جزئيا حَقِيــقِيًّا: لِأَن جزئيته بِالنّظرِ إِلَى حَقِيــقَته الْمَانِعَة من الشّركَة وبإزائه الْكُلِّي الْــحَقِيــقِيّ. وعَلى الْأَخَص من شَيْء كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَيُسمى جزئيا إضافيا لِأَن جزئيته بِالْإِضَافَة إِلَى شَيْء آخر وبإزائه الْكُلِّي الإضافي والجزئي بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الأول يَعْنِي كل جُزْء حَقِيــقِيّ جزئي إضافي بِدُونِ الْعَكْس فَإِن زيدا جزئي حَقِيــقِيّ كَمَا هُوَ الظَّاهِر وجزئي إضافي لِأَنَّهُ أخص من الْإِنْسَان وَالْإِنْسَان جزئي إضافي لِأَنَّهُ أخص من الْحَيَوَان وَلَيْسَ بجزئي حَقِيــقِيّ كَمَا لَا يخفى فَإِن قيل مَا وَجه التَّسْمِيَة بالكلي والجزئي قلت إِن الْكُلِّي يكون جُزْءا للجزئي غَالِبا فَإِن الْإِنْسَان جُزْء لزيد لِأَنَّهُ إِنْسَان مَعَ هَذَا التشخص وَالْحَيَوَان جُزْء للْإنْسَان الَّذِي وَهُوَ حَيَوَان نَاطِق والجسم جُزْء للحيوان الَّذِي هُوَ جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة فَيكون الجزئي كلا والكلي جُزْءا وَلما كَانَ كُلية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي الَّذِي هُوَ الْكل نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَى الْكل فَصَارَ كليا وَكَذَلِكَ لما كَانَ جزئية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّي الَّذِي هُوَ الْجُزْء نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَى الْجُزْء فَصَارَ جزئيا هَكَذَا فِي القطبي شرح الشمسية.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَعْنى أَي كُلية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي إِنَّمَا يظْهر فِي الْكُلِّي بِالْقِيَاسِ إِلَى الجزئي الإضافي فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مضائف للْآخر إِذْ معنى الجزئي الإضافي هُوَ المندرج تَحت شَيْء وَذَلِكَ الشَّيْء يكون متناولا لذَلِك الجزئي وَلغيره. فالكلية والجزئية الإضافية مفهومان متضائفان لَا يعقل أَحدهمَا إِلَّا مَعَ تعقل الآخر كالأبوة والبنوة. وَأما الْجُزْئِيَّة الْــحَقِيــقِيَّة فَهِيَ تقَابل الْكُلية تقَابل الْعَدَم والملكة فَإِن الْجُزْئِيَّة منع فرض الِاشْتِرَاك بِالصّدقِ على كثيرين والكلية عدم الْمَنْع فَالْأولى أَن يذكر وَجه التَّسْمِيَة فِي الْكُلِّي وَفِي الجزئي الإضافي. ثمَّ يُقَال وَإِنَّمَا سمي الْــحَقِيــقِيّ أَيْضا جزئيا لِأَنَّهُ أخص من الجزئي الإضافي فَأطلق اسْم الْعَام على الْخَاص وَقَيَّدنَا بالــحقيــقي لما سَنذكرُهُ انْتهى.
الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يكون مَحْمُولا. أَي حملا إيجابيا أصلا بِحَسب الْــحَقِيــقَة وَأَن يحمل بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يُقَال هَذَا زيد اعْلَم أَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة اخْتِلَافا ذهب السَّيِّد السَّنَد قدس سره إِلَى أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يحمل على شَيْء أصلا إِيجَابا بِحَسب الْــحَقِيــقَة بل يحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية. وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى بل المُرَاد بِهِ مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد. فَإِن قيل حمل الشَّيْء على نَفسه ضَرُورِيّ فَكيف يَصح نفي الْحمل الْمَذْكُور مُطلقًا قُلْنَا مُرَاده قدس سره أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ من حَيْثُ إِنَّه جزئي حَقِيــقِيّ وَله هوية شخصية لَا يحمل على نَفسه بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة لِأَنَّهُ وَاحِد مَحْض وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ مبائن لَهُ. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا ذكره أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله من أَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ. وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود اصالة وَأما الْأُمُور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَــحْقِيــق الْمُتَأَخِّرين فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل. فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي. وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ أما نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين أَنه إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه وَأما جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْــحَقِيــقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْــحَقِيــقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين لَا للجزئي فالاعتباران محمولان عَلَيْهِ نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيــقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي وَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْبَحْث الغامض انْتهى. وَذهب أَبُو نصر الفارابي وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ بن سيناء إِلَى جَوَاز الْحمل الْمَذْكُور حَيْثُ جعل الفارابي فِي مدْخل الْأَوْسَط الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام. حمل الجزئي على الجزئي كَهَذا الْكَاتِب على هَذَا الْإِنْسَان. وَحمل الجزئي على الْكُلِّي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده، وَحمل الْكُلِّي على الْكُلِّي، وَحمل الْكُلِّي على الجزئي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده.
وَقَالَ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله وَمَا يُقَال من أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يحمل وَلَا يُقَال على شَيْء حَقِيــقَة أصلا لِأَن حمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة من أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره إِيجَابا مُمْتَنع فَأَقُول فِيهِ نظر إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر لَهُ بِحَسب الِاعْتِبَار مُتحد مَعَه بِحَسب الذَّات كَمَا فِي هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْمَفْهُوم ومتحدان بِحَسب الذَّات فَإِن ذاتهما زيد بِعَيْنِه مثلا. وَكَذَا يجوز حمله على كلي آخر فِي جزئية أَي قَضِيَّة جزئية كَمَا فِي قَوْلك بعض الْإِنْسَان زيد انْتهى.
وَقَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله قَوْله إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر الخ حَاصله أَن الهوية الْوَاحِدَة فِي الْخَارِج كزيد يُمكن أَن يُؤْخَذ مَعَ وصف أَو مَعَ وصفين كالضاحك وَالْكَاتِب فَيحصل بِسَبَب ذَلِك مفهومان متغائران فِي الذِّهْن ويتحقق منَاط الْحمل أَي الِاتِّحَاد فِي ظرف والتغاير فِي ظرف آخر فَهَذَا النّظر يصلح أَن يكون جَوَابا بِاخْتِيَار كل من شقي الترديد الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّافِي يَعْنِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَة الْمطَالع كَون الشَّخْص مَحْمُولا على شَيْء حملا إيجابيا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر لِأَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ من حَيْثُ هُوَ جزئي حَقِيــقِيّ لَا يحمل على نَفسه لعدم التغاير وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ الهوية المتأصلة فَلَا يصدق على غَيره. وَاعْلَم أَن مَا قَالَه أفضل الْمُتَأَخِّرين رَحمَه الله محاكمة بِأَن مَا قَالَه السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله مَبْنِيّ على تَــحْقِيــق الْمُتَأَخِّرين من أَن لَا وجود للكلي الطبيعي اصالة وَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين يَعْنِي جلال الْعلمَاء رَحمَه الله على القَوْل بِوُجُودِهِ كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَعْنى أَي كُلية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي إِنَّمَا يظْهر فِي الْكُلِّي بِالْقِيَاسِ إِلَى الجزئي الإضافي فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مضائف للْآخر إِذْ معنى الجزئي الإضافي هُوَ المندرج تَحت شَيْء وَذَلِكَ الشَّيْء يكون متناولا لذَلِك الجزئي وَلغيره. فالكلية والجزئية الإضافية مفهومان متضائفان لَا يعقل أَحدهمَا إِلَّا مَعَ تعقل الآخر كالأبوة والبنوة. وَأما الْجُزْئِيَّة الْــحَقِيــقِيَّة فَهِيَ تقَابل الْكُلية تقَابل الْعَدَم والملكة فَإِن الْجُزْئِيَّة منع فرض الِاشْتِرَاك بِالصّدقِ على كثيرين والكلية عدم الْمَنْع فَالْأولى أَن يذكر وَجه التَّسْمِيَة فِي الْكُلِّي وَفِي الجزئي الإضافي. ثمَّ يُقَال وَإِنَّمَا سمي الْــحَقِيــقِيّ أَيْضا جزئيا لِأَنَّهُ أخص من الجزئي الإضافي فَأطلق اسْم الْعَام على الْخَاص وَقَيَّدنَا بالــحقيــقي لما سَنذكرُهُ انْتهى.
الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يكون مَحْمُولا. أَي حملا إيجابيا أصلا بِحَسب الْــحَقِيــقَة وَأَن يحمل بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يُقَال هَذَا زيد اعْلَم أَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة اخْتِلَافا ذهب السَّيِّد السَّنَد قدس سره إِلَى أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يحمل على شَيْء أصلا إِيجَابا بِحَسب الْــحَقِيــقَة بل يحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية. وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى بل المُرَاد بِهِ مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد. فَإِن قيل حمل الشَّيْء على نَفسه ضَرُورِيّ فَكيف يَصح نفي الْحمل الْمَذْكُور مُطلقًا قُلْنَا مُرَاده قدس سره أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ من حَيْثُ إِنَّه جزئي حَقِيــقِيّ وَله هوية شخصية لَا يحمل على نَفسه بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة لِأَنَّهُ وَاحِد مَحْض وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ مبائن لَهُ. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا ذكره أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله من أَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ. وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود اصالة وَأما الْأُمُور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَــحْقِيــق الْمُتَأَخِّرين فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل. فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي. وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ أما نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين أَنه إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه وَأما جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْــحَقِيــقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْــحَقِيــقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين لَا للجزئي فالاعتباران محمولان عَلَيْهِ نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيــقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي وَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْبَحْث الغامض انْتهى. وَذهب أَبُو نصر الفارابي وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ بن سيناء إِلَى جَوَاز الْحمل الْمَذْكُور حَيْثُ جعل الفارابي فِي مدْخل الْأَوْسَط الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام. حمل الجزئي على الجزئي كَهَذا الْكَاتِب على هَذَا الْإِنْسَان. وَحمل الجزئي على الْكُلِّي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده، وَحمل الْكُلِّي على الْكُلِّي، وَحمل الْكُلِّي على الجزئي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده.
وَقَالَ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله وَمَا يُقَال من أَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ لَا يحمل وَلَا يُقَال على شَيْء حَقِيــقَة أصلا لِأَن حمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة من أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره إِيجَابا مُمْتَنع فَأَقُول فِيهِ نظر إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر لَهُ بِحَسب الِاعْتِبَار مُتحد مَعَه بِحَسب الذَّات كَمَا فِي هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْمَفْهُوم ومتحدان بِحَسب الذَّات فَإِن ذاتهما زيد بِعَيْنِه مثلا. وَكَذَا يجوز حمله على كلي آخر فِي جزئية أَي قَضِيَّة جزئية كَمَا فِي قَوْلك بعض الْإِنْسَان زيد انْتهى.
وَقَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله قَوْله إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر الخ حَاصله أَن الهوية الْوَاحِدَة فِي الْخَارِج كزيد يُمكن أَن يُؤْخَذ مَعَ وصف أَو مَعَ وصفين كالضاحك وَالْكَاتِب فَيحصل بِسَبَب ذَلِك مفهومان متغائران فِي الذِّهْن ويتحقق منَاط الْحمل أَي الِاتِّحَاد فِي ظرف والتغاير فِي ظرف آخر فَهَذَا النّظر يصلح أَن يكون جَوَابا بِاخْتِيَار كل من شقي الترديد الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّافِي يَعْنِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَة الْمطَالع كَون الشَّخْص مَحْمُولا على شَيْء حملا إيجابيا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر لِأَن الجزئي الْــحَقِيــقِيّ من حَيْثُ هُوَ جزئي حَقِيــقِيّ لَا يحمل على نَفسه لعدم التغاير وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ الهوية المتأصلة فَلَا يصدق على غَيره. وَاعْلَم أَن مَا قَالَه أفضل الْمُتَأَخِّرين رَحمَه الله محاكمة بِأَن مَا قَالَه السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله مَبْنِيّ على تَــحْقِيــق الْمُتَأَخِّرين من أَن لَا وجود للكلي الطبيعي اصالة وَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين يَعْنِي جلال الْعلمَاء رَحمَه الله على القَوْل بِوُجُودِهِ كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود.