Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ذراع

تَوْزَرُ

تَوْزَرُ:
بالفتح ثم السكون، وفتح الزاي، وراء:
مدينة في أقصى إفريقية من نواحي الزاب الكبير من أعمال الجريد، معمورة، بينها وبين نفطة عشرة فراسخ، وأرضها سبخة، بها نخل كثير قال أبو عبيد البكري في كتاب المسالك والممالك: أما
قسطيلية فإن من بلادها توزر والحمّة ونفطة، وتوزر هي أمّها، وهي مدينة عليها سور مبني بالحجر والطّوب، ولها جامع محكم البناء وأسواق كثيرة، وحولها أرباض واسعة، وهي مدينة حصينة لها أربعة أبواب، كثيرة النخل والبساتين، ولها سواد عظيم، وهي أكثر بلاد إفريقية تمرا، ويخرج منها في أكثر الأيام ألف بعير موقورة تمرا، وشربها من ثلاثة أنهار تخرج من زقاق كالدّرمك بياضا ورقّة، ويسمى ذلك الموضع بلسانهم تبرسي، وإنما تنقسم هذه الثلاثة الأنهار بعد اجتماع تلك المياه بموضع يسمّى وادي الجمال يكون قعر النهر هناك نحو مائتي ذراع، ثم ينقسم كلّ نهر من هذه الأنهار على ستة جداول، وتتشعب من تلك الجداول سواق لا تحصى، تجري في قنوات مبنية بالصخر على قسمة عدل لا يزيد بعضها على بعض شيئا، كل ساقية سعة شبرين في ارتفاع فتر، يلزم كل من يسقي منها أربعة أقداس مثقال في العام، وبحساب ذلك في الأكثر والأقلّ وهو أن يعمد الذي له دولة السقي إلى قدس في أسفله ثقبة مقدار ما يسعها وتر قوس النّدّاف فيملؤه ماء ويعلقه ويسقي الحائط أو البستان من تلك الجداول حتى يفنى ماء القدس ثم يملأ ثانيا هكذا، وقد علموا أن سقي اليوم الكامل مائة واثنان وتسعون قدسا. لا يعلم في بلاد مثل أترنجها جلالا وحلاوة وعظما، وجباية قسطيلية مائتا ألف دينار، وأهلها يستطيبون لحوم الكلاب ويربّونها ويسمّنونها في بساتينهم ويطعمونها التمر ويأكلونها ولا يعلم وراء قسطيلية عمران ولا حيوان إلا الفنك، وإنما هي رمال وأرضون سواخة وينسب إلى توزر جماعة، منهم: أبو حفص عمر بن أحمد ابن عيسون الأنصاري التوزري، لقيه السلفي بالإسكندرية.

تَدْمُو

تَدْمُو:
بالفتح ثم السكون، وضم الميم: مدينة قديمة مشهورة في برّية الشام، بينها وبين حلب خمسة أيام قال بطليموس: مدينة تدمر طولها إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، بيت حياتها السماك الأعزل تسع درجات من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول تدمر ثلاث وستون درجة وربع، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلثان قيل: سميت بتدمر بنت حسان ابن أذينة بن السّميدع بن مزيد بن عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح، عليه السلام، وهي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام، زعم قوم أنها مما بنته الجنّ لسليمان، عليه السلام ونعم الشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني:
إلا سليمان، إذ قال الإله له: ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيّس الجنّ، إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد
وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل سليمان بن داود، عليه السلام، بأكثر مما بيننا وبين سليمان، ولكن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن.
وعن إسماعيل بن محمد بن خالد بن عبد الله القسري قال: كنت مع مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية حين هدم حائط تدمر، وكانوا خالفوا عليه فقتلهم وفرّق الخيل عليهم تدوسهم وهم قتلى، فطارت لحومهم وعظامهم في سنابك الخيل، وهدم حائط المدينة، فأفضى به الهدم الى جرف عظيم، فكشفوا عنه صخرة فإذا بيت مجصص كأنّ اليد رفعت عنه تلك الساعة، وإذا فيه سرير عليه امرأة مستلقية على ظهرها وعليها سبعون حلّة، وإذا لها سبع غدائر مشدودة بخلخالها، قال: فذرعت قدمها فإذا ذراع من غير الأصابع، وإذا في بعض غدائرها صحيفة ذهب فيها مكتوب: باسمك اللهم! أنا تدمر بنت حسان، أدخل الله الذّل على من يدخل بيتي هذا.
فأمر مروان بالجرف فأعيد كما كان ولم يأخذ مما كان عليها من الحلي شيئا، قال: فو الله ما مكثنا على ذلك إلا أياما حتى أقبل عبد الله بن عليّ فقتل مروان وفرّق جيشه واستباحه وأزال الملك عنه وعن أهل بيته وكان من جملة التصاوير التي بتدمر صورة جاريتين من حجارة من بقية صور كانت هناك، فمر بهما أوس بن ثعلبة التيمي صاحب قصر أوس الذي في البصرة فنظر إلى الصورتين فاستحسنهما فقال:
فتاتي أهل تدمر خبّراني! ... ألمّا تسأما طول القيام؟
قيامكما على غير الحشايا، ... على جبل أصمّ من الرخام
فكم قد مرّ من عدد الليالي، ... لعصركما، وعام بعد عام
وإنكما، على مرّ الليالي، ... لأبقى من فروع ابني شمام
فإن أهلك، فربّ مسوّمات ... ضوامر تحت فتيان كرام
فرائصها من الإقدام فزع، ... وفي أرساغها قطع الخدام
هبطن بهنّ مجهولا مخوفا ... قليل الماء مصفرّ الجمام
فلما أن روين صدرن عنه، ... وجئن فروع كاسية العظام
قال المدائني: فقدم أوس بن ثعلبة على يزيد بن معاوية فأنشده هذه الأبيات، فقال يزيد: لله درّ أهل العراق! هاتان الصورتان فيكم يا أهل الشام لم يذكرهما أحد منكم، فمرّ بهما هذا العراقي مرّة فقال ما قال ويروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال: دخلت مع أبي دلف إلى الشام فلما دخلنا تدمر وقف على هاتين الصورتين، فأخبرته بخبر أوس بن ثعلبة وأنشدته شعره فيهما، فأطرق قليلا ثم أنشدني:
ما صورتان بتدمر قد راعتا ... أهل الحجى وجماعة العشّاق
غبرا على طول الزمان ومرّه، ... لم يسأما من ألفة وعناق
فليرمينّ الدهر من نكباته ... شخصيهما منه بسهم فراق
وليبلينّهما الزمان بكرّه، ... وتعاقب الإظلام والإشراق
كي يعلم العلماء أن لا خالد ... غير الإله الواحد الخلّاق
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما:
أتدمر صورتاك هما لقلبي ... غرام، ليس يشبهه غرام
أفكّر فيكما فيطير نومي، ... إذا أخذت مضاجعها النيام
أقول من التعجّب: أيّ شيء ... أقامهما، فقد طال القيام
أملّكتا قيام الدهر طبعا، ... فذلك ليس يملكه الأنام
كأنهما معا قرنان قاما، ... ألجّهما لدى قاض خصام
يمرّ الدهر يوما بعد يوم، ... ويمضي عامه يتلوه عام
ومكثهما يزيدهما جمالا، ... جمال الدّرّ زيّنه النّظام
وما تعدوهما بكتاب دهر، ... سجيّته اصطلام واخترام
وقال أبو الحسن العجلي فيهما:
أرى بتدمر تمثالين زانهما ... تأنق الصانع المستغرق الفطن
هما اللتان يروق العين حسنهما، ... تستعطفان قلوب الخلق بالفتن
وفتحت تدمر صلحا، وذاك أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، مرّ بهم في طريقه من العراق إلى الشام فتحصنوا منه، فأحاط بهم من كلّ وجه، فلم يقدر عليهم، فلما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال:
يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لاستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم، ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعنّ إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلنّ مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدّوه له ورضي به.

البليخُ

البليخُ:
الخاء معجمة: اسم نهر بالرّقّة يجتمع فيه الماء من عيون، وأعظم تلك العيون عين يقال لها الذّهبانية في أرض حران، فيجري نحو خمسة أميال ثم يسير إلى موضع قد بنى عليه مسلمة بن عبد الملك حصنا، يكون أسفله قدر جريب وارتفاعه في الهواء أكثر من خمسين ذراعــا، وأجرى ماء تلك العيون تحته، فإذا خرج من تحت الحصن يسمى بليخا، ويتشعب من ذلك الموضع أنهار تسقي بساتين وقرى ثم تصبّ في الفرات تحت الرّقّة بميل، قال ابن دريد: لا أحسب البليخ عربيّا، ولكن يقال: بلخ إذا تكبر، قال أبو نواس:
على شاطي البليخ وساكنيه ... سلام مسلّم لقي الحماما
وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين، يسرعون الركوبا
ذاك خير من البليخ ومن صو ... ت ذئاب، عليّ يدعون ذيبا
وقد جمعها الأخطل وسماها بلخا، قال:
أقفرت البلخ من عيلان فالرّحب ... فالمحلبيّات فالخابور فالشّعب

البَصْرَةُ

البَصْرَةُ:
وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:
البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدوابّ، قال:
ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:
البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيّدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:
إن تك جلمود بصر لا أؤبّسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
مؤلّفة تهوي جميعا كما هوى، ... من النّيق فوق البصرة، المتطحطح
وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس راه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذّان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سمّيت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاءوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:
«إن كنت جلمود بصر» ، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصريّ، بكسر الباء لإسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غيّر في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الرّيّ رازيّ وما أشبه ذلك من المغيّر، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثّقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توّج ونوبندجان وطاسان، فلما فتحوها كتبوا إليه:
إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:
إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحريّ فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذّهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان
المثنّى بن حارثة يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خالد ابن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازا إلى الكوفة بالحيرة، سنة اثنتي عشرة، أعانه على حرب من هنالك وخلّف سويدا، ويقال: إن خالدا لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للأعاجم، وقتل وسبى، وخلّف بها رجلا من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر، ويقال: إنه أتى نهر المراة ففتح القصر صلحا. وكان الواقدي ينكر أن خالدا مرّ بالبصرة ويقول: إنه حين فرغ من أمر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله اعلم. ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يولّيها رجلا من قبله، فولّاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب، أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين، أقبل في أربعين رجلا، منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وأبو بكرة وزياد ابن أبيه وأخت لهم، وقال له عمر: إن الحيرة قد فتحت فأت أنت ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل فارس والأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم.
فأتاها عتبة وانضمّ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم.
قال نافع بن الحارث: فلما أبصرتنا الديادبة خرجوا هرّابا وجئنا القصر فنزلناه، فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله. قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرزّ بقشره، فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما، فقال عتبة: هذا سمّ أعدّه لكم العدوّ، يعني الأرز، فلا تقربنّه، فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه، فإننا لكذلك إذا بفرس قد قطع قياده وأتى ذلك الأرز يأكل منه، فلقد رأينا أن نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت، فقال صاحبه: أمسكوا عنه، أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلما أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه، فقالت أختي: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السمّ لا يضرّ إذا نضج، فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادت: الا انه يتفصّى من حبيبة حمراء، ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء، فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة، فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه، فأكلوا منه فإذا هو طيب، قال: فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه، فلقد رأيتني بعد ذلك وأنا أعدّه لولدي، ثم قال: إنا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهنّ أختي. وأمدّ عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة، وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل، قال: وبنى المسلمون بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن: في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، ففرّق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة. قال نافع: ولما بلغنا ستمائة قلنا: ألا نسير إلى الأبلّة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز، وهي جمع عنزة وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زجّ، وسيوفنا، وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهن أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنا قد دنونا من المدينة، فلما دنونا منها صففنا أصحابنا، قال:
وفيها ديادبتهم وقد أعدّوا السّفن في دجلة، فخرجوا إلينا في الحديد مسوّمين لا نرى منهم إلا الحدق، قال: فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى
بعض قتلا، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم: ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا: عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه، يريدون النساء في إثارتهن التراب. وذكر البلاذري: لما دخل المسلمون الأبلّة وجدوا خبز الحوّارى فقالوا: هذا الذي كانوا يقولون إنه يسمّن، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون:
ما نرى سمنا، وقال عوانة بن الحكم: كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد، فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال، وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين، وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال:
إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته، فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف: الحجارة المجتمعة المتشقّقة، وقيل: ارض قضّة ذات حصّى، وأما القضة، بالكسر والتخفيف: ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري:
الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، وأما القضة، بالتخفيف:، فهو شجر من شجر الحمض، ويجمع على قضين، وليس من المضاعف، وقد يجمع على القضى مثل البرى، وقال أبو نصر الجوهري: القضّة، بكسر القاف والتشديد، الحصى الصغار، والقضة أيضا أرض ذات حصّى، قال: ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب، فكتب إليه أن أنزلها، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم، وكانت تسمّى الدهناء، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول مولود ولد بالبصرة، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال: هذه أرض نخل، ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر:
أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة، فلما افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم، وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال
فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه، فأذن له، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده، وكان عتبة قد سيّره في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها، فأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى أن يرجع، قال: ولما أراد عتبة الانصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاما في آخره: وستجرّبون الأمراء من بعدي، قال الحسن:
فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم، قال: وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه، فقال له: وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه، فسقط عن راحلته في الطريق فمات، وذلك في سنة ست عشرة، قال: ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة، وكان عتبة قد غزاها وفتحها، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه، فدعا عمر عتبة وقال له: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.
نعم، قال: فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا، فقال:
إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع، فقال عمر: لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف، وهي مدينة، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية، وأقرّ المغيرة على البصرة، فلما كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه، وقيل: كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن، وكذلك دار الإمارة، وكان المنبر في وسطه، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز، وهو أمير لعثمان على البصرة، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء، فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلد دبّ، فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج، فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين، قال: ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني:
بنى زياد، لذكر الله، مصنعه ... بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين
لولا تعاون أيدي الرافعين له، ... إذا ظنناه أعمال الشياطين
وجاء بسواريه من الأهواز، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل، ففيه قيل:
يا حبّذا الإماره ... ولو على الحجاره
وقيل: إن أرض المسجد كانت تربة فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب، فلما رأى زياد ذلك قال: لا آمن أن يظنّ الناس على طول الأيام أن نفض اليد في الصلاة سنّة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع، ووظّف ذلك على الناس، فاشتد الموكّلون بذلك على الناس وأروهم حصى انتقوه فقالوا: ائتونا بمثله على قدره وألوانه، وارتشوا على ذلك فقال:
يا حبذا الإماره ... ولو على الحجاره
فذهبت مثلا، وكان جانب الجامع الشمالي منزويا لأنه كان دارا لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعها، فلم يزل على تلك الحال حتى ولّى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة، فقال عبيد الله بن زياد:
إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعة فاعلمني.
فشخص إلى قصر الأبيض، فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به تربيع المسجد، وقدم عبد الله بن نافع فضجّ، فقال له: إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك، فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلّها في المسجد، ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد، وقد أمر بذلك الرشيد، ولما قدم الحجّاج خبّر أن زيادا بنى دار الإمارة فأراد أن يذهب ذكر زياد منها فقال: أريد أن أبنيها بالآجرّ، فهدمها، فقيل له: إنما غرضك أن تذهب ذكر زياد منها، فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها، فتركها مهدومة، فلم يكن للأمراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين، فقال له صالح إنه ليس بالبصرة دار إمارة وخبّره خبر الحجاج، فقال له سليمان: أعدها، فأعادها بالجصّ والآجرّ على أساسها الذي كان ورفع سمكها، فلما أعاد أبوابها عليها قصرت، فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة، فبنى فوقها غرفا فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه:
هبلتك أمك يا ابن عمّ عدي! أتعجز عنك مساكن وسعت زيادا وابنه؟ فأمسك عدي عن بنائها، فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملا للسفّاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعديّ بناء بالطين ثمّ تحوّل إلى المربد، فلما ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة، وقال يزيد الرّشك: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلّا دانقا، وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال:
نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عيّل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالاتهم ثمانين ألفا.

بَرْزُويَه

بَرْزُويَه:
بالفتح، وضم الزاي، وسكون الواو، وفتح الياء، والعامة تقول برزيه: حصن قرب السواحل الشامية على سن جبل شاهق، يضرب بها المثل في جميع بلاد الأفرنج بالحصانة، تحيط بها أودية من جميع جوانبها، وذرع علوّ قلعتها خمسمائة وسبعون ذراعــا، كانت بيد الأفرنج حتى فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 584.

بَتِيل

بَتِيل:
بالفتح ثم الكسر، وياء ساكنة، ولام: جبل بنجد منقطع عن الجبال، وقيل: جبل يناوح دمخا، وقال الحارثي: بتيل واد لبني ذبيان وجبل أحمر يناوح دمخا من ورائه في ديار كلاب وهناك قليب يقال له البتيلة، وبتيل حجر: بناء هناك عادىّ مرتفع مربع الأسفل محدد الأعلى يرتفع نحو ثمانين ذراعــا، وقيل: بتيل اليمامة جبل فارد في فضاء، سمي بذلك لانقطاعه عن غيره، وقال موهوب بن رشيد:
مقيم، ما أقام ذرى سواج، ... وما بقي الأخارج والبتيل
وقال سلمة بن الخرشب الأنماري:
إذا ما غدوتم عامدين لأرضنا، ... بني عامر! فاستظهروا بالمرائر
فإنّ بني ذبيان حيث عهدتم ... بجزع البتيل، بين باد وحاضر،
يسدّون أبواب القباب بضمّر ... إلى عنن، مستوثقات الموائر
وقال أبو زياد الكلابي: وفي دماخ، وهي بلاد بني
عمرو بن كلاب، بتيل، وأنشد: ... لعمري! لقد هام الفؤاد، لجاجة،
بقطّاعة الأعناق أمّ خليل ... فمن أجلها أحببت عونا وجابرا،
وأحببت ورد الماء دون بتيل

الإِيْوَانُ

الإِيْوَانُ:
آخره نون: وهو إيوان كسرى، قال النحويون: الهمزة في إيوان أصل غير زائدة ولو كانت زائدة لوجب إدغام الياء في الواو وقلبها إلى الياء كما في أيّام، فلما ظهرت الياء ولم تدغم دل على أن الياء عين وإن الفاء همزة وقلبت ياء لكسرة الفاء وكراهية التضعيف، كما قلبت في ديوان وقيراط، وكما أن الدال والقاف فاءان والياءين عينان كذلك التي في إيوان.
وإيوان كسرى الذي بالمدائن، مدائن كسرى:
زعموا أنه تعاون على بنائه عدة ملوك، وهو من أعظم الأبنية وأعلاها، رأيته وقد بقي منه طاق الإيوان حسب، وهو مبنيّ بآجرّ طول كل آجرّة نحو ذراع في عرض أقلّ من شبر وهو عظيم جدا، قال حمزة بن الحسن: قرأت في الكتاب الذي نقله ابن المقفع أن الإيوان الباقي بالمدائن هو من بناء سابور ابن أردشير، فقال لي الموبذان، موبذان أميد ابن أشوهست: ليس الأمر كما زعم ابن المقفّع، فان ذلك الإيوان خرّبه المنصور أبو جعفر وهذا الباقي هو من بناء كسرى أبرويز. وقد حكي أن المنصور لما أراد بناء بغداد استشار خالد بن برمك في هدم الإيوان وإدخال آلته في عمارة بغداد، فقال له: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقال: أبيت إلا التّعصّب للفرس! فقال: ما الأمر كما ظن أمير المؤمنين ولكنه أثر عظيم يدلّ على أنّ ملّة ودينا وقوما أذهبوا ملك بانيه لدين وملك عظيم، فلم يصغ إلى رأيه وأمر بهدمه فوجد النفقة عليه أكثر من الفائدة بنقضه فتركه، فقال خالد: الآن أرى يا أمير المؤمنين أن تهدمه لئلا يقال إنك عجزت عن خراب ما عمره غيرك ومعلوم ما بين الخراب والعمارة، فعلى قول الموبذان: إنه خرّب إيوان سابور بن أردشير، وعلى قول غيره: إنه خرّب إيوان سابور بن أردشير، وعلى قول غيره: إنه لم يلتفت إلى قوله أيضا وتركه.
وما زلت أسمع أن كسرى لما أراد بناء إيوانه هذا أمر بشراء ما حوله من مساكن الناس وإرغابهم بالثمن الوافر وإدخاله في الإيوان، وأنه كان في جواره عجوز لها دويرة صغيرة فأرادوها
على بيعها فامتنعت وقالت: ما كنت لأبيع جوار الملك بالدنيا جميعها، فاستحسن منها هذا الكلام وأمر ببناء الإيوان وترك دارها في موضعها منه وإحكام عمارتها، ولما رأيت الإيوان رأيت في جانب منه قبّة صغيرة محكمة العمارة يعرفها أهل تلك الناحية بقبّة العجوز، فعجبت من قوم كان هذا مذهبهم في العدل والرفق بالرعية كيف ذهبت دولتهم لولا النبوّة التي شرّفها الله تعالى وشرف بها عباده، وقال ابن الحاجب يذكر الإيوان:
يا من بناه بشاهق البنيان! ... أنسيت صنع الدهر بالإيوان؟
هذي المصانع والدساكر والبنا ... وقصور كسرانا أنو شروان
كتب الليالي، في ذراها، أسطرا ... بيد البلى وأنامل الحدثان
إنّ الحوادث والخطوب، إذا سطت ... أودت بكل موثّق الأركان
قلت: ومن أحسن ما قيل في الإيوان قول أبي عبادة البحتري:
حضرت رحلي الهموم، فوجّهت ... إلى أبيض المدائن عنسي
أتسلّى عن الحظوظ، وآسى ... لمحلّ، من آل ساسان درس
ذكّرتنيهم الخطوب التّوالي، ... ولقد تذكر الخطوب وتنسي
وهم خافضون في ظلّ عال ... مشرف، يحسر العيون ويخسي
مغلق بابه، على جبل القبق، ... إلى دارتي خلاط ومكس
حلل، لم تكن كأطلال سعدى، ... في قفار من البسابس ملس
ومساع، لولا المحاباة منّي، ... لم تطقها مسعاة عنس وعبس
نقل الدّهر عهد هنّ عن الجدّة، ... حتّى غدون أنضاء لبس
فكأنّ الجرماز، من عدم الأنس ... وإخلاقه، بنيّة رمس
لو تراه، علمت أنّ اللّيالي ... جعلت فيه مأتما، بعد عرس
وهو ينبيك عن عجائب قوم، ... لا يشاب البيان فيهم بلبس
فإذا ما رأيت صورة أنطا ... كيّة ارتعت بين روم وفرس
وقد كان في الإيوان صورة كسرى أنوشروان وقيصر ملك أنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها:
والمنايا مواثل، وأنوشر ... وان يزجي الصّفوف تحت الدّرفس
في اخضرار من اللّباس، على أصفر ... يختال في صبيغة ورس
وعراك الرّجال، بين يديه، ... في خفوت منهم وإغماض جرس
من مشيح، يهوي بعامل رمح، ... ومليح من السّنان، بترس
تصف العين أنّهم جدّ أحياء، ... لهم، بينهم، إشارة خرس
يغتلي فيهم ارتيابي، حتّى ... تتقرّاهم يداي بلمس
قد سقاني، ولم يصرّد، أبو الغوث، ... على العسكرين، شربة خلس
من مدام، تقولها هي نجم ... أضوأ اللّيل، أو مجاجة شمس
وتراها، إذا أجدّت سرورا ... وارتياحا للشّارب المتحسّي
أفرغت في الزّجاج، من كلّ قلب، ... فهي محبوبة إلى كلّ نفس
وتوهّمت أنّ كسرى أبرويز ... معاطيّ، والبلهبذ أنسي
حلم مطبق على الشّكّ عيني، ... أم أمان غيّرن ظنّي وحدسي؟
وكأنّ الإيوان من عجب الصّنعة ... جوب، في جنب أرعن جلس
يتظنّى، من الكآبة، أن يبدو ... لعيني مصبّح أو ممسّ
مزعجا بالفراق عن أنس إلف، ... عزّ، أو مرهقا بتطليق عرس
عكست حظّه اللّيالي، وبات ال ... مشتري فيه، وهو كوكب نحس
فهو يبدي تجلّدا، وعليه ... كلكل من كلاكل الدّهر مرس
لم يعبه أن بزّ من بسط الدّي ... باج، واستلّ من ستور الدّمقس
مشمخرّ، تعلو له شرفات، ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس
لابسات من البياض، فما تبصر ... منها إلّا فلائل برس
ليس يدرى: أصنع إنس لجنّ ... سكنوه، أم صنع جنّ لإنس؟
غير أنّي أراه يشهد أن لم ... يك بانيه، في الملوك، بنكس
فكأنّي أرى المراتب والقو ... م، إذا ما بلغت آخر حسّي
وكأنّ الوفود ضاحين حسرى، ... من وقوف خلف الزّحام، وخنس
وكأنّ القيان، وسط المقاصير، ... يرجّحن بين حوّ ولعس
وكأنّ اللّقاء أوّل من أمس ... ووشك الفراق أوّل أمس
وكأنّ الّذي يريد اتّباعا، ... طامع في لحوقهم صبح خمس
عمرت للسّرور دهرا، فصارت ... للتّعزّي، رباعهم، والتّأسّي
فلها أن أعينها بدموع ... موقفات على الصّبابة حبس
ذاك عندي، وليست الدّار داري، ... باقتراب منها، ولا الجنس جنسي
غير نعمى لأهلها عند أهلي، ... غرسوا من ذكائها خير غرس
أيّدوا ملكنا وشدّوا قواه ... بكماة، تحت السّنوّر، حمس
وأعانوا على كتائب أريا ... ط بطعن على النّحور، ودعس
وأراني، من بعد، أكلف بالأشراف ... طرّا، من كلّ سنخ واسّ
واجتاز الملك العزيز جلال الدولة البويهي على إيوان كسرى فكتب عليه بخطه من شعره:
يا أيّها المغرور بالدنيا اعتبر ... بديار كسرى، فهي معتبر الورى
غنيت زمانا بالملوك وأصبحت ... من بعد حادثة الزمان كما ترى

الأُقَيْصِرُ

الأُقَيْصِرُ:
تصغير أقصر: اسم صنم، قال أبو المنذر:
كان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له: الأقيصر، وله يقول زهير بن أبي سلمى:
حلفت بأنصاب الأقيصر جاهدا، ... وما سحقت فيه المقاديم والقمل
وله يقول ربيع بن ضبيع الفزاري:
فإنّني، والذي نعم الأنام له، ... حول الأقيصر تسبيح وتهليل
وله يقول الشّنفرى الأزدي حليف فهم:
وإن امرأ قد جار عمرا ورهطه ... عليّ، وأثواب الأقيصر تعنف
قال هشام: حدثني رجل يكنّى أبا بشر يقال له عامر ابن شبل من جرم، قال: كان لقضاعة ولخم وجذام وأهل الشام صنم يقال له: الأقيصر، وكانوا يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كل شعرة قرّة من دقيق، وهي قبضة، قال: وكانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر قال أعطنيه يعني الدقيق، فإني من هوازن ضارع، وإن فاته أخذ ذلك الشّعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه وأكله، قال: فاختصمت جرم وبنو جعدة في ماء لهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يقال له: العقيق، فقضى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لجرم، فقال معاوية بن عبد العزّى بن ذراع الجرمي:
وإني أخو جرم، كما قد علمتم، ... إذا جمعت عند النبيّ المجامع
فإن أنتم لم تقنعوا بقضائه، ... فإني بما قال النبيّ لقانع
ألم تر جرما أنجدت، وأبوكم ... مع القمل في حفر الأقيصر شارع؟!
إذا قرّة جاءت يقول: أصب بها ... سوى القمل، إني من هوازن ضارع
فما أنتم من هؤلا الناس كلهم؟ ... بلى ذنب أنتم علينا وكارع! فإنكما كالخنصرين أخسّتا، ... وفاتتهما في طولهنّ الأصابع

الأُشْتُومُ

الأُشْتُومُ:
بالضم ثم السكون، وتاء مثناة مضمومة، والواو ساكنة، وميم: موضع قرب تنّيس، قال يحيى بن الفضيل:
حمار أتى دمياط، والروم وثّب، ... بتنّيس منه رأي عين وأقرب
يقيمون بالأشتوم يبغون مثلما ... أصابوه من دمياط، والحرب ترتب
وقال الحسن بن محمد المهلّبي في كتابه العزيزي:
ومن تنّيس إلى حصن الأشتوم، وفيه مصبّ ماء البحيرة إلى بحر الروم، ستة فراسخ، ومن هذا الحصن إلى مدينة الفرما في البر ثمانية أميال، وفي البحيرة ثلاثة فراسخ، ثم قال عند ذكر دمياط: ومن شمالي دمياط يصب النيل إلى البحر الملح في موضع يقال له الأشتوم، عرض النيل هناك نحو مائة ذراع وعليه من حافتيه سلسلة حديد، وهذا غير الاول.

أُسْوَانُ

أُسْوَانُ:
بالضم ثم السكون، وواو، وألف، ونون، ووجدته بخطّ أبي سعيد السّكرّي سوان بغير الهمزة: وهي مدينة كبيرة وكورة في آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل في شرقيه، وهي في الإقليم الثاني، طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي جبالها مقطع العمد التي بالاسكندرية، قال أبو بكر الهروي: وبأسوان الجنادل ورأيت بها آثار مقاطع العمد في جبال أسوان وهي حجارة ماتعة، ورأيت هناك عمودا قريبا من قرية يقال لها بلاق أو براق يسمونها الصقالة، وهو ماتع مجزّع بحمرة ورأسه قد غطّاه الرمل فذرعت ما ظهر منه فكان خمسة وعشرين ذراعــا، وهو مربّع، كل وجه منه سبعة أذرع، وفي النيل هناك موضع ضيق ذكر أنهم أرادوا أن يعملوا جسرا على ذلك الموضع، وذكر آخرون أنّه أخو عمود السواري الذي بالاسكندرية، وقال الحسن بن إبراهيم المصري: بأسوان من التمور المختلفة وأنواع الأرطاب، وذكر بعض العلماء أنه كشف أرطاب أسوان فما وجد شيئا بالعراق إلا وبأسوان مثله، وبأسوان ما ليس بالعراق، قال:
وأخبرني أبو رجاء الأسواني، وهو احمد بن محمد الفقيه صاحب قصيدة البكرة، أنه يعرف بأسوان رطبا أشدّ خضرة من السّلق. وأمر الرشيد أن تحمل إليه أنواع التمور من أسوان من كل صنف تمرة واحدة فجمعت له ويبة، وليس بالعراق هذا ولا بالحجاز، ولا يعرف في الدنيا بسر يصير تمرا ولا يرطب إلّا بأسوان، ولا يتمر من بلح قبل أن يصير بسرا إلّا بأسوان، قال: وسألت بعض أهل أسوان عن ذلك، فقال لي: كل ما تراه من تمر أسوان ليّنا فهو مما يتمر بعد أن يصير رطبا، وما رأيته أحمر مغير اللون فهو مما يتمر بعد أن صار بسرا، وما وجدته أبيض فهو مما يتمر بعد أن صار بلحا، وقد ذكرها البحتري في مدحه خمارويه بن طولون:
هل يلقينّي إلى رباع أبي ال ... جيش خطار التغوير، أو غرره
وبين أسوان والعراق زها ... رعيّة، ما يغبّها نظره
وقد نسب إلى أسوان قوم من العلماء، منهم: أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن أبي حاتم الأسواني حدث عن محمد بن المتوكل بن أبي السري، روى عنه أبو عوانة الإسقراييني وأبو يعقوب إسحاق بن إدريس الأسواني من أهل البصرة، كان يسوق الحديث، والقاضي أبو الحسن أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن الزبير الغسّاني الأسواني الملقب بالرشيد صاحب الشعر والتصانيف، ولي ثغر الإسكندرية وقتل ظلما في سنة 563. كذا نسبه السلفي وكتب عنه، وأخوه المهذّب أبو محمد الحسن بن عليّ كان أشعر من أخيه وهو مصنف كتاب النسب، مات سنة 561، وأبو الحسن فقير بن موسى بن فقير الأسواني حدث بمصر عن محمد بن سليمان بن أبي فاطمة، وحدث عن أبي حنيفة قحزم بن عبد الله بن قحزم الأسواني عن الشافعي بحكاية، حدث عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن المقري الأصبهاني في معجم شيوخه.

أَذْرِعاتُ

أَذْرِعاتُ:
بالفتح، ثم السكون، وكسر الراء، وعين مهملة، وألف وتاء. كأنه جمع أذرعة، جمع ذراع جمع قلة: وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمّان، ينسب اليه الخمر، وقال الحافظ أبو القاسم: أذرعات مدينة بالبلقاء.
وقال النحويون بالتثنية والجمع تزول الخصوصية عن الأعلام، فتنكّر وتجري مجرى النّكرة من أسماء الأجناس، فإذا أردت تعريفه، عرّفته بما تعرّف به الأجناس، وأما نحو أبانين وأذرعات وعرفات فتسميته ابتداء تثنية وجمع، كما لو سمّيت رجلا بخليلان، أو مساجد، وإنما عرّف مثل ذلك بغير حرف تعريف، وجعلت أعلاما لأنها لا تفترق، فنزّلت منزلة شيء واحد، فلم يقع إلباس، واللغة الفصيحة في عرفات الصرف، ومنع الصرف لغة، تقول: هذه عرفات وأذرعات، ورأيت عرفات وأذرعات، ومررت بعرفات وأذرعات، لأن فيه سببا واحدا، وهذه التاء التي فيه للجمع لا للتأنيث لأنه اسم لمواضع مجتمعة، فجعلت تلك المواضع اسما واحدا، وكان اسم كل موضع منها عرفة وأذرعة، وقيل: بل الاسم جمع والمسمّى مفرد، فلذلك لم يتنكّر، وقيل: إن التاء فيه لم تتمحّض للتأنيث ولا للجمع، فأشبهت التاء في نبات وثبات، وأما من منعها الصرف فإنه يقول:
إن التنوين فيها للمقابلة التي تقابل النون التي في جمع المذكر السالم، فعلى هذا غير منصرفة. وقد ذكرتها العرب في أشعارها، لأنها لم تزل من بلادها في الإسلام وقبله، قال بعض الأعراب:
ألا أيها البرق، الذي بات يرنقي ... ويجلو دجى الظّلماء، ذكّرتني نجدا
وهيّجتني من أذرعات وما أرى، ... بنجد على ذي حاجة، طربا بعدا
ألم تر أن الليل يقصر طوله ... بنجد، وتزداد الرياح به بردا؟
وقال امرؤ القيس:
ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تنسّيني، إذا قمت، سربالي
تنوّرتها من أذرعات، وأهلها ... بيثرب، أدنى دارها نظر عال
وينسب إلى أذرعات أذرعيّ، وخرج منها طائفة من أهل العلم، منهم إسحاق بن ابراهيم الأذرعي بن هشام ابن يعقوب بن ابراهيم بن عمرو بن هاشم بن أحمد، ويقال: ابن ابراهيم بن زامل أبو يعقوب النّهدي، أحد الثقات من عباد الله الصالحين، رحل وحدث عن محمد بن الخضر بن علي الرافعي، ويحيى بن أيوب بن ناوي العلّاف، وأبي زيد يوسف بن يزيد القراطيسي، وأحمد بن حماد بن عيينة، وأبي زرعة، وأبي عبد الرحمن النسائي، وخلق كثير غير هؤلاء. وحدث عنه أبو علي محمد بن هرون بن شعيب، وتمّام بن محمد الرازي، وأبو الحسين بن جميع، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو الحسن الرازي وغيرهم، وقال أبو الحسن الرازي: كان الأذرعيّ من أجلّة أهل دمشق وعبّادها وعلمائها، ومات يوم عيد الأضحى سنة 344 عن نيف وتسعين سنة، ومحمد بن الزّعيزعة الأذرعي وغيرهما، ومحمد ابن عثمان بن خراش أبو بكر الأذرعي. حدث عن محمد بن عقبة العسقلاني، ويعلى بن الوليد الطبراني، وأبي عبيد محمد بن حسان البسري، ومحمد بن عبد الله بن موسى القراطيسي، والعباس بن الوليد بن يوسف بن يونس الجرجاني، ومسلمة بن عبد الحميد.
روى عنه أبو يعقوب الأذرعي، وأبو الخير أحمد ابن محمد بن أبي الخير، وأبو بكر محمد بن ابراهيم بن أسد القنوي، وأبو الحسن عليّ بن جعفر بن محمد الرازي وغيرهم. وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب بن المعمّر بن قعنب بن يزيد بن كثير بن مرة ابن مالك أبو نصر المرّي الإمام الحافظ الشروطي يعرف بابن الأذرعي وبابن الجبّان. روى عن أبي القاسم الحسن بن عليّ البجلي، وأبي عليّ بن أبي الزمام، والمظفر بن حاجب بن أركين، وأبي الحسن الدارقطني وخلق كثير لا يحصون. روى عنه أبو الحسن بن السمسار، وأبو عليّ الأهوازي، وعبد العزيز الكنّاني وجماعة كثيرة، وكان ثقة، وقال عبد العزيز الكناني: مات شيخنا وأستاذنا عبد الوهاب المرّي في شوّال سنة 425، وصنف كتبا كثيرة، وكان يحفظ شيئا من علم الحديث.

إِتِلُ

إِتِلُ:
بكسر أوله وثانيه ولام بوزن إبل: اسم نهر عظيم شبيه بدجلة في بلاد الخزر، ويمرّ ببلاد الروس وبلغار. وقيل: إتل قصبة بلاد الخزر، والنهر مسمّى بها.
قرأت في كتاب أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد ابن حمّاد، رسول المقتدر إل بلاد الصقالبة، وهم أهل بلغار: بلغني أن فيها رجلا عظيم الخلق جدّا، فلما سرت إلى الملك سألته عنه، فقال: نعم قد كان في بلادنا ومات، ولم يكن من أهل البلاد، ولا من الناس أيضا، وكان من خبره أن قوما من التّجّار خرجوا إلى نهر إتل، وهو نهر بيننا وبينه يوم واحد، كانوا يخرجون إليه، وكان هذا النهر قد مدّ وطغى ماؤه، فلم أشعر إلا وقد وافاني جماعة، فقالوا:
أيها الملك قد طفا على الماء رجل، إن كان من أمّة تقرب منا، فلا مقام لنا في هذه الدّيار وليس لنا غير التحويل. فركبت معهم حتى سرت إلى النهر ووقفت عليه، وإذا برجل طوله اثنا عشر ذراعــا بــذراعــي، وإذا رأسه كأكبر ما يكون من القدور، وأنفه أكبر من شبر، وعيناه عظيمتان، وأصابعه كل واحدة شبر، فراعني أمره وداخلني ما داخل القوم من الفزع، فأقبلنا نكلمه وهو لا يتكلّم ولا يزيد على النظر إلينا، فحملته إلى مكاني، وكتبت إلى أهل ويسو، وهم منا على ثلاثة أشهر، أسألهم عنه،
فعرّفوني أن هذا رجل من يأجوج ومأجوج، وهم منا على ثلاثة أشهر، يحول بيننا وبينهم البحر، وانهم قوم كالبهائم الهاملة، عراة حفاة ينكح بعضهم بعضا، يخرج الله تعالى لهم في كل يوم سمكة من البحر، فيجيء الواحد بمدية، فيحتزّ منها بقدر كفايته وكفاية عياله، فإن أخذ فوق ذلك، اشتكى بطنه هو وعياله، وربما مات وماتوا بأسرهم، فإذا أخذوا منها حاجتهم انقلبت وعادت إلى البحر، وهم على ذلك، وبيننا وبينهم البحر، وجبال محيطة، فإذا أراد الله إخراجهم انقطع السمك عنهم، ونضب البحر، وانفتح السّدّ الذي بيننا وبينهم.
ثم قال الملك: وأقام الرجل عندي مدّة، ثم علقت به علّة في نحره، فمات بها، وخرجت فرأيت عظامه، فكانت هائلة جدّا.
قال المؤلّف، رحمه الله تعالى: هذا وأمثاله هو الذي قدّمت البراءة منه، ولم أضمن صحته. وقصة ابن فضلان وإنفاذ المقتدر له إلى بلغار مدوّنة معروفة مشهورة بأيدي الناس، رأيت منها عدّة نسخ، وعلى ذلك فإن نهر إتل لا شك في عظمه وطوله، فإنه يأتي من أقصى الجنوب فيمرّ على البلغار والروس والخزر وينصبّ في بحيرة جرجان، وفيه يسافر التّجار إلى ويسو ويجلبون الوبر الكثير: كالنّقدز والسّمّور والسّنجاب. وقيل: إن مخرجه من أرض خرخيز فيما بين الكيماكية والغزية، وهو الحدّ بينهما، ثم يذهب مغرّبا إلى بلغار، ثم يعود إلى برطاس وبلاد الخزر حتى يصبّ في البحر الخزري. وقيل: إنه ينشعب من نهر إتل نيف وسبعون نهرا ويبقى عمود النهر يجري إلى الخزر حتى يقع في البحر. ويقال:
إن مياهه إذا اجتمعت في موضع واحد في أعلاه إنه يزيد على نهر جيحون، وبلغ من كثرة هذه المياه وغزارتها وحدّة جريها أنها إذا انتهت إلى البحر جرت في البحر داخله مسيرة يومين. وهي تغلب على ماء البحر حتى يجمد في الشّتاء لعذوبته، ويفرق بين لونه ولون ماء البحر.

أَبو قُبَيْسٍ

أَبو قُبَيْسٍ:
بلفظ التصغير كأنه تصغير قبس النار:
وهو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها، وقعيقعان من غربيّها، قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فيه قبّة.
قال أبو المنذر هشام: أبو قبيس، الجبل الذي بمكة، كناه آدم، عليه السلام، بذلك حين اقتبس منه هذه النار التي بأيدي الناس إلى اليوم، من سرختين نزلتا من السّماء على أبي قبيس، فاحتكّتا، فأورتا نارا، فاقتبس منها آدم، فلذلك المرخ إذا حكّ أحدهما بالآخر، خرجت منه النار.
وكان في الجاهلية يسمّى الأمين، لأن الرّكن كان
مستودعا فيه أيّام الطوفان وهو أحد الأخشبين.
قال السّيّد عليّ (بضم العين وفتح اللام) : هما الأخشب الشرقي والأخشب الغربي هو المعروف بجبل الخطّ (بضم الخاء المعجمة) والخطّ من وادي إبراهيم.
وذكر عبد الملك بن هشام أنه سمّي بأبي قبيس بن شامخ، وهو رجل من جرهم، كان قد وشى بين عمرو بن مضاض وبين ابنة عمّه ميّة، فنذرت أن لا تكلّمه، وكان شديد الكلف بها، فحلف لأقتلنّ أبا قبيس، فهرب منه في الجبل المعروف به، وانقطع خبره، فإما مات وإما تردّى منه، فسمّي الجبل أبا قبيس لذلك، في خبر طويل ذكره ابن هشام صاحب السيرة في غير كتاب السيرة.
وقد ضربت العرب المثل بقدم أبي قبيس، فقال عمرو ابن حسّان أحد بني الحارث بن همّام وذكر الملوك الماضية:
ألا يا أمّ قيس لا تلومي، ... وأبقي، إنما ذا الناس هام
أجدّك هل رأيت أبا قبيس، ... أطال حياته النّعم الرّكام
وكسرى، إذ تقسّمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللّحام
تمخّضت المنون له بيوم ... أنى، ولكلّ حاملة تمام
وقال أبو الحسين بن فارس: سئل أبو حنيفة عن رجل ضرب رجلا بحجر فقتله، هل يقاد به؟ فقال: لا، ولو ضربه بأبا قبيس، قال: فزعم ناس أن أبا حنيفة، رضي الله عنه، لحن، قال ابن فارس: وليس هذا بلحن عندنا، لأنّ هذا الاسم تجريه العرب مرّة بالإعراب فيقولون جاءني أبو فلان ومررت بأبي فلان ورأيت أبا فلان، ومرّة يخرجونه مخرج قفا وعصا، ويرونه اسما مقصورا، فيقولون: جاءني أبا فلان، ورأيت أبا فلان، ومررت بأبا فلان. ويقولن،: هذه يدا، ورأيت يدا، ومررت بيدا، على هذا المذهب.
وأنشدني أبي رحمه الله يقول:
يا ربّ سار بات ما توسّدا ... إلّا ذراع العيس، أو كفّ اليدا
قال: وأنشدني علي بن ابراهيم القطّان قال أنشدنا أحمد ابن يحيى ثعلب أنشدنا الزبير بن ابي بكر قال أنشد بعض الأعراب يقول:
ألا بأبا ليلى على النّأري والعدى، ... وما كان منها من نوال، وإن قلا
هذا آخر كلامه. ويمكن أن يقال إن هذه اللغة محمولة على الأصل، لأنّ أبو أصله أبو، كما أن عصا وقفا أصله عصو وقفو، فلما تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها، قلبوها ألفا بعد إسكانها إضعافا لها، وأنشدوا على هذه اللغة:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا، في المجد، غايتاها
وقالت امرأة ولها ولدان:
وقد زعموا أني جزعت عليهما، ... وهل جزع إن قلت وا بأباهما
هما أخوا، في الحرب، من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
فهذا احتجاج لأبي حنيفة، إن كان قصد هذه اللغة الشّاذّة الغريبة المجهولة، والله أعلم.
وأبو قبيس أيضا حصن مقابل شيزر معروف.
أَبُو مُحمَّد:
بلفظ اسم نبيّنا محمد، صلى الله عليه وسلم:
جبل في بحر القلزم يسكنه قوم ممن حرم التوفيق، ليس لهم طعام إلّا حبّ الخروع، وما يصيدونه من السمك، وليس عندهم زرع ولا ضرع.

آسَكُ

آسَكُ:
بفتح السين المهملة وكاف: كلمة فارسية، قال أبو عليّ: ومما ينبغي أن تكون الهمزة في أوله أصلا من الكلم المعربة، قولهم في اسم الموضع الذي قرب أرّجان، آسك، وهو الذي ذكره الشاعر في قوله:
أألفا مسلم فيما زعمتم، ... ويقتلهم بآسك أربعونا؟
فآسك مثل آخر، وآدم في الزّنة، ولو كانت على فاعل، نحو طابق وتابل، لم ينصرف أيضا للعجمة والتعريف، وإنما لم نحمله على فاعل لأنّ ما جاء من نحو هذه الكلم فالهمزة في أوائلها زائدة وهو العامّ، فحملناه على ذلك، وإن كانت الهمزة الأولى أصلا وكانت فاعلا لكان اللفظ كذلك: وهو بلد من نواحي الأهواز، قرب أرّجان، بين أرجان ورامهرمز، بينها وبين أرجان يومان، وبينها وبين الدّورق يومان، وهي بلدة ذات نخيل ومياه، وفيها إيوان عال في صحراء على عين غزيرة وبيئة وبإزاء الإيوان قبّة منيفة ينيف سمكها على مائة ذراع، بناها الملك قباذ والد أنو شروان، وفي ظاهرها عدّة قبور لقوم من المسلمين استشهدوا أيام الفتح، وعلى هذه القبّة آثار الستائر. قال مسعر بن مهلهل: وما رأيت في جميع ما شاهدت من البلدان قبّة أحسن بناء منها ولا أحكم، وكانت بها وقعة للخوارج.
حدّث أهل السير قالوا: كان أبو بلال مرداس بن أديّة، وهو أحد أئمة الخوارج، قد قال لأصحابه:
قد كرهت المقام بين ظهراني أهل البصرة، والاحتمال لجور عبيد الله بن زياد، وعزمت على مفارقة البصرة، والمقام بحيث لا يجري عليّ حكمه من غير أن أشهر سيفا أو أقاتل أحدا، فخرج في أربعين من الخوارج، حتى نزل آسك موضعا بين رامهرمز وأرّجان، فمرّ به مال يحمل إلى ابن زياد من فارس، فغصب حاملية، حتى أخذ منهم بقدر أعطيات جماعته، وأفرج عن الباقي. فقال له أصحابه: علام تفرج لهم عن الباقي؟ فقال: إنهم يصلّون، ومن صلّى إلى القبلة، لا أشاقّه. وبلغ ذلك ابن زياد، فأنفذ إليهم معبد بن أسلم الكلابي، فلما تواقفا للقتال، قال له مرداس: علام تقاتلنا ولم نفسد في الأرض ولا شهرنا سيفا؟ قال: أريد أن أحملكم إلى ابن زياد.
قال: إذا يقتلنا. قال: وإنّ قتلكم واجب. قال:
تشارك في دمائنا؟ قال: هو على الحقّ، وأنتم على الباطل. فحملوا عليه حملة رجل واحد، فانهزم، وكان في ألفي فارس، فما ردّه شيء حتى ورد البصرة، فكان بعد ذلك يقولون له: يا معبد جاءك مرداس خذه.
فشكاهم إلى ابن زياد فنهاهم عنه، فقال عيسى بن فاتك الخطّيّ أحد بني تيم الله بن ثعلبة في كلمة له:
فلمّا أصبحوا صلّوا، وقاموا ... إلى الجرد العتاق مسوّمينا
فلما استجمعوا حملوا عليهم، ... فظلّ ذوو الجعائل يقتلونا
بقيّة يومهم، حتّى أتاهم سواد الليل فيه يراوغونا يقول بصيرهم، لما أتاهم بأنّ القوم ولّوا هاربينا: أألفا مؤمن فيما زعمتم، ويقتلهم بآسك أربعونا؟ كذبتم ليس ذلك كما زعمتم، ولكنّ الخوارج مؤمنونا هم الفئة القليلة، غير شكّ، على الفئة الكثيرة ينصرونا

وش

وش



R. Q. 1 [وَشْوَشَ, inf. n. وَشْوَشَةٌ, He spoke in a low, faint, gentle, or soft, manner, with confusedness; accord. to an explanation, given by Khaleefeh, of the inf. n.; or the word of which he gave that explanation was وَسْوَسَةٌ, with س: (see وَسْوَسَ:) or he spoke confusedly, so as to be hardly intelligible: or he spoke in a low, faint, gentle, or soft, manner: (see وَشْوَشَةٌ below: and see R. Q. 2:) in the present day it signifies he whispered: and وَشْوَشَهُ, he whispered to him.]

A2: وَشْوَشْتُهُ, [or rather, app., وَشْوَشْتُهُ إِيَّاهُ,] I gave or handed, it to him in a small quantity. (K.) R. Q. 2 تَوَشْوَشُوا They were in a state of commotion, and spoke together one to another, or some of them to others, in a low, faint, gentle, or soft, manner. (IDrd, K.) وَشْوَشٌ: see وَشْوَاشٌ.

وَشْوَشَةٌ Speech with confusedness, (S, K,) so as to be hardly intelligible: (TA:) or confused speech: or low, faint, gentle, or soft, speech: or such a word or saying. (TA.) See R. Q. 1.

A2: Lightness, activity, or agility. (K.) وَشْوَشِىٌّ: see وَشْوَاشٌ.

وَشْوَاشٌ Light, active, or agile; (Lth, S, K;) applied to a man; (S;) and to an ostrich; (AA, K;) and so ↓ وَشْوَاشَةٌ applied to a she-camel; (K;) or this last, so applied, signifies quick, and light or active or agile; and so وَشْوَاشٌ applied to a he-camel; and ↓ وَشْوَشٌ applied to a he-camel and to a man. (TA.) You say also, الــذِّرَاعِ ↓ رَجُلٌ وَشْوَشِىُّ, meaning, نشَنَشِييُّهُ, (K,) i. e., A man slender in the [fore] arm, and light, or active, in work. (AO, TA.)

فى

ف

ى

فِى is a particle governing the gen. case [and used in the manners and senses expl in what here follows]. (T, S, M, Mughnee, K.) b2: It relates to a receptacle; (Sb, S, M;) and, when used in a wider sense, to that which has some near resemblance thereto; (Sb, M;) [i. e.,] and also to what is considered as a receptacle: (S:) [in other words,] it denotes inclusion, or inbeing, (Msb, Mughnee, K, TA,) either in relation to place or in relation to time: (Mughnee, K, TA;) properly and tropically. (Msb, Mughnee, TA.) غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِى بِضْعِ سِنِينَ [The Greeks have been overcome in the nearer, or nearest, part of the land, and they, after the overcoming of them, shall overcome in some few years], in the Kur [xxx. 1 — 3], is an ex. of its relation to place and to time. (Mughnee.) And وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيٰوةٌ (tropical:) [And there is, to you, in retaliation, life, or an advantage, (respecting the meaning of which see art. حى,) in the Kur ii. 175,] is an ex. of its being used tropically, (Mughnee.) أَدْخَلْتُ الخَاتَمَ فِى أُصْبَعِى is an ex. of its relation to place, but the proposition is inverted [i. e. the meaning is I inserted my finger into the signet-ring]. (Mughnee.) [Using it properly,] you say, المَآءُ فِى الإِنَآءِ [The water is in the vessel]: (S:) and هُوَ فِى الجِرَابِ [It is in the wallet,] and فِى الكِيسِ [in the purse]: and هُوَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ [He is in the belly of his mother]: and هُوَ فِى الغُلِّ [He is in the shackle for the neck]: (M:) and زَيْدٌ فِى الدَّارِ [Zeyd is in the house], (S, M, * Msb,) or within the house, and in the midst of it, for فِى الدَّارِ, means دَاخِلِهَا, and وَسْطَهَا: (T:) and [using it tropically, you say,] الشَّكُّ فِى الخَبَرِ (assumed tropical:) [Doubt, or uncertainty, is in the information]. (S.) The saying فِيهِ عَيْبٌ [In him is a fault, or blemish], if relating to a real عَيْب, is proper; and if relating to an ideal عَيْب, tropical: the former is such as the amputation of the hand of the thief, and the redundance of a hand; and the latter, such as the runningaway of a slave. (Msb.) [When relating to time, it may in some cases be rendered In, or during; as in the phrase فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ, in the Kur ii. 139, i. e. In, or during, certain numbered days. إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغُلٍ فَاكِهُونَ, in the Kur xxxvi. 55, may be rendered (assumed tropical:) Verily the inmates of Paradise this day shall be in the midst of diverting occupation, cheerful, or happy. The phrase أَمَّا قَوْلُهُ كَذَا فِيهِ مَا فِيهِ, lit. (assumed tropical:) As to his saying thus, in it is what is in it, is used as a polite expression of objection, or contradiction; like فِيهِ تَأَمُّلٌ, q. v. In many instances, فِى may be rendered Of, or concerning, or in respect of; as in قَالَ فِيهِ كَذَا (assumed tropical:) He said of, or concerning, him, or it, thus; for قَالَ فِى ذِكْرِهِ كَذَا (assumed tropical:) He said in mentioning him, or it, thus, or فِى وَصْفِهِ in describing him, or it; or the like hence, for ex., one says كَتَبَ كِتَابًا فِى عِلْمِ اللُّغَةِ (assumed tropical:) He wrote a book of, or concerning the science of lexicology: and hence, in the Kur ii. 133, أَتُّحَاجُّونَنَا فِى اللّٰهِ (assumed tropical:) Do ye argue with us concerning, or in respect of, God?] b3: It also denotes concomitance, (Mughnee, K,) and (K) in this ease (Mughnee) it is syn. with مَعَ. (Msb, Mughnee, K.) Thus in the phrase, قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ [He shall say, Enter ye with peoples]. (Msb, Mughnee, TA,) in the Kur [vii. 36]: (Msb, TA:) or, as some say, the meaning is, فِى جَمَاعَةِ أُمَمٍ [in the company of peoples]. (Mughnee.) Thus. too, in the phrase, in the Kur [xlvi. 15], فِى أَصْحَابِ الجَنَّةِ [With the inmates of Paradise]. (Msb, TA.) [Or in these and similar instances, فِى may be rendered, more agreeably with the primary signification, as meaning Among.] In the K, the meaning as denoting concomitance and that which is identical with مَعَ are made distinct: and it has been said that بِ denotes the continuance of concomitance and مَعَ denotes its commencement; though this is not invariably the case. (MF, TA.) [Hence it is used to denote a combination of two qualities: as in the phrase طُولٌ فِى اسْتِرْخَآءٍ (assumed tropical:) Length together with laxness: (occurring in the K voce طَنَبٌ:) and سَوَادٌ فِى حُمْرَةٍ (assumed tropical:) Blackness blending with redness: and the like. And in like manner it is used to denote the combination of the length and breadth of a thing: as in the phrase طُولُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًــا فِى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ عَرْضًا Its length is twenty cubits with (or as we say by) three cubits in breadth: in which case the number of square cubits is expressed by the phrase عِشْرُونَ فِى ثَلَاثٍ as though meaning Twenty as a multiplicand with three as its multiplier; i. e. twenty multiplied by three: see ضَرَبَ as signifying “ he multiplied. ”]. b4: It also denotes the assigning of a cause. (Msb, Mughnee, K.) Thus in the phrase فِى أَرْبَعِينَ شَاةٌ i. e. On account, or because, of completing [the possession of] forty sheep or goats, [the giving of] a sheep or goat [for the poor-rate] is incumbent [on the possessor: or this may be rendered, in the case of the possession of forty, a sheep or goat is to be given]. (Msb.) And thus in the saying, [in the Kur xii. 32,] فَذٰلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ [And that is he because of whom ye blamed me]. (Mughnee.) Thus also in the saying, in a trad., إِنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ فِى هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا [Verily a woman entered the fire of Hell because of a she-cat which she confined without food]. (Mughnee.) [And thus in the phrase أَسْلَفَ فِى كَذَا He paid in advance, or beforehand, for, or on account of, such a thing.] b5: It also denotes superiority; (Mughnee, K, TA;) i. e. (TA) it is used in the sense of عَلَى. (T, S, M, Msb, TA.) Thus in the saying, in the Kur [xx. 74], وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ [And I will assuredly crucify you upon the trunks of palm-trees]. (T, S, Msb, Mughnee, TA.) And so in the verse of 'Antarah cited voce سَرْحٌ. (T, M, Mughnee, TA.) and Yoo asserts that the Arabs say, نَزَلْتُ فِى أَبِيكَ, meaning عَلَيْهِ [i. e. I alighted, or descended and stopped, &c., at the abode of thy father]. (S.) b6: It is also syn. with بِ, (T, S, M, Mughnee, K,) sometimes. (S.) Thus in the saying of Zeyd-el-Kheyl, وَتَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ فِيهَا فَوَارِسُ بَصِيرُونَ فِى طَعْنِ الأَبَاهِرِ والكُلَى (S, Mughnee, TA,) meaning, بِطَعْنِ الاباهر والكلى [i. e. And horsemen skilful in piercing the aor. as and the kidneys ride in the day of fear therein]. (S, TA.) And thus in a verse cited by Fr, أَرْغَبُ is made trans. by فِى and عَنْ instead of بِ and عَنْ. (T, TA.) [Thus, also, لَيْسَ فِى شَىْءٍ is sometimes used for لَيْسَ بِشَىْءٍ, meaning It is nought; or not of any account or weight; &c.: see more in art. شيأ.] b7: It is also syn. with إِلَى. (Mughnee, K.) Thus in the Kur [xiv. 10], فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاههم [And they put their hands to their mouths]. (Mughnee, TA.) b8: It is also syn. with مِنْ. (M, Mughnee, K, TA.) Thus in the Kur [xxvii. 12], فِى تِسْعِ آيَاتٍ [Of, or among, nine signs]. (M, TA.) And in the saying, خُذْ لِى عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ فِيهَا فَحْلَانِ [Take thou for me ten of the camels; of, or among, them let there be two stallions. (M, TA.) [Thus too in the saying هُوَ فِى أَصْلِ قَوْمِهِ He is of, or among, the purest in race, &c., of his people: and the like thereof.] b9: It also denotes comparison; and this is when it occurs between a preceding [mention of a] thing excelled and a following [mention of a] thing excelling: as in the saying, [in the Kur ix. 38,] فَمَا مَتَاعُ الْحَيٰوةِ الدُّنْيَا فِى الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [But the enjoyment of the present life, in comparison with that which is to come, is no other than little]. (Mughnee, K.) b10: It is also used for compensation; and this is when it is redundant as a compensation for another [فِى] which is suppressed: as in the saying, ضَرَبْتُ فِيمَنْ رَغِبْتَ for ضَرَبْتُ مَنْ رَغِبْتَ فِيهِ [I beat, or struck, him whom thou desiredst]: (Mughnee, K:) but this is allowed by Ibn-Málik alone. (Mughnee.) b11: And it is used for corroboration: (Mughnee, K:) this is when it is redundant without its being for compensation: and this El-Fárisee allows in a case of necessity in verse; citing as an ex., أَنَا أَبُوا سَعْدٍ إِذَا اللَّيْلُ دَجَا تَخَالُ فِى سَوَادِهِ يَرَنْدَجَا [I am Aboo-Saad; when the night becomes dark, thou imagining its blackness to be black leather]. (Mughnee.) And it is thus used in the saying, in the Kur [xi. 43], وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا [for ارْكَبُوهَا, i. e. And he said, Embark ye therein, the like of which occurs also in xviii. 70 and xxix. 65], (Mughnee, K,) accord. to some. (Mughnee.) A2: فِى as a prefixed noun in the gen. case, syn. with فَم, and فِىَّ as syn. with فَمِى, see voce فُوهٌ, in art. فوه.

فَىَّ is a word expressive of wonder: they say, يَا فَىَّ مَا لِى أَفْعَلُ كَذَا [O my wonder! What has happened to me that I do thus?]: or it is expressive of regret on account of a thing that is passing away [so that this exclamation may be rendered Oh! What has happened to me &c.]: Ks says that it is not to be written withء [though it is so written in several of the lexicons in art. فيأ, i. e. فَىْءَ]; and that it means يَا عَجَبِى [as first expl. above]: and in like manner one says, يَا فَىَّ مَا أَصْحَابُكَ [O my wonder! What are thy companions? i. e. what manner of men are thy companions? ما here denoting interrogation respecting qualities, or attributes; as in the Kur xxvi. 22]: and he says that ما in this case occupies the place of a noun in the nom. case. (M, TA.) Ks is also related to have said that some of the Arabs express wonder by فَىَّ and هَىَّ and شَىْءَ; and some add مَا, saying يَا فَيَّمَا and يَا هَيَّمَا and يَا شَيْئَمَا, meaning How good, or beautiful, is this! the K is faulty here; mentioning only يَا فَيَّمَا, and explaining it as denoting wonder. (TA.) تَفِيَّةٌ: see تَفِيْئَةٌ, in art. فيأ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.