Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: توجد

الرّحمة

الرّحمة:
[في الانكليزية] Mercy ،clemency
[ في الفرنسية] Misericorde clemence
بالفتح وسكون الحاء المهملة لغة رقّة القلب وانعطاف يقتضي التّفضّل والإحسان، وهي من الكيفيات التابعة للمزاج، والله سبحانه منزّه عنها، فإطلاقه عليه مجاز عمّا يترتّب عليه من إنعامه على عباده، كالغضب فإنّه لغة ثوران النفس وهيجانها عند إرادة الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية. ولذا قيل أسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات.
وذكر بعض المحققين أنّ الرحمة من صفات الذات وهي إرادة إيصال الخير ودفع الشّر.
فالباري سبحانه رحمن ورحيم لأنّ إرادته أزلية، ومعنى ذلك أنّه تعالى أراد في الأزل أن ينعم على عبيده المؤمنين فيما لا يزال. وقال آخرون هي من صفات الفعل وهي إيصال الخير ودفع الشرّ، ونسبتها إليه سبحانه عبارة عن عطاء الله تعالى العبد ما لا يستحقّه من المثوبة ودفع ما يستوجبه من العقوبة. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقّ العقوبة. وذكر الإمام الرازي في مفاتيح الغيب أنّ الرحمة لا تكون إلّا لله تعالى لأنّ الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، وكل أحد غير الله إنّما يعطي ليأخذ عوضا، إلّا أنّ العوض أقسام. منها جسمانية كمن أعطى دينارا ليأخذ كرباسا. ومنها روحانية وهي أقسام. أحدها إعطاء المال لطلب الخدمة. والثاني إعطاؤه لطلب الثناء الجميل. والثالث إعطاؤه لطلب الإعانة. والرابع إعطاؤه لطلب الثّواب الجزيل.
والخامس إعطاؤه لدفع الرّقة الجنسية عن القلب. والسادس إعطاؤه ليزيل حبّ المال عن قلبه، فكلّ من أعطى إنّما يعطي لغرض تحصيل الكمال، فيكون ذلك في الحقيقة معاوضة. وأمّا الحقّ سبحانه فهو كامل في نفسه فيستحيل أن يعطي ليستفيد به كمالا.
اعلم أنّ الفرق بين الرحمن والرحيم أنّ الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة، وخصوص اللفظ في الرحمن بمعنى أنّه لا يجوز أن يسمّى به لما سوى الله تعالى.
وعموم المعنى من حيث إنّه يشتمل على جميع الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. وعموم اللفظ في الرحيم من حيث اشتراك المخلوقين في التسمية به. وخصوص المعنى لأنّه يرجع إلى اللطف والتوفيق المخصوصين بالمؤمنين. وفي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم، هي إمّا بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في الأثر (يا رحمن الدنيا والآخرة ويا رحيم الدنيا)، وإمّا بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها كما ورد (يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة)، فإنّ رحمة الدنيا تعم المؤمن والكافر ورحمة الآخرة تخص المؤمن، وإما باعتبار جلالة النّعم ودقتها فيقصد بالرحمن رحمة زائدة بوجه ما. وعلى هذا يحمل في قولهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، فالمراد بالرحمن نوع من الرحمة أبعد من مقدورات العباد وهي ما يتعلّق بالسعادة الأخروية، والرحمن هو العطوف على عباده بالإيجاد أولا والهداية ثانيا والإسعاد في الآخرة ثالثا والإنعام بالنظر إلى وجه الكريم رابعا.
والأقوال للمفسرين في الفرق بينهما كثيرة، فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى أسرار الفاتحة.
وقال أبو البقاء الكفوي الحنفي في كلياته:
اعلم أنّ جميع أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام:
أسماء الذات وأسماء الأفعال وأسماء الصفات.
والبسملة مشتملة على أفضل الأقسام الثلاثة.
فلفظ الله اسم للذات المستجمع لجميع الكمالات. ولفظ الرحمن اسم لفعل الرحمة على العباد في الدنيا والآخرة شيئا فشيئا من حيث حدوث المرحومين وحدوث حاجاتهم، فمتعلّقه أثر منقطع فيشتمل المؤمن والكافر. ولفظ الرحيم اسم لصفة الرحمة الثابتة الدائمة فيختصّ في حقّ المؤمن، فمتعلّقه أثر غير منقطع. فعلى هذا الرحيم أبلغ من الرحمن انتهى.

قال الصوفية: الرحمانية هي الظهور لحقيقة الأسماء والصفات، وهي بين ما يختص به من ذاته كالأسماء الذاتية وبين ما له وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر ونحوهما ممّا له تعلّق إلى الحقائق الوجودية. فالرحمانية اسم جميع المراتب الحقّية دون الخلقية، فهي أخصّ من الألوهية لانفرادها بما يتفرّد الحقّ سبحانه. والألوهية جميع الأحكام الحقيّة والخلقية. فالرحمانية جمع بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العليّة وتقدّسها عن المراتب الدنيّة، وليس للذات في مظاهرها مظهر يختصّ بالمراتب العليّة بحكم الجمع إلّا المرتبة الرحمانية، فنسبتها إلى الألوهية نسبة النبات إلى القصب، فالنبات على مرتبة توجد في القصب، والقصب توجد فيه النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية النبات بهذا الاعتبار فالرحمانية أفضل.
وإن قلت بأفضلية القصب لعمومه وجمعه له ولغيره فالألوهية أفضل. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع إلى الأسماء الذاتية والأوصاف النفسية وهي سبعة: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر. والأسماء الذاتية كالأحدية والواحدية والصّمدية ونحوها. واختصاص هذه المرتبة بهذا الاسم للرحمة الشاملة لكلّ المراتب الحقّية والخلقية فإنّه لظهورها في المراتب الحقّية ظهرت المراتب الخلقية، فصارت الرحمة عامة في جميع الموجودات فإن شئت الزيادة فارجع إلى الإنسان الكامل.

وفي الاصطلاحات الصوفية لكمال الدين:
الرحمن اسم للحقّ باعتبار الجمعية الأسمائية التي في الحضرة الإلهية الفائض منها الوجود وما يتبعه من الكمالات على جميع الممكنات.
والرحيم اسم له باعتبار فيضان الكمالات المعنوية على أهل الإيمان كالمعرفة والتوحيد.
والرحمة الامتنانية هي الرحمانية المقتضية للنّعم السابقة على العمل، وهي التي وسعت كلّ شيء في قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ والرحمة الوجوبية هي الرحمة الموعودة للمتّقين والمحسنين في قوله تعالى فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وفي قوله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ انتهى.

الرؤيا

الرؤيا:
[في الانكليزية] Vision ،reverie ،fantasm ،dream
[ في الفرنسية] Vision ،reverie ،fantasm ،reve
بالضم وسكون الهمزة الرؤيا المنامية أو ما يرى في النّوم كما في المنتخب. وأمّا في مجمع السّلوك فيقول: ثمّة فرق بين الرؤيا وبين ما يرى من وقائع من وجهين: الاوّل: من طريق الصّورة والثاني: من طريق المعنى. فالموافقة من طريق الصّورة تكون بين النوم واليقظة. وإمّا تكون صرفا في اليقظة وأمّا من طريق المعنى: فذلك بأنّ حجاب الخيال يخرج وهو غيبي صرف.
مثلما الروح في مقام التجرّد عن الأوصاف البشرية تدرك ذلك. وهذه واقعة روحانية مطلقة وحينا تكون بتأييد من نظر الروح بنور إلهي.
وهذا النوع واقعة ربّانية صرفة لأنّ المؤمن ينظر بنور الله تعالى.
وأمّا المنام فهو عند زوال الإحساس بالكليّة، وصار الشأن للخيال وعندئذ تبدأ المخيّلة برؤية أشياء بعد غلبة الحواس. وهذا النوع من التخيّلات على قسمين:

أحدها: أضغاث أحلام وهي رؤى تدركها النفس بواسطة الخيال، وهي وساوس شيطانية وهواجس نفسانية من إلقاء النفس أو الشيطان.
وله خيال مصوّر مناسب ولا تعبير له.

والثاني: الرؤيا الجيّدة وهي التي يقال لها الرؤيا الصالحة وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوّة، كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام. وتوجيه هذا الحديث بأنّ مدة أيام نبوته صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة ومن بينها ستّة أشهر في الابتداء، كان الوحي يتنزّل على النبي صلى الله عليه وسلم في عالم الرؤيا. فبناء على هذا تعدّ الرؤيا الصالحة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة.

والرؤيا الصالحة ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يحتاج إلى تأويل أو تعبير مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام التي تنصّ بصراحة: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الصافات 102.

ثانيها: ما يحتاج فيها إلى التأويل في بعضها وبعضها الآخر واضح لا حاجة إلى تأويله، كما في رؤيا يوسف عليه السلام: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ سورة يوسف: 4. فالأحد عشر كوكبا والشمس والقمر محتاجة إلى تأويل، أمّا السجود فظاهر خَرُّوا لَهُ سُجَّداً.

ثالثها: ما كان في حاجة إلى تأويل بالجملة كرؤيا ملك مصر: إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ ... سورة يوسف 43.

وفي الحقيقة: إنّ الرؤيا الصالحة بشكل عام ليست هي التي يكون تأويلها صحيحا وأثرها ظاهرا لأنّ ذلك يقع للمؤمن والكافر. بل إنّ الرؤيا الصالحة هي تلك المؤيّدة بالنور الإلهي. وهذه لا تكون إلّا لنبي أو ولي أو مؤمن، وهي جزء من أجزاء النبوة.

إذن: إذا كانت النفس مؤيّدة بتأييد نور الروح لا بتأييد النور الإلهي فليست تلك برؤيا صالحة.

ويقول صاحب مرصاد العباد: الرؤيا نوعان:
رؤيا صالحة، ورؤيا صادقة. أمّا الرؤيا الصالحة فهي التي يراها المؤمن أو الوليّ أو النبي ويصدق تعبيرها، أو يكون تأويلها صحيحا. وهكذا يتحقّق ما كان رآه كما هو. وهذا من ظهور الحقّ.
والرؤيا الصادقة هي التي بدون تأويل تقع بعينها أو يصحّ تأويلها وهي من ظهور الروح. ويمكن أن تقع للمؤمن أو الكافر على السواء.
اعلم بأنّ بعض الأمور قد تحصل للمؤمن السّالك، فكذلك يمكن حصول بعض الأمور لبعض الفلاسفة والرهبان والبراهمة، وعلّة ذلك قوة الرياضة الروحية وصفاء القلب حتى تصبح الروح قوية وتنكشف لها بعض الأنوار الروحانية. وأحيانا يخبرون عن أمور دنيوية مستقبلة، وقد يطلعون على أحوال بعض الناس.
وهذا لن يكون سببا لقربهم وقبولهم عند الله.
لا، لن يكون سببا لنجاتهم بل ربّما كان سببا في ضلالاتهم وكفرهم، بل وزيادة ذلك واستدراجا لهم. أمّا السّالك الموحّد فتحصل له بعض (الكشوفات) بسبب ظهور الحقّ. اعلم أنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جميع الأنبياء والشمس والقمر والنجوم اللامعة في النوم هي رؤيا حقّ.
ولا يستطيع الشيطان أن يتمثّل بواحد منها.

وكذلك قالوا: إنّ الغيوم التي تهطل منها الأمطار هي في المنام حقّ أيضا. لأنّ الشيطان لا يتمثّل بذلك. وكذلك رؤية أحد الشيوخ الأفاضل الموصوف بكونه من أهل العلم بالشّريعة والحقيقة والطّريقة. أمّا من ليس كذلك فيمكن للشيطان أن يتمثّل به. أمّا البحث حول كيفية رؤية النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فثمّة اختلاف. قال عليه السلام «من رآني في المنام فقد رآني» قال القاضي الباقلاني: معناه رؤيا عليه السلام صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان، فإنّه قد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. وقال آخرون بل الحديث على ظاهره وليس لمانع أن يمنعه، فإنّ الفعل لا يستحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأمّا قوله فإنّه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين فإنّه تغيّر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته مرئية، والرؤية أمر يخلقها الله تعالى في الحيّ لا بشرط لا بمواجهة ولا تحديق الأبصار ولا كون المرئي ظاهرا، بل الشرط كونه موجودا فقط حتى جاز رؤية أعمى الصين بقّة أندلس، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل جاء في الحديث ما يقتضي بقاؤه. وقال أبو حامد الغزالي ليس معناه أنه رأى جسمي وبدني بل رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلّا آلة النفس. فالحق أنّ ما يراه مثال حقيقة روحه المقدّسة التي هي محل النبوة. فما رآه من الشكل ليس روح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق. أقول فله ثلاث توجيهات وخير الأمور أوساطها، قوله عليه السلام: «فإنّ الشيطان لا يستطيع أن يتمثّل بي» أي لا يتمثّل ولا يتصوّر بصورتي. قال القاضي عياض: قال بعضهم خصّ الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّ رؤية الناس إيّاه صحيحة وكلّها صدق، ومنع الشيطان أن يتمثّل في خلقه لئلّا يكذب على لسانه في النوم، كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء بالمعجزة. وكما استحال أن يتصوّر الشيطان في صورته في اليقظة. قال محي السنة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقّ لا يتمثّل الشيطان به وكذلك جميع الأنبياء والملائكة عليهم السلام انتهى. فإن قلت إذا قلنا إنّه رآه حقيقة فمن رآه في المنام هل يطلق عليه الصحابي أم لا؟ قلت لا إذ لا يصدق عليه حدّ الصحابي وهو مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذ المراد منه الرؤية المعهودة الجارية على العادة أو الرؤية في حياته في الدنيا، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر عن الله تعالى وهو ما كان مخبرا للناس عنه إلّا في الدنيا لا في القبر. ولذا يقال مدة نبوته ثلاث وعشرون سنة. على أنّا لو التزمنا إطلاق لفظ الصحابي عليه لجاز وهذا أحسن وأولى.
فإن قلت الحديث المسموع عنه في المنام هل هو حجة يستدل بها أم لا؟ قلت لا إذ يشترط في الاستدلال به أن يكون الراوي ضابطا عند السماع والنوم ليس حال الضبط كما في كرماني شرح صحيح بخاري. وقال عبد الله: قوله من رآني في المنام أي رآني على نعتي التي أنا عليه، فلو رآه على غير نعته لم يكن رآه لأنّه قال رآني، وهو إنّما يقع على نعته. وفي مفتاح الفتوح وسراج المصابيح أيضا قيل المعنى والله أعلم أنّه إذا رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصورة التي كان عليها فقد رأى الحق أي رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حقيقة، وليس المراد أنّه إذا رأى شخصا يوهم أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي أي في صورتي. وقيل: على أي صفة رآه فهو صحيح. وذكر في المطالب واختلف في رؤيته صلى الله عليه وسلم في خلاف صورته. قيل لا يكون رؤية له والصحيح أنّه حقيقة سواء رآه على صفته المعروفة أو لم يكن، ورؤيته عليه السلام حال كون الرائي جنبا صحيحة.
اعلم أنّ رؤية الله تعالى في المنام أمر محقّق وتحقيقه أنّه تعالى مع كونه مقدّسا منزّها عن الشكل والصورة ينتهي تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال مخصوص من نور وغيره من الصور الجميلة يكون مثالا للنور الحقيقي المعنوي لا صورة فيه، ولا لون، هكذا في العثور على دار السرور.
اعلم أنّ السّالك قد يكون في عالم النفس والهوى فيرى في المنام أو الحال أنّه الرّب فيكون الرؤيا صحيحا محتاجا إلى التعبير، وتعبيره أنّ ذلك الشخص بعد عبد نفسه يحبه ويعمل له ما يحب فيكون بعد ممن اتخذ إلهه هواه فيرى في الواقعة أنّه الرّب المعبود له فيجب عليه أن يجتنب من طاعة النفس والهوى والقيام بما يشتهي ويهوى، ويكسرها بالمجاهدة والرياضة، ولا يظن أنّ ما رآه هو عينه تعالى، إذ ليس له تعالى حلول فهذه الرؤية، مثل ما يرى سائر العوام في منامهم حيث يرى أنّه آدم أو نوح أو موسى أو عيسى أو جبرئيل أو ميكائيل من ملائكة الله تعالى، وأنه طير أو سبع أو ما أشبه ذلك، ويكون لذلك الرؤيا تعبير صحيح وإن لم يكن كما رأى، يعني عامة الناس إذا رأى أحدهم في منامه النبي صلى الله عليه وسلم أو ملاكا أو طائرا أو حيوانا أو حيوانا مفترسا فليس ذاك هو عين ما رأوه، بل إنّ لهذه الرؤيا تعبير صحيح، وكذلك حال السّالك المذكور الذي يرى الرّبّ في النوم. انتهى ما ذكر في مجمع السلوك في مواضع، ويجيء هذا أيضا في لفظ الوصال.
اعلم أنّه قال في شرح المواقف في المقصد العاشر من مرصد القدرة: وأما الرؤيا فخيال باطل عند جمهور المتكلّمين. قيل هذا بناء على الأغلب والأكثر إذ الغالب منه أضغاث الأحلام، أو المراد أنّ رؤيا من لا يعتاد الصدق في الحديث «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» أو لمن كثر معاصيه لأنّ من كان كذلك أظلم قلبه. أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حال النوم من المقابلة وغيرها. وأما عند الأصحاب فلأنّ النوم ضدّ للإدراك فلا يجامعه فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل من قبيل الخيال الباطل. وقال الأستاذ أبو إسحاق إنّه أي المنام إدراك حقّ بلا شبهة انتهى. وهذا هو المذهب المنصور الموافق للقرآن والحديث ويؤيده ما وقع في العيني شرح صحيح البخاري في شرح قوله «أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة» الحديث. إن قيل ما حقيقة الرؤيا الصالحة أجيب بأنّ الله تعالى يخلق في قلب النائم أو في حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء ولا يمنعه نوم ولا غيره عنه. فربّما يقع ذلك في اليقظة كما رآه في المنام وربّما جعل ما رآه علما على أمور يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى انتهى.

ثم قال في شرح المواقف: وقال الحكماء المدرك في النوم يوجد ويرتسم في الحسّ المشترك وذلك الارتسام على وجهين. الأول أن يرد ذلك المدرك على الحسّ المشترك من النفس الناطقة التي تأخذه من العقل الفعّال، فإنّ جميع صور الكائنات مرتسم فيه. ثم إنّ ذلك الأمر الكلي المنتقش في النفس يلبسه ويكسوه الخيال صورا جزئية إمّا قريبة من ذلك الأمر الكلي أو بعيدة منه فيحتاج إلى التعبير، وهو أن يرجع المعبّر رجوعا قهقريا مجرّدا له، أي للمدرك في النوم عن تلك الصور التي صوّرها الخيال حتى يحصل المعبّر بهذا التجريد إمّا بمرتبة أو بمراتب على حسب تصرّف المتخيّلة في التصوير، والكسوة ما أخذته النفس من العقل الفعّال فيكون هو الواقع. وقد لا يتصرّف فيه الخيال فيؤديه كما هو بعينه أي لا يكون هناك تفاوت إلّا بالكلية والجزئية فيقع من غير حاجة إلى التعبير. والثاني أن يرد على الحسّ المشترك لا من النفس بل إمّا من الخيال مما ارتسم فيه في اليقظة، ولذلك من دام فكره في شيء يراه في منامه. وقد تركّب المتخيّلة صورة واحدة من الصور الخيالية المتعددة وتنقشها في الحسّ المشترك فتصير مشاهدة، مع أنّ تلك الصورة لم تكن مرتسمة في الخيال من الأمور الخارجة، وقد تفصل أيضا بعض الصور المتأدّية إليه من الخارج وترسمها هناك. ولذلك قلّما يخلو النوم عن المنام من هذا القبيل. وإمّا مما يوجبه مرض كثوران خلط أو بخار. ولذلك [فإن] الدموي يرى في المنام الحمر، والصفراوي النيران والأشعّة، والسوداوي يرى الجبال والأدخنة، والبلغمي المياه والألوان البيض.
وبالجملة فالمتخيّلة تحاكي كل خلط أو بخار بما يناسبه وهذا المدرك بقسميه من قبيل أضغاث أحلام لا يقع هو ولا تعبيره، بل لا تعبير له انتهى. لقد قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة: اعلم أنّ ثمّة خلافا حول تحقيق معنى الرؤيا لدى العقلاء بسبب الإشكال الوارد هنا، وهو أنّ النوم عكس الإدراك. إذن فما يرى (في المنام) ما هو؟ وأكثر المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة على أنّ ذلك خيال باطل وليس بإدراك حقيقي.
أمّا عند المعتزلة فلأنّ للإدراك شرائط مثل المقابلة وخروج الشّعاع من العين المبصرة وتوسّط الهواء الشّفّاف وأمثال ذلك، وهذا كله مفقود في المنام. إذن ما هو إلّا خيالات فاسدة وأوهام باطلة.

وأمّا عند الأشاعرة: فمن حيث إنّ النوم نقيض الإدراك. ولم تجر العادة الإلهية بخلق الإدراك في النائم. إذن ما يوجد ليس إدراكا حقيقة بل هو خيال باطل. وأمّا مرادهم من ذلك فهو بطلان كونه إدراكا حقيقيا وليس عدم اعتباره بالتعبير أو بعدمه. وذلك لأنّ الإجماع على صحّة الرؤيا الصالحة وأنّها حقيقة وحقّة عند أهل الحقّ.

ثم إنّ الأشاعرة يقولون: ليس في الرؤيا إدراكا حقيقيا ولكنه مع ذلك فهو ثابت وله تعبير.

وقال «الطيبي»: إنّ حقيقة الرؤيا إظهار الحقّ سبحانه وتعالى في قلب النائم علوما ومشاهد كما في اليقظان. والله سبحانه قادر على ذلك، وليس سببه اليقظة. وكذلك ليس النوم بمانع منه، كما هو مذهب أهل السّنة في باب الحواس الخمس الظاهرة، فعادة الحقّ سبحانه جارية بأنّه حين استعمال الحواس يظهر الإدراك، وذلك ليس بمعنى أنّ الحواس موجبة لذلك، بل إنّ ذلك كائن بخلق الله لذلك الإدراك، وليس بفضل الحواس وحدها. وإن في خلق الإدراكات في النائم علامة وإشارة إلى أمور أخرى تعرض في حال أخرى (اليقظة) كما هو تعبيرها، كما أن الغيم دليل على وجود المطر. وبناء على هذا القول تكون الرؤيا إدراكا حقيقة، وليس بين النوم واليقظة فرق من باب تحقّق الإدراك الباطني. نعم في باب إدراك الحواس الظاهرة ثمّة فرق وذلك لأنّه في حالة النوم تكون الحواس الظاهرة معطّلة. أمّا الحواس الظاهرة فلا دخل لها أصلا في الإدراكات التي ترى في النوم، مثلما في حالة اليقظة لا دخل لها في الإدراكات الباطنية كإدراك الجوع والعطش والحرارة الباطنية والبرودة وحاجات الإنسان الأخرى كالتّبوّل وغيرها.
ثم إنّ تحقيق الحكماء في باب الرؤيا متوقّف على تحقّق الحواس الباطنة، وثبوتها مبنيّ على قواعدهم، أما حسب الأصول الإسلامية فغير كاملة كما هو مبين ومفصّل في كتب الكلام، وسنوردها هنا بطريق الإجمال:
إنّ في الإنسان قوّة متصرّفة ومن شأنها تركيب الصور والمعاني. وعليه فإذا تصرّف الإنسان في الصور وركبها بحيث ضمّ بعضها إلى بعض مثل إنسان ذي رأسين أو أربعة أيادي وأمثال ذلك، أو أن يشطر بعض الصور كإنسان بلا رأس أو بدون يد، وأمثال ذلك. فهذا ما يقال له: المتخيّلة. وأمّا إذا تصرّف في تركيب المعاني كما هو الحال في الصور فتلك هي المتفكرة. وهذه القوة دائما سواء في حال اليقظة والمنام مشغولة وخاصة في حال النوم فإنها أكثر شغلا. وللنفس الناطقة الإنسانية اتصال معنوي روحاني بعالم الملكوت، كما إنّ صور جميع الكائنات من الأزل حتى الأبد مرسومة وثابتة في الجواهر المجرّدة لذلك العالم. وبما أنّ النفس في حالة النوم تفرغ من الاشتغال بإدراك المحسوسات ومن تدبير شئون الجسم والعالم الجسماني لذلك وللاتصال الذي لها بتلك الجواهر المجرّدة العالية، فإنّ بعض الصور تظهر في النفس الناطقة وتنطبع فيها كما تنعكس الصّور على المرآة، ثم تقع من النفس الناطقة إلى الحسّ المشترك، ثم تقوم القوة المتصرّفة الناشئة من الحسّ المشترك بالتفصيل والتركيب، وعليه فحينا تعطي لتلك الصور كسوة ولباسا مختلفا، وبسبب علاقة التّماثل والتّشابه من النظير لنظيره تنتقل مثلما صورة حبة اللؤلؤ تبدو كحبّ الرّمان، وحينا تكون العلاقة مغايرة وتضاد مثل الضحك يأخذ صورة البكاء وبالعكس.
وهذا القسم يحتاج فيه إلى التعبير. وحينا تخرج الرؤيا بجنسها بدون تغيير أو تلبيس، وهذا النوع لا يحتاج إلى تعبير. فكما يرى يقع بعينه.
وحينا تأخذ القوة المتخيّلة جميع هذه الصّور من الصّور الخيالية المخزونة والمحفوظة فيها في حالة اليقظة، ولهذا في كثير من الأحوال يرى في النوم ما يفكّر فيه حالة اليقظة.
وحينا بسبب الأمراض يمكن أن ترى الصّور المناسبة لحاله التي هو فيها مثلما يرى الدموي المزاج ألوانا حمراء، والصفراوي يرى النار والجمر، وفي حال غلبة الرياح يرى نفسه طائرا. وأمّا السوداوي المزاج فيرى الجبال والدخان، وكذلك البلغمي يرى المياه والأمطار والألوان البيضاء، ورؤية هذين القسمين في النوم لا اعتبار لها. ولا تستحقّ التعبير وتسمّى أضغاث أحلام.
وأمّا طائفة الصوفية القائلين بعالم المثال فلهم في هذا المقام تحقيق آخر وهو مذكور في كتبهم.
وأكثر ما تطلق الرؤيا على الرؤيا الصالحة. وأمّا الرؤيا السّيّئة فيقال لها حلم، بضم الحاء؛ وهذا التخصيص شرعي. ولكنه في اللغة يراد به أي نوع من الرؤى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة»، متّفق عليه. وفي هذا الحديث يمكن ورود عدد من الإشكالات: أولها: أنّه جزء من النبوة فإذن من ليس بنبي لا يرى رؤيا صالحة. بينما الواقع أنّ الرؤيا الصالحة قد تكون لغير الأنبياء أيضا.

والثاني: هو أنّ النبوة نسبة وصفة، فإذن ما معنى كون الرؤيا الصالحة جزء منها؟.

والثالث: هو أنّ الرؤيا الصالحة كالمعجزات والكشف وبقية أوصاف وأحوال الأنبياء التي هي من نتائج وآثار النبوّة وليس من أجزائها. إذن ما معنى أو ما تأويل وجه الجزئية المذكورة؟

والرابع: أنّ مقام النبوّة قد ختم، بينما الرؤيا الصالحة باقية. إذن كيف يفهم معنى الجزئية من النبوّة، وذلك لأنّ وجود الجزء بدون الكلّ أمر محال مثلما هو الكلّ محال بدون الجزء؟

وأخيرا: ما هو التوجيه لتجزئة النبوة إلى 46 جزءا واعتبار الرؤيا جزءا واحدا منها؟

والجواب على الإشكال الأول: هو أنّ المراد جزء من النبوة بالنسبة للأنبياء لأنّهم يوحى إليهم في المنام. وهذا الجواب يردّ عليه حديث آخر ونصّه: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا. الحديث.
وأمّا الجواب على الإشكالات 2، 3، 4، هو أنّ الرؤيا جزء من أجزاء علوم النبوّة، بل أجزاء طرق علوم النبوّة، وعلوم النبوّة باقية لما ورد في الحديث: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وهي الرؤيا الصالحة».

وقال بعضهم: المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة أثر من آثار النبوّة، وهي من الفيض الإلهي والإلهام الرّباني، وهذا الأثر باق من آثار النبوّة وجزء من أصل النبوّة لا يوصف بالجزئية إلّا باعتبار ما كان.

وقال قوم غيرهم: النبوّة هنا بمعناها (اللغوي) الإنباء، أي أنّ الرؤيا الصالحة هي أخبار صادقة لا كذب فيها. وثمّة تصريح بذلك في بعض الأحاديث. وقال غيرهم: المراد بالجزء ليس المعنى المتعارف عليه عند أهل المعقول (الفلسفة)؛ بل المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة صفة من صفات النبوّة وفضيلة من الفضائل العائدة إليها، وقد توجد بعض صفات الأنبياء لدى غير الأنبياء، كما ورد في حديث آخر معناه: الطريق الواضح والفضيلة والحكم والاعتدال من النبوة. والحاصل: هو أنّ جميع صفات الكمال أصلها عائد للنبوّة ومأخوذ من هناك، وأمّا تخصيص الرؤيا بذلك فلمزيد الاختصاص في باب الكشف وصفاء القلب. ولا شكّ أنّ جميع كرامات (الأولياء) ومكاشفاتهم من ظلال النبوّة وشعاع من أشعتها.
أمّا وجه التخصيص بالعدد ستة وأربعين فهو أنّ زمان نبوة (سيدنا محمد) كان 23 سنة، وقد ابتدأ الوحي بالرؤيا الصالحة لمدة ستة أشهر، والنسبة بينهما هي 1/ 46. ولكن «التوريشي» يعترض قائلا: إنّ تعيين مدة النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) بثلاث وعشرين سنة مسلّم لأنّه ورد في روايات يعتدّ بها، أمّا كون الرؤيا وتعيينها في هذه المدة بستة أشهر فشيء من عند قائله ولا توجد أي رواية أو نصّ مؤيّد لذلك. انتهى.

والحاصل: هو أنّه من أجل تعيين المدّة المذكورة لا يوجد أصل أو سند صحيح. نعم ولكن مذهب أكثر أهل الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم خلال الأشهر الستة الأولى كان في رتبة النبوة الخاصة، وكان مكلّفا بتهذيب نفسه خاصّة ثم بعد ذلك أمر بالدعوة والبلاغ أي بالرسالة.
وليس في مذهبهم لزوم كون النبي داعيا ومبلّغا إذا كان ما يوحى إليه خاصّ به وحده لتهذيب نفسه فهو كاف لتحقّق مرتبة النبوة. وعليه فإن ثبت أنّ الوحي خلال الأشهر الستة الأولى كان في المنام فقط، ثبت وصح حينئذ كلام القائل بذلك.
ولكن محلّ هذا الكلام وفقا لمذهبهم (أهل الحديث). فإذن فالأحوط في باب تخصيص العدد المذكور 1/ 46 هو التفويض لعلم النبوّة، لأنّ أمثال هذه العلوم من خواص الأنبياء، ولا يوصل بالقياس العقلي، إلى كنهها.
وهكذا أيضا حكم الأعداد في جميع المواضع مثل أعداد الركعات في الصلاة والتسبيحات وأعداد أنصبة الزكاة ومقادير الزكاة وعدد الطواف في الحجّ ورمي الجمار والسّعي وأمثال ذلك.

ويقول صاحب «المواهب اللدنية»: ذكر العلماء مراتب الوحي وطرائقها فعدّوا 46 نوعا، والرؤيا الصادقة واحدة منها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي) متفق عليه.

وقال بعض أرباب التحقيق: إنّ الشيطان يستطيع التمثّل بصورة الرّبّ، ويكذب ويوقع الرائي في الوسوسة بأنّ ما يراه هو الحقّ، ولكن إبليس لا يستطيع أبدا أن يتمثّل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يستطيع الكذب عليه، وذلك لأنّ النبي مظهر للهداية والشيطان مظهر للضلال، وبين الهداية والضلال تباين. أما الحقّ جلّ وعلا فهو مطلق أي أنّه جامع لصفات الهداية والإضلال وجميع الصفات المتعارضة. ثم إنّ دعوى الألوهية من الكائنات البشرية المخلوقة صريحة البطلان وليست محلّ شبهة بخلاف دعوى النبوة.
ولهذا إذا ادّعى أحدهم بدعوى الألوهية فيتصوّر حينئذ صدور خوارق العادات منه كما هو حال فرعون وأمثاله، وكما سيكون من المسيح الدجال فيما بعد. وأمّا ادعاء النبوة كذبا فلا تصاحبها معجزة ظاهرة. وإذا صاحبها خرق للعادة فإنما يكون على خلاف دعوى المدّعي وعلى عكس توقّع المعتقدين. ولذا يقال لخرق العادة للكذاب إهانة، كما حصل لمسيلمة الكذّاب، فقد قال له من حوله: إنّ محمدا تفل على عين رمداء فشفيت، فافعل أنت مثله، ففعل، فعميت عين ذلك الرجل التي تفل فيها.

ثم قالوا له ثانية: إنّ محمدا تفل في بئر غائر ماؤها، ففاضت مياه البئر حتى بلغت أعلى البئر، فافعل مثله. ففعل فجفّت البئر تماما.
ثم اعلم بأنّ ثمة أحاديث كثيرة تدلّ على أنّ كلّ من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقد رآه حقا، ولا يوجد في الأمر أيّ كذب أو شكّ أو بطلان. وابليس الذي يقدر على التصوّر بعدّة صور سواء في النوم أو في اليقظة فذلك من عمله وخصائصه. ولكنه لا يستطيع أن يتشكّل بصورة النبي أبدا ولا أن يكذب عن لسانه، ويلقى بذلك في خيال الرائي. وقد عدّ جمهور العلماء هذا الأمر من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
والآن ذهب قوم إلى أنّ هذه الأحاديث تحمل على من رأى النبي صلى الله عليه وسلم بصورته وحليته المخصوصة التي كانت له فقط.

وتوسّع قوم فقالوا: سواء رآه بشكله وصورته في خلال حياته كلّها، أي سواء كان شابا أو كهلا أو في أواخر عمره.

وضيق بعضهم فقالوا: لا بدّ من أن يراه بالصورة النهائية التي غادر بها الدنيا. وقال جماعة آخرون: إنّ رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم بحليته المعروفة وصفاته الموصوفة (في كتب الشمائل) هو رؤية كاملة وحقيقية وإدراك لذاته الكريمة.
وأمّا رؤيته على غير تلك الحالة فهي إدراك للمثال. وكلا النوعين رؤيا حقّ وليست من أضغاث الأحلام، ولا يتمثّل الشيطان بواحدة منهما. لكن النوع الأول حقّ وحقيقة والثاني حقّ وتمثيل. ولا حاجة بالأول إلى التعبير لعدم وجود شبهة أو لبس. والنوع الثاني بحاجة إلى تعبير وعليه: فإنّ معنى الحديث المذكور: بأيّ صورة أرى فهو حقّ وليس من الباطل ولا من الشيطان.

وقال الإمام (النووي) محي السنة: إنّ هذا القول هو أيضا ضعيف، والصحيح هو أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان بصفاته المعروفة أو غير ذلك. والاختلاف في الصفات لا يعني اختلاف الذات، فإذن: إنّ المرئي بأي لباس أو أيّ صفة كانت فهو عينه.
وللإمام الغزالي في هذا المقام تحقيق آخر: ومبناه أنّ الإنسان مركّب من جزءين، أحدهما: الروح وهي مجرّدة، والبدن وهو آلة لإيصال الإدراك إليه. وإنّما مراد الرسول من قوله: «فقد رآني» ليس معناه رأى جسمه بل مثالا وهو آلة لتوصيل ذلك المعنى الذي في نفسي بواسطة تلك الآلة، وبدن الإنسان في اليقظة أيضا ليس إلا آلة للنفس لا أكثر.
والآلة حينا تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية. إذن فما يراه النائم من شكل ومثال الروح المقدّسة الذي هو محلّ النبوة وليس جسمه أو شخصه.
ومثل هذا رؤية الحقّ سبحانه في المنام فهو منزّه عن الشكل والصورة ولكن الغاية تصبح بواسطة التعريفات الإلهية لدى العباد بواسطة الأمثلة النورانية المحسوسة أو الصور الجميلة، وهذا يشبه الآلة.
وهكذا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعتبر ذاته الطاهرة روحا مجرّدة عن الشّكل والصورة واللون، ولكنه لمّا كان في حال الحياة فإنّ روحه المقدّسة كانت متعلّقة بذلك البدن الذي هو آلة لإدراك الروح ورؤيتها.
وأمّا بعد ما توارى بدنه الشريف في الروضة النبوية المطهّرة فإنّ الرائين (للنبي صلى الله عليه وسلم) إنما يرون طبقا لمصلحة الوقت ووفقا لتناسب حال الرائي مع الآلات والوسائط لإدراك روح النبي صلى الله عليه وسلم.
فليس المرئي روحه المجرّدة ولا جسمه وبدنه الشريف المخصوص، لأنّ حضور شخص متمكّن في مكان مخصوص وزمان ما بصفات متغايرة وصور مختلفة في أمكنة متعددة لا يتصوّر إلا بطريق التمثّل كما رئيت صورة شخص ما في عدد من المرايا المختلفة وعليه فالمرئي في رؤى الرائين إنّما هو مثالات للروح المقدّسة وهي حقّ. ولا طريق للقول ببطلان ذلك.
أمّا اختلاف الأمثلة فلاختلاف أحوال مرايا القلوب لدى الرائين مثلما تفاوت الأحوال للصّور بحسب تفاوت أحوال المرايا، وإذن:
فكلّ من رآه بصورة حسنة فذلك من حسن دينه، وكلّ من رآه على عكس ذلك فذلك نقصان دينه.
وهكذا إن رآه أحدهم شيخا والآخر شابا وبعضهم طفلا، وأحدهم راضيا وآخر غضبان، وبعضهم ضاحكا وآخرون باكيا. فهذا كله مبني على اختلاف أحوال الرائين.
وعليه فإنّ رؤية الذات النبوية الشريفة هي معيار لمعرفة أحوال الرّائي الباطنية. وهنا ضابطة مفيدة للسّالكين وبها يعرفون أحوالهم الداخلية إلى أين وصلوا؟ وفي أي مقام هم؟ فيعالجون النّقص. وفي الحقيقة إنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة مرآة صقيلة تنعكس عليها أحوال الرّائين. وعلى هذا القياس قال بعض أرباب التحقيق: إنّ ما يسمعه الرائي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: يلزم عرضه على السّنّة القولية والفعلية، فإن كانت موافقة لها فهي حقّ، وإذا عارضتها فلعلّة عارضة في سمع الرائي، وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة (بعد وفاته صلى الله عليه وسلم)، فقد قال بعض المحدّثين: لم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة أو التابعين. نعم، وردت حكايات بذلك عن بعض الصالحين في هذا الباب، ويمكن اعتبارها صحيحة وهي كثيرة جدا عن المشايخ تقرب من حدّ التواتر، وإنكار هذا الأمر من باب إنكار الكرامات للأولياء؛ ويقول الإمام الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال»: إنّ أرباب القلوب يشاهدون في اليقظة الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم كلاما، ويقتبسون منهم فوائد.

وقالوا: في الحقيقة إنّ ذلك (المرئي) هو أيضا مثال ولو كان يقظة. انتهى من ترجمةالمشكاة المسمّى بأشعة اللمعات.

الرّوح

(الرّوح) الرَّاحَة وَالرَّحْمَة ونسيم الرّيح تَقول وجدت روح الشمَال برد نسيمها (ج) أَرْوَاح وَيَوْم روح طيب الرّيح وَعَشِيَّة رَوْحَة كَذَلِك وَالسُّرُور والفرح

(الرّوح) مَا بِهِ حَيَاة النَّفس (يذكر وَيُؤَنث) وَالنَّفس وَالنَّفس (ج) أَرْوَاح وَالْقُرْآن وَالْوَحي
وروح الْقُدس (عِنْد النَّصَارَى) الأقنوم الثَّالِث وَالروح الْأمين وروح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام و (فِي الفلسفة) مَا يُقَابل الْمَادَّة و (فِي الكيمياء) الْجُزْء الطيار للمادة بعد تقطيرها كروح الزهر وروح النعنع (مج)
الرّوح:
[في الانكليزية] Spirit ،ghost ،soul
[ في الفرنسية] Esprit ،ame
بالضم وسكون الواو اختلف الأقوال في الروح. فقال كثير من أرباب علم المعاني وعلم الباطن والمتكلّمين لا نعلم حقيقته ولا يصحّ وصفه، وهو مما جهل العباد بعلمه مع التيقّن بوجوده، بدليل قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا روي أنّ اليهود قالوا لقريش: اسألوا عن محمد عن ثلاثة أشياء.
فإن أخبركم عن شيئين وأمسك عن الثالثة فهو نبي. اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، فقال عليه السلام غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله تعالى. فانقطع الوحي أربعين يوما ثم نزل: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ تعالى ثم فسّر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح، فنزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. ومنهم من طعن في هذه الرواية وقال إنّ الروح ليس أعظم شأنا من الله تعالى. فإذا كانت معرفته تعالى ممكنة بل حاصلة فأي معنى يمنع من معرفة الروح. وإنّ مسئلة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلّمين، فكيف لا يعلم الرسول عليه السلام حقيقته مع أنّه أعلم العلماء وأفضل الفضلاء.
قال الإمام الرازي بل المختار عندنا أنهم سألوا عن الروح وأنّه صلوات الله عليه وسلامه أجاب عنه على أحسن الوجوه. بيانه أنّ المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح، والسؤال يقع على وجوه. أحدها أن يقال ما ماهيته؟ هو متحيّز أو حالّ في المتحيّز أو موجود غير متحيّز ولا حالّ فيه. وثانيها أن يقال أهو قديم أو حادث؟ وثالثها أن يقال أهو هل يبقى بعد فناء الأجسام أو يفني؟ ورابعها أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها؟
وبالجملة فالمباحث المتعلّقة بالروح كثيرة وفي الآية ليست دلالة على أنهم عن أي هذه المسائل سألوا: إلّا أنّه تعالى ذكر في الجواب قل الروح من أمر ربي، وهذا الجواب لا يليق إلّا بمسألتين: إحداهما السؤال عن الماهية أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل البدن متولّدة عن امتزاج الطبائع والأخلاط، أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب، أو عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو عن موجود يغاير عن هذه الأشياء؟ فأجاب الله تعالى عنه بأنّه موجود مغاير لهذه الأشياء بل هو جوهر بسيط مجرّد لا يحدث إلّا بمحدث قوله كُنْ فَيَكُونُ، فهو موجود يحدث من أمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه مطلقا، وهو المراد من قوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وثانيتهما السؤال عن قدمها وحدوثها فإنّ لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل كقوله تعالى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ فقوله مِنْ أَمْرِ رَبِّي معناه من فعل ربي فهذا الجواب يدلّ على أنهم سألوه عن قدمه وحدوثه فقال: بلى هو حادث، وإنّما حصل بفعل الله وتكوينه. ثم احتج على حدوثه بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يعني أنّ الأرواح في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم كلّها ثم تحصل فيها المعارف والعلوم، فهي لا تزال متغيّرة عن حال إلى حال والتغيّر من أمارات الحدوث انتهى.
ثم القائلون بعدم امتناع معرفة الروح اختلفوا في تفسيره على أقوال كثيرة. قيل إنّ الأقوال بلغت المائة. فمنهم من ذهب إلى أنّ الروح الإنساني وهو المسمّى بالنفس الناطقة مجرّد. ومنهم من ذهب إلى أنّه غير مجرّد.
ثم القائلون بعدم التجرد اختلفوا على أقوال. فقال النّظّام إنّه أجسام لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد، باقية من أول العمر إلى آخره، لا يتطرّق إله تحلّل ولا تبدّل، حتى إذا قطع عضو من البدن انقبض ما فيه من تلك الأجزاء إلى سائر الأعضاء. إنّما المتحلّل والمتبدّل من البدن فضل ينضمّ إليه وينفصل عنه، إذ كل أحد يعلم أنّه باق من أول العمر إلى آخره. ولا شكّ أنّ المتبدّل ليس كذلك.
واختار هذا الإمام الرازي وإمام الحرمين وطائفة عظيمة من القدماء كما في شرح الطوالع. وقيل إنّه جزء لا يتجزأ في القلب لدليل عدم الانقسام وامتناع وجود المجرّدات فيكون جوهرا فردا وهو في القلب، لأنه الذي ينسب إليه العلم، واختاره ابن الراوندي. وقيل جسم هوائي في القلب. وقيل جزء لا يتجزأ من أجزاء هوائية في القلب. وقيل هي الدماغ. وقيل هي جزء لا يتجزأ من أجزاء الدماغ. ويقرب منه ما قيل جزء لا يتجزأ في الدماغ. وقيل قوة في الدماغ مبدأ للحسّ والحركة. وقيل في القلب مبدأ للحياة في البدن. وقيل الحياة. وقيل أجزاء نارية وهي المسمّاة بالحرارة الغريزية. وقيل أجزاء مائية هي الأخلاط الأربعة المعتدلة كمّا وكيفا. وقيل الدم المعتدل إذ بكثرته واعتداله تقوى الحياة، وبفنائه تنعدم الحياة. وقيل الهواء إذ بانقطاعها تنقطع الحياة طرفة عين، فالبدن بمنزلة الزّقّ المنفوخ فيه. وقيل الهيكل المخصوص المحسوس وهو المختار عند جمهور المتكلمين من المعتزلة وجماعة من الأشاعرة. وقيل المزاج وهو مذهب الأطباء، فما دام البدن على ذلك المزاج الذي يليق به الإنسان كان مصونا عن الفساد، فإذا خرج عن ذلك الاعتدال بطل المزاج وتفرّق البدن كذا في شرح الطوالع. وقيل الروح عند الأطباء جسم لطيف بخاري يتكوّن من لطافة الأخلاط وبخاريتها كتكوّن الأخلاط من كثافتها وهو الحامل للقوى الثلاث. وبهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة اقسام روح حيواني وروح نفساني وروح طبيعي، كذا في الأقسرائي. وقيل الروح هذه القوى الثلاث أي الحيوانية والطبيعية والنفسانية. وفي بحر الجواهر الروح عند الأطباء جوهر لطيف يتولّد من الدم الوارد على القلب في البطن الأيسر منه لأنّ الأيمن منه مشغول بجذب الدم من الكبد. وقال ابن العربي إنّهم اختلفوا في النفس والروح. فقيل هما شيء واحد. وقيل هما متغايران وقد يعبّر عن النفس بالروح وبالعكس وهو الحقّ انتهى. وبالنظر إلى التغاير [ما] وقع في مجمع السلوك من أنّ النفس جسم لطيف كلطافة الهواء ظلمانية غير زاكية منتشرة في أجزاء البدن كالزّبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز يعني سريان النفس في البدن كسريان الزبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز. والروح نور روحاني آلة للنفس كما أنّ السر آلة لها أيضا، فإنّ الحياة في البدن إنما تبقى بشرط وجود الروح في النفس. وقريب من هذا ما قال في التعريف وأجمع الجمهور على أنّ الروح معنى يحيى به الجسد. وفي الأصل الصغار أنّ النفس جسم كثيف والروح فيه جسم لطيف والعقل فيه جوهر نوراني. وقيل النفس ريح حارة تكون منها الحركات والشهوات، والروح نسيم طيّب تكون به الحياة. وقيل النفس لطيفة مودعة في القلب منها الأخلاق والصفات المذمومة كما أنّ الروح لطيف مودع في القلب منه الأخلاق والصفات المحمودة.
وقيل النفس موضع نظر الخلق والقلب موضع نظر الخالق، فإنّ له سبحانه تعالى في قلوب العباد في كل يوم وليلة ثلاثمائة وستين نظرة.
وأما الروح الخفي ويسمّيه السالكون بالأخفى فهو نور ألطف من السّر والروح وهو أقرب إلى عالم الحقيقة. وثمّة روح آخر ألطف من هذه الأرواح كلّها ولا يكون هذا لكل واحد بل هو للخواص انتهى. ويجيء توضيح هذا في لفظ السّر وبعض هذه المعاني قد سبق في لفظ الإنسان أيضا.
والقائلون بتجرّد الروح يقولون الروح جوهر مجرّد متعلّق بالبدن تعلّق التّدبير والتصرّف، وإليه ذهب أكثر أهل الرياضات وقدماء المعتزلة وبعض الشيعة وأكثر الحكماء كما عرفت في لفظ الإنسان، وهي النفس الناطقة، ويجيء تحقيقه.

وقال شيخ الشيوخ: الروح الإنساني السماوي من عالم الأمر أي لا يدخل تحت المساحة والمقدار، والروح الحيواني البشري من عالم الخلق أي يدخل تحت المساحة والمقدار، وهو محل الروح العلوي. والروح الحيواني جسماني لطيف حامل لقوة الحسّ والحركة ومحلّه القلب، كذا في مجمع السلوك.
قال في الإنسان الكامل في باب الوهم:
اعلم أنّ الروح في الأصل بدخولها في الجسد وحلولها فيه لا تفارق مكانها ومحلّها، ولكن تكون في محلّها، وهي ناظرة إلى الجسد.
وعادة الأرواح أنّها تحلّ موضع نظرها فأي محلّ وقع فيه نظرها تحلّه من غير مفارقة لمركزها الأصلي، هذا أمر يستحيله العقل ولا يعرف إلّا بالكشف. ثم إنّه لما نظرت إلى الجسم نظر الاتحاد وحلّت فيه حلول الشيء في هويته اكتسبت التصوير الجسدي بهذا الحلول في أوّل وهلة، ثم لا تزال تكتسب منه. أمّا الأخلاق الرّضيّة الإلهية فتصعد وتنمو به في علّيين. وأما الأخلاق البهيمية الحيوانية الأرضية فتهبط بتلك الأخلاق إلى سجّين. وصعودها هو تمكّنها من العالم الملكوتي حال تصوّرها بهذه الصورة الإنسانية لأنّ هذه الصورة تكتسب الأرواح ثقلها وحكمها، فإذا تصوّر بصورة الجسد اكتسب حكمه من الثّقل والحصر والعجز ونحوها، فيفارق الروح بما كان له من الخفّة والسّريان لا مفارقة انفصال ولكن مفارقة اتصال لأنّها تكون متّصفة بجميع أوصافها الأصلية، ولكنها غير متمكّنة من إتيان الأمور الفعلية، فتكون أوصافها فيها بالقوة لا بالفعل. ولذا قلنا مفارقة اتصال لا انفصال، فإن كان صاحب الجسم يستعمل الأخلاق الملكية فإنّ الروح تتقوّى ويرفع حكم الثقل عن نفسها حتى لا تزال كذلك إلى أن يصير الجسد في نفسه كالروح، فيمشي على الماء ويطير في الهواء.
وإن كان يستعمل الأخلاق البشرية فإنّه يتقوّى على الروح حكم الرّسوب والثّقل فتنحصر في سجنه فتحشر غدا في السّجّين، كما قال قائل بالفارسية:
الإنسان تحفة معجونة من أصل ملائكي وآخر حيواني فإن مال إلى أصله الحيواني فهو أدنى منه وإن مال إلى أصله الملائكي فهو أعلى مقاما منه.
ثم إنّها لما تعشّقت بالجسم وتعشّق الجسم بها فهي ناظرة إليه ما دام معتدلا في صحته. فإذا سقم وحصل فها الألم بسببه أخذت في رفع نظرها عنه إلى عالمها الروحي، إذ تفريحها فيه، ولو كانت تكره مفارقة الجسد فإنّها تأخذ نظرها فترفعه من العالم الجسدي رفعا ما إلى العالم الروحي. كمن يهرب عن ضيق إلى سعة.
ولو كان له في المحل الذي يضيق فيه من ينجّيه فلا تحذير من الفرار. ثم لا تزال الروح كذلك إلى أن يصل الأجل المحتوم فيأتيها عزرائيل عليه السلام على صورة مناسبة بحالها عند الله من الحسنة أو القبيحة، مثلا يأتي إلى الظالم من عمّال الدّيوان على صفة من ينتقم منه أو على صفة رسل الملك لكن في هيئة منكرة، كما أنّه يأتي إلى الصّلحاء في صورة أحبّ الناس إليهم. وقد يتصوّر لهم بصورة النبي عليه السلام. فإذا شهدوا تلك الصورة خرجت أرواحهم. وتصوّره بصورة النبي عليه السلام وكذا لأمثاله من الملائكة المقرّبين مباح لأنهم مخلوقون من قوى روحية، وهذا التصور من باب تصوّر روح الشخص بجسده، فما تصوّر بصورة محمد عليه السلام إلّا روحه، بخلاف إبليس عليه اللعنة واتباعه المخلوقين من بشريته لأنّه عليه السلام ما تنبّأ إلّا دما فيه شيء من البشرية للحديث: «إنّ الملك [أتاه و] شقّ قلبه فأخرج منه دما فطهّر قلبه»، فالدّم هي النفس البشرية وهي محلّ الشياطين، فلذا لم يقدر أحد منهم أن يتمثّل بصورته لعدم التناسب.
وكذا يأتي إلى الفرس بصورة الأسد ونحوه، وإلى الطيور على صفة الذابح ونحوه. وبالجملة فلا بد له من مناسبة إلّا من يأتيه على غير صورة مركبة بل في بسيط غير مرئي يهلك الشخص بشمّه. فقد تكون رائحة طيبة وقد تكون كريهة وقد لا تعرف رائحته بل يمرّ عليه كما لا يعرفه.
ثم إنّ الروح بعد خروجه من الجسد أي بعد ارتفاع نظره عنه، إذ لا خروج ولا دخول هاهنا، لا يفارق الجسدية أبدا، لكن يكون لها زمان تكون فيه ساكنة كالنائم الذي ينام ولا يرى شيئا في نومه، ولا يعتدّ بمن يقول إنّ كل نائم لا بد له أن يرى شيئا. فمن الناس من يحفظ ومنهم من ينساه. وهذا السكون الأول هو موت الأرواح. ألا ترى إلى الملائكة كيف عبّر صلى الله عليه وسلم عن موتهم بانقطاع الذّكر. ثم إذا فرغ عن مدّة هذا السكون المسمّى بموت الأرواح تصير الروح في البرزخ انتهى ما في الإنسان الكامل.
ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أنّ لكل نبي خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة أرواح كذا في المواهب اللدنية، وفي مشكاة الأنوار تصنيف الإمام حجة الإسلام الغزالي الطوسي أنّ مراتب الأرواح البشرية النورانية خمس. فالأولى منها الروح الحسّاس وهو الذي يتلقى ما يورده الحواس الخمس وكأنه أصل الروح الحيواني وأوله، إذ به يصير الحيوان حيوانا وهو موجود للصبي الرضيع. والثانية الروح الخيالي وهو الذي يتشبّث ما أورده الحواس ويحفظ مخزونا عنه ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه عند الحاجة إليه، وهذا لا يوجد للصبي الرضيع في بداية نشوئه، وذلك يولع للشيء ليأخذه، فإذا غيّب عنه ينساه ولا ينازعه نفسه إليه إلى أن يكبر قليلا، فيصير بحيث إذا غيّب عنه بكى وطلب لبقاء صورته المحفوظة في خياله. وهذا قد يوجد في بعض الحيوانات دون بعض، ولا يوجد للفراش المتهافت على النار لأنه يقصد النار لشغفه بضياء النار، فيظن أنّ السراج كوّة مفتوحة إلى موضع الضياء فيلقي نفسه عليها فيتأذّى به، ولكنه إذا جاوزه وحصل في الظلمة عادة مرة أخرى. ولو كان له الروح الحافظ المتشبّث لما أدّاه الحسّ إليه من الألم لما عاوده بعد التضرّر. والكلب إذا ضرب مرّة بخشبة فإذا رأى تلك الخشبة بعد ذلك يهرب. والثالثة الروح العقلي الذي به يدرك المعاني. الخارجة عن الحسّ والخيال وهو الجوهر الإنسي الخاص، ولا يوجد للبهيمة ولا للصبي، ومدركاته المعارف الضرورية الكلية. والرابعة الروح الذّكري الفكري وهو الذي أخذ المصارف العقلية فيوقع بينها تأليفات وازدواجات ويستنتج منها معاني شريفة. ثم إذا استفاد نتيجتين مثلا ألّف بينهما نتيجة أخرى، ولا تزال تتزايد كذلك إلى غير النهاية. والخامسة الروح القدسي النّبوي الذي يختصّ به الأنبياء وبعض الأولياء وفيه يتجلّى لوائح الغيب وأحكام الآخرة وجملة من معارف ملكوت السموات والأرض بل المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقلي والفكري؛ ولا يبعد أيها المعتكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما لا يبعد كون العقل طورا وراء التميّز والإحساس ينكشف فيه عوالم وعجائب يقصر عنها الإحساس والتميّز، ولا يجعل أقصى الكمالات وقفا على نفسك. ألا ترى كيف يختص بذوق الشّعر قوم ويحرم عنه بعض حتى لا يتميّز عندهم الألحان الموزونة عن غيرها انتهى.
اعلم أنّ كلّ شيء محسوس فله روح.
وفي تهذيب الكلام زعم الحكماء أنّ الملائكة هم العقول المجرّدة والنفوس الفلكية، والجنّ أرواح مجرّدة لها تصرّف في العنصريات، والشيطان هو القوّة المتخيّلة. وإنّ لكل فلك روحا كليا ينشعب منه أرواح كثيرة، والمدبّر لأمر العرش يسمّى بالنفس الكلّي. ولكلّ من أنواع الكائنات روح يدبّر أمره يسمّى بالطبائع التامة انتهى. وفي الإنسان الكامل اعلم أنّ كل شيء من المحسوسات له روح مخلوق قام به صورته. والروح لذلك الصورة كالمعنى للفظ. ثم إنّ لذلك الروح المخلوق روحا إلهيا قام به ذلك الروح، وذلك الروح الإلهي هو روح القدس المسمّى بروح الأرواح، وهو المنزّه عن الدخول تحت كلمة كن، يعني أنّه غير مخلوق لأنه وجه خاص من وجوه الحق قام به الوجود، وهو المنفوخ في آدم. فروح آدم مخلوق وروح الله غير مخلوق. فذلك الوجه في كل شيء هو روح الله وهو روح القدس أي المقدّس عن النقائص الكونية. وروح الشيء نفسه والوجود قائم بنفس الله، ونفسه ذاته. فمن نظر إلى روح القدس في إنسان رآها مخلوقة لانتفاء قديمين، فلا قديم إلّا الله وحده، ويلحق بذاته جميع أسمائه وصفاته لاستحالة الانفكاك، وما سوى ذلك فمخلوق. فالإنسان مثلا له جسد وهو صورته وروح هو معناه وسرّ هو الروح ووجه وهو المعبّر عنه بروح القدس وبالسرّ الالهي والوجود الساري. فإذا كان الأغلب على الانسان الأمور التي تقتضيها صورته وهي المعبّر عنه بالبشرية وبالشهوانية فإنّ روحه يكتسب الرسوب المعدني الذي هو أصل الصورة ومنشأ محلها، حتى كاد تخالف عالمها الأصلي لتمكّن المقتضيات البشرية فيها، فتقيّدت بالصورة عن إطلاقها الروحي، فصارت في سجن الطبيعة والعادة وذلك في دار الدنيا، مثال السجين في دار الآخرة بل عين السجين هو ما استقر فيه الروح، لكن السجين في الآخرة سجن محسوس من النار وهي في الدنيا هذا المعنى المذكور لأنّ الآخرة محل تبرز فيه المعاني صورا محسوسة، وبعكسه الإنسان إذا كان الأغلب عليه الأمور الروحانية من دوام الفكر الصحيح وإقلال الطعام والمنام والكلام وترك الأمور التي تقتضيها البشرية، فإنّ هيكله يكتسب اللّطف الروحي فيخطو على الماء ويطير في الهواء ولا يحجبه الجدران وبعد البلدان، فتصير في أعلى مراتب المخلوقات وذلك هو عالم الأرواح المطلقة عن القيود الحاصلة بسبب مجاورة الأجسام، وهو المشار إليه بقوله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ.
فائدة:
اختلفوا في المراد من الروح المذكور في قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي على أقوال. فقيل المراد به ما هو سبب الحياة.
وقيل القرآن يدلّ عليه قوله وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا وأيضا فبالقرآن تحصيل حياة الأرواح وهي معرفة الله تعالى. وقيل جبرئيل لقوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ. وقيل ملك من ملكوت السموات هو أعظمهم قدرا وقوة وهو المراد من قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا.
ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبّح الله تعالى بتلك اللغات كلّها، ويخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيمة. ولم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش. ولو شاء أن يبلع السموات السبع والأرض السبع ومن فيهن بلقمة واحدة.
ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأنّ هذا التفصيل ما عرفه علي رضي الله عنه إلّا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الشرح لعلي رضي الله عنه، فلم لم يذكره لغيره. ولأنّ ذلك الملك إن كان حيوانا واحدا وعاقلا واحدا لم يمكن تكثير تلك اللغات. وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانا آخر لم يكن ذلك ملكا واحدا بل كان مجموع ملائكة. ولأنّ هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه كذا في التفسير الكبير. وقيل الروح خلق ليسوا بالملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورءوس. قال أبو صالح يشتبهون الناس وليسوا منهم.
قال الإمام الرازي في التفسير الكبير ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسّك به في إثبات هذا القول، وأيضا فهذا شيء مجهول، فيبتعد صرف هذا السؤال إليه انتهى
قال صاحب الإنسان الكامل الملك المسمّى بالروح هو المسمّى في اصطلاح الصوفية بالحق المخلوق به والحقيقة المحمدية نظر الله تعالى إلى هذا الملك بما نظر به [إلى] نفسه فخلقه من نوره وخلق العالم منه وجعله محلّ نظره من العالم. ومن أسمائه أمر الله هو أشرف الموجودات وأعلاها مكانة وأسماها منزلة ليس فوقه ملك، هو سيد المرسلين وأفضل المكرمين.
اعلم أنّه خلق الله تعالى هذا الملك مرآة لذاته لا يظهر الله تعالى بذاته إلّا في هذا الملك، وظهوره في جميع المخلوقات إنّما هو بصفاته، فهو قطب الدنيا والآخرة وأهل الجنة والنار والأعراف، اقتضت الحقيقة الإلهية في علم الله سبحانه أن لا يخلق شيئا إلّا ولهذا الملك فيه وجه، يدور ذلك المخلوق على وجهه فهو قطبه لا يتعرّف هذا الملك إلى أحد من خلق الله إلّا للإنسان الكامل، فإذا عرفه الولي علّمه أشياء، فإذا تحقّق بها صار قطبا تدور عليه رحى الوجود جميعه، لكن لا بحكم الأصالة بل بحكم النيابة والعارية، فاعرفه فإنّه الروح المذكور في قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا يقوم هذا الملك في الدولة الإلهية والملائكة بين يديه وقوفا صفا في خدمته وهو قائم في عبودية الحق متصرّف في تلك الحضرة الإلهية بما أمره الله به. وقوله لا يَتَكَلَّمُونَ راجع إلى الملائكة دونه فهو مأذون له بالكلام مطلقا في الحضرة الإلهية لأنّه مظهرها الأكمل والملائكة وإنّ أذن لهم بالتكلّم لم يتكلّم كلّ ملك إلّا بكلمة واحدة ليس في طاقته أكثر من ذلك، فلا يمكنه البسط في الكلام، فأول ما يتلقّى الأمر بنفوذ أمر في العالم خلق الله منه ملكا لائقا بذلك الأمر فيرسله الروح فيفعل الملك ما أمر به الروح؛ وجميع الملائكة المقرّبين مخلوقون منه كإسرافيل وميكائيل وجبرئيل وعزرائيل ومن هو فوقهم وهو الملك القائم تحت الكرسي، والملك المسمّى بالمفضّل وهو القائم تحت الإمام المبين، وهؤلاء هم العالون الذين لم يؤمروا لسجود آدم، كيف ظهروا على كل من بني آدم فيتصوّرهم في النوم بالأمثال التي بها يظهر الحق للنائم، فتلك الصور جميعها ملائكة الله تنزل بحكم ما يأمرها الملك الموكل بضرب الأمثال فيتصوّر بكل صورة للنائم. ولهذا يرى النائم أنّ الجماد يكلّمه ولو لم يكن روحا متصورا بالصورة الجمادية لم يكن يتكلّم. ولذا قال عليه السلام: «الرؤيا الصادقة وحي من الله» وذلك لأنّ الملك ينزل به. ولما كان إبليس عليه اللعنة من جملة المأمورين بالسجود ولم يسجد، أمر الشياطين وهم نتيجته وذريته أن يتصوّروا للنائم بما يتصوّر به الملائكة فظهرت المرايا الكاذبة. اعلم أنّ هذا الملك له أسماء كثيرة على عدد وجوهه يسمّى بالأعلى وبروح محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالعقل الأول وبالروح الإلهي من تسمية الأصل بالفرع، وإلّا فليس له في الحضرة الإلهية إلّا اسم واحد وهو الروح انتهى. وأيضا يطلق الروح عند أهل الرّمل على عنصر النار. فمثلا نار لحيان، يقولون عنها إنّها الروح الأولى، ونار نصرة الخارج تسمّى الروح الثانية. وقالوا في بعض الرسائل: النار هي الروح، والريح هي العقل والماء هو النفس، والتراب هو الجسم فالروح الأوّلي، إذا، هي النار الأولى، كما يقولون، وهكذا حتى النفي التي هي الروح السابعة.
والروح الأولى يسمّونها العقل الأوّل إلى عتبة الداخل التي هي العقل السابع. والماء الأوّل يقولون إنّها النفس النار الأولى الجسم الأوّل إلى عتبة الداخل الذي هو الجسم السابع انتهى.
وفي كليات أبي البقاء الروح بالضم هو الريح المتردّد في مخارق البدن ومنافذه واسم للنفس واسم أيضا للجزء الذي تحصل به الحياة واستجلاب المنافع واستدفاع المضار. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، وينتشر بواسطة العروق [الضوارب] إلى سائر أجزاء البدن؛ والروح الإنساني لا يعلم كنهه إلّا الله تعالى. ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ الروح والعقل من الأعيان وليسا بعرضين كما ظنّته المعتزلة وغيرهم، وأنهما يقبلان الزيادة من الصفات الحسنة والقبيحة كما تقبل العين الناظر غشاوة ورمدا والشمس انكسافا. ولهذا وصف الروح بالأمّارة بالسّوء مرة وبالمطمئنّة أخرى. وملخص ما قال الغزالي إنّ الروح ليس بجسم يحلّ البدن حلول الماء في إناء ولا هو عرض يحلّ القلب والدماغ حلول العلم في العالم، بل هو جوهر لأنّه يعرف نفسه وخالقه ويدرك المعقولات وهو باتفاق العقلاء جزء لا يتجزّأ وشيء لا ينقسم، إلّا أنّ لفظ الجزء غير لائق به لأنّ الجزء مضاف إلى الكل ولا كلّ هاهنا فلا جزء، إلّا أن يراد به ما يريد القائل بقوله الواحد جزء من العشرة فإذا أخذت جميع [الموجودات أو جميع] ما به قوام البدن في كونه إنسانا كان الروح واحدا من جملتها لا هو داخل فيه ولا هو خارج عنه ولا هو منفصل منه ولا هو متّصل به، بل هو منزّه عن الحلول في المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات، مقدّس عن هذه العوارض وليس هذا تشبيها وإثباتا لأخصّ وصف الله تعالى في حق الروح، بل أخصّ وصف الله تعالى أنّه قيّوم أي قائم بذاته، وكل ما سواه قائم به. فالقيومية ليست إلّا لله تعالى. ومن قال إنّ الروح مخلوق أراد انه حادث وليس بقديم. ومن قال إنّ الروح غير مخلوق أراد أنّه غير مقدّر بكمية فلا يدخل تحت المساحة والتقدير. ثم اعلم أنّ الروح هو الجوهر العلوي الذي قيل في شأنه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني أنّه موجود بالأمر وهو الذي يستعمل في ما ليس له مادة فيكون وجوده زمانيّا لا بالخلق، وهو الذي يستعمل في مادّيات فيكون وجوده آنيا. فبالأمر توجد الأرواح وبالخلق توجد الأجسام المادية. قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ. وقال وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ.
والأرواح عندنا أجسام لطيفة غير مادية خلافا لفلاسفة فإذا كان الروح غير مادي كان لطيفا نورانيا غير قابل للانحلال ساريا في الأعضاء للطافته، وكان حيا بالذات لأنّه عالم قادر على تحريك البدن. وقد ألّف الله [بين] الروح والنفس الحيوانية. فالروح بمنزلة الزوج والنفس الحيوانية بمنزلة الزوجة وجعل بينهما تعاشقا. فما دام في البدن كان البدن حيا يقظان، وإن فارقه لا بالكلّية بل تعلقه باق [ببقاء النفس الحيوانية] كان البدن نائما، وإن فارقه بالكليّة بأن لم تبق النفس الحيوانية فيه فالبدن ميّت.
ثم هي أصناف بعضها في غاية الصّفاء وبعضها في غاية الكدورة وبينهما مراتب لا تحصى. وهي حادثة؛ أمّا عندنا فلأنّ كل ممكن حادث لكن قبل حدوث الأجسام لقوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام». وعند أرسطو حادثة مع البدن.
وعند البعض قديمة لأنّ كل حادث مسبوق بالمادة ولا مادة له وهذا ضعيف. والحق أنّ الجوهر الفائض من الله تعالى المشرّف بالاختصاص بقوله تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي الذي من شأنه أن يحيى به ما يتّصل به لا يكون من شأنه أن يفنى مع إمكان هذا.
والأخبار الدالّة على بقائه بعد الموت وإعادته في البدن وخلوده دالّة على بقائه وأبديته. واتفق العقلاء على أنّ الأرواح بعد المفارقة عن الأبدان تنقل إلى جسم آخر لحديث: «أنّ أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر» إلى آخره.

وروي: «أرواح الشهداء» الخ. ومنعوا لزوم التناسخ لأنّ لزومه على تقدير عدم عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه وذلك غير لازم، بل إنّما يعاد الروح في الأجزاء الأصلية، إنّما التغيّر في الهيئة والشكل واللون وغيرها من الأعراض والعوارض.
ولفظ الروح في القرآن جاء لعدة معان.
الأول ما به حياة البدن نحو قوله تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ. والثاني بمعنى الأمر نحو وَرُوحٌ مِنْهُ والثالث بمعنى الوحي نحو تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ. والرابع بمعنى القرآن نحو وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا والخامس الرحمة نحو وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ والسادس جبرئيل نحو فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا انتهى من كليات أبي البقاء.
وفي الاصطلاحات الصوفية الروح في اصطلاح القوم هي اللطيفة الإنسانية المجرّدة.
وفي اصطلاح الأطباء هو البخار اللطيف المتولّد في القلب القابل لقوة الحياة والحسّ والحركة، ويسمّى هذا في اصطلاحهم النفس. فالمتوسّط بينهما المدرك للكلّيات والجزئيات القلب. ولا يفرّق الحكماء بين القلب والروح الأول ويسمّونها النفس الناطقة. وفي الجرجاني الروح الإنساني وهو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازل من [عالم] الأمر يعجز العقول عن إدراك كنهه، وذلك الروح قد يكون مجرّدة وقد يكون منطبقة في البدن. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن. والروح الأعظم الذي هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، لذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم ولا يروم وصلها رائم لا يعلم كنهها إلّا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه وهو العقل الأول والحقيقة المحمدية والنفس الواحدة والحقيقة الأسمائية، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني، جوهريته مظهر الذات ونورانيته مظهر علمها، ويسمّى باعتبار الجوهرية نفسا واحدة، وباعتبار النورانية عقلا أوّلا، وكما أنّ له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول والقلم الأعلى والنور والنفس الكلية واللوح المحفوظ وغير ذلك، كذلك له في العالم الصغير الإنساني مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه. وفي اصطلاح أهل الله وغيرهم وهي السّر والخفي والروح والقلب والكلمة والرّوع والفؤاد والصدر والعقل والنفس.

الذّوق

الذّوق:
[في الانكليزية] Taste
[ في الفرنسية] Gout
بالفتح وسكون الواو في اللغة مصدر ذاق يذوق. وعند الحكماء وهو قوة منبثّة أي منتشرة في العصب المفروش على جرم اللسان تدرك بها الطعوم بواسطة الرطوبة اللعابية، بأن تخالطها أجزاء لطيفة من ذي الطعم ثم تغوص هذه الرطوبة معها في جرم اللسان إلى الذائقة.
فالمحسوس حينئذ كيفية ذي الطعم وتكون الرطوبة واسطة لتسهيل وصول الجوهر المحسوس الحامل للكيفية إلى الحاسة، أو بأنّ تتكيّف نفس الرطوبة بالطعم بسبب المجاورة فتغوص وحدها، فتكون المحسوس كيفيتها. ثم هذه الرطوبة عديم الطعم فإذا خالطها طعم فإمّا بأن تتكيّف به أو تخالطها أجزاء من حامله لم ترد الطعوم إلى الذائقة كما هي، بل مخلوطة بذلك الطعم كما للمرضى، ولذا يجد الذي غلب عليه مرة الصفراء الماء التفه والسكر الحلو مرا. ومن ثمّ قال البعض:
الطعوم لا وجود لها في ذي الطعم، وإنّما توجد الطعوم في القوة الذائقة والآلة الحاملة، كذا في شرح المواقف. والذّوق عند البلغاء هو محرّك القلوب والباعث على الوجد الذي لا تراعى فيه الشّاعرية. وهي من خصائص العزلة والعشق الخالص وهو أمر وجداني. وثمّة إجماع على ذلك بحيث لا يستطيع وصفه كما لا توصف حلاوة السّكر وما يشابهها من الأمور الوجدانية، ولكنّ الاتفاق حاصل على تلك الحلاوة، وكذا في جامع الصنائع.، قال الچلپي في حاشية المطول في شرح خطبة التلخيص: الذوق قوة إدراكية لها اختصاص بإدراك لطائف الكلام ومحاسنه الخفية. والذوق عند الصّوفية عبارة عن السّكر من تذوّق شراب العشق للعاشق، كذلك الشوق الذي يحصل من استماع كلام المحبوب.
ومن مشاهدته ورؤيته، ولذلك يصير العاشق مسكينا واقعا في الوجد، فيغيب عن الشعور ويصير في مقام المحو المطلق. ويقولون لمثل هذا الحال: الذّوق. وجاء في اصطلاح عبد الرزاق الكاشي (شارح فصوص الحكم) الذّوق أوّل درجات شهود الحق بأقلّ وقت كالبرق، وإذا بقي ساعة وصل لمقام الشّهود، كذا في كشف اللغات. وفي الاصطلاحات الصوفية لكمال الدين: الذوق هو أول درجات شهود الحقّ بالحقّ في أثناء البوارق المتوالية عند أدنى لبث من التّجلّي البرقي، فإذا زاد وبلغ أوسط مقام الشهود يسمّى شربا، فإذا بلغ النهاية يسمّى ربا وذلك بحسب صفاء السّر عن لحوظ الغير.

الكسر

الكسر:
* يُطلق على الحركة المعروفة.
* يُعبر به عند كثير من المتقدمين عن الإمالة، لما حدث في الممال من التقريب إلى الكسر.
الكسر:
[في الانكليزية] Fracture ،fracturing
[ في الفرنسية] Fracture ،fraction
بالفتح وسكون السين لغة فصل الجسم الصلب بمصادمة قوية من غير نفوذ جسم فيه، ويطلق أيضا على نوع من الحركة. وعند الأطباء تفرّق اتصال في العظم بشرط أن يكون التفرّق إلى جزءين أو أجزاء كبار ويسمّى كاسرا أيضا، لأنّه إذا كان التفرّق إلى أجزاء صغار يسمّى تفتّتا متفتتا، هكذا يستفاد من بحر الجواهر والأقسرائي. وذكر في شرح القانونچهـ أنّه يشترط أيضا أن يكون ذلك التفرّق في عرض العظم إذ لو كان في الطول يسمّى صدعا وصادعا. وعند القرّاء الإمالة المحضة.
وعند المحاسبين العدد الذي يكون أقلّ من واحد كالنصف والثلث ويقابله الصحيح. وهو إمّا منطق وهو الكسر الذي يمكن أن ينطق به بغير الجزئية أي بغير الألفاظ الدالة على الجزء مفردا. كان كالنصف والثلث أو مكررا كالثلثين أو مضافا كنصف الثلث أو معطوفا كالنصف والثلث. وإمّا أصم وهو ما لا يمكن التعبير عنه إلّا بجزء من كذا مفردا كان كجزء من أحد عشر أو مكررا كجزءين من أحد عشر أو مضافا كجزء من أحد عشر من جزء من ثلاثة عشر أو معطوفا كجزء من أحد عشر وجزء من ثلاثة عشر. وبالجملة فالكسر سواء كان منطقا أو أصم منحصر في المفرد والمكرّر والمضاف والمعطوف لأنّ العدد المنسوب إليه إمّا أن يعتبر بنسبة نفسه إلى المنسوب إليه أو بنسبة مجتمعة من نسب أقسامه إليه، والأول إمّا أن تعتبر نسبته إلى المنسوب إليه بلا ملاحظة واسطة وتسمّى نسبة بسيطة، وهي نسبة الكسر المفرد كالثلث، أو بملاحظة واسطة وتسمّى نسبة مؤلّفة وهي نسبة الكسر المضاف كثلث النصف، وليس المراد بالمضاف المضاف النحوي بل أعمّ منه والثاني أي الذي يعتبر بنسبته مجتمعة من نسب أقسامه إمّا أن تكون نسب الأقسام متماثلة وهي نسبة الكسر المكرّر المذكور كالثلثين او مختلفة أي غير متّحدة وهي نسبة الكسر المعطوف كالنصف والثلث، هكذا في شرح خلاصة الحساب. وعند أهل الأوقاف عبارة عمّا بقي من قسمة أعداد ضلع واحد منه وفق على عدد بيوت ذلك الضلع، وذلك التقسيم يكون بعد نقصان العدد الطبعي من أعداد ضلع واحد كما تقرّر عندهم. مثلا مجموع أعداد ضلع واحد من المربع 45 نقصنا منه العدد الطبعي للمربع وهو 34 يبقى 11، قسمناه على عدد بيوت ضلع واحد من المربع وهو أربعة، خرج من القسمة اثنان وبقي ثلاثة، فالثلاثة كسر.
وعند الأصوليين وأهل النظر هو أن توجد حكمة العلّة بدون العلة ولا يوجد الحكم وحاصله وجود الحكمة المقصودة من الوصف مع عدم الحكم. مثاله أن يقول الحنفي في المسافر العاصي بسفره مسافر فيترخّص لسفره كغير العاصي، فإذا قيل له ولم قلت إنّ السفر علة الترخّص؟ قال بالمناسبة لما فيه من المشقّة المقتضية للترخّص لأنّه تخفيف، وهو يقع للمرخص فيعترض عليه بصفة شاقة في الحضر كحمل الأثقال ونحوه. فقال البعض الكسر يبطل العلية والمختار أنّه لا يبطلها فإنّ العلّة في المثال المذكور هو السّفر ولم يرد النقض عليه، فوجب العمل به، بيان ذلك أي أنّ العلة هو السفر هو أنّه وإن كان المقصود المشقة لكنها يعتبر ضبطها لاختلاف مراتبها بحسب الأشخاص والأحوال، وليس كلّ قدر منها يوجب الترخّص وإلّا سقطت العبادات، وتعيين القدر منها الذي يوجبه متعذّر فضبطت بوصف ظاهر منضبط هو السّفر، فجعل آثاره لها ولا معنى للعلّية إلّا ذلك. قالوا الحكمة هي المعتبرة قطعا والوصف معتبر تبعا لها، فالنقض وارد على العلة لأنّها إذا وجدت الحكمة المعيّنة ولم يوجد الحكم دلّ ذلك على أنّ تلك الحكمة غير معتبرة، فكذا الوصف المعتبر بتبعيتها فإنّ المقصود إذا لم يعتبر فالوسيلة أجدر، والجواب أنّ قدر الحكمة كالمشقة في مثالها يختلف، ولا بدّ في ورود النقض من وجود حكمة في محلّ النقض مساوية لما يراد نقضه، فإنّ عدم اعتبار الأضعف لا يوجب عدم اعتبار الأقوى، وذلك أي وجود الحكمة المساوية غير متيقّن، فلعله أي ما وجد في صورة النقض أقلّ حكمة، أو لعلّ التخلّف لمعارض يجعل قدر الحكمة ناقصا عديم المساواة أو باطلا بالكلية، فلذلك لم يعتبره الشارع. ووجود العلة في الأصل قطعي وإذا ثبت ذلك وجب اعتبار العلة القطعية ولا يصحّ التخلّف الظنّي معارضا له إذ الظنّ لا يعارض القطع. فإنّ قلت إنّا نفرض النقض في صورة يعلم قطعا وجود قدر الحكمة أو أكثر فيتعارض قطعيان أي وجود العلة قطعا وانتقاضها تبعا لانتقاض حكمتها المساوية أو الزائدة قطعا فيتساقطان فيبطل العلية. قلت إنّ هذا المفروض بعيد التحقيق، ولو تحقّق وجب أن يبطل العلية لكن لا في كل صورة بل في صورة لم يثبت حكم آخر أليق بتحصيل تلك الحكمة من ذلك الحكم. وبالجملة فالكسر على المختار إنّما يبطل العلية إذا علم وجود قدر الحكمة أو أكثر ولم يثبت حكم آخر أليق بتحصيل تلك الحكمة منه، وحينئذ هو أي الكسر كالنقض، فجوابه كجوابه.
اعلم أنّه قال في المحصول الكسر في الحقيقة قدح في تمام العلة بعدم التأثير وفي جزئها بالنقض. قال القاضي هو عدم تأثير أحد الجزءين ونقض الآخر، والأكثرون على أنّه إسقاط وصف من أوصاف العلة المركّبة عن درجة الاعتبار ونقض الباقي فلم يفرّقوا بينه وبين النقض المكسور، وذلك لأنّهم قالوا إذا نقض العلة بترك بعض الصفات سمّي نقضا مكسورا، وهو بالحقيقة نقض بعض الصفات وأنّه بين النقض والكسر كأنّه قال الحكمة المعتبرة تحصل باعتبار هذا البعض وقد وجد في المحل ولم يوجد الحكم فيه فهو نقض لما ادعاه علّة باعتبار الحكمة. وقد اختلف في أنّه يبطل العلية والمختار أنّه لا يبطل. مثاله أن يقول الشافعي في منع بيع الغائب إنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلا يصحّ بيعه، فيقول المعترض هذا منقوض بما إذا تزوّج امرأة لم يرها فإنّها مجهول الصفة عند العاقد حال العقد والحال أنّه صحيح، فقد حذف قيد كونه مبيعا ونقض الباقي وهو كونه مجهول الصفة عند العاقد حال العقد. ودليل المذهب المختار أنّ العلّة المجموع فلا نقض عليه إذ لا يلزم من عدم علية البعض عدم علية الكلّ، هذا إذا اقتصر على نقص البعض. وأمّا إذا أضاف إليه إلغاء الوصف المتروك وكونه وصفا طرديا لا مدخل له في العلية بأن يبين عدم تأثير كونه مبيعا وأنّ العلة كونه مجهول الصفة إلى آخره لأنّه مستقل بالمناسبة، فحينئذ يكون وصف كونه مبيعا كالعدم فيصحّ النقض لوروده على ما يصلح علّية، ولا يكون مجرّد ذكره رافعا للنقض خلافا لشرذمة لأنّه بمجرّد ذكره لا يصير جزءا من العلّة إذا قام الدليل على أنّه ليس جزءا، ويتعيّن الباقي لصلوح العلّية فتبطل بالنقض، ويصير حاصله سؤال ترديد وهو أنّ العلّة إمّا المجموع أو الباقي وكلاهما باطل، أمّا المجموع فلإلغاء الملغى وأمّا الباقي فللنقض، هكذا في العضدي وحاشيته للمحقق التفتازاني في مبحث القياس.

المذكّر

المذكّر:
[في الانكليزية] Masculine
[ في الفرنسية] Masculin
اسم مفعول من التذكير في اللغة ضدّ المؤنّث. وعند النحاة اسم لم توجد فيه علامة التأنيث لا لفظا ولا تقديرا ولا حكما، وهو إمّا حقيقي وهو حيوان ذكر أي له أنثى من جنسه، وإمّا غير حقيقي وهو غير الحيوان الذّكر كذا في شروح الكافية والإرشاد ومرّ في لفظ المؤنّث.

المدخل

المدخل:
[في الانكليزية] Rank in onomancy
[ في الفرنسية] Rang en onomancie
اسم ظرف من الدخول والمداخل الجمع.

وهو عند أهل الجفر ثلاثة أنواع: مدخل كبير ومدخل صغير ومدخل وسيط.
فالمدخل الكبير عبارة عن مجموع أعداد اسم بحساب الجمل الكبير، فمثلا أعداد: حسن بحساب الجمّل الكبير 118. إذن هذا هو المدخل الكبير.
فإذا نزلت مرتبة الكبير إلى درجة أقلّ فالعشرات تصير آحادا والمئات عشرات، وعلى هذا القياس، فيحصل المدخل الوسيط. فمثلا في المثال المذكور بعد الانحطاط درجة واحدة فالناتج هو/ 11/، فإذا أضفنا إليه ثمانية التي هي في مرتبة الآحاد فيصير الناتج/ 19/ فذلك هو المدخل الوسيط لأنّ الآحاد لا توجد درجة تحتها فلا تقبل النزول. وأمّا إذا طرحنا من المدخل الكبير تسعة تسعة فالباقي هو المدخل الصغير، وعليه فالمثال المذكور (حسن) سيكون الباقي/ 118/ واحدا.
ويقال أيضا للمدخل الكبير العدد الكبير، كما يقال للمدخل الوسيط العدد الوسيط وللمدخل الصغير العدد الصغير. ولكلّ واحد من هذه المداخل مخرج هو عبارة عن الحروف الحاصلة من ذلك المدخل. فإذا حصّلنا المخرج والمدخل الكبير في المثال المذكور فإنّ النتيجة هي هذه الحروف: ح ي ق 8 10 100
ومخرج المدخل الوسيط هو اي؛ وأمّا مخرج المدخل الصغير فهو حرف ا. هذا ما قيل في أنواع البسيط. ويفهم من بعض الرسائل أنّهم يحطون المدخول الوسيط إلى مرتبة أقلّ على النحو المذكور، فيكون الحاصل هو المدخل الصغير. وعليه فالمدخل الصغير في المثال المذكور هو عشرة.

المقابلة

المقابلة:
[في الانكليزية] Opposition ،reciprocity ،oxymoron
[ في الفرنسية] Opposition ،reciprocite ،oxymoron
هي عند المنجّمين كون الكوكبين بحيث يكون البعد بينهما بقدر نصف فلك البروج ككون الزهرة في أول درجة الحمل والمريخ في أول درجة الميزان، ومقابلة الشمس والقمر يسمّى استقبالا وامتلاء. وعند المحاسبين عبارة عن إسقاط الأجناس المشتركة في كلّ واحد من المتعادلين أي المتساويين وهذا مستعمل في علم الجبر والمقابلة. مثاله شيء وعشرة أعداد يعدل مائة، فالجنس المشترك في الطرفين المتعادلين والعشرة التي هي من جنس العدد توجد في كلّ واحد من شيء وعشرة ومائة، فإذا أسقطناها من الطرفين بقي شيء معادلا لتسعين، فهذا الإسقاط هو المقابلة كذا في شرح خلاصة الحساب.
وعند أهل البديع هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو بمعان متوافقة، ثم بما يقابل ذلك على الترتيب ويسمّى بالتقابل أيضا. وأمّا ما وقع في العضدي من أنّ التقابل ذكر معنيين متقابلين، فقد قال السّيّد السّند إنّه خلاف المشهور فإنّ ما ذكره تفسير للمطابقة، والتقابل قسم منها، وهو أن يؤتى بمعنيين إلى آخره، إلّا أنّه لا مناقشة في الاصطلاحات فجاز أن يطلق التقابل على ما يسمّى مطابقة وبالعكس. ثم المراد بالتوافق خلاف التقابل لا أن يكونا متناسبين ومتماثلين فإنّ ذلك غير مشروط في المقابلة. قيل يختصّ اسم المقابلة بالإضافة إلى العدد الذي وقع عليه المقابلة مثل مقابلة الواحد بالواحد وذلك قليل جدا، كقوله تعالى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ومقابلة الاثنين بالاثنين كقوله فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ومقابلة الثلاثة بالثلاثة كقول الشاعر:
وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل ومقابلة الأربعة بالأربعة نحو فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى والمراد باستغنى أنّه زهد فيما عند الله تعالى كأنّه مستغن عنه والاستغناء مستلزم لعدم الاتقاء المقابل للاتقاء، فإنّ المقابلة قد يتركّب بالطّباق وقد يتركّب مما هو يلحق بالطّباق. ومقابلة الخمسة بالخمسة كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي الآيات قابل بين بعوضة فما فوقها وبين فأمّا الذين آمنوا، وأمّا الذين كفروا وبين يضلّ ويهدي وبين ينقضون وميثاقه ويقطعون وأن يوصل. ومقابلة الستّة بالستّة كقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ الآية ثم قال: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ الآية. قابل الجنات والأنهار والخلد والأرواح والتطهير والرضوان بإزاء النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث. وقسّم بعضهم المقابلة إلى ثلاثة أنواع: نظيري ونقيضي وخلافي. مثال الأول مقابلة السّنة بالنوم في قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ فإنّهما من باب الرّقاد المقابل باليقظة في آية وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ فهذه الآية مثال النقيضي. ومثال الخلافي مقابلة الشّر بالرشد في قوله تعالى وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فإنّهما خلافان لا نقيضان، فإن نقيض الشر الخير والرشد البغي. قال ابن أبي الأصبع: الفرق بين الطّباق والمقابلة من وجهين: أحدهما أنّ الطباق لا يكون بين ضدين فقط والمقابلة لا يكون إلّا بما زاد من الأربعة إلى العشرة وثانيهما أنّ الطّباق لا يكون بالأضداد والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها.
قال السّكّاكي ومن خواصّ المقابلة أنّه إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضدّ ذلك الأمر نحو فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى الآية. فإنّه لما جعل في الأول التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده مشتركا بين أضدادها، فعلى هذا لا يكون البيت المذكور سابقا من المقابلة عنده لأنّه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الكفر والإفلاس ضده. وقال السّيّد السّند ظاهر هذا الكلام أنّه لا يجب أن يكون في المقابلة شرط لكن إذا اعتبر في أحد الطرفين شرط وجب اعتبار ضدّه في الطرف الآخر. ثم إنّ السّكاكي مثّل في المطابقة بقوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ولا شكّ أنّه مندرج عنده في المقابلة أيضا إذ لم يجب فيها اعتبار الشرط، ومن ذلك يعلم انتفاء التباين بين المطابقة والمقابلة. فإذا تؤمّل في أحدهما عرف كونها أخصّ من المطابقة. هذا كله خلاصة ما في المطول وحواشيه والاتقان.
وقد يطلق المقابلة على المشاكلة أيضا كما مرّ؛ وعلى هذا وقع في البيضاوي معنى قوله تعالى اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم على استهزائهم سمّى جزاء الاستهزاء باسمه كما سمّى جزاء السّيّئة سيئة بمقابلة اللفظ باللفظ.
وعند الحكماء هي امتناع اجتماع شيئين في موضوع واحد من جهة واحدة ويسمّى بالتقابل أيضا، والشيئان يسمّيان بالمتقابلين وهو قسم من التخالف، وليس المراد بامتناع الاجتماع امتناعه في نفس الأمر لأن المفهومين المتخالفين قد يمتنع اجتماعهما في نفس الأمر مع عدم تقابلهما كالموت مع العلم والقدرة بل امتناع الاجتماع في العقل بأن لم يجوّز العقل اجتماعهما. ثم امتناع تجويز الاجتماع الذي هو عبارة عن حصول الشيئين معا إمّا بامتناع تجويز الحصول أو بامتناع المعية، والأول ليس بمراد إذ المتقابلان لا يمتنع حصولهما في المحلّ فضلا عن التجويز فتعيّن الثاني، وامتناع تجويز معيّتهما في المحلّ يستلزم تجويز تعاقبهما فصار معنى التعريف أنّ العقل إذا لاحظهما وقاسهما إلى موضوع شخصي جوّز بمجرّد ملاحظتهما ثبوت كلّ واحد منهما فيه على سبيل التبدّل دون الاجتماع من جهة واحدة، واندفع ما قيل إنّ المعتبر في مفهوم المتقابلين نسبة كلّ منهما إلى محلّ واحد. وأمّا أنّه يجب أن يجوّز العقل ثبوت كلّ منهما فيه بدلا عن الآخر فلا، والمراد بمجرّد الملاحظة أن لا يلاحظ ما في الواقع من ثبوت أحدهما لا أن لا يلاحظ شيء آخر سوى المفهومين حتى يلزم قطع النظر عمّا هو خارج عنهما فلا يرد ما قيل إنّ العقل يجوّز ثبوت الوحدة والكثرة مثلا بمجرّد النظر إلى مفهوميهما، وعدم التجويز إنّما كان بملاحظة أنّ محل الوحدة جزء لمحل الكثرة فتحقّق المقابلة بالذات بين الوحدة والكثرة مع أنّه لا تقابل بالذات بينهما كما تقرّر. والمراد بامتناع الاجتماع امتناعه بحسب الحلول لا بحسب الصدق والحمل فإنّ امتناع الاجتماع من حيث الصدق قد يسمّى تباينا فلا يدخل نحو الإنسان والفرس في المتقابلين بخلاف مفهومي البياض واللابياض فإنّه يمتنع اجتماعهما باعتبار الحلول في محلّ واحد. إن قلت اللابياض ليس له حلول من المحل لأنّه مختص بالموجودات، قلت: الحلول أعمّ من أن يكون حقيقيا أو شبيها به، واتصاف المحلّ باللابياض اتصاف خارجي شبيه بالحلول، فالمراد بالاجتماع الاتصاف سواء كان بطريق الحلول أو لا.
وأجاب شارح حكمة العين عنه بتعميم امتناع الاجتماع حيث قال: عدم الاجتماع أعمّ من أن يكون بحسب الوجود أو بحسب القول والحمل، وفيه ما عرفت. وقيد من جهة واحدة لإدخال المتضايفين كالأبوّة والبنوّة العارضتين لزيد من جهتين، فعلى هذا لا تضاد في الجواهر إذ لا موضوع لها، فإنّ الموضوع هو المحل المستغني عمّا يحلّ فيه، فالجسم والهيولى والمفارق ليس لها محل، والصورة النوعية والجسمية وإن كان لهما محل لكنهما ليسا مستغنيين عنه. واعتبر بعضهم المحل مطلقا ولذلك أثبت التّضاد بين الصور النوعية للعناصر بخلاف الصور الجسمية لتماثلها، وبخلاف الصور النوعية للأفلاك لاختصاص كلّ صورة منها بمادتها لا يمكن زوالها عن مادتها، فلا يصحّ اعتبار نسبتها إلى محلّ واحد بالشخص يجوز العقل تواردهما عليه فلا تقابل بينهما.

التقسيم:
المتقابلان إمّا وجوديان أي ليس السلب داخلا في مفهوم شيء منهما أو لا، وعلى الأول إمّا أن يعقل كلّ منهما بالقياس إلى الآخر فهما المتضايفان أو لا، فهما المتضادان. وعلى الثاني يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا فإمّا أن يعتبر في العدمي محلّ قابل للوجودي فهما العدم والملكة وإلّا فهما السّلب والإيجاب، فالتقابل أربعة أقسام: تقابل التضاد وتقابل التضايف، وقد سبقا، وتقابل العدم والملكة وتقابل السلب والإيجاب. ثم المتقابلان تقابل العدم والملكة قسمان لأنّهما إن اعتبر نسبتهما إلى قابل للأمر الوجودي واعتبر قبوله لذلك الأمر في ذلك الوقت فهما العدم والملكة المشهوريان كالكوسج فإنّه عدم اللحية عمّا من شأنه في ذلك الوقت أن يكون ملتحيا، بخلاف الأمرد فإنه لا يقال له كوسج إذ ليس من شأنه اللحية في ذلك الوقت، وإن اعتبر نسبتهما إليه واعتبر قبوله له أعمّ من ذلك، سواء كان بحسب شخصه في ذلك أو قبله أو بعده أو بحسب نوعه كالعمى للأكمه وعدم اللحية للمرأة، أو بحسب جنسه القريب كالعمى للعقرب فإنّ البصر من شأن جنسها القريب كالحيوان أو جنسه البعيد كالسكون المقابل للحركة الإرادية للجبل فإنّ جنسه البعيد أعني الجنس الذي هو فوق قابل للحركة الإرادية فهما العدم والملكة الحقيقيتان. فالعدم الحقيقي هو عدم كلّ معنى وجودي يكون ممكنا للشيء بحسب الأمور الأربعة والعدم المشهوري هو ارتفاع المعنى الوجودي بحسب الوقت الذي يمكن حصوله فيه، فالمتقابلان تقابل العدم والملكة هما المتقابلان تقابل السّلب والإيجاب باعتبار النسبة إلى المحل القابل وهو المذكور في التجريد.

لكن قال المحقّق الدّواني: إنّ مجرّد امتناع الاجتماع بالنسبة إلى الموضوع القابل لا يكفي في العدم والملكة، بل لا بد مع ذلك أن تكون النسبة إليه مأخوذة في مفهوم العدمي.
فائدة:
المتقابلان تقابل التضاد قد يتقابلان باعتبار وجودهما في الخارج بالنسبة إلى محلّ واحد كالسواد والبياض ولا يلزم كونهما موجودين بل أن يكون السلب جزءا من مفهومهما، وكذا الحال في المتضايفين عند من قال بوجود الإضافات في الخارج. وأمّا على مذهب من قال بعدمها مطلقا فالتقابل بينهما باعتبار اتصاف المحلّ بهما في الخارج، وكذا الحال في العدم والملكة كالبصر مثلا فإنّه بحسب الوجود الخارجي في المحل يقابل العمي بحسب اتصاف المحل به بخلاف الإيجاب والسّلب فإنّه لا يكون لهما وجود في الخارج أصلا لأنّهما أمران عقليان واردان على النسبة التي هي عقلية أيضا لأنّهما بمعنى ثبوت النسبة وانتفائها الذين هما جزء القضية، وقد يعبّر عنهما بوقوع النسبة ولا وقوعها أيضا، فهما يوجدان في الذهن حقيقة أو في القول إذا عبّر عنهما بعبارة مجازا، وهذا معنى ما قيل إنّ تقابل الإيجاب والسلب راجع إلى القول والعقد أي الاعتقاد وليس المراد بالإيجاب والسلب هاهنا إدراك الوقوع وإدراك اللاوقوع إذ هما بهذا المعنى متقابلان تقابل التضاد لكونهما قسما من العلم قائمين بالذهن قيام العرض بمحله.
فائدة:

قال الشيخ في الشفاء: المتقابلان بالإيجاب والسلب إن لم يحتملا الصدق والكذب فبسيط كالفرسية واللافرسية وإلّا فمركّب، كقولنا زيد فرس وزيد ليس بفرس انتهى. وهذا كلام ظاهري إذ لا تقابل بين الفرسية واللافرسية إلّا باعتبار وقوع تلك النسبة إيجابا ولا وقوعها سلبا فيرجعان حينئذ إلى القضيتين بالقوة، وإذا اعتبر مفهوم الفرسية ولم يلاحظ معه نسبة بالصدق على شيء بأن يكون مفهوم اللافرسية حينئذ هو مفهوم كلمة لا مقيّدا بمفهوم الفرسية ولا سلب في الحقيقة هاهنا إذ السلب رفع الإيجاب، والإيجاب إنّما يرد على النسبة وهو ظاهر، فكذا السلب. فإذا عبرت عن مفهوم واحد ولم تعتبر معه نسبته إلى مفهوم آخر لا يمكنك تصوّر وقوع أو لا وقوع متعلّق بذلك المفهوم الواحد ضرورة. فمفهوما الفرسية واللافرسية المأخوذان على هذا الوجه متباعدان في أنفسهما غاية التباعد ومتدافعان في الصدق على ذات واحدة فهما متقابلان بهذا الاعتبار.
وبالجملة فمبنى كلام الشيخ على تشبيه الاعتبار الثاني بالاعتبار الأول في كون المفهومين في كلّ منهما في غاية التباعد، فيراد بالإيجاب وجود أيّ معنى كان سواء كان وجوده في نفسه أو وجوده بغيره، وبالسلب لا وجود أي معنى كان سواء كان لا وجوده في نفسه أو لا وجوده بغيره.
فائدة:
التقابل بالذات بمعنى انتفاء الواسطة في الإثبات والثبوت والعروض إنّما هو بين الإيجاب والسّلب وغيرهما من الأقسام إنّما يثبت التقابل فيها لأنّ كلّ واحد منها مستلزم لسلب الآخر، ولولا ذلك الاستلزام لم يتقابلا، فإنّ معنى التقابل ذلك الاستلزام فتقابل الإيجاب والسلب أقوى. وقيل بل هو التضاد إذ في المتضادين مع السّلب الضمني أمر آخر وهو غاية الخلاف المعتبرة في التضاد الحقيقي.
والمراد بالذات في قولهم تقابل الوحدة والكثرة ليس بالذات انتفاء الواسطة في العروض، ولا تقابل بين الأعدام لامتناع كون العدم المطلق مقابلا للعدم المطلق، وإلّا لزم تقابل الشيء لنفسه، وكذا للعدم المضاف لكونه جزءا منه.
فائدة:
المتقابلان بالإيجاب والسلب يكون أحدهما كاذبا فقط وهو ظاهر وسائر المتقابلين يجوز أن يكذبا، أمّا المضافان فبخلوّ المحلّ عنهما كقولك زيد بن عمر أو ابوه إذا لم يكن واحدا منهما واما العدم والملكة فلذلك أيضا اما المشهوريان فكقولك بصير أو أعمى للجنين، وأمّا الحقيقيان فكقولك للهواء البحت مستنير أو مظلم، وأمّا الضدان فعند عدم المحلّ كقولك لزيد المعدوم هو أبيض أو أسود وعند وجود المحلّ أيضا لاتصافه بالوسط كالفاتر للماء الذي ليس بحار ولا بارد، أو لخلوّه عن الوسط كالشفاف فإنّه خال عن السواد والبياض إذ لا لون له، هذا كلّه خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته للمولوي عبد الحكيم وشرح حكمة العين.

المختلف

المختلف:
[في الانكليزية] Existence of two opposite traditions
[ في الفرنسية] Existence de deux traditions opposees
بفتح اللام على أنّه مصدر ميمي كما في شرح النخبة هو عند المحدّثين أن يوجد حديثان متضادان في المعنى بحسب الظاهر فيجمع بينهما بما ينفي التضاد كذا في الإرشاد الساري شرح البخاري. وفي خلاصة الخلاصة رفع الاختلاف أن توجد أحاديث متضادة بحسب المعنى ظاهرا فيجمع بينهما أو يرجّح أحدهما. والمختلف قسمان: الأول ما يمكن الجمع بينهما فيتعيّن المصير إليه ويجب العمل بهما. والثاني ما لا يمكن فيه ذلك وهو ضربان: الأول ما علم أنّ أحدهما ناسخ والآخر منسوخ. والثاني ما لا يعلم فيه ذلك فلا بدّ من الترجيح ثم التوقّف انتهى. والظاهر من هذا أنّ المختلف بكسر اللام وأنّه أعمّ من الأول وجودا والمختلف على صيغة اسم المفعول. وفي اصطلاح أهل العربية هو اللفظ الذي اختلف فيه أئمة اللغة في أنّه في الأصل عربي أو عجمي مثل طست بالسين المهملة كذا في شرح نصاب الصبيان.

الظّرف

الظّرف:
[في الانكليزية] Adverb
[ في الفرنسية] Adverbe
بالفتح وسكون الراء عند أهل العربية يطلق على معان. منها اسم ما يصح أن يقع فيه فعل زمانا كان أو مكانا، والأول ظرف زمان كاليوم والدهر، والثاني ظرف مكان كاليمين والشمال.
وفي الهداد حاشية الكافية ظرف الزمان ما يصلح جوابا لمتى وظرف المكان ما يصلح جوابا لأين انتهى. أي اسم ما يصلح الخ يقال له اسم الظرف أيضا. قال في التوضيح من أسماء الظروف مع انتهى. ومن أقسام أسماء الظروف أسماء الزمان والمكان وهي الأسماء الموضوعة للزمان والمكان باعتبار وقوع الفعل فيهما مطلقا، أي من غير تقييد بشخص أو زمان أو مكان، فإذا قلت مخرج فمعناه موضع الخروج المطلق أو زمان الخروج المطلق ولم يعملوها في مفعول ولا ظرف، فلا يقولون مقتل زيدا ولا مخرج اليوم لئلّا يخرج من الإطلاق إلى التقييد كذا في جار بردي شرح الشافية. والفرق بين اسم الزمان والمكان وبين الوصف المشتقّ سيجيء في لفظ الوصف والأحسن هو ما قال في أصول الأكبري من أنّ اسم الظرف ما يبنى من فعل ليدلّ على مكانه أو زمانه. ووزنه في الثلاثي مفعل بفتح العين أو كسرها، ومفعلة بفتح الميم والعين كمأسدة، وفعال بالكسر.
وفي غير الثلاثي المجرّد يكون على وزن اسم مفعوله انتهى. فعلم من هذا أنّ اسم الظرف يقال على معنيين: أحدهما أعمّ والثاني أخصّ، وبالمعنى الأعم يكون لفظ مع وعند واليمين واليوم ونحوها من أسماء الظروف، وبالمعنى الأخصّ لا يكون منها.
ثم الظرف سواء كان ظرف زمان أو مكان على نوعين: مبهم ومؤقّت ويسمّى محدودا أيضا. واتفق القوم على أنّ المبهم من الزمان ما لم يعتبر له حدّ ولا نهاية كالحين، والمحدود منه ما اعتبر فيه ذلك كاليوم والشهر. وأمّا المبهم والمحدود من المكان فقد اختلف في تفسيرهما، فقال أكثر المتقدمين إنّ المبهم من المكان هو الجهات السّتّ وهي أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت، والمحدود منه بخلافه، أي ما سوى تلك الجهات. ويرد عليه عند ولدى ولفظ مكان وما بمعناه من ذوات الميم وما بعد دخلت والمقادير الممسوحة كالفرسخ والميل فإنّها تكون منصوبة بتقدير في، ولا تكون المحدودات منصوبة بتقدير في فينبغي أن تكون مبهمات مع أنّه لا يصدق حدّ المبهم عليها. وأجيب بأنّها محمولة على الجهات السّتّ لمشابهتها إيّاها إمّا في الإبهام كعند ولدى ودون وسوى، وإمّا في كثرة الاستعمال كلفظ مكان وما بعد دخلت، وإمّا في الانتقال كالمقادير الممسوحة فإنّ تعيّن ابتداء الفرسخ مثلا لا يختصّ مكانا دون مكان بل يتحوّل ابتداء كتحول الحلف قداما واليمين شمالا.
فإن قلت المكان المبهم كاسمه يتناول كلّ مكان ليس له حدّ يحصره، فما بال المتقدّمين فسّروه بالجهات السّتّ التي هي بعض الأمكنة المبهمة ثم احتاجوا إلى حمل غيرها عليها.
قلت كأنّهم جعلوا الجهات السّتّ أصلا لتوغلها في الإبهام لا يحاذيها غيرها فيه حتى إنّها لا تتعرّف بالإضافة إلى المعرفة. وقيل المبهم هو النّكرة والمحدود بخلافه. ويرد على هذا التفسير خلفك وأمامك فإنّهما من المبهمات. وأيضا لا خلاف في انتصابهما على الظرفية بتقدير في مع أنّه لا يصدق حدّ المبهم عليهما. وأجيب بأنّ الجهات لا تتعرف بالإضافة فلا يخرج عن تفسير المبهم بالنكرة خلفك وأمامك ونحوهما.
وقيل المبهم هو غير المحصور والمحدود هو المحصور. ويرد عليه نحو فرسخ فإنّه من المبهمات لانتصابه على الظرفية، بل يقال إنّ المكان الذي ينصب بتقدير في: نوعان المبهم والمحدود الذي يتبدّل ابتداؤه وانتهاؤه لمشابهتهما الزمان الذي هو مدلول الفعل، ووجه المشابهة التغيّر والتبدّل في نوعي المكان كما في الأزمنة الثلاثة. فخروج المحدود كالفرسخ من تفسير المبهم لا يضرّه. وقال ابن الحاجب وصاحب اللباب: المبهم ما ثبت له اسم بسبب أمر خارج عن مسمّاه. فالفرسخ داخل فيه لأنّ المكان لم يصر فرسخا بذاته بل بالقياس المساحي الذي هو خارج عن مسمّاه وكذا الجهات فإنّها تطلق على هذه الأمكنة باعتبار ما يضاف إليه لا بذاته، والمؤقت ما له اسم باعتبار ما دخل في مسمّاه كأعلام المواضع نحو البلد والسّوق والدار فإنّها أسماء لتلك المواضع باعتبار أشياء داخلة فيها كدور في البلد والبيت في الدار. ثم هذا التفسير يشتمل نحو جوف البيت وخارج الدار وداخلها ونحو المغرب والمقتل والمأكل والمشرب مع أنها لا تنتصب بالظرفية، فلا يقال زيد خارج الدار وجوف البيت بل في خارجها وفي جوفه، وكذا لا يقال قمت مضرب زيد ومقتله. وأيضا يشكل بأنّهم صرّحوا إنّ الدار اسم للعرصة دون البناء حتى لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل فيها بعد ما صارت صحراء يحنث، فلا تكون البيوت التي استحقت اسم الدار ابتداء باعتبارها داخلة في مسمّاه. ثم كلّ من المبهم والمؤقت إمّا مستعمل اسما بأن يقع مرفوعا ومنصوبا على غير الظرفية ومجرورا وظرفا بأن يقع منصوبا على الظرفية ويسمّى حينئذ منصرفا وهو ما جاز أن تعقب عليه العوامل كاليوم والحين، يقال هذا حين ورأيت حينا وعجبت من حين، أو مستعمل ظرفا لا غير ويسمّى غير منصرف وهو ما لزم فيه النصب بتقدير في مثل سوى. وكلّ من الصنفين يجوز أن يكون منصرفا وغير منصرف.
هذا كله خلاصة ما في شروح الكافية والعباب.

ومنها المفعول فيه، قال في الضوء:
المفعول فيه يسمّى ظرفا انتهى. وهذا المعنى أخصّ من الأول مطلقا كما لا يخفى.
ومنها المفعول به بواسطة حرف الجرّ.

قال في العباب: المفعول به الذي بواسطة حرف الجرّ في اصطلاحهم يسمّى ظرفا أيضا. ثم الظرف سواء كان مفعولا فيه أو مفعولا به بواسطة حرف الجرّ قسمان: لغو ومستقر. فاللغو ما كان عامله شيئا خارجا عن مفهوم الظرف أي ليس الظرف بمتضمّن له، سواء كان ذلك الشيء فعلا أو معناه، وسواء كان مذكورا نحو مررت بزيد أو مقدرا نحو من لك أي من يضمن لك.
وإنّما سمّي به لأنّه زائد غير محتاج إليه.
والمستقر ما كان عامله بمعنى الاستقرار والحصول ونحوهما من الأفعال العامة كالثبوت والوجود مقدرا غير مذكور نحو زيد في الدار.
وإنّما سمّي به لأنّ الفعل وهو استقرّ أو معناه مقدّر قبله نحو كان زيد في الدار أو استقر في الدار. فالظرف مستقر فيه، فحذف عامل الظرف وسدّ الظرف مسدّه، واستتر الضمير فيه. وقيل لا بدّ في المستقر من ثلاثة أمور. الأول كون المتعلّق متضمنا فيه فخرج بهذا نحو مررت بزيد لأنّ المرور ليس متضمنا في الجار بل هو أمر خارج. والثاني أن يكون المتعلق من الأفعال العامة فخرج زيد في الدار إذا قدر متعلقه خاصا. والثالث أن يكون المتعلق غير مذكور فخرج زيد حاصل في الدار. وقال ابن جني يجوز إظهار عامله ولا حجة له. وأمّا قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عنده فليس مستقرا في هذا القول بمعنى كائنا حتى يكون حجة له، وهذا هو المشهور فيما بين النحاة. وذكر السيّد السّند في حواشي الكشاف أنّ المستقر ما كان متعلّقه مقدرا سواء كان عامّا نحو زيد في الدار أي حاصل فيها أو خاصا نحو زيد في البصرة أي مقيم فيها، واللغو ما يقابله انتهى.
اعلم أنّ المشهور في تقدير عامل الظرف الفعل أو الاسم المنكر وقد يقدّر عامله اسما معرّفا بسبب ما ككونه صفة معرفة. وعلى هذا قيل قولهم الفصاحة في المفرد بمعنى الفصاحة الكائنة في المفرد كما في حواشى المطول.
والظرف عند الأصوليين ما كان محلا لشيء وفضل على ذلك الشيء كالوقت للصلاة، فإن ساواه سمّي معيارا لا ظرفا كوقت الصوم فإنّه الذي يستقرّ فيه ولا يفضل عنه فيتقدّر به فيطول بطوله ويقصر بقصره، هكذا يستفاد من التلويح وحواشي المنار.
وفي كليات أبي البقاء الظرف الزماني نحو أمس والآن ومتى وأيّان وقط المشدّدة وإذا وإذ المقتضية جوابا والظرف المكاني نحو لدن وحيث وأين وهنا وثمه وإذ المستعملة بمعنى ثمه والمشترك نحو قبل وبعد وإذا قصد في باء المصاحبة مجرّد كون معمول الفعل مصاحبا للمجرور زمان تعلّق ذلك الفعل به من غير قصد مشاركتها في الفعل فمستقر في موضع الحال سمّي مستقرا لتعلّقه بفعل الاستقرار، وهو مستقرّ فيه حذف للاختصار. وإذا قصد كونه مصاحبا له في تعلّق الفعل فلغو. ففي قوله اشتر الفرس بسرجه على الأول السّرج غير مشترى، ولكن الفرس كان مصاحبا للسّرج حال الشّراء، والتقدير اشتر الفرس مصاحبا للسّرج. وعلى الثاني كان السّرج مشترى والمعنى اشترهما معا.
والظرف المستقر إذا وقع بعد المعرفة يكون حالا نحو مررت بزيد في الدار أي كائنا في الدار، ويقع صلة نحو: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ وخبرا نحو في الدار زيد أم عندك، وبعد القسم بغير الباء:
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ويكون متعلّقه مذكورا بعده على شريطة التفسير نحو يوم الجمعة صمت. ويشترط في الظرف المستقر أن يكون المتعلّق متضمنا فيه، وأن يكون من الأفعال العامة، وأن يكون مقدّرا غير مذكور. وإذا لم توجد هذه الشروط فالظرف لغو. وقال بعضهم ماله حظّ من الإعراب ولا يتمّ الكلام بدونه بل هو جزء الكلام فهو مستقرّ وليس اللغو كذلك لأنّه متعلّق لعامله المذكور، والإعراب لذلك العامل، ويتمّ الكلام بدونه، وحقّ اللغو التأخير لكونه فضلة، وحقّ المستقر التقديم لكونه عمدة ومحتاجا إليه. ومما ينبغي أن ينبّه عليه هو أنّ مثل كان أو كائن المقدّر في الظروف المستقرة ليس من الأفعال الناقصة بل من التامة بمعنى ثبت وحصل أو ثابت وحاصل، والظرف بالنسبة إليه لغو وإلّا لكان الظرف في موقع الخبر له فيكون بالنسبة إليه مستقرا لا لغوا، لأنّ اللغو لا يقع موقع متعلّقه في وقوعه خبرا فيلزم أن يقدّر كان أو كائن آخر.

الغاية

الغاية:
[في الانكليزية] Goal ،end ،tip ،aim ،objective
[ في الفرنسية] But ،fin ،fin ،finalite ،bout
هي تطلق على معان. منها نوع من أنواع الزّحاف وقد سبق. ومنها الظّرف المقطوع عن الإضافة بحذف المضاف إليه لفظا مع كون الإضافة مرادة معنى، وبني المضاف على الضم مثل قبل وبعد، أي قبل هذا وبعد هذا، والحقّ بالغايات لا غير ولا حسب وإن لم يكونا ظرفين كما في الإرشاد وحواشيه، والغايات من المبنيات العارضة، وهذا المعنى من مصطلحات النحاة. ومنها الغرض ويسمّى علّة غائية أيضا وهي ما لأجله إقدام الفاعل على فعله، وهي ثابتة لكلّ فاعل فعل بالقصد والاختيار، فإنّ الفاعل إنّما يقصد الفعل لغرض فلا توجد في الأفعال الغير الاختيارية ولا في أفعاله تعالى، كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية وقد سبق أيضا. وهي قد تضاف إلى الفعل.
يقال غاية الفعل، وقد تضاف إلى المفعول، يقال غاية ما فعل، وقد سبق في تقسيم العلوم المدوّنة.

قال شارح التجريد: اعلم أنّ الحركات الاختيارية الصّادرة عن الحيوان لها مباد أربعة مترتّبة فالمبدأ القريب هو القوّة المحرّكة المثبتة في عضلة العضو، والمبدأ الذي يليه هو الإجماع من القوة الشوقية، والأبعد منه هو تصوّر الملائم أو المنافي، فإذا ارتسم بالتخيّل والتفكّر صورة في النفس تحرّكت القوة الشوقية إلى الإجماع فخدمتها القوة المحرّكة في الأعضاء، فما انتهى إليه الحركة وهو الوصول إلى المنتهى هو غاية القوة الحيوانية المحرّكة، وليس لها غاية غير ذلك، وهو أي الوصول إلى المنتهى قد يكون غاية وغرضا للقوة الشوقية أيضا، فإنّ الإنسان ربّما ضجر عن المقام في موضع ويخيل في نفسه صورة موضع آخر، فاشتاق إلى المقام فيه فتحرّك نحوه وانتهت حركته إليه، فغاية قوته الشوقية نفس ما انتهى إليه تحريك القوة المحرّكة، وقد لا يكون لها غاية أخرى لكن لا يتوصل إليها إلّا بالوصول إلى المنتهى فإن الانسان قد يتخيل في نفسه صورة لقائه لحبيب له فيشتاق ويتحرك إلى مكانه فتنتهي حركته إلى ذلك المكان، ولا يكون نفس ما انتهى إليه حركته نفس غاية القوة الشوقية بل معنى آخر، لكن يتبعه ويحصل بعده وهو لقاء الحبيب على تقدير المغايرة بين غايتي المحرّكة والشوقية. فإن لم تحصل غاية الشوقية بعد الوصول إلى المنتهى فالحركة باطلة بالنسبة إلى الشوقية إذ لم يحصل بها ما هو غاية لها، وإن حصلت غايتها فهو خبر إن كان المبدأ هو التفكّر أو عادة إن كان المبدأ هو التخيّل مع خلق وملكه نفسانية كاللعب باللّحية، أو قصد ضروري إن كان المبدأ هو التخيّل مع طبيعة كالتنفس أو مع مزاج كحركات المرضى، أو عبث وجزاف إن كان المبدأ هو التخيّل وحده من غير انضمام شيء إليه. ومنها ما يترتّب على الفعل باعتبار كونه على طرف الفعل؛ قالوا كلّ مصلحة وحكمة تترتّب على فعل الفاعل تسمّى غاية من حيث إنّها على طرف الفعل ونهايته، وتسمّى فائدة أيضا من حيث ترتّبها عليه، فهما أي الغاية والفائدة متحدتان ذاتا ومختلفتان اعتبارا، وتعمّان الأفعال الاختيارية وغيرها.
والفرق بين الغاية بمعنى الغرض وبين الغاية بهذا المعنى أنّها بهذا المعنى أعمّ من وجه من الغاية بمعنى الغرض لوجودهما في الأفعال الاختيارية ووجود الغاية بهذا المعنى فقط في الأفعال الغير الاختيارية، ووجودها بمعنى الغرض فقط فيما إذا أخطأ في اعتقاده.
وبالجملة فالفائدة والغرض مختلفان ذاتا واعتبارا كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية.

ويؤيّده ما قال شارح التجريد: الحكماء قد يطلقون الغاية على ما يتأدّى إليه الفعل وإن لم يكن مقصودا إذا كان بحيث لو كان الفاعل مختارا لفعل ذلك الفعل لأجله، وهي بهذا المعنى أعمّ من العلّة الغائية. وبهذا الاعتبار أثبتوا للقوى الطبيعية غايات مع أنّه لا شعور لها ولا قصد، وكذا أثبتوا للأسباب الاتفاقية غايات. قالوا ما يتأدّى إليه الفعل إن كان تأدّيه دائميا أو أكثريا يسمّى ذلك الفعل سببا ذاتيا، وما يتأدّى هو إليه غاية ذاتية. وإن كان تأدّيه مساويا أو أقليا يسمّى الفعل سببا اتفاقيا وما يتأدّى هو إليه غاية اتفاقية.

الرّد

الرّد:
[في الانكليزية] Restitution ،reduction
[ في الفرنسية] Restitution ،reduction
في اللغة الصرف. وفي الاصطلاح صرف ما فضل عن فرض ذوي الفروض، ولا يستحق له أحد من العصبات إليهم بقدر حقوقهم هكذا في الجرجاني. وهو ضدّ العول إذ بالعول ينتقص سهام ذوي الفروض ويزداد أصل المسألة، وبالرّد يزداد السّهام وينتقص أصل المسألة. وبعبارة أخرى في العول يفضل السّهام على المخرج، وفي الرّد يفضل المخرج على السّهام، كذا في الشريفية. مثلا إذا ترك شخص بنتا واحدة، فأصل المسألة من اثنين، إذ للبنت هاهنا النّصف. فلما أعطي للبنت واحد من اثنين بقي واحد. ولما لم يكن هاهنا عصبة، ردّ الواحد الباقي إلى البنت فصار المسألة حينئذ من واحد بعد كونها في الأصل من اثنين، فقد انتقص أصل المسألة.
وعند المنجّمين يطلق على نوع من الاتّصال كما سبق ذكره.
وعند المحاسبين اسم عمل مخصوص وهو أن تنظر بين عدد الكسر ومخرجه نسبة. فإن كانت النسبة بينهما تباينا فلا يعمل فيه، إذ لا رد حينئذ، كواحد من خمسة يعبّر عنه بالخمس.
وإن كانت توافقا فيقسّم كلّ من عدد الكسر والمخرج على عدد ثالث عادلهما. وإن كانت تداخلا فيقسّم الأكثر منهما على الأقل، ثم يقسّم الأقلّ على نفسه، ثم ينسب الخارج من قسمة عدد الكسر إلى الخارج من قسمة المخرج، فيحصل المطلوب. فالستة من الثمانية يعبّر عنها بثلاثة أرباع، والاثنان من الثمانية يعبّر عنه بالرّبع. وإنّما فعلوا ذلك لأنّ النسبة بين الكسر ومخرجه توجد في أعداد غير متناهية.
والمختار عندهم أقل عددين على نسبتهما ليسهل الحساب ويقرب إلى الفهم، وإيراد ما سواهما قبيح.
وقد يطلق الرّدّ عندهم على عمل من أعمال الجبر والمقابلة، ويقابله التكميل وذلك أنّهم قالوا إذا كان في أحد المعادلين أكثر من مال واحد ردّ إلى الواحد، وإن كان في أحدهما أقل من مال واحد يكمل ويؤخذ سائر الأجناس في العملين بتلك النسبة، بأن يقسم عدد كل جنس على عدد الأموال فيخرج من قسمة المال على نفسه واحد. مثلا خمسة أموال وعشرة أشياء تعدل ثلاثين، قسمنا كلّا من الخمسة والعشرة والثلاثين على خمسة لأنّها عدد المال، فخرج مال واحد وشيئان يعدل ستّة ويسمّى هذا العمل بالرّد، ومرجعه إلى المقابلة إذ فيه إسقاط المشترك بين الطرفين من الطرفين، وإن كان نصف مال وخمسة أشياء مثلا معادلا لسبعة قسمنا كلا من النصف والخمسة والسبعة على النصف، فخرج مال واحد. وعشرة أشياء يعدل أربعة عشر عددا ويسمّى هذا العمل بالتكميل ومرجعه إلى الجبر كما لا يخفى. وإن شئت توضيح ما ذكرنا مع البراهين فارجع إلى شرحنا لضابط قواعد الحساب المسمّى بموضح البراهين في فصل ضرب الكسور، وفي مقدمة علم الجبر والمقابلة. وقيل الرّدّ إلى الواحد ردّ وكذا التكميل إليه تكميل. أمّا أخذ سائر الأجناس في العملين بتلك النسبة فيسمّى تعديلا كذا في بعض الرسائل.

الصّلاة

الصّلاة:
[في الانكليزية] Prayer
[ في الفرنسية] Priere
هي فعلة من صلى وإنّما كتب بالواو التي أبدل منها الألف لأنّ العرب تفخّم أي تميلها إلى مخرج الواو، ولم تكتب بها أي بالواو في غير القرآن. ثم هي اسم لمصدر غير مستعمل وهو التّصلية يقال صلّيت صلاة ولا يقال تصلية، مأخوذة من الصّلا وهو العظم الذي عليه الأليتان. وذكر الجوهري أنّ الصلاة اسم من التّصلية، وكلاهما مستعملان، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإنّ مصدرها لم يستعمل انتهى. وقيل أصل الصلاة صلاة بالتحريك قلبت واوها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وتلفظ بالألف وتكتب بالواو إشارة إلى الأصل، مثل الزكاة والحياة والرّبا، كذا في كليات أبي البقاء. فقيل الصلاة حقيقية لغوية في تحريك الصّلوين أي الأليتين، مجاز لغوي في الأركان المخصوصة لتحريك الصّلوين فيها، استعارة في الدعاء تشبيها للداعي بالراكع والساجد في التخشّع وفي المغرب إنّما سمّي الدعاء صلاة لأنّه منها. والمشهور أنّ الصلاة حقيقة في الدّعاء لغة مجاز في الرحمة لأنّها مسبّبة من الدّعاء، وكذا في الأركان المخصوصة لاشتمالها على الدّعاء، وربّما رجّح لورود الصلاة بمعنى الدّعاء قبل شرعية الصلاة المشتملة على الركوع والسجود، ولورودها في كلام من لا يعرف الصلاة بالهيئة المخصوصة. وقيل الصلاة مشتركة لفظية بين الدّعاء والرّحمة [فيكون] والاستغفار، وقيل بين الدّعاء والرّحمة فيكون الاستغفار داخلا في الدّعاء. وبعض المحقّقين على أنّ الصلاة لغة هو العطف مطلقا. لكنّ العطف بالنسبة إلى الله سبحانه تعالى الرّحمة وبالنسبة إلى الملائكة الاستغفار وبالنسبة إلى المؤمنين دعاء بعضهم لبعض فعلى هذا تكون مشتركة معنوية، واندفع الإشكال من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ، ولا يحتاج في دفعه إلى أن يراد به معنى مجازي أعمّ من الحقيقي وهو إيصال النفع. فالإيصال واحد والاختلاف في طريقه.
وفي التاج الصلاة من الله الرّحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدّعاء ومن الطّير والهوام التسبيح انتهى.
اعلم أنّ معنى قولنا صلّ على محمد عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف أجره وتشفيعه في أمّته كما قال ابن الأثير. ولذا لا يجوز أن يطلق بالنسبة إلى غيره إلّا تبعا. وقيل الرحمة. وقيل معنى الصلاة على النبي الثّناء الكامل إلّا أنّ ذلك ليس في وسع العباد فأمرنا أن نوكّل ذلك إلى الله تعالى كما في شرح التأويلات. وفي المغني معناه العطف كما مر.
فائدة:
الصلاة على النبي واجب شرعا وعقلا.

أمّا شرعا فلقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ. وأمّا عقلا فلأنّ استفادة القابل من المبدأ تتوقّف على مناسبة بينهما، وهذه المقدّمة ضرورية مذكورة في براهين العلوم الحقيقية التي لا تتغيّر بتبدّل الملل والأديان وإن وقع فيها نوع خفاء بالنسبة إلى الأذهان القاصرة. ألا ترى أنّه كلما كانت المناسبة بين المعلّم والمتعلّم أقوى كانت استفادة المتعلّم منه أكثر، وكلّما كان الحطب أيبس كان أقبل للاحتراق من النار بسبب المناسبة في اليبوسة. ولذا كان الأدوية أشدّ تأثيرا في الأبدان المتسخّنة. ولهذه المقدمة أمثلة لا تكاد تنحصر. ولا شك أنّ النّفس الناطقة في الأغلب منغمسة في العلائق البدنية أي متوجّهة إلى تدبير البدن وتكميله بالكلية مكدّرة بالكدورات الطبيعية الناشئة من القوة الشهوية، وذات المفيض عزّ اسمه في غاية التّنزّه عنها فليست بينهما بسبب ذلك مناسبة يترتّب عليها فيضان كمال. فلا جرم وجب عليها الاستعانة في استفاضة الكمالات من تلك الحضرة المنزّهة بمتوسّط يكون ذا جهتين:
التجرّد والتعلّق، ويناسب بذلك كلّ واحد من طرفيه باعتبار حتى يقبل ذلك المتوسّط الفيض عن المبدأ الفيّاض بتلك الجهة الروحانية التجرّدية، وتقبل النفس منه أي من ذلك المتوسّط الفيض بهذه الجهة الجسمانية التعلّقية؛ فوجب لنا التوسّل في استحصال الكمالات العلمية والعملية إلى المؤيّد بالرئاستين الدينية والدنيوية، مالك أزمّة الأمور في الجهتين التجرّدية والتعلّقية، وإلى أتباعه الذين قاموا مقامه في ذلك بأفضل الفضائل، أعني الصلاة عليه أصالة وعليهم تبعا، والثناء عليه بما هو أهله ومستحقّه من كونه سيّد المرسلين وخاتم النبيين، وعليهم بكونهم طيّبين طاهرين عن رجس البشرية وأدناسها. فإن قيل هذا التوسّل إنّما يتصوّر إذا كانوا متعلّقين بالأبدان، وأمّا إذا تجرّدوا عنها فلا، إذ لا جهة مقتضية للمناسبة.
قلنا يكفيه أنّهم كانوا متعلّقين بها متوجّهين إلى تكميل النفوس الناطقة بهمة عالية، فإنّ أثر ذلك باق فيهم. ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدّة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده أصحاب البصائر ويشهدون به.
وقد قال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي رحمة الله عليه في كتاب: «مدراج النبوّة» في بيان وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمته: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أحسن إلينا بهدايتنا، ومنحنا الأمل بشفاعته في الآخرة. ولهذا أمرنا سبحانه وتعالى بقضاء حقّه علينا في إحسانه إلينا في الدنيا كما أمرنا بالتقرّب منه والارتباط الباطني به بسبب رجاء شفاعته في الآخرة، وقد علم الله منّا سبحانه العجز عن أداء حقّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لهدايتنا في الدنيا، وكذلك عدم قدرتنا على تحصيل وسائل القرب من النبي صلّى الله عليه وسلّم من أجل نوال شفاعته في الآخرة.
لذلك فإنّه أمرنا بالدّعاء له والاتّكال على الله والطلب إليه أن يبلّغ عنا نبيه ذلك الدّعاء، وطلب الرحمة كما هو لائق بجنابه ومقامه. وثمة اختلاف حول حكم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم. والمختار أنّه فرض مرة واحدة في العمر بدليل أنّ صيغة الأمر التي هي للوجوب لا تقتضي التكرار.

وقال بعضهم: بل هي واجبة. والإكثار منها بلا تحديد وقت ولا تعيين عدد. وذلك لأنّه سبحانه أمر بذلك ولم يعيّن لذلك وقتا ولا عددا. وعليه فيجب علينا ما وسعنا ذلك في أيّ وقت وبأيّ قدر أن نؤدّي ذلك الأمر.

وقال بعضهم: إنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تجب كلّما ذكر اسمه الشريف. وقال بعضهم:
هذا هو المختار.

وقال في المواهب (اللدنية): وممن يقول بهذا الطحاوي وجماعة من الحنفية وبعض الشافعية والمالكية واستدلّوا بحديث: «رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي وصحّحه الحاكم وإنّ حديث: «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». أخرجه الطبراني. وعن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي. لأنّ الوعيد على الترك من علامات الوجوب، وأيضا: إنّ فائدة الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو نوع من المكافأة على إحسانه، وإحسانه مستمر ودائم. إذن فيجب كلما ذكر. كما أنّ الصلاة شكر لله على نعمه، والنعم الإلهية هي دائمة في كلّ زمان، فعليه وجبت الصلاة في الأوقات الشريفة.
ولكن جمهور العلماء رجّحوا القول الأول وقالوا: إنّ وجوب الإكثار ووجوب التكرار للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينقل عن أحد من الصحابة، فيكون هذا القول إذن مخترعا. وأمّا من حيث النصّ الذي يعتمد عليه في هذا الباب فهو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فهو وإنّ كان بصيغة الأمر إلا أنها لا تقتضي ولا توجب التكرار، ولا تحتمل أيضا التكرار كما هو مصرّح به في كتب الأصول. وأيضا: لا توجد عبادة في الشرع واجبة بدون تعيين وقتها وعددها ومقدارها، أضف إلى ذلك أن تكون مستمرة ودائمة مع هذه الجهالة. ولو كانت الصلاة على النبي واجبة في كلّ وقت يذكر فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم للزم من ذلك وجوبها على كل مؤذّن وسامع للأذان ومقيم للصلاة وسامع للإقامة. وكذلك على كلّ قارئ للقرآن متى ورد ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيها. ويدخل في ضمن ذلك من قال كلمات الشهادتين أو ممن سمعها وكذلك على وجه الخصوص من يدخل في الاسلام الذي لا بدّ له من النطق بالشهادتين وأمثال ذلك، بينما الواقع المنقول عن السلف والخلف خلاف ذلك. ويؤيّده أنّ الحمد والثناء على الله سبحانه ليس واجبا كلما ذكر اسم الله. فإذن كيف يصير واجبا الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ وقت يذكر فيه؟
وأجابوا عن تلك الأحاديث المشار إليها بأنّها على سبيل المبالغة والتأكيد، وهي إنّما ترد بحق من لم يصلّ أبدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقال بعضهم: تجب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كلّ مجلس مرة واحدة ولو تكرر ذكر اسمه الشريف.

وقال بعض آخر: هو واجب في الدعاء.

وقال غيرهم: هو واجب في أثناء الصلاة.
وهذا القول منسوب لأبي جعفر محمد الباقر.

وقال آخرون: هو واجب في التشهّد.
وهذا قول الشعبي وإسحاق.

وقال بعضهم: هو واجب في آخر الصلاة قبل السلام، وهذا قول الشافعي. وقال بعض آخرون: هو واجب حينما تتلى الآية الكريمة:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، أو عند ما تسمع وخاصة عند ما يتلوها الخطيب يوم الجمعة، فتجب على السامعين أن يقولوها بقلوبهم وذلك أنّ الصمت أثناء الخطبة واجب فلا أقلّ من أن تقال سرا بالقلب.
ولكن جمهور العلماء متفقون على أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي سنّة مؤكّدة وواجبة في العمر مرة واحدة. وأمّا في المقامات المشار إليها فليست بواجبة بل هي حينا سنّة مؤكّدة وحينا مستحبة.
والثابت المحقق أنّه بعد ذكر اسم الله تعالى وحمده والثناء عليه وتلاوة القرآن فإنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي أفضل الأذكار. ولا يمكن حصر الفوائد والفضائل والنتائج والعوائد لتلك الصلاة، وهي وراء العد والبيان وخارجة عن الحدّ. وهي تشتمل خيرات وبركات وحسنات ومثوبات الدنيا والآخرة. والدليل والحجة لهذا هو قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. فهو سبحانه وتعالى بذاته الشريفة يهتم بهذا الأمر ثم الملائكة يتابعون، وعلى سبيل الاستمرار والدوام على ذلك العمل هم قائمون، كما أنّ لفظة «يصلّون» تدلّ على ذلك إلى أن يأمر ربّ العالمين كلّ مؤمن بذلك اتّباعا واقتداء، أي كلما صلّى الإله وملائكته على النبي فعليكم أيضا أيها المؤمنون أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبما أنّ حقّ النبي عليكم ثابت فواجب عليكم زيادة على الصلاة المفروضة أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتأكيد، وذلك هو السلام. وكيف لا يكون ذلك أفضل طالما أنّ ربّ العزّة يضاعف ثواب من يفعل ذلك عشر رحمات (مرات). أي كما روي في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه (بها) عشرا». وعن أنس رضي الله تعالى عنه: «من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيات ورفعت له عشر درجات». رواه النسائي.
كما روي عن أبي طلحة ما معناه: طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ويرى عليه أثر السرور في وجهه المبارك، فقالوا: يا رسول الله: ما السّبب في ظهور السرور على وجهك المملوء بالنور؟ فقال: أتاني جبريل وقال: أما يرضيك يا محمد بأنّ ربّك يقول: ما من أحد من أمتّك يصلّي عليك إلّا صلّيت عليه عشر صلوات وتسليمات.
وجاء في حديث آخر بما معناه كلّ من صلّى عليّ صلاة، صلّى الله عليه ما دام يصلّي علي. فليقل أحدكم أو يكثر. وفي رواية أخرى: فإنّ ملائكة الله يصلّون عليه سبعين صلاة. فليقل العبد أو يكثر.

ويقول المؤلّف: السبعون في الحديث ليست للحصر بل هي أكثر من ذلك بحسب التقوى والمحبة والإخلاص. وفي التخيير بين القلة والكثرة نوع من التهديد لأنّ التخيير بعد الإعلام بوجود الخير في الأمر المخبر به يتضمن التحذير من التفريط والتقصير فيه.
وجاء عن عبد الله بن مسعود ما ترجمته:
أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أقربكم مني يوم القيامة أكثركم صلاة علي. وجاء في حديث آخر ما معناه: أنجاكم من أحوال وشرور يوم القيامة أكثركم صلاة علي.
ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما معناه: أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تخفّف الذنوب وتزيلها أكثر مما يطفئ الماء البارد النار. وبالإجمال: فإنّ الصلاة على تلك الذات الشريفة هي منبع الأنوار والبركات ومفتاح كلّ الخيرات ومصدر كمال الحسنات ومظهر السعادة. وهي لأهل السلوك مدخل لفتح الأبواب. وكثير من المشايخ قالوا: في حال فقدان الشيخ الكامل الذي يرشد ويربّي السّالكين فإنّ الالتزام بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي الطريق الموصل للطالب الصادق والمريد الواثق. وكلّ من أكثر من الصلاة عليه فإنّه يراه في المنام وفي اليقظة.
وقال مشايخ الشاذلية التي هي شعبة من الطريقة القادرية: إنّ طريق السلوك لتحصيل المعرفة والقرب الإلهي في زمان فقدان الولي الكامل والمرشد الهادي إنما يكون بالتزام ظاهر الشريعة وإدامة الذّكر والتفكّر وكثرة الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه يظهر نور من كثرة الصلاة في باطن المريد، وبه يتضح له الطريق، وتصله الإمدادات من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدون واسطة. ورجّح بعضهم وفضّلوا الصلاة على الذّكر من حيث التوسّل والاستمداد، ولو أنّ الذّكر في حدّ ذاته أشرف وأفضل.
هذا خلاصة ما في مدارج النبوة وشرح المشكاة وسفر السعادة. وفي كليات أبي البقاء وكتابة الصلاة في أوائل الكتاب قد حدثت في أثناء الدولة العباسية، ولهذا وقع كتاب البخاري وغيره من القدماء عاريا عنها. ثم الصلاة عند الفقهاء عبارة عن الأركان المخصوصة من التحريمة والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعود.
والصلاة المطلقة هي التي إذا أطلقت لفظة الصلاة ولم تقيّد شملتها، فصلاة الجنازة والصلاة الفاسدة كصلاة التطوع راكبا في المصر ليستا بصلاة مطلقة إذ لو حلف لا يصلّي لا يحنث بها. وقيل هي صلاة ذات ركوع وسجود وهذا بظاهره لا يتناول صلاة المومئ المريض والراكب في السفر كذا في البرجندي. والصلاة عند الصوفية عبارة عن واحدية الحق تعالى وإقامة الصلاة إشارة إلى إقامة ناموس الواحدية بالاتصاف بسائر الأسماء والصفات. فالوضوء عبارة عن إزالة النقائص الكونية، وكونه مشروطا بالماء إشارة إلى أنّها لا تزول إلّا بظهور آثار الصفات الإلهية التي هي حياة الوجود، لأنّ الماء سرّ الحياة وكون التيمم يقوم مقام الطهارة للضرورة إشارة إلى التزكّي بالمخالفات والمجاهدات والرياضات. فهذا ولو تزكّى عسى أن يكون فإنّه أنزل درجة ممّن جذب عن نفسه فتطّهر من نقائصها بماء حياة الأزل الإلهي وإليه أشار عليه السلام بقوله (آت نفسي تقوها وزكّها أنت خير من زكّاها)، أي الجذب الإلهي لأنّه خير من التّزكّي بالأعمال والمجاهدات. ثم استقبال القبلة إشارة إلى التوجّه في طلب الحقّ.
ثم النية إشارة إلى انعقاد القلب في ذلك التوجّه. ثم تكبيرة الإحرام إشارة إلى أنّ الجناب الإلهي أكبر وأوسع ممّا عسى أن يتجلّى به عليه فلا تعبده بمشهد بل هو أكبر من كلّ مشهد ومنظر ظهر به على عبده فلا انتهاء له.
وقراءة الفاتحة إشارة إلى وجود كماله في الإنسان لأنّ الإنسان هو فاتحة الوجود، فتح الله به أقفال الموجودات، فقراءتها إشارة إلى ظهور الأسرار الربانية تحت الأستار الإنسانية. ثم الركوع إشارة إلى شهود انعدام الموجودات الكونية تحت وجود التجلّيات الإلهية. ثم القيام عبارة عن مقام البقاء، ولذا تقول فيه سمع الله لمن حمده. وهذه كلمة لا يستحقّها العبد لأنّه أخبر عن حال إلهي. فالعبد في القيام الذي هو إشارة إلى البقاء خليفة الحقّ تعالى. وإن شئت قلت عينه ليرتفع الإشكال. فلهذا أخبر عن حال نفسه بنفسه أعني ترجم عن سماع حقّه ثناء خلقه وهو في الحالين واحد غير متعدّد. ثم السجود عبارة عن سحق آثار البشرية ومحقها باستمرار ظهور الذات المقدّسة، ثم الجلوس بين السجدتين إشارة إلى التحقّق بحقائق الأسماء والصفات لأنّ الجلوس استواء في القعدة وذلك إشارة [إلى] قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. ثم السجدة الثانية إشارة إلى مقام العبودية وهو الرجوع من الحق إلى الخلق، ثم التحيّات فيها إشارة إلى الكمال الحقيّ والخلقي لأنّه عبارة عن ثناء على الله تعالى وسلام على نبيّه وعلى عباده الصالحين، وذلك هو مقام الكمال. فلا يكمل الولي إلّا بتحققه بالحقائق الإلهية وباتّباعه لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وبتأدّبه بسائر عباد الله الصالحين، كذا في الإنسان الكامل.

الصّرع

الصّرع:
[في الانكليزية] Epilepsy
[ في الفرنسية] Epilepsie
بالفتح وسكون الراء في اللغة السّقوط.
وعند الأطباء عبارة عن مرض يحدث بسبب سدة دماغية غير تامة تمنع الروح النفساني عن النّفوذ فتشنّج بها جميع. الأعصاب لانقباض مبدئها، وتمنع الحسّ والحركة والانتصاب سمّي به تسمية للملزوم باسم اللازم، وقد يسمّى بأم الصبيان لكثرة عروضه للصبيان، وبالمرض الكاهني أيضا لأنّ من المصروعين من يتكهّن ويخبر بالغيب كالكهّان. وإنّما قلنا غير تامة لأنّ سدة الدماغ إن كانت تامّة أحدثت السّكتة، فهذا القيد احتراز عن السّكتة. وينقسم الصّرع إلى بلغمية وسوداوية لأنّ السّدة إمّا بلغمية أو سوداوية. والسّدة الصفراوية قلما توجد والصّرع الدموية يحتمله، كذا في شرح القانونچهـ.

الذّاتي

الذّاتي:
[في الانكليزية] Particular ،essential ،proper ،subjective
[ في الفرنسية] Particulier ،essentiel ،propre ،subjectif
بياء النّسبة عند المنطقيين يطلق بالاشتراك على معان. منها يقال الذّاتي لكلّ شيء ما يخصّه ويميّزه عن جميع ما عداه. وقيل ذات الشّيء نفسه وعينه وهو لا يشتمل العرض.
والفرق بين الذّات والشخص أنّ الذات أعمّ من الشخص، لأنّ الذات يطلق على الجسم وغيره، والشخص لا يطلق إلّا على الجسم هكذا في الجرجاني. منها في كتاب إيساغوجي فإنّه يطلق في هذا المقام على جزء الماهيّة والمراد به الجزء المفرد المحمول على الماهيّة وهو منحصر في الجنس والفصل. وربّما يطلق على ما ليس بخارج وهذا أعمّ من الأول لتناوله نفس الماهيّة وجزئها. والتسمية على الأول ظاهرة وعلى الثاني اصطلاحية محضة، والخارج عن الماهيّة يسمّى عرضيّا. وربّما يطلق الذّاتي على الجزء مطلقا سواء كان محمولا على الماهية أو لم يكن كالواحد للثلاثة.
ثم إنّهم ذكروا للذاتي خواصا ثلاثا، الأولى أن يمتنع رفعه عن الماهيّة بمعنى أنّه إذا تصوّر الذاتي وتصوّر معه الماهيّة امتنع الحكم بسلبه عنها، بل لا بدّ من أن يحكم بثبوته لها.
الثانية أن يجب إثباته للماهيّة على معنى أنّه لا يمكن تصوّر الماهيّة إلّا مع تصوّره موصوفة به أي مع التّصديق بثبوته لها، وهي أخصّ من الأولى لأنّه إذا كان تصوّر الماهيّة بكنهها مستلزما لتصوّر التصديق بثبوته لها، كان تصوّرهما معا مستلزما لذلك التصديق كلّيا بدون العكس، إذ لا يلزم من كون التصوّرين كافيين في الحكم بالثبوت أن يكون أحدهما كافيا مع ذلك. وهاتان الخاصّتان ليستا خاصّتين مطلقتين لأنّ الأولى تشتمل اللوازم البيّنة بالمعنى الأعمّ، والثانية بالمعنى الأخصّ. الثالثة وهي خاصّة مطلقة لا يشارك الذّاتي فيها العرضي اللازم، وهي أن يتقدّم على الماهيّة في الوجودين الخارجي والذهني بمعنى أنّ الذاتي والماهيّة إذا وجدا بأحد الوجودين كان وجود الذاتي متقدما عليها بالذّات، أي العقل يحكم بأنّه وجد الذاتي أولا فوجدت الماهيّة، وكذا في العدميين. لكن التقدّم في الوجود بالنسبة إلى جميع الأجزاء وفي العدم بالقياس إلى جزء واحد.
فإن قيل هذه الخاصّة تنافي ما حكموا به من أنّ الذّاتي متّحد مع الماهيّة في الجعل والوجود لاستحالة أن يكون المتقدّم في الوجود متّحدا فيه مع المتأخّر عنه وتنافي صحّة حمل الذّاتي على الماهيّة لامتناع حمل أحد المتغايرين في الوجود على الآخر، ويستلزم أن يكون كلّ مركّب في العقل مركّبا في الخارج، مع أنّهم صرّحوا بخلافها.
قلنا ما ذكرناه خاصّة للجزء مطلقا فإنّه أينما كان جزء كان متقدّما في الوجود والعدم هناك، فالجزء العقلي متقدّم على الماهيّة في العقل لا في الوجود ولا في الخارج، فلا يلزم شيء مما ذكرتموه. فإذا أريد تميّزه أيضا عن الجزء الخارجيّ زيد الحمل على اعتبار التّقدّم المذكور ليمتاز به عنه أيضا. وهذه الخواص إنّما توجد للذاتي إذا خطر بالبال مع ما له الذّاتي، لا بمعنى أنّه لا تكون ثابتة للذاتي إلّا عند الإخطار بالبال، فربّما لا تكون الماهيّة وذاتياتها معلومة. وتلك الخاصيّات ثابتة لها فضلا عن إخطارها بالبال، بل بمعنى أنّها إنّما يعلم ثبوتها للذاتيات إذا كانت مخطورة بالبال والشيء خاطر بالبال أيضا، كذا قيل.
وقد يعرف الذّاتي أي الجزء مطلقا بما لا يصحّ توهّمه مرفوعا مع بقاء الماهيّة كالواحد للثّلاثة، إذ لا يمكن أن يتوهّم ارتفاعه مع بقاء ماهيّة الثلاثة، بخلاف وصف الفردية إذ يمكن أن يتوهّم ارتفاعها عنها مع بقائها. نعم يمتنع ارتفاعها مع بقاء ماهية الثلاثة موجودة، فالحال هاهنا المتصوّر فقط، وهناك التّصوّر والمتصوّر معا، والسّرّ في ذلك أنّ ارتفاع الجزء هو بعينه ارتفاع الكلّ لا أنّه ارتفاع آخر. ومن المستحيل أن يتصوّر انفكاك الشيء عن نفسه، بخلاف ارتفاع اللوازم فإنّه مغاير لارتفاع الماهيّة تابع له فأمكن تصوّر الانفكاك بينهما مع استحالته، وكذا ارتفاع الماهيّة مغاير لارتفاعها مستتبع له، فجاز أن يتصوّر انفكاك أحدهما عن الآخر. ويقال أيضا الذّاتي ما لا يحتاج إلى علّة خارجة عن علّة الذّات بخلاف العرضي فإنّه محتاج إلى الذّات وهي خارجة عن علّتها، كالزوجية للأربعة المحتاجة إلى ذات الأربعة.
ويقال أيضا هو ما لا تحتاج الماهيّة في اتّصافها به إلى علّة مغايرة لذاتها، فإنّ السّواد لون لذاته لا بشيء آخر يجعله لونا، وهذه خاصة إضافية لأن لوازم الماهية كذلك، فإن الثلاثة فرد في حد ذاته لا بشيء آخر يجعلها متّصفة بالفردية.
هذا كلّه خلاصة ما في شرح المطالع، وما حقّقه السّيد الشريف في حاشيته.
وذكر في العضدي أنّ الذّاتي ما لا يتصوّر فهم الذات قبل فهمه. وقال السّيد الشريف في حاشيته مأخذه هو ما قيل من أنّ الجزء لا يمكن توهّم ارتفاعه مع بقاء الماهيّة بخلاف اللّازم إذ قد يتصوّر ارتفاعه مع بقائها. فمعناه أنّ الذّاتي محمول لا يمكن أن يتصوّر كون الذات مفهوما حاصلا في العقل بالكنه، ولا يكون هو بعد حاصلا فيه. وهذا التعريف يتناول نفس الماهيّة إذ يستحيل تصوّر ثبوتها عقلا قبل ثبوتها فيه.
والجزء المحمول إذ يمتنع تصوّر ثبوت الذّات في العقل وهو معنى كونه مفهوما قبل ثبوته فيه، أي مع ارتفاعه عنه.
ثم قال صاحب العضدي وقد يعرف الذاتي بأنّه غير معلّل. قال المحقق التفتازاني أي ثبوته للذّات لا يكون لعلّة لأنّه إمّا نفس الذّات أو الجزء المتقدّم، بخلاف العرضي فإنّه إن كان عرضا ذاتيا أوليا يعلّل بالذات لا محالة كزوجية الأربعة، وإلّا فبالوسائط كالضحك للإنسان لتعجبه. وما يقال إنّه إن كان لازما بيّنا يعلّل بالذّات، وإلّا فبالوسائط إنّما يصحّ لو أريد العلة في التصديق، ولو أريد ذلك انتقض باللوازم البيّنة فإنّ التصديق بثبوتها للملزومات لا يعلّل بشيء أصلا. نعم يشكل ما ذكر بما أطبق المنطقيون من أنّ حمل الأجناس العالية على الأنواع إنّما هو بواسطة المتوسّطات، وحمل المتوسّطات بواسطة السّوافل، حتى صرّح ابن سينا أنّ الجسمية للإنسان معلّلة بحيوانيّته انتهى.
ومرجع هذا التعريف إلى ما مرّ سابقا من أنّ الذاتي ما لا يحتاج إلى علّة خارجة عن علّة الذات كما لا يخفى.

ثم قال صاحب العضدي: وقد يعرف الذّاتي بالترتّب العقلي، وهو الذي يتقدّم على الذّات في التّعقّل انتهى. وذلك لأنّهما في الوجود واحد لا اثنينية أصلا، فلا تقدّم، وهذا التفسير مختصّ بجزء الماهيّة والأوّلان يعمّان نفس الماهيّة أيضا.
وحقيقة التّعريفين الأخيرين يرجع إلى الأوّل، وهو ما لا يتصوّر فهم الذات قبل فهمه لأنّ عدم تعليل الذّاتي مبني على أنّه لا يمكن فهم الذّات قبل فهمه، بل بالعكس، والتقدّم في التعقّل مستلزم لذلك. وإن لم يكن مبنيا عليه. كذا ذكر المحقّق التفتازاني في حاشيته.
ومنها في غير كتاب إيساغوجي، قال شارح المطالع والسّيد الشريف ما حاصله إنّ للذّاتي معان أخر في غير كتاب إيساغوجي يقال عليها بالاشتراك، وهي على كثرتها ترجع إلى أربعة أقسام: الأول ما يتعلّق بالمحمول وهو أربعة.
الأول المحمول الذي يمتنع انفكاكه عن الشيء ويندرج فيه الذّاتيات ولوازم الماهيّة بيّنة كانت أو غير بيّنة، ولوازم الوجود كالسّواد للحبشي.
والثاني الذي يمتنع انفكاكه عن ماهيّة الشّيء ويندرج فيه الثلاثة الأول فقط، فهو أخصّ من الأول. والثالث ما يمتنع رفعه عن الماهيّة بالمعنى المذكور سابقا في خواصّ الذّاتيّات فهو يختصّ بالذّاتيّات واللوازم البيّنة بالمعنى الأعمّ فهو أخصّ من الثاني. فإنّ من المعلوم أنّ ما يمتنع رفعه عن الماهيّة في الذهن بل يجب إثباته لها عند تصوّرهما كان الحكم بينهما من قبيل الأوّليّات، فلا بد أن يمتنع انفكاكه عنها في نفس الأمر، وإلّا ارتفع الوثوق عن البديهيّات، وليس كلّما يمتنع انفكاكه عن ماهيّة الشيء يجب أن يمتنع رفعه عنها في الذهن، لجواز أن لا يكون ذلك الامتناع معلوما لنا، كما في تساوي الزوايا الثّلاث لقائمتين في المثلّث، والرابع ما يجب إثباته للماهيّة. وقد عرفت معناه أيضا فهو يختصّ بالذّاتيات واللوازم البيّنة بالمعنى الأخصّ، فكلّ من هذه الثلاثة الأخيرة أخصّ مما قبله.
والثاني ما يتعلّق بالحمل وهو ثمانية.
الأول أن يكون الموضوع مستحقا للموضوعية، كقولنا الإنسان كاتب فيقال له حمل ذاتي، ولمقابله حمل عرضي. والثاني أن يكون المحمول أعمّ من الموضوع وبإزائه الحمل العرضي، فالمحمول في مثل قولنا: الكاتب بالفعل الإنسان ذاتي بهذا المعنى عرضي بالمعنى الأول، لأنّ الوصف وإن كان أخصّ ليس مستحقّا أن يكون موضوعا للذاتي. والثالث أن يكون المحمول حاصلا بالحقيقة أي محمولا عليه بالمواطأة والاشتقاق حمل عرضي. ومنهم من فسّر الحاصل للموضوع بالحقيقة بما يكون قائما به حقيقة سواء كان حاصلا له بمقتضى طبعه أو لقاسر، كقولنا: الحجر متحرّك إلى تحت أو إلى فوق، وما ليس كذلك فحمله عرضي، كقولنا جالس السفينة متحرّك، فإنّ الحركة ليست قائمة به حقيقة بل بالسفينة وهذا أشهر استعمالا حيث يقال للسّاكن في السفينة المتحرّكة إنّه متحرّك بالعرض لا بالذات.
والرابع أن يحصل لموضوعه باقتضاء طبعه كقولنا الحجر متحرّك إلى أسفل، وما ليس باقتضاء طبع الموضوع عرضي. والخامس أن يكون دائم الثبوت للموضوع وما لا يدوم عرضي. السادس أن يحصل لموضوعه بلا واسطة وفي مقابله العرضي. والسابع أن يكون مقوّما لموضوعه وعكسه عرضي. والثامن أن يلحق لا لأمر أعمّ أو أخصّ، ويسمّى في كتاب البرهان عرضا ذاتيا سواء كان لاحقا بلا واسطة أو بواسطة أمر مساو، وما يلحق بالأمر الأخصّ أو الأعمّ عرضي، وقد سبق في المقدّمة في مبحث الموضوع.
اعلم أنّ حمل الواحد قد يكون ذاتيا باعتبار وعرضيا باعتبار آخر فتأمّل في الأقسام الثمانية وكيفية اجتماعها وافتراقها.
والثالث ما يتعلّق بالسبب فيقال لإيجاب السبب للمسبب أنّه ذاتي إذا ترتّب عليه دائما كالذبح للموت أو أكثريا كشرب السقمونيا للإسهال، وعرضي إن كان الترتّب أقليا كلمعان البرق للعثور على المطر.
والرابع ما يتعلّق بالوجود، فالموجود إن كان قائما بذاته يقال إنّه موجود بذاته كالجوهر، وإن كان قائما بغيره يقال إنّه موجود بالعرض كالعرض.

السّرقة

السّرقة
[في الانكليزية] Theft
[ في الفرنسية] Vol
كالسّرق محركتين بكسر الراء مصدر سرق منه شيئا أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ مال غيره. وعند الفقهاء هو نوعان لأنّه إمّا أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين.
فالأول يسمّى السّرقة الصغرى، والثاني السّرقة الكبرى، وهما مشتركان في التعريف وأكثر الشروط. فعرّفهما صاحب مختصر الوقاية بأخذ مكلّف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة مملوكا محرزا بلا شبهة بمكان أو حافظ، أي أخذ مكلّف بطريق الظلم كما هو المتبادر من الإضافة، فاحترز بالمكلّف عن غيره، فلا يقطع الصبي والمجنون ولا غيرهما إذا كان معه أحدهما، وإن كان الآخذ الغير. وعند أبي يوسف يقطع الغير. ولا يقطع بأخذ المصحف والكتب وآلات اللهو لاحتمال أن يأخذه للقراءة والنهي عن المنكر، فمن الظن بطلان التعريف منعا. وقوله خفية احتراز عن الأخذ مكابرة فإنّه غصب كما إذا دخل نهارا أو بين العشاءين في دار بابها مفتوح أو ليلا، وكلّ من الصاحب والسارق عالم بالآخر، فلو علم أحدهما لا الآخر قطع كما لو دخل بعد العتمة وأخذ خفية أو مكابرة معه سلاح أو لا، والصاحب عالم به أو لا، ولو كابره نهارا فنقب البيت سرا وأخذ مغالبة لم يقطع. وقوله قدر عشرة دراهم أي بوزن سبعة يوم السرقة والقطع، فلو انتقص عن ذلك يوم القطع لنقصان العين قطع لأنّه مضمون على السارق فكأنه قائم، بخلاف ما انتقص للسّعر فإنّه لا يقطع لأنّه غير مضمون عليه. وعن محمد أنّه يقطع. وذكر الطحاوي أنّ المعتبر يوم الأخذ والمتبادر أن يكون الأخذ بمرة فلو أخرج من الحرز أقل من العشرة ثم دخل فيه وكمل لم يقطع. وقوله مضروبة احتراز عن أخذ تبر وزنه عشرة وقيمته أقل فإنّه حينئذ لا يقطع، فيقوّم بأعز نقد رائج بينهم، ولا يقطع بالشّك ولا بتقويم بعض المقومين. وقوله مملوكا احتراز عن أخذ غير المملوك. وقوله محرزا أي ممنوعا من وصول يد الغير إليه. وقوله بلا شبهة تنازع فيه مملوكا ومحرزا فلا قطع بأخذ الأعمى لجهله بمال غيره ولا بالأخذ من السّيّد والغنيمة وبيت المال.
وقوله بمكان أي بسبب موضع معدّ لحفظ الأموال كالدور والدكاكين والحانات والخيام والصناديق. والمذهب أنّ حرز كلّ شيء معتبر بحرز مثله حتى لا يقطع بأخذ لؤلؤ من اصطبل، بخلاف أخذ الدابة. وقوله حافظ أي بسبب شخص يحفظ فلا قطع بالأخذ عن الصبي والمجنون ولا يأخذ شاة أو بقرة أو غيرها من مرعى معها راع، ولا بأخذ المال من نائم إذا جعله تحت رأسه أو جنبه. أما إذا وضع بين يديه ثم نام ففيه خلاف، كذا في جامع الرموز

وفي الدرر: السرقة لغة أخذ الشيء من الغير خفية أيّ شيء كان. وشرعا أخذ مكلّف أي عاقل بالغ خفية قدر عشرة دراهم مضروبة جيدة محرزا بمكان أو حافظ، فقد زيدت على المعنى اللغوي أوصاف شرعا منها في السارق وهو كونه مكلفا، ومنها في المسروق وهو كونه مالا متقوّما مقدرا، ومنها في المسروق منه وهو كونه حرزا. ثم إنها إمّا صغرى وهي السرقة المشهورة وفيها مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. وإمّا كبرى وهي قطع الطريق وفيها مسارقة عين الإمام لأنه المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه انتهى.
وفي كليات أبي البقاء السرقة أخذ مال معتبر من حرز أجنبي لا شبهة فيه خفية وهو قاصد للحفظ في نومه أو غيبته. والطرّ أخذ مال الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه وهو يأخذه منه بنوع غفلة وخدع، وفعل كلّ واحد منهما وإن كان شبيها بفعل الآخر، لكنّ اختلاف الاسم يدل على اختلاف المسمّى ظاهرا، فاشتبه الأمر أنّه دخل تحت لفظ السارق حتى يقطع كالسارق أم لا فنظرنا في السرقة فوجدناه جناية، لكن جناية الطرار أقوى لزيادة فعله على فعل السارق، حيث يأخذ من اليقظان فيثبت القطع بالطريق الأولى كثبوت حرمة الضرب بحرمة التأفيف، وهذا يسمّى بالدلالة عند الأصوليين. بخلاف النباش فإنّه يأخذ مالا لا حافظ له من حرز ناقص خفية فيكون فعله أدنى من فعل السارق، فلا يلحق به ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمد، خلافا لأبي يوسف رحمهم الله. وعند الشافعي يقطع يمين السارق بربع دينار حتى سأل الشاعر المعري للإمام محمد رحمه الله:
يد بخمس مئين عسجد فديت ما بالها قطعت بربع دينار فقال محمد في الجواب: [لمّا] كانت أمينة ثمينة فلما خانت هانت كذا في الجرجاني.
وعند الشعراء ويسمّى الأخذ أيضا هو أن ينسب الشاعر شعر الغير أو مضمونه إلى نفسه.
قالوا اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة أو السخاء أو نحو ذلك فلا يعدّ سرقة ولا استعانة ولا أخذا ونحو ذلك، لتقرره في العقول والعادات. وإن كان اتفاقهم في وجه الدلالة على الغرض كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدلّ على الصفة لاختصاص تلك الهيئات بمن تثبت تلك الصفة له كوصف الجواد بالتهلل عند ورود السائلين، فإن اشترك الناس في معرفته أي معرفة وجه الدلالة على الغرض لاستقراره فيهما أي في العقول والعادة كتشبيه الشجاع بالأسد والجود بالبحر فهو كالأول، أي فالاتفاق في هذا النوع من وجه الدلالة على الغرض كالاتفاق في الغرض العام في أنّه لا يعدّ سرقة ولا أخذا، وإلّا أي وإن لم يشترك الناس في معرفته ولم يصل إليه كل أحد لكونه مما لا ينال إلّا بفكر صائب صادق جاز أن يدعى فيه السبق والزيادة بأن يحكم بين القائلين فيه بالتفاضل، وإنّ أحدهما فيه أكمل من الآخر، وإنّ الثاني زاد على الأول أو نقص عنه. وهذا ضربان خاصي في نفسه غريب لا ينال إلّا بفكر وعامي تصرف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما في التشبيه الغريب الخاصي والمبتذل العامي. وإذا تقرّر هذا فالسّرقة والأخذ نوعان، ظاهر وغير ظاهر. أمّا الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إمّا مع اللفظ كله أو بعضه، وإمّا وحده. فإن أخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم لأنّه سرقة محضة ويسمّى نسخا وانتحالا، كما حكي أنّ عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشد بيتين:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل أي إذا لم تعط أخاك النصفة ولم توفّه حقوقه تجده هاجرا لك ومتبدلا بك إن كان به عقل وله معرفة. وأيضا تجده راكبا حدّ السيوف أي ويتحمّل شدائد تؤثر فيه تأثير السّيف مخافة أن يدخل عليه ظلمك أو بدلا من أن تظلمه متى لم يجد عن ركوب حدّ السيف مبعدا ومعدلا.
فقال له معاوية لقد شعرت بعدي يا أبا بكر، أي صرت شاعرا، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزني الشاعر فأنشد قصيدته التي أولها:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل على أيّنا تغدو المنية أول حتى أتمها وفيها هذان البيتان. فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال له: ألم تخبرني أنّهما لك؟ فقال: اللفظ له والمعنى له، وبعد فهو أخي من الرضاعة وأنا أحقّ بشعره فقلته مخبرا عن حاله وحاكيا عن حالي هكذا في المطول وفي معناه أن يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها، يعني أنه مذموم وسرقة محضة كما يقال في قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي إنّه بدّل الكلمات وأبقى المعاني فقيل:
ذر المآثر لا تذهب لمطلبها واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس وإن أخذ اللفظ كلّه مع تغيير نظمه أو أخذ بعض اللفظ لا كله سمّي هذا الأخذ إغارة ومسخا، وهو ثلاثة أقسام: لأنّ الثاني إمّا أن يكون أبلغ من الأول أو دونه أو مثله، فإن كان الثاني أبلغ لاختصاصه بفضيلة فممدوح ومقبول، وإن كان الثاني دونه فمذموم، وإن كان مثله فأبعد من الذمّ، والفضل للأول. وإنّما يكون أبعد من الذمّ إن لم يكن في الثاني دلالة على السرقة كاتفاق الوزن والقافية وإلّا فهو مذموم جدا. مثال الأول قول بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج أي الشجاع القتال وراقب بمعنى خاف.

وقول سلم:
من راقب الناس مات همّا وفاز باللذة الجسور أي شديد الجرأة فبيت سلم مأخوذ من بيت بشّار إلّا أنّه أجود سبكا وأخصر لفظا.

ومثال الثاني قول أبي تمام:
هيهات لا يأتي الزمان بمثله إنّ الزمان بمثله لبخيل فأخذ منه أبو الطيب المصراع الثاني فقال:
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به ولقد يكون به الزمان بخيلا يعني تعلّم الزمان منه السخاء وسرت سخاوته إلى الزمان فأخرجه من العدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه الذي استفاد منه لبخل به على الدنيا واستبقاه لنفسه، كذا ذكره ابن جني. وقال ابن فورة: هذا تأويل فاسد لأنّ سخاءه غير موجود قبل وجوده فلا يوصف بالعدوى إلى الزمان وإنّما المراد سخا الزمان بالممدوح عليّ وكان بخيلا به لا يجود به على أحد ومستبقيا لنفسه، فلما أعداه سخاءه أسعدني بضمي إليه وهدايتي له. فالمصراع الثاني مأخوذ من المصراع الثاني لأبي تمام كذا في المطول والمختصر. لكن مصراع أبي تمام أجود سبكا من مصراع أبي الطيّب لأنّ قوله ولقد يكون لم يصب محله إذ المعنى به هاهنا لقد كان أي على المضي. ومثال الثالث قول أبي تمام:
لو حار مرتاد المنية لم تجد إلا الفراق على النفوس دليلا الارتياد الطلب أي المنية الطالبة للنفوس لو تحيّرت في الطريق إلى إهلاكها ولم يمكنها التوصّل إليها لم يكن لها دليل عليها إلّا الفراق فأخذ منه أبو الطيب فقال:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا وإن أخذ المعنى وحده سمّي ذلك الأخذ سلخا وإلماما، من ألمّ بالمنزل إذا نزل به، فكأنّه نزل من اللفظ إلى المعنى. وهو أيضا ثلاثة أقسام كذلك، أي مثل أقسام الإغارة والمسخ، لأنّ الثاني إمّا أبلغ من الأول أو دونه أو مثله. مثال الأول قول أبي تمام:
هو الصنع إن يعجل فخير وإن يرث فللرّيث في بعض المواضع أنفع ضمير هو عائد إلى حاضر في الذهن وهو مبتدأ وخبره الصنع، والشرطية ابتداء الكلام، يعني أنّ الشيء المعهود هو الإحسان فإن يعجل فهو خير وإن يبطأ فالبطء في بعض الأوقات وبعض المحال يكون أنفع من العجلة. وقول أبي الطيب:
ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السّحب في المسير الجهام السيب العطاء والسحب جمع سحاب والجهام هو السحاب الذي لا ماء فيه. يقول وتأخير عطائك عني خير في حقي لأنّه يدل على كثرته كالسحب إنما يسرع منها ما كان جهاما لا ماء فيه، وما كان فيه الماء يكون بطيئا. ففي بيت أبي الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل فكان أبلغ. ومثال الثاني قول البحتري:
وإذا تألّق في النديّ كلامه المصقول خلت لسانه من عضبه يعني إذا لمع في المجلس كلامه المنقّح حسبت لسانه سيفه القاطع. وقول أبي الطيب:
كأنّ ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا جمع خرص بمعنى سنان الرماح يعني أنّ ألسنتهم عند النطق في المضاء والنفاذ تشابه أسنّتهم عند الطعن، فكأنّ ألسنتهم جعلت أسنة رماحهم. فبيت البحتري أبلغ لما في لفظي تألق والمصقول من الاستعارة التخييلية، فإنّ التألّق والصقال من لوازم السيف، وتشبيه كلامه بالسيف استعارة بالكناية، وبيت أبي الطيب خال عنهما. ومثال الثالث قول أبي زياد:
ولم يك أكثر الفتيان مالا ولكن كان أرحبهم ذراعا يعني أن الممدوح ليس أكثر الناس مالا ولكن أوسعهم باعا أي سخي. وقول أشجع:
وليس بأوسعهم في الغنى ولكنّ معروفه أوسع فالبيتان متماثلان هكذا في المطوّل والمختصر.
وأمّا غير الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان أي معنى البيت الأول والثاني كقول جرير:
فلا يمنعك من إرب لحاهم سواء ذو العمامة والخمار أي لا يمنعك من الحاجة كون هؤلاء على صورة الرجال، لأنّ الرجال منهم والنساء في الضعف سواء. وقول أبي الطيب:
ومن في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب ويجوز في تشابه المعنيين أن يكون أحد البيتين نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك، فإنّ الشاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في إخفائه فيغير لفظه ويصرفه عن نوعه من النسيب أو المديح أو غير ذلك، وعن وزنه وعن قافيته كقول البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا يعني أنّهم سلبوا عن ثيابهم ثم كانت الدماء المشرقة عليهم بمنزلة الثياب لهم، وقول أبي الطيب:
يبس النجيع عليه وهو مجرّد عن غمده فكأنّما هو مغمد يعني أنّ السيف جرد عن غمده فكأنّ الدم اليابس عليه بمنزلة الغمد له. فنقل أبو الطيب المعنى من القتلى إلى السيف، كذا في المطول والمختصر. ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول كقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم وجدت الناس كلهم غضابا وقول أبي نواس:
ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد فالأول يختص ببعض العالم وهم الناس وهذا يشملهم وغيرهم لأنّ العالم ما سوى الله تعالى مشتقّ من العلم بمعنى العلامة لأنّ كل ما سواه دليل وعلامة على وجوده تعالى. ومنه القلب وهو أن يكون معنى الثاني نقيضا لمعنى الأول كقول أبي الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذة حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم وقول أبي الطيب:
أأحبه وأحب فيه ملامة إنّ الملامة فيه من أعدائه الاستفهام للإنكار الراجع إلى القيد الذي هو الحال وهو قوله وأحب فيه ملامة، وما يكون من عدو الحبيب يكون ملعونا مبغوضا لا محبوبا، وهو المراد من قوله إنّ الملامة الخ، فهذا المعنى نقيض لمعنى بيت أبي الشيص، والأحسن في هذا النوع أنّ يبيّن السبب كما في هذين البيتين، إلّا أن يكون ظاهرا. ومنه أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الأفوه:
وترى الطير على آثارنا رأي عين ثقة أن تمار أي ترى أيها المخاطب الطيور تسير كائنة على آثارنا رؤية مشاهدة لا تخيّل لوثوقها على أن ستطعم من لحوم قتلانا. وقول أبي تمام:
قد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنّها من الجيش إلّا أنها لم تقاتل أي أنّ تماثيل الطيور المعمولة على رءوس الأعلام قد صارت مظللة وقت الضحى بالطيور العقبان الشوارب في دماء القتلى لأنّه إذا خرج للغزو وتساير العقبان فوق راياته رجاء أن تأكل لحوم القتلى وتشرب دماءهم، فتلقي ظلالها عليها، ثم إذا أقام أقامت الطيور مع راياته وثوقا بأنها تطعم وتشرب حتى يظن أنها من الجيوش، لكنها لم تقاتل. فأخذ أبو تمام بعض معنى قول الأفوه من المصراع الأول لكن زاد عليه زيادات محسّنة بقوله ظللت، وبقوله في الدماء نواهل، وبقوله أقامت مع الرايات إلى آخر البيت، وبإيراد التجنيس بقوله عقبان أعلامه وعقبان طير هكذا في المطول وحواشيه. وأكثر هذه الأنواع المذكورة لغير الظاهر ونحوها مقبولة بل منها ما يخرجه حسن التصرّف من قبيل الاتباع إلى حيز الإبداع. وكلما كان أشد خفاء بحيث لا يعرف أنّ الثاني مأخوذ من الأول إلّا بعد إعمال روية ومزيد تأمل كان أقرب إلى القبول. هذا الذي ذكر كله في الظاهر وغيره من ادعاء سبق أحدهما واتباع الثاني وكونه مقبولا أو مردودا، وتسمية كلّ بالأسامي المذكورة إنّما يكون إذا علم أنّ الثاني أخذ من الأول بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم أو بأن يخبر هو عن نفسه أنّه أخذه منه، وإلّا فلا يحكم بذلك لجواز أن يكون الاتفاق من توارد الخواطر، أي مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ، فإذا لم يعلم الأخذ قيل: قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان بكذا، هذا كله خلاصة ما في المطول. أمّا هاهنا فمن الضّروري معرفة الفرق بين السّرقة وتوارد الخواطر كي لا يختلط أحدهما بالآخر. إذن، فليعلم بأنّ توارد الخواطر هو أن يرد في كلام أحد الشعراء مصراع من الشعر أو مضمون كلام شاعر ما في شعر أو كلام شاعر آخر دون أن يكون ذلك قد خطر على بال قائله بأنّه من كلام شاعر آخر، وذلك كما حصل للشاعر أمير خسرو الدّهلوي الذي توارد خاطره مع بيت للشاعر نظامي كنجوي حيث قال:

ما ترجمته:
يا من أنت موصوف بإكرام العبد فمنك الربوبيّة ومنّا العبوديّة بينما قال النظامي الكنجوي ما ترجمته:
أمران أو عملان بالبهاء والبركة الربوبيّة منك ومنّا العبوديّة وكذلك وقع مثل هذا في ما نظمه الملّا عبد الرحمن الجامي في منظومته يوسف وزليخا، فقد اتفق له توارد الخاطر مع منظومة شيرين وخسرو لمولانا النظامي الگنجوي، كما في البيت التالي للملا الجامي وترجمته:
ليت أمّي لم تلدني ولو أنّي حين ولدت لم يرضعني أحد وقال النظامي ما ترجمته:
يا ليت أمي لم تلدني وليتها إذ ولدتني أطعمتني لكلب ومثال آخر من أقوال الملّا جامي وترجمته:
لقد خلقت المرأة من الجانب الأيسر ولم ير أحد الصدق والاستقامة من اليسار بينما يقول النظامي ما ترجمته:
يقولون إنّ المرأة من الجانب الأيسر برزت ولا يأتي أبدا من اليسار الاستقامة ومن هنا يزعم بعضهم أنّ مولانا الجامي وأمير خسرو الدهلوي قد أغارا على منزل النظامي الگنجوي ونهبوا ما فيه.
والحق أنّه قلما توجد قصة في كتبهما أو بعض أبيات يمكن اعتبارها بشيء من التصحيف أو التغيير من كلام الخواجه نظامي الذي كانت آثاره نصب عين كلّ واحد منهما. فلا عجب إذن أن تتفاعل تلك الآثار في حافظة كلّ منهما. ثم عند ما يكتبون شيئا بدون تعمّد أو قصد تفيض من قرائحهما. وعليه فلا يكون مثل هذا التوارد مذموما.
كما يمكن أيضا أن تكون ثمّة توأمة فكرية لدى هذين الأستاذين، أو ثمّة علاقة روحيّة بينهما. كما أنّه ليس عجيبا أن يكون هذان العلمان الكبيران سواء المتقدّم أو المتأخّر متصلين اتصالا قويّا بالله الذي يفيض عليهما من لدنه؛ فإذن العلوم القديمة سواء بمعانيهما ومضامينهما أو بألفاظهما على سبيل الإلهام وردت على قلوبهم، كما هو حال أكثر الأولياء في عالم الرؤيا، حيث يتلقّون شيئا واحدا ذا مضمون واحد. فلماذا إذن يكون التعجّب من حدوث ذلك في حال اليقظة. وبناء على هذا يكون من سوء الأدب نسبة هؤلاء الأكابر إلى السّرقة، وهو غلط محض، لأنّ السّرقة هي أن يورد الشاعر كلام غيره عن سابق علم وتصميم في ما ينظمه بزيادة أو نقصان أو تبديل في الوزن أو بتبديل بعض الألفاظ. هكذا في مخزن الفوائد.
ومن هذا القبيل ما ورد أنّ بعض الصحابة خاصة سيدنا عمر رضي الله عنه أنّه كان قد قال عدة أمور فوافقه القرآن عليها. والسّبب في ذلك والله أعلم عائد لصفاء عقيدته وقداسة قلبه ونورانية روحه، ففاض عليه من حضرة علام الغيوب كلمات وافقت التنزيل الإلهي. ذلك أنّ القرآن الكريم نزل من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا مرّة واحدة، ومن ثمّ نزل منجّما حسب النوازل والمصالح على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كما هو مدوّن في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه». وعن أنس قال عمر: «وافقت ربي في ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟» فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. وقلت يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر. فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك». وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديّا لقي عمر بن الخطاب فقال: «إنّ جبرئيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدو للكافرين فنزلت كذلك».
وعن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في عائشة رضي الله عنها قال:
سبحانك هذا بهتان عظيم، فنزلت كذلك انتهى من الاتقان.

المساواة

المساواة:
[في الانكليزية] Equality ،equivalence
[ في الفرنسية] Egalite ،equivalence
معناها عند المتكلّمين والحكماء والمنطقيين قد عرفت قبيل هذا. وأمّا معناها عند أهل المعاني فقد ورد في لفظ الإطناب وهي واسطة بين الإيجاز والإطناب. وقيل هي داخلة في الإيجاز. قال في الإتقان: المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثّل لها في التلخيص بقوله وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ وفي الإيضاح بقوله تعالى وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا وتعقب بأنّ الآية الثانية حذف موصوف الذين وفي الأولى إطناب بلفظ السّيّئ لأنّ المكر لا يكون إلّا سيّئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرّغ أي بأحد وبالقصر في الاستثناء. وأمّا عند المحدّثين فهي من أنواع العلوّ بالنسبة إلى رواية أحد الكتب، وهي أن يكون بين الراوي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابي أو من دونه إلى شيخ أحد أصحاب كتب الحديث من العدد مثل ما بين أحد أصحاب الكتب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابي أو من دونه، فإن كان ذلك الراوي أكثر عددا منه بواسطة يسمّى مصافحة كذا في الاتقان، أي المساواة أن يقلّ عدد إسنادك إلى النبي عليه السلام في المرفوع أو الصحابي في الموقوف أو التابعي فمن بعده في المقطوع، بحيث يقع بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي أو من دونه من العدد مثل ما يقع بين أحد أصحاب الكتب كمسلم وبين النبي عليه السلام أو الصحابي أو من دونه مع قطع النظر عن ملاحظة رجال ذلك الإسناد الخاص، وكونهم في أعلى الرتبة. والمصافحة هي أن تقع هذه المساواة لشيخك لا لك. وبعبارة أخرى هي الاستواء مع تلميذ أحد أصحاب الكتب، يعني أنّ المصافحة هي أن يقلّ عدد إسنادك إلى النبي عليه السلام أو الصحابي أو التابعي بحيث يكون الإسناد من الراوي إلى آخره مساويا لإسناد أحد أصحاب الكتب مع تلميذه. فيعلو طريق أحد أصحاب الكتب من المساواة بدرجة واحدة، سمّيت مصافحة لأنّ العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا. وبالجملة فإن وقعت المساواة لشيخك فيكون لك مصافحة إذ كأنّك لقيت وصافحت فأخذت عن أحد أصحاب الكتب كمسلم ذلك الحديث الذي رويت، وإن وقعت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك فتقول كأنّ شيخي صافح أحد أصحاب الكتب أي مسلما مثلا، وإن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك فتقول كأنّ شيخ شيخي صافح مسلما. ثم قال ابن الصّلاح: لا يخفى على المتأمّل أنّ في المساواة والمصافحة الواقعتين لك من مسلم لا يلتقي إسنادك وإسناد مسلم إلّا بعيدا عن شيخ مسلم فيلتقيان في الصحابي أو قريبا منه انتهى.
فالقلّة معتبرة في المساواة بالنسبة إلى رواية أحد أصحاب الكتب ولا تعتبر بحيث ينتهي إليه.
مثال المساواة أن يروي النّسائي مثلا حديثا يقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقع بيننا وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد عشر نفسا، فنساوي نحن النّسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة رجال ذلك الإسناد. فإن وقع بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر نفسا كان بيننا وبين النّسائي مصافحة. هذا كلّه خلاصة ما في شرح النخبة وشرحه وغيرهما، وعلى هذا القياس تقع المصافحة والمساواة في فنّ القراءة كما وقع في الاتقان.

علم التاريخ

علم التاريخ
التاريخ في اللغة: تعريف الوقت مطلقا يقال أرخت الكتاب تأريخا وورخته توريخا كما في: الصحاح قيل: وهو معرب من ماه وروز. وعرفاً: هو تعيين وقت لينسب إليه زمان يأتي عليه أو مطلقا: يعني سواء كان ماضيا أو مستقبلاً.
وقيل: تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع من ظهور ملة أو دولة أو أمر هائل من الآثار العلوية والحوادث السفلية مما يندر وقوعه جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه وبين أوقات الحوادث والأمور التي يجب ضبط أوقاتها في مستأنف السنين.
وقيل: عدد الأيام والليالي بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر وإلى ما بقي وفيه كتاب: لقطة العجلان مما تمس إليه حاجة الإنسان للمؤلف عفا الله عنه.
وعلم التاريخ هو: معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم إلى غير ذلك.
وموضوعه: أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والملوك والشعراء وغيرهم.
والغرض منه: الوقوف على الأحوال الماضية وفائدته: العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن ليحترز عن أمثال ما نقل من المضار ويستجلب نظائرها من المنافع كذا في مدينة العلوم.
وهذا العلم كما قيل: عمر آخر للناظرين والانتفاع في مصره بمنافع تحصل للمسافرين. كذا في: مفتاح السعادة وقد جعل صاحبه لهذا العلم فروعا: كعلوم الطبقات والوفيات لكن الموضوع مشتمل عليها فلا وجه للإفراد والتفصيل في مقدمة الفذلكة من مسودات جامع المجلة.
وأما الكتب المصنفة في التاريخ فقد استقصيناها إلى ألف وثلاثمائة. انتهى ما في: كشف الظنون.
ومن الكتب المصنفة فيه: تاريخ ابن كثير الحافظ عماد الدين وتاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها.
وتاريخ ابن أثير الجزري سماه: الكامل ابتدأ فيه من أول الزمان إلى آخر سنة 832، وهو من خيار التواريخ.
وتاريخ ابن الجوزي المحدث وهو مجلدات سماه: المنتظم في تواريخ الأمم.
وتاريخ: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي قال ابن خلكان: رأيته بخطه في أربعين مجلداً.
وقال الأرنيقي: وأنا رأيته في ثمان مجلدات لكن في مجلدات ضخام بخط دقيق.
و: تاريخ ابن خلكان البرمكي الشافعي قال الأرنيقي: رأيته في خمس مجلدات بخطه قلت: قد طبع بمصر القاهرة في مجلدين ضخمين.
و: تاريخ الحافظ ابن حجر العسقلاني مجلدان.
وتاريخ آخر له المسمى ب أنباء الغمر وهو مجلدان.
وله أيضا: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
وتاريخ الخطيب البغدادي عشر مجلدات.
و: ذيل تاريخ بغداد للحافظ محب الدين بن النجار جاوز ثلاثين مجلداً. و: تاريخ أبي سعيد السمعاني نحو خمسة عشر مجلدا و: ذيل تاريخ السمعاني للدبيثي1 قرية من نواحي واسط في ثلاث مجلدات.
و: تاريخ الحافظ محمد بن أحمد الذهبي المحدث الإمام وصنف: التاريخ الكبير ثم الأوسط المسمى ب العبر والصغير المسمى: دول الإسلام.
وكتاب: البارع لهان روبن علي المنجم البغدادي.
و: تاريخ يتيمة الدهر للثعالبي و: دمية القصر للباخوزي و: زينة الدهر للخطري.
و: خريدة القصر تجريدة العصر للعماد الأصبهاني.
و: تاريخ بدر الدين العيني الحنفي.
و: تاريخ الحافظ ابن عساكر سبعة وخمسون مجلدا قال الأرنيقي: ومن أصح التواريخ وأحسنها وألطفها: لوروده بعبارات عذبة وأنفعها للناس: لاشتماله على المهمات
تاريخ اليافعي مجلدان كبيران وكتب التواريخ أكثر من أن تحصى لكن إن فزت بما ذكر فزت المرام وإن أردت التوغل فيه فعليك بكتاب: مروج الذهب للمسعودي و: أخبار الزمان له أيضا وبستان التواريخ و: معادن الذهب و: بوادر الأخبار و: عيون التواريخ. انتهى.
وعد كتبا من التواريخ لا نطول بذكرها الكتاب ثم قال:
وأما التواريخ: لسان الفرس فأكثر من أن تحصى تركنا ذكرها للاستغناء بما ذكرنا منها. انتهى.
قلت: وقد استوفى في: الكشف أسماء التواريخ مع أسماء مؤلفيها فإن شئت الاطلاع فارجع إليه.
ومن الكتب النفيسة المعتبرة في هذا العلم: تاريخ القاضي عبد الرحمن بن محمد الإشبيلي الحضرمي المالكي المتوفى سنة ثمان وثمانمائة وهو كبير عظم النفع والفائدة رتب على السنين وروي أنه كان في وقعة تيمور قاضيا بحلب فحصل في قبضته أسيرا سميرا فكان يصاحبه وسافر معه إلى سمرقند فقال له يوما: لي تاريخ كبير جمعت فيه الوقائع بأسرها فخلفته بمصر وسيظفر به المجنون يشير إلى برقوق فقال له: هل يمكن تلافي هذا الأمر واستخلاص الكتاب فاستأذنه في أن يعود إلى مصر ليجيء به فأذن له.
ولعل ذلك الكتاب هو كتاب: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر
وقد اشتهر نحو ثلاثة بالمقدمة ودون مفردا وهو كتاب مفيد جامع لمنافع لا توجد في غيره شرح الشيخ أحمد المغربي المتوفى سنة إحدى وأربعين وألف مؤرخ الأندلس مقدمته كذا أخبر به ابن البيلوني وترجم أوائل المقدمة شيخ الإسلام محمد صاحب المعروف ببيري زاده المتوفى سنة اثنتين وستين ومائة وألف. انتهى.
علم التاريخ: علمٌ يتضمن ذكرَ الوقائع وأوقاتها.
علم التاريخ
التاريخ في اللغة: تعريف الوقت مطلقا، يقال: أرخت الكتاب تاريخا، وورخته توريخا، كما في (الصحاح)
قيل: هو معرب من: ماه روز.
وعرفا: هو تعيين وقت لينسب إليه زمان، يأتي عليه، أو مطلقا، يعني: سواء كان ماضيا أو مستقبلا.
وقيل: تعريف الوقت، بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع، من ظهور ملة، أو دولة، أو أمر هائل، من الآثار العلوية، والحوادث السفلية، مما يندر وقوعه، جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه، وبين أوقات الحوادث والأمور التي يجب ضبط أوقاتها، في مستأنف السنين.
وقيل: عدد الأيام والليالي، بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر، وإلى ما بقي.
وعلم التاريخ: هو معرفة أحوال الطوائف، وبلدانهم، ورسومهم، وعاداتهم، وصنائع أشخاصهم، وأنسابهم، ووفياتهم،... إلى غير ذلك.
وموضوعه: أحوال الأشخاص الماضية من: الأنبياء، والأولياء، والعلماء، والحكماء، والملوك، والشعراء، وغيرهم.
والغرض منه: الوقوف على الأحوال الماضية.
وفائدته: العبرة بتلك الأحوال، والتنصح بها، وحصول ملكة التجارب، بالوقوف على تقلبات الزمن، ليحترز عن أمثال ما نقل من المضار، ويستجلب نظائرها من المنافع.
وهذا العلم كما قيل: عمر آخر للناظرين، والانتفاع في مصره بمنافع تحصل للمسافرين، كذا في (مفتاح السعادة).
وقد جعل صاحبه لهذا العلم فروعا، كعلوم الطبقات، والوفيات.
لكن الموضوع مشتمل عليها، فلا وجه للإفراز والتفصيل، في مقدمة الفذلكة، من مسودات جامع المجلة.
وأما الكتب المصنفة في التاريخ، فقد استقصيناها إلى ألف وثلاثمائة، فنذكر هاهنا على الترتيب المعهود:

المهر

المهر:
[في الانكليزية] Dower ،dowry
[ في الفرنسية] Dot
بالفتح وبالهاء هو قيمة بضع امرأة وقت التزويج مما يباح به الانتفاع شرعا من المال أو المنفعة معجّلا كان أو مؤجّلا، يقال له بالفارسي دست پيمان- يد العهد- وكابين.
ومهر المثل شرعا مهر امرأة مثلها أي قيمة بضع امرأة مماثلة لها من قوم أبيها في السّنّ والجمال والمال والعقل والدين أي الديانة والصّلاح والبلد والعصر والبكارة والثّيابة، فإن لم توجد مثل هذه المرأة في شيء من قوم أبيها فمن الأجانب مثلها في هذه الأمور، ولا يعتبر الأم وقومها إن لم تكن من قوم أبيها، كذا في جامع الرموز.

شنك

شنك
عن الصينية بمعنى نصر.

شنك


شَنَكَ
a. [ coll. ], Abstained, refrained
forbore.
شَنَّكَa. Raised, threw back his head.

شَنَكْل
a. [ coll. ], Window-catch.
b. Hook.
c. Clothes-pegs.
شنك: شَنَك الرجل: أبى وامتنع، وهو من كلام العامة (محيط المحيط).
شَنّك: اطلق البارود دفعات متتابعة. وهو من كلام العامة (محيط المحيط).
شنكيَّة: وظيفة الشحنة (مونج ص308).
شُنَّك: دفعات متتالية من إطلاق البارود (محيط المحيط، كاترمير مملوك 2، 2: 131، الجريدة الآسيوية 1850، 1: 257) وفيها عبارتان منقولتان منن تاريخ مصر للجبرتي حيث توجد هذه الكلمة بهذا المعنى، غير إنه لم يفهم معناها، وترجمها كاترمير بكلمة عيد.
شنك
شَنُوكَةُ، كمَلُولَةٍ أَهْمَلَه الجَوْهَريُّ وصاحبُ اللِّسانِ، وَفِي العُبابِ: هُوَ جَبَلٌ، وجَمَعَه كُثَيِّر عَزَّةَ على شَنائِكَ باعْتِبارِ أَجْزائِهِ وَفِي العُبابِ: بِمَا حَوْلَه: وَفِي التَّكْمِلَة: بِمَا حَوْلَها، فقالَ:
(فإِنَّ شِفائِي نَظْرَةٌ لَوْ نَظَرتُها ... إِلى ثافِلٍ يَوْمًا وخَلْفي شَنائِكُ)
قلتُ: وقالَ نَصْرٌ فِي كتابِه: شَنائِكُ: ثَلاثَةُ أَجْبُل صِغارٍ مُنْفَرِداتٍ من الجِبالِ بَين قُدَيْدٍ والجُحْفَةِ من دِيارِ خُزاعَةَ.
وقِيلَ: شَنُوكَتان: شُعْبتانِ تَدْفَعانِ فِي الرَوْحاءِ بينَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، شَرَّفَها اللَّهُ تَعالَى.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.