Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: دعوى

دَلّس

دَلّس: (بالتشديد): زيف، غش المعدن بخليط رديء (فوك، الكالا).
وزيت مُدَلّس: زيت مغشوش (الكالا).
مُدَلّس: كذّاب (المعجم اللاتيني العربي).
وفي معجم المنصوري مادة بلسان: ولما كان خشب البشام يشبه البلسان شيهاً شديداً (كثير ما يجلب من حطب البلسان تدليساً وتمويهاً).
وفي (ابن البيطار 1: 502): ولما كان الأطباء المحدثون قد أخطئوا ففي كلامهم عن هذا النبات خطأ كبير وجد المدليسون السبيل إلى تدليسه بغير ما نوع من الكلوخ ومن الينبوع وغير ذلك.
ويقول ابن ليون (ص45 و): الملّسون يجعلون لربع من الحنا نصف ربع من زريعة الكتان.
ودلّس: زيف النقود (تاريخ البربر، 1: 434).
دلّس على الخطوط: زور الخط، قلد الكتابة (ابن بطوطة 3: 175).
دلّس في المال: اختلس المال. ففي كتاب محمد بن الحارث (ص 302): وتنسب إليه تدليس في الديوان (السجل) في مال مستودع. وفيه (ص305): لو دلّست في هذا المال كما أبقيت ذكره في الديوان.
ودلّس: خان، ففي كتاب صاحب الصلاة (ص10): ووصله الخبر يغدر الفسقة أصحاب ابن همشك مدينة قرمونة بتدليس الشقي عبد الله بن شراحيل فيها.
دلّس على فلان: عشه ومكر به (عباد1: 57، معجم مسلم، ألف ليلة 3: 416).
ودلّس: تنكر، استخفى، تظاهر بغير ما هو عليه (بوشر).
ودلّس: سقف بالقش ونحوه (شيرب ديال ص72).
دالس: دلّس، تنكر، استخفى، تظاهر بغير ما هو عليه (بوشر).
تدلّس. تدلس على فلان: غشه ومكر به وخدعه (محيط المحيط) مادة تبطن.
دَلّس: التمليق والطلي والتمليس كالتدليص (محيط المحيط).
دَلَس: خداع، غشّى (فوك، الكالا).
دُلْسة: خديعة، وتجمع على دُلس (فوك).
التدليس، عند السبعية: هو دعوى موافقة أكابر الدين والدنيا (محيط المحيط). مُدَلّس: قطعة معدنية (تستعمل نقداً انتمائياً) (الكالا) ومعناها الأصلي قطعة نقود مزيفة (انظره في دلّس) وقد ترجم الكالا أيضاً نفس الكلمة بما معناه: دينار من نحاس.
مُدَلّس: مزيف نقود (انظره في دَلَّس).

مسخر

مسخر


مَسْخَرَ
a. [ coll. ] ['Ala], Ridiculed, mocked.
تَمَسْخَرَa. Was mocked.

مَسْخَرَة
a. [ coll. ], Laughing-stock, butt.
b. Mask; masquerade.
مسخر: سخر: سخر من، هزئ ب، استهزأ، مزح، داعب، أضحك، جعله هزأة أو سخرة (الكلمة مصوغة من مسخرة وجذرها سخر (معجم الأسبانية 306: 7).
تسخر: تقتنع بقناع (م. الأسبانية).
تمسخر: لعبة القناع، تقنع (تنكر بواسطة الأقنعة) (معجم الأسبانية 307).
متمسخر: مقنع بقناع (معجم الأسبانية 307).
مسخر
مسخَرَ يمسخِر، مَسْخَرةً، فهو مُمسخِر، والمفعول مُمسخَر
• مسخَره بين القوم: هزَأ به. 

تمسخَرَ يتمسخَر، تَمَسْخُرًا، فهو مُتمسخِر
• تمسخر بين القوم: مُطاوع مسخَرَ: فعل ما يثير سخريّةَ الآخرين. 

مَسْخَرة [مفرد]: ج مَسْخَرات ومَساخِرُ:
1 - ما يجلب السُّخريةَ "تُرتكَب كثير من المساخِر باسم الحرِّيَّة الشخصيّة- هذه الــدَّعوى ليست إلاّ مَسْخَرة".
2 - شيء كالتمثيليّات الخفيفة الهزليّة تُقام في بعض الأعياد للهو والعبث. 

ترافَعَ المحامي

ترافَعَ المحامي
الجذر: ر ف ع

مثال: تَرَافَع المحامي أمام القاضي
الرأي: ضعيفة عند بعضهم
السبب: لمخالفتها قواعد الصرف.
المعنى: تحدث أمامه بقصته

الصواب والرتبة: -ترافع المحامي أمام القاضي [فصيحة]
التعليق: يستند الرافضون إلى أن الأفعال التي على وزن «تفاعل» تقتضي المشاركة من طرفين فأكثر، ولكن هذه الــدعوى غير صحيحة، ففي اللغة: تجانب الشيء بمعنى تجنبه، وتخالج في صدره شيء، وتساند إلى الشيء: استند، وتجاسر على الإقدام، وتصاغرت إليه نفسه، وتداركه الله برحمته، وتفاقم الأمر: عظُم.

دَعْوَانا

دَعْوَانا
الجذر: د ع

مثال: اسْتَجَابَ الله لصلاتنا ودَعْوانا
الرأي: مرفوضة
السبب: لاستخدام «دَعْوَى» بمعنى دعاء.
المعنى: اسم لما تدعو به وتردّده

الصواب والرتبة: -استجاب الله لصلاتنا ودعائنا [فصيحة]-استجاب الله لصلاتنا ودَعْوانا [فصيحة]
التعليق: ورد في المعاجم القديمة مجيء «دَعْوى» بمعنى «دُعَاء» وشاهدها قوله عز وجل: {وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس/10، وفي اللسان: الــدعوى تصلح أن تكون في معنى الدعاء.

دَوَّارُ

دَوَّارُ:
بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وآخره راء:
سجن باليمامة، قال أبو أحمد العسكري: قال جحدر
وكان إبراهيم بن عربي قد حبسه بدوار:
إني دعوتك يا إله محمد ... دعوى، فأولها لي استغفار
لتجيرني من شرّ ما أنا خائف، ... ربّ البريّة! ليس مثلك جار
تقضي ولا يقضى عليك، وإنما، ... ربي، بعلمك تنزل الأقدار
كانت منازلنا التي كنا بها ... شتى، وألّف بيننا دوّار
سجن يلاقي أهله من خوفه ... أزلا، ويمنع منهم الزوار
يغشون مقطرة كأنّ عمودها ... عنق يعرّق لحمها الجزّار
وقال جحدر أيضا:
يا ربّ دوّار أنقذ أهله عجلا، ... وانقض مرائره من بعد إبرام
ربّ ارمه بخراب، وارم بانيه ... بصولة من أبي شبلين ضرغام
وقال عطارد اللصّ:
ليست كليلة دوّار يؤرّقني ... فيها تأوّه عان من بني السيّد
ونحن من عصبة عضّ الحديد بهم، ... من مشتك كبله فيهم ومصفود
كأنما أهل حجر ينظرون متى ... يرونني جارحا طيرا أباديد

رَحَبة

رَحَبة
الجذر: ر ح ب

مثال: تتوسَّط بيوتنا رَحَبَة فسيحة
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد بهذا الضبط في المعاجم القديمة.
المعنى: ساحة تتوسطها

الصواب والرتبة: -تَتَوَسَّط بيوتنا رَحْبَة فسيحة [فصيحة]-تَتَوَسَّط بيوتنا رَحَبَة فسيحة [فصيحة]
التعليق: ليس هناك من مبرر لرفض كلمة رَحَبة- بفتح الحاء- بــدعوى أن ضبطها في اللغة هو رَحْبة بالسكون. قال في القاموس: ورَحَبة المكان، وتسكّن: ساحته ومتسعه. فلم نكن في حاجة إلى تسويغ مجمع اللغة المصري استخدامها.

الْجَواب

(الْجَواب) من الرِّجَال من عَادَته جوب الْبِلَاد
(الْجَواب) مَا يكون ردا على سُؤال أَو دُعَاء أَو دَعْوَى أَو رِسَالَة أَو اعْتِرَاض وَنَحْو ذَلِك والرسالة (ج) أجوبة وَصَوت جوب الطير وَفِي حَدِيث بِنَاء الْكَعْبَة (فسمعنا جَوَابا من السَّمَاء فَإِذا بطائر أعظم من النسْر) و (فِي الموسيقى) النغمة الثَّامِنَة فِي الدِّيوَان الْكَامِل من السّلم الموسيقي

الشَّطح عند الصوفية

الشَّطح عند الصوفية: عبارة عن كلمة عليها رعونةٌ ودعوى وهي نادرةٌ أن توجد من المحققين قاله السيد ومنه شطحيات الصوفية، وفي المنتخب: "شطح باصطلاح صوفية جيزها مخالف شرع كَفتن".

الداعية

(الداعية) الَّذِي يَدْعُو إِلَى دين أَو فكرة (الْهَاء للْمُبَالَغَة) وَالَّتِي تَدْعُو إِلَى نَفسهَا وَقد عرفت بِالْفَسَادِ وَالسَّبَب يُقَال هُوَ دَاعِيَة إِلَى كَذَا وداعية اللَّبن داعيه (ج) دواع وَيُقَال أَصَابَته دواعي الدَّهْر صروفه وَهُوَ سليم دواعي الصَّدْر همومه والدعوة يُقَال دَعَاهُ بداعية الْإِسْلَام وَالــدَّعْوَى

الدّفع

(الدّفع) (فِي المرافعات التجارية والمدنية) أَن يَدعِي الْمُدعى عَلَيْهِ أمرا يُرِيد بِهِ دَرْء الحكم عَلَيْهِ فِي الــدَّعْوَى (ج) دفوع (مج)

الصليبيون

(الصليبيون) جيوش من نَصَارَى أوربة غزت الشرق الإسلامي مرَارًا فِي أثْنَاء الْقُرُون الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر بِــدَعْوَى تَخْلِيص بَيت الْمُقَدّس وَمَا حوله

العريضة

(العريضة) الصَّحِيفَة تعرض بهَا حَاجَة من الْحَاجَات وعريضة الــدَّعْوَى صحيفَة يكْتب الْمُدَّعِي فِيهَا ظلامته إِلَى القَاضِي (محدثة) (ج) عرائض

اتَّصل

(اتَّصل) فلَان دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ أَن يَقُول يَا لفُلَان وَإِلَى بني فلَان انْتَمَى وانتسب وَالشَّيْء بالشَّيْء مُطَاوع وَصله بِهِ

التنكير والتعريف

التنكير والتعريف
وقفت طويلا عند الاسم النكرة، أتبين ما قد يدل عليه التنكير من معنى، ودرست ما ذكر العلماء من معان، قالوا إن هذا التنكير يفيدها، وبدا لى من هذا التأمل الطويل أن النكرة يراد بها، واحد من أفراد الجنس، ويؤتى بها، عند ما لا يراد تعيين هذا الفرد، كقوله سبحانه: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (القصص 20). فليس المراد هنا تعيين الرجل، ولكن يراد هنا أن يصل إلى موسى نبأ الائتمار عليه بالقتل.
والنكرة بعدئذ تفيد معناها مطلقا من كل قيد، أما ما يذكره علماء البلاغة من معان استفيدت من النكرة، فإنها لم تفدها بطبيعتها، وإنما استفادتها من المقام الذى وردت فيه، فكأنما المقام هو الذى يصف النكرة، ويحدد معناها، فكلمة حياة مثلا تدل على معناها المجرد، والمقام يهبها معنى التحقير حينا، والتعظيم حينا آخر، والنوعية من موضع ثالث، ولنقف قليلا عند بعض الآيات التى ورد فيها الاسم نكرة، نتبين مدى الجمال في وروده.
قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ (البقرة 96). أولا ترى أن المراد هنا بيان حرص هؤلاء الناس على مطلق حياة، وأنها غالية عندهم كل الغلو، لا يعنيهم أن تكون تلك الحياة رفيعة أو وضيعة، ولهذا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، ومن هنا جاء التنديد بهم، لأن الإنسان المثالى، لا يريد الحياة، إلا إذا كانت رفيعة صالحة.
وقال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 179). وهنا تجد المراد كذلك مطلق حياة يستفيدها المجتمع من حكم القصاص، هى تلك التى يظفر بها من يرتدع عن القتل، ولا يقدم عليه خوفا، أن تناله يد القانون فيقتل، فهذا الحكم العادل، استزاد به المجتمع حياة بعض الأفراد الذين كانوا عرضة للقتل قصاصا.
وقال تعالى: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (آل عمران 183، 184). فالرسل منكرة لا تدل على أكثر من معنى المرسلين والكثرة إنما استفيدت من هذه الصيغة من جموع التكثير، الدالة على هذه الكثرة، أما التعظيم فلا يستفاد من التنكير، وإنما يستفاد من وصف هؤلاء الرسل، بأنهم جاءوا بالبينات، فالمقام هو الذى عظم هؤلاء الرسل، وقد تأتى الكلمة نفسها في مقام آخر، ويكون ما يحيط بها دالا على حقارتها وضعتها، مما يدل على أن التنكير في ذاته لا يؤذن بتعظيم ولا تحقير.
وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (البقرة 279). فكلمة حرب منكرة، لا تدل على أكثر من حقيقتها، وإذا كان ثمة تعظيم لهذه الحرب فمنشؤه وصفها بأنها من الله ورسوله، وإن حربا يثيرها الله، جديرة أن تبعث في النفس أشد ألوان الفزع والرعب.
وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 72). فلا تحمل كلمة رضوان في الآية معنى أكثر من العطف، أما أن يدل التنكير هنا على التقليل لا تفيده النكرة وحدها، وإن كان معنى الآية يحتمل، أن قليل رضوان الله أكبر من الجنات والمساكن الطيبة، لأن النكرة تطلق على القليل والكثير فما يطلق عليه رضوان قل أو كثر، أكبر مما أثيبوا به.
ودل المقام على تعظيم الاسم المنكر، فى قوله تعالى: وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (الأعراف 113). ذلك أنهم يطلبون مكافأة على عمل ضخم يقومون به، هو إبطال دعوة موسى، والإبقاء على دين فرعون، أو لا يكون ثواب ذلك عظيما يناسبه.
كما دل المقام على تعظيم الذكر، فى كل آية وردت فيها تلك الكلمة منكرة، كقوله تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا (الأعراف 63).
وقوله تعالى: وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (يوسف 104). فوصفه حينا بأنه من الله، وحينا بأنه ذكر للعالمين، وحينا بأنه مبارك، يؤذن بعظمة هذا الذكر وجلال قدره.
كما دل المقام على التقليل في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (الجاثية 32). ألا ترى أن جحدهم للساعة، لا يؤذن إلا بظن ضئيل في وجودها يتردد في رءوسهم. وقد تكون الكلمة النكرة موحية بمعنى حقير إلى النفس، كما في قوله تعالى: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (الكهف 37). وقوله سبحانه: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (عبس 17 - 19).
ولأن النكرة لا تدل على شىء معين، كان استخدامها في بعض المقام مثيرا للشوق والرغبة في المعرفة، كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الصف 10). ولأنها تدل على القليل والكثير كانت بعد النفى لقصد العموم وعلى ذلك قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ (البقرة 2).
وتحدث العلماء عن تنكير السلام الصادر من الله في قوله سبحانه: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (يس 58). وقوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (الصافات 79). وقوله:
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (الصافات 130). وقوله: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم 15). وقوله: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ (هود 48). والذى أحسه فى هذا التعبير أن المقام هنا يدل على تعظيم هذا السلام الصادر منه سبحانه، والمقام ينبئ بهذا التعظيم ويشير إليه.
وتستخدم ألوان المعارف في القرآن الكريم في مواضعها الدقيقة الجديرة بها:
فيستخدم الضمير الذى يجمع بين الاختصار الشديد، والارتباط المتين، بين جمل الآية بعضها وبعض، ومن روائع استخدام ضمير المخاطب، أن يأتى به مخاطبا كل من يستطاع الخطاب معه، عند ما يكون الأمر من الوضوح بمكان، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (السجدة 12).
وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (سبأ 51). فكأن سوء حالهم من الوضوح لدرجة ظهوره لكل أحد.
وعادة القرآن في ضمائر الغيبة أنها تتفق إذا كان مرجعها واحدا، حتى لا يتشتت الذهن ولا يغمض المعنى، ولذا كانت الضمائر كلها تعود إلى موسى، فى قوله سبحانه: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (طه 38، 39). وما بعدها. وليس من قوة النظم في شىء أن يعود بعض هذه الضمائر على موسى وبعضها الآخر على التابوت. كما تعود الضمائر كلها إلى الله في قوله تعالى:
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفتح 9).
فإن اتحد الضميران، وكانا يعودان إلى مختلفين، كان المقام يحددهما تحديدا واضحا؛ ومن ذلك قوله سبحانه: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (الكهف 22). فضمير فيهم يرجع إلى أهل الكهف، وضمير منهم يرجع إلى ما رجع إليه ضمير سيقولون. ولكن الكثير في الاستعمال القرآنى أن يخالف بين الضمائر إذا تعدد مرجعها لسهولة التمييز كما في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (التوبة 36).
فضمير منها وهو لاثنى عشر شهرا، أتى به مفردا، وضمير منهن وهو للأربعة، أتى به جمعا، وكلا الأمرين جائز في كليهما، ولكن سنة القرآن إذا أعاد الضمير على جمع ما لا يعقل، أعاده مفردا إذا كان لأكثر من عشرة، وجمعا إذا كان لأقل منها .
وإذا كان مرجع الضمير مفرد اللفظ جمع المعنى، راعى الأسلوب القرآنى اللفظ أولا، والمعنى ثانيا عند تعدد الضمير، وذلك أجمل في السياق من العكس، وتأمل ذلك في قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (البقرة 8). وقوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (الأنعام 25)، فإن هذا الأسلوب حديثا عن كل فرد من أفراد هذا المجموع أولا، ثم حديثا عنه في جماعة ثانيا.
وقد لا تجد في الآية مرجعا للضمير، ولكنك تحس بوضوح معناه أيما وضوح، لدلالة المقام على هذا المرجع، ومن ذلك قوله سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (الرحمن 26)، فالضمير في عليها يعود إلى الأرض، من غير أن يجرى لها ذكر، ولكنك لا تجد حرجا ولا مشقة في إدراك معناه.
وقد يضع القرآن الاسم الظاهر موضع الضمير، لأمور تلمسها في كل مكان حدث فيه هذا الوضع، وتأمل قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت 19، 20). فوضع الله مكان ضميره لأن هذا الاسم يوحى بالجلال، المؤذن بيسر بدء الخلق عليه، وقدرته على إنشاء النشأة الآخرة.
وقوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها
(التوبة 25، 26). ففي إظهار المؤمنين بدل أن يقول ثمّ أنزل الله سكينته عليكم، إظهار لمن ثبت منهم في مظهر من يستحق اسم المؤمن الحقيقى.
وقوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (سبأ 43). فأظهر الذين كفروا بدل الإتيان بضمير يعود عليهم، لما في ذلك من إبرازهم متعنتين جاحدين، لا يرعون ما يجب أن يكون للحق، من حسن القبول والرضا به، والاطمئنان إليه، وفي ذلك تشنيع عليهم، وتصوير لمدى ضلالهم ومكابرتهم، وعلى هذا المنهج جاء قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (ص 1 - 4). وهو بذلك يشير إلى أن هذا القول لا يكون إلا من كافر يخفى الحق ولا يقربه.
ومما استخدمه القرآن ضمير الشأن أو القصة، وهو ضمير لا مرجع له، تسمعه النفس فتتهيأ لسماع ما يأتى بعده، لأن الأسلوب العربى لا يأتى بهذا الضمير إلا في المواطن التى يكون فيها أمر مهم، تراد العناية به، فيكون هذا الضمير أداة للتنبيه، يدفع المرء إلى الإصغاء، فإذا وردت الجملة بعده استقرت في النفس واطمأن إليها الفؤاد.
واستمع إلى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). أو لا ترى الشوق يحفز السامع عند ما يصغى إلى هذا الضمير- إلى أن يدرك ما يراد به، فإذا وردت الجملة ثبتت في النفس، وقرت في القلب.
وقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46).
تجد للضمير هنا من الإثارة وتثبيت المعنى، ما يبين عن فضل هذا الضمير، وما يمنحه الأسلوب من قوة وحسن بيان.
ويستخدم القرآن العلم ولم يستخدم الكنية إلا في قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (المسد 1)، وفي اختيار هذه الكنية من الذم، ما ليس في الاسم، وهذا هو السر في اختيارها، وقل استخدامه كذلك للقب، ومنه استخدام إسرائيل، لقب يعقوب، ومعناه عبد الله، وقيل صفوة الله، ولم تخاطب اليهود في القرآن إلا ب «يا بنى إسرائيل» . ومنه المسيح، لقب لعيسى، قيل معناه الصديق، وقيل الذى لا يمسح ذا عاهة إلا برئ .
ويأتى اسم الإشارة للقرب في القرآن، مؤذنا بقربه، قربا لا يحول دون الانتفاع به، ومن هنا أوثر هذا النوع من أسماء الإشارة، فى قوله سبحانه: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (الإسراء 9)، أو لا ترى أن المقام هنا مقام حديث عن هاد، يقود إلى أقوم الطرق، ولأن يكون هذا الهادى قريبا أنجح لرسالته، وأقطع لعذر من ينصرف عن الاسترشاد بهديه، بينما استخدم اسم الإشارة للبعيد، مشيرا إلى القرآن نفسه عند ما تحدث عن بعده عن الريب، فكان الحديث عنه باسم الإشارة البعيد، أنسب في الدلالة على ذلك. ويستخدم اسم الإشارة للقريب تنبيها على ضعة المشار إليه، كما في قوله تعالى: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (الأنبياء 36)، وقوله سبحانه: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (الفرقان 41)، وكأن في اسم الإشارة للقريب، ما يشير إلى أن هذا الشخص القريب منا، والذى نعلم من أموره ما نعلم، لا تقبل منه دعوى الرسالة، ولا يليق به أن يذكر آلهتنا بسوء.
ويستخدم اسم الإشارة للبعيد أحيانا ليدل على ارتفاع مكانته، وبعده عن أن يكون موضع الأمل والرجاء، كما في قوله سبحانه، على لسان امرأة العزيز: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (يوسف 32)، أو ليدل على ما يجب أن يكون عليه من بعد في المكان والمنزلة، ولعل من ذلك قوله تعالى: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران 175).
وفي اسم الإشارة لون من الإيجاز والتنبيه معا، عند ما يشير إلى موصوف بصفات عدة، فينبنى الحكم على هذه الصفات، كما في قوله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال 2 - 4).
ويأتى القرآن بالاسم الموصول، عند ما تكون صلته هى التى عليها مدار الحكم، كما في قوله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا
(النساء 122). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (آل عمران 91).
والمجيء باسم الموصول، فضلا عما ذكرناه، يثير في النفس الشوق إلى معرفة الخبر، وقد تكون الصلة نفسها ممهدة لهذا الخبر ودالة عليه، واقرأ قوله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التوبة 20 - 22). أو لا ترى في الصلة ما يوحى إليك بأنه قد أعد لهم خير عظيم، يناسب إيمانهم وهجرتهم، وجهادهم بأموالهم وأنفسهم.
ومن خصائص اسم الموصول استطاعته أن يخفى تحته اسم المذنب، وفي ذلك من الرجاء في هدايته، ما ليس في إفشاء اسمه وفضيحته، وتأمل قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (الحج 8)، وقوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ (العنكبوت 10)، وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (لقمان 6).
ففي هذا وغيره ذم لمن يتصف بذلك، ودعوة له في صمت إلى الإقلاع والكف، ومن ذلك قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (البقرة 204). وجاء قوله تعالى بعده: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (البقرة 207). ليكون في مقابلته، حتى تكون الموازنة قوية جلية، تدفع إلى العمل الصالح ابتغاء مرضاة الله.
وقد يعدل القرآن عن العلم إلى الاسم الموصول، إذا كان فيه زيادة تقرير لأمر يريده القرآن، كما في قوله تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ (يوسف 23).
ألا ترى في ذكر اسم الموصول زيادة تقرير لعفته، فهو في بيتها، ووسائل إغرائه موفورة عندها، وهو تحت سلطانها، ولن تفهم هذه المعانى إذا جاء باسمها.
ويستخدم اسم الموصول كذلك، لإظهار أن الأمر لا يستطاع تحديده بوصف، مهما بولغ فيه، تلمس ذلك في قوله تعالى: قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (الشعراء 18، 19). وقوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (طه 78). وفي ذلك ترك للخيال يسبح ليكمل الصورة ويرسمها.
ويستخدم القرآن التعريف بأل، فتكون للعهد حينا، وللجنس حينا آخر، ومن أجمل مواقعها فيه أن تستخدم لاستغراق خصائص الجنس، كما في قوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2). فكأنه قال ذلك هو الكتاب المستكمل لخصائص جنسه، فهو الكتاب الكامل.
وتأتى الإضافة في القرآن أحيانا لتعظيم المضاف كقوله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (النمل 88). أو تحقيره كما في قوله سبحانه:
أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (المجادلة 19).
وقد يعدل عن الإضافة، حيث يبدو في ظاهر الأمر أن المقام لها، كما في قوله سبحانه على لسان إبراهيم لأبيه: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (مريم 45). فالعدول عن إضافة العذاب إلى الرحمن لعدم التجانس بينهما، فالمناسب للعذاب أن يضاف إلى الجبار، أو المنتقم مثلا، لا إلى مصدر النعم، أما السر في وصف العذاب بأنه من الرحمن، فالإشارة إلى أن العذاب إنما كان، لأنه كفر بمن كان مصدرا للنعمة، ولم يقم بواجب شكره. 

مصر فى القرآن

مصر فى القرآن
أشار القرآن إلى مصر مرات عدّة، ففيها جرى معظم حوادث قصة يوسف، وإلى فرعونها أرسل موسى، وقد كررت قصته كثيرا، ولم يؤرخ القرآن لمصر، ولكنه أشار إلى النواحى التى ترتبط بهدفه من الهداية والإرشاد. وقد أثبت القرآن ما كان لمصر من عظمة ومجد وغنى، فقد قال على لسان موسى: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (يونس 88).
كما أشار إلى عظمة ما كان لها من ملك ضخم فوق سطح الأرض، ترمقه الأمم بعين الإكبار والإجلال، حين قال على لسان هذا المصرى الذى آمن بموسى: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ
(غافر 29).
أما فرعون فإنه معتز بملك مصر، وبأنهارها التى تجرى تحت قصوره، وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (الزخرف 51)، وإذا كانت مصر بهذه العظمة والجلال فلا جرم كان فرعون يشعر في نفسه بعلو لا يسامى، وجلال لا يقارب، ولذا أكثر القرآن من وصفه بالعلو في الأرض، وانتهى الأمر بالفراعنة في مصر إلى أن ادعوا الألوهية، ولهذا قال فرعون عند ما دعاه موسى إلى عبادة الله: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (الشعراء 29). وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (القصص 38). وبهذا بلغ فرعون مدى الطغيان الذى لا طغيان بعده، ولما أرسل إليه موسى وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (القصص 39).
وأثبت القرآن على فرعون وملئه أنهم قوم عالون فاسقون ظالمون، ولعل سبب وصفهم بذلك أنهم لم يؤمنوا بالله، ولم يتركوا اتخاذ فرعون إلها، فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (هود 97). ورفض فرعون وملؤه اتباع موسى لأمور:
أولها: أن موسى وهارون بشران، لا يمتازان عنهم بشيء ما، فضلا عن أقومهما يعبدون فرعون، ويتخذونه إلها، فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (المؤمنون 47). بل رأى فرعون أنه خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (الزخرف 52).
فقد كان بلسان موسى عقدة تحول بينه وبين الإفصاح في يسر، ورأى فرعون أنه مما كان يعزز دعوى موسى في الرسالة أن لو كان ملكا متوجا، أو عزّز بملائكة تؤيده، فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (الزخرف 53).
ثانيها: أنهم رأوا في اتباع موسى وهارون نزولا من مكانة الرئاسة التى كانوا يستمتعون فيها بحقوق ومزايا سوف يفقدونها إذا اتبعوهم، إذ يصبحون من السوقة والأتباع، قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (يونس 78).
ثالثها: أنهم رأوا صلة وثقى بين الأرض التى نبتوا فيها وترعرعوا عليها، وبين التقاليد والعقائد التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ورأوا في الخروج على تلك التقاليد والعقائد اغترابا عن وطن توارثوه، ووجدوا أنهم إذا آمنوا بموسى فكأنهم أخرجوا من أوطانهم، وقد كرّر القرآن فكرتهم هذه في مواضع عدّة منه، فقال على لسان فرعون يخاطب موسى: قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (طه 57).
وقال على لسانه، يخاطب الملأ حوله يريد أن يثيرهم ضد موسى: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (الشعراء 34، 35).
وأصر المصريون تعنتا على ألا يؤمنوا بموسى وإلهه، برغم ما نزل بمصر من محن أنذرهم بها موسى، وكانوا يتطيرون به وبقومه، ويحدثنا القرآن عما نزل بمصر يومئذ من البلاء في قوله: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (الأعراف 130 - 135).
والظاهر أن موسى لم يدع الشعب المصرى إلى اتباعه، ولكنه مضى رأسا إلى فرعون يدعوه إلى دينه، مؤملا بعد هدايته أن يقتدى به قومه فيؤمنوا، ولم يوجه موسى دعوته إلى غير فرعون، وإن كان السحرة قد آمنوا به بعد أن اعتقدوا أن قوة خارقة هى التى أمدّته.

القصة في القرآن

القصة في القرآن
من الفنون الأدبية الرفيعة التى وردت في القرآن القصة، جاءت فيه لتساهم فيما يرمى إليه القرآن بعامة من الوعظ والنصح والإرشاد، وليكون فيها معين لا ينضب من الأسى للرسول الكريم، فيصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، وقد أوضح القرآن هذين الهدفين من إيراد القصة فيه حين قال: ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف 176). لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ (يوسف 111). وقال: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ (هود 120). وعلى ضوء هذين الهدفين نزن ما ورد في القرآن من القصص فليس هو بكتاب أنشئ للقصة قصدا، ولكنه ينظر إلى القصة من هذه الزاوية التى تحقق أهدافه العامة، فلا يصح حينئذ أن يؤخذ عليه أنه لا يتناول القصة من جميع أطرافها، ولا أنه لا يتسلسل في إيراد حوادثها مرتبة منظمة، وأنه يصعب فهم القصة من القرآن، على من لم يطلع عليها في مصدر آخر، ذلك أن القرآن يأخذ من القصة ما يحقق أهدافه من التهذيب والوعظ، فحينا يقص القصة كلها، محبوكة الأطراف، موصولة الأجزاء، مرتبطا بعضها ببعض، فى تسلسل واتساق يسلمك السابق منها إلى لاحقه، حتى تصل إلى خاتمتها، وندر ذلك في القرآن، كما نراه فى سورة يوسف، وفي معظم الأحيان يأخذ من القصة بعضها، لأن في هذا البعض ما يحقق الهدف، وقد يلمح القرآن ويشير إلى القصة تلميحا يستغنى به عن الإطالة، اعتمادا على أن القصة معروفة
مشهورة. أرأيت الخطيب حين يستشهد بقصة من القصص، أتراه يعمد إلى القصة كلها فيسردها؟ أم إنه يعمد أحيانا إلى جزء من القصة يورده في خطبته، وأحيانا يكتفى بالإيماء إلى القصة والإشارة إليها، من غير أن يكون في مثل هذا العرض نقص في الخطبة، أو اعتراض على الخطيب. وقد يتكرر جزء القصة في القرآن إذا استدعى المقام تكرير هذا الجزء.
ولنأخذ قصة إبراهيم نتبين النهج القرآنى في عرضها، والسر في اتباع هذا النهج.
وقد تحدث القرآن كثيرا عن إبراهيم، فعند ما عرض له أول مرة في سورة البقرة كان في معرض الرد على اليهود والنصارى، وهنا ذكر من قصة إبراهيم ما يؤيد دعوة محمد، وبيان أن محمدا قد تبع ملة إبراهيم، وأن إبراهيم وصى بنيه من بعده وصايا هى تلك التى جاء محمد بإذاعتها، وهاك بعض ما جاء في هذا المقام تتبين به شدة المناسبة للموضع الذى جاء فيه، قال سبحانه: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (البقرة 120). وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة 124). وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة 127 - 131). وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 135، 136).
وعرض القرآن مرة ثانية لإبراهيم في سورة البقرة، وهو في معرض الحديث عن انفراد الله بالألوهية، وأنه لا شريك له في السموات ولا في الأرض، فعرض من قصته في هذا المقام ما يناسبه إذ عرض هذا الحديث الذى دار بين إبراهيم، وبين الملك الذى آتاه الله الملك، فادعى الألوهية، فأفحمه إبراهيم إفحاما لم يستطع الملك أن يتخلص منه، وتتبين جمال الاستشهاد بهذا الجزء من قصة إبراهيم إذا أنت قرأت آية الوحدانية التى منها: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (البقرة 255). ثم قرأت قوله متعجبا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة 258). وكان الحديث عن إبراهيم وسؤال ربه رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى (البقرة 260). مرتبطا تمام الارتباط بالحديث عن الله الذى يحيى ويميت.
وجاء بجانب من قصة إبراهيم في سورة الأنعام، وكان يتحدث عن قلة غناء عبادة غير الله، وضلال من يتخذ من دون الله إلها لا ينفع ولا يضر، وحيرته وفقدان صوابه، إذ يقول: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ (الأنعام 71). فلا جرم ناسب المقام أن يورد هنا من قصة إبراهيم هذا الحديث الذى دار بينه وبين أبيه آزر، ينكر فيه إبراهيم على أبيه أن يتخذ من دون الله إلها، ثم يمضى القرآن مبينا كيف اهتدى إبراهيم إلى الله الحق، بعد أن رأى سواه، ليس خليقا بالألوهية، ولا يصلح للعبادة، فيقول: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام 74 - 79).
أرأيت شدة الصلة بين هذا الجزء من قصة إبراهيم، وبين المقام الذى ورد فيه.
وجاء الحديث عن استغفار إبراهيم لأبيه في سورة التوبة، بعد نهى الرسول الكريم عن استغفاره للمشركين، فكان الربط قويا متينا، ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (التوبة 113، 114).
أما ما ورد من قصة إبراهيم في سورة هود، فهو الجزء الذى تحدث فيه عن نجاته وعذاب قومه، وذلك في معرض الحديث عن نجاة من نجا من الأنبياء، وهلاك من هلك من أقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم، فأورد من ذلك ما حدث لنوح وقومه، وهود وقومه عاد، وصالح وقومه ثمود، يعرض من قصصهم لهذه الناحية التى عرض لها من قصة إبراهيم، التى ختمها هنا بقوله: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (هود 76).
وكان الحديث عن إبراهيم في سورة إبراهيم، واردا بعد الحديث عن نعم الله التى لا تحصى، وهنا ذكرهم بتلك النعمة الكبرى وهى نعمة أمنهم في حرمهم، تلك النعمة التى استجاب الله فيها دعوة إبراهيم، ويضم القرآن إلى هذه النعمة دعاء إبراهيم أن يجنبه ربه عبادة الأصنام، ولننصت إلى حديث أمن البيت الحرام، تلك النعمة التى لا تستطيع قريش إنكارها، إذ يقول: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم 34 - 37). وكأنه وهو يذكّر بهذه النعمة، يبين لهم طريق شكرها بتوحيده وعبادته.
وورد جزء من قصة إبراهيم في سورة مريم، ولما كان المقام مقام تنزيه الله عن الشريك، ورد من القصة تلك المناقشة التى دارت بين إبراهيم وأبيه، يبين فيها إبراهيم خطل الرأى في الإشراك بالله، وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (مريم 41 - 46).
ولما كان الحديث في سورة الأنبياء عن وحدانية الله كذلك وأن ما سواه لا يليق به أن يكون إلها يعبد، ورد في هذه السورة من قصة إبراهيم ما يوضح هذه الحقيقة ويؤكدها في الذهن، فقص القرآن حادث تحطيمه للأصنام، حادثا عمليّا يبين قلة غنائها، وأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها فكيف تصلح أن تكون معبودة من دون الله، فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (الأنبياء 58 - 64). وفي سورة الشعراء حديث عن الرسل، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، فبهذه الــدعوى أرسل موسى إلى فرعون، وأرسل هود وأرسل صالح، فلما جاءت قصة إبراهيم تنوولت من تلك الناحية، فعرض إبراهيم ما دفعه إلى ترك عبادة ما كان قومه يعبدون، وإلى الاتجاه إلى الله وحده بالعبادة، قال سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء 69 - 82). أى براعة في هذا العرض، وأية قوة خارقة، فالمقام في السور الثلاث تحدث عن وحدانية الله، وتعدد المعروض من قصة إبراهيم، لتأييد هذه الوحدانية، فعرض من هذه القصة مرة خوف إبراهيم من سوء مصير من يشرك بالله، وحذر والده من سوء هذا المصير، وفي موضع آخر عرض منها حادثا عمليّا يبين قلة غناء هؤلاء المعبودين من دون الله، وعرض فى موضع ثالث الأسباب التى دفعت إبراهيم إلى عبادة الله وحده. كما عرض في سورة العنكبوت ما تحدث به إلى قومه مما يدفعهم إلى تلك العبادة، إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت 17).
وتبدو البراعة القوية كذلك في عرض القرآن حادث تحطيم الأصنام عرضا آخر غير العرض الأول، يصور تصويرا ملموسا عجز هؤلاء الآلهة وقلة حيلتها، حين فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (الصافات 91 - 93). وهكذا تبين ما ذكرناه من استشهاد القرآن بما يعنيه من أجزاء القصة، وبلوغ القرآن أهدافه من ذكر هذه الأجزاء، وفي الاستطاعة تتبع ذلك فيما جاء من قصص في القرآن.

الإله

الإله
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الإله) : الهمزة واللام والهاء، وقد جاء في معاجم اللغة من هذه المادة ما يأتي بيانه فيما يلي: (1)
[ألهتُ إلى فلان] : سكنت إليه
[ألهَ الرجل يأله] إذا فرغ من أمرٍ نزل به فألهه أي أجاره
[ألِه الرجلُ إلى الرجل] : اتجه إليه لشدة شوقه إليه.
[اله الفصيل] إذا ولع بأمّه
[أله الإهة والُوهَة] عبد.
وقيل (الإله) مشتق من (لاه يليه ليهاً] : أي احتجب ويتبين من التأمل في هذه المعاني المناسبة التي جعلت "اله ياله إلهة" تستعمل بمعنى العبادة – (أي التأله) – (الاله) بمعنى المعبود:
1- أن أول ما ينشأ في ذهن الإنسان من الحافز على العبادة والتأله يكون ما أتاه احتياج المرء وافتقاره. وما كان الإنسان ليخطر بباله أن يعبد أحداً ما لم يظن فيه أنه قادر على أن يسد خلته، وأن ينصره على النوائب ويؤويه عند الآفات، وعلى أن يسكن من روعه في حال القلق والاضطراب.
2- وكذلك أن اعتقاد المرء أن أحداً ما قاض للحاجات ومجيب للدعوات، لستلزم أن يعده أعلى منه منزلة وأسمى مكانة، وألا يعترف بعلوه في المنزلة فحسب، بل أن يعترف كذلك بعلوه وغلبته في القوة والأيد.
3- ومن الحق كذلك أن ما تقضى به حاجات المرء غالباً حسب قانون الأسباب والمسببات في هذه الدنيا، ويقع جل عمله في قضاء الحاجات تحت سمع المرء وبصره، وفي حدود لا تخرج من دائرة علمه، لا ينشئ في نفس المرء شيئاً من النزوع إلى عبادته أبداً، خذ لذلك مثلاً أن رجلاً يحتاج إلى مال ينفقه في بعض حاجته، فيأتي رجلاً آخر يطلب منه عملاً أو وظيفة فيجيبه الرجل إلى طلبه ويقلده عملاً، ثم يأجره على عمله، فإن الرجل لا يخطر له ببال أصلاً – فضلاً عن أن يعتقد – أن الرجل يستحق العبادة من قبله، لما علم بل رأى بأمّ عينه كل المنهاج الذي بلغ به غايته وعرف الطريقة التي اتخذها الرجل لقضاء حاجته. فإن تصور العبادة لا يمكن أن يخطر ببال المرء إلا إذا كان شخص المعبود وقوّته من وراء حجاب الغيب، وكانت مقدرته على قضاء الحوائج تحت أستار الخفاء. من ها هنا قد اختيرت للمعبود كلمة تتضمن معاني الاحتجاب والحيرة والوله مع اشتمالها على معنى الرفعة والعلوّ.
4- ورابع الأربعة أنه من الأمور الطبيعية التي لا مندوحة عنها أن يتجه الإنسان في شوق وولع إلى من يظن فيه أنه قادر على أن يقضي حاجته إذا احتاج، وعلى أن يؤويه إذا نابته النوائب، ويهدئ أعصابه عند القلق. فتبين من ذلك كله أن التصورات التي قد أطلقت من أجلها كلمة (الإله) على المعبود هي: قضاء الحاجة والإجارة والتهدئة والتعالي والهيمنة وتملك القوى التي يرجى بها أن يكون المعبود قاضياً للحاجات مجيراً في النوازل وأن يكون متوارياً عن الأنظار يكاد يكون سراً من الأسرار لا يدركه الناس، وأن يفزع إليه الإنسان ويولع به.


تصور الإله عند أهل الجاهلية:
ويجمل بنا بعد هذا البحث اللغوي أن ننظر ماذا كانت تصورّات العرب والأمم القديمة في باب الألوهية التي جاء القرآن بإبطالها.
يقول سبحانه وتعالى
1- (واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً) (مريم:81)
(واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم يُنصرون) (يس: 74)
يتبين من هاتين الآيتين الكريمتين أن الذين كان يحسبهم أهل الجاهلية آلهة لأنفسهم كانوا يظنون بهم أنهم أولياؤهم وحماتهم في النوائب والشدائد وأنهم يكونون بمأمن من الخوف والنقض إذا احتموا بجوارهم.
2- (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) (هود: 101)
(والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون. أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيّان يبعثون. إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 20-22)
(ولا تدع مع الله إلهاً آخر، لا إله إلا هو (1)) (القصص: 88)
(وما يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) (يونس: 66) وتتجلى من هذه الآيات بضعة أمور، أحدها أن الذين كان أهل الجاهلية يتخذونهم آلهة لهم كانوا يدعونهم عند الشدائد ويستغيثون بهم؛ والثاني: أن آلهتهم أولئك لم يكونوا من الجن أو الملائكة أو الأصنام فحسب بل كانوا كذلك أفراداً من البشر قد ماتوا من قبل، كما يدل عليه قوله تعالى: "أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيان يُبعثون" دلالة واضحة والثالث: أنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هذه يسمعون دعاءهم ويقدرون على نصرهم.
ولابد للقارئ في هذا المقام من أن يكون على ذكر من مفهوم الدعاء، ومن وضعية النصرة التي يرجوها الإنسان من الإله فالمرء إذا كان أصابه العطش مثلاً فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء أو إذا أصيب بمرض فدعا الطبيب لمداواته، ولا يصحّ أن يطلق على طلب الرجل للخادم أو للطبيب حكم "الدعاء" وكذلك ليس من معناه أن الرجل قد اتخذ الخادم أو الطبيب إلهاً له. وذلك أن كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ولا يخرج عن دائرة حكمه. ولكنه إذا استغاث بولي أو وثن – وقد أجهده العطش أو المرض- بدلاً من أن يدعو الخادم أو الطبيب، فلا شك أنه دعاه لتفريج الكربة واتخذه إلهاً. فإنه دعا ولياً قد ثوى في قبر يبعد عنه بمئات من الأميال، فكأني له يراه سميعاً بصيراً ويزعم أن له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على ان يقوم بإبلاغه الماء أو شفائه من المرض، وكذلك إذا دعا وثناً في مثل هذه الحال يلتمس منه الماء أو الشفاء، فكأنه يعتقد أن الوثن حكمه نافذ على الماء أو الصحة أو المرض، مما يقدر به أن يتصرف في الأسباب لقضاء حاجته تصرفاً غيبياً خارجاً عن قوانين الطبيعة. وصفوة القول أن التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة. 3- (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرَّفنا الآيات لعلهم يرجعون. فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكُهم وما كانوا يفترون) (الأحقاف: 27-28)
(ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضرٍّ لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) (يس: 22-23)
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون) (الزمر: 3)
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) فيتجلى من هذه الآيات الكريمة أمور عديدة منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم، فليس فوقهم إله قاهر، بل كان لديهم تصور واضح لإله قاهر كانوا يعبرون عنه بكلمة (الله) في لغتهم. وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر الآلهة أن لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى، وأن كلمتهم تُتَلقى عنده بالقبول وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ونستدر النفع ونتجنب المضار باستشفاعهم. ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضاً آلهة مع الله تعالى. ومن هنا يتبين أن الإنسان عن اتخذ أحداً شافعاً له عند الله ثم أصبح يدعوه ويستعين به ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم ويقدم له القربات والنذور، فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلهاً. (1)
4- (وقال الله: لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحدٌ فإياي فارهبون) (النحل: 51)
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً) (الأنعام: 80)
(إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) (هود: 54) ويتضح من هذه الآيات الحكيمة، أن أهل الجاهلية كانوا يخافون من قبل آلهتهم أنهم إن أسخطوا آلهتهم على أنفسهم لسبب من الأسباب أو حرموا عنايتهم بهم وعطفهم عليهم نابتهم نوائب المرض والقحط والنقص في الأنفس والأموال ونزلت بهم نوازل أخرى.
5- (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو) (التوبة: 31)
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا) (الفرقان: 43)
(وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) (الأنعام: 137)
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وفي الآيات يقف المتأمل على معنى آخر لكلمة (الإله) يختلف كل الاختلاف عن كل ما تقدم ذكره من معانيها، فليس ههنا شيء من تصور السلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة، فالذي اتّخذ إلهاً هو إما واحد من البشر أو نفس الإنسان نفسه، ولم يتخذ ذلك إلهاً من حيث أن الناس يدعونه أو يعتقدون فيه أنه يضرهم وينفعهم، أو أنه يستجار به، بل قد اتخذوه إلهاً من حيث تلقوا أمره شرعاً لهم، وائتمروا بأمره وانتهوا عما نهى عنه، واتبعوه فيما حلله وحرمه، وزعموا ان له الحق في أن يأمر وينهى بنفسه، وليس فوقه سلطة قاهرة يحتاج إلى الرجوع والاستناد إليها. فالآية الأولى تبين لنا كيف اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً وآلهة من دون الله، كما بين ذلك الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام الترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقه صليب من ذهب وهو يقرأ هذه الآية، قال، فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم".
وأما الآية الثانية فمعناها واضح كل الوضوح، وذلك أن من يتبع هوى النفس ويرى أمره فوق كل أمر فقد اتخذ نفسه إلهاً له في واقع الأمر. أما الآيتان التاليتان بعدهما فإنه وإن وردت فيهما كلمة (الشركاء) مكان (الإله) ، فالمراد بالشرك هو الإشراك بالله تعالى في الألوهية. ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على أن الذين يرون أن ما وضعه رجل أو طائفة من الناس من قانون أو شرعة أو رسم هو قانون شرعي من غير أن يستند إلى أمر من الله تعالى، فهم يشركون ذلك الشارع بالله تعالى في الألوهية.
ملاك الأمر في باب الألوهية
إن جميع ما تقدم ذكره من المعاني المختلفة لكلمة (الإله) يوجد فيما بينها ارتباط منطقي لا يخفى على المتأمل المستبصر. فالذي يتخذ كائناً ما ولياً له ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، وقاضياً لحاجته ومستجيباً لدعائه وقادراً على أن ينفعه ويضره، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية، يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنه فيه أن له نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم. وكذلك من يخاف أحداً ويتقيه ويرى أن سخطه يجر عليه الضرر ومرضاته تجلب له المنفعة، لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلا ما يكون في ذهنه من تصور أن له نوعاً من السلطة على هذا الكون. ثم أن الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجاته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى، فلا يبعثه على ذلك إلا اعتقاده فيه أن له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الألوهية. وعلى غرار ذلك من يتخذ حكم أحد من دون الله قانوناً ويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة فإنه أيضاً يعترف بسلطته القاهرة. فخلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس من حيث أن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث أن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والإذعان.
استدلال القرآن وهذا هو تصور السلطة الذي يجعله القرآن الكريم أساساً يأتي به من البراهين والحجج على إنكار ألوهية غير الله، وإثبات الألوهية لله تعالى وحده. فالذي يستدل به القرآن في هذا الشأن هو انه لا يملك جميع السلطات والصلاحيات في السماوات والأرض إلا الله. فالخلق مختص به، والنعمة كلها بيده، والمر له وحده، والقوة والحول في قبضته، وكل ما في السماوات والأرض قانت له ومطيع لأمره طوعاً وكرهاً، ولا سلطة لأحد سواه ولا ينفذ فيها الحكم لأحد غيره، وما من أحد دونه يعرف أسرار الخلق والنظم والتدبير، أو يشاركه في صلاحيات حكمه. ومن ثم لا إله في حقيقة الأمر إلا هو، وإذ لم يكن في الحقيقة إله آخر من دون الله، فكل ما تأتونه من الأفعال معتقدين غيره إلهاً باطل من أساسه، سواء أكان ذلك دعاءكم إياه واستجارتكم له أم كان خوفكم إياه ورجاءكم منه، أم كان اتخاذكم إياه شافعاً لدى الله، أم كان إطاعتكم له وامتثالكم لأمره؛ فإن هذه الأواصر والعلاقات التي قد عقدتموها مع غير الله، يجب أن تكون مختصة بالله سبحانه لأنه هو الذي يملك السلطة دون غيره.
وأما الأسلوب الذي يستدل به القرآن الكريم في هذا الباب، فدونك بيانه في كلامه البليغ المعجز:
(وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم) (الزخرف: 84)
(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخْلَقون) (إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 17، 20، 22)
(يا أيُّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو، فأنى تؤفكون) (فاطر: 3)
(قل أرأيتم عن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلهٌ غير الله يأتيكم به) (الأنعام: 46) (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحُكم وإليه ترجعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون) (القصص: 7-72)
(قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (سبأ: 22:23)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجلٍ مسمى) (الزمر: 5)
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاثٍ ذلكم الله ربُّكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تُصرفون) (الزمر: 6)
(أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مع الله بل هم قومٌ يعدلون. أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً. أإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض. أإلهٌ مع الله قليلاً ما تذكرون. أمّن يهديكم في ظلمات البرِّ والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يُشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (النمل: 60-64)
(الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً. واتخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً) (الفرقان: 2: 3) (بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولدق ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيءٍ وهو بكل شيءٍ عليم. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) (الأنعام: 101 – 102)
(ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله، ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة لله جميعاً) (البقرة: 165)
(قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ما خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) (الأحقاف: 4، 5)
(لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون. لا يُسئل عما يفعلُ وهُم يُسئلون) (الأنبياء: 22-23)
(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) (المؤمنون: 91)
(قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً. سبحانه وتعالى عمّا يقولن علوّاً كبيراً) (الإسراء: 42 – 43)

ففي جميع هذه الآيات من أولها إلى آخرها لا تجد إلا فكرة رئيسية واحدة ألا وهي أن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى والروح. فالذي لا سلطة له، لا يمكن أن يكون إلهاً ولا ينبغي أن يتخذ إلهاً. وأما من يملك السلطة فهو الذي يجوز أن يكون غلهاً وهو وحده ينبغي أن يتخذ إلهاً. ذلك بأن جميع حاجات المرء التي تتعلق بالإله أو التي يضطر المرء لأجلها أن يتخذ أحداً إلهاً له لا يمكن قضاء شيء منها من دون وجود السلطة. ولذلك لا معنى لألوهية من لا سلطة له، فإن ذلك أيضاً مخالف للحقيقة، ومن النفخ في الرماد أن يرجع إليه المرء ويرجو منه شيئاً.
والأسلوب الذي يستدل به القرآن واضعاً بين يديه هذه الفكرة الرئيسية، يمكن القارئ أني فهم مقدماته ونتائجه حق الفهم بالترتيب الآتي: 1- إن أعمال قضاء الحاجة وكشف الضرر والإجارة والتوفيق والنصر والرقابة والحماية وإجابة الدعوات التي قد تهاونتم بها وصغرتم من شأنها، ما هي بأعمال هينة في حقيقة الأمر، بل الحق أن صلتها وثيقة بالقوى والسلطات التي تتولى أمر الخلق والتدبير في هذا الكون فإنكم إن تأملتم في المنهاج الذي تقضى به حوائجكم التافهة الحقيرة، عرفتم أن قضاءها مستحيل من غير أن تتحرك لأجله عوامل لا تحصى في ملكوت الأرض والسماء خذوا لذلك مثلاً كأساً من الماء تشربونها أو حبة من القمح تأكلونها فما أدركوا إذ تعمل كل من الشمس والأرض والرياح والبحار قبل أن تتهيأ لكم هذه وتصل إلى أيديكم. فالحق أنه لا تتطلب إجابة دعائكم وقضاء حاجتكم وما إليها من الشؤون سلطة هينة، بل يتطلب ذلك سلطة يقتضيها ويستلزمها خلق السماوات والأرض وتحريك السيارات وتصريف الرياح وإنزال الأمطار وبكلمة موجزة يقتضيها ويتطلبها تدبير نظام هذا الكون بأسره.
2- وهذه السلطة غير قابلة للتجزئة، فلا يمكن أبداً أن تكون السلطة في أمر الخلق بيد وفي أمر الرزق بيد أخرى، وأن تكون الشمس مسخرة لهذا وتكون الأرض مذللة لذاك. كما لا يمكن أن يكون الإنشاء في يد والمرض والشفاء في يد أخرى، والموت والحياة بيد ثالثة. فإنه لو كان الأمر كذلك ما أمكن لنظام هذا الكون أن تقوم له قائمة. فما لابدّ منه أن تكون جميع السلطات والصلاحيات بيد حاكم واحد يرجع إليه كل ما في السماوات والأرض. فإنّ نظام هذا العالم يقتضي أن يكون الأمر كذلك وهو في الواقع كذلك: 3- وإذ كانت السلطة كلها بيد الحاكم الواحد ولم يكن لأحد غيره نقير منها ولا قطمير، فالألوهية أيضاً مخصوصة به لا محالة، وخالصة له دون غيره ولا شريك له فيها. فلا يملك أحد من دونه أن يغيثك أو يستجيب دعاءك أو يجيرك أو يكون حامياً لك ونصيراً أو لياً ووكيلاً، أو يملك لك شيئاً من النفع أو الضر. إذاً لا إله لكم غير الله بمعنى من تلك المعاني التي قد تخطر ببالكم، حتى إنه لا يمكن أن يكون أحداً إلهاً لكم بأن له دالة عند حاكم هذا الكون وتتقبل شفاعته لديه، لمكانه من التقرب عنده. كلا بل ليس في وسع أحد أن يتصدى لأمر من أمور حكمه وتدبيره، ولا يستطيع أحد أن يتدخل في شيء من شؤونه، وكذلك قبول الشفاعة أو رفضها متوقف على مشيئته وإرادته، وليس لأحد من القوة والنفوذ ما يجعل شفاعته مقبول لديه. 4- وما يقتضيه توحد السلطة العليا أن يكون جميع ضروب الحكم والأمر راجعة إلى مسيطر قاهر واحد، وإلاّ ينتقل منه جزء من الحكم إلى غيره. فإنه إذا لم يكن الخلق إلا له ولم يكن له شريك فيه، وإذا كان هو الذي يرزق الناس ولم تكن لأحد من دونه يد في الأمر، إذا كان هو القائم بتدبير نظام هذا الكون وتسيير شؤونه ولم يكن له في ذلك شريك، فما يتطلبه العقل ألاَّ يكون الحكم والأمر والتشريح إلا بيده كلك ولا مبرّر لأن يكون أحد شريكاً له في هذه الناحية أيضاً. وكما أنّه من الخطأ أن يكون أحد غيره مجيباً لدعوة الداعي وقاضياً لحاجة المحتاج، ومجيراً للمضطر في دائرة ملكوته في السموات والأرض، فمن الخطأ والباطل كذلك أن يكون أحد غيره حاكماً مستقلاً بنفسه، وآمراً مستبداً بحكمه، وشارعاً مطلق اليد في تشريعه، إن الخلق والرزق والاحياء والإنامة، وتسخير الشمس والقمر، وتكوير الليل والنهار والقضاء والقدر، والحكم والملك، والأمر والتشريع.. كل أولئك وجوه مختلفة للسلطة الواحدة، ومظاهر شتى للحكم الواحد، والحكم والسلطة لا يقبل شيء منهما التجزئة والتقسيم البتة. فالذي يعتقد أمر كائن ما من دون الله مما يجب إطاعته والإذعان له بغير سلطان من عند الله، فإنه يأتي من الشرك بمثل ما يأتي به الذي يدعو غير الله ويسأله. وكذلك الذي يدعي أنه مالك الملك، والمسيطر القاهر، والحاكم المطلق بالمعاني السياسية (1) ، فإن دعواه هذه كــدعوى الألوهية ممن ينادي بالناس: "إني وليكم وكفيلكم وحاميكم وناصركم"، ويريد بكل ذلك المعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية. ألم تر أنه بينما جاء في القرآن أن الله تعالى لا شريك له في الخلق وتقدير الأشياء وتدبير نظام العالم، جاء معه أن الله له الحكم وله الملك ليس له شريك في الملك، مما يدل دلالة واضحة على أن الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك أيضاً، وأنه مما يستلزمه توحيد الإله ألا يشرك بالله تعالى في هذه المعاني كذلك. وقد فصل القول في ذلك أكثر مما تقدم فيما يلي من الآيات:
(قلْ اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاءُ وتعز من تشاء وتذل من تشاء) (آل عمران: 26)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
وقد صرح القرآن بالأمر بأكثر من كل ما سبق في (سورة غافر) حيث جاء:
(يوم هم بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (غافر: 16)
أي يوم يكون الناس قد انقشعت الحجب عنهم، ولا يخفى على الله خافية من أمرهم، ينادي المنادي: لمن الملك اليوم؟ ولا يكون الجواب إلا أن الملك لله الذي غلبت سلطته جميع الخلق، وأحسن ما يفسر هذه الآية ما رواه الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر (وما قد روا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هكذا بيده ويحركها، يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرُ حتى قلنا: ليخرَّنَّ به.

علم الباطن

علم الباطن
هو معرفة أحوال القلب والتخلية ثم التحلية وهذا العلم يعبر عنه ب: علم الطريقة والحقيقة أيضا واشتهر علم التصوف به وسيأتي تمام تحقيقه فيه.
وأما دعوى التقابل بين الظاهر والباطن كما يدعيه جهلة القوم فزعم باطل بشهادة العموم والخصوص.
علم الباطن
هو: معرفة أحوال القلب، والتخلية، ثم التحلية.
وهذا العلم: يعبر عنه بعلم الطريقة، والحقيقة أيضا.
واشتهر علم التصوف به، وسيأتي تمام تحقيقه فيه.
وأما دعوى التقابل بين الظاهر والباطن، كما يدعيه جهلة القوم، فزعم باطل، بشهادة العموم والخصوص.

إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم

إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم
في تفسير القرآن.
على مذهب النعمان.
لشيخ الإسلام، ومفتي الأنام، المولى: أبي السعود بن محمد العمادي.
المتوفى: سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة.
ولما بلغ تسويده إلى سورة (ص)، وطال العهد، بيضه: في شعبان، سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة.
وأرسله إلى السلطان: سليمان خان مع ابن المعلول، فاستقبل إلى الباب، وزاد في وظيفته وتشريفاته أضعافا.
وقال مولانا: محمد المنشي مؤرخا بالتركي (بالعربي).
باح تفسير كلام معجز (972)
ثم بيضه إلى تمامه بعد سنة، فقيل في تاريخه:
تفسير أكبر (973)
فاشتهر صيته، وانتشر نسخه في الأقطار، ووقع التلقي بالقبول من الفحول والكبار، لحسن سبكه، ولطف تعبيره.
فصار يقال له: خطيب المفسرين.
من المعلوم: أن تفسير أحد سواه بعد (الكشاف)، و(القاضي)، لم يبلغ إلى ما بلغ من رتبة الاعتبار والاشتهار.
والحق: أنه حقيق به، مع ما فيه من المنافي لــدعوى التنزيه، ولا شك أنه مما رواه طالع سعده.
كما قال الشهاب المصري، في (خبايا الزوايا).
ولهذا التفسير الشريف ديباجة طويلة.
شرحها: محمد بن محمد الحسيني، المدعو: بزيرك زاده.
سنة: ثلاث وألف.
أول الديباجة: (سبحان من أرسل رسوله بالهدى ودين الحق... الخ).
وأول الشرح: (سبحان من أطلع شمس كتابه... الخ).
ومن التعليقات في بعض مواضعه:
تعليقة: الشيخ: أحمد الرومي، الأقحصاري.
المتوفى: سنة إحدى وأربعين وألف.
من: الروم إلى الدخان.
ومنها: تعليقة عظيمة.
للشيخ، رضي الدين بن يوسف المقدسي.
علقها: إلى قريب من النصف.
وأهداها: إلى المولى: أسعد بن سعد الدين، حين دخل القدس زائرا، وكان دأبه فيه نقل كلام العلامتين، وكلام ذلك الفاضل بقوله: قال الكشاف، وقال القاضي، وقال المفتي، ثم المحاكمة فيما بينهم.
أوله: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب... الخ).

علم تسطيح الكرة

علم تسطيح الكرة
هو: علم يتعرف به: كيفية نقل الكرة إلى السطح، مع حفظ الخطوط، والدوائر المرسومة على الكرة، وكيفية نقل تلك الدوائر عن الدائرة، إلى الخط، وتصور هذا العلم عسير جدا، يكاد يقرب من خرق العادة، لكن عملها باليد كثيرا ما يتولاه الناس، ولا عسر فيه، مثل عسر التصور. انتهى ما ذكره: أبو الخير.
وقد جعله من: فروع علم الهيئة، وهو من فروع علم الهندسة، ودعوى عسر التصور ليست على إطلاقه، بل هو بالنسبة إلى من لم يمارس في علم الهندسة.
ومن الكتب المصنفة فيه:
كتاب: (تسطيح الكرة).
لبطلميوس.
و (الكامل).
للفرغاني.
و (الاستيعاب).
للبيروني.
و (دستور الترجيح، في قواعد التسطيح).
لتقي الدين.
علم تسطيح الكرة
هو: علم يتعرف منه كيفية إيجاد الآلات الشعاعية كذا في: كشاف اصطلاحات الفنون.
وقال في: كشف الظنون: كيفية نقل الكرة إلى السطح مع حفظ الخطوط والدوائر المرسومة على الكرة وكيفية نقل تلك الدوائر عن الدائرة إلى الخط وتصور هذا العلم عسير جدا يقرب من خرق العادة لكن عملها باليد كثيرا ما يتولاه الناس ولا عسر فيه مثل عسر التصور. انتهى ما ذكره أبو الخير.
وقد جعله من فروع علم الهيئة وهو: من فروع علم الهندسة ودعوى عسر التصور ليست على اطلاقها بل هو بالنسبة إلى من لم يمارس في علم الهندسة. انتهى.
ومنفعته: الإرتياض بعلم هذه الآلات وعملها وكيفية انتزاعها من أمور ذهنية مطابقة للأوضاع الخارجية والتوصل بها إلى استخراج المطالب الفلكية.
ومن الكتب المصنفة فيه: كتاب: تسطيح الكرة لبطليموس و: الكامل للفرغاني و: الاستيعاب للبيروتي و: الدستور والرجيح في قواعد التسطيح لتقي الدين و: آلات التقويم للمراكشي - رحمهما الله تعالى.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.