثم لم تزل بعد ذلك أنطاكية في أيدي المسلمين وثغرا من ثغورهم إلى أن ملكها الروم في سنة 353 بعد أن ملكوا الثغور المصّيصة وطرسوس واذنة واستمرت في أيديهم إلى أن استنقذها منهم سليمان بن قتلمش السّلجوقي جدّ ملوك آل سلجوق اليوم في سنة 477، وسار شرف الدولة مسلم بن قريش من حلب إلى سليمان ليدفعه عنها فقتله سليمان سنة 478، وكتب سليمان إلى السلطان جلال الدولة ملك شاه بن ألب أرسلان يخبّره بفتحها فسرّ به وأمر بضرب البشائر، فقال الأبيوردي يخاطب ملك شاه:
لمعت، كناصية الحصان الأشقر، ... نار بمعتلج الكثيب الأحمر
وفتحت أنطاكيّة الروم، التي ... نشزت معاقلها على الإسكندر
وطئت مناكبها جيادك، فانثنت ... تلقي أجثّتها بنات الأصفر
فاستقام أمرها وبقيت في أيدي المسلمين إلى أن ملكتها الأفرنج من واليها بغيسغان التّركي بحيلة تمّت عليه وخرج منها فندم ومات من الغبن قبل أن يصل إلى حلب، وذلك في سنة 491، وهي في أيديهم إلى الآن، وبأنطاكية قبر حبيب النّجّار يقصد من المواضع البعيدة وقبره يزار، ويقال إنه نزلت فيه: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وقد نسب إليها جماعة كثيرة من أهل العلم وغيرهم، منهم:
عمر بن عليّ بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عبيد ابن زهير بن مطيع بن جرير بن عطية بن جابر بن عوف ابن ذبيان بن مرثد بن عمرو بن عمير بن عمران ابن عتيك بن الأزد أبو حفص العتكي الأنطاكي الخطيب صاحب كتاب المقبول، سمع أبا بكر الخرائطي والحسن بن عليّ بن روح الكفرطابي ومحمد ابن حريم وأبا الحسن بن جوصا، سمع منهم ومن غيرهم بدمشق، وقدم مرّة أخرى في سنة 359 مستنفرا، فحدّث بها وبحمص عن جماعة كثيرة، روى عنه عبد الوهاب الميداني ومسدّد بن علي الأملوكي وغيرهما، وكتب عنه أبو الحسين الرازي وعثمان بن عبد الله بن محمد بن خرداذ الأنطاكي أبو عمرو محدّث مشهور له رحلة، سمع بدمشق محمد بن عائذ وأبا نصر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي وإبراهيم بن هشام بن يحيى ودحيما وهشام بن عمّار وسعيد بن كثير بن عفير وأبا الوليد الطيالسي وشيبان بن فرّوخ وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة وعفّان بن مسلم وعلي بن الجعد وجماعة سواهم، روى عنه أبو حاتم الرازي وهو أكبر منه وأبو الحسن بن جوصا وأبو عوانة الأسفراييني وخيثمة بن سليمان وغيرهم، وكان من الحفاظ المشهورين، وقال أبو عبد الله الحاكم عثمان بن خرداذ: ثقة مأمون، وذكر دحيم أنه مات بأنطاكية في المحرم سنة 282، وإبراهيم بن عبد الرّزّاق أبو يحيى الأزدي، ويقال العجلي الأنطاكي الفقيه المقري، قرأ القرآن بدمشق على هارون بن موسى بن شريك الأخفش، وقرأ على عثمان بن خرداذ ومحمد بن عبد الرحمن بن خالد المكي المعروف بقنبل وغيرهما، وصنف كتابا يشتمل على القراءات الثماني، وحدّث عن آخرين، روى عنه أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطّلب الشيباني وأبو الحسين بن جميع وغيرهما، ومات بأنطاكية سنة 338، وقيل: في شعبان سنة تسع.

أَهْناس

أَهْناس:
بالفتح: اسم لموضعين بمصر أحدهما اسم كورة في الصعيد الأدنى يقال لقصبتها: أهناس المدينة، وأضيفت نواحيها إلى كورة البهنسا، وأهناس هذه قديمة أزليّة وقد خرب أكثرها، وهي على غربي النيل ليست ببعيدة عن الفسطاط، وذكر بعضهم أن المسيح، عليه السلام، ولد في أهناس وأن النخلة المذكورة في القرآن المجيد: وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا، موجودة هناك، وأن مريم، عليها السلام، أقامت بها إلى أن نشأ المسيح، عليه السلام، وسارا إلى الشام، وبها ثمار وزيتون، وإليها ينسب دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، خرج منها على السلطان وقصد الواح وغيرها، ثم قتل سنة 169. وأهناس الصغرى في كورة البهنسا أيضا: قرية كبيرة.

بَاعَشِيقَا

بَاعَشِيقَا:
الشين معجمة مكسورة، وياء ساكنة، وقاف مقصورة: من قرى الموصل، وهي مدينة من نواحي نينوى في شرقي دجلة، لها نهر جار يسقي بساتينها وتدار به عدّة أرحاء، وبها دار
إمارة ويشق النهر في وسط البلد، والغالب على شجر بساتينها الــزيتون والنخل والنارنج، ولها سوق كبير وفيه حمّامات وقيسارية يباع فيها البزّ، وبها جامع كبير حسن له منارة، وبها قبر الشيخ أبي محمد الراذاني الزاهد، وبينها وبين الموصل ثلاثة فراسخ أو أربعة، وأكثر أهلها نصارى، وإلى جنبها قرية أخرى كبيرة ذات أسواق وبساتين متصلة.

البصرة

ذكر خطط البصرة وقراها
وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه
وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:
أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:
نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:
منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.
وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.
شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.
عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:
لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:
لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:
لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل
مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.
سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:
لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة
لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر
الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:
لولا أبو مالك المرجوّ نائله ... ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا
وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:
نحن بالبصرة في لو ... ن من العيش ظريف
نحن، ما هبّت شمال، ... بين جنّات وريف
فإذا هبّت جنوب، ... فكأنّا في كنيف
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:
ترى البصريّ ليس به خفاء، ... لمنخره من البثر انتشار
ربا بين الحشوش وشبّ فيها، ... فمن ريح الحشوش به اصفرار
يعتّق سلحة، كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لهف نفسي على المقام ببغدا ... د، وشربي من ماء كوز بثلج
نحن بالبصرة الذميمة نسقي، ... شرّ سقيا، من مائها الأترنجي
أصفر منكر ثقيل غليظ ... خاثر مثل حقنة القولنج
كيف نرضى بمائها، وبخير ... منه في كنف أرضنا نستنجي
وقال أيضا:
ليس يغنيك في الطهارة بال ... بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد
إن تطهّرت فالمياه سلاح، ... أو تيمّمت فالصعيد سماد
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضت بالبصرة أهل الغنى، ... إني لأمثالهم باغض
قد دثّروا في الشمس أعذاقها، ... كأنّ حمّى بخلهم نافض

ذكر ما جاء في مدح البصرة
كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:
تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنّة فاقت الجنان، فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا، ... إنّ فؤادي لمثلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها، ... فهذه كنّة وذا ختن
فانظر وفكّر لما نطقت به، ... إنّ الأديب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة، ... ومن نعام كأنها سفن
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالــزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:
إذا ما بحر خندف جاش يوما ... يغطمط موجه المتعرّضينا
فمهما كان من خير، فإنّا ... ورثناها أوائل أوّلينا
وإنّا مورثون، كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا، بنينا
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:
فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، ... فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، ... ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر
ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي ... وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر
فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، ... ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، ... إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت ... مع الماء تجري مصعدات وتنحدر
فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! ... ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر!
وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة
الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

والبَصْرَةُ:
أيضا: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس، خربت، قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع، ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة، وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق، وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقلّ من مرحلة، وبينها وبين مدينة يقال لها تشمّس أقلّ من مرحلة أيضا، ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارا وعليه من المدن، قريبة منه وبعيدة، جرماية وساوران والحجا على نحر البحر، ودونها في البرّ مشرقا: الأقلام ثم البصرة، وقال البشّاري:
البصرة مدينة بالمغرب كبيرة، كانت عامرة وقد خربت، وكانت جليلة، وكان قول البشّاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة، وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعا ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذّبّان وتعرف ببصرة الكتان، كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضا بالحمراء لأنها حمراء التربة، وسورها مبنيّ بالحجارة والطوب، وهي بين شرفين، ولها عشرة أبواب، وماؤها زعاق، وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة، وفي بساتينها آبار عذبة، ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق، ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزّاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر، إلّا قينة ... بصريّة في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها، والورد في ... وجناتها، والكشح غير مفاض
في شكل مرجيّ ونسك مهاجر، ... وعفاف سنّيّ وسمت إباض
تيهرت أنت خلية، وبرقّة ... عوّضت منك ببصرة، فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها، ... أو تستفيض بأبحر وحياض
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

بِطْياسُ

بِطْياسُ:
بكسر الباء، وسكون الطاء، وياء:
وأهل حلب كالمجمعين على أن بطياس قرية من باب حلب بين النّيرب وبابلّى، كان بها قصر لعليّ بن عبد الملك بن صالح أمير حلب، وقد خربت القرية والقصر، وقال الخالديّان في كتاب الديرة: الصالحية قرية قرب الرّقّة وعندها بطياس ودير زكّى، وقد ذكرته الشعراء، قال أبو بكر الصّنوبري:
إنّي طربت إلى زيتون بطياس، ... بالصالحيّة ذات الورد والآس
من ينس عهدهما يوما فلست له، ... وإن تطاولت الأيام، بالناسي
يا موطنا كان من خير المواطن لي ... لمّا خلوت به ما بين جلّاسي
وقائل لي أفق يوما فقلت له: ... من سكرة الحبّ أو من سكرة الكاس؟
لا أشرب الكاس إلّا من يدي رشإ ... مهفهف كقضيب البان ميّاس
مورّد الخدّ في قمص مورّدة، ... له من الآس إكليل على الراس
قل للذي لام فيه: هل ترى خلفا، ... يا أملح الروض بل يا أملح الناس
وقال البحتري وهو يدلّ على أنها بحلب:
يا برق أسفر عن قويق فطرّتي ... حلب فأعلى القصر من بطياس
عن منبت الورد المعصفر صبغه، ... في كل ضاحية ومجنى الآس
أرض إذا استوحشت ثم أتيتها، ... حشدت عليّ فأكثرت إيناسي
وقال أيضا:
نظرت وضمّت جانبيّ التفاتة، ... وما التفت المشتاق إلّا لينظرا
إلى أرجوانيّ من البرق، كلما ... تنمّر علويّ السحاب تعصفرا
يضيء غماما فوق بطياس واضحا ... يبصّ، وروضا تحت بطياس أخضرا
وقد كان محبوبا إليّ لو أنه ... أضاء غزالا عند بطياس أحورا

بَوَّانُ

بَوَّانُ:
بالفتح، وتشديد الواو، وألف، ونون:
في ثلاثة مواضع، أشهرها وأسيرها ذكرا شعب بوّان بأرض فارس بين أرّجان والنّوبندجان، وهو أحد متنزهات الدنيا، قال المسعودي، وذكر اختلاف الناس في فارس فقال: ويقال إنهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح، عليه السلام، وبوّان هذا هو الذي ينسب إليه شعب بوّان من أرض فارس، وهو أحد المواضع المتنزهة المشتهرة بالحسن وكثرة الأشجار وتدفق المياه وكثرة أنواع الأطيار، قال الشاعر:
فشعب بوّان فوادي الراهب، ... فثمّ تلقى أرحل النجائب
وقد روي عن غير واحد من أهل العلم أنه من متنزهات الدنيا، وبعض قال: جنان الدنيا أربعة مواضع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان ونهر الأبلة، وقالوا: وأفضلها غوطة دمشق، وقال أحمد بن محمد الهمداني: من أرّجان إلى النوبندجان ستة وعشرون فرسخا، وبينهما شعب بوّان الموصوف بالحسن والنزاهة وكثرة الشجر وتدفّق المياه، وهو موضع من أحسن ما يعرف، فيه شجر الجوز والــزيتون وجميع الفواكه النابتة في الصخر، وعن المبرّد أنه قال: قرأت على شجرة بشعب بوّان:
إذا أشرف المحزون، من رأس تلعة، ... على شعب بوّان استراح من الكرب
وألهاه بطن كالحريرة مسّه، ... ومطّرد يجري من البارد العذب
وطيب ثمار في رياض أريضة، ... على قرب أغصان جناها على قرب
فبالله يا ريح الجنوب تحمّلي، ... إلى أهل بغداد، سلام فتى صبّ
وإذا في أسفل ذلك مكتوب:
ليت شعري عن الذين تركنا ... خلفنا بالعراق هل يذكرونا
أم لعلّ الذي تطاول حتى ... قدم العهد بعدنا، فنسونا؟
وذكر بعض أهل الأدب أنه قرأ على شجرة دلب تظلل عينا جارية بشعب بوّان:
متى تبغني في شعب بوّان تلقني ... لدى العين، مشدود الركاب إلى الدّلب
وأعطي، وإخواني، الفتوّة حقّها ... بما شئت من جدّ وما شئت من لعب
يدير علينا الكأس من لو رأيته ... بعينك ما لمت المحبّ على الحبّ
وذكر لي بعض أهل فارس أن شعب بوّان واد عميق، والأشجار والعيون التي فيه إنما هي من جلهتيه، وأسفل الوادي مضايق تجتمع فيها تلك المياه وتجري، وليس في أرض وطيئة البتّة بحيث تبنى فيه مدينة ولا قرية كبيرة، وقد أجاد المتنبي في وصفه فقال:
مغاني الشعب، طيبا، في المغاني، ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكنّ الفتى العربيّ فيها، ... غريب الوجه، واليد، واللسان
ملاعب جنّة، لو سار فيها ... سليمان لسار بترجمان
طبت فرساننا والخيل حتى ... خشيت، وإن كرمن، من الحران
غدونا تنفض الأغصان فيها، ... على أعرافها، مثل الجمان
فسرت وقد حجبن الحرّ عني، ... وجئن من الضياء بما كفاني
وألقى الشرق منها، في ثيابي، ... دنانيرا تفرّ من البنان
لها ثمر، تشير إليك منه ... بأشربة، وقفن بلا أواني
وأمواه تصلّ بها حصاها ... صليل الحلي، في أيدي الغواني
ولو كانت دمشق ثنى عناني ... لبيق الثّرد صينيّ الجفان
يلنجوجيّ، ما رفعت لضيف ... به النيران، ندّيّ الدّخان
تحلّ به على قلب شجاع، ... وترحل منه عن قلب جبان
منازل، لم يزل منها خيال ... يشيّعني إلى النّوبنذجان
إذا غنّى الحمام الورق فيها، ... أجابته أغانيّ القيان
ومن بالشعب أحوج من حمام، ... إذا غنّى وناح إلى البيان؟
وقد يتقارب الوصفان جدّا، ... وموصوفاهما متباعدان
يقول بشعب بوّان حصاني: ... أعن هذا يسار إلى الطّعان؟
أبوكم آدم سنّ المعاصي، ... وعلمكم مفارقة الجنان
فقلت: إذا رأيت أبا شجاع ... سلوت عن العباد، وذا المكان
وكتب أحمد بن الضحاك الفلكي إلى صديق له يصف شعب بوّان: بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت إليك من شعب بوّان وله عندي يد بيضاء مذكورة، ومنّة غرّاء مشهورة، بما أولانيه من منظر أعدى على الأحزان، وأقال من صروف الزمان، وسرّح طرفي في جداول تطرّد بماء معين منسكب أرقّ من دموع العشّاق، مررتها لوعة الفراق، وأبرد من ثغور الأحباب، عند الالتئام والاكتئاب، كأنها حين جرى آذيّها يترقرق، وتدافع تيارها يتدفّق، وارتجّ حبابها يتكسر في خلال زهر ورياض ترنو بحدق تولّد قصب لجين في صفائح عقيان، وسموط درّ بين زبرجد ومرجان، أثر على حكمة صانعه شهيد، وعلم على لطف خالقه دليل إلى ظلّ سجسج أحوى، وخضل ألمى، قد غنّت عليه أغصان فينانة، وقضب غيدانة، تشوّرت لها القدود المهفهفة خجلا، وتقيّلتها الخصور المرهفة تشبّها، يستقيدها النسيم فتنقاد، ويعدل بها فتنعدل، فمن متورد يروق منظره، ومرتجّ يتهدّل مثمره، مشتركة فيه حمرة نضج الثمار، ينفحه نسيم النّوّار، وقد أقمت به يوما وأنا لخيالك مسامر، ولشوقك منادم، وشربت لك تذكارا، وإذا تفضل الله بإتمام السلامة إلى أن أوافي شيراز كتبت إليك من خبري بما تقف عليه إن شاء الله تعالى. وبوّان، أيضا، شعب بوّان: واد بين فارس وكرمان، يوصف أيضا بالنزاهة والطيب ليس بدون الأول، أخبرني به رجل من أهل فارس. وبوّان أيضا: قرية على باب أصبهان، ينسب إليها جماعة، منهم: القاضي أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليم البوّاني من أهل هذه القرية، كان شيخا صالحا مكثرا، سمع الحافظ أبا بكر مردويه بأصبهان والبرقاني ببغداد وغيرهما، روى عنه الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني وغيره، وولي القضاء ببعض نواحي أصبهان، وتوفي في ذي القعدة سنة 484، وولد في صفر سنة 401.

الزَّيْتُ

الزَّيْتُ:
بلفظ الزيت الدهن المعروف، أحجار الزّيت:
بالمدينة موضع كان فيه أحجار علا عليها الطريق فاندفنت، وله ذكر في الحديث. وقصر الزيت:
بالبصرة صقع قريب من كلّائها، وجبل الزيت في شعر الفضل بن عبّاس اللهبي:
فوارع من جبال الزّيت مدّت ... بسافتها وأحمأت الجبابا
جمع جبّ.
الزَّيْتُ: فَرَسُ مُعاوِيَةَ بنِ سَعْدٍ، ودُهْنٌ.
والــزَّيْتُونُ: شَجَرَتُهُ، ومسجدُ دِمَشْقَ، أو جِبالُ الشَّام،
ود بالصِّينِ،
وة بالصَّعيدِ، واسْمٌ.
والــزَّيْتُونَــةُ: بِباديَةِ الشَّامِ،
وعيْنُ الــزَّيْتُونَــةِ بإِفْرِيقِيَّةَ،
وأحْجارُ الزَّيْتِ بالمدينةِ،
وقَصرُ الزَّيْتِ بالبَصْرَةِ: مَواضعُ.
وزِتُّ الطَّعامَ أزِيتُه زَيْتاً: جَعَلْتُ فيه الزَّيْتَ، فهو مَزِيتٌ ومَزْيوتٌ.
وازْداتَ: ادَّهَنَ به.
وزاتَهُمْ: أطْعَمَهُمْ إيَّاهُ.
وأزاتُوا: كَثُرَ عندهم.
واسْتَزاتَ: طَلَبَه.
والزَّيْتِيَّةُ: فَرَسُ لَبِيدِ بنِ عمرٍو الغَسَّانِيِّ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.