Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: تقلب

واو

و ا و : الْوَاوُ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَلَهَا مَعَانٍ فَمِنْهَا أَنْ
تَكُونَ جَامِعَةً عَاطِفَةً نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَعَاطِفَةً غَيْرَ جَامِعَةٍ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمْ يَجْمَعْهُمَا وَبِالْعَكْسِ نَحْوُ وَاوِ الْحَالِ كَقَوْلِهِمْ جَاءَ زَيْدٌ وَيَدُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَلَامُهَا قِيلَ وَاوٌ وَقِيلَ يَاءٌ لِأَنَّ تَرْكِيبَ أُصُولِ الْكَلِمَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ نَادِرٌ. 
وَتَأْتِي فِي الْكَلَامِ لِمَعَانٍ تَكُونُ لِلنَّهْيِ عَلَى مُقَابَلَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ يُقَالُ اضْرِبْ زَيْدًا فَتَقُولُ لَا تَضْرِبْهُ وَيُقَالُ اضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا فَتَقُولُ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِتَكْرِيرِهَا لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ اثْنَيْنِ فَكَانَ مُطَابِقًا لِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْكَلَامِ السَّابِقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ اضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا جُمْلَتَانِ فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ لَوْ قُلْتَ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَهْيًا عَنْ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَشْمَلْهُمَا فَإِذَا أَرَدْتَ الِانْتِهَاءَ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَنَهْيُ ذَلِكَ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَمَجِيئُهَا هُنَا لِانْتِظَامِ النَّهْيِ بِأَسْرِهِ وَخُرُوجُهَا إخْلَالٌ بِهِ هَذَا لَفْظُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَلَا تَضْرِبْ عَمْرًا لَكِنَّهُمْ حَذَفُوا الْفِعْلَ اتِّسَاعًا لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّ لَا النَّاهِيَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى فِعْلٍ فَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ بِالنَّهْيِ كَالْجُمْلَةِ الْأُولَى وَقَدْ يَظْهَرُ الْفِعْلُ وَيُحْذَفُ لَا لِفَهْمِ الْمَعْنَى أَيْضًا فَيُقَالُ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَتَشْتُمْ عَمْرًا وَمِثْلُهُ لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ أَيْ لَا تَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهَذَا بِخِلَافِ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا حَيْثُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَشْمَلُهُمَا لِجَوَازِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ غَامِضٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ لَا وَقَدْ يَجُوزُ حَذْفُ الْعَامِلِ لِقَرِينَةٍ وَالْعَامِلُ فِي لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ فَوَجَبَ إثْبَاتُهَا رَفْعًا لِلَّبْسِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا عَلَى إرَادَةِ وَلَا عَمْرًا وَتَكُونُ لِلنَّفْيِ فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى اسْمٍ نَفَتْ مُتَعَلَّقَهُ لَا ذَاتَهُ لِأَنَّ الذَّوَاتِ لَا تُنْفَى فَقَوْلُكَ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ أَيْ لَا وُجُودَ رَجُلٍ فِي الدَّارِ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ عَمَّتْ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ إلَّا إذَا خُصَّ بِقَيْدٍ وَنَحْوِهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمَاضِي نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا قُمْتُ قَلَبَتْ مَعْنَاهُ إلَى الِاسْتِقْبَالِ وَصَارَ الْمَعْنَى وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ وَإِذَا أُرِيدَ الْمَاضِي قِيلَ وَاَللَّهِ مَا قُمْتُ وَهَذَا كَمَا تَقْلِبُ لَمْ مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ إلَى الْمَاضِي نَحْوُ لَمْ أَقُمْ وَالْمَعْنَى مَا قُمْتُ وَجَاءَتْ بِمَعْنَى غَيْرٍ نَحْوُ جِئْتُ بِلَا ثَوْبٍ
وَغَضِبْتُ مِنْ لَا شَيْءٍ أَيْ بِغَيْرِ ثَوْبٍ وَبِغَيْرِ شَيْءٍ يُغْضِبُ وَمِنْهُ وَلَا الضَّالِّينَ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى غَيْرٍ وَفِيهَا مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرِيرِهَا نَحْوُ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَا طَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ وَجَاءَتْ لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَجَازَ لِقَرِينَةٍ حَذْفُ الِاسْمِ نَحْوُ لَا عَلَيْكَ أَيْ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ وَقَدْ يُحْذَفُ الْخَبَرُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا نَحْوُ لَا بَأْسَ ثُمَّ النَّفْيُ قَدْ يَكُونُ لِوُجُودِ الِاسْمِ نَحْوُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالْمَعْنَى لَا إلَهَ مَوْجُودٌ أَوْ مَعْلُومٌ إلَّا اللَّهُ وَالْفُقَهَاءُ يُقَدِّرُونَ نَفْيَ الصِّحَّةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَقَدْ يَكُونُ لِنَفْيِ الْفَائِدَةِ وَالِانْتِفَاعِ وَالشَّبَهِ وَنَحْوِهِ نَحْوُ لَا وَلَدَ لِي وَلَا مَالَ أَيْ لَا وَلَدَ يُشْبِهُنِي فِي خُلُقٍ أَوْ كَرَمٍ وَلَا مَالَ أَنْتَفِعُ بِهِ وَالْفُقَهَاءُ يُقَدِّرُونَ نَفْيَ الْكَمَالِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَمِنْهُ لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ وَمَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ فَالْوَجْهُ تَقْدِيرُ نَفْيِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ نَفْيَهَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَهِيَ فِي الْوُجُودِ وَلِأَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَفَاءً بِالْعَمَلِ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ دُونَ عَكْسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي نَفَى وَجَاءَتْ بِمَعْنَى لَمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة: 31] أَيْ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ وَجَاءَتْ بِمَعْنَى لَيْسَ نَحْوُ {لا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] أَيْ لَيْسَ فِيهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَاهَا اللَّهِ ذَا أَيْ لَيْسَ وَاَللَّهِ ذَا وَالْمَعْنَى لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ وَجَاءَتْ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ يُقَالُ هَلْ قَامَ زَيْدٌ فَيُقَالُ لَا وَتَكُونُ عَاطِفَةً بَعْدَ الْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْإِيجَابِ نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لَا عَمْرًا وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ لَا عَمْرٍو وَقَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو وَلَا يَجُوزُ ظُهُورُ فِعْلٍ مَاضٍ بَعْدَهَا لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالدُّعَاءِ فَلَا يُقَالُ قَامَ زَيْدٌ لَا قَامَ عَمْرٌو.
وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: وَلَا تَقَعُ بَعْدَ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ لِأَنَّهَا تَنْفِي عَنْ الثَّانِي مَا وَجَبَ لِلْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ مَنْفِيًّا فَمَاذَا تَنْفِي وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَتَبِعَهُ ابْنُ جِنِّي مَعْنَى لَا الْعَاطِفَةِ التَّحْقِيقُ لِلْأَوَّلِ وَالنَّفْيُ عَنْ الثَّانِي فَتَقُولُ قَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو وَاضْرِبْ زَيْدًا لَا عَمْرًا وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وُقُوعُهَا أَيْضًا بَعْدَ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُقَالُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَلَا عَمْرًا وَشِبْهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لِلْإِخْرَاجِ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ هُنَا مَنْفِيٌّ وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَا لِلْعَطْفِ وَلَا يَجْتَمِعُ حَرْفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَالنَّفْيُ فِي جَمِيعِ الْعَرَبِيَّةِ يُنْسَقُ عَلَيْهِ بِلَا إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا الْقِسْمُ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ وُقُوعُهَا بَعْدَ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَمِنْ شَرْطِ الْعَطْفِ بِهَا أَنْ لَا يَصْدُقَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَعْطُوفِ فَلَا يَجُوزُ قَامَ رَجُلٌ لَا زَيْدٌ وَلَا قَامَتْ امْرَأَةٌ لَا هِنْدٌ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ اضْرِبْ رَجُلًا
لَا زَيْدًا فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَتَكُونُ زَائِدَةً نَحْوَ {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34] وَمَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَسْجُدُ أَيْ مِنْ السُّجُودِ إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَكَانَ التَّقْدِيرُ وَمَا مَنَعَكَ مِنْ عَدَمِ السُّجُودِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ سَجَدَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَتَكُونُ مُزِيلَةً لِلَّبْسِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَنْفِيِّ نَحْوَ مَا قَامَ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو إذْ لَوْ حُذِفَتْ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى نَفْيَ الِاجْتِمَاعِ وَيَكُونَ قَدْ قَامَا فِي زَمَنَيْنِ فَإِذَا قِيلَ مَا قَامَ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو زَالَ اللَّبْسُ وَتَعَلَّقَ النَّفْيُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِثْلُهُ لَا تَجِدُ زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمًا فَنَفْيُهُمَا جَمِيعًا لَا تَجِدُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا قَائِمًا وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ النَّهْيِ وَتَكُونُ عِوَضًا مِنْ حَرْفِ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ وَمِنْ إحْدَى النُّونَيْنِ فِي أَنَّ إذَا خُفِّفَتْ نَحْوُ {أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا} [طه: 89] وَتَكَوُّنُ لِلدُّعَاءِ نَحْوُ لَا سَلِمَ وَمِنْهُ {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] وَتَجْزِمُ الْفِعْلَ فِي الدُّعَاءِ جَزْمَهُ فِي النَّهْيِ وَتَكُونُ مُهَيِّئَةً نَحْوُ لَوْلَا زَيْدٌ لَكَانَ كَذَا لِأَنَّ لَوْ كَانَ يَلِيهَا الْفِعْلُ فَلَمَّا دَخَلَتْ لَا مَعَهَا غَيَّرَتْ مَعْنَاهَا وَوَلِيَهَا الِاسْمُ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ حَرْفٌ مُفْرَدٌ يُنْطَقُ بِهَا مَقْصُورَةً كَمَا يُقَالُ بَا تَا ثَا بِخِلَافِ الْمُرَكَّبَةِ نَحْوُ الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فَإِنَّهَا تَتَحَلَّلُ إلَى مُفْرَدَيْنِ وَهُمَا لَامٌ وَأَلِفٌ وَتَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ إمَّا لَا فَافْعَلْ هَذَا فَالتَّقْدِيرُ إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَافْعَلْ هَذَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ يَلْزَمُهُ أَشْيَاءُ وَيُطَالَبُ بِهَا فَيَمْتَنِعُ مِنْهَا فَيُقْنَعُ مِنْهُ بِبَعْضِهَا وَيُقَالُ لَهُ إمَّا لَا فَافْعَلْ هَذَا أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ الْجَمِيعَ فَافْعَلْ هَذَا ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَزِيدَتْ مَا عَلَى إنْ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ وَلِهَذَا تُمَالُ لَا هُنَا لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلَ كَمَا أُمِيلَتْ بَلَى وَيَا فِي النِّدَاءِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ مَنْ أَطَاعَكَ فَأُكْرِمْهُ وَمَنْ لَا فَلَا تَعْبَأْ بِهِ بِإِمَالَةِ لَا لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ وَقِيلَ الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِمَالَةِ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا تُمَالُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. 

خَرص

(خَ ر ص)

خَرَص يخرُص خَرْصا، وتخرّص: كَذَب.

وَرجل خَرَّاص: كَذَّاب، وَفِي التَّنْزِيل: (قُتل الخرّاصون) .

وخَرَص العددَ يخرُصه، ويَخرِصه، خَرّصا وخِرْصا: حَزَره. وَقيل: الخَرص، الْمصدر، والخِرْص: الِاسْم.

والخِرْص والخَرْص والخُرْص: سِنان الرُّمح.

وَقيل: هُوَ مَا على الجُبة من السنان.

وَقيل: هُوَ الرمْح نَفسه.

وَقيل: هُوَ رمح قصير يتَّخذ من خَشب منحوت، وَهُوَ الخَرِيص. عَن ابْن جني، وانشد لأبي دُوَاد:

وتشاجرتْ ابطالُه بالمَشرفيّ وبالخَريصِ

والخُرْص: كل قَضيب من شَجَرَة.

والخُرْص، والخَرْص، والخِرْص، الْأَخِيرَة عَن أبي عُبَيْدَة: كُل قضيب رطب أَو يَابِس، كالخُوط.

والخُرْص، أَيْضا: الجَريدة، وَالْجمع من كل ذَلِك: اخراص، وخرصان.

والخِرْص والخُرْص: الْعود يُشتار بِهِ الْعَسَل، وَالْجمع: اخراص، قَالَ:

مَعَه سِقاءٌ لَا بفرِّط حَمْلهَ صُفْنٌ وأخراصٌ يَلُحْن ومِسْأبُ

والمخارص: مشاور العَسل.

والمَخارص أَيْضا: الخناجر، قَالَت خُويلة الرِّتَاضِيّة ترثى أقاربها:

طَرَقَتْهم أمَّ الدُّهَيْم فَأَصْبحُوا أكُلاًلها بَمخارصٍ وقَواضبِ

والخِرْص والخُرْص: القُرط بحَبّة وَاحِدَة.

وَقيل: هِيَ الْحلقَة من الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالْجمع خِرَصة.

والخُرْصة، لُغَة فِيهَا.

والخُرْص: الدِّرع، لِأَنَّهَا حِلَق مثل الخُرْص الَّذِي فِي الْأذن.

والخَريص: شبه حَوْض وَاسع يَنبثق فِيهِ المَاء من النَّهر ثمَّ يعود إِلَيْهِ.

وَقيل: هُوَ المَاء المستنقع فِي اصول النّخل.

وخريص الْبَحْر: خليج مِنْهُ. وَقيل: خَريص البهر وَالنّهر: ناحيتهما، أَو جانبهما.

والخرص: جوع مَعَ برد.

وَرجل خَرِص: جَائِع مقرور.

والخرْص: الدَّن، لُغَة فِي الخِرْس، وَسَيَأْتِي ذكره.

والخَرّاص: صَاحب الدنان، وَالسِّين لُغَة.

والاخراص: مَوضِع، قَالَ أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ:

لمن الديار بِعَلْىَ فالاخراص فالسُّودَتَين فَمجمعِ الابواصِ

ويُروى: الاحراص، بِالْحَاء.
خَرص
. الخَرْصُ: الحَزْرُ، والحَدْسُ والتَّخْمِينُ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي مَعْنَاه، وقِيلَ هُوَ التَّظَنِّي فِيما لَا تَسْتَيْقِنُه، يُقَال: خَرَصَ العَدَدَ يَخْرِصُهُ ويَخْرُصُه خَرْصاً وخِرْصاً، إِذَا حَزَرَه، ومِنْهُ خَرْصُ النَّخْلِ والتَّمْرِ، لأَنَّ الخَرْصَ إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ بِطَنٍّ لَا إِحَاطَة. وقِيلَ: الاسْمُ بالكَسْرِ، والمَصْدَرُ بالفَتْحِ يُقَالُ: كَمْ خِرْصُ أَرْضِكَ وكَمْ خِرْصُ نَخْلِكَ وفَاعِلُ ذلِكَ الخَارِصُ، والجَمْعُ الخُرّاصُ، وفِي الحَدِيثِ كانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يَبْعَثُ الخُرّاصَ عَلَى نَخِيلِ خَيْبَر عنْدَ إِدْراكِ ثَمَرِهَا، فيَحْزِرُونَه رُطَباً كَذَا، وتَمْراً كَذَا. وَقَالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الخِرْصُ، بالكَسْرِ، الحَزْرُ، مِثْل عَلِمْتُ عِلْماً، قالَ الأَزْهَرِيُّ: هذَا جَائِزٌ لأَنَّ الاسْمَ يُوضَع مَوْضِعَ المَصْدَرِ. ومِنَ المَجَازِ: الخَرْصُ: الكَذِبُ. والخَرْصُ: كُلُّ قَوْلِ بالظَّنِّ والتَّخْمِينِ، ومِنْهُ أُخِذَ مَعْنَى الكَذِبِ، لِغَلَبَتِه فِي مِثْلِه، فهُوَ خارِصٌ وخَرَّاصٌ، أَيْ كَذّابٌ، وبِهِ فُسِّرَ قولُه تَعَالَى: قُتِلَ الخَرّاصُونَ. نَقَلَهُ الزَّجّاجُ والفَرّاءُ، وزادَ الأَخِيرُ: الَّذِين قَالُوا: مُحَمَّدٌ شاعِرٌ، وأَشْبَاه ذلِكَ، خَرَصُوا بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، وقَالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الخَرّاصُونَ: الَّذِينَ إِنَما يَتَظَنَّنُون الشَّيْءَ وَلَا يَحُقُّونَه فيَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ. والخَرْصُ: سَدُّ النَّهْر. وَقَالَ الباهِلِيُّ: الخُرْصُ، بالضَّمِّ: الغُصْنُ. والخُرْصُ: القَنَاةُ.
والخُرْصُ: السِّنَانُ نَفْسُه ويُكْسَرُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي مَعْنَى الغُصْنِ، وَرَوَى غَيْرُه بالفَتْحِ أَيْضاً، وقَالَ: هُوَ كُلُّ قَضِيبٍ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ، كالخُوْطِ. والخِرْصُ، بالكَسْرِ: الجَمَلُ الشَّدِيدُ الضَّلِيعُ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ. والخِرْصُ: الرُّمْحُ اللَّطِيفُ القَصِيرُ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ مَنْحُوتٍ. والخُرْصُ: الدُّبُّ، هكَذَا فِي سَائِرِ النُّسَخِ بالبَاءِ المُوَحَّدَةَ، والَّذِي فِي اللِّسَانِ وغَيْرِه الدَّنُّ، بالنُّونِ، وهُوَ الصَّوابُ، ولَعَلَّه مُعَرّبُ خِرْس، بالسّينِ المُهْمَلَة بالفَارِسِيَّة، وقَدْ تَقَدَّم فِي السِّين ذلِكَ، ولكِنَّ الدُّبَّ أَيْضاً يُسَمَّى بالفَارِسِيَّةِ خِرْس، فتَأَمَّلْ. والخِرْصُ الزَّبِيلُ، وهذِهِ عَنِ المُطَرِّزِيِّ اللُّغَوِيّ. والخِرَاصَةُ، بالكَسْرِ: الإِصْلاحُ، يُقَالُ: خَرَصْتُ المَالَ خِرَاصَةً، أَيْ أَصْلَحْتُه، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ عَن ابنِ عَبّادِ. وخَرِصَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ:جَاعَ فِي قُرٍّ، فَهُوَ خَرِصٌ وخَارِصٌ: جَائِعٌ مَقْرُورٌ، وأَنْشَدَ ابنُ بِرِّيّ للَبِيدِ:
(فأَصْبَحَ طاوِياً خَرِصاً خَمِيصاً ... كنَصْلِ السَّيْفِ حُودِثَ بالصِّقَال)
وَلَا يُقَال لِلجُوْعِ بِلاَ بَرْدِ خَرَصٌ، ويُقَالُ لِلبَرْدِ بِلا جُوْعٍ خُصَرٌ. والخُرْصُ، بالضمّ ويُكْسَرُ: حَلْقَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم، وَعَظَ النِّسَاءَ وحَثَّهُنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فجَعَلَت المَرْأَةُ تُلْقِي الخُرْصَ والخَاتَمَ، أَوْ حَلْقَةُ القُرْطِ، وقِيلَ: بَلِ القُرْطُ بِحَبَّةٍ واحِدَةٍِ،)
وهِيَ منْ حُلِيِّ الأُذُنِ، أَو الحَلْقَةُ الصَّغيرَةُ منَ الحُلِيِّ كهَيْئَةِ القُرْطِ وغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ شَمِرٍ. ج خِرْصَانٌ، بالكَسْر وبالضَّمِّ قالَ الشاعرُ:
(عَلَيْهِنَّ لُعْسٌ منْ ظِبَاءِ تَبَالَةِ ... مُذَبْذَبَةُ الخُرِصان بادٍ نُحُورُهَا)
والخِرْصُ، بالضَّمِّ وبالكَسْرِ: جَرِيدُ النّخْل، والجَمْعُ أَخْرَاص وخُرْصانٌ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لقَيْسِ بنِ الخَطِيمِ:
(تَرَى قِصَدَ المُرّانِ يُلْقَى كأَنَّهُ ... تَذَرُّعُ خِرْصَانٍ بأَيْدِي الشَّوَاطِبِ)
وَفِي كِتَابِ اللَّيْثِ: الخُرْصُ: عُوَيْدٌ مٌ حًدَّدُ الرَّأْسِ يُغْرَزُ فِي عَقْدِ السِّقاءِ، قالَ: ومِنْهُ قَوْلُهم مَا يَمْلِكُ فُلانٌ خُرْصاً، بالضَّمِّ، وَلَا خِرْصاً، يُكْسَرُ، أَيْ شَيْئاً، وَهَذَا مَجازٌ. والخرْصُ، مُثَلَّثَةً وكَذَا الخِرَاصُ، ككِتَابٍ: مَا عَلَى الجُبَّةِ مِنَ السِّنَانِ، عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وقِيلَ هُوَ نِصْفُ السِّنانِ الأَعْلَى إِلَى مَوْضِعِ الجُبَّةِ، أَو الحَلْقَةُ تُطِيفُ بِأَسْفَلِهِ. وقِيلَ: هُوَ الرُّمْحُ نَفْسُه. وشاهِدُ الخِرْصِ بالكَسْرِ قَوْلُ بِشْرٍ:
(وأَوْجَرْنَا عُتَيْبَةَ ذاتَ خِرْصٍ ... كَأَنَّ بنَحْرِهِ مِنْهَا عَبِيرَا) كالمِخْرَصِ، كمِنْبَرٍ، كَذَا فِي سَائِر النُّسَخِ. وفَاتَه: الخُرُصُ بضَمَّتَيْنِ: لُغَةٌ فِي الخُرْصِ، بالضَّمِّ، وشَاهِدُه قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
(يَعَضُّ مِنْهَا الظَّلِفُ الدَّئِيَّا ... عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخَطِّيّا)
والأَخْراصُ، بالفَتْحِ: أَعْوَادٌ يُشَارُ، أَيْ يُخْرَجُ بِهَا العَسَلُ، قَالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيُّ:
(مَعَهُ سِقَاءٌ لَا يُفَرِّطُ حَمْلَهُ ... صُفْنٌ وأَخْرَاصٌ يَلُحْنَ ومِسْأَبُ)
الوَاحِدُ خُرصٌ، كصُرَدٍ، وطُنُبٍ، وبُرْدٍ، الثّانِيَةُ لُغَةٌ فِي الثّالِثَة مِثْل عُسُرٍ وعُسَرٍ. والخُرْصَةُ، بالضَّمّ: الرُّخْصَةُ، مَقْلُوبٌ مِثْلُ الرُّفْصَةِ والفُرْصَةِ. والخُرْصَةُ: الشِّرْبُ من الماءِ، تَقُولُ: أَعْطِنِي خُرْصَتِي مِنَ الماءِ، أَيْ شِرْبَاً مِنْهُ. والخُرْصَةُ: طَعَامُ النُّفَسَاءِ نفسِهَا، وكَأَنَّهُ لُغَةٌ فِي السِّين، وقَدْ تَقَدَّمَ. والخِرْصانُ، بالكَسْرِ: ة، بالبَحْرَيْنِ، وَفِي التَكْمِلَةِ: مَوْضِعٌ، بَدَلَ قَرْيَةٍ، سُمِّيَتْ كَأَنَّه لِبَيْعِ الرِّمَاحِ فِيهَا، فكَأَنّ الأَصْلَ قَرْيَةُ الخِرْصَانِ، فحُذِف المُضَافُ إِلَيْه. وذُو الخِرْصَيْنِ، بالكَسْرِ مُثَنَّىً: سَيْفُ قَيْسِ بنِ الخِطِيمِ الأَنْصَارِيّ الشّاعِرِ وهُوَ القائِلُ فِي قَتْلِهِ العَبْدِيّ:
(ضَرَبْتُ بِذِي الخِرْصَيْنِ رِبْقَةَ مالِكٍ ... فأُبْتُ بِنَفْسٍ قد أَصَبْتُ شِفَاءَهَا)
نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. والخِرْصِيَانُ، فِعْلِيانٌ من الخَرْصِ، هُوَ الحِرْصِيانُ، بالحَاءِ الْمُهْملَة، نقَلَه ابنُ) عَبّادٍ، قالَ الصّاغَانِيُّ: وهُو تَصْحِيفٌ، والصَّوَابُ بالخَاءِ، وقَدْ ذَكَرَه أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ، وابنُ الأَعْرَابِيِّ والأَزْهَرِيُّ عَلَى الصِّحّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ. والمَخَارِصُ: الأَسِنَّةُ، جَمْعُ مِخْرَصٍ، قَال بِشْرٌ:
(يَنْوِي مُحَاوَلَةَ القِيَامِ وقَدْ مَضَتْ ... فِيهِ مَخَارِصُ كُلِّ لَدْنِ لَهْذَمِ)
والخَرِيصُ، كأَمِيرٍ: الماءُ البَارِدُ يُقَال: مَاءٌ خَرِيصٌ، أَيْ بَارِدُ، مِثْلُ خَصِرٍ، قَالَ الراجِزُ: مُدَامَةٌ صِرْفٌ بماءٍ خَرِيصْ. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الخَرِيصُ المُسْتَنْقَعُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ وغَيْرِهَا مِنَ الشَّجَرِ. وقِيلَ الخَرِيصُ: المُمْتَلِئُ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
(والمُشْرِفُ المَشْمُولُ يُسْقَى بهِ ... أَخْضَرَ مَطْمُوثاً كماءِ الخَرِيصْ)
ويُرْوَى: الحَرِيص، بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، أَي السّحاب، والمُشْرِفُ: إِناءٌ كانُوا يَشْرَبُون بهِ، والمَشْمُولُ: الطَّيِّبُ البارِدُ، والمَطْمُوث: المَمْسُوس. وقالَ اللَّيْثُ: الخَرِيصُ: شِبْهُ حَوْضٍ وَاسِعٍ يَنْبَثِقُ فيهِ الماءُ مِنْ نَهْرٍ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى النَّهْرِ. والخَرِيصُ: جانِبُ النَّهْرِ، وقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: افْتَرَقَ النَّهْرُ على أَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ خَرِيصاً، يَعْنِي ناحِيَةً مِنْه. وَقَالَ أَبُو عَمْروٍ: الخرِيصُ: جَزِيرَةُ البَحْرِ، وَقَالَ غيْرُه خَلِيجُ البَحْرِ. ومِنَ المَجَازِ: تَخَرَّصَ عَلَيْه فُلانٌ، إِذَا افْتَرَى وتَكَذَّبَ بالبَاطِلِ. ومِنَ المَجَازِ أَيْضاً اخْتَرَصَ القَوْلَ، إِذا افْتَعَلَه، واخْتَلَقَ. وعَنِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ: اخْتَرَصَ الرَّجُلُ، إِذَا جَعَل فِي الخُرْصِ، بالكَسْرِ، والضَّمِّ: اسْم لِلْجَرابِ، مَا أَرادَ، واكْتَرَصَ، إِذَا جَمَع وقَلَّدَ. وخَارَصَهُ مُخَارَصَةً: عَاوَضَه وبَادَلَه، هكَذَا فِي الأُصُولِ المُوْجُودَةِ، نَقَلَه ابنُ عَبّادٍ هَكَذَا، والصَّوابُ خاوَصَه، بالواوِ، إِذا عارَضَهُ بِهِ وبادَلَه، وقَدْ صَحَّفَه ابنُ عَبّادٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي خَ وص وَفِي خَ وض. وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه: الخَرِيصُ، كأَمِيرٍ: رُمْحٌ قَصِيرٌ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ مَنْحُوتٍ، عَن ابنِ جِنِّى، وأَنْشَدَ لأَبِي دُوَاد:
(وتَشَاجَرَتْ أَبْطَالُه ... بالمَشْرَفِيِّ وبالخَرِيصِ)
وقَالَ غَيْرُه: الخَرِيصُ: السِّنَانُ. والمَخَارِصُ: مَشَاوِرُ العَسَلِ. والمَخَارِصُ: الخَنَاجِرُ، قالَتْ خُوَيْلَةُ الرِّيَاضِيَّةُ تَرْثِي أَقَارِبَهَا:
(طَرَقَتْهُمُ أُمُّ الدُّهَيْمِ فأَصْبَحُوا ... أُكُلاً لَهَا بِمَخَارِصٍ وقَوَاضِبِ)
والخُرْصُ، بالضَّمِّ: الدِّرْعُ لأَنَّهَا حِلَق مِثْلُ الخُرْصِ الَّذِي فِي الأُذُنِ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: ويُقَالُ للِدُّرُوعِ خِرْصَانٌ، وأَنْشَدَ:
(سمّ الصّبَاحِ بخُرْصانٍ مُسَوَّمَةٍ ... والمَشْرَفِيَّةُ نُهْدِيها بأَيْدِينَا)

قالَ بَعْضُهم: أَرادَ بالخُرْصانِ الدُّرُوعَ، وتَسْوِيمُهَا: جَعْلُ حِلَقٍ صُفْرٍ فِيهَا، ورَوَاهُ بَعْضُهُمْ بخُرْصانٍ مُقَوَّمَةٍ جَعَلَها رِماحاً. والخَرّاصُ، ككَتّانٍ: صَاحِبُ الدِّنَانِ، والسِّينُ لُغَةٌ. وخَرّاصٌ، ككَتّانٍ: اسْمُ مَوْضِعٍ نقَلَه الصّاغَانِيُّ. والأَخْرَاصُ: مَوْضِعٌ فِي قَوْل أُمَيَّةَ ابنِ أَبي عائِذٍ الهُذَلِيِّ ويُرْوَى بالحاءِ المُهْمَلَةِ، وقَدْ تَقَدَّم الشاهِدُ فِي ح ر ص. والخُرْصُ، بالضَّمِّ: أَسْقِيَةٌ مُبَرِّدَة تُبَرِّدُ الشَّرَابَ، نَقَلَهُ اللَّيْثُ، وأَنكره الأَزْهَرِيُّ. والمُخْتَرِصُ: الخَيّاطُ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. والخِرْصُ، بالكَسْرِ: اسْمُ جَبَلٍ، وبِهِ فُسِّرَ قَوْل عَبِيدِ بنِ الأَبْرَصِ:
(بمُعْضِّلٍ لَجِبٍ كَأَنَّ عُقَابَهُ ... فِي رَأْسِ خرْصٍ طائِرٌ يَــتَقَلَّبُ)
والخُرِيصُ: القُوَّةُ، عَن أَبِي عَمْروٍ.

ضَيْبَرُ

ضَيْبَرُ:
بالفتح ثمّ السكون، وباء موحدة مفتوحة، وراء: اسم جبل بالحجاز، وهو علم مرتجل إن لم يكن من الضبر وهو العدو، والضبر: رمان البرّ، قال كثيّر:
وفاتتك عير الحيّ لما تقلّبــت ... ظهور بها من ينبع وبطون
وقد حال من رضوى، وضيبر دونهم ... شماريخ للأروى بهنّ حصون

طَبَرِستانُ

طَبَرِستانُ:
بفتح أوله وثانيه، وكسر الراء، قد ذكرنا معنى الطبر قبله، واستان: الموضع أو الناحية، كأنه يقول: ناحية الطبر، وسنذكر سبب تسمية هذا الموضع بذلك، والنسبة إلى هذا الموضع الطّبري، قال البحتري:
وأقيمت به القيامة في ق ... مّ على خالع وعات عنيد
وثنى معلما إلى طبرستا ... ن بخيل يرحن تحت اللّبود
وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه، والغالب على هذه النواحي الجبال، فمن أعيان بلدانها دهستان وجرجان واستراباذ وآمل، وهي قصبتها، وسارية، وهي مثلها، وشالوس، وهي مقاربة لها، وربما عدّت جرجان من خراسان إلى غير ذلك من البلدان، وطبرستان في البلاد المعروفة بمازندران، ولا أدري متى سميت بمازندران فانه اسم لم نجده في الكتب القديمة وإنما يسمع من أفواه أهل تلك البلاد ولا شكّ أنهما واحد، وهذه البلاد مجاورة لجيلان وديلمان، وهي بين الرّي وقومس والبحر وبلاد الديلم والجيل، رأيت أطرافها وعاينت جبالها، وهي كثيرة المياه متهدّلة الأشجار كثيرة الفواكه إلا أنها مخيفة وخمة قليلة الارتفاع كثيرة الاختلاف والنّزاع، وأنا أذكر ما قال العلماء في هذا القطر وأذكر فتوحه واشتقاقه ولا بدّ من احتمالك لفصل فيه تطويل بالفائدة الباردة، فهذا من عندنا مما استفدناه بالمشاهدة والمشافهة، وخذ الآن ما قالوه في كتبهم: زعم أهل العلم بهذا الشأن أن الطّيلسان والطالقان وخراسان ما عدا خوارزم من ولد اشبق بن إبراهيم الخليل والديلم بنو كماشج بن يافث بن نوح، عليه السلام، وأكثرهم سميت جبالهم بأسمائهم إلا الإيلام قبيل من الديلم فإنهم ولد باسل بن ضبّة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، كما نذكره إن شاء الله في كتاب النسب، وموقان وجبالها وهم أهل طبرستان من ولد كماشج بن يافث بن نوح، عليه السّلام، وفيما روى ثقات الفرس قالوا: اجتمع في جيوش بعض الأكاسرة خلق كثير من الجناة وجب عليهم القتل فتحرّج منه وشاور وزراءه وسألهم عن عدّتهم فأخبروه بخلق كثير فقال: اطلبوا لي موضعا أحبسهم فيه، فساروا إلى بلاده يطلبون موضعا خاليا حتى وقعوا بجبال طبرستان فأخبروه بذلك فأمر بحملهم إليه وحبسهم فيه، وهو يومئذ جبل لا ساكن فيه، ثم سأل عنهم بعد حول فأرسلوا من يخبر بخبرهم فأشرفوا عليهم فإذا هم أحياء لكن بالسوء، فقيل لهم: ما تشتهون؟ وكان الجبل أشبا كثير الأشجار، فقالوا: طبرها طبرها، والهاء فيه بمعنى الجمع في جميع كلام الفرس، يعنون نريد أطبارا نقطع بها
الشجر ونتخذها بيوتا، فلما أخبر كسرى بذلك أمر أن يعطوا ما طلبوا فحمل إليهم ذلك، ثم أمهلهم حولا آخر وأنفذ من يتفقدهم فوجدهم قد اتخذوا بيوتا فقال لهم: ما تريدون؟ فقالوا: زنان زنان، أي نريد نساء، فأخبر الملك بذلك فأمر بحمل من في حبوسه من النساء أن يحملن إليهم، فحملن فتناسلوا فسميت طبرزنان أي الفؤوس والنساء ثم عرّبت فقيل طبرستان، فهذا قولهم، والذي يظهر لي وهو الحقّ ويعضده ما شاهدناه منهم أن أهل تلك الجبال كثير والحروب وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار حتى إنك قلّ أن ترى صعلوكا أو غنيّا إلا وبيده الطّبر صغيرهم وكبيرهم، فكأنها لكثرتها فيهم سميت بذلك، ومعنى طبرستان من غير تعريب موضع الأطبار، والله أعلم، وقال أبو العلاء السروي يصف طبرستان فيما كتبنا عن أبي منصور النيسابوري:
إذا الريح فيها جرّت الريح أعجلت ... فواختها في الغصن أن تترنّما
فكم طيّرت في الجوّ وردا مدنّرا ... تقلّبــه فيه ووردا مدرهما
وأشجار تفّاح كأنّ ثمارها ... عوارض أبكار يضاحكن مغرما
فإن عقدتها الشمس فيها حسبتها ... خدودا على القضبان فذّا وتوأما
ترى خطباء الطير فوق غصونها ... تبثّ على العشّاق وجدا معتّما
وقد كان في القديم أول طبرستان آمل ثم مامطير، وبينها وبين آمل ستة فراسخ، ثم ويمة، وهي من مامطير على ستة فراسخ، ثم سارية ثم طميس، وهي من سارية على ستة عشر فرسخا، هذا آخر حدّ طبرستان وجرجان، ومن ناحية الديم على خمسة فراسخ من آمل مدينة يقال لها ناتل ثم شالوس، وهي ثغر الجبل، هذه مدن السهل، وأما مدن الجبل فمنها مدينة يقال لها الكلار ثم تليها مدينة صغيرة يقال لها سعيدآباذ ثم الرويان، وهي أكبر مدن الجبل، ثم في الجبل من ناحية حدود خراسان مدينة يقال لها تمار وشرّز ودهستان، فإذا جزت الأرز وقعت في جبال ونداد هرمز، فإذا جزت هذه الجبال وقعت في جبال شروين، وهي مملكة ابن قارن، ثم الديلم وجيلان، وقال البلاذري: كور طبرستان ثمان: كورة سارية وبها منزل العامل وإنما صارت منزل العامل في أيام الطاهرية وقبل ذلك كان منزل العامل بآمل، وجعلها أيضا الحسن بن زيد ومحمد بن زيد دار مقامهما، ومن رساتيق آمل أرم خاست الأعلى وأرم خاست الأسفل والمهروان والأصبهبذ ونامية وطميس، وبين سارية وسلينة على طريق الجبال ثلاثون فرسخا، وبين سارية والمهروان عشرة فراسخ، وبين سارية والبحر ثلاثة فراسخ، وبين جيلان والرويان اثنا عشر فرسخا، وبين آمل وشالوس وهي إلى ناحية الجبال عشرون فرسخا، وطول طبرستان من جرجان إلى الرويان ستة وثلاثون فرسخا، وعرضها عشرون فرسخا، في يد الشكري من ذلك ستة وثلاثون فرسخا في عرض أربعة فراسخ والباقي في أيدي الحروب من الجبال والسفوح، وهو طول ستة وثلاثين فرسخا في عرض ستة عشر فرسخا والعرض من الجبل إلى البحر.

ذكر فتوح طبرستان
وكانت بلاد طبرستان في الحصانة والمنعة على ما هو مشهور من أمرها، وكانت ملوك الفرس يولّونها
رجلا ويسمونه الأصبهبذ فإذا عقدوا له عليها لم يعزلوه عنها حتى يموت فإذا مات أقاموا مكانه ولده إن كان له ولد وإلّا وجّهوا بأصبهبذ آخر، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وفتحت المدن المتّصلة بطبرستان، وكان صاحب طبرستان يصالح على الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة المسلك، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولّى عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، سعيد ابن العاصي الكوفة سنة 29 وولى عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس البصرة فكتب إليهما مرزبان طوس يدعوهما إلى خراسان على أن يملكه عليها من غلب، وخرجا جميعا يريدانها فسبق ابن عامر فغزا سعيد بن العاصي طبرستان ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين، رضي الله عنهما، وقيل:
إن سعيدا غزاها من غير أن يأتيه كتاب أحد بل سار إليها من الكوفة ففتح طميس أو طميسة، وهي قرية، وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم بغليّة وافية فكان يؤدّيها الى المسلمين، وافتتح أيضا من طبرستان الرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالا، فلما ولي معاوية ولّى مصقلة بن هبيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة فسار إليها ومعه عشرون ألف رجل فأوغل في البلد يسبي ويقتل فلما تجاوز المضايق والعقاب أخذها عليه وعلى جيشه العدوّ عند انصرافه للخروج ودهدهوا عليه الحجارة والصخور من الجبال فهلك أكثر ذلك الجيش وهلك مصقلة فضرب الناس به مثلا فقالوا: لا يكون هذا حتى يرجع مصقلة من طبرستان، فكان المسلمون بعد ذلك إذا غزوا هذه البلاد تحفّظوا وتحذّروا من التوغّل فيها، حتى ولي يزيد بن المهلّب خراسان في أيام سليمان بن عبد الملك وسار حتى أناخ على طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه وقاتله يزيد أياما ثم صالحه على أربعة آلاف ألف درهم وسبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل عام وأربعمائة وقر زعفران وأن يوجّهوا في كل عام أربعمائة رجل على رأس كل رجل ترس وجام فضة ونمرقة حرير، وفتح يزيد الرويان ودنباوند ولم يزل أهل طبرستان يؤدّون هذا الصلح مرة ويمتنعون أخرى إلى أيام مروان بن محمد فإنهم نقضوا ومنعوا ما كانوا يحملونه، فلما ولي السفاح وجّه إليهم عاملا فصالحوه على مال ثم غدروا وقتلوا المسلمين، وذلك في خلافة المنصور، فوجّه المنصور إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلّبي ومعهما مرزوق أبو الخصيب فنزلوا على طبرستان وجرت مدافعات صعب معها بلوغ غرض وضاق عليهم الأمر فواطأ أبو الخصيب خازما وروحا على أن ضرباه وحلقا رأسه ولحيته ليوقع الحيلة على الأصبهبذ فركن إلى ما رأى من سوء حاله واستخصّه حتى أعمل الحيلة وملك البلد، وكان عمرو بن العلاء الذي يقول فيه بشّار بن برد:
إذا أيقظتك حروب العدى ... فنبّه لها عمرا ثمّ نم
جزّارا من أهل الريّ فجمع جمعا وقاتل الديلم فأبلى بلاء حسنا فأوفده جهور بن مرار العجلي إلى المنصور فقوّده وجعل له منزلة وتراقت به الأمور حتى ولي طبرستان واستشهد في خلافة المهدي، ثم افتتح موسى بن حفص بن عمرو بن العلاء ومازيار بن قارن جبال شروين من طبرستان، وهي من أمنع الجبال وأصعبها، وذلك في أيام المأمون، فولّى المأمون عند ذلك بلاد طبرستان المازيار وسماه محمدا وجعل له مرتبة الأصبهبذ، فلم يزل واليا عليها حتى توفي المأمون واستخلف المعتصم فأقرّه عليها ولم يعزله فأقام على الطاعة مدة ثم غدر وخالف وذلك بعد ست
سنين من خلافة المعتصم فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر وهو عامله على المشرق خراسان والريّ وقومس وجرجان يأمره بمحاربته، فوجّه إليه عبد الله الحسن ابن الحسين في جماعة من رجال خراسان ووجّه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب في جماعة من الجند، فلما قصدته العساكر خرج إلى الحسن بن الحسين بغير عهد ولا عقد فأخذه وحمله إلى سرّ من رأى في سنة 225 فضرب بالسياط بين يدي المعتصم حتى مات وصلب بسرّ من رأى مع بابك الخرّمي على العقبة التي بحضرة مجلس الشّرطة وتقلد عبد الله بن طاهر طبرستان، وكان ممن ذكرنا جماعة من الولاة من قبل بني العباس لم يكن منهم حادثة ولم يتحقق أيضا عندنا وقت ولاية كل واحد منهم، ثم وليها بعد عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله وخلفه عليها أخوه سليمان بن عبد الله بن طاهر فخرج عليه الحسن ابن زيد العلوي الحسني في سنة 249 فأخرجه عنها وغلب عليها إلى أن مات وقام مقامه أخوه محمد بن زيد، وقد ذكرت قصة هؤلاء الزيدية في كتاب المبدإ والمآل مشبعا على نسق، وقال عليّ بن زين الطبري كاتب المازيار وكان حكيما فاضلا له تصانيف في الأدب والطب والحكمة، قال: كان في طبرستان طائر يسمونه ككم يظهر في أيام الربيع فإذا ظهر تبعه جنس من العصافير موشّاة الريش فيخدمه كل يوم واحد منها نهاره أجمع يجيئه بالغذاء ويزقّه به فإذا كان في آخر النهار وثب على ذلك العصفور فأكله حتى إذا أصبح وصاح جاءه آخر من تلك العصافير فكان معه على ما ذكرنا فإذا أمسى أكله فلا يزال على هذا مدة أيام الربيع فإذا زال الربيع فقد هو وسائر أشكاله وكذلك أيضا ذلك الجنس من العصافير فلا يرى شيء من الجميع إلى قابل في ذلك الوقت، وهو طائر في قدر الفاختة وذنبه مثل ذنب الببغاء وفي منسره تعقيف، هكذا وجدته وحققته.

هلء

الْهَاء وَاللَّام والهمزة

أهْلُ الرجل: عشيرته وذوو قرباه، وَالْجمع أهْلون وآهالٌ، وأَهال، وأهَلاتٌ، قَالَ المخبل: وهُمْ أهَلاتٌ حَوْلَ قَيْسِ بنِ عاصِمٍ ... إِذا أدَلجُوا بالليلِ يَدْعونَ كَوْثَرَا

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا: أهْلاتٌ، فخففوا، شبهوها بصعبات، حَيْثُ كَانَ أهْلٌ مُذَكّر تدخله الْوَاو وَالنُّون، فَلَمَّا جَاءَ مؤنثه كمؤنث صَعب فعل بِهِ كَمَا فعل بمؤنث صَعب.

واتَّهل الرجل: اتخذ أَهلا، أنْشد ابْن الْأَعرَابِي:

فِي دارَةٍ تُقْسَم الأزْوادُ بَينَهُمُ ... كأنَّما أهْلُنا مِنْهَا الَّذِي اتَّهَلا

هَكَذَا أنْشدهُ بقلب الْيَاء تَاء، ثمَّ إدغامها فِي التَّاء الثَّانِيَة، وَهَذَا كَمَا حكى من قَوْلهم: " اتَّمَنْتُه " وَإِلَّا فَحكمه الْهَمْز أَو التَّخْفِيف القياسي، أَي كَأَن أهْلَنا أهلُه عِنْده، أَي مثلهم فِيمَا يرَاهُ لَهُم من الْحق.

وأهلُ الْمَذْهَب: من يدين بِهِ.

وأهلُ الْأَمر: ولاته.

وأهلُ الْبَيْت: سكانه.

وأهلُ بَيت النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزوَاجه وَبنَاته وصهره، اعني عليا عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: نسَاء النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرِّجَال الَّذين هم آله. وَفِي التَّنْزِيل: (إِنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبُ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ) الْقِرَاءَة " أهل " بِالنّصب على الْمَدْح، كَمَا قَالَ: بك الله نرجو الْفضل، وسبحانك الله الْعَظِيم، وعَلى النداء، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا أهْلَ الْبَيْت، وَقَوله تَعَالَى لنوح عَلَيْهِ السَّلَام: (إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ) قَالَ الزّجاج: أَرَادَ لَيْسَ من أهلِك الَّذين وعدتك أَن أنجيتهم، قَالَ: وَيجوز أَن يكون: لَيْسَ من أهل دينك.

وأهْلُ كل نَبِي: أمته.

وكل شَيْء من الدَّوَابّ ألف الْمنَازل، أَهْلِيٌّ، وأَهِلٌ وأَهِلٌ الْأَخِيرَة على النّسَب.

وَمَكَان مَأْهول وَقد جَاءَ أُهِلَ: قَالَ العجاج:

قَفْرَ بْنِ هَذَا ثمَّ ذَا لم يُؤْهَلِ

وَقَوْلهمْ فِي الدُّعَاء: مرْحَبًا وأهْلاً، أَي أتيت أهْلا لَا غرباء فاستأنس وَلَا تستوحش.

وأَهَّلَ بِهِ: قَالَ لَهُ: أهْلاً. وأَهِلَ بِهِ: أنس.

وَهُوَ أَهْلٌ لكذا، أَي مستوجب لَهُ، الْوَاحِد والجميع فِي ذَلِك سَوَاء، وعَلى هَذَا قَالُوا: المُلك لله أهْلِ الْملك.

وأهَّلَه لذَلِك الْأَمر وآهَلَه: رَآهُ لَهُ أَهْلاً.

واستَأهَلَه: استوجبه، وكرهها بَعضهم.

وأهْلُ الرجل وأهْلَتُه: زوجه.

وأَهَل الرجل يَأهِلُ ويَأهُل أهْلاً وأُهولا، وتَأهَّل: تزوج.

وآهَلَك الله فِي الْجنَّة: زوَّجك فِيهَا وأدخلكها.

وآلُ الرجل: أهلُه.

وَآل الله وَآل رَسُوله: أولياؤه، أَصْلهَا أهل، ثمَّ أبدلت الْهَاء همزَة، فَصَارَت فِي التَّقْدِير أَأْلٌ، فَلَمَّا توالت الهمزتان أبدلوا الثَّانِيَة ألفا، كَمَا قَالُوا: آدم وَآخر، وَفِي الْفِعْل آمن وآزر، فَإِن قيل: وَلم زعمت أَنهم قلبوا الْهَاء همزَة، ثمَّ قلبوها فِيمَا بعد، وَمَا أنْكرت من أَن يكون قلبوا الْهَاء ألفا فِي أول الْحَال؟ فَالْجَوَاب أَن الْهَاء لم تقلب ألفا فِي غير هَذَا الْموضع، فيقاس هَذَا هُنَا عَلَيْهِ. فعلى هَذَا أبدلت الْهَاء همزَة، ثمَّ أبدلت الْهمزَة ألفا، وَأَيْضًا فالألف لَو كَانَت منقلبة عَن غير الْهمزَة المنقلبة عَن الْهَاء على مَا قدمْنَاهُ لجَاز أَن تسْتَعْمل آل فِي كل مَوضِع يسْتَعْمل فِيهِ أهل، وَلَو كَانَت ألف آل بَدَلا من هَاء أهل لقيل: انْصَرف إِلَى آلك، كَمَا يُقَال: انْصَرف إِلَى أهلك، وآلك وَاللَّيْل كَمَا يُقَال: اهلك وَاللَّيْل، فَلَمَّا كَانُوا يخصون بالآل الْأَشْرَف الْأَخَص دون الشَّائِع الْأَعَمّ حَتَّى لَا يُقَال إِلَّا فِي نَحْو قَوْلهم: الْقُرَّاء آل الله، واللهم صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد (وقَالَ رجُلٌ مُؤْمنٌ منْ آلِ فِرْعَوْنَ) وَكَذَلِكَ مَا أنْشدهُ أَبُو الْعَبَّاس للفرزدق:

نَجَوْتَ ولمْ يَمْنُنْ علَيكَ طَلاقَةً ... سِوَى رَبِذِ التَّقْرِيبِ من آلِ أعْوَجا

لِأَن أَعْوَج فِيهِ: فرس مَشْهُور عِنْد الْعَرَب، فَلذَلِك قَالَ: آل أَعْوَج، وَلَا يُقَال: آل الْخياط، كَمَا يُقَال: أهل الْخياط، وَلَا آل الإسكاف، كَمَا يُقَال: أهل الإسكاف، دلّ على أَن الْألف لَيست فِيهِ بَدَلا من الأَصْل، إِنَّمَا هِيَ بدل مِمَّا هُوَ بدل من الأَصْل، فجرت فِي ذَلِك مجْرى التَّاء فِي الْقسم، لِأَنَّهَا بدل من الْوَاو فِيهِ، وَالْوَاو فِيهِ بدل من الْبَاء، فَلَمَّا كَانَت التَّاء فِيهِ بَدَلا من بدل وَكَانَت فرع الْفَرْع اخْتصّت بأشرف الْأَسْمَاء وأشهرها وَهُوَ اسْم الله، فَلذَلِك لم تقل: تزيد وَلَا تالبيت، كَمَا لم تقل: آل الإسكاف: وَلَا آل الْخياط، فَإِن قلت: فقد قَالَ بشر:

لَعَمْرُكَ مَا يَطْلُبنَ مِن آلِ نِعْمَةٍ ... ولكِنما يَطْلُبنَ قَيْسا ويَشْكُراَ

فقد أَضَافَهُ إِلَى نعْمَة، وَهِي نكرَة غير مَخْصُوصَة، وَلَا مشرفة فَإِن هَذَا بَيت شَاذ، هَذَا كُله قَول ابْن جني، قَالَ: وَالَّذِي الْعَمَل عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ، وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش، فَإِن قلت: أَلَسْت تزْعم أَن الْوَاو فِي وَالله بدل من الْبَاء فِي بِاللَّه، وَأَنت لَو أضمرت لم تقل: " وه " كَمَا تَقول: " بِهِ لَأَفْعَلَنَّ " فقد تَجِد أَيْضا بعض الْبَدَل مِنْهُ فِي كل مَوضِع، فَمَا تنكر أَيْضا أَن تكون الْألف فِي آل بَدَلا من الْهَاء وَإِن كَانَ لَا يَقع جَمِيع مواقع أهل، فَالْجَوَاب أَن الْفرق بَينهمَا أَن الْوَاو لم تمْتَنع من وُقُوعهَا فِي جَمِيع مواقع الْبَاء من حَيْثُ امْتنع وُقُوع آل فِي جَمِيع مواقع أهل، وَذَلِكَ أَن الْإِضْمَار يرد الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا فِي كثير من الْمَوَاضِع، أَلا ترى أَن من قَالَ: أَعطيتكُم درهما، فَحذف الْوَاو الَّتِي كَانَت بعد الْمِيم وأسكن الْمِيم، فَإِنَّهُ إِذا أضمر الدِّرْهَم قَالَ: أعطيتكموه، فَرد الْوَاو لأجل اتِّصَال الْكَلِمَة بالمضمر، فَأَما مَا حَكَاهُ يُونُس من قَول بَعضهم: أعطيتكمه فشاذ، لَا يُقَاس عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أَصْحَابنَا، فَلذَلِك جَازَ أَن يَقُول: بهم لأقعدن، وَبِك لأنطلقن، وَلم يجز أَن يَقُول: " وك " وَلَا " وه "، بل كَانَ هَذَا فِي الْوَاو أَحْرَى، لِأَنَّهَا حرف مُنْفَرد، فضعف عَن الْقُوَّة وَعَن تصرف الْبَاء الَّتِي هِيَ أصل، أنشدنا أَبُو عَليّ قَالَ: أنْشد أَبُو زيد:

رأى بَرْقاً فأوضَعَ فَوْقَ بَكْرٍ ... فَلا بِكَ مَا أسالَ وَلَا أغامَا

وأنشدنا أَيْضا عَنهُ:

أَلا نادَتْ أُمامَةُ باحْتِمالِ ... لِتَحْزُنَنِي فَلا بِكَ مَا أُبالي

وَأَنت مُمْتَنع من اسْتِعْمَال آل فِي غير الْأَشْهر الْأَخَص، وَسَوَاء فِي ذَلِك أضفته إِلَى مظهر أَو أضفته إِلَى مُضْمر. فَإِن قيل: أَلَسْت تزْعم أَن التَّاء فِي تولج بدل من وَاو، وَأَن أَصله وولج، لِأَنَّهُ فوعل من الولوج، ثمَّ إِنَّك مَعَ ذَلِك قد تجدهم أبدلوا الدَّال من هَذِه التَّاء، فَقَالُوا: دولج، وَأَنت مَعَ ذَلِك تَقول: دولج فِي جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي تَقول فِيهَا: تولج، وَإِن كَانَت الدَّال مَعَ ذَلِك بَدَلا من التَّاء الَّتِي هِيَ بدل من الْوَاو. فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن هَذِه مغالطة من السَّائِل، وَذَلِكَ انه إِنَّمَا كَانَ يطرد هَذَا لَهُ لَو كَانُوا يَقُولُونَ: وولج ودولج، فيستعملون دولجا فِي جَمِيع أَمَاكِن وولج، فَهَذَا لعمري لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ لَهُ بِهِ تعلق، وَكَانَت تحتسب زِيَادَة، فَأَما وهم لَا يَقُولُونَ وولج الْبَتَّةَ، كَرَاهِيَة اجْتِمَاع الواوين فِي أول الْكَلِمَة، وَإِنَّمَا قَالُوا: تولج، ثمَّ أبدلوا الدَّال من التَّاء المبدلة من الْوَاو فَقَالُوا: دولج، فَإِنَّمَا استعملوا الدَّال مَكَان التَّاء الَّتِي هِيَ فِي الْمرتبَة قبلهَا تَلِيهَا، وَلم يستعملوا الدَّال مَوضِع الْوَاو الَّتِي هِيَ الأَصْل، فَصَارَ إِبْدَال الدَّال من التَّاء فِي هَذَا الْموضع كإبدال الْهمزَة من الْوَاو فِي نَحْو أُقِّتَتْ، وأُجوهٌ، لقربها مِنْهَا، وَأَنه لَا منزلَة بَينهمَا وَاسِطَة.

وَكَذَلِكَ لَو عَارض معَارض بهُنَيْهة، تَصْغِير هَنَة، فَقَالَ: أَلَسْت تزْعم أَن أَصْلهَا هُنَيْوَة، ثمَّ صَارَت هُنَيَّة، ثمَّ صَارَت هُنَيْهَة، وَأَنت تَقول: هُنَيْهَة فِي كل مَوضِع تَقول فِيهِ هُنَيَّة، كَانَ الْجَواب وَاحِدًا كَالَّذي قبله، أَلا ترى أَن هُنَيْوَة الَّذِي هُوَ أصل لَا ينْطق بِهِ وَلَا يسْتَعْمل الْبَتَّةَ، فَجرى ذَلِك مجْرى وولج فِي رفضه وَترك اسْتِعْمَاله، فَهَذَا كُله يُؤَكد عنْدك أَن امْتِنَاعه من اسْتِعْمَال آل فِي جَمِيع مواقع أهل إِنَّمَا هُوَ لِأَن فِيهِ بَدَلا من بدل، كَمَا كَانَت التَّاء فِي الْقسم بَدَلا من بدل.

والإهالةُ: مَا أذبت من الشَّحْم، وَقيل: الإهالة: الشَّحْم وَالزَّيْت، وَقيل: كل دُهْنٍ ائتدم بِهِ إهالةٌ.

واستَأْهَلَ: أَخذ الإهالَة، أنْشد ابْن قُتَيْبَة:

لَا بَلْ كُلِي يَا أُمَّ واستَأْهِلي ... إنَّ الذِي أنْفَقْتُ مِنْ مالِيَهْ

سعي

(س ع ي) : (السَّعْيُ) الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَبِالْمَرَّةِ مِنْهُ سُمِّيَ وَالِدُ ثَعْلَبَةَ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ (سَعْيَةَ) وَبِالنُّونِ زَيْدُ بْنُ (سَعْنَةَ) وَالْيَاءُ فِيهِ تَصْحِيفٌ كَانَ مِنْ الْأَحْبَارِ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ.
س ع ي: (سَعَى) يَسْعَى (سَعْيًا) أَيْ عَدَا. وَكَذَا إِذَا عَمِلَ وَكَسَبَ. وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا عَلَى قَوْمٍ فَهُوَ (سَاعٍ) عَلَيْهِمْ. وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي (سُعَاةِ) الصَّدَقَةِ. يُقَالُ: سَعَى عَلَيْهَا أَيْ عَمِلَ عَلَيْهَا وَهُمُ (السُّعَاةُ) . وَ (الْمَسْعَاةُ) وَاحِدَةُ الْمَسَاعِي فِي الْكَرَمِ وَالْجُودِ. وَ (سَعَى) بِهِ إِلَى الْوَالِي (سِعَايَةً) وَشَى بِهِ وَ (سَعَى) الْمُكَاتِبُ فِي عِتْقِ رَقَبَتِهِ (سِعَايَةً) أَيْضًا وَ (اسْتَسْعَيْتُ) الْعَبْدَ فِي قِيمَتِهِ. 
س ع ي

سعى إلى المسجد. وهو يسعى إلى الغاية، وتساعوا إليها. وساعيته: سعيت معه.

ومن المجاز: هو يسعى على عياله: يكسب لهم ويقوم بمصالحهم. قال قيس بن الأسلت:

أسعى على جل بني مالك ... كل امريء في شأنه ساع

وهو من أهل المساعي وهي المكارم، وهل مسعاة جميلة. وسعى العيد في قيمته سعاية، واستسعاه سيده. وسعى به إلى السلطان: وشى به سعاية. وهو ساع من السعاة. وسعى على قومه سعاية. وبعث على السعاية وهي العمل على الصدقات. وأسعاه السلطان عليهم وعلى صدقاتهم. وأمة فلان مساعية: زانية، وكان الإماء يساعين في الجاهلية، وفلان يساعي اماء: يزانيهن.

سعي


سَعَى(n. ac. سَعْي)
a. Went along; walked; hastened, ran.
b. [Ila], Went, repaired, betook himself to.
c. [Fī], Worked, laboured; busied himself about.
d. [La], Worked for; applied himself to, busied himself
with.
e.(n. ac. سِعَاْيَة), Collected the poor-rate.
f. [Bi & Ila], Calumniated, slandered .... to; libelled to;
informed against, denounced to.
سَاْعَيَa. Competed, contended with.

أَسْعَيَa. Made to work, to labour.
b. [Bi], Sought for, wanted, desired.
c. [Bi], Satisfied.
إِسْتَسْعَيَa. Made to work out his own freedom (slave).

سَعْىa. Career, course.
b. Effort, exertion.
c. Cooperation.

سَعْوَة []
a. Wax candle.

سِعْوa. Portion of time.

مَسْعًى [] (pl.
مَسَاعٍ [] )
a. Course, career.
b. Effort, exertion; endeavour.
c. Avocation.

سَاعٍ (pl.
سُعَاة [] )
a. Runner; courier, messenger.
b. Inspector, superintendent.
c. Chief, headman.
d. Slanderer, calumniator; informer.

سِعَايَة []
a. Detraction, slander.
b. Labour imposed on a slave, whereby he emancipates
himself.
س ع ي : سَعَى الرَّجُلُ عَلَى الصَّدَقَةِ يَسْعَى سَعْيًا عَمِلَ فِي أَخْذِهَا مِنْ أَرْبَابِهَا وَسَعَى فِي مَشْيِهِ هَرْوَلَ وَسَعَى إلَى الصَّلَاةِ ذَهَبَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَأَصْلُ السَّعْيِ التَّصَرُّفُ فِي كُلِّ عَمَلٍ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] أَيْ إلَّا مَا عَمِلَ وَسَعَى عَلَى الْقَوْمِ وَلِيَ عَلَيْهِمْ وَسَعَى بِهِ إلَى الْوَالِي وَشَى بِهِ وَسَعَى الْمُكَاتَبُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ سِعَايَةً وَهُوَ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِيَتَخَلَّصَ بِهِ وَاسْتَسْعَيْتُهُ
فِي قِيمَتِهِ طَلَبْتُ مِنْهُ السَّعْيَ وَالْفَاعِلُ سَاعٍ وَإِذَا أُطْلِقَ السَّاعِي انْصَرَفَ إلَى عَامِلِ الصَّدَقَةِ وَالْجَمْعُ سُعَاةٌ. 
(س ع ي)

السَّعْيُ: عَدو دون الشد، سَعَى يَسْعَى سَعْيا.

والسَّعْيُ: الْقَصْد، وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى (فاسْعوْا إلىَ ذِكْرِ الله) وَلَيْسَ من السَّعْيِ الَّذِي هُوَ الْعَدو، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود (فامْضُوا إِلَى ذِكْرِ الله) وَقَالَ: لَو كَانَت فَاسْعَوْا لسعيت حَتَّى يسْقط رِدَائي.

والسَّعْيُ: الْكسْب، وكل عمل من خير أَو شَرّ: سَعْيٌ. وَالْفِعْل كالفعل. وَفِي التَّنْزِيل (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) .

وسَعَى لَهُم وَعَلَيْهِم: عمل لَهُم وَكسب.

وأسْعَى غَيره: جعله يَسْعَى، وَقد روى بَيت أبي خرَاش:

أبْلِغْ عليًّا أطالَ اللهُ ذُلَّهُمُ ... إِن البُكَيرَ الذِي أسْعَوْا بِهِ هَمَلُ

أسْعَوْا وأشْعَوْا.

وَقَوله تَعَالَى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أَي أدْرك مَعَه الْعَمَل: قَالَ الزّجاج: يُقَال إِنَّه كَانَ قد بلغ فِي ذَلِك الْوَقْت ثَلَاث عشرَة سنة.

والمَسْعاةُ: المكرمة والمعلاة فِي أَنْوَاع الْمجد.

ساعاهُ فَسَعاهُ - يَسْعِيه: أَي كَانَ أسعى مِنْهُ وسَعَى الْمُصدق سِعايةً: مَشى لأخذ الصَّدَقَة فقبضها من الْمُصدق قَالَ:

سَعَى عِقالاً فَلم يَترُكْ لَنا سَبَداً ... فَكيف لَو قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقالَينِ

وسَعَى عَلَيْهَا كعمل عَلَيْهَا، وَقد تقدم.

وسعى بِهِ يَسْعى سِعايةً: وشى.

واستَسْعَى العَبْد: كلفه من الْعَمَل مَا يُؤَدِّي بِهِ عَن نَفسه إِذا أُعتق بعضه ليعتق بِهِ مَا بَقِي. والسِّعايَةُ: مَا كُلف من ذَلِك.

وسَعَتِ الْأمة: بَغت.

وساعَى الْأمة: طلبَهَا للبغاء، وَعم ثَعْلَب بِهِ الأمَةَ والحرة، وَأنْشد للأعشى:

ومِثِلكِ خَوْدٍ بادنٍ قَدْ طَلَبْتُها ... وساعَيْتُ مَعْصِياًّ إلَيْها وُشاتُها

وَقيل: لَا تكون المساعاةُ إِلَّا فِي الْإِمَاء وخصصن بالمُساعاةِ دون الْحَرَائِر لِأَنَّهُنَّ كن يسعين على مواليهن فيكسبن لَهُم بضرائب كَانَت عَلَيْهِنَّ.

وسَعْيَا - مَقْصُور - اسْم مَوضِع، قَالَ ابْن جني: سَعْيَا من الشاذ عِنْدِي عَن الْقيَاس نَظَائِره، وَقِيَاسه سَعْوَى، وَذَلِكَ أَن فَعْلى إِذا كَانَت اسْما مِمَّا لامه يَاء فَإِن ياءه تقلب واوا للْفرق بَين الِاسْم وَالصّفة، وَذَلِكَ نَحْو الشَّروى والبقوى والتَّقوى. فَسَعْيَا إِذا شاذَّة فِي خُرُوجهَا على الأَصْل كَمَا شذت القصوى وحزوى. وَقَوْلهمْ خُذ الْحَلْوَى وأعطه المُرَّى، على انه قد يجوز أَن تكون سَعْيَا فَعْلَلاً من سَعَيْتُ إِلَّا انه لم يصرفهُ لِأَنَّهُ علقه على الْموضع علما مؤنثا.

وسِعْيَا لُغَة فِي شِعْيَا، وَهُوَ اسْم نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل.
سعي
سعَى/ سعَى إلى/ سعَى في/ سعَى لـ1 يَسعَى، اسْعَ، سَعْيًا، فهو ساعٍ، والمفعول مَسْعِيٌّ إليه
• سعَى الشَّخصُ:
1 - جدّ ونشط " {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} - {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} ".
2 - مشى وذهب بسرعة، أسرع الخُطى " {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} ".
• سعَى الشَّخصُ/ سعَى الشَّخصُ إلى الشَّيء/ سعَى الشَّخصُ للشَّيء:
1 - قصده وطلبه "سعى إلى الحصول على حقوقه- سعَى لِطَلب العِلْم: اهتمّ بتحصيله- سعى وراء الترقية" ° خابَ سَعْيُه: لم ينجح في مسعاه، فاته ما
 طلب- سعى إلى حتفه بظلفه: تصرّف تصرفًا ألحق الضّررَ به.
2 - ذهب ومشى إليه بسرعة "سعى إلى الصلاة- {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} ".
• سعَى الشَّخصُ/ سعَى الشَّخصُ في الشَّيء/ سعَى الشَّخصُ للشَّيء: عمله وكسبه "سعى لعياله: كسب لهم- كلُّ امرئٍ في شأنه ساعٍ- {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}: لا ينفع أحدًا عملُ أحد" ° سعَى بيديه ورجليه: اجتهد وبذل أقصى جهده- سعَى في الأرض فسادًا: حرّك الفتنةَ ونشر الفسادَ- سعى في الخير: أصلح.
• سعَتِ الحيَّةُ: زحفت " {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} ".
• سعَى في حاجة أخيه: تسبّب له في قضائها.
• سعَى بين الصَّفا والمروة: هرول، مشى وتردّد بينهما. 

سعَى بـ/ سعَى لـ2 يَسعَى، اسْعَ، سَعْيًا وسِعايةً، فهو ساعٍ، والمفعول مَسْعيٌّ به
• سعَى بفلانٍ: وشى به، نمّ عليه "ألقت به سعاية أعدائه في السجن". 

تساعى إلى يتساعى، تساعَ، تَساعيًا، فهو مُتَساعٍ، والمفعول مُتساعًى إليه
• تساعوا إلى الشَّيء: تسابقوا إليه "تساعى الناسُ إلى عمل الخير". 

ساعٍ [مفرد]: ج ساعُون وسُعاة:
1 - اسم فاعل من سعَى بـ/ سعَى لـ2 وسعَى/ سعَى إلى/ سعَى في/ سعَى لـ1.
2 - موزِّع البريد والخطابات ونحوهما "حمل السّاعي إلينا رسالة مهمّة- ساعي البريد".
3 - موظّف في المصالح والإدارات ينقل المراسلات بين المكاتب ويحضر الطلبات "قام الساعي بترتيب المكاتب وتنظيفها" ° ساعي المكتب: صبيُّه وخادمه. 

سِعاية [مفرد]:
1 - مصدر سعَى بـ/ سعَى لـ2.
2 - وشاية أو نميمة مغرضة "ألقت به سِعايَةُ أعدائِه في السّجن". 

سَعْي [مفرد]:
1 - مصدر سعَى بـ/ سعَى لـ2 وسعَى/ سعَى إلى/ سعَى في/ سعَى لـ1.
2 - سنُّ السّعي والعمل " {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ} ".
3 - عَدْو أو مَشْي على الأرجل " {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} ".
• السَّعي بين الصَّفا والمروة: (فق) من مناسك الحجّ، وهو عبارة عن سبعة أشواط يسعى فيها الحاج بين الصفا والمروة. 

مَساعٍ [جمع]: مف مَسْعًى: مكارم ° المساعي الحميدة: وساطة وديَّة تقوم بها حكومة أو أفرد محايدة بين دولتين متنازعتين أو متحاربتين بغية التوفيق بينهما، أو توسط لإزالة الخلاف بطريقة سلميّة. 

مَسْعًى [مفرد]: ج مَساعٍ:
1 - مصدر ميميّ من سعَى بـ/ سعَى لـ2 وسعَى/ سعَى إلى/ سعَى في/ سعَى لـ1: "قام بمسْعًى لدى فلان- أسفرت المساعي عن وقف الحرب" ° حبط مسعاهُ: فشل وذهب سُدًى- أهل المساعي: أصحاب المكارم.
2 - اسم مكان من سعَى/ سعَى إلى/ سعَى في/ سعَى لـ1: "مَسْعى الحجّاج والمعتمرين بين الصفا والمروة".
3 - توسُّط وشفاعة ° المساعي الحميدة: وساطة ودِّيَّة تقوم بها حكومة أو (حكومات) محايدة بين دولتين متنازعتين أو متحاربتين بغية التوفيق بينهما، أو توسّط لإزالة الخلاف بطريقة سلميّة. 
سعي
: (ي) أَشارَ لَهُ بالياءِ وأَوْرَدَ فِيهِ مَا هُوَ بالواوِ؛ فالصَّوابُ أَن يُشارَ لَهُ بالحرفَيْن كَمَا سَيَأْتي.
(} سَعَى) الرَّجُلُ ( {يَسْعَى} سَعْياً، كرَعَى) يَرْعَى رَعْياً: إِذا (قَصَدَ) ؛ وَبِه فُسِّر قَوْله تَعَالَى: { {فاسْعَوْا إِلَى ذكْرِ اللَّهِ} ، أَي فاقْصِدُوا.
وقَرَأَ ابنُ مَسْعود: فامْضُوا.
(و) سَعَى لَهُم وَعَلَيْهِم: (عَمِلَ) لَهُم فكَسَبَ.
(و) سَعَى: إِذا (مَشَى) ، زادَ الرَّاغبُ بسُرْعَة.
وَمِنْه: أَخَذَ} السَّعي بينَ الصَّفا والمروَةِ.
(و) سَعَى: إِذا (عَدَا) ، وَهُوَ دُونَ الشَّدِّ وفَوْق المَشْي.
وقيلَ: السَّعْيُ الجَرْيُ والاضْطِرابُ، كلُّ ذلكَ ذكره ابنُ الأَعرابيِّ.
(و) سَعَى بِهِ: إِذا (نَمَّ) بِهِ ووَشَى إِلَى الوَالِي، ويكونُ مَصْدرُه وحينَئِذٍ {السِّعايَة؛ وَهُوَ مجازٌ.
(و) سَعَى: إِذا (كَسَبَ) ؛ وكلُّ عَمَلٍ مِن خَيْرٍ أَو شَرَ سَعْيٌ؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لتُجْزَى كلُّ نَفْسٍ بمَا} تَسْعَى} ، أَي تكْسَبُ.
وَمِنْه المَثَلُ: المَرْءُ! يَسْعَى لغارية أَي: يكْسب لبطنه وفرجه، وَقَالَ الراعب: أصل السَّعْي الْمَشْي. يَسْتَعمل السَّعْي فِي الأفْعالِ المَحْمودَةِ.
(و) {سَعَى المُصَدِّق (} سِعايَةً) ، بالكسْرِ: (باشَرَ عَمَلَ الصَّدَقاتِ) ومَشَى لأَخْذِها فقَبَضَها مِن المُصَدِّق، فَهُوَ {ساعٍ، والجَمْعُ سُعاةٌ.
وَفِي الصِّحاحِ: وكلُّ مَنْ وَليَ شَيْئا على قَوْمٍ فَهُوَ} ساعٍ عَلَيْهِم؛ وأَكْثَر مَا يقالُ ذلكَ فِي وُلاةِ الصَّدَقةِ، يقالُ: سَعَى عَلَيْهَا أَي عَمِلَ عَلَيْهَا، وهم {السُّعاةُ؛ قَالَ عَمْرُو بنُ عَدَّاء:
سَعَى عِقالاً فلَمْ يَتْرُكْ لنا سَبَداً
فكَيْفَ لَوْ قَد سَعَى عَمْرٌ وعِقالَيْنِ؟ (و) } سَعَتِ (الأَمَةُ) {تَسْعَى} سَعْياً: (بَغَتْ.
( {وسَاعَاها) } مُساعاةً: (طَلَبَها للبِغاءِ) ؛ عَمَّ بِهِ ثَعْلَبٌ فِي الحرَّةِ والأَمَة.
وَقَالَ الجوهريُّ: هُوَ فِي الإماءِ خاصَّةً بخِلافِ الزِّنا والعَهَرِ، فإنَّهما يكونَانِ فِي الحُرَّة وَفِي الأَمَةِ.
وَفِي الحديثِ: (إمَاءٌ {ساعَيْنَ فِي الجاهِلِيَّة) ؛ وأُتِيَ عُمَرُ برجُلٍ} ساَعى أَمَةً؛ اه.
وقيلَ: {مُساعاةُ المرْأَةِ أَنْ يَضْربَ عَلَيْهَا مالِكُها ضَريبَةً تُؤَدِّيها بالزِّنا.
وَفِي الحديثِ: (لَا مُساعاةَ فِي الإِسْلامِ، ومَنْ} ساعَى فِي الجاهِلِيَّةِ فقد لَحِقَ بعَصَبَتِه) .
قالَ ابنُ الْأَثِير: هُوَ مُفاعَلَةٌ مِن {السَّعْي، كأَنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا} يَسْعَى لصاحِبِه فِي حُصُولِ غَرَضِه.
( {وأَسْعاهُ: جَعَلَهُ} يَسْعَى) ، أَي يكسبُ.
( {والمَسْعاةُ: المَكْرَمَةُ والمَعْلاةُ فِي أَنْواعِ المَجْدِ؛ وغَلِطَ الجوهريُّ فقالَ بَدَلَ فِي الكَرَمِ فِي الكَلاَمِ) ، ونصّه:} والمَسْعاةُ واحِدَةُ! المَساعِي فِي الكَلامِ والجودِ، هَكَذَا هُوَ فِي سائِرِ نسخِ الكتابِ.
قالَ شيْخُنا: ذَكَرَ البَدْر الدماميني والتقيُّ الشمنيّ أنَّ فِي نسختهما مِن الصِّحاحِ الكَرَم فَلَا اعْتِراضَ، ومِثْله فِي كَلامِ السَّمين على المُغْني، وكَذلِكَ فِي أَصْلِنا الصَّحِيح،؛ والمصنِّفُ كثيرا مَا يَبْنِي اعْترِاضَاتِهِ على الجوهريُّ على تَصْحيفِ نسْختِه.
قُلْتُ: الحقُّ الَّذِي لَا يُصَار عَنهُ أنَّ نسخَ الصِّحاح كَلَّها فِيهَا الكَلام بَدَل الكَرَم، فَمن ذلكَ نسْخَتنا الَّتِي عَلَيْهَا المعوَّل بمِصْرَ، وَهِي نسْخَة وَقْف الأَمير يَزْبك، رحِمَهُ الله تَعَالَى المُصَحَّحة على نسْخَة ياقوت، وَهَكَذَا وُجِدَ بخطِّ المصنِّف، وَقد سَبَقَه إِلَى ذلكَ الصَّاغانيُّ فِي التَّكملةِ فإنَّه هَكَذَا وجدَ فِي نسْخةِ الصِّحاحِ عِنْده واعْتَرَض عَلَيْهِ بِمَا قالَهُ المصنِّف، وَمَا وجدَ فِيهَا لَفْظُ الكَرَم، فإنَّما هُوَ مُصْلح فيمَا بَعْد، فالحقُّ مَعَ المصنِّفِ إلاَّ أَن يقالَ إنَّ مثْلَ هَذَا يُنْسَبُ فِيهِ السَّهْو للقَلَم، فجلّ مَنْ لَا يَسْهو.
( {واسْتَسْعَى العَبْدَ) : إِذا (كَلَّفَهُ مِن العَمَلِ مَا يُؤَدِّي بِهِ عَن نفْسِه إِذا عتق بعضُه ليَعْتِقَ بِهِ مَا بَقِي.
(} والسِّعايَةُ، بالكسْر: مَا كُلِّفَ من ذَلِك) .
وَفِي الصِّحاح: سَعَى المُكاتَبُ فِي عِتْقِ رَقَبَتِه {سِعايَةً واسْتَسْعَيْت لَهُ العَبْدَ فِي قِيمَتِه؛ اه.
وَفِي الحديثِ: (إِذا عتق بعضُ العَبْدِ فَإِن لم يَكُنْ لَهُ مالٌ} اسْتُسْعِي غيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) .
قالَ ابنُ الْأَثِير: إِذا عَتَقَ بعضُه ورَقَّ بعضُه {يَسْعَى فِي فَكاكِ مَا بَقِي مِن رِقِّه فيَعْملَ ويكسِبَ ويَصْرفَ ثَمَنه إِلَى مَوْلاه، فسُمِّي تصرُّفه فِي كَسْبه} سِعايةً.
(! وسَعْيَا بنُ أَمِصيَا: نَبِيٌّ) مِن أَنْبياءِ بَنِي إسْرائِيل بُعِثَ بَعْدَ مُوسَى، (بَشَّرَ بعِيسَى، عَلَيْهِ) وَعَلَيْهِمَا (السَّلامُ) وعَلى نبيِّنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ ابنُ عبَّاد: هُوَ آخِرُ نَبيَ مِن بَني إسْرائِيل؛ (والشِّيْن لُغَةٌ) فِيهِ كَمَا سَيَأْتي.
(و) {سَعْيَا: (ع) ؛ كَمَا فِي المُحْكم.
وقالَ نَصْر: هُوَ وادٍ بتهامَةَ قُرْبَ مكَّةَ أَسْفَله لكِنانَةَ، وأَعْلاهُ لهُذَيْل.
وقالَ أَبُو عليَ فِي بابِ فَعْلَى: وَقَالُوا فِي اسْمِ مَوْضِع سَعْيَا، قالَ: وَفِيه عِنْدي تَأَوِيلان، أَحَدُهما: أَن يكونَ سُمِّي بوَصْفٍ، أَو يكونَ هَذَا من بابِ فُعلى كالقُصْوى فِي بابهِ فِي الشذوذِ، وَهَذَا كأَنَّه أَشْبَه، لأنَّ الأَعْلامَ تُغيّر كَثيراً عَن أَحْوالِ نَظائِرِها، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَه كُلّه مِن الياءِ.
(و) أمَّا مِن الواوِ فقَوْلُهم: (} السِّعْوَةُ، بالكسْر السَّاعَةُ) مِن اللَّيْلِ كَمَا فِي المُحْكم إلاَّ أَنَّه ضَبَطَه بالفَتْحِ وَفِي الصِّحاحِ والتَّهْذيب {السِّعْو بغيرِ هاءٍ بالكسرِ (كالسِّعْواءِ بالكسرِ والضمِّ) ، الضمُّ عَن ابنِ الأعْرابيّ نقلَهُ الصَّاغانيُّ.
واقْتَصَرَ الجوهريُّ والأَزْهريُّ وابنُ سِيدَه على الكسْرِ. يقالُ: مَضَى مِن اللَّيْل} سَعْوٌ {وسِعْواءُ؛ وقيلَ: السِّعواءُ مُذَكَّرُ؛ وقيلَ: السِّعْواءُ فَوْقَ الساعَةِ مِن اللّيْلِ، وَكَذَا فِي النَّهارِ. وكنَّا عنْدَه فِي} سِعْوَاوَات مِن اللّيْل والنَّهارِ؛ كَمَا فِي التَّهْذيب.
(و) {السِّعْوَةُ، بِالْكَسْرِ: (المرأَةُ البَذِيَّةُ الخالعَةُ) ، كَذَا فِي النُّسخِ والصَّوابُ الجالعَةُ، بالجيمِ، وَهِي أيْضاً العِلْقَةُ والسِّلْقَةُ.
وَفِي نَصّ ابنِ الأعْرابيِّ: هِيَ} سِعْوَةٌ، بِلا لامٍ.
(و) السَّعْوَةُ، (بالفتْحِ: السمعة) ؛ كَذَا فِي النُّسخ والصَّوابُ بالشِّيْنِ المعْجمِة؛ كَذلكَ نَصّ ابْن الأَعْرابي؛ جَمعُها السَّعْوُ؛ هَكَذَا هُوَ فِي لُغَةٍ؛ وكَذلكَ السَّوْعَةُ. (و) سَعْوَةٌ: (اسمُ) رجُلٍ.
إِلَى هُنَا كُلُّه مِن الواوِ.
ثمَّ ذَكَرَ مِن الياءِ فقالَ:
( {والسَّاعِي: الوالِي على أَيِّ أَمْرٍ وقومٍ كانَ) .
وعِبارَةُ الصِّحاح: كلُّ مَنْ وَليَ شَيْئا على قوْمٍ فَهُوَ} ساعٍ عَلَيْهِم، والجَمْعُ السّعاةُ.
(و) {الساعِي (لليَهُود والنَّصارَى: رَئِيسُهم) الَّذِي يَصْدرُون عَن رأْيهِ وَلَا يَقْضونَ أَمْراً دونَه؛ وبالمَعْنَيَيْن فُسِّرَ حديثُ حذيفَةَ فِي الأمانَةِ: (وَإِن كانَ يَهُودِيّاً أَو نَصْرانِيّاً ليَرُدَّنَهُ عليَّ} ساعِيهِ) .
( {والسَّعاةُ) ، بالفَتْحِ: (التَّصَرُّفُ) فِي المَعاشِ والكَسْبِ؛ ونَظِيرُها النَّجاةُ والفَلاةُ من فَلاهُ أَي فَطَمه.
وَمِنْه المَثَلُ: شَغَلَتْ} سَعاتِي جَدْوايَ؛ أَوْرَدَه الحرِيري فِي مَقامَاتِه، يُضْرَبُ لمَنْ شِيمَتُه الكَرَم وَهُوَ مُعْدَمٌ، أَي شَغَلَتْني أُمُورِي عَن الناسِ والإفْضالِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: شَعابي بالشِّيْن المعْجمةِ تَصْحِيف وَقَعَ فِي كثيرٍ مِن النسخِ.
( {وسَعْيَةُ: عَلَمٌ للعَنْزِ) ، وتُدْعَى للحَلْبِ فيُقالُ:} سَعَىَ {سَعْيَهْ) .
(} والسُّعاوِيُّ، بالضمِ: الصَّبُورُ على السَّهَرِ والسَّفَرِ) ، أَي هُوَ كثيرُ السَّعْي والحرَكَةِ والاضْطِرابِ.
( {وأَسْعَوْا بِهِ) : إِذا (أطلبوه، بقَطْعِ هَمْزَتِهما) ، نَقَلَهُ الصَّاغاني.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
} السَّعْيُ الحرَكَةُ والاضْطِرابُ فِي المَعاشِ والاجْتِهادِ.
وَقَوله تَعَالَى: {فلمَّا بَلَغَ مَعَه السَّعْيَ} ، أَي أَدْرَكَ مَعَه العَمَلَ. وقيلَ: أَطاقَ أَنْ يُعِينَه على عَمَلِه، وكانَ لَهُ يومئذٍ ثَلَاث عشْرَةَ سنة.
{وسَاعاني فلانٌ} فسعيته {أسعيه إِذا غلبته، وَمِنْه حديثُ عليَ فِي ذمِّ الدُّنْيا: (مَنْ} سَاعَاها فاتَتْهُ) ، أَي مَنْ سابَقَها.
{وسَعَى بِهِ إِلَى الوَالِي: وشَى بِهِ؛ وَمِنْه الحديثُ: (} السَّاعِي لغَيْرِ رِشْدَةٍ) ، أَي ليسَ بوَلَد حَلالٍ.
وَفِي حديثِ كَعْبٍ: (السَّاعِي مُثَلِّثٌ) ، أَي يُهْلِك {بسِعايَتِه: نَفْسُه،} والمَسْعيُّ بِهِ، والسُّلْطانُ.
{والسُّعاةُ: أَصْحابُ الحَمالاتِ لحَقْنِ الدِّماءِ وإطْفاءِ الثَّائِرة، سُمُّوا بذلكَ} لسَعْيِهم فِي إصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ.
{والسَّاعِي: البَريدُ.
ومَضَى} سَعْوٌ مِن اللّيْل، بالفتْح ويُكْسَر.
{وسَعْوَةٌ، بالفتْحِ: أَي قِطْعَةٌ مِنْهُ.
وَفِي حديثِ وائِلِ بنِ حجرِ: (إنَّ وائِلاً} يُسْتَسْعَى ويَتَرَفَّلُ على الأَقْيالِ) ، أَي يُسْتَعْمل على الصَّدَقاتِ ويَتولَّى اسْتِخْراجَها مِن أَرْبابِها.
وأَبو سليطٍ {سَعْيَةُ الشَّعْبَانِي، شَهِدَ فتْحَ مِصْر، وابْنُه سليطُ بنُ سَعْيَةَ عَن أَبيهِ، وَعنهُ مُوسَى بنُ أَيُّوب، وثَعْلبَةُ وأَسِيدُ ابْنا سعيَةَ اللذانِ أَسْلَما.
والحافِظُ أَبو بكْرٍ البَرْقيّ هُوَ محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ عبدِ الرحيمِ بنِ سَعْيَةَ، وأَخُو أَحمدَ أَبو بكْرٍ صاحِبُ التارِيخِ، وأَخُوهما عبدُ الرحيمِ رَاوِي السِّيرةِ عَن ابنِ هِشامٍ.
وأَبو مَنْصور محمدُ بنُ عبدِ العَزيزِ بنِ محمدِ بنِ مُوسَى بنِ سَعْيَةَ الأصْبهانيُّ عَن ابنِ فارِسَ والعسَّال.
وأُمُّ المُؤْمِنين صفيَّةُ بنتُ حُيَي بنِ أخْطَب بنِ سَعْيَةَ.
وإسْماعيلُ بنُ صَفْوان بنِ قَيْسِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ سَعْيَةَ القُضَاعيُّ شاعِرٌ.
} وسَعْيَةُ بنُ عَرِيض أَخُو السَّمَوْأل، شاعِرٌ.
وسَعْيَةُ بنْتُ بِشْرِ بنِ سُلَيْمان رَوَتْ عَن أَبِيها. {وَسَعْوَى: مَوْضِعٌ.
} وأَسْعَى على صَدَقاتِهم: اسْتَعْمل عَلَيْهِم ساعِياً، نقلَهُ الصَّاغاني.

حَبَرَ 

(حَبَرَ) الْحَاءُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُنْقَاسٌ مُطَّرِدٌ، وَهُوَ الْأَثَرُ فِي حُسْنٍ وَبَهَاءٍ. فَالْحَبَارُ: الْأَثَرُ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ فَرَسًا:

وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَهَا الْبَيْطَارُ ... وَلَا لِحَبْلَيْهِ بِهَا حَبَارُ

ثُمَّ يَتَشَعَّبُ هَذَا فَيُقَالُ لِلَّذِي يُكْتَبُ بِهِ حِبْرٌ، وَلِلَّذِي يَكْتُبُ بِالْحِبْرِ حِبْرٌ وَحَبْرٌ، وَهُوَ الْعَالِمُ، وَجَمْعُهُ أَحْبَارٌ. وَالْحَبْرُ: الْجَمَالُ وَالْبَهَاءُ. وَيُقَالُ ذُو حِبْرٍ وَسِبْرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَ حِبْرُهُ وَسِبْرُهُ ".» وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

لَبِسْنَا حِبْرَهُ حَتَّى اقْتُضِينَا ... لِأَعْمَالٍ وَآجَالٍ قُضِينَا

وَالْمُحَبَّرُ: الشَّيْءُ الْمُزَيَّنُ. وَكَانَ يُقَالُ لِطُفَيْلٍ الْغَنَوِيِّ مُحَبِّرٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحَبِّرُ الشَّعْرَ وَيُزَيِّنُهُ.

وَقَدْ يَجِيءُ فِي غَيْرِ الْحُسْنِ أَيْضًا قِيَاسًا. فَيَقُولُونَ حَبِرُ الرَّجُلُ، إِذَا كَانَ بِجَلْدِهِ قُرُوحٌ فَبَرِئَتْ وَبَقِيَتْ لَهَا آثَارٌ. وَالْحِبْرُ: صُفْرَةٌ تَعْلُو الْأَسْنَانَ. وَثَوْبٌ حَبِيرٌ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ: جَدِيدٌ حَسَنٌ. وَالْحَبْرَةُ: الْفَرَحُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] ، وَيُقَالُ قِدْحٌ مُحَبَّرٌ، أُجِيدَ بَرْيُهُ. وَأَرْضٌ مِحْبَارٌ: سَرِيعَةُ النَّبَاتِ. وَالْحَبِيرُ مِنَ السَّحَابِ: الْكَثِيرُ الْمَاءِ.

وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: مَا فِيهِ حَبَرْبَرٌ، أَيْ شَيْءٌ. وَالْحُبَارَى: طَائِرٌ وَيَقُولُونَ: " مَاتَ فُلَانٌ كَمَدَ الْحُبَارَى " وَذَلِكَ أَنَّهَا تُلْقِي رِيشَهَا مَعَ إِلْقَاءِ سَائِرِ الطَّيْرِ رِيشَهُ، وَيُبْطِئُ نَبَاتُ رِيشِهَا. فَإِذَا طَارَ الطَّيْرُ وَلَمْ تَقْدِرْ هِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ مَاتَتْ كَمَدًا. قَالَ: وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الْحُبَارَى ... إِذَا ظَعَنَتْ هُنَيْدَةُ أَوْ مُلِمُّ

أَيْ مُقَارِبٌ. وَقَالَ الرَّاعِي فِي الْحُبَارَى:

حَلَفْتُ لَهُمْ لَا يَحْسَبُونَ شَتِيمَتِي ... بِعَيْنَيْ حُبَارَى فِي حِبَالَةِ مُعْزِبِ

رَأَتْ رَجُلًا يَسْعَى إِلَيْهَا فَحَمْلَقَتْ ... إِلَيْهِ بِمَأْقَيْ عَيْنِهَا الْمُــتَقَلِّبِ

تَنُوشُ بِرِجْلَيْهَا وَقَدْ بَلَّ رِيشَهَا ... رَشَاشٌ كَغِسْلِ الْوَفْرَةِ. . .

الْمُعْزِبُ: الصَّائِدُ ; لِأَنَّهُ لَا يَأْوِي إِلَى أَهْلِهِ. وَحَمْلَقَتْ: قَلَبَتْ حِمْلَاقَ عَيْنِهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ شَتْمَكُمْ إِيَّايَ لَا يَذْهَبُ بَاطِلًا، فَأَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْحُبَارَى الَّتِي لَا حِيلَةَ عِنْدَهَا إِذَا وَقَعَتْ فِي الْحِبَالَةِ إِلَّا تَقْلِيبُ عَيْنِهَا. وَهِيَ مِنْ أَذَلِّ الطَّيْرِ. وَتَنُوشُ بِرِجْلَيْهَا: تَضْرِبُ بِهِمَا. وَالْغِسْلُ: الْخِطْمِيُّ. يُرِيدُ سَلَحَتْ عَلَى رِيشِهَا. وَمَثَلُهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

وَعِيدَ الْحُبَارَى مِنْ بَعِيدٍ تَنَفَّشَتْ ... لِأَزْرَقَ مَعْلُولِ الْأَظَافِيرِ بِالْخَضْبِ

اللِّوَى

اللِّوَى:
بالكسر، وفتح الواو، والقصر، وهو في الأصل منقطع الرملة، يقال: قد ألويتم فانزلوا إذا بلغوا منقطع الرمل، وهو أيضا موضع بعينه قد أكثرت الشعراء من ذكره وخلّطت بين ذلك اللوى والرمل فعزّ الفصل بينهما: وهو واد من أودية بني سليم، ويوم اللوى: وقعة كانت فيه لبني ثعلبة على بني يربوع، ومما يدل على أنه واد قول بعض العرب:
لقد هاج لي شوقا بكاء حمامة ... ببطن اللوى ورقاء تصدع بالفجر
هتوف تبكّي ساق حرّ ولا ترى ... لها عبرة يوما على خدّها تجري
تغنّت بصوت فاستجاب لصوتها ... نوائح بالأصناف من فنن السدر
وأسعدنها بالنوح حتى كأنما ... شربن سلافا من معتّقة الخمر
دعتهنّ مطراب العشيّات والضّحى ... بصوت يهيج المستهام على الذكر
يجاوبن لحنا في الغصون كأنها ... نوائح ميت يلتدمن على قبر
فقلت: لقد هيّجن صبّا متيّما ... حزينا وما منهنّ واحدة تدري
وقال نصيب:
وقد كانت الأيام، إذ نحن باللوى، ... تحسّن لي لو دام ذاك التحسن
ولكنّ دهرا بعد دهر تقلبّــت ... بنا من نواحيه ظهور وأبطن

هَلَّ 

(هَلَّ) الْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ صَوْتٍ، ثُمَّ يُتَوَسَّعُ فِيهِ فَيُسَمَّى الشَّيْءُ الَّذِي يُصَوَّتُ عِنْدَهُ بِبَعْضِ أَلْفَاظِ الْهَاءِ وَاللَّامِ. ثُمَّ يُشَبَّهُ بِهَذَا الْمُسَمَّى غَيْرُهُ فَيُسَمَّى بِهِ.

وَالْأَصْلُ قَوْلأَهَلَّ بِالْحَجِّ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صَارِخًا: صَوَّتَ عِنْدَ وِلَادِهِ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ فِي الْإِهْلَالِ:

يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا ... كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ

وَيُقَالُ: انْهَلَّ الْمَطَرُ فِي شِدَّةِ صَوْبِهِ وَصَوْتِهِ انْهِلَالًا.

وَأَمَّا الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى هَذَا لِلْقُرْبِ وَالْجِوَارِ فَالْهِلَالُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، سُمِّيَ بِهِ لِإِهْلَالِ النَّاسِ عِنْدَ نَظَرِهِمْ إِلَيْهِ مُكَبِّرِينَ وَدَاعِينَ. وَيُسَمَّى هِلَالًا أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ. يُقَالُ أَهَلَّ الْهِلَالُ وَاسْتُهِلَّ. ثُمَّ قِيلَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ تَهَلَّلَ السَّحَابُ بِبَرَقِهِ: تَلَأْلَأَ، كَأَنَّ الْبَرْقَ شُبِّهَ بِالْهِلَالِ.

وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْضًا الْهِلَالُ: سِنَانٌ لَهُ شُعْبَتَانِ. وَالْهِلَالُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي أَسْفَلِ الرَّكِيِّ. وَالْهِلَالُ أَيْضًا: ضَرْبٌ مِنَ الْحَيَّاتِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: إِلَيْكَ ابْتَذَلْنَا كُلَّ وَهْمٍ كَأَنَّهُ ... هِلَالٌ بَدَا فِي رَمْضَةٍ يَــتَقَلَّبُ

وَيَقُولُونَ: الْهِلَالُ: سَلْخُ الْحَيَّةِ. وَالْهِلَالُ: طَرَفُ الرَّحَى إِذَا انْكَسَرَ مِنْهَا. وَيَقُولُونَ: ثَوْبٌ هَلْهَلٌ: سَخِيفُ النَّسْجِ، كَأَنَّهُ فِي رِقَّتِهِ ضَوْءُ الْهِلَالِ. وَشِعْرٌ هَلْهَلٌ: رَقِيقٌ. وَسُمِّيَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ رَبِيعَةَ مُهَلْهِلًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ رَقَّقَ الشِّعْرَ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ سُمِّيَ مُهَلْهِلًا بِقَوْلِهِ:

لَمَّا تَوَعَّرَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْتُ أَثْأَرُ جَابِرًا أَوْ صِنْبِلَا

وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ إِدْرَاكَهُ صَوَّتَ مُتَدَارِكًا. وَيُقَالُ الْهُلَاهِلُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ فِي جَرَيَانِهِ صَوْتًا ; وَهُوَ [فِي] الْأَصْلِ هُرَاهِرُ. وَالْهِلَالُ: مَا يَضُمُّ بَيْنَ حِنْوَيِ الرَّحْلَ، وَالْجَمْعُ أَهِلَّةٌ.

وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ: حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى قِرْنِهِ ثُمَّ هَلَّلَ، إِذَا أَحْجَمَ. فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:

وَلَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَلَكِنْ وَدِيقَةٌ ... يَظَلُّ بِهَا السَّارِي يُهِلُّ وَيَنْقَعُ وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ: هَلَا: قِرِي، صَوْتٌ يُصَوَّتُ بِهِ لَهَا.

مَرَغَ 

(مَرَغَ) الْمِيمُ وَالرَّاءُ وَالْغَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى سَيَلَانِ شَيْءٍ أَوْ إِسَالَةِ شَيْءٍ. وَالْمَرْغُ: اللُّعَابُ. وَأَمْرَغَ الْإِنْسَانُ: سَالَ لُعَابُهُ. وَمَرَّغْتُ الشَّيْءَ: أَشْبَعْتُهُ دُهْنًا. وَالْإِمْرَاغُ فِي الْعَجِينِ: أَنْ يُكَثَّرَ مَاؤُهُ. وَيَقُولُونَ: أَمْرَغَ: أَكْثَرَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ صَوَابٍ، كَأَنَّهُ يُسِيلُهُ إِسَالَةً. وَيُقَالُ أَمْرَغَ عِرْضَهُ وَمَرَّغَهُ، كَأَنَّهُ لَطَخَهُ وَأَسَالَ عَلَيْهِ قَيْحًا.

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ مَرَّغْتُهُ فِي التُّرَابِ فَتَمَرَّغَ، أَيْ قَلَّبْتُهُ فَــتَقَلَّبَ

مَلَّ 

(مَلَّ) الْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى تَقْلِيبِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ عَلَى غَرَضٍ مِنَ الشَّيْءِ.

فَالْأَوَّلُ مَلَلْتُ الْخُبْزَةَ فِي النَّارِ أَمُلُّهَا مَلًّا، وَذَلِكَ تَقْلِيبُكَ إِيَّاهَا فِيهَا. وَالْمَلَّةُ: الرَّمَادُ أَوِ التُّرَابُ الْحَارُّ. وَيُقَالُ: أَطْعَمَنَا خُبْزَ مَلَّةٍ وَخُبْزَةً مَلِيلًا. وَالْمُلْمُولُ: الْمِيلُ: لِأَنَّهُ يُقَلَّبُ فِي الْعَيْنِ عِنْدَ الْكَحْلِ.

وَمِنَ الْبَابِ طَرِيقٌ مُمَلٌّ: سُلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْلَمًا. قَالَ:

رَفَعْنَاهَا ذَمِيلًا فِي ... مُمَلٍّ مُعْمَلٍ لَحْبِ

وَالْمَلِيلَةُ: حُمَّى فِي الْعِظَامِ: كَأَنَّهَا تُقَلِّبُ. وَبَاتَ يَتَمَلْمَلُ عَلَى فِرَاشِهِ، أَيْ يَقْلَقُ وَيَتَضَوَّرُ عَلَيْهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ عَلَى مَلَّةٍ ; وَالْأَصْلُ يَتَمَلَّلُ.

وَمِنَ الْبَابِ امْتَلَّ يَعْدُو، وَذَلِكَ إِذَا أَسْرَعَ بَعْضَ الْإِسْرَاعِ. وَالْبَابُ الْآخَرُ مَلِلْتُهُ أَمَلُّهُ مَلَلًا وَمَلَالَةً: سَئِمْتُهُ. وَأَمْلَلْتُ الْقَوْمَ: شَقَقْتَ عَلَيْهِمْ حَتَّى مَلُّوا ; وَكَذَا أَمْلَلْتُ عَلَيْهِمْ.

فَأَمَّا إِمْلَالُ الْكِتَابِ وَتَفْسِيرُ الْمَلَّةِ فَقَدْ ذُكِرَتَا فِي الْمِيمِ وَاللَّامِ وَالْحَرْفِ الْمُعْتَلِّ.

قَلَبَ 

(قَلَبَ) الْقَافُ وَاللَّامُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى خَالِصِ شَيْءٍ وَشَرِيفِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ. فَالْأَوَّلُ الْقَلْبُ: قَلْبُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، سُمِّيَ لِأَنَّهُ أَخْلَصُ شَيْءٍ فِيهِ وَأَرْفَعُهُ. وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَشْرَفُهُ قَلْبُهُ. وَيَقُولُونَ: عَرَبِيٌّ قَُلْبٌ. قَالَ:

[فَلَا] تُكْثِرُوا فِيهَا الضَّجَاجَ فَإِنَّنِي ... تَخَيَّرْتُهَا مِنْهُمْ زُبَيْرِيَّةً قَُلْبَا

وَالْقُلَابُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْبَعِيرَ فَيَشْتَكِي قَلْبَهُ. وَالْقُلْبُ مِنَ الْأَسْوِرَةِ: مَا كَانَ قَلْبًا وَاحِدًا لَا يُلْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَهُوَ تَشْبِيهٌ بِقَلْبِ النَّخْلَةِ. ثُمَّ شُبِّهَ الْحَيَّةُ بِالْقُلْبِ مِنَ الْحَلْيِ فَسُمِّيَ قُلْبًا. وَالْقَلْبُ: نَجْمٌ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَلْبُ الْعَقْرَبِ. [وَ] قَلَبْتُ النَّخْلَةَ: نَزَعْتُ قَلْبَهَا. وَالْأَصْلُ الْآخَرُ قَلَبْتُ الثَّوْبَ قَلْبًا. وَالْقَلَبُ: انْقِلَابُ الشَّفَةِ، وَهِيَ قَلْبَاءُ وَصَاحِبُهَا أَقْلَبُ. وَقَلَبْتُ الشَّيْءَ: كَبَبْتُهُ، وَقَلَّبْتُهُ بِيَدِي تَقْلِيبًا. وَيُقَالُ: أَقْلَبَتِ الْخُبْزَةُ، إِذَا حَانَ لَهَا أَنْ تُقْلَبَ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بِهِ قَلْبَةٌ، قَالُوا: مَعْنَاهُ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ يُقْلَبُ لَهَا فَيُنْظَرُ إِلَيْهِ. وَأَنْشَدُوا:

وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَهَا بَيْطَارُ ... وَلَا لِحَبَلَيْهِ بِهَا حُبَارُ

أَيْ لَمْ يُقَلِّبْ قَوَائِمَهَا مِنْ عِلَّةٍ بِهَا. وَالْقَلِيبُ: الْبِئْرُ قَبْلَ أَنْ تُطْوَى; وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ قَلِيبًا لِأَنَّهَا كَالشَّيْءِ يُقْلَبُ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، وَكَانَتْ أَرْضًا فَلَمَّا حُفِرَتْ صَارَ تُرَابُهَا كَأَنَّهُ قَلْبٌ. فَإِذَا طُوِيَتْ فَهِيَ الطَّوِيُّ. وَلَفْظُ الْقَلِيبِ مُذَكَّرٌ. وَالْحُوَّلُ الْقَلْبِ: الَّذِي يُقَلِّبُ الْأُمُورَ وَيَحْتَالُ لَهَا. وَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاحِدٌ. فَأَمَّا الْقِلِّيبُ وَالْقِلَّوْبُ فَيُقَالُ إِنَّهُ الذِّئْبُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَيُقَالُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِــتَقَلُّبِــهِ فِي طَلَبِ مَأْكَلِهِ. قَالَ:

أَيَا جَحْمَتَا بَكِّي عَلَى أُمِّ عَامِرٍ ... أَكِيلَةِ قِلَّوْبٍ بِإِحْدَى الْمَذَانِبِ.

ضَوَرَ 

(ضَوَرَ) الضَّادُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أُصَيْلٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ بَعْضُ الْإِبْدَالِ. فَالتَّضَوُّرُ: الصِّيَاحُ وَالتَّلَوِّي عِنْدَ الضَّرْبِ. وَيُقَالُ: هُوَ الــتَّقَلُّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ. وَيُقَالُ الضَّوْرُ: الْجُوعُ الشَّدِيدُ.

وَأَمَّا الْإِبْدَالُ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا يَضُورُنِي كَذَا، بِمَنْزِلَةِ لَا يَضِيرُنِي. وَرَجُلٌ ضُورَةٌ: ذَلِيلٌ، مِنْ هَذَا.

صَمَى 

(صَمَى) الصَّادُ وَالْمِيمُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى السُّرْعَةِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمُبَادِرِ إِلَى الْقِتَالِ شَجَاعَةً: هُوَ صَمَيَانٌ. وَهُوَ مِنَ الصَّمَيَانِ، وَهُوَ الْوَثْبُ وَالــتَّقَلُّبُ. وَيُقَالُ: انْصَمَى الطَّائِرُ، إِذَا انْقَضَّ. وَيُقَالُ: أَصْمَى الْفَرَسُ، إِذَا مَضَى عَلَى وَجْهِهِ عَاضًّا عَلَى لِجَامِهِ.

وَمِنَ الْبَابِ: رَمَى الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَصْمَى، إِذَا قَتَلَهُ مَكَانَهُ، وَهُوَ خِلَافٌ أَنْمَى.

بءر

بءر


بَأَرَ(n. ac. بَأْر)
a. Dug a well.
b. Hid, concealed; did in secret.

بِئْر (pl.
آبَار)
a. Well.

بَارَة
P. (pl.
بَارَات)
a. Paras (coin).
بَارُوْد
a. Gunpowder.

بَارُوْد أبْيَض
a. Nitre.

بَارُوْدَة (pl.
بَوَاْئِيْرُ)
a. Gun; rifle; musket; fowling-piece.

بَأَز (pl.
بُؤُوْز
بِئْزَان )
P.
a. Falcon; hawk.

بَازِدَار
P. (pl.
بَآرِ4ُ)
a. Falconer.

بَازَار
P.
a. Bazaar, market.

بَازرْكَان
P.
a. Shop-keeper.
ب ء ر : الْبِئْرُ أُنْثَى وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ وَلَهُ جَمْعَانِ لِلْقِلَّةِ أَبْآرٌ سَاكِنُ الْبَاءِ عَلَى أَفْعَالٍ وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبَاءِ وَيَقُولُ أَأْبَارُ فَتَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ فَــتُقْلَبُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا وَالثَّانِي أَبْؤُرٌ مِثْلُ: أَفْلُسٌ قَالَ الْفَرَّاءُ وَيَجُوزُ الْقَلْبُ فَيُقَالُ آبُرٌ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ بِئَارٌ مِثْلُ: كِتَابٍ وَتَصْغِيرُهَا بُؤَيْرَةٌ بِالْهَاءِ وَتُضَافُ بِئْرٌ إلَى مَا يُخَصِّصُهَا فَمِنْهُ بِئْرُ مَعُونَةَ وَسَتَأْتِي فِي معن وَمِنْهُ بِئْرُ حَاءٍ عَلَى لَفْظِ حَرْفِ الْحَاءِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَقْبِلُ الْمَسْجِدِ وَهِيَ الَّتِي وَقَفَهَا أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَمِنْهُ بِئْرُ بُضَاعَةَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضًا. 

بُخَارى

بُخَارى:
بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشّطّ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السامانية، قال بطليموس في كتاب الملحمة: طولها سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، طالعها الأسد تحت عشر درج منه، لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيّوق ثلاث درج، ولها في الدّب الأكبر سبع درج، وقال أبو عون في زيجه: عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع. وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإني تطلّبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمسة عشر يوما، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخا، بينهما بلاد الصغد، وقال صاحب كتاب الصّور: وأما نزهة بلاد ما وراء النهر فإني لم أر ولا بلغني في الإسلام بلدا أحسن خارجا من بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلّا على خضرة متصلة خضرتها بخضرة السماء فكأنّ السماء بها مكبّة خضراء مكبوبة على بساط أخضر تلوح القصور فيما بينها كالنّواوير فيها، وأراضي ضياعهم منعوتة بالاستواء كالمرآة.
وليس بما وراء النهر وخراسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى ولا أكثر عددا على قدرها في المساحة، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن متنزهات الدنيا صغد سمرقند ونهر الأبلّة، وسنصف الصغد في موضعه إن شاء الله تعالى. قال:
فأما بخارى واسمها بومجكث، فهي مدينة على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك ويحيط بهذا البناء من القصور والبساتين والمحالّ والسكك المفترشة والقرى المتصلة سور يكون اثني عشر فرسخا في مثلها يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا ترى في خلال ذلك قفارا ولا خرابا، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التي تعدّ من القصبة، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفا، سور آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين، ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقداره مدينة صغيرة، وفيه قلعة بها مسكن ولاة خراسان من آل سامان، ولها ربض ومسجد الجامع على باب القهندز، وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى ولا أكثر أهلا على قدرها، ولهم في الربض نهر الصغد يشقّ الربض، وهو آخر نهر الصغد، فيفضي إلى طواحين وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء بحذاء بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خاس، ويتخلّلها أنهار أخر، وداخل هذا السور مدن وقرى كثيرة، منها الطواويس، وهي مدينة بومجكث وزندنة وغير ذلك.
أخبرنا الشريف أبو هشام عبد المطلب حدثنا الإمام
العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحكمي حدثنا أبو اليسر إملاء حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصور السياري الحافظ إملاء وذكر إسنادا رفعه إلى حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ستفتح مدينة بخراسان خلف نهر يقال له جيحون تسمّى بخارى، محفوفة بالرحمة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله، وخلفها مدينة يقال لها سمرقند، فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة تحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء، من خلفها تربة يقال لها قطوان، يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كل شهيد في سبعين ألفا من أهل بيته وعترته، قال فقال حذيفة:
لوددت أن أوافق ذلك الزمان فكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الرسول أو المسجد الحرام. وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم، فكان الذهب كالسّلع والعروض، وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها، وكانت سكتها تصاوير، وهي من ضرب الإسلام، وكانت لهم دراهم أخر تسمّى المسيّبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام. ومع ما وصفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمّها الشعراء ووصفوها بالقذارة وظهور النّجس في أزقتها لأنهم لا كنف لهم، فقال لهم أبو الطيّب طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الطاهري:
بخارى من خرا لا شكّ فيه، ... يعزّ بربعها الشيء النظيف
فإن قلت الأمير بها مقيم، ... فذا من فخر مفتخر ضعيف
إذا كان الأمير خرا فقل لي! ... أليس الخرء موضعه الكنيف؟
وقال آخر:
أقمنا في بخارى كارهينا، ... ونخرج إن خرجنا طائعينا
فأخرجنا إله الناس منها، ... فإن عدنا فإنا ظالمونا
وقال محمود بن داود البخاري وقد تلوّث بالسّرجين:
باء بخارى، فاعلمن، زائده ... والألف الوسطى بلا فائده
فهي خرا محض، وسكانها ... كالطير في أقفاصها راكده
وقال أيضا:
ما بلدة مبنية من خرا، ... وأهلها في وسطها دود
تلك بخارى من بخار الخرا، ... يضيع فيها النّدّ والعود
وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب:
فقحة الدّنيا بخارى، ... ولنا فيها اقتحام
ليتها تفسو بنا الآ ... ن، فقد طال المقام
وأما حديث فتحها: فإنه لما مات زياد ابن أبيه، في سنة ثلاث وخمسين، في أيام معاوية فوفد عبيد الله بن زياد على معاوية، فقال له معاوية: من استخلف أخي
على عمله؟ فقال: استخلف خالد بن أسيد على الكوفة وسمرة بن جندب على البصرة، فقال له معاوية:
لو استعملك أبوك لاستعملتك، فقال له: أنشدك الله أن لا يقولها أحد بعدك، لو ولّاك أبوك أو عمّك لولّيتك، فعهد إليه وولّاه ثغر خراسان، وقيل: إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده عبد الرحمن، قال البلاذري:
لما مات زياد استعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، وكان ملك بخارى قد أفضى يومئذ إلى امرأة يسمّونها خاتون، فأتى عبيد الله بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى التّرك تستمدّهم، فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم، وأقبل المسلمون يخرّبون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند، وبينهما فرسخان، وزامين تنسب إلى بيكند ويقال: إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بخارى كلّهم جيّد الرمي بالنّشّاب ففرض لهم العطاء، ثم استعمل معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفّان سنة 55، فقطع النهر، وقيل: إنه أول من قطعه بجنده، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولّى لامرأة من بني رياح، فقال رفيع وأبو العالية رفعة وعلوّ، فلما بلغ خاتون عبوره حملت إليه الصلح، وأقبل أهل الصغد والترك وأهل كشّ ونسف إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألف فالتقوا ببخارى فندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرّهن وأعادت الصلح، ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند كما نذكره في سمرقند. ثم لم يبلغني من خبرها شيء إلى سنة 87 في ولاية قتيبة بن مسلم خراسان، فإنه عبر النهر إلى بخارى فحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى فأحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وسبى منهم خمسين ألف رأس، وفتحها فأصاب بها قدورا يصعد إليها بالسلاليم، ثم مضى منها إلى سمرقند، وهي غزوته الأولى، وصفت بخارى للمسلمين، وينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتّى، منهم: إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه، وبردزبه مجوسيّ أسلم على يد يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو أبو جدّ عبد الله بن محمد المسندي الجعفي، ولذلك قيل للبخاري: الجعفي نسبة إلى ولائهم، صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، رحل في طلب العلم إلى محدّثي الأمصار وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، ومولده سنة 194، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256، وامتحن وتعصّب عليه حتى أخرج من بخارى إلى خرتنك فمات بها، ومنهم: أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس، ثم سكن مصر وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ وتمام بن محمد الرازي وعمن يطول ذكرهم، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال: لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء أريد أن أمضي وأجيء بها، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطّاب: سمع أبو
زكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي وذكر جماعة بعدّة بلاد وقال:
سمع عبد الغني بن سعيد بمصر ودخل الأندلس وبلاد المغرب وكتب بها عن شيوخها ولم يزل يكتب إلى أن مات، وكتب عمن هو دونه، وفي مشايخه كثرة، وكان من الحفاظ الأثبات، عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري: حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءة عليه وأنا أسمع، قال ابن طاهر: وفي هذا نظر، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشّاب، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي:
وفي قول الزنجاني هذا نظر فإنه شهادة على نفي وقد وجدنا ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقري، وكان من الثقات، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة ما سمعنا أن أحدا تكلم فيه، وذكر أبو محمد الأكفاني أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة 461، وقال غيره: سئل عن مولده فقال في شهر ربيع الأول سنة 382، ومنهم: أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا الحكيم البخاري المشهور أمره المقدور قدره صاحب التصانيف، تقلبــت به أحوال أقدمته إلى الجبال فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب همذان، وجرت له أمور وتقلبــت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة 428 عن ثمان وخمسين سنة، وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور فمنسوبان إلى جدهما، وأما أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي البخاري فإنه كان يحرق البخور في جامع المنصور احتسابا، فجعل أهل بغداد البخوريّ بخاريّا وعرف بيته في بغداد ببيت ابن البخاري، قالهما أبو سعد.

بَغْدَادُ

بَغْدَادُ:
أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم الثالث، قال: طالعها السماك الأعزل، بيت حياتها القوس، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت أنا: ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث، وظلّ الظهر بها درجتان، وظل العصر أربع عشرة درجة، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة، في الوجود ثلاثمائة درجة، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد ابن حنبل: بغداد من الصّراة إلى باب التبن، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، يقال لها بغداد، وكذا كانت إذ ذاك، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار، فتحصّن فيها أهلها منه، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان، فعبر المرزبان إليه، فخلا به المثنى وقال له: أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء، فسار حتى وافى السوق صحوة، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار، ووافى معسكره غانما موفورا، وذلك في سنة 13 للهجرة، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور، لم يبلغني غير ذلك.

فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر، وذلك في صيف وحرّ شديد، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال: هذا موضع صالح للبناء، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء، فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد، فإنك تصير بين أربعة طساسيج: طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام، وكان أول العمل في سنة 145، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب، فلما بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
أعاينت في طول من الأرض أو عرض، ... كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، ... وعيش سواها غير خفض ولا غضّ
تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها ... مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض
قضى ربّها أن لا يموت خليفة ... بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي
تنام بها عين الغريب، ولا ترى ... غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض
فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، ... فما أسلفت إلّا الجميل من القرض
وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، ... فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها ... عندي، وسكان بغداد هم الناس
وقال آخر:
بغداد يا دار الملوك ومجتنى ... صوف المنى، يا مستقرّ المنابر
ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، ... ومنبسط الآمال عند المتاجر
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، ... على تقلّبــها في كلّ ما حين
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة ... تندى، ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، ... وخرّشت بين أوراق الرّياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسيّة العين
تستنّ دجلة فيما بينها، فترى ... دهم السّفين تعالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة، ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، ... قصر من الساج عال ذو أساطين
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
أيا بغداد يا أسفي عليك! ... متى يقضى الرجوع لنا إليك؟
قنعنا سالمين بكلّ خير، ... وينعم عيشنا في جانبيك
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي ... مشوق ويحظى بالزيارة زائر
إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه ... على كشف ما ألقى من الهمّ قادر
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
سلام على بغداد من كلّ منزل، ... وحقّ لها منّي السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها، ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ برحبها، ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
أقول وقد جزنا زرود عشيّة، ... وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا
على أهل بغداد السلام، فإنني ... أزيد بسيري عن ديارهم بعدا
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلّة ... ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر
هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها ... بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحّة، ... وماء له طعم ألذّ من الخمر
ودجلتها شطّان قد نظما لنا ... بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر
ثراها كمسك، والمياه كفضّة، ... وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كلّ طيب، ... ومغنى نزهة المتنزّهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ ... عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا، ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدما إليها، وإن عاقت معاذير
وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت ... طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، ... وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو منّي ... سلام ما سجا للعين طرف
وما فارقتها لقلى، ولكن ... تناولني من الحدثان صرف
ألا روح ألا فرج قريب، ... ألا جار من الحدثان كهف
لعلّ زماننا سيعود يوما، ... فيرجع آلف ويسر إلف
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، ... وأيقنت يا بغداد أني على بعد
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض، حتى خطّتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها، ... وسيّرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، ... وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا
وقائلة: لو كان ودّك صادقا ... لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا:
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسّك في النا ... س وأمسى يعدّ في الزّهّاد:
الزم الثغر والتواضع فيه، ... ليس بغداد منزل العبّاد
إن بغداد للملوك محلّ، ... ومناخ للقارئ الصياد
ومن شائع الشعر في ذلك:
بغداد أرض لأهل المال طيّبة، ... وللمفاليس دار الضّنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، ... كأنني مصحف في بيت زنديق
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
زعم الناس أن ليلك يا بغ ... داد ليل يطيب فيه النسيم
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا ... لفها، بالنهار، منك السّموم
وقليل الرّخاء يتّبع الش ... دة، عند الأنام، خطب عظيم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلّها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، وما لهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغ ... داد، مقيما في أرضها، لا أريم
ببلاد فيها الركايا، علي ... هن أكاليل من بعوض تحوم
جوها في الشتاء والصيف دخّا ... ن كثيف، وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفح المس ... ك، إذا ما جرى عليه النسيم
كيف قد أقفرت وحاربها الدّه ... ر، وعين الحياة فيها البوم
نحن كنا سكانها، فانقضى ذا ... لك عنا، وأي شيء يدوم
وقال أيضا:
أطال الهمّ في بغداد ليلي، ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها، على رغمي، مقيما ... كعنّين تعانقه عجوز
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ودّ أهل الزوراء زور، فلا ... تغترر بالوداد من ساكنيها
هي دار السلام حسب، فلا يط ... مع منها، إلّا بما قيل فيها
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلّا سلح، ... إذا اعتراك مطر أو نفح،
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، ... فأصبح لا تبدو لعيني قصورها
وميدانها المذري علينا ترابها ... إذا شحجت أبغالها وحميرها
وقال آخر:
أذمّ بغداد والمقام بها، ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند سكّانها لمختبط ... خير، ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي المقام بينهم ... إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، ... وعمر نوح وصبر أيوب
قوم مواعيدهم مزخرفة ... بزخرف القول والأكاذيب
خلّوا سبيل العلى لغيرهم، ... ونافسوا في الفسوق والحوب
وقال بعض الأعراب:
لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت ... ببغداد يصبح ليله غير راقد
بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون، كأنها ... بغال بريد أرسلت في مذاود
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
ترحّل فما بغداد دار إقامة، ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، ... فكلهم من حلية المجد عاطل
سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم ... يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل
ولا غروان شلّت يد الجود والندى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول
وقال آخر:
كفى حزنا، والحمد لله أنّني ... ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي
أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، ... وآلف قوما لست فيهم براغب
ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، ... ولا أنّ فيها مستفادا لطالب
سأرحل عنها قاليا لسراتها، ... وأتركها ترك الملول المجانب
فإن ألجأتني الحادثات إليهم ... فأير حمار في حرامّ النوائب
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
سقيا لبغداد ورعيا لها، ... ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم، ... كيف أبيحوا جنّة مثلها
وقال آخر:
اخلع ببغداد العذارا، ... ودع التنسّك والوقارا
فلقد بليت بعصبة ... ما إن يرون العار عارا
لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
ألا يا غراب البين ما لك ثاويا ... ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟
ألا إنما بغداد دار بليّة، ... هل الله من سجن البلاد مريح؟
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقى الله غيثا أرض بغداد
أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها ... قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي
بل كلّ ما شئت من علق وزانية ... ومستحدّ وصفعان وقوّاد
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
بغداد دار، طيبها آخذ ... نسيمه مني بأنفاسي
تصلح للموسر لا لامرئ ... يبيت في فقر وإفلاس
لو حلّها قارون ربّ الغنى، ... أصبح ذا همّ ووسواس
هي التي توعد، لكنها ... عاجلة للطاعم الكاسي
حور وولدان ومن كلّ ما ... تطلبه فيها، سوى الناس

موازنات

موازنات
أقصد بعقد هذه الموازنات أن نتبين الدقة القرآنية في تصوير المعنى تصويرا ينقل إلى النفس الفكرة نقلا أمينا، ولكنى لا أريد أن أعقد كل ما يمكن من الموازنات، فذلك ما لم يتيسر لى القيام به إلى اليوم، فضلا عن أنه فوق طاقتى، وكل ما أريده الآن هو عرض ما أمكننى من هذه الموازنات، راجيا أن أوفق إلى الإكثار منها، بقدر ما أستطيعه في قابل الطبعات إن شاء الله.
1 - قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39).
وقال ابن المعتز:
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظفر
وقال أيضا:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وقال أيضا:
انظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا
كمنجل قد صيغ من فضة ... يحصد من زهر الدجى نرجسا
وقال السرىّ الرفاء:
وكأن الهلال نون لجين ... غرّقت في صحيفة زرقاء
وقال أيضا:
ولاح لنا الهلال كشطر طوق ... على لبّات زرقاء اللباس
تتحدث هذه النصوص كلها عن الهلال، ولكى ندرك الفرق في القيمة بين هذه النصوص بعضها وبعض، نتبين معنى كل نص منها، لنرى أيها أدق وأوفى:
أما الآية الكريمة فإنها تتحدث عن تلك التنقلات التى تحدث للقمر بقدرة الله، فبينا هو وليد، إذا به ينمو رويدا رويدا، حتى يصبح بدرا مكتملا، ثم يعود أدراجه، وينقص قليلا قليلا، حتى يعود كعود الكباسة القديم، دقيقا معوجا لا يكاد يرى، ولا يؤبه له، بعد أن كان ملء البصر، وملء الفؤاد، وأنت بذلك ترى أن التشبيه الذى جاء في الآية كان له نصيب في أداء المعنى، ولم يجئ بعد أن استوفى المعنى تمامه، وكان دقيقا أتم دقة، فى أداء المعنى وتصويره كاملا.
أما بيت ابن المعتز الأول، فإن التشبيه الذى أورده لا دخل له أصلا في الفكرة التى يريد نقلها إلى قارئه، فإن كون الهلال مثل قلامة الظفر لا دخل له في أنه كاد يفضحهم، بل على العكس يقلل من شأن الفكرة ويضعفها، فإن هذا الهلال الضئيل الذى يشبه قلامة الظفر، خليق به ألا يكون له أثر ما في تبديد ظلمة الليل المتكاثفة، وخليق به ألا يفضحهم ولا يبين عن مكانهم، وبذلك ترى أن الصلة ليست وثيقة بين شطرى البيت، ولا بين التشبيه والفكرة التى جاء من أجلها.
وفي بيته الثانى سبق أن بينا وجوه النقص فيه ، وتحدثنا عن أن نفاسة المشبّه به لا ترفع من شأن التشبيه، ولا تستر ما فيه من ضعف، وذكرنا أن انتزاع الصورة من
الخيال لا يزيد المشبه وضوحا، ولا يمنحه قوة.
أما بيته الثالث فضعيف متهالك، لم يصور الهلال كما تراه العين، ولا كما تحس به النفس، ففضلا عن غفلة ابن المعتز عما يبعثه الهلال الجديد من آمال جديدة في النفس، ووقوفه عند حد التصوير البصرى لم يوفق في هذا التصوير، فإن الهلال في نظر العين هادئ ساكن، والمنجل في يد الحاصد متحرك في سرعة، فكيف نتخيل الهلال منجلا يحصد، وهو لم يتحرك، ثم ما الصلة بين زهر الدجى وبين النرجس، وكيف يحصد الهلال هذا الزهر، والزهر باق في مكانه لا ينمحى ولا يزول، والعهد بما يحصد أن يتخلى عن مكانه. ومن ذلك ترى نقص التشبيه وقصوره.
واقتصر السّرى الرفاء على التصوير البصرى أيضا ثمّ فاتته الدقة عند ما جعل هذه النون من اللجين غريقة في صحيفة زرقاء، فصور لنفسك أى قدر هذه التى تشبه بها السماء، وتأمل أهناك سبب يدعو إلى جعل هذه النون غريقة في تلك القدر الضخمة؟! فالغريق يعلو، ويهبط، ويبدو، ويختفى، مما لا تراه العين في الهلال الهادى المطمئن.
وانظر، أتجد في بيته الثانى تشبيها زادك شعورا بالهلال عند ما جعله نصف طوق فضلا عن عدم دقته؟! وتأمل أى صلة تربط بين السماء ولبة فتاة تلبس ثيابا زرقاء؟!. وبذلك العرض الموجز تتبين الفرق بين تشبيه القرآن الدقيق المصور وبين تلك التشبيهات الضعيفة العرجاء.
2 - وأطال القدماء في الموازنة بين قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (البقرة 179). وقولهم: «القتل أنفى للقتل». قالوا: وفضله عليه من وجوه:
أولها: أن الآية الكريمة أقل حروفا من كلامهم.
وثانيها: النص على المطلوب وهو ثبوت الحياة، بخلاف قولهم لأنه إنما يدل على المطلوب باللزوم، من جهة أن نفى القتل يستلزم ثبوت الحياة.
وثالثها: أن تنكير حياة يفيد تعظيما لمنعهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد.
ورابعها: اطراده، بخلاف قولهم، فإن القتل ينفى القتل إذا كان على وجه القصاص المشروع، وقد يكون أدعى للقتل، كما إذا وقع ظلما، كقتلهم غير القاتل، وظاهر العبارة يحتمل المعنيين بخلاف القصاص.
وخامسها: أن فيه تكريرا غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر عن أقصى طبقات البلاغة.
وسادسها: استغناؤه عما ذكره أكثر من حذفه، وهو (من) بعد أفعل التفضيل الواقع خبرا.
وسابعها: أن القصاص سبب للموت الذى هو ضد الحياة، فما في الآية ملحق بالطباق.
وثامنها: سلامة الآية الكريمة من لفظ القتل المشعر بالوحشة، وتاسعها ظهور العدل في كلمة القصاص.
3 - وتحدث الشعراء عن الصبح، فقال السرى الرفاء:
انظر إلى الليل، كيف تصدعه ... راية صبح مبيضة العذب
كراهب جن للهوى طربا ... فشق جلبابه من الطرب
وقال الشريف الرضى:
وكأنما أولى الصباح وقد بدا ... فوق الطويلع راكب متلثم
وأذاع بالظلماء فتق واضح ... كالطعنة النجلاء يتبعها دم
وقال أيضا:
وليلة خضتها على عجل ... وصبحها بالظلام معتصم تطلع الفجر من جوانبها ... وانفلتت من عقالها الظلم
وقال أيضا:
والصبح قد أخذت أنامل كفه ... فى كل جيب للظلام مزرر
فكأنما في الغرب راكب أدهم ... يحتثه في الشرق راكب أشقر
وليس كل ذلك الشعر بباعث إلى نفسك الشعور بما في الصبح من يقظة وحياة، كما يبعثه إلى نفسك تلك الكلمة القرآنية المختارة: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).
فإنها تحمل إليك معنى الحياة التى دبت في الكون بعد طول هجوعه، واليقظة التى شملته بعد رقاد وهمود، ويصور لك الوجود، وقد بدأ يفتح عينيه وينهض من سبات، أما هذه الأبيات من الشعر فإنها وقفت تتلمس لهذه الظاهرة الكونية شبيها بصريا، وقد أخفقت جميعها في هذا التصوير البصرى، فشعر السرى الرفاء تلمس للصبح مثيلا، فوجد في الراية ذات العذبات البيض شبيها له، ولا شىء يجمع بين المشبه والمشبه به سوى هذا اللون الأبيض، أما الإحساس النفسى فلا دخل له في الربط بين هذين الطرفين، ثم جعل السرى الليل راهبا، ولا ندرى كيف يدفع الهوى راهبا إلى الجنون وهو راهب، وليت شعرى ما الذى يبدو من الراهب إذا شق ثوبه؟! وإذا كان الراهب أسود اللون فهل يبدو تحت جلبابه سوى السواد، وشق الثوب من مجنون إنما يكون في سرعة لا تمثل ضوء الصباح الزاحف في بطء.
أما شعر الشريف الرضى الأول فقد أجهدت ذهنى في أن أربط صلة بين الصبح والراكب المتلثم، فلم أجد رابطا ذا قيمة يصل بينهما، ولماذا اختار الشاعر الراكب دون الماشى؟ وما لون هذا الراكب؟ وعلى أى شىء يركب؟ وهل الصبح كمتلثم يظل متلثما، ثم يبدى صفحة وجهه دفعة واحدة؟ وما الصورة التى ترتسم في ذهنك لهذا الصبح المتلثم الراكب؟ وهل هيئة الصبح تشبه هيئة راكب متلثم؟ وفيم؟
كل هذه أسئلة تخرج منها بوهن الصلة بين الصبح وهذه الصورة التى يرسمها الشاعر، وفي البيت الثانى يصور لك هذا الصبح، وما فيه من جمال وروعة، تبعث فى النفس حب الجمال لهذه الطبيعة الباسمة المشرقة- صورة دامية بشعة، تثير فى النفس الخوف والألم والنفور، صورة طعنة نجلاء يقطر منها الدم، وسبب ذلك إغفال الجانب النفسى الشعورى من الشاعر عند التشبيه، والوقوف عند حد اللون الذى يربط لون الصبح بتلك الآلة الحادة الطاعنة، وذلك الضوء الأحمر الحى تزجيه الشمس بين يديها، ولون قطرات الدماء، ألا ما أعظم الفرق بين الشعورين! وما أقوى أن يتنافرا، حتى لا يجمع بينهما رباط! وأخطأ الشريف الرضى التوفيق أيضا عند ما وصف الصبح يسفر بعد ظلام الليل، وإن كانت هذه الصورة في بعض نواحيها أضوأ من صاحبتها، عند ما قال:
«تطلع الصبح من جوانبها»، ففي هذا التصوير نوع من الحياة، ولكنه بعيد كل البعد عن أن يصور حياة تكون كما صورتها الآية الكريمة، أما باقى الصورة التى ترسمها الأبيات فقد أخطأت في رسم هذه الظاهرة الطبيعية، فإن الشعر يصور لك أن الصبح لم يلبث أن أطل من الأفق، حتى مضى الليل مسرعا يهرول في جريه، كأنما قد أسفر الصبح ومضى الليل بين غمضة عين وانتباهتها، وذلك تصوير غير دقيق، لأن الليل ينحسر قليلا قليلا عن الصبح، حتى يتم أسفاره، كما أن النهار ينحسر قليلا قليلا، تاركا الكون لظلام الليل، وعبر القرآن عن ذلك في قوله سبحانه: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس 37). فاستخدم كلمة السلخ لتوحى بما ذكرناه.
وعاد في شعره الثالث إلى الراكب، لا يلمح من جمال الصبح وبهجته سوى لونه، ونقدنا لهذا الشعر هو ما سبق أن أوضحناه.
4 - ووصف الرسول كتاب الله، كما وصف الله كتابه في القرآن، فقال النبى:
«إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينة الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أصدق الحديث وأبلغه » وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). وأنت ترى الفرق واضحا بين قوة الكلامين، والمنهجين، والاتجاهين.
5 - وصاغ أبو بكر جملة على مثال الجملة القرآنية، فقال من خطبة له:
«واعلموا أن أكيس الكيس التقى » على مثال قوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (البقرة 197)، ولا ريب أن النص القرآنى، يصور تلك الرحلة التى ينتقل فيها الإنسان من الحياة الدنيا إلى الآخرة، وهى رحلة تنتهى بحياة خالدة يحتاج المرء فيها إلى زاد يعيش عليه، فتصوير التقوى بأنها خير زاد يوحى بذلك كله، كما يوحى بالحاجة إليها، كما يحتاج المسافر إلى ما يتزود به في غربته، ولم تزد جملة أبى بكر على أن وصفت التقوى بأنها أحكم ما يتصف به العقلاء، فلم توح الجملة إلى النفس بما أوحت به جملة القرآن. 6 - ومن كتاب أرسله أبو عبيدة ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب: «إنّا نحذرك يوما تعنو فيه الوجوه وتجب فيه القلوب »، وقد وصف القرآن هذا اليوم، فقال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَــتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (النور 37)، وكلمة «الــتقلب» فى الآية أشد دلالة على ما يصيب القلوب من الفزع والاضطراب في ذلك اليوم، من الوجيب، فضلا عما فى النص القرآنى من خلوصه من تكرير «فيه» الواردة في الرسالة.
7 - وعند ما يتأثر الشاعر القرآن، يبدو الفرق واضحا بين الأصل والتقليد، وأصغ إلى حسان يقول:
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى، وهداة يهتدون بمهتد
أخذه من قوله سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (الرعد 16). فأنت ترى حسان يوازن بين ضلّال وهداة، وليس الفرق بينهما من الوضوح والقوة كالفرق بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، فالفرق هنا واضح ملموس، يشعر به الناس جميعا، حتى إذا اطمأنت النفس إلى هذا الفرق، وآمنت بأن هناك بونا شاسعا بينهما، انتقلت من ذلك إلى تبين مدى ما بين الضال والمهتدى من فرق بعيد.
8 - وقال حسان أيضا في رثاء رسول الله:
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
أخذه من قوله تعالى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة 128). وقوة الآية القرآنية تبدو في إظهار نتيجة الحيد عن الهدى، وهى الهلاك والعذاب، وفي ذلك من التخويف لهم ما فيه، فهو يبرز هذه النتيجة كأنها حقيقة واقعة، تؤلم الرسول، وتثقل عليه، وتبدو هذه القوة أيضا في تعميم الحرص، فهو حريص على هدايتهم، حريص على خيرهم، حريص على أن يظفروا فى الآخرة بالثواب والنعيم المقيم، وكل ذلك وأكثر منه يفهم من قوله: «حريص عليكم»، أما حسان فقد خصص ولم يطلق.
9 - وقال حسان في غزوة بدر:
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلاهمو بغرور، ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن ولاه غرار
وقال: إنى لكم جار، فأوردهم ... شر الموارد، فيه الخزى والعار ثم التقينا، فولوا عن سراتهم ... من منجدين، ومنهم فرقة غاروا
يستوحى ذلك من قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (الأنفال 48). وتأمل التصوير القوى البارع في القرآن لتزيين الشيطان أعمال الكافرين لهم، فإن القرآن قد نقل ذلك الحديث الذى أوحى به الشيطان إلى أوليائه وكيف ملأ قلبهم بالغرور، وهنا يجمل حسان، بينما يفصل القرآن، وفي هذا التفصيل سر الحياة، تلك الحياة التى ترينا الشيطان ناكصا على عقبيه، عند ما تراءت الفئتان، يبرأ من هؤلاء الذين غرهم بخداعه، وأسلمهم إلى الموت بكذبه وإيهامه، وهذه الحياة هى التى تنقص شعر حسان.
10 - وتأمل الفرق في الأسلوب، عند ما حور النابغة الجعدى أسلوب القرآن قليلا، فقال:
الحمد لله، لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
المولج الليل في النهار، وفي اللي ... ل نهارا، يفرج الظلما
فقد حور قوله سبحانه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (الحج 61). فحذف المولج، وتقديم في الليل، وتنكير نهارا، والمجيء بجملة «يفرج الظلما»، كل ذلك أضعف أسلوب الشاعر، وباعد بينه وبين الأسلوب القوى للقرآن.
11 - وخذ قول الشاعر:
فإنك لا تدرى بأية بلدة ... تمت، ولا ما يحدث الله في غد
المستمد من قوله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (لقمان 34)، تر التعميم في الآية الكريمة أكسبها فخامة وقوة، والتعبير بتكسب فيه تصريح بعجز النفس عن أن تعرف ما تعمله هى نفسها في الغد، وذلك ما لا تجده عند الشاعر الذى عمم فيما يحدثه الله في غد، ولم يكن لهذا التعميم ما للتخصيص من قوة التعجيز.
12 - وهذا الشعر الذى ينسب إلى حمزة في غزوة بدر، يتحدث عن الكفار:
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدر
فقال لهم إذ عاين الأمر واضحا: ... برئت إليكم، ما بى اليوم من صبر
فإنى أرى ما لا ترون، وإننى ... أخاف عقاب الله، والله ذو قسر
فقدمهم للحين، حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر وهو يستوحى كحسان قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... (الأنفال 48) فأى فرق شاسع بين الأسلوبين وبين التصويرين، فالأسلوب في الشعر متهاو ضعيف، بينما هو في الآية قوى رائع، يصور الشيطان وقد ملأ أفئدتهم إعجابا بأعمالهم، فاغتروا بها، وتكاد تستمع إلى وسوسته، وهو يؤكد لهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ما دام جارا لهم، وتتخيله موليا الأدبار بعد أن تراءت الفئتان، وبدت أمام عينيه الهزيمة، فيسلم قومه إلى القتل، ويفر غادرا بهم، ويرن فى أذنك براءته منهم، معللا ذلك بأنه يرى ما لا يرون، وبأنه يخاف الله، وفي ذلك التصوير من التهكم بهم ما فيه.
أما الشعر فبيّن الضعف، يصف اللواء بأنه غير محتضر النصر. وقوله: إذ عاين الأمر واضحا، ليس بأسلوب شعرى. والفرق قوى بين: والله شديد العقاب، وقوله:
والله ذو قسر، وأنت ترى أنه برغم أن المعنى قد أوضحه القرآن، لم يستطع الشاعر أن ينهض إلى مستوى رفيع.
... وللباقلانى منهج في الموازنة، يبين به فضل كتاب الله، هو «أن تنظر أولا في نظم القرآن، ثم في شىء من كلام النبى صلّى الله عليه وسلم، فتعرف الفصل بين النظمين، والفرق بين الكلامين، فإن تبين لك الفصل، ووقعت على جلية الأمر، وحقيقة الفرق، فقد أدركت الغرض، وصادفت المقصد، وإن لم تفهم الفرق، ولم تقع على الفصل، فلا بدّ لك من التقليد، وعلمت أنك من جملة العامة، وأن سبيلك سبيل من هو خارج عن أهل اللسان »، ثم أورد الباقلانى بعض خطب الرسول وكتبه، وعلق عليها بقوله: «ولا أطول عليك، وأقتصر على ما ألقيته إليك، فإن كان لك في الصنعة خطر ... فما أحسب أن يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن، وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلم في خطبه ورسائله، وما عساك تسمعه من كلامه، ويتساقط إليك من ألفاظه، وأقدر أنك ترى بين الكلامين بونا بعيدا، وأمدا مديدا، وميدانا واسعا، ومكانا شاسعا  ... ».
«فإذا أردت زيادة في التبيين ... فتأمل (هداك الله) ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء، لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا من خطب النبى صلّى الله عليه وسلم واحد وسبكها سبك غير مختلف، وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين، وبين شعر الشاعرين ... فإذا عرفت أن جميع كلام الآدمى منهاج، ولجملته طريق، وتبينت ما يمكن فيه من التفاوت- نظرت إلى نظم القرآن نظرة أخرى، وتأملته مرة ثانية، فترى بعد موقعه وعالى محله وموضعه  ... » ثم يورد بعض خطب البلغاء وكتبهم، ويقول: «تأمل ذلك وسائر ما هو مسطر من الأخبار المأثورة عن السلف وأهل البيان واللسن، والفصاحة والفطن ... فسيقع لك الفضل بين كلام الناس وبين كلام رب العالمين، وتعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين ... فإن خيل إليك، أو شبه عليك، وظننت أنه يحتاج أن يوازن بين نظم الشعر والقرآن، لأن الشعر أفصح من الخطب، وأبرع من الرسائل وأدق مسلكا من جميع أصناف المحاورات ... فتأمل ما نرتبه ينكشف لك الحق: إذا أردنا تحقيق ما ضمناه لك فمن سبيلنا أن نعمد إلى قصيدة متفق على كبر محلها وصحة نظمها، وجودة بلاغتها ومعانيها، وإجماعهم على إبداع صاحبها فيها، مع كونه من الموصوفين بالتقدم في الصناعة، والمعروفين بالحذق في البراعة، فنقفك على مواضع خللها، وعلى تفاوت نظمها، وعلى اختلاف فصولها، وعلى كثرة فضولها، وعلى شدة تعسفها، وبعض تكلفها، وما تجمع من كلام رفيع يقرن بينه، وبين كلام وضيع، وبين لفظ سوقى يقرن بلفظ ملوكى  ... » ثم عرض تطبيقا على منهجه معلقة امرئ القيس، وأخذ يبين ما فيها من مجال النقص، ووجوه العيب، ثم قال: «وقد بينا لك أن هذه القصيدة ونظائرها تتفاوت في أبياتها تفاوتا بينا في الجودة والرداءة، والسلاسة والانعقاد، والسلامة والانحلال، والتمكن والتسهل، والاسترسال والتوحش والاستكراه، وله شركاء في نظائرها، ومنازعون فى محاسنها، ومعارضون في بدائعها، ولا سواء كلام ينحت من الصخر تارة، ويذوب تارة، ويتلون تلون الحرباء، ويختلف اختلاف الأهواء، ويكثر في تصرفه اضطرابه، وتتقاذف به أسبابه، وبين قول يجرى في سبكه على نظام، وفي رصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفائه على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق، مختلفه مؤتلف، ومؤتلفه متحد، ومتباعده متقارب وشارده مطيع، ومطيعه شارد، وهو على متصرفاته واحد، لا يستصعب في حال، ولا يتعقد في شأن ».
ذلك هو منهج الباقلانى في الموازنات.
... وإن مجال الموازنات لمتسع بين القرآن والشعر عند ما يكون الموضوع واحدا، فقد تحدث القرآن والشعر عن كثير من الغزوات ولم يستطع الشعر برغم تقليده في كثير من الأحيان للقرآن أن يصل إلى السمو القرآنى، وأن يتناول شتى الأغراض التى تنتظم شئون الجماعة الإسلامية، فى حين أن الشعر الذى تحدث عن هذه الغزوات ضعيف في جملته لا يخرج عن أغراض الشعر المعروفة يومئذ من مدح أو هجاء أو فخر أو رثاء. 

إنس

إنس
الإنس: خلاف الجن، والأنس: خلاف النفور، والإنسيّ منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكلّ ما يؤنس به، ولهذا قيل:
إنسيّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب ، وإنسيّ القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
والإنسيّ من كل شيء: ما يلي الإنسان، والوحشيّ: ما يلي الجانب الآخر له.
وجمع الإنس أَناسيُّ، قال الله تعالى:
وَأَناسِيَّ كَثِيراً [الفرقان/ 49] .
وقيل ابن إنسك للنفس ، وقوله عزّ وجل:
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً
[النساء/ 6] أي:
أبصرتم أنسا بهم، وآنَسْتُ ناراً [طه/ 10] ، وقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
[النور/ 27] أي:
تجدوا إيناسا.
والإِنسان قيل: سمّي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل:
الإنسان مدنيّ بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، وقيل: سمّي بذلك لأنه يأنس بكلّ ما يألفه ، وقيل: هو إفعلان، وأصله: إنسيان، سمّي بذلك لأنه عهد الله إليه فنسي. 
إنس
الإنْسُ: البشَرُ، الواحِدُ: إنْسي وأنَسِيٌّ - بالتحريك - وقال العجّاج:
وبلدةٍ ليس بها طُوْرِيٌّ ... ولا خلا الجِنُّ بها إنسِيُّ
وقال علقمة بن عبدة، وقال أبو عبيدة: إنَّه لرجل من عبد القيس:
فلَسْتَ لإنسِيٍّ ولكن لملاكٍ ... تَنَزَّلَ من جَوِّ السماءِ يصوْبُ
والجمع: أنَاسِيُّ، قال الله تعالى:) وأنَاسِيَّ كَثِيرا (، وقرأ الكسائي ويحيى بن الحارث: " وأنَاسيَ " بتخفيف الياء، أسقطا الياء التي تكون فيما بينَ عين الفعل ولامه، مثل قراقير وقراقِرْ. ويبيِّنُ جَوازَ أنَاسِيَ - بالتخفيف - قَوْلهم: أنَاسِيَةُ كثيرة.
وقال أبو زيد: إنسيٌّ وإنْسٌ - مثال جِنِّيٍّ وجِنٍّ - وإنْسٌ وآناسٌ - مثال إجْلٍ وآجالٍ - قال: وإنْسَانٌ وأناسِيَةٌ؛ كصيارفةٍ وصياقِلةٍ.
وقال الفرّاء: واحِدُ الأناسيّ إنْسِيٌّ، وإن شئت جعلته إنساناً ثم جمعته أناسِيَّ، فتكون الياء عوضاً من النون.
ويقال للمرأة: إنْسانٌ - أيضاً -، ولا يقال إنسانة، والعامة تقولها، وينشد:
لقد كَسَتْني في الهَوى ... ملابِسَ الصَّبِّ الغَزِلْ
إنسانةٌ فتّانةٌ ... بَدرُ الدُجى منها خَجِل
إذا زَنَت عيني بها ... فبالدموعِ تغتسِل
وإنسان العين: المثال الذي يُرى في السواد، ويُجمَعُ أٌُناسي، قال ذو الرمة يصِفُ إبلاً غارت عيونها من التعب والسيرَ:
إذا استوجسْتَ آذانها استأْنَسْتَ لها ... أناسِيُّ مَلْحودٌ لها في الحواجِبِ ولا يجمع على أُناس. وتقدير إنسان: فِعلان، وإنما زِيْدَ في تصغيره ياءٌ كما زيّدت في تصغير رجل فقيل روَيجِل. وقال قوم: أصلُه إنْسِيَان - على إفعلان - فحُذِفت الياء استخفافاً؛ لكَثرة ما يجري على ألسِنتهم، فإذا صغَّروه ردَّوها، لأن التصغير لا يَكْثُرُ، واستدّلوا عليه بقول ابنِ عبّاس - رضي الله عنهما - أنَّه قال: أنمَّا سُمَّيَ إنساناً لأنهُ عهد إليه فنسِيَ.
والأناسُ: لُغَةً في الناسِ، وهو الأصل، قال ذو جدن الحميري:
إن المنايا يطَّلع ... ن على الناسِ الآمنينا
فيَدَعْنَهم شتى وقد ... كانوا جميعاً وافرينا
وأنس بن أبي أُناس بن محمية: شاعِرٌ.
ويُجمَع الأنَسُ - بالتحريك - آناساً؛ جَبَلٍ وأجْيَالً.
وقال أبو زيد: الإنْسيُّ: الأيسر من كل شئ. وقال الأصمعيُّ: هو الأيمن.
قال: وكلُّ اثنين من الإنسان مثل الساعدين والزَّندين والقدمين؛ فما أقبَلَ منهما على الإنسان فهو إنسي، وما أدبر فهو وحشيّ.
ولإنسِيُّ القوس: ما أقبل عليك منها.
وقال أبو الهيثم: الإنسان: الأنْمَلَة، وأنشَدَ:
تَمْري بإنسانها إنسان مُقلتها ... إنسانةٌ في سواد الليل عُطْبُولُ
وقال:
أشارَت إنسانٍ بإنسانِ كفِّها ... لَتقتُلَ إنساناً بإنسانِ عينَها
والإنسانُ؟ أيضاً -: ظِلُّ الإنسان.
والإنسانُ: رَأسُ الجبل.
والإنسانُ: الأرض التي لم تُزرَع.
وهذا حِدثي وخِدني وخِلّي وخِلصي وودّي وجِلّي وحِبّي وإنْسي.
ويقال: كيف ابنُ إنسِكَ وأُنسِكَ: يعني نفسه؛ أي كيف تراني في مصاحبتي إياكَ.
وفلان ابنُ أُنسِ فلانٍ: أي صفيُّه وخاصته.
وقال القرّاء: قلت للدّبَيْريَّة: أيْشٍ قَوْلَهُم: كيف ترى ابن إنسِك - بالكسر -؟، فقالت: عَزَاه إلى الإنس، فأما الأُنسُ عندهم فهو الغزل.
وكلبٌ أنوسٌ: وهو نقيض العقور، وكِلابٌ أُنُسٌ.
وقال الليث: جاريةٌ آنسة: إذا كانت طيبة النفس تحب قُربَك وحديثك. وقال الكميت:
فيهنَّ آنسةُ الحديثِ خريدَةٌ ... ليسَتْ بفاحِشةٍ ولا مِتْفالِ
وجمعها: الآنساتُ والأوانِس، قال ذو الرمّة:
ولم تُنْسِنِي مَيّاً نَوى ذاةُ غَربةٍ ... شطونُ ولا المستطرفاتِ الأوانِسِ
وابنُ مِئناس المُرادي: شاعر، ومِئناس أُمُّه.
والأغر بن مأنوس اليِشكُري: أحد الشعراء في الجاهلية والإسلام.
ابن الأعرابي: الأنيسة والمأنوسة: النار، ويقال لها: السكن، لأن الإنسان إذا آنسَها ليلاً أنِسَ بها وسَكنَ إليها وزال عنه توحشُّه وإن كان بالأرض القَفْرِ.
وقال أبو عمرو: يُقال للديك: الشُّقرُ والأنيس والبَرْنِية.
ويقال: ما بالدار أنيس: أيّ أحَدٌ.
والأنيس: المؤانس وكلُّ ما يؤنس به.
وقال الزبير بن بكّار: أبو رُهم بن المطَّلب بن عبد مناف: اسمه أنيسٌ.
والأَنَسُ - بالتحريك - والأُنَسَة والأُنْس: خلاف الوحشة، وهو مصدر قولك: أنَسْتُ به وأنِسْتُ به - بالحركات الثلاث -، وقال أبو زيد: أنِستُ به إنساً - بالكسر - لا غير.
وقال الليث: الأنَسُ: جماعة الناس، تقول: رأيتُ بمكان كذا أنساً كثيرا: أي ناساً كثيراً. قال العجّاج:
وقد ترى بالدار يوماً أنَسا ... جَمَّ الدَّخِيْسِ بالثُّغور أحْوَسا
وقال سُمير بن الحارث الضبيُّ:
أتَوا ناري فقُلت: مَنون أنتثم ... فقالوا: الجِنُّ قُلتُ: عِمّوا ظَلاما
فقلت إلى الطعام فقال منهم ... زعيمٌ: نحسدُ الأنس الطعاما
والأنَسُ - أيضاً -: الحَيُّ المقيمون.
وأنس بن مالك: خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ورضي عنه -.
وأنَسَة: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسله، ورضي عنه -.
وأُنَيْس - مُصغراً -: في الأعلامِ واسِعُ.
ووَهْبُ بن مأنوس الصَّنعاني: من أتباع التابعين.
وآنَسْتُه: أبصَرتُه، قال اللهُ تعالى:) إنّي آنَسْتُ ناراً (.
والإيناس: الرؤية، والعِلم، والإحساس بالشيء. وقوله تعالى:) فإنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْداً (: أي عَلِمتم.
وآنَسْتُ الصوت: سمعته، قال الحارث بن حِلزة اليشكري يصِفُ نعامةً:
آنَسَتْ نَبْأةً وأفزعها القَنْ ... نَاصُ عصراً وقد دَنا الإمساءُ
والإيناسُ: خِلاف الإيحاش.
وكانت العرب تسمي يوم الخميس: مؤنِساً، وأنشد ابنُ دريد: أُؤمِّلُ أن أعيشَ وإنَّ يومي ... بأوَّلَ أو بأهون أو جُبَارِ
أو التالي دَبَارٍ أو فَيَوْمي ... بمؤنِسٍ أو عَرَوْبَةَ أو شِيَارِ
والمؤنِسة: قرية على مرحلة من نِصِيبِيْن للقاصد إلى المَوصِل.
والمؤنِسِيّة: قرية بالصعيد شرقي النيل.
ومؤنِسٌ من الأعلام.
وقال الفرّاء: يقال للسلاح كله الرمح والدرع والمِغفَرِ والتِّجفافِ والتَّسبِغَةِ والتُّرْسِ وغير ذلك: المؤنسات.
وقال الفرّاء: يقال يونُس ويونَس ويونِس - ثلاث لغات -: في اسم الرجل، قال: وحُكِيَ فيه الهمزُ أيضاً، وقرأ سعيد بن جُبَير والضحَّاك وطلحة بن مُصَرِّف والأعمش وطاوس وعيسى بن عُمَر والحسن بن عِمران ونُبَيح والجرّاح: " يُوْنِسَ " - بكسر النون - في جميع القرآن.
وأنَّسه بالنار تأنيساً: أحرقه.
والتأنيس: خلاف الإيحاش.
وأنَّستُ الشيءَ: أبصرتُه، مثل آنَسْتُه.
ومؤنِس بن فُضالة - رضي الله عنه - بكسر النون: من الصحابة رضي الله عنهم.
واستأنَسَ الوحشيُّ: إذا أحَسَّ إنسيّاً، قال النابغة الذبيانيّ:
كأنَّ رَحْلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مُستأنَسٍ وَحَدِ
أي على ثَورٍ وحشي أحَسَّ بما رابه فهو يستأنس: أي يتبصر ويــتقلَّب هل يرى أحداً، يُريدُ أنَّه مذعور؛ فهو أنشط لعدوه وفِرارِه.
وقوله تعالى:) حتّى تَسْتَأْنِسُوا (قال ابنُ عَرَفَةَ: حتى تنظروا هل هاهُنا أحَدٌ يأذن لكم. وقال غيره: معناه تستأذنوا، والاستئذان: الاستِعلام، أي حتى تستعلِموا أمُطلقٌ لكم الدخول أم لا. ومنه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنّه كان إذا دخل داره استأنسَ وتكلَّم. قال الأزهري: العرب تقول: اذهب فاستأنِسْ هل ترى أحداً: معناه تَبَصَّر.
والمستأنِسُ والمُتَأنِّسُ: الأسَدُ.
فأما المُستأنِّس: فهو الذي ذهب توحشه وفزعه وأنِسَ بلقاء الرجال ومُعاناة الأبطال، قال الفرزدق يمدح بِشر بنَ مروان:
مُسْتأنِسٍ بلقاء الناس مُغتَصَبِ ... للألف يأخذُ منه المِقْنَبُ الخَمَرا
وأما المُتِأنِّسُ: فهو الذي يحِسُّ بالفريسَةِ من بُعْدٍ، قال طُرَيح بن إسماعيل:
مُتَصَرِّعاتٍ بالفضاءِ يَدُلُّها ... للمحرجاتِ تأنُّسٌ وشَمِيْمُ
وتأنَّستُ بفلانٍ: أي استأنَستُ به.
والبازي يتأنَّسُ: وذلك إذا ما جَلّى ونظر رافعاً رأسه وطَرَفه.
والتركيب يدل على ظهور الشيء؛ وعلى كل شيء خالف طريقة التوحُّشِ.

ماوراءييات

ماوراءييات
ماورائيّات [جمع]: ميتافيزيقا، ما وراء الطَّبيعة، أمور غيبيّة لا تخضع للحسّ أو الرُّؤية، تقابل الحسّيّات "تقلَّب بين الحسّيّات والماورائيّات- تمتلئ كتاباته بالماورائيَّات والأساطير". 
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.