Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: جراء

الانتخاب

(الانتخاب) الِاخْتِيَار وإجراء قانوني يحدد نظامه وَوَقته ومكانه فِي دستور أَو لائحة ليختار على مُقْتَضَاهُ شخص أَو أَكثر لرياسة مجْلِس أَو نقابة أَو ندوة أَو لعضويتها أَو نَحْو ذَلِك (محدثة)

علم النجوم

علم النجوم
هو: من فروع الطبعي وهو وعلم بأصول تعرف بها أحوال الشمس والقمر وغيرهما من بعض النجوم كذا في بعض حواشي الشافية قاله في كشاف اصطلاحات الفنون.
وفي كشف الظنون هو: علم يعرف به الاستدلال على حوادث علم الكون والفساد بالتشكلات الفلكية وهي أوضاع الأفلاك والكواكب كالمقارنة والمقابلة والتثليث والتسديس والتربيع إلى غير ذلك وهو عند الإطلاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام حسابية وطبيعيات ووهميات.
أما الحسابيات: فهي يقينية في علمها قد يعمل بها شرعاً.
وأما الطبيعيات: كالاستدلال بانتقال الشمس في البروج الفلكية على تغيير الفصول كالحر والبرد والاعتدال فليست بمردودة شرعا أيضاً.
أما الوهميات: كالاستدلال على الحوادث السفلية خيرها وشرها من اتصالات الكواكب بطريق العموم والخصوص فلا استناد لها إلى أصل شرعي ولذلك هي مردودة شرعا كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر النجوم فامسكوا". وقال: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا". الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالنجوم فقد كفر" لكن قالوا هذا إن اعتقد أنها مستقلة في تدبير العالم.
وقال الشافعي رحمه الله: إذا اعتقد المنجم أن المؤثر الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى لكن عادته سبحانه وتعالى جارية بوقوع الأحوال بحركاتها وأوضاعها المعهودة في ذلك لا بأس عندي. كذا ذكره السبكي في طبقاته الكبرى وعلى هذا يكون استناد التأثير حقيقة إلى النجوم مذموما فقط.
قال بعض العلماء: إن اعتقاد التأثير إليها بذاتها حرام. وذكر صاحب مفتاح السعادة أن الحافظ ابن القيم الجوزي أطنب في الطعن فيه والتنفير عنه.
فإن قيل: لم لا يجوز أن تكون بعض الأجرام العلوية أسباب للحوادث السفلية فيستدل النجم العاقل من كيفية حركات النجوم واختلافات مناظرها وانتقالاتها من برج إلى برج على بعض الحوادث قبل وقوعها.
يقال: يمكن على طريق إجراء العادة أن يكون بعض الحوادث سببا لبعضها لكن لا دليل فيه على كون الكواكب أسبابا للعادة وعللا للنحوسة لا حساً ولا عقلاً ولا سمعاً.
أما حسا: فظاهر أن أكثر أحكامهم ليست بمستقيمة كما قال بعض الحكماء: جزئياتها لا تدرك وكلياتها لا تتحقق.
وإما عقلا: فإن علل الأحكاميين وأصولهم متناقضة حيث قالوا: إن الأجرام العلوية ليست بمركبة من العناصر بل هي طبيعية خاصة ثم قالوا ببرودة زحل ويبوسته وحرارة المشتري ورطوبته فأثبتوا الطبيعة للكواكب وغير ذلك.
وأما شرعا: فهو مذموم بل ممنوع كما قال صلى الله عليه وسلم: "من آتي كاهنا بالنجوم أو عرافا أو منجما فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد". الحديث وسبب المبالغة في النهي عن هذه الثلاثة ذكره الشيخ علاء الدولة في العروة الوثقى وقال علي بن أحمد النسوي: علم النجوم أربع طبقات:
الأولى: معرفة رقم التقويم ومعرفة الإسطرلاب حسبما هو يتركب.
والثانية: معرفة المدخل إلى علم النجوم ومعرفة طبائع الكواكب والبروج ومزاجاتها.
والثالثة: معرفة حسنات أعمال النجوم وعمل الزيج والتقويم.
والرابعة: معرفة الهيئة والبراهين الهندسية على صحة أعمال النجوم ومن تصور ذلك فهو المنجم التام على التحقيق وأكثر أهل زماننا قد اقتصروا من علم التنجيم على الطبقتين الأوليين وقليل منهم يبلغ الطبقة الثالثة.
والكتب المصنفة فيه كثيرة منها: الأحكام وأبو قماش وأدوار وإرشاد والبارع ومختصر البارع وتحاويل وتنبيهات المنجمين وتفهيم الجامع الصغير ودرج الفلك والسراج والقرانات ولطائف الكلام ومجمل الأصول ومجموع ابن شرع ومسائل القصر وغير ذلك انتهى ما في كشف الظنون.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون:
موضوعه النجوم من حيث يمكن أن تعرف بها أحوال العالم ومسائله كقولهم: كلما كان الشمس على هذا الموضع المخصوص فهي تدل على حدوث أمر كذا في هذا العالم انتهى.
وقال ابن خلدون: هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية.
فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها بالتجربة وهو أمر تقصر الأعمار كلها لو اجتمعت عن تحصيله إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم أو الظن وأدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إلى آماد وأحقاب متطاولة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم وربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها كانت بالوحي وهو رأي قائل وقد كفونا مؤنة إبطاله.
ومن أوضح الأدلة فيه: أن تعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن الصنائع وأنهم لا يتعرضون للأخبار عن الغيب إلا أن يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق.
وأما بطليموس ومن تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال: لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحدا جحده مثل فعل الشمس في تبدل الفصول وأمزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك.
وفعل القمر في الرطوبات والماء وإنضاج المواد المتعفنة وفواكه القناء وسائر أفعاله.
ثم قال: ولنا فيما بعدهما من الكواكب طريقان:
الأولى: التقليد لمن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة إلا أنه غير مقنع للنفس.
الثانية: الحدس والتجربة بقياس كل واحد منها إلى النير الأعظم الذي عرفنا طبيعته وأثره معرفة ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القرآن في قوته ومزاجه فتعرف موافقته له في الطبيعة أو ينقص عنها فتعرف مضادته ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة وذلك عند تناظرها بأشكال التثليث والتربيع وغيرهما ومعرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضا إلى النير الأعظم.
وإذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء وذلك ظاهر والمزاج الذي يحصل منها للهواء يحصل لما تحتها من المولدات وتتخلق به النطف والبزر فتصير حالا للبدن المتكون عنها وللنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه ولما يتبع النفس والبدن من الأحوال لأن كيفيات البزرة والنطفة كيفيات لما يتولد عنهما وينشأ منهما قال: وهو مع ذلك ظني وليس من اليقين في شيء وليس هو أيضا من القضاء الإلهي يعني: القدر إنما هو من جملة الأسباب الطبيعية للكائن والقضاء الإلهي سابق على كل شيء هذا محصل كلام بطليموس وأصحابه وهو منصوص في كتبه الأربع وغيره ومنه يتبين ضعف مدارك هذه الصناعة وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية على ما تبين في موضعه.
والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط والجزء العنصري هو القابل ثم إن القوى النجومية ليست هي الفاعلة بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل: قوة التوليد للأب والنوع التي في النطفة وقوى الخاصة التي تميز بها صنف صنف من النوع وغير ذلك فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن والحدس والتخمين قوى للناظر في فكره وليس من علل الكائن ولا من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس والتخمين رجعت أدراجها عن الظن إلى الشك هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداد ولم تعترضه آفة وهذا معوز لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها ولما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه ومدرك بطلميوس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب ومستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال وهذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة.
ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته واحتج له أهل علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية والعقل متهم على ما يقضي به فيما يظهر بادي الرأي من التأثير فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علوا وسفلا سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرأ مما سوى ذلك.
والنبوات أيضا منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله: إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته وفي قوله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب. الحديث الصحيح
فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقا لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق فيلهج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها ثم ما ينشأ عنها كثيرا في الدول من توقع القواطع وما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء والمتربصين بالدولة إلى الفتك والثورة وقد شاهدنا من ذلك كثيرا فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضاد في الدين والدول ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعيا للبشر بمقتضى مداركهم وعلومهم فالخير والشرط طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما وإنما يتعلق بالتكليف بأسباب حصولهم فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه ودفع أسباب الشر والمضار هذا هو الواجب على من عرف مفاسد العلم ومضاره وليعلم من ذلك أنها وإن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمها ولا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر وظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر
فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها والتحليق لتعليمها وصار المولع بها من الناس وهم الأقل وأقل من الأقل إنما يطالع كتبها ومقالاتها في كسر بيته متسترا عن الناس وتحت ربقه الجمهور مع تشعب الصناعة وكثرة فروعها واعتياصها على الفهم فكيف يحصل منها على طائل ونحن نجد الفقه الذي علم نفعه دينا ودنيا وسهلت مآخذه من الكتاب والسنة وعكف الجمهور على قراءته وتعليمه ثم بعد التحقيق والتجميع وطول المدارسة وكثرة المجالس وتعددها إنما يحذق فيه الواحد في الأعصار والأجيال فكيف بعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الحظر والتحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة والتحصيل لأصوله وفروعه إلى مزيد حدس وتخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل والحذق فيه مع هذه كلها ومدعى ذلك من الناس مردود على عقبه ولا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة وقلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبة أحدا ومما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن وحاصروه بالقيروان وكثر إرجاف الفريقين الأولياء والأعداء وقال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس:
استغفر الله كل حين ... قد ذهب العيش والهناء
أصبح في تونس وأمسى ... والصبح لله والمساء
الخوف والجوع والمنايا ... يحدثها الهرج والوباء
والناس في مرية وحرب ... وما عسى ينفع المراء
فاحمدي ترى عليا ... حل به الهلك والتواء
وآخر قال سوف يأتي ... به إليكم صبا رخاء
والله من فوق ذا وهذا ... يقضي لعبديه ما يشاء
يا راصد الخنس الجواري ... ما فعلت هذه السماء
مطلتمونا وقد زعمتم ... أنكم اليوم أملياء
من خميس على خميس ... وجاء سبت وأربعاء
ونصف شهر وعشرتان ... وثالث ضمه القضاء
ولا نرى غير زور قول ... أذاك جهل أم ازدراء
إنا إلى الله قدر علمنا ... أن ليس يستدفع القضاء
رضيت بالله لي إلها ... حسبكم البدر أو ذكاء
ما هذه الأنجم السواري ... إلا عباديد أو إماء
يقضي عليها وليس تقضي ... وما لها في الورى اقتضاء
ضلت عقول ترى قديما ... ما شأنه الجرم والفناء
وحكمت في الوجود طبعا ... يحدثه الماء والهواء
لم ترحلوا إزاء مر ... تغذوهمو تربة وماء
الله ربي ولست أدري ... ما الجوهر الفرد والخلاء
ولا الهيولي التي تنادي ... ما لي عن صورة عراء
ولا وجود ولا انعدام ... ولا ثبوت ولا انتفاء
ولست أدري ما الكسب إلا ... ما جلب البيع والشراء
وإنما مذهبي وديني ... ما كان والناس أولياء
إذ لا فصول ولا أصول ... ولا جدال ولا ارتياء
ما تبع الصدر واقتفنينا ... يا حبذا كان الاقتفاء كانوا كما يعلمون منهم ... ولم يكن ذلك الهذاء
يا أشعري الزمان إني ... أشعرني الصيف والشتاء
أنا أجزي بالشر شرا ... والخير عن مثله جزاء
وإنني إن أكن مطيعا ... فرب أعصي ولي رجاء
وإنني تحت حكم بار ... أطاعه العرش والثراء
ليس باستطاركم ولكن ... أتاحه الحكم والقضاء
لو حدث الأشعري عمن ... له إلى رأيه انتماء
فقال أخبرهم بأني ... مما يقولونه براء
انتهى كلامه الشريف ولله دره وعلى الله أجره.

علم تشبيه القرآن واستعاراته

علم تشبيه القرآن واستعاراته
ذكره أبو الخير من فروع علم التفسير وقال: التشبيه نوع من أشرف أنواع البلاغة. انتهى
فهو إذا من مباحث علم البيان كما لا يخفى. علم التشريح
هو: علم باحث عن كيفية إجراء البدن وترتيبها من العروق والأعصاب والغضاريف والعظام واللحم وغير ذلك من أحوال كل عضو منه.
وموضوعه: أعضاء بدن الإنسان والغرض والمنفعة.
والفائدة ظاهرة وكتب التشريح أكثر من أن تحصى ولا أنفع من تصنيف ابن سينا والإمام الرازي ورسالة لابن الهمام ومختصر نافع في هذا الباب. انتهى ما ذكره في مدينة العلوم. ومثله ذكر أبو الخير وجعله من فروع علم الطبيعي والرسالة المذكورة ليست لابن الهمام وإنما هي لابن جماعة وقد قرأها ابن الهمام عليه.
وقال ابن صدر الدين: هو علم بتفاصيل أعضاء الحيوان وكيفية نضدها وما أودع فيها من عجائب الفطرة وآثار القدرة ولهذا قيل: من لم يعرف الهيئة والتشريح فهو عنين في معرفة الله تعالى. انتهى.
وأكثر كتب الطب متكفلة ببيان هذا العلم سوى ما فيه من التصانيف المستقلة المصورة.

علم آفات الغرور

علم آفات الغرور
وهو: سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان.
والمغرورون أصناف:
منهم: العلماء الذين أحكموا العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها وأهملوا محافظة الجوارح عن المعاصي وإلزامها الأعمال الصالحة وهم مغرورون: لأن العلم إذا لم يقارنه العمل لا يكون له مكان عند الله تعالى وعند الخواص من عباده.
ومنهم: الذين أحكموا العلم والعمل وأهملوا تزكية نفوسهم عن الأخلاق الذميمة وهم مغرورون أيضا إذ لا ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومنهم: الذين اعترفوا بأن النجاة في الآخرة إنما هي بتزكية النفس عن الأخلاق الذميمة إلا أنهم يزعمون أنهم منفكون عنها وهؤلاء مغرورون أيضا لأن هذا من العجب والعجب من أشد الصفات المهلكات.
ومنهم: الذين اتصفوا بالعلم وتزكية الأخلاق لكن بقي منها خبايا في زوايا القلب ولم يشعروا بها وهؤلاء أيضا مغرورون بظاهر أحوالهم وغفلوا عن تحصيل القلب السليم.
ومنهم: الذين اقتصروا على علم الفتاوى وإجراء الأحكام وهم مغرورون لأنهم اقتصروا على فرض الكفاية وأخلوا بفرض العين وهو: إصلاح أنفسهم وتزكية أخلاقهم وتصفية قلوبهم من الحقد والحسد وأمثال ذلك.
ومنهم: الوعاظ وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والإخلاص ونحو ذلك وأكثرهم مغرورون لأنهم يتكلمون فيما ذكر وليس لهم من ذلك شيء. ومنهم: من اشتغل باللغة ودقائق العلوم العربية وأفنوا عمرهم فيها ظنا منهم أنهم من علماء الأمة لأنهم في صدد أحكام مباني الكتاب والسنة وهم مغرورون لأنهم: اتخذوا القشر مقصودا فاغتروا به وأصناف المغرورين من الناس لا يمكن تعدادهم1 وفي هذا القدر كفاية لمن اعتبر - اللهم ألهمنا طريق دفع الغرور - ولا يمكن ذلك إلا بالعقل الذي هو مبنى الخيرات وأساسها ثم بالمعرفة وهي لا تعم إلا بمعرفة نفسه بالذل والعبودية ومعرفة ربه بالجلال والهيبة وصفا بقلبه بلذة المناجات واستوت عنده من الدنيا ذهبها ومدرها ولا يبقى للشيطان عليه من سلطان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

التاءات المفتوحة

التاءات المفتوحة:
هاء التأنيث المرسومة في المصحف تاء، حيث وقف عليها بعض القراء
بالهاء إجراء لتاء التأنيث على سنن واحدة سواء رسمت بالهاء أو بالتاء، ووقف
بعض القراء بالتاء للتفريق بينما رسم بالتاء وما رسم بالهاء اتباعاً للرسم.

مُحَمَّدْ ماهرْ حَسَن

مُحَمَّدْ ماهرْ حَسَن
الجذر: ح م د

مثال: اسْمُه محمَّد ماهرْ حَسَنْ
الرأي: مرفوضة
السبب: لحذف كلمة «ابن» من الأسماء المتتابعة، والوقوف على هذه الأعلام بالسكون.

الصواب والرتبة: -اسمه محمدْ ماهِرْ حَسَنْ [صحيحة]-اسمه محمّدُ ماهِرِ حَسَنٍ [صحيحة]
التعليق: أجاز مجمع اللغة المصري حذف «ابن» من الأعلام المتتابعة، وضبط هذه الأعلام على أحد وجهين: إعراب الأول بحسب موقعه ويجرّ ما يليه بالإضافة، والوجه الثاني هو تسكين الأعلام كلّها إجراء للوصل مجرى الوقف. وذلك تيسيرًا على القرّاء والكتَّاب، وتخلصًا من صعوبة الإعراب.

مرددوش

مرددوش: مرددوش تصحيف مردقوش في الأندلس: أذن الفار (المعجم الأسباني 174، التقويم 9: 41 ابن العوام 1: 27، 93 و2: 133 و12: 200، 2: 287 (مع ملاحظة إجراء بعض التصحيحات في العبارات).

المعرب

المعرب
واستخدم القرآن ألفاظا تكلمت بها العرب، وأدخلتها في لغتها، وإن كانت في أصلها ليست من اللغة العربية، وقد صقلتها العرب بألسنتها، وشذبتها، وربما تكون قد غيرت بعض حروفها، أو أسقطت بعضها، وإذا أدخلت العرب هذه الألفاظ، استغنت بها غالبا عن أن تضع ألفاظا في معناها.
ومن هذه الكلمات المعربة التى استخدمها القرآن، وهى في جملتها طائفة قليلة، كلمة (إبريق) فى قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (الواقعة 17 - 18). وكلمات إِسْتَبْرَقٍ، وزَنْجَبِيلًا، وسُنْدُسٍ، و (سلسبيل) ، فى قوله سبحانه: وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (الإنسان 17 - 21).
و (كافور) ، فى قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (الإنسان 5). والْفِرْدَوْسِ فى قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (الكهف 107). والتَّنُّورُ فى الآية: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (هود 40)، وبِدِينارٍ ، فى قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً (آل عمران 75).
ودَراهِمَ، فى قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (يوسف 20). وسِجِّيلٍ فى الآية الكريمة: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (الفيل 3، 4). و (سرادق) ، فى قوله سبحانه: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها (الكهف 29). و (القسطاس) فى قوله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (الإسراء 35). وَالْمَجُوسَ ، فى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (الحج 17). وغير ذلك وقد أحصى كتاب الإتقان هذه الكلمات المعربة، ولكنه عد فيها ما ليس منها، متبعا في ذلك بعض الآراء، مثل كلمة سيد، وابلعى، وأواب، وتحت، وغير ذلك، وربما اتفقت العربية وغيرها من اللغات السامية، فى بعض الكلمات؛ لأنها جميعها من أصل واحد وحينئذ لا يقال إن اللغة العربية قد أخذتها عن غيرها من اللغات السامية.
وليس استخدام هذه الألفاظ المعربة بمخرج القرآن عن أن يكون بلسان عربى مبين، فقد ارتضى العرب هذه الألفاظ، واستخدموها في لغتهم، وارتضوها بين كلماتهم، وقد نزل القرآن بما ألف العرب استعماله، ليدركوا معناه، فليس غريبا أن يتخذ من تلك الأدوات المعربة، أدوات له يؤدى بها أغراضه، ومعانيه.
ووجه البلاغة في إيثارها، أنها تؤدى معانيها الدقيقة في عبارة موجزة، فإن العرب لم تضع لفظا تدل به على معنى ما عربته، فلم تعد ثمة وسيلة للتعبير عنه، سوى اختيار اللفظ المعرب، أو الإتيان بأكثر من كلمة لأداء معناه، فإذا أريد مثلا الاستغناء عن كلمة استبرق، احتيج إلى كلمتين أو أكثر، فقيل الديباج الثخين، وما دامت الكلمة المعربة خفيفة على اللسان، فهى أولى من الكلمتين، وهى متعينة حين لم يضع العرب بدلا منها.
المعرب: لفظ غير علم استعمله العرب في معنى وضع له في غير لغتهم.
المعرب: ما في آخره إحدى الحركات الثلاث أو إحدى الحروف لفظا أو تقديرا بواسطة العامل صورة أو معنى.
المعرب: اسْم مفعول من الْإِعْرَاب أَو ظرف مِنْهُ وَعند النُّحَاة هُوَ الِاسْم الَّذِي لم يُنَاسب مَبْنِيّ الأَصْل مُنَاسبَة مُعْتَبرَة فِي منع الْإِعْرَاب فبعضهم اعتبروا مَعَ صَلَاحِية الْإِعْرَاب حُصُول اسْتِحْقَاقه بِالْفِعْلِ فَلِذَا عرفوه بِأَنَّهُ الِاسْم الْمركب مَعَ غَيره تركيبا يتَحَقَّق مَعَه عَامله الَّذِي لم يُنَاسب مبْنى الأَصْل بِتِلْكَ الْمُنَاسبَة وَبَعْضهمْ اكتفوا بِتِلْكَ الصلاحية فَلم يعتبروا التَّرْكِيب الْمَذْكُور فَجعلُوا الْأَسْمَاء الْعَارِية عَن المشابهة الْمَذْكُورَة معربة نَحْو زيد - عَمْرو - بكر وَإِطْلَاق المعرب على الْمُضَارع بِمَعْنى أَنه أعرب أَي أجْرى الْإِعْرَاب على آخِره وَإِنَّمَا سمي الِاسْم الْمَذْكُور معربا لِأَنَّهُ من الْإِعْرَاب بِمَعْنى الْإِظْهَار أَو إِزَالَة الْفساد كَمَا عرفت فِي الْإِعْرَاب وَالِاسْم الْمَذْكُور مَحل إِظْهَار الْمعَانِي وَمَكَان إِزَالَة فَسَاد التباس بعض الْمعَانِي بِبَعْضِهَا فالمعرب على هَذَا اسْم مَكَان.
المعرب:
[في الانكليزية] Declinable noun
[ في الفرنسية] Nom declinable
على صيغة اسم المفعول من الإعراب عند النحاة هو ما اختلف آخره باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا، والمراد بما اللفظ وهو كالجنس شامل للمعرب والمبني. وقولهم باختلاف العوامل يخرج المبني، إذ المبني ما لا يختلف آخره باختلاف العوامل لا لفظا ولا تقديرا فيكون حركة آخره أو سكونه لا بسبب عامل أوجب ذلك بل هو مبني عليه.
فالاختلاف اللفظي كما في زيد والتقديري كما في عصا. واعترض عليه بأنّ معرفة الاختلاف متوقّف على العلم بكونه معربا فلما أخذ الاختلاف في حدّ المعرب توقّف معرفة كونه معربا على معرفة الاختلاف، وذلك دور.
وأجيب بأنّا لا نسلّم توقّف معرفة مفهوم اختلاف الآخر على معرفة مفهوم المعرب حتى يلزم الدور، وتوقّف معرفة تحقّق الاختلاف في أفراده على معرفة أنّها معربة بالنظر إلى غير المتتبع لا يقدح في التعريف. فالتعريف في نفسه صحيح، فظهر فساد ما قيل إنّ معرفة الاختلاف وإن لم يتوقّف على معرفة المعرب بالنظر إلى غير المتتبع لكنها موقوفة عليها بالنظر إلى غير المتتبع، وهو الذي دون النحوي فالدور لازم بالنظر إليه. وقد سبق جواب آخر أيضا في تعريف المبني. وللتحرّز عن الدور عرّف ابن الحاجب الاسم المعرب بالمركّب الذي لم يشبه مبني الأصل. قيل المراد بالتركيب هو الإسنادي ليخرج عن الحدّ المضاف في قولنا غلام زيد، ويرد عليه خروج المضاف إليه والمفاعيل وسائر الفضلات عن الحدّ. وقيل المراد بالتركيب هو التركيب الذي مع العامل فخرج المضاف ودخل المضاف إليه، ويرد عليه المبتدأ والخبر فإنّ كلّ واحد منهما مركّب مع الآخر لا مع الابتداء الذي هو عامل فيهما. وأجيب باختيار مذهب الكوفيين من أنّ كلّ واحد منهما عامل في الآخر.
والأولى أن يقال المراد هو التركيب الذي يتحقّق معه العامل، وعلى هذا فلا إشكال ويظهر سببية التركيب للإعراب لأنّه إذا تحقّق معه العامل، سواء كان التركيب معه أو معه ومع غيره تحقّق المعنى المقتضي للإعراب.
والمراد بالمشابهة المناسبة التي هي أعمّ منها أي الاسم المعرب المركّب الذي لم يناسب مبني الأصل وهو الحرف والأمر بغير اللام والماضي مناسبة معتبرة أي مؤثّرة في منع الإعراب فلا يدخل في الحدّ المناسب الغير المشابه نحو يومئذ.
اعلم أنّ صاحب الكشاف جعل الأسماء المعدودة العارية عن المشابهة المذكورة معربة، وليس النزاع في المعرب الذي هو اسم مفعول من قولك أعربت الكلمة، فإنّ ذلك لا يحصل إلّا بإجراء الإعراب على الكلمة بعد التركيب، بل هو في المعرب اصطلاحا، فاعتبر العلامة مجرّد الصلاحية لاستحقاق الإعراب بعد التركيب وهو الظاهر من كلام الإمام عبد القاهر. واعتبر ابن الحاجب مع الصلاحية حصول الاستحقاق بالفعل ولهذا أخذ التركيب في مفهومه. وأمّا وجود الإعراب بالفعل في كون الاسم معربا فلم يعتبره أحد، ولذا يقال لم تعرب الكلمة وهي معربة.

اعلم أنّ المعرب على نوعين: الفعل المضارع والاسم المتمكّن، وله نوعان: نوع يستوفي حركات الإعراب والتنوين كزيد ورجل ويسمّى المنصرف، وقد يقال له الأمكن أيضا، ونوع يحذف عنه الجرّ والتنوين ويحرّك بالفتح موضع الجرّ كأحمد وإبراهيم إلّا إذا أضيف أو دخله لام التعريف، ويسمّى غير المنصرف كما في المفصّل واللباب.

الْمُنَافِق

(الْمُنَافِق) من يخفي الْكفْر وَيظْهر الْإِيمَان وَمن يضمر الْعَدَاوَة وَيظْهر الصداقة وَمن يظْهر خلاف مَا يبطن
الْمُنَافِق: فِي شرح الْمَقَاصِد أَن الْكَافِر إِن أظهر الْإِيمَان فَهُوَ الْمُنَافِق - وَإِن أظهر كفره بعد الْإِيمَان فَهُوَ الْمُرْتَد - وَإِن قَالَ بالشريك فِي الألوهية فَهُوَ الْمُشرك - وَإِن تدين بِبَعْض الْأَدْيَان والكتب المنسوخة فَهُوَ الْكِتَابِيّ. وَإِن ذهب إِلَى قدم الدَّهْر واستناد الْحَوَادِث إِلَيْهِ فَهُوَ الدهري - وَإِن كَانَ لَا يثبت الْبَارِي فَهُوَ الْمُعَطل - وَإِن كَانَ مَعَ اعْتِرَاف نبوة النَّبِي ينْطق عقائد هِيَ كفر بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ الزنديق - فالمنافق هُوَ الَّذِي يظهرالإيمان قولا ويضمر الْكفْر اعتقادا. وَحكمه إِــجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام لكَونه مظهر الْإِيمَان. وَأَحْكَام الشَّرْع تجْرِي على الظَّاهِر.

التّغليب

التّغليب:
[في الانكليزية] Predominancy
[ في الفرنسية] Predominance
باللام عند أهل المعاني إعطاء الشيء حكم غيره. وقيل ترجيح أحد المغلوبين على الآخر، إجراء للمختلفين مجرى المتفقين نحو قوله تعالى وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ، والأصل قانتات. فعدّت الأنثى من المذكّر تغليبا وقوله تعالى بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، والقياس أن يؤتى بياء العيبة لا بتاء الخطاب. وقوله تعالى وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، غلّب فيه غير العاقل على العاقل فأتى بما لكثرته، وفي آية أخرى عبّر بمن فغلّب العاقل لشرفه. وقوله تعالى فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ عدّ إبليس منهم بالاستثناء تغليبا لكونه بينهم. وقوله تعالى قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي المشرق والمغرب غلّب المشرق لأنّه أشهر الجهتين. قال في البرهان: وإنّما كان التغليب مجازا لأنّ اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، فإنّ القانتين مثلا موضوع للذكور فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير الموضوع له، كذا في الإتقان في نوع الحقيقة والمجاز.

التّعقيد

التّعقيد:
[في الانكليزية] Complication
[ في الفرنسية] Complication
كالتصريف عند أهل البيان كون الكلام غير ظاهر الدلالة على المراد لخلل إما في النظم وإما في الانتقال أي كونه غير ظاهر الدلالة مع أنّ المقصود من إيراده إعلام المرام، فخرج المتشابه إذ المقصود منه الابتلاء لا الإفهام، ولا يرد المشترك والمجمل أيضا إذ ليس فيهما خلل لا في النظم ولا في الانتقال كما فسّر به. والتعقيد مطلقا سواء كان لفظيا وهو الذي يكون بسبب خلل في النظم أو معنويا وهو الذي يكون بسبب خلل في الانتقال مخلّ بالفصاحة. وأورد عليه بأنّه لو كان مخلّا بالفصاحة لم يكن اللّغز والمعمّى عنه مقبولين مع أنّهما مما يورد في علم البديع. والجواب أنّ قبولهما ليس من حيث الفصاحة بل لاشتمالهما على دقّة يختبر بها أهل الفطن. ولما كان عدم ظهور الدلالة صادقا على عدم ظهورها لاشتمال الكلام على لفظ غريب أو مخالف للقياس مع أنّه ليس تعقيدا قيّد ذلك بقولنا لخلل. ثم إنّه ليس المراد بالنظم كون الألفاظ مترتبة المعاني متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل فإنّ النظم حينئذ شامل لرعاية ما يقتضيه علم المعاني وعلم البيان. والخلل فيه يشتمل التعقيد المعنوي والخطأ في تأدية المعنى، بل المراد بالنظم تركيب الألفاظ على وفق ترتيب يقتضيه إجراء أصل المعنى. والخلل في النظم بأن يخرج عن هذا التركيب إلى ما لا تشهد به قوانين النحو المشهورة أو إلى ما تشهد به لكن تحكم بأنّه على خلاف طبيعة المعنى فتخفى الدلالة لكثرة اجتماع خلاف الأصل الموجبة لتحيّر السامع. قال في الإيضاح:
فالكلام الخالي عن التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلّا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية.
فالتعقيد اللفظي ربما كان لضعف التأليف وربما كان مع الخلوص عنه بأن يكون على قوانين هي خلاف الأصل، فلا يكون اشتراط الخلوص عنه في تعريف فصاحة الكلام بعد ذكر الخلوص عن ضعف التأليف مستدركا كما توهم، ولا يكون وجود التعقيد اللفظي بلا مخالفة لقانون نحوي مشهور، مخالفا للحكم بأنّ مرجع الاحتراز عن التعقيد اللفظي هو النحو كما توهّم أيضا، لأنّ النحو يميز بين ما هو الأصل وبين ما هو خلاف الأصل، والاحتراز عنه بالاحتراز عن جمع كثير من خلاف الأصل. وأمّا أنّه هل يكون الضعف بدون التعقيد اللفظي أم لا، فالحق الثاني وإن توهّم بعض الأفاضل أنّه لا تعقيد في جاءني أحمد بالتنوين لأنّ جاءني أحمد يفيد مجيء أحمد ما لا الشخص المعيّن، فلا يكون ظاهر الدلالة على الشخص المعيّن المراد. مثاله قول الفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي:
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه.
أي ليس في الناس مثله حيّ يقاربه في الفضائل إلّا مملّك وهو الذي أعطي الملك والمال، يعني هشاما، أبو أمّه أي أبو أم ذلك المملّك، أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح، أي لا يماثله أحد إلّا ابن أخته وهو هشام، ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حيّ، وبين الموصوف والصفة أعني حيّ يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه، وتقديم المستثنى أعني مملّكا على المستثنى منه أعني حيّ، ولهذا نصبه، وإلّا فالمختار البدل. فهذا التقديم شائع الاستعمال لكنه أوجب زيادة في التعقيد. والمراد بالخلل في الانتقال الخلل الذي ليس لخلل النظم وإلّا فعدم ظهور الدلالة لخلل في النظم إنّما هو لخلل في الانتقال. قال في الإيضاح والكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما يكون الانتقال فيه من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيّل إلى السّامع أنّه فهمه من حاق اللفظ انتهى. والمراد أنّه فهمه قبل تمام الكلام لغاية ظهوره على زعمه. واعترض عليه بأنّه يفهم منه لزوم كون الجامع في الاستعارة ظاهرا، وقد ذكروا أنّ الجامع إذا ظهر بحيث يفهمها غير الخاصة تسمّى مبتذلة ويشترطون في قبولها أن يكون الجامع غامضا دقيقا. فبين الكلامين تدافع وأجيب بأنّ غموض الاستعارة ودقّة جامعها لا ينافي وضوح طريق الانتقال بأن لا يكون مانع لغوي أو عرفي، ولا يرد الإبهام الذي عدّ من المحسّنات للكلام البليغ، لأنّه إنّما يعدّ محسّنا عند وضوح القرينة الدالة على المراد.
والاعتراض بأنّ سهولة الانتقال ليست بشرط في قبول الكنايات وإلّا لزم خروج أكثر الكنايات المعتبرة عند القوم من حيّز الاعتبار خارج عن حيّز الاعتبار، لأنّ صعوبة الانتقال في تلك الكنايات إن أدّت إلى التعقيد فلا نسلّم اعتبارها عندهم. كيف وقد صرّحوا بأنّ المعمّى واللغز غير معتبرين عندهم لاشتمالهما على التعقيد.
واعترض أيضا أنّه يلزم أن لا يكون الكلام الخالي عن المعنى الثاني فصيحا لأنّه ليس له الخلوص عن التعقيد ودفعه بأنّ مثل هذا الكلام بمنزلة الساقط عن درجة الاعتبار عند البلغاء غير وجيه، لأنّ الكلام الخالي عن المجاز والكناية إذا روعي فيه المطابقة لمقتضى الحال كيف يكون ساقطا عن درجة الاعتبار إلّا أن يقال هو ساقط باعتبار الدلالة على المعنى، وإن كان معتبرا من حيث رعاية مقتضى الحال. وبعد يتجه عليه أنّ المعتبر في البلاغة سقوط ما ليس له معنى ثان بمعنى مقتضى الحال لا باعتبار الكون مجازا أو حقيقة. والأحسن أن يقال خصّ صاحب الإيضاح البيان الخالي عن التعقيد بما استعمل في المعنى المجازي لأنّه المحتاج إلى البيان والتوضيح. وأمّا الخلو عن التعقيد المعنوي لعدم معنى ثان فواضح لا حاجة إلى بيان هذا. مثال التعقيد المعنوي قول عباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا.
فالشاعر قصد إلى أن يحصل المراد بأن يكون في الاستغناء عنه كالهارب ويري نفسه عنه معرضا. ومن هذا حكم بأنّ الحرص شؤم والحريص محروم. وقيل لو لم تطلب الرزق يطلبك. وفي الحديث «زر غبّا تزدد حبّا».
وبالجملة جعل سكب الدموع وهو البكاء كناية عمّا يلزم فراق المحبوبين من الحزن وأصاب لأنّه واضح الانتقال لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه وجعل جمود العين كناية عن السرور قياسا على جعل السّكب بمقابله ولم يصب، لأنّ سكب الدموع قلّما يفارق الحزن بخلاف جمود العين فإنّه يعمّ أزمنة الخلوّ عن الحزن، سواء كان زمن السرور أو لا، فلا ينتقل منه إلى السرور بل إلى الخلوّ من الحزن. هذا كلّه خلاصة ما في المطول والأطول والچلپي وأبى القاسم.

التّشبيه

التّشبيه:
[في الانكليزية] Simile
[ في الفرنسية] Comparaison
لغة الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر.
وظاهر هذا شامل لنحو قولنا قاتل زيد عمروا، وجاءني زيد وعمرو وما أشبه ذلك، مع أنها ليست من التشبيه. وأجيب بأنّ المدلول المطابقي في هذه الأمثلة: ثبوت المسند لكل من الأمرين ويلزمه مشاركتهما في المسند. فالمتكلّم إن قصد المعنى المطابقي فلم يدل على المشاركة، إذ المتبادر من إسناد الأفعال إلى ذوي الاختيار ما صدر بالقصد فلم يندرج في التفسير المذكور، وإن قصد المعنى الالتزامي فقد دلّ على المشاركة فهو داخل في التشبيه. وما وقع في عبارة أئمة التصريف أنّ باب فاعل وتفاعل للمشاركة والتشارك فمسامحة، والمراد أنّه يلزمهما.
فمنشأ الاعتراض إما ظاهر عبارة أئمة التصريف أو عدم الفرق بين ثبوت حكم لشيء وبين مشاركة أحدهما لآخر، أو الغفلة عن اعتبار القصد فيما يسند إلى ذوي الاختيار. والتحقيق أنّ هذه الأمثلة على تقدير قصد المشاركة فيهما تدلّ على التشابه، وفرق بين التشابه والتشبيه كما ستعرف.
وعند أهل البيان هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد. وكثيرا ما يطلق في اصطلاحهم على الكلام الدّال على المشاركة المذكورة أيضا. فالأمر الأول هو المشبّه على صيغة اسم المفعول والثاني هو المشبّه به، والمعنى هو وجه التشبيه، والمتكلّم هو المشبّه على صيغة اسم الفاعل. قيل وينبغي أن يزاد فيه قولنا بالكاف ونحوه ليخرج عنه نحو قاتل زيد عمروا وجاءني زيد وعمرو. وفيه أنّه ليس تشبيها كما عرفت، فدخل في هذا التفسير ما يسمّى تشبيها بلا خلاف وهو ما ذكرت فيه أداة التشبيه نحو: زيد كالأسد أو كالأسد بحذف زيد لقيام قرينة. وما يسمّى تشبيها على القول المختار وهو ما حذفت فيه أداة التشبيه وجعل المشبّه به خبرا عن المشبّه أو في حكم الخبر سواء كان مع ذكر المشبّه أو مع حذفه، فالأول كقولنا زيد أسد والثاني كقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أي هم صمّ بكم عمي، فإن المحققين على أنّه يسمّى تشبيها بليغا لا استعارة.
ثم إنّ هذا التعريف عرف به الخطيب على ما هو مذهبه فإنّ مذهبه أنّ الاستعارة مشتركة لفظا بين الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية. ولذا لم يقل لا على وجه الاستعارة مع كونه أخصر، إذ لا يصح إرادة المعنيين من المشترك في إطلاق واحد ولم يذكر الاستعارة التخييلية لأنها عنده، وكذا عند السلف إثبات لوازم المشبّه به للمشبّه بطريق المجاز العقلي، وليست فيه دلالة على مشاركة أمر لأمر فهي خارجة بقوله الدلالة على مشاركة أمر لأمر، بل لم يدخل في التفسير حتى يحتاج إلى إخراجه بقيد. وأمّا على مذهب السّكّاكي وهو أنّ الاستعارة مشتركة معنى بين الكلّ والتخييلية استعارة اللفظ لمفهوم شبه المحقق فيجب الاكتفاء بقوله ما لم يكن على وجه الاستعارة، لأن في التقييد تطويلا وكذا عند السلف فإنّ لفظ الاستعارة عندهم مشترك معنى بين التحقيقية والمكنية. وقوله والتجريد أي لا على وجه التجريد ليخرج تشبيه يتضمنه التجريد وهو التجريد الذي لم يكن تجريد الشيء عن نفسه لأنه حينئذ لا تشبيه نحو لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ فإنّه لا نزاع أن دار الانتزاع دار الخلد من جهنّم وهي عين دار الخلد لا مشبّه به، بخلاف لقيت من زيد أسدا فإنّه لتجريد أسد من زيد وأسد مشبّه به لزيد لا عينه، ففيه تشبيه مضمر في النفس. فمن احترز به عن نحو قولهم لهم فيها دار الخلد فلم يجرد عقله عن غواشي الوهم، وكأن حبالة الوهم فيه تعريف التجريد بالانتزاع من أمر ذي صفة الخ. ثم إنّهم زعموا أنّ إخراج التجريد من التشبيه مخالفة من الخطيب مع المفتاح حيث صرّح بجعل التجريد من التشبيه. وفيه ما ستعرفه في خاتمة لفظ الاستعارة.
فائدة.
إذا أريد الجمع بين شيئين في أمر مركّبا كان أو مفردا حسيّا كان أو عقليا واحدا كان أو متعددا، فالأحسن أن يسمّى تشابها لا تشبيها ويجوز التشبيه أيضا، وذلك تارة يكون في المتساويين في وجه الشّبه، وتارة يكون في المتفاوتين من غير قصد إفادة التفاوت. قال الشاعر:
رقّ الزجاج ورقّت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر فكأنّه خمر ولا قدح. وكأنّها قدح ولا خمر
فائدة
أركان التشبيه أربعة. طرفاه يعني المشبّه والمشبّه به وأداته كالكاف وكأنّ ومثل وشبه ونحوها ووجهه وهو ما يشتركان فيه تحقيقا أو تخييلا، أي وجه التشبيه ما يشترك الطرفان فيه بحكم التشبيه فيؤول المعنى إلى ما دلّ على اشتراكهما فيه، فلا يرد نحو ما أشبهه بالأسد للجبان لأنّ الشجاعة ليست مشتركة بينهما مع أنّها وجه التشبيه للدلالة على مشاركتهما فيها ولا يلزم أن يكون من وجوه التشبيه في زيد كالأسد الوجود والجسمية والحيوانية. ويتجه أنه يلزم أن يكون الطرفان قبل الدلالة على الاشتراك فيه طرفين إلّا أن يتجوّز، وأخرج التعريف مخرج من قتل قتيلا. وفي قولنا تحقيقا أو تخييلا إشارة إلى أنّ وجه الشبه لا يجب أن يكون من أوصاف الشيء في نفسه من غير اعتبار معتبر. والمراد بالتخييل هو أن لا يوجد في أحد الطّرفين أو كليهما إلّا على سبيل التخييل والتأويل.
فائدة:
الغرض من التشبيه في الأغلب يعود إلى المشبّه لبيان إمكان وجوده أو لبيان حاله بأنّه على أيّ وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السّواد، أو لبيان مقدار حاله كما في تشبيه الثوب بالغراب في شدّة السواد، أو لبيان تقريرها أي تقرير حال المشبّه في نفس السامع وتقوية شأنه كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. وهذه الأغراض الأربعة تقتضي أنّ يكون وجه الشّبه في المشبّه به أتمّ وهو به أشهر، أو لبيان تزيينه في عين السامع كما في تشبيه وجه أسود بمقلة الظبي، أو لبيان تشويهه أي تقبيحه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة- البراز- جامدة قد نقرتها الديكة، أو لبيان استطرافه أي عدّ المشبّه طريفا حديثا كما في تشبيه فحم فيه جمر. قال الشاعر:
كأنما الفحم والجمار به بحر من المسك موجه الذهب أي لإبراز المشبّه في صورة الممتنع عادة.
وله أي للاستطراف وجه آخر غير الإبراز في صورة الممتنع عادة وهو أن يكون المشبّه به نادر الحضور في الذهن، إمّا مطلقا كما في المثال المذكور وإمّا عند حضور المشبّه كما في قوله في البنفسج:
ولازورديّة تزهو بزرقتها بين الرياض على حمر اليواقيت كأنّها فوق قامات ضعفن بها أوائل النار في أطراف كبريت فإنّ صورة اتصال النّار بأطراف الكبريت لا تندر كندرة بحر من المسك موجه الذهب، لكن تندر عند حضور صورة البنفسج. وقد يعود الغرض إلى المشبّه به وهو ضربان: الضرب الأول إيهام أنّه أتمّ في وجه التشبيه من المشبّه وذلك في التشبيه المقلوب، وهو أن يجعل الناقص في وجه الشّبه مشبّها به قصدا إلى ادّعاء أنه زائد في وجه الشّبه كقوله:
بدأ الصّباح كأنّ غرّته وجه الخليفة حين يمتدح فإنّه قصد إيهام أنّ وجه الخليفة أتمّ من الصباح في الوضوح والضياء.

قال في الأطول: ولا يخفى أنّه يجوز أن يكون التشبيه المقلوب مبنيا على تسليم أنّه أتم من المشبّه إذا كان بينك وبين مخاطبك نزاع في ذلك وأنت جاريت معه، وأنه يصحّ التشبيه المقلوب في تشبيه التزيين والتشويه والاستطراف لا دعاء أنّ الزينة في المشبّه به أتم أو القبح أكثر، أو ادّعاء أنّ المشبّه أندر وأخفى. ولا يظهر اختصاصه بصورة الحاق الناقص بالكامل.
والضرب الثاني بيان الاهتمام به أي بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف، ويسمّى هذا النوع من الغرض إظهار المطلوب.

قال في الأطول: ويمكن تربيع قسمة الغرض ويجعل ثالث الأقسام أن يعود الغرض إلى ثالث وهو تحصيل العناق أي الاتصال بين صورتين متباعدتين غاية التباعد، فإنّه أمر مستطرف مرغوب للطباع جدا. ورابعها أن يعود الغرض إلى المشبّه والمشبّه به جميعا، وهو جعلهما مستطرفين بجميعهما لأنّ كلا من المتباعدين مستطرف إذا تعانقا.
[التقسيم]
التقسيم الأول
وللتشبيه تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام لأنّهما إمّا حسّيان نحو كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أو عقليان نحو ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً. كذا مثّل في البرهان، وكأنه ظنّ أنّ التشبيه واقع في القسوة وهو غير ظاهر بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فمثاله العلم والحياة. أو مختلفان بأن يكون المشبّه عقليا والمشبّه به حسّيا كالمنيّة والسبع أو بالعكس مثل العطر وخلق رجل كريم، ولم يقع هذا القسم في القرآن، بل قيل إنّ تشبيه المحسوس بالمعقول غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها. ولذا قيل من فقد حسّا فقد علما، يعنى العلم المستفاد من ذلك الحسّ. وإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا، وهو غير جائز.
والمراد بالحسيّ المدرك هو أو مادته بالحسّ أي بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، فدخل فيه الخيالي، وبالعقلي ما عدا ذلك وهو ما لا يكون هو ولا مادته مدركا بإحدى الحواس الظاهرة فدخل فيه الوهمي الذي لا يكون للحسّ مدخل فيه لكونه غير منتزع منه، بخلاف الخيالي فإنّه منتزع منه، وكذا دخل الوجدانيات كاللذة والألم. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إمّا تشبيه مفرد بمفرد ويسمّى بالتشبيه المفرق والمفردان إمّا مقيدان بأن يكون للمقيد بهما مدخل في التشبيه كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل هو كالراقم على الماء، فإنّ المشبّه به هو الراقم المقيّد بكون رقمه على الماء لأنّ وجه الشبه فيه التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين. ثم إنّ القيد يشتمل الصلة والمفعول ولا يخصّ بالإضافة والوصف كما هو المشهور. ومن القيود الحال أو غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد أو مختلفان في التقييد وعدمه كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. فإن المشبّه وهو الشمس غير مقيد والمشبّه به وهو المرآة مقيّد بكونها في كفّ الأشل وعكسه، أي تشبيه المرآة في كفّ الأشل بالشمس فيما يكون المشبّه مقيدا والمشبّه به غير مقيد. وإما تشبيه مركّب بمركّب وحينئذ يجب أن يكون كلّ من المشبّه والمشبّه به هيئة حاصلة من عدة أمور وهو قد يكون بحيث يحسن تشبيه كل جزء من أجزاء أحد الطرفين بما يقابله من الطرف الآخر كقوله:
كأن أجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق فإنّ تشبيه النجوم بالدّرر وتشبيه السماء ببساط أزرق تشبيه حسن، وقد لا يكون بهذه الحيثية كقوله:
فكأنما المريخ والمشتري قدامه في شامخ الرفعة منصرف بالليل عن دعوة قد أسرجت قدّامه شمعة فإنه لا يصح تشبيه المريخ بالمنصرف بالليل عن دعوة. وقد يكون بحيث لا يمكن أن يعتبر لكل جزء من أجزاء الطرفين ما يقابله من الطرف الآخر إلّا بعد تكلّف، نحو مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً. الآية فإنّ الصحيح أنّ هذين التشبيهين من التشبيهات المركّبة التي لا يتكلّف لواحد واحد شيء يقدر تشبيهه به فإن جعلتها من المفرقة فلا بد من تكلّف وهو أن يقال في الأول شبّه المنافق بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي الثاني شبّه دين الإسلام بالصيّب وما يتعلّق به من شبه الكفر بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد، وما يصيب الكفرة من الإفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. وإمّا تشبيه مفرد بمركّب كتشبيه الشاة الجبلي بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر نابت على رأسه شجرتا غضا.
والفرق بين المفرد المقيّد وبين المركّب يحتاج إلى تأمّل، فإنّ المشبّه به في قولنا هو كالراقم على الماء إنّما هو الراقم بشرط أن يكون رقمه على الماء، وفي الشاة الجبلي هو المجموع المركّب من الأمور المتعددة بل الهيئة الحاصلة منها. وإمّا تشبيه مركّب بمفرد. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إن تعدد طرفاه فإمّا ملفوف وهو أن يؤتى على طريق العطف أو غيره بالمشبّهات أو لا، ثمّ بالمشبّه بها [كذلك،] أو بالعكس كقولنا كالشمس والقمر زيد وعمرو، وقولنا كالقمرين زيد وعمرو إذا أريد تشبيه أحدهما بالشمس والآخر بالقمر، أو مفروق وهو أن يؤتى بمشبّه ومشبّه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنانير. ولا يخفى أنّ الملفوف والمفروق لا يخصّ بالطرف بل يجري في الوجه أيضا. وإن تعدّد طرفه الأول يعني المشبّه يسمى تشبيه التسوية لأنه سوّى بين المشبهين كقوله.
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي. ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلئ وإن تعدّد طرفه الثاني أعني المشبه به فتشبيه الجمع لأنّه يجمع للمشبّه وجوه تشبيه أو يجمع له أمور مشبهات كقوله:
كإنّما تبسم عن لؤلؤ. منضّد أو برد أو أقاح وقيل شعر آخر مشتملا على عدة تشبيهات وهو:
نفسي الفداء لثغر راق مبسمه وزانه شنب ناهيك من شنب.
يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد وعن أقاح وعن طلع وعن حبب هكذا في مقامات الحريري
التقسيم الثاني
باعتبار الأداة إلى مؤكد وهو ما حذفت أداته نحو زيد أسد ومرسل وهو بخلافه. وفي جعل زيد في جواب من قال من يشبه الشمس تشبيها مؤكدا نظر، لأن حذف الأداة على هذا الوجه لا يشعر بأنّ المشبّه عين المشبّه به.
فالوجه أن يفرّق بين الحذف والتقدير ويجعل الحذف كناية عن الترك بالكلية بحيث لا تكون مقدّرة في نظم الكلام. ويجعل الكلام خلوا عنها مشعرا بأنّ المشبّه عين المشبّه به في الواقع بحسب الظاهر. فعلى هذا قوله تعالى وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ إذا كان تقديره مثل مرّ السّحاب بالقرينة، فتشبيه مرسل، وبدعوى أن مرور الجبال عين مرّ السحاب تشبيه مؤكّد فاعرفه، فإنّه من المواهب. فالمرسل ما قصد أداته لفظا أو تقديرا لعدم تقييده بالتأكيد المستفاد من إجراء المشبّه به على المشبه. فإن قلت إنّ زيدا كالأسد مشتمل على تأكيد التشبيه فكيف يجعل مرسلا؟ قلت اعتبر في المؤكد والمرسل التأكيد بالنظر إلى نفس أركان التشبيه مع قطع النظر عما هو خارج عما يفيد التشبيه.
التقسيم الثالث
باعتبار الوجه. فالوجه إمّا غير خارج عن حقيقة الطرفين سواء كان نفس الحقيقة أو نوعا أو جنسا أو فصلا، وسواء كان حسيا مدركا بالحس أو عقليا، وإمّا خارج عن حقيقتهما.
ولا يخفى أنّ تشبيه الإنسان بالفرس في الحيوانية لا في الحيوان كما هو دأب أرباب اللسان. وكون الشيء حيوانا ليس جنسا فكأنّه أريد بالوجه الداخل ما يوجد بالنظر إلى الداخل. ثم الخارج لا بدّ أن يكون صفة، أي معنى قائما بالطرفين لأنّ الخارج الذي ليس كذلك غير صالح لكونه وجه شبه. والصفة إمّا حقيقية أي موجودة في الطرفين لا بالقياس إلى الشيء سواء كانت حسّية أي مدركة بالحسّ أو عقلية وإمّا إضافية. وأيضا باعتبار الوجه وجه التشبيه إمّا واحد وهو ما لا جزء له، وإمّا بمنزلة الواحد لكونه مركبا من متعدّد، إمّا تركيبا حقيقيا بأن يكون وجه التشبيه حقيقة ملتئمة من متعدّد، أو تركيبا اعتباريا بأن يكون هيئة منتزعة انتزعها العقل من متعدّد، وإمّا متعدّد بأن يقصد [فيه] بالتشبيه تشريك الطرفين في كلّ واحد من متعدّد، بخلاف المركّب من وجه الشبه، فإنّ القصد فيه إلى تشريكهما في مجموع الأمور أو في الهيئة المنتزعة عنها. هذا ثمّ الظاهر أن يخصّ التركيب في هذا العرف بالمركّب الاعتباري ويجعل المركب الحقيقي داخلا في الواحد إذ ليس المراد بتركيب المشبّه أو المشبّه به أن يكون حقيقته مركبة من أجزاء مختلفة، ضرورة أنّ الطرفين في قولنا زيد كالأسد مفردان لا مركبان، وكذا في وجه الشّبه ضرورة أنّ وجه الشبه في قولنا: زيد كعمرو في الإنسانيّة واحد لا منزّل منزلة الواحد، بل المراد بالتركيب أن تقصد إلى عدة أشياء مختلفة أو إلى عدة أوصاف لشيء واحد فتنتزع منها هيئة وتجعلها مشبّها ومشبّها به، أو وجه تشبيه. ولذلك ترى صاحب المفتاح يصرّح في تشبيه المركّب بالمركّب بأنّ كلّا من المشبّه والمشبّه به هيئة منتزعة.
اعلم أنّه لا يخفى أنّ هذا التقسيم يجري في الطرفين، فإنّ المشبّه أو المشبّه به قد يكون واحدا وقد يكون بمنزلة الواحد وقد يكون متعددا. فالقول بأنّ تعدّد الطرف يوجب تعدّد التشبيه عرفا دون تعدّد وجه الشّبه لو تمّ لتمّ وجه التخصيص.
واعلم أيضا أنّ كلّا من الواحد وما هو بمنزلته إمّا حسّي أو عقلي، والمتعدّد إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، أي بعضه حسّي وبعضه عقلي، والحسّي وكذا المختلف طرفاه حسّيان لا غير، والعقلي أعمّ. وبالجملة فوجه الشبه إمّا واحد أو مركّب أو متعدّد، وكل من الأولين إمّا حسّي أو عقلي، والأخير إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، فصارت سبعة أقسام، وكل منه إمّا طرفاه حسّيان أو عقليان وإمّا المشبّه حسّي والمشبّه به عقلي أو بالعكس، فتصير ثمانية وعشرين، لكن بوجوب كون طرفي الحسّي حسّيين يسقط اثنا عشر ويبقى ستة عشر. هذا ما قالوا. والحق أن يقسم ما هو بمنزلة الواحد أيضا ثلاثيا، كتقسيم المتعدّد. فعلى هذا يبلغ الأقسام إلى اثنين وثلاثين والباقي بعد الإسقاط سبعة عشر، كما يشهد به التأمّل هكذا في الأطول. وأيضا باعتبار الوجه إمّا تمثيل أو غير تمثيل، والتمثيل تشبيه وجه منتزع من متعدّد وغير التمثيل بخلافه.
وأيضا باعتبار الوجه إمّا مفصّل أو مجمل، فالمفصّل ما ذكر وجهه وهو على قسمين: أحدهما أن يكون المذكور حقيقة وجه الشبه نحو زيد كالأسد في الشجاعة. وثانيهما أن يكون المذكور أمرا مستلزما له كقولهم الكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة، فإنّ الجامع فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطّبع لأنه المشترك بين الكلام والعسل. والمجمل ما لم يذكر وجهه فمنه ظاهر يفهم وجهه كلّ أحد ممن له مدخل في ذلك نحو زيد كالأسد، ومنه خفي لا يدرك وجهه إلّا الخاصة سواء أدركه بالبداهة أو بالتأمّل، كقولك هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، أي هم متناسبون في الشرف كالحلقة المفرغة متناسبة في الأجزاء صورة. ولا يخفى أنّ المراد بالخفي الخفي في حدّ ذاته، فلا يخرجه عن الخفاء عروض ما يوجب ظهوره كما في هذا المثال. فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة يظهر وجه الشّبه فلا اختصاص لهذا التقسيم بالمجمل، بل يجري في المفصل أيضا كأنّهم خصّوا به للتنبيه على أنّه مع خفاء التشبيه فيه يحذف الوجه. وأيضا من المجمل ما لم يذكر فيه وصف أحد الطرفين أي وصف يذكر له من حيث أنّه طرف وهو وصف يشعر بوجه الشّبه، فلا يخرج منه زيد الفاضل أسد لأنّ زيدا لا يثبت له الفضل من حيث أنّه كالأسد. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه به فقط كقولك هم كالحلقة المفرغة إلخ، فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة مشعر بوجه الشّبه. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه فقط وكأنّهم لم يذكروا هذا القسم لعدم الظّفر به في كلامهم. ومنه ما ذكر فيه وصفهما أي وصف المشبّه والمشبّه به كليهما نحو فلان كثير المواهب أعرضت عنه أو لم تعرض كالغيث فإنّه يصيبك جئته أو لم تجئ. وهذان الوصفان مشعران بوجه الشّبه أي الإفاضة [في] حالتي الطلب وعدمه وحالتي الإقبال والإعراض.
اعلم أنّه لا يخفى جريان هذا التقسيم في المفصل وكأنّهم لم يتعرّضوا له لأنه لم يوجد إذ لا معنى لإيراد ما يشعر بالوجه مع ذكره، أو لأنّ ذكره في المجمل لدفع توهّم أنه ليس التقسيم مجملا مع ما يشعر بالوجه، ولا داعي لذكره في المفصل. وأيضا باعتبار الوجه إمّا قريب مبتذل وهو التشبيه الذي ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادئ الرأي. ولا ينتقض التعريف بتشبيه يكون المشبّه به لازما ذهنيا للمشبّه مع خفاء وجهه، لأنّه ليس انتقالا لظهور وجهه في بادئ الرأي. وقولنا لظهور وجهه قيد للتعريف. وتحقيقه أن يكون [المشبّه] بحيث إذا نظر العقل فيه ظهر المفهوم الكلّي الذي يشترك بينه وبين المشبّه به من غير تدقيق نظر، والتفت النفس إلى المشبّه به من غير توقف.
ولم يكتف بما ظهر وجهه في بادئ الرأي لأنه يتبادر منه الظهور بعد التشبيه وإحضار الطرفين وهو لا يكفي في الابتذال، بل لا بدّ أن يكون الانتقال من المشبّه إلى المشبّه به لظهور وجهه بمجرد ملاحظة المشبّه كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة في الاستدارة والاستنارة، فإنّ وجه الشبه فيه لكونه تفصيليا ظاهر. وإمّا غريب بعيد وهو ما لا ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به لظهور وجهه في بادئ الرأي، سواء انتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من بادئ الرأي لكون المشبّه به لازما ذهنيا، لا لظهور وجهه، أولا ينتقل منه إليه كذلك أصلا كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. وكلما كان تركيب وجه التشبيه خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر كقوله تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ الآية. وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا نحو قول الشاعر
عزماته مثل النجوم ثواقبا لو لم يكن للثاقبات أفول أي غروب. وهذا التشبيه يسمّى بالتشبيه المشروط، وهو التشبيه الذي يقيّد فيه المشبّه أو المشبّه به أو كلاهما بشرط وجودي أو عدمي أو مختلف يدلّ عليه بصريح اللفظ كما في البيت السابق، أو بسياق الكلام نحو هو بدر يسكن الأرض، فإنّه في قوة ولو كان البدر يسكن الأرض، وهذه القبّة فلك ساكن أي لو كان الفلك ساكنا.
التقسيم الرابع
باعتبار الغرض فالتشبيه بهذا الاعتبار إمّا مقبول وهو الوافي بإفادة الغرض كأن يكون المشبّه به أعرف الطرفين بوجه الشّبه في بيان الحال أو أتمّهما فيه، أي في وجه الشبه في إلحاق الناقص بالكامل، أو كأن يكون مسلّم الحكم فيه، أي في وجه الشبه معروفا عند المخاطب في بيان الإمكان أو التزيين أو التشويه، وإمّا مردود وهو بخلافه، أي ما يكون قاصرا عن إفادة الغرض وقد سبق في بيان الغرض. ثم التسمية بالمقبول والمردود بالنظر إلى وجه الشّبه فقط مجرد اصطلاح، وإلّا فكلما انتفى شرط من شرائط التشبيه باعتبار الوجه أو الطرف فمردود، لكن بعد الاصطلاح على جعل فائت شرط الوجه أو الطرف مقبولا لإفادة الغرض لا يقال الوفاء بالغرض لا يوجد بدون اجتماع شرائط التشبيه مطلقا. هذا كله خلاصة ما في الأطول والمطول.
فائدة:
القاعدة في المدح تشبيه الادنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن المدح مقام الأعلى والأدنى طارئ عليه [والذم بالعكس،] فيقال في المدح فصّ كالياقوت وفي الذمّ ياقوت كالزجاج، وكذا في السلب، ومنه قوله تعالى يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ أي في النزول لا في العلوّ، وقوله تعالى أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أي في سوء الحال، أي لا نجعلهم كذلك. نعم أورد على ذلك مثل نوره كمشكاة فإنّه شبّه فيه الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب، وأجيب بأنه للتقريب إلى أذهان المخاطبين، إذ لا أعلى من نوره، فيشبّه به كذا في الاتقان. أقول هكذا أورد في تشبيه الصلاة على نبينا وآله صلى الله عليه وعليهم وسلّم بالصلاة على إبراهيم وآله بأن الصلاة على نبينا أكمل وأعلى لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الآية. ولأنّ نبينا عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين بالإجماع لا خلاف فيه لأحد من المؤمنين، فالصلاة عليه أشرف وأكمل وأعلى بلا ريب فيلزم تشبيه الأعلى بغير الأعلى. وأجيب عن ذلك بوجوه:
أوّلها أنّ إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام دعا لنبينا حيث قال رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا دعوة إبراهيم) الحديث، فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه قضى الله تعالى عنه حقّه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيمة. وثانيها أنّ إبراهيم سأل ربه بقوله وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها أنّ إبراهيم أبو الملّة لقوله تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الآية ولقوله تعالى قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الآية، وغيرها من الآيات. ونبينا عليه السلام كان أبا الرحمة لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية فلمّا وجب لكل واحد منهما عليهما السلام حقّ الأبوة وحقّ الرحمة قرن بين ذكريهما في باب الصلاة والثناء. ورابعها أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجّ وكان نبينا عليه السلام منادي الدين لقوله تعالى رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ الآية، فجمع بينهما في الصلاة. وخامسها أنّ الشّهرة والظهور في المشبّه به كاف للتشبيه، ولا يشترط كون المشبّه به أكمل وأتمّ في وجه التشبيه. وكان أهل مكّة يدينون ملة إبراهيم على زعمهم وكان أكثرهم من أولاد إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم، وكان إبراهيم مشهورا عندهم وكذلك عند اليهود والنصارى لأنهم من أولاد إسحاق وهو ابن إبراهيم أيضا، فكلّهم ينسبون إلى إبراهيم عليهم السلام. وسادسها بعد تسليم الاشتراط المذكور يكفي أن يكون المشبّه به أتم وأكمل ممن سبق أو من غيره، ولا يشترط كونه أتمّ من المشبّه كما في قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الآية. هكذا في التفسير الكبير وشرح المشكاة ومدارج النبوة.

اعلم أنّه في جامع الصنائع يقول: إنّ التشبيه ينقسم إلى قسمين: الأول: مرعي، يعني أنّ المشبّه والمشبّه به كلاهما من الأعيان، أي الموجودات كما في تشبيه السالفة بالليل والشفة بالسكر. والثاني: غير مرعي: وهو أن يكون المشبّه به ليس من الموجودات، ولكن من الممكن أن يكون كما في تشبيه العمود المدبّب الرأس «ويشعل في الحرب» بالجبل وكانون النار «المصنوع من النحاس» كأنّه بحر من الذهب.

ثم إنّ التشبيه على أنواع: أحدها: التشبيه المطلق، وهو الذي ذكرت فيه أداة التّشبيه وهي في اللسان العربي: الكاف، وكأنّ، ومثل، ونحو ذلك وفي الفارسية: چون «مثل» «ومانند» «مثل» و «گوئي» «كأنك تقول» وما أشبه ذلك. مثال التشبيه المطلق:
عيناك قاهرة كالنار وجودك جار كالماء وطبعك صاف كالنسيم وحلمك ثابت كالطين (الأرض) الثاني: تشبيه مشروط بأنّ يكون شيء يشبه شيئا آخر ومتوقّف على شرط مثاله: إنّي اسمّي قامتك الجميلة سروا ولكن بشرط أن يكون للسّرو غنج ودلال. حينما تخطرون في الحديقة لا يبلغ الورد إلى مستوى رائحتكم ولكن السّرو يستطيع مصارعة قامتكم لو كان غير مقيّد.

الثالث: التشبيه بالعكس: وهو أن يشبّه شيء بشيء في وصف.
ثم يعود فيشبّه المشبّه به في صفة بالمشبّه مثاله:
لقد أضاء سطح الأرض من لمعان الحديد في حوافر خيله حتى بدت كالفلك.
وصار الفلك من غبار جيشه كالأرض مملوءا بالعجاج. مثال آخر:
كرة الأرض من بهاء طلعتك تسامي الفلك في سمّوه والفلك الدوار من غبار حصانك اتخذ الأرض شعارا الرابع: تشبيه الإضمار وهو إيراد شيئين يمكن التشبيه بهما دون ذكر التشبيه، ثم ذكر ألفاظ تجعل السامع يظنّ أنّ المراد هو شيء آخر. وهنا يقع الإيهام والغموض بأنّ المراد هو التشبيه.

ومثاله: إن تحركي سالفك فسأملأ الدنيا هياجا.

أجل: فالمجنون يزيد هيجانه إذا حرّك أحد قيوده.

الخامس: التشبيه بالكناية. أي أن يشبّه شيء بشيء دون ذكر اسمه صراحة، يعني يكنّى عن المشبّه به ولا ذكر للمشبّه أو المشبّه به في الكلام، ولكنه يفهم من السّياق، ومثاله: نزلت من النرجس (قطرات) من اللؤلؤ وسقّت الورد وهزّت العنّاب بحبات من البرد الذي يبهج النفس (الروح).

السادس: تشبيه التفضيل وهو أن يشبّه شيئا بآخر ثم يرجع عن ذلك فيشبّه المشبّه به بالمشبّه مع تفضيل المشبّه ومثاله: أنت كالقمر ولكن أي قمر إنّه متكلّم. أنت كالسّرو ولكن سرو مغناج.

السابع: تشبيه التّسوية: أن يشبّه شيء بشيء آخر يساويه في الصفة انتهى. ويقول في مجمع الصنائع: إنّ تشبيه التسوية حسب ما هو مشهور هو أن يعمد الشاعر إلى صفة من صفاته صفة مماثلة من أوصاف محبوبه فيشبههما بشيء آخر. وأمّا الطريق غير المشهور فهو أن يشبّه الشاعر شيئين بشيء واحد. ومثال هذين النوعين في بيت من الشعر العربي وهما: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلي والتشبيه عند أهل التصوّف عبارة عن صورة الجمال، لأنّ الجمال الإلهي له معان وهي الأسماء والأوصاف الإلهية، وله صورة وهي تجليّات تلك المعاني فيما يقع عليه من المحسوس أو المعقول. فالمحسوس كما في قوله عليه السلام «رأيت ربي صورة شاب أمرد». والمعقول كقوله تعالى «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن بي ما شاء» وهذه الصورة هي المراد بالتشبيه، وهو في ظهوره بصور جماله باق على ما استحقه من تنزيه. فكما أعطيت الجناب الإلهي حقّه من التنزيه فكذلك أعطه من التشبيه الإلهي حقّه.
واعلم أنّ التشبيه في حقّ الله تعالى حكم بخلاف التنزيه، فإنه في حقّه أمر عيني ولا يدركه إلّا الكمّل. وأمّا من سوههم من العارفين فإنما يدرك ما قلنا إيمانا وتقليدا لما تقضيه صور حسنه وجماله، إذ كل صورة من صور الموجودات هي صورة حسنه، فإن شهدت الصورة على الوجه التشبيهي ولم تشهد شيئا من التنزيه فقد أشهدك الحق حسنه من وجه واحد، وإن أشهدك الصورة التشبيهية وتعلّقت فيها التنزيه الإلهي فقد أشهدك الحقّ جماله وجماله من وجهي التشبيه والتنزيه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. واعلم أنّ للحق تشبيهين: تشبيه ذاتي وهو ما عليك من صور الموجودات المحسوسة أو ما يشبه المحسوسة في الخيال، وتشبيه وصفي وهو ما عليه صور المعاني الأسمائية المنتزعة عما يشبه المحسوس.
وهذه الصورة تتعقل في الذهن ولا تتكيف في الحسّ، فمتى تكيفت التحقت بالتشبيه الذاتي، لأن التكيّف من كمال التشبيه والكمال بالذات أولى فبقي التشبيه الوصفي، وهو ما لا يمكن التكيّف فيه بنوع من الأنواع ولا حين يضرب المثل. ألا ترى الحقّ سبحانه كيف ضرب المثل عن نوره بالمشكاة والمصباح والزجاجة وكأنّ الإنسان صورة هذا التشبيه الذاتي، لأن المراد بالمشكاة صدره والزجاجة قلبه وبالمصباح سرّه وبالشجرة المباركة الإيمان بالغيب، وهو ظهور الحقّ في صورة الخلق، لأن معنى الحق غيب في صورة شهادة الخلق، والإيمان به هو الإيمان بالغيب. والمراد بالزيتونية الحقيقة المطلقة التي لا تقول بأنها من كلّ الوجوه حقّ، ولا بأنها من كل الوجوه خلق، فكانت الشجرة الإيمانية لا شرقية، فنذهب إلى التنزيه المطلق بحيث ينفى التشبيه، ولا غربية فنقول بالتشبيه المطلق حتى ينفى التنزيه، فهي تعصر بين قشر التشبيه ولبّ التنزيه، وحينئذ يكاد زيتها يضيئ الذي هو يغيبها فترتفع ظلمة الزيت بنوره ولو لم تمسسه نار المعاينة الذي هو نور عياني، وهو نور التشبيه على نور الإيمان، وهو نور التنزيه يهدي الله لنوره من يشاء. فكان هذا التشبيه ذاتيا، وهو وإن كان ظاهرا بنوع من ضرب المثل فذلك المثل أحد صور حسنه.
فكلّ مثل ظهر فيه الممثّل به فإنّ المثل أحد صور الممثّل به لظهوره به، كذا في الإنسان الكامل.

التّخصيص

التّخصيص:
[في الانكليزية] P articularization
[ في الفرنسية] P articularisation
هو في اللغة تمييز بعض الجملة بحكم.
ولذا يقال خصّ فلان بكذا كذا في كشف البزدوي. وفي عرف النحاة تقليل الاشتراك الحاصل في النكرات، وتقليل الاشتراك الحاصل في المعارف عندهم لا يسمّى توضيحا، بل التوضيح عندهم رفع الاحتمال الحاصل في المعرفة وهذا هو المراد بالتخصيص والتوضيح في قولهم: الوصف قد يكون للتخصيص وقد يكون للتوضيح. وقد يطلق التخصيص على ما يعمّ تقليل الاشتراك ورفع الاحتمال، وتحقيق ذلك أنّ الوصف في النكرات إنما يقلّل الاحتمال والاشتراك، وفي المعارف يرفعه بالكلية، فإنّ رجلا في قولك رجل عالم كان يحتمل على سبيل البدلية جميع أفراده، وبذكر العالم قد زال الاحتمال حيث علم أن ليس المراد غير العالم، وبقي الاحتمال بالنسبة إلى أفراد العالم. وأما زيد في قولك زيد التاجر عند اشتراكه بين التاجر وغيره فكان محتملا لهما، وبذكر الوصف ارتفع ذلك الاحتمال بالكليّة.
لا يقال قد يرتفع الاحتمال بذكر الوصف في النكرات كما إذا لم يكن الموصوف إلّا واحدا، وقد لا يرتفع في المعارف كما إذا كان الموصوف بالتجارة من المسمين بزيد متعددا، لأنّا نقول مفهوم النكرة الموصوفة كلّي وإن كان منحصرا في فرد بحسب الواقع فلم يرتفع الاحتمال بالكليّة نظرا إلى المفهوم، وعند كون الموصوف بالتجارة من المسمين بزيد متعددا يجب ذكر الصفة الرافعة للاحتمال لأنه إنما يستعمل في واحد منهم بعينه وذكر الوصف لدفع مزاحمة الغير ليتعين المراد، فيجب ذكر ما يعين المراد بخلاف النكرة فإنها تستعمل في مفهومها الكلّي. ولذا تكون حقيقة وإن قيّدت بوصف لا توجد إلّا في واحد. ثم كون الوصف رافعا للاحتمال في سائر المعارف محلّ تردّد.
اعلم أنّ الاشتراك والاحتمال إمّا معنوي أي ناشئ من المعنى كما في النكرات وإما لفظي أي ناشئ من اللفظ، سواء كان بحسب الأوضاع المتعدّدة كما في المشترك اللفظي بالقياس إلى أفراد معنى واحد فهو ناشئ من المعنى من قبيل الاشتراك المعنوي، أو بحسب وضع واحد كما في سائر المعارف. فإنّ المعرّف بلام العهد الخارجي مثلا كالرجل يصلح أن يطلق على خصوصية كلّ فرد من المفهومات الخارجية إمّا لأنه موضوع بإزاء تلك الخصوصيات وضعا عاما وإمّا لأنه موضوع لمعنى كلّي ليستعمل في جزئياته لا فيه. وأيّا ما كان فالاحتمال ناشئ من اللفظ فقال السيّد السّند: الظاهر أنهم أرادوا الاشتراك المعنوي، لأنّ التقليل إنّما يتصور فيه بلا تمحّل كما في رجل عالم فلا تكون جارية في قولنا عين جارية صفة مخصصة، وقد يتمحّل فيحمل الاشتراك على ما هو أعمّ من المعنوي واللفظي وتجعل جارية صفة مخصصة لأنها قللت الاشتراك بأن رفعت مقتضى الاشتراك اللفظي وهو احتمال العين لمعانيه [وعينت معنى واحدا] فلم يبق في عين جارية إلّا الاشتراك المعنوي بين أفراد ذلك المعنى. وصاحب الأطول قال: الظاهر أنّ التخصيص محمول على إزالة الاشتراك لفظيا كان أو معنويا إمّا في الجملة أو بالكلية، إلّا أنه فسّر بتقليل الاشتراك لأنه الغالب في التخصيص، وقلّما يبلغ مرتبة الإزالة بالكليّة.
فإن قلت الرجل العالم خير من الجاهل في صورة الاستغراق لا يتصور أن يكون لتقليل الاحتمال، إذ لا احتمال للمستغرق بل لتقليل الشمول، فهل يجعل تقليل الشمول من التخصيص؟ قلت: قرينة الاستغراق تقوم بعد الوصف فالوصف لتقليل الاحتمال والقرينة لتعمّم ما رفع فيه بعض الاحتمال، فيكون الوصف فيه مخصصا. فإن قلت لا يتمّ ذلك في كلّ رجل عالم، قلت: دخل الكلّ على الموصوف، ولذا لا يمكن وصف الكلّ بل يجب إجراء الوصف على المضاف إليه ولو جعل تقليل الاشتراك عبارة عن رفع الاحتمال أو إزالة بعض الشمول لأنّ مقتضى الاشتراك قد يكون الشمول وإن كان الأكثر الاحتمال لهان الأمر انتهى.
وفي عرف أهل المعاني هو القصر وسيجيء. وفي عرف الأصوليين يطلق على معان. منها قصر العام على بعض مسمياته، وهذا مصطلح الشافعية والمالكية. فقيل المراد بالمسميات أجزاء المسمّى للقطع بأنّ الآحاد كزيد وعمرو مثلا ليس من أفراد مسمّى الرجال إذ مسمّاه ما فوق الاثنين من هذا الجنس، لكنّ التحقيق على ما يجيء في لفظ العام أنها الآحاد التي دلّ العام عليها باعتبار أمر اشتركت فيه، وهو معنى مسميات العام لا أفراد مدلوله.
ولولا أنهم جوّزوا التخصيص بمثل الاستثناء إلى الواحد لجاز جعل مسمّيات صيغة الجمع هي الجماعات لا الآحاد، فيتناول التعريف ما اريد به جميع المسميات أولا ثم أخرج بعض كما في الاستثناء، وما لم يرد به إلّا بعض مسمياته ابتداء كما في غيره. فالمراد بالكافرين في مثل اقتلوا الكافرين إلّا أهل الذمّة، جميع الكفار ليصحّ إخراج أهل الذمّة، فيتعلق الحكم، فيكون القصر على البعض باعتبار الحكم فقط. وفي مثل اقتلوا الكافرين ولا تقتلوا أهل الذمّة يتبيّن أنّ المراد بالكافرين غير أهل الذمّة خاصّة، فيكون القصر على البعض باعتبار الدلالة والحكم جميعا، ويكون معنى القصر في الأول أنّ اللفظ الذي يتناول جميع المسمّيات قد اقتصر الحكم على بعضها، وفي الثاني أنّ اللفظ الذي كان يتناول في نفسه قد اقتصرت دلالتها على البعض خاصّة، وحينئذ يندفع ما يتوهّم من أنّ اللفظ إن كان على عمومه فلا قصر، وإن وجدت قرينة صارفة عنه فلا عموم ولا قصر.
وقال أبو الحسين هو إخراج بعض ما تناوله الخطاب. ويردّ عليه أنّ ما أخرج فالخطاب لم يتناوله. وأجيب بأنّ المراد ما يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصّص كقولهم خصص العام وهذا عام مخصّص. ولا شكّ أنّ المخصّص ليس بعام، لكن المراد به كونه عاما لولا تخصيصه، وهذا ظاهر في غير استثناء.
وأمّا في الاستثناء فاللفظ عام يتناول الجميع، وإن لم يكن الخطاب أي الحكم عاما فعبارة أبي الحسين يفتقر إلى هذا التأويل في الاستثناء وغيره، وفي الإخراج أيضا لاقتضائه سابقية الدخول. وقولنا قصر العام على بعض مسمياته إنّما يفتقر إليه في غير الاستثناء فيكون أولى.
وبعضهم لم يفرّق بين العام والخطاب فزعم أنّ عبارة أبي الحسين لا يفتقر إلى التأويل لأنّ الخطاب في نفسه متناول لذلك البعض المخرج.
وقيل هو تعريف أنّ العموم للخصوص والمراد بالتخصيص هو الاصطلاحي وبالخصوص اللغوي، كأنه قيل: التخصيص تعريف أنّ المراد باللفظ الموضوع لجميع الأفراد هو البعض منها فلا دور ولا تساوي [بين] الحدّ والمحدود في الجلاء والخفاء، باعتبار أنّ من عرف حصول الخصوص عرف تحصيل الخصوص وبالعكس لأنّ الخصوص اللغوي قد عرف والتخصيص الاصطلاحي بعد لم يعرّف.
وقيل هو بيان ما لم يرد باللفظ العام. ومنها قصر العام على بعض أفراده بكلام مستقل مقترن أي غير متراخ، وهذا مصطلح الحنفية. فبقيد الكلام خرج المخصص الغير الكلامي فإنه ليس بتخصيص اصطلاحي، نحو العقل في قوله تعالى خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فإنّ العقل يخصص ذات الله تعالى. والحسّ في نحو قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فإنّ الحسّ يخصص ما لم يكن في ملك بلقيس. والعادة في نحو لا يأكل الرأس فإنه لا يتناول رأس الطير مثلا وبقيد المستقل خرج غير المستقل وهو الكلام الذي يتعلق بصدر الكلام أي ما هو صدر ومقدّم في الاعتبار سواء كان مقدما في الذّكر أو لم يكن، فلا يردّ الشرط المقدم على الجزاء، فإنّه مؤخّر اعتبارا. وكذا لا يردّ الاستثناء المقدّم على المستثنى منه ونحو ذلك. ولا يكون تاما بنفسه حتى لو ذكر منفردا لا يفيد المعنى فإنّه ليس بتخصيص عند الحنفية، بل إن كان بإلّا وأخواتها فاستثناء، وإلّا فإن كان بأن يؤدي مؤدّاها فشرط، وإلّا فإن كان بإلى وما يفيد معناها فغاية، وإلّا فصفة أو غيرها. وبقيد المقترن خرج النسخ فإنّه إذا تراخى دليل التخصيص يسمّى نسخا لا تخصيصا. ومنها قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقلّ وبهذا المعنى يطلق التخصيص أيضا عند الحنفية.
وبهذا الاعتبار يقال النسخ تخصيص، فله عندهم معنيان. ومما ينبغي أن يعلم أنّه ليس معنى القصر عند الحنفية ثبوت الحكم للبعض ونفيه عن البعض، فإنّ هذا قول بمفهوم الصفة والشرط وهو خلاف مذهبهم بل المراد من القصر أن يدلّ على الحكم في البعض ولا يدلّ في البعض الآخر لا نفيا ولا إثباتا حتى لو ثبت ثبت بدليل آخر، ولو انعدم انعدم بالعدم الأصلي وأنّه لا بدّ في التخصيص من معنى المعارضة، ولا يوجد ذلك في الدليل الغير المستقل فإنّ الاستثناء مثلا لبيان أنّه لم يدخل تحت الصدر، لا أنّ هناك حكمين، أحدهما معارض للآخر، كما يوجد في الدليل المستقل. ومنها قصر اللفظ على بعض مسمياته وإن لم يكن ذلك اللفظ عاما فهذا أعمّ من المعنى الأول. وهذا كما يقال للعشرة إنّه عام باعتبار تعدد آحاده مع القطع بأنّ آحاده ليست مسمياتها، وإنّما مسمياتها العشرات، فإذا قصر العشرة مثلا على خمسة بالاستثناء عنه قيل قد خصّص، وكذلك المسلمون للمعهودين نحو: جاءني مسلمون فأكرمت المسلمين إلّا زيدا فإنّهم يسمّون المسلمين عامّا والاستثناء عنه تخصيصا له.
اعلم أنّ التخصيص كما يطلق على القول كما عرفت كذلك قد يطلق تجوّزا على الفعل وكذلك النسخ، صرّح بذلك في العضدي في مباحث السنة.
تقسيم

التخصيص بالمعنى الأول:
قالوا المخصّص ينقسم إلى متّصل ومنفصل لأنّه إمّا أن لا يستقل بنفسه أو يستقل، والأول المتصل والثاني المنفصل. والمخصّص المتصل خمسة: الاستثناء والشرط والصفة والغاية وبدل البعض نحو جاءني القوم أكثرهم. والمنفصل إمّا كلام أو غيره كالعقل نحو خالق كل شيء، فإنّ العقل هو المخصّص للشيء بما سوى الله تعالى، وتخصيص الصبي والمجنون من خطابات الشرع من هذا القبيل، وكالحسّ نحو أوتيت من كل شيء، وكالعادة نحو لا نأكل رأسا فإنه يقع على ما يتعارف أكله مشويا، وكالتشكيك نحو كل مملوك لي حرّ لا يقع على المكاتب؛ فهذا أي التخصيص بالمستقل تخصيص اتفاقا بين الحنفية والشافعية والمالكية، بخلاف التخصيص بغير المستقل فإنه مختلف فيه كما عرفت. هذا كلّه هو المستفاد من كشف البزدوي والتلويح والعضدي وحاشية التفتازاني.

الإغراق

الإغراق:
[في الانكليزية] Hyperbole
[ في الفرنسية] Hyperbole
نوع من المبالغة.
(الإغراق) (فِي الاقتصاد) إِــجْرَاء يَرْمِي إِلَى السيطرة على السُّوق الْأَجْنَبِيَّة بتحميل المستهلكين الوطنيين أعباء مَالِيَّة أكبر وَإِلَى بيع السّلع فِي الْخَارِج بأسعار أقل كثيرا من أسعار السُّوق الداخلية (مج)

الْقِصَّة

الْقِصَّة: أَن هَذَا الرجل ذهب إِلَى الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَمَعَهُمْ الرِّوَايَات المستخرجة على انْتِقَال من الْمَذْهَب، فَقَالَ الْمُفْتِي الْعَارِف أَن لَا حَاجَة للانتقال عَن الْمَذْهَب، وَقد استخرجت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح على مَذْهَبنَا.
وَلما كَانَت هَذِه الرِّوَايَة قد أرْسلت إِلَى القَاضِي مَعَ هَذَا الشَّخْص. وَلما رأى القَاضِي هَذِه الرِّوَايَة بالخط الشريف أجْرى النِّكَاح، وَلما كَانَ مُحَمَّد كَمَال وَبِنَاء على فَتْوَى الْمُفْتِي ورسالته قد أوقع النِّكَاح. فَجَاءَنِي هَذَا الرجل بعد وُقُوع النِّكَاح وعَلى الشماتة وَقَالَ لقد أَعْطَانِي الْمفْتُون فَتْوَى وأجريت النِّكَاح، وَكَذَلِكَ وصلني ذَلِك عَن طَرِيق النَّقْل، وحينها استدعي الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَسُئِلَ من أَيْن أَعْطَيْت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح، فأظهر أَن هَذِه الرِّوَايَة مَكْتُوبَة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَهِي (وَلَو قضى بِجَوَاز نِكَاح مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن لَا ينفذ عِنْد أبي يُوسُف لِأَن الْحَادِثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْكتاب، وَعند مُحَمَّد ينفذ، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، أَنه قَالَ الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال يُؤَيّد قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ مُجْتَهدا فِيهِ فَينفذ حكمه، كَذَا ذكر فِي الْمُحِيط) .
قيل إِن هَذِه الرِّوَايَة لَيست محصورة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَلكنهَا مَوْجُودَة فِي كتب أُخْرَى. وَلكنهَا لَا تدل على مقصودكم، أما لماذا، لِأَن الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء فِي مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن وَلَيْسَ جَوَاز نِكَاحهَا، وَإِذا كَانَت الْعبارَة (لَو نكح أحد بمزنية الْأَب) فَإِنَّهَا تُؤدِّي هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن الْعبارَة هِيَ (لَو قضى) وَالْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء مَشْرُوط بالدعوة أَو الْقَضِيَّة، وتريد دَعْوَى سبق النِّكَاح. يَعْنِي أَن النِّكَاح قد سبق، وَوَقع بَين الزَّوْجَيْنِ دَعْوَى لجِهَة الْمهْر أَو النَّفَقَة وأمثال ذَلِك، وترافعوا لَدَى القَاضِي، وَأخذ القَاضِي حكما بِنَاء على بَيِّنَة أَو أَي من الْحجَج الشَّرْعِيَّة. فَهَذَا الحكم يُقَال لَهُ الْقَضَاء. وَلَيْسَ كل مَا قَالَه القَاضِي بِصِيغَة الْأَمر هُوَ قَضَاء. كَأَن يَقُول مثلا ضع الإبريق فِي بَيت الْخَلَاء، فَهَذَا لَيْسَ قَضَاء بالاصطلاح الشَّرْعِيّ فالقضاء بحاجة إِلَى الِاصْطِلَاح الْعرفِيّ.
وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُتَعَارف على اصْطِلَاحه لَدَى الْعلمَاء ومشهور فِيمَا بَينهم، وَمَعَ هَذَا فقد صرح بعض المصنفين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى لَا يَقع أحد فِي الْغَلَط. كَمَا فِي (حسب الْمُفْتِينَ) إِذا قضى القَاضِي مُجْتَهدا فِيهِ وَهُوَ لَا يعلم بذلك الْأَصَح أَنه يجوز قَضَاؤُهُ وَأَن ينفذ إِذا علم بِكَوْنِهِ مُجْتَهدا فِيهِ، قَالَ شمس الْأَئِمَّة، وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَهَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ وَهُوَ أَن يصير الحكم حَادِثَة فتجري فِيهِ خُصُومَة صَحِيحَة بَين يَدي القَاضِي من خصم على خصم، وَفِي الْبَحْر الرَّائِق هَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي المجتهدات وَهُوَ أَن تصير حَادِثَة تجْرِي بَين القَاضِي من خصم على خصم حَتَّى لَو فَاتَ هَذَا الشَّرْط لَا ينفذ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فَتْوَى) .
وَالْأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ أَنه إِذا اخْتلف المجتهدون فِي الْقَضِيَّة، ترجع إِلَى القَاضِي وَيظْهر القَاضِي حكمه بِخِلَاف مذْهبه. عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه إِذا حكم سَاهِيا فَينفذ. وَإِذا كَانَ عَامِدًا فَإِن فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعند الصاحبين نَافِذ مُطلقًا سَاهِيا كَانَ أم عَامِدًا. وَأَصْحَاب الْمُتُون مثل (وفاية الرِّوَايَة) وَغَيره وَأَصْحَاب الشُّرُوح مثل (الْهِدَايَة) وَشرح (الْوِقَايَة) وَغَيره وعَلى قَول الصاحبين هُوَ فَتْوَى، وَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين بن همام فِي (فتح الْقَدِير) حَاشِيَة (الْهِدَايَة) إِنَّه فِي زَمَاننَا الْفَتْوَى على قَول الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمن كل من يحكم بِخِلَاف مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَو لَيْسَ خَالِيا من الطمع. إِذا فِي هَذِه الْحَادِثَة إِذا تحقق الْقَضَاء الَّذِي اصْطلحَ عَلَيْهِ الْعلمَاء، فَإِن نَفاذ الْقَضَاء على الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة يثبت، وَلَكِن بقول الصاحبين فَإِن قَضَاء الْمُفْتِي لَا ينفذ فِي جَوَاز النِّكَاح، وَلَا إِمْكَان.
وعلاوة على ذَلِك فَإِن فِي نَفاذ مثل هَذَا الْقَضَاء شَرطه اجْتِهَاد القَاضِي حَتَّى لَا ينفذ قَضَاء من قضى وَهُوَ غير مُجْتَهد عِنْد الإِمَام والصاحبين. وَهَذَا الِاشْتِرَاط يفهم من كَلَام صَاحب (الْهِدَايَة) وَكَذَلِكَ صرح صَاحب (الْفَتْح الْقَدِير) وَغَيره من الْمُحَقِّقين، (هَذَا كُله فِي القَاضِي الْمُجْتَهد فَأَما الْمُقَلّد فَإِنَّمَا ولاه ليحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثلا فَلَا يملك الْمُخَالفَة فَيكون معزولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الحكم) .
وَكَذَلِكَ مَعَ أَن هَذِه الرِّوَايَة لَا دلَالَة لَهَا على الْمَقْصُود، فَإِنَّهَا لَيست خَالِيَة من الضعْف لِأَنَّهَا تخَالف الْقَاعِدَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فِي جَمِيع الْمُتُون والشروح، مَعَ وجود أَن الْعلمَاء صَرَّحُوا أَن رِوَايَات الْمُتُون مُقَدّمَة على رِوَايَات الشُّرُوح، وَرِوَايَات الشُّرُوح مُقَدّمَة على رِوَايَات فَتَاوَى الْخُصُوص. وَكتب أَيْضا أَن تَصْحِيح صَاحب الْهِدَايَة مقدم على الآخرين، وَبعد الَّتِي واللتيا، لما فهم الْمُفْتِي (الْمَذْكُور سَابِقًا) وَأدْركَ سوء فهمه وَعرف أَن مَدْلُول الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء وَلَيْسَ زواج النِّكَاح، قَالَ هَذَا خطأ القَاضِي لِأَنَّهُ أذن بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ مني لأنني أَعْطَيْت سَابِقًا فَتْوَى نَفاذ قَضَاء هَذَا النِّكَاح ومضمون الرِّوَايَة شَرْطِيَّة، والشرطية صَادِقَة، حَتَّى وَلَو لم يتَحَقَّق مَا تقدم. قيل إِنَّه هُنَا لَا يسري صدق الشّرطِيَّة، وَيجب الْمُطَابقَة بَين سُؤال، فالمستفتي يسْأَل عَن جَوَاز النِّكَاح، وَأَنت تجيب عَن نَفاذ الْقَضَاء. وَإِذا كتبت فِي جَوَاب الاستفتاء الْمَذْكُور (كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء) فَإِن الرِّوَايَة فِي نَفسهَا صَحِيحَة وَلكنهَا من حَيْثُ الْمُطَابقَة كَاذِبَة. وعَلى قَول مولوي فِي المثنوي:
(أيتها الْخَالَة بطريقة سَيِّئَة أَصبَحت خالا ... )
أَي على صدق هَذِه الشّرطِيَّة فَلَا يمكننا اجراء أَحْكَام الْخَال على الْخَالَة. وَقد قيل كَذَلِك فِي نَفاذ الْقَضَاء على مَدْلُول الرِّوَايَة كَلَام، لِأَنَّهُ مُخَالف للمتون والشروح الَّتِي فِيهَا الْفَتَاوَى على قَول الصاحبين، وَنُخَالِف الْمُحَقِّقين الَّذين اشترطوا الِاجْتِهَاد وعدوا الافتاء على رِوَايَة غير الْمُفْتِي بِخِلَاف آدَاب الْإِفْتَاء وَالدّين. قَالَ لقد أتيت (السبهري) بالمفتي الثَّانِي، وَقد جَاءَ كل من الْمُفْتِي الْمَذْكُور مَعَ مُحَمَّد يحيى الَّذِي أصبح الْمُفْتِي الثَّانِي وَأصْبح الْحل وَالْعقد فِي الْقَضَاء بِيَدِهِ مَعَ مُحَمَّد كَامِل الَّذِي وصلت إِلَيْهِ خُلَاصَة افتاء الْمُفْتِي الثَّانِي وَلما فهم القَاضِي والمفتيان أَن معنى الرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك الَّذِي بنوا عَلَيْهِ الْعَمَل، فبدل مُحَمَّد يحيى مجْرى الْوَاقِعَة مقررا بقوله بِمَا أَن هَذَا النِّكَاح قد انْعَقَد أَمَامه وترافعوا لَدَيْهِ، فَحكم القَاضِي بِجَوَازِهِ وموافقته لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَحكم بِهِ، قيل فِي جَوَابه، لماذا هَذَا التَّحْرِير فِي التَّقْرِير، أَولا لقد أعْطى القَاضِي الْإِذْن الَّذِي بِمُوجبِه انْعَقَد النِّكَاح، وَلم ينْعَقد أَولا النِّكَاح وَبعد ذَلِك ترافعوا أَمَام القَاضِي. وَمن الاتفاقات الجيدة، كَانَ الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف قد حضر، وَفِي الْوَقْت نَفسه حضر فَجْأَة ذَلِك الشَّخْص المبتلي، وَمن أجل الْآخِرَة وَحَتَّى لَا يحور النَّاس تَقْرِيره بعد أَن سمعُوا معنى الرِّوَايَة كَانَ يجب أَخذ الْإِقْرَار من ذَلِك الرجل المبتلي على مَا حدث فَسئلَ هَذَا الرجل المبتلي عَمَّا إِذا أَخذ الْإِذْن من القَاضِي أَولا وَبعد ذَلِك عقد النِّكَاح أم أَنه عقد النِّكَاح ثمَّ جَاءَ إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ مِنْهُ حكما بِجَوَازِهِ، فَقَالَ أَولا حصلت على الرِّوَايَة وَبِنَاء عَلَيْهَا اعطاني القَاضِي الْإِذْن وبموجب ذَلِك عقد مُحَمَّد كَامِل عقد النِّكَاح، فَلَمَّا ثَبت كذب مُحَمَّد يحيى وتحويره للتقرير، أَخذ الْمُفْتِي الْعَارِف شَاهدا وَقيل لَهُ أَن لَا تكْتم الشَّهَادَة. وَمَا سمعته من هَذَا الرجل صباحا أعده وقله، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أظهر مَا سَمعه. وَكَذَلِكَ قيل لمُحَمد يحيى على تَقْدِير أَن النِّكَاح كَانَ سَابِقًا لإذن القَاضِي، فَكيف لَهُ أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. لِأَن الثَّابِت عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بالزنى، وَهَذَا النِّكَاح غير جَائِز عِنْد أَي وَاحِد مِنْهُم، وَمهما كَانَ القَاضِي مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِمَا يُخَالف الْعلمَاء الثَّلَاثَة.
وَقد جَاءَ التَّنْصِيص على أَنه (إِذا اتّفق أَصْحَابنَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى فِي مَسْأَلَة، لَا يسع القَاضِي أَن يخالفهم وَلَا يبقي ذَلِك محلا للِاجْتِهَاد، وَإِن اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَة فِيمَا بَينهم قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا رَحِمهم الله إِن كَانَ القَاضِي من أهل الِاجْتِهَاد يجْتَهد، فَإِن وَقع اجْتِهَاده على قَول الْوَاحِد أَخذ بقوله وَيتْرك قَول الْمثنى وَإِن كَانَ فِي الْمثنى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى) وَالرِّوَايَة الْمَذْكُورَة لَا تدل على أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. وَلكنهَا تدل على أَنه على تَقْدِير أَنه حكم، فَإِن حكمه ينفذ كَمَا هِيَ الْعبارَة (لَو قضى القَاضِي _ الخ) وَهُوَ نَص صَرِيح وَكتب الْفِقْه مشحونة بأمثال هَذِه الْعبارَة. مثل (لَو وطئ رجل دبر امْرَأَة وَلَو وطئ فرج بَهِيمَة فَعَلَيهِ الْغسْل) فَهَذِهِ الْعبارَات تدل على وجوب الْغسْل على تَقْدِير الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة، أم تدل على جَوَاز الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة. وَبعد تَقولُونَ إِن القَاضِي حكم بعد سَماع المرافعة وعَلى تَقْدِير صدق هَذَا القَوْل من أَيْن كَانَ للْقَاضِي أَن يحكم، وَمَا هُوَ الدَّلِيل الَّذِي حكم بِهِ. بعد ذَلِك اعتذروا وَمضى مَا سَمِعُوهُ.) انْتهى) .
(الْقِصَّة) الَّتِي تكْتب وَالْجُمْلَة من الْكَلَام والْحَدِيث وَالْأَمر وَالْخَبَر والشأن وحكاية نثرية طَوِيلَة تستمد من الخيال أَو الْوَاقِع أَو مِنْهُمَا مَعًا وتبنى على قَوَاعِد مُعينَة من الْفَنّ الْكِتَابِيّ (محدثة) (ج) قصَص

(الْقِصَّة) الْخصْلَة من الشّعْر وَشعر مقدم الرَّأْس (ج) قصَص وقصاص
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.