الــتَّقَدُّم: كَون الشَّيْء أَولا وَهُوَ خَمْسَة لِأَن الْمُــتَقَدّم إِمَّا أَن يكون مجامعا للمتأخر أَو لَا - الثَّانِي هُوَ الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ كــتقدم مُوسَى على عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمُتَأَخر مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو لَا - وَالْأول إِمَّا أَن يكون الْمُــتَقَدّم عِلّة تَامَّة للمتأخر أَو لَا. الأول: الــتَّقَدُّم بالعلية كــتقدم طُلُوع الشَّمْس على وجود النَّهَار. وَالثَّانِي: الــتَّقَدُّم بالطبع كــتقدم الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ. وَإِن لم يكن الْمُتَأَخر مُحْتَاجا إِلَى الْمُــتَقَدّم فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الــتَّقَدُّم والتأخر بالترتيب بِأَن يكون شَيْء أقرب من غَيره إِلَى مبدأ مَحْدُود لَهما أَو لَا الأول الــتَّقَدُّم بِالْوَضْعِ فَهُوَ عبارَة عَن تِلْكَ الأقربية وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: (طبيعي) إِن لم يكن المبدأ الْمَحْدُود بِحَسب الْوَضع والجعل بل بِحَسب الطَّبْع كــتقدم الْجِنْس على النَّوْع (ووضعي) إِن كَانَ المبدأ بِحَسب الْوَضع والجعل كــتقدم الصَّفّ الأول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِحْرَاب على الصَّفّ الثَّانِي مثلا. وَالثَّانِي الــتَّقَدُّم بالشرف وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة الرجحان بالشرف كــتقدم أبي بكر الصّديق على عمر الْفَارُوق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين ذَهَبُوا إِلَى أَن للــتقدم قسما آخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة وسموه بالــتقدم الذاتي وَهُوَ تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض وَالَّذِي اضطرهم على ذَلِك أَنهم رَأَوْا أَن تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض لَا يصدق عَلَيْهِ شَيْء من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة للــتقدم. أما عدم صدق مَا وَرَاء الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَظَاهر لعدم اجْتِمَاع تِلْكَ الْأَجْزَاء. وَأما عدم صدق الــتَّقَدُّم الزماني عَلَيْهِ فَلِأَن مُقْتَضى الــتَّقَدُّم الزماني أَن يكون الْمُــتَقَدّم فِي زمَان سَابق والمتأخر فِي زمَان لَاحق فَلَو كَانَ ذَلِك الــتَّقَدُّم زمانيا لزم أَن يكون أمس فِي زمَان مُــتَقَدم وَالْيَوْم فِي زمَان مُتَأَخّر عَنهُ وننقل الْكَلَام إِلَى ذَيْنك الزمانين فَيلْزم أَن يكون هُنَاكَ أزمنة غير متناهية ينطبق بَعْضهَا على بعض وَأَنه محَال. فَثَبت أَن تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض لَيْسَ تقدمــا زمانيا فاحدثوا تقدمــا بِالذَّاتِ وعرفوه بالــتقدم بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان بِأَن يكون الْأَمْرَانِ غير مُجْتَمعين وَيكون أَحدهمَا مقدما على الآخر بِغَيْر وَاسِطَة الزَّمَان. فَإِن قيل تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض آخر أَي تقدم من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة عِنْد الْحُكَمَاء. قُلْنَا تقدم زماني لِأَنَّهُ عِنْد الْحُكَمَاء عبارَة عَن كَون الْمُــتَقَدّم قبل الْمُتَأَخر قبلية تَقْتَضِي عدم اجْتِمَاعهمَا والجزء الْمُــتَقَدّم من الزَّمَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُزْء الْمُتَأَخر مِنْهُ كَذَلِك فَلَا يلْزم الْمَحْذُور. وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن يكون كل من الْمُــتَقَدّم والمتأخر فِي زمَان على حِدة حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ إِمَّا لِأَن فِي أَكثر أَفْرَاده تقدم بِوَاسِطَة الزَّمَان أَو لِأَن هَذَا الــتَّقَدُّم لَا يُوجد بِدُونِ الزَّمَان لِأَن كلا من الْمُــتَقَدّم والمتأخر إِمَّا زمَان أَو زماني. وَقَالَ مولا زَاده رَحمَه الله وَقيل هَذَا الــتَّقَدُّم طبيعي وَلَيْسَ بِبَعِيد عَن الصَّوَاب فَإِن الْجُزْء السَّابِق من الزَّمَان لكَونه معدا للجزء اللَّاحِق مِنْهُ مقدم عَلَيْهِ طبعا انْتهى.
وَقَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي الشواهد الربوبية إِن هَا هُنَا نحوين آخَرين من أَقسَام الــتَّقَدُّم والتأخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة أَحدهمَا الــتَّقَدُّم بِالْحَقِّ وَالْآخر الــتَّقَدُّم بِالْحَقِيقَةِ وَلكُل من هذَيْن برهَان وَاحِد يحوجان إِلَى كَلَام مفصل لَا يَلِيق بِهَذَا الْمُخْتَصر إِيرَاده وَنحن نشِير إِلَى الأول بِأَن الْحق بِاعْتِبَار تخليته من أَسْمَائِهِ وتنزله فِي مَرَاتِب شؤونه الَّتِي هِيَ أنحاء وجودات الْأَشْيَاء يــتَقَدَّم ويتأخر بِذَاتِهِ لَا بِشَيْء آخر فَلَا يــتَقَدَّم مُــتَقَدم وَلَا يتَأَخَّر مُتَأَخّر إِلَّا بِحَق لَازم وَقَضَاء حتم وَإِلَى الثَّانِي بِأَن الْجَاعِل والمجعول إِذا كَانَ لكل مِنْهُمَا شيئية وَوُجُود فَــتقدم الشيئية على الشيئية من جِهَة اتصافهما بالوجود تقدم بِالْحَقِيقَةِ. وَأما تقدم الْوُجُود على الْمَاهِيّة فَلَيْسَ مرجعه إِلَّا إِلَى كَون الْوُجُود مَوْجُودا بِالذَّاتِ والماهية بِالْعرضِ كَحال الشَّخْص وظله أَو عَكسه فِي الْمرْآة. وَإِمَّا التَّأَخُّر فَيعلم بِالْقِيَاسِ على الــتَّقَدُّم كَمَا لَا يخفى.
وَفِي وجوب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه لَا يحب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها. وَبَيَان ذَلِك يُمكن بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه لَا شكّ فِي أَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع مَعْلُول لاحتياجه إِلَى أَجْزَائِهِ فعلته التَّامَّة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنهُ أَو دَاخِلا فِيهِ أَو نَفسه لَا سَبِيل إِلَى الأول إِذْ لَا شَيْء خَارج عَن هَذَا الْمَعْلُول الْمَفْرُوض. وَلَا إِلَى الثَّانِي: لاحتياج ذَلِك الْمَعْلُول إِلَى أَمر آخر فَتعين. الثَّالِث: لَا يُقَال يُمكن حلّه بِأَن جَمِيع الْأَشْيَاء الْمَفْرُوضَة من حَيْثُ الْإِجْمَال مَعْلُول وَمن حَيْثُ التَّفْصِيل عِلّة فتغاير حيثية عليته بحيثية معلوليته فَلَا يلْزم كَون الْعلَّة التَّامَّة عين الْمَعْلُول وَبِأَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء لَو كَانَ عِلّة لنَفسِهِ لَكَانَ وَاجِبا إِذْ الْوَاجِب هُوَ مَا لَا يحْتَاج فِي وجوده إِلَى غَيره لأَنا نقُول من الأول بِأَنا نَأْخُذ جَمِيع الْأَشْيَاء على وَجه لَا يعْتَبر فِيهِ الْهَيْئَة أَو أَمر آخر لَهُ يغاير نَفسه بل على وَجه اعْتبر معلولا بذلك الْوَجْه وَلَا خَفَاء فِي إِمْكَان هَذَا الِاعْتِبَار تَأمل. وَعَن الثَّانِي: فبأن يُقَال الْوَاجِب الْوُجُود هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى غَيره وَكَون مَجْمُوع الْأَشْيَاء مَوْجُودا مَحل بحث وحلها أَنهم جوزوا عدم تقدم الْعلَّة التَّامَّة المفسرة بِجَمِيعِ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء فَلَا مغالطة. الثَّانِي من الْوَجْهَيْنِ: أَن الْعلَّة التَّامَّة فِي المعلولات المركبة من الْمَادَّة وَالصُّورَة مُتَأَخِّرَة عَنْهَا تأخرا ذاتيا إِذْ نِسْبَة الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة إِلَى الْعلَّة التَّامَّة نِسْبَة الْجُزْء إِلَى الْكل لِأَن مَجْمُوع الْمَادَّة وَالصُّورَة لَيْسَ عين الْعلَّة التَّامَّة لكَون الْفَاعِل أَيْضا جُزْءا مِنْهَا مَعَ خُرُوجه عَن الْمَعْلُول وَلَيْسَ خَارِجا عَنْهَا أَيْضا إِذْ لَا وَجه لخُرُوج الْمركب عَن شَيْء مَعَ دُخُول كل وَاحِد من أَجزَاء ذَلِك الشَّيْء فَتعين أَن يكون الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة جُزْءا من الْعلَّة التَّامَّة فَتكون الْعلَّة التَّامَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْمَعْلُول تأخرا بِالذَّاتِ. وَمن هَا هُنَا يعلم عدم صِحَة تَقْسِيم الْعلَّة الْمُطلقَة المفرقة بِمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء إِلَى التَّامَّة والناقصة وحلها هُوَ منع اسْتِحَالَة كَون الْمَجْمُوع الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة خَارِجا عَن الْعلَّة التَّامَّة مَعَ دُخُول كل من أَجْزَائِهِ كالخمسة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعشْرَة فَإِنَّهَا خَارِجَة عَن الْعشْرَة مَعَ دُخُول كل وَاحِد من الوحدات فِيهَا كَمَا قَالُوا فَافْهَم.
قَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة القطبية المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فَإِن قلت الــتَّقَدُّم عِنْد الْقَوْم منحصر فِي الــتقدمــات الْخمس الْمَشْهُورَة وَــتقدم المعروض على الْعَارِض لَيْسَ شَيْئا مِنْهَا. أما الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ والــتقدم بالشرف فَظَاهر. وَأما غَيرهمَا فَلِأَن الــتَّقَدُّم بالطبع تقدم بِحَسب لوُجُود. والــتقدم بالعلية تقدم بِحَسب الْوُجُوب. والــتقدم بالرتبة مَا يَصح فِيهِ أَن يكون الْمُــتَقَدّم مُتَأَخِّرًا والمتأخر مُــتَقَدمــا قلت هَذَا الــتَّقَدُّم وَرَاء تِلْكَ الــتقدمــات كَمَا صرح بِهِ الْمُحَقق الطوسي فِي نقد التَّنْزِيل. وَقد عبر الشَّيْخ فِي الهيئات الشِّفَاء عَن هَذَا الــتَّقَدُّم بالــتقدم بِالذَّاتِ. وَبَعْضهمْ عبر عَنهُ بالــتقدم بالماهية. وَالْقَوْم إِنَّمَا حصروا الــتَّقَدُّم الَّذِي هُوَ بِحَسب الْوُجُود انْتهى.
وَقَالَ فِي الْأَسْفَار أَن الــتَّقَدُّم والتأخر فِي معنى مَا يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى حَتَّى يكون مَا فِيهِ الــتَّقَدُّم وَمَا بِهِ الــتَّقَدُّم شَيْئا وَاحِدًا كــتقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض فَإِن القبليات والبعديات فِيهَا بِنَفس هوياتها المتجددة المنقضية لذاتها لَا بِأَمْر عَارض لَهَا كَمَا سَيعْلَمُ فِي مُسْتَأْنف الْكَلَام إِن شَاءَ الله الْعَزِيز العلام. وَالْآخر أَن لَا يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى بل بِوَاسِطَة معنى آخر فيفترق عِنْد ذَلِك مَا فِيهِ الــتَّقَدُّم عَن مَا بِهِ الــتَّقَدُّم كــتقدم الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الْأَب على الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الابْن لَا فِي معنى الإنسانية الْمَقُول عَلَيْهِمَا بالتساوي بل فِي معنى آخر هُوَ الْمَوْجُود وَالزَّمَان أَو الزَّمَان فَمَا فِيهِ الــتَّقَدُّم والتأخر فيهمَا هُوَ الْوُجُود أَو الزَّمَان وَمَا بِهِ الــتَّقَدُّم والتأخر هُوَ خُصُوص الْأُبُوَّة والبنوة كَمَا أَن تقدم بعض الْأَجْسَام على بعض لَا فِي الجسمية بل فِي الْوُجُود فَكَذَلِك إِذا قيل إِن الْعلَّة مُــتَقَدّمَــة على الْمَعْلُول فَمَعْنَاه أَن وجودهَا مُــتَقَدم على وجوده وَكَذَلِكَ تقدم الِاثْنَيْنِ على الْأَرْبَعَة وأمثالها فَإِن لم يعْتَبر الْوُجُود لم يكن تقدمــا. والتأخر والكمال وَالنَّقْص وَالْقُوَّة والضعف فِي الوجودات بِنَفس هوياتها لَا بِأَمْر آخر. وَفِي الْأَشْيَاء والماهيات بِنَفس وجوداتها لَا بأنفسها انْتهى.
وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين ذَهَبُوا إِلَى أَن للــتقدم قسما آخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة وسموه بالــتقدم الذاتي وَهُوَ تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض وَالَّذِي اضطرهم على ذَلِك أَنهم رَأَوْا أَن تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض لَا يصدق عَلَيْهِ شَيْء من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة للــتقدم. أما عدم صدق مَا وَرَاء الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَظَاهر لعدم اجْتِمَاع تِلْكَ الْأَجْزَاء. وَأما عدم صدق الــتَّقَدُّم الزماني عَلَيْهِ فَلِأَن مُقْتَضى الــتَّقَدُّم الزماني أَن يكون الْمُــتَقَدّم فِي زمَان سَابق والمتأخر فِي زمَان لَاحق فَلَو كَانَ ذَلِك الــتَّقَدُّم زمانيا لزم أَن يكون أمس فِي زمَان مُــتَقَدم وَالْيَوْم فِي زمَان مُتَأَخّر عَنهُ وننقل الْكَلَام إِلَى ذَيْنك الزمانين فَيلْزم أَن يكون هُنَاكَ أزمنة غير متناهية ينطبق بَعْضهَا على بعض وَأَنه محَال. فَثَبت أَن تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض لَيْسَ تقدمــا زمانيا فاحدثوا تقدمــا بِالذَّاتِ وعرفوه بالــتقدم بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان بِأَن يكون الْأَمْرَانِ غير مُجْتَمعين وَيكون أَحدهمَا مقدما على الآخر بِغَيْر وَاسِطَة الزَّمَان. فَإِن قيل تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض آخر أَي تقدم من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة عِنْد الْحُكَمَاء. قُلْنَا تقدم زماني لِأَنَّهُ عِنْد الْحُكَمَاء عبارَة عَن كَون الْمُــتَقَدّم قبل الْمُتَأَخر قبلية تَقْتَضِي عدم اجْتِمَاعهمَا والجزء الْمُــتَقَدّم من الزَّمَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُزْء الْمُتَأَخر مِنْهُ كَذَلِك فَلَا يلْزم الْمَحْذُور. وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن يكون كل من الْمُــتَقَدّم والمتأخر فِي زمَان على حِدة حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ إِمَّا لِأَن فِي أَكثر أَفْرَاده تقدم بِوَاسِطَة الزَّمَان أَو لِأَن هَذَا الــتَّقَدُّم لَا يُوجد بِدُونِ الزَّمَان لِأَن كلا من الْمُــتَقَدّم والمتأخر إِمَّا زمَان أَو زماني. وَقَالَ مولا زَاده رَحمَه الله وَقيل هَذَا الــتَّقَدُّم طبيعي وَلَيْسَ بِبَعِيد عَن الصَّوَاب فَإِن الْجُزْء السَّابِق من الزَّمَان لكَونه معدا للجزء اللَّاحِق مِنْهُ مقدم عَلَيْهِ طبعا انْتهى.
وَقَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي الشواهد الربوبية إِن هَا هُنَا نحوين آخَرين من أَقسَام الــتَّقَدُّم والتأخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة أَحدهمَا الــتَّقَدُّم بِالْحَقِّ وَالْآخر الــتَّقَدُّم بِالْحَقِيقَةِ وَلكُل من هذَيْن برهَان وَاحِد يحوجان إِلَى كَلَام مفصل لَا يَلِيق بِهَذَا الْمُخْتَصر إِيرَاده وَنحن نشِير إِلَى الأول بِأَن الْحق بِاعْتِبَار تخليته من أَسْمَائِهِ وتنزله فِي مَرَاتِب شؤونه الَّتِي هِيَ أنحاء وجودات الْأَشْيَاء يــتَقَدَّم ويتأخر بِذَاتِهِ لَا بِشَيْء آخر فَلَا يــتَقَدَّم مُــتَقَدم وَلَا يتَأَخَّر مُتَأَخّر إِلَّا بِحَق لَازم وَقَضَاء حتم وَإِلَى الثَّانِي بِأَن الْجَاعِل والمجعول إِذا كَانَ لكل مِنْهُمَا شيئية وَوُجُود فَــتقدم الشيئية على الشيئية من جِهَة اتصافهما بالوجود تقدم بِالْحَقِيقَةِ. وَأما تقدم الْوُجُود على الْمَاهِيّة فَلَيْسَ مرجعه إِلَّا إِلَى كَون الْوُجُود مَوْجُودا بِالذَّاتِ والماهية بِالْعرضِ كَحال الشَّخْص وظله أَو عَكسه فِي الْمرْآة. وَإِمَّا التَّأَخُّر فَيعلم بِالْقِيَاسِ على الــتَّقَدُّم كَمَا لَا يخفى.
وَفِي وجوب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه لَا يحب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها. وَبَيَان ذَلِك يُمكن بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه لَا شكّ فِي أَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع مَعْلُول لاحتياجه إِلَى أَجْزَائِهِ فعلته التَّامَّة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنهُ أَو دَاخِلا فِيهِ أَو نَفسه لَا سَبِيل إِلَى الأول إِذْ لَا شَيْء خَارج عَن هَذَا الْمَعْلُول الْمَفْرُوض. وَلَا إِلَى الثَّانِي: لاحتياج ذَلِك الْمَعْلُول إِلَى أَمر آخر فَتعين. الثَّالِث: لَا يُقَال يُمكن حلّه بِأَن جَمِيع الْأَشْيَاء الْمَفْرُوضَة من حَيْثُ الْإِجْمَال مَعْلُول وَمن حَيْثُ التَّفْصِيل عِلّة فتغاير حيثية عليته بحيثية معلوليته فَلَا يلْزم كَون الْعلَّة التَّامَّة عين الْمَعْلُول وَبِأَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء لَو كَانَ عِلّة لنَفسِهِ لَكَانَ وَاجِبا إِذْ الْوَاجِب هُوَ مَا لَا يحْتَاج فِي وجوده إِلَى غَيره لأَنا نقُول من الأول بِأَنا نَأْخُذ جَمِيع الْأَشْيَاء على وَجه لَا يعْتَبر فِيهِ الْهَيْئَة أَو أَمر آخر لَهُ يغاير نَفسه بل على وَجه اعْتبر معلولا بذلك الْوَجْه وَلَا خَفَاء فِي إِمْكَان هَذَا الِاعْتِبَار تَأمل. وَعَن الثَّانِي: فبأن يُقَال الْوَاجِب الْوُجُود هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى غَيره وَكَون مَجْمُوع الْأَشْيَاء مَوْجُودا مَحل بحث وحلها أَنهم جوزوا عدم تقدم الْعلَّة التَّامَّة المفسرة بِجَمِيعِ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء فَلَا مغالطة. الثَّانِي من الْوَجْهَيْنِ: أَن الْعلَّة التَّامَّة فِي المعلولات المركبة من الْمَادَّة وَالصُّورَة مُتَأَخِّرَة عَنْهَا تأخرا ذاتيا إِذْ نِسْبَة الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة إِلَى الْعلَّة التَّامَّة نِسْبَة الْجُزْء إِلَى الْكل لِأَن مَجْمُوع الْمَادَّة وَالصُّورَة لَيْسَ عين الْعلَّة التَّامَّة لكَون الْفَاعِل أَيْضا جُزْءا مِنْهَا مَعَ خُرُوجه عَن الْمَعْلُول وَلَيْسَ خَارِجا عَنْهَا أَيْضا إِذْ لَا وَجه لخُرُوج الْمركب عَن شَيْء مَعَ دُخُول كل وَاحِد من أَجزَاء ذَلِك الشَّيْء فَتعين أَن يكون الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة جُزْءا من الْعلَّة التَّامَّة فَتكون الْعلَّة التَّامَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْمَعْلُول تأخرا بِالذَّاتِ. وَمن هَا هُنَا يعلم عدم صِحَة تَقْسِيم الْعلَّة الْمُطلقَة المفرقة بِمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء إِلَى التَّامَّة والناقصة وحلها هُوَ منع اسْتِحَالَة كَون الْمَجْمُوع الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة خَارِجا عَن الْعلَّة التَّامَّة مَعَ دُخُول كل من أَجْزَائِهِ كالخمسة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعشْرَة فَإِنَّهَا خَارِجَة عَن الْعشْرَة مَعَ دُخُول كل وَاحِد من الوحدات فِيهَا كَمَا قَالُوا فَافْهَم.
قَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة القطبية المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فَإِن قلت الــتَّقَدُّم عِنْد الْقَوْم منحصر فِي الــتقدمــات الْخمس الْمَشْهُورَة وَــتقدم المعروض على الْعَارِض لَيْسَ شَيْئا مِنْهَا. أما الــتَّقَدُّم بِالزَّمَانِ والــتقدم بالشرف فَظَاهر. وَأما غَيرهمَا فَلِأَن الــتَّقَدُّم بالطبع تقدم بِحَسب لوُجُود. والــتقدم بالعلية تقدم بِحَسب الْوُجُوب. والــتقدم بالرتبة مَا يَصح فِيهِ أَن يكون الْمُــتَقَدّم مُتَأَخِّرًا والمتأخر مُــتَقَدمــا قلت هَذَا الــتَّقَدُّم وَرَاء تِلْكَ الــتقدمــات كَمَا صرح بِهِ الْمُحَقق الطوسي فِي نقد التَّنْزِيل. وَقد عبر الشَّيْخ فِي الهيئات الشِّفَاء عَن هَذَا الــتَّقَدُّم بالــتقدم بِالذَّاتِ. وَبَعْضهمْ عبر عَنهُ بالــتقدم بالماهية. وَالْقَوْم إِنَّمَا حصروا الــتَّقَدُّم الَّذِي هُوَ بِحَسب الْوُجُود انْتهى.
وَقَالَ فِي الْأَسْفَار أَن الــتَّقَدُّم والتأخر فِي معنى مَا يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى حَتَّى يكون مَا فِيهِ الــتَّقَدُّم وَمَا بِهِ الــتَّقَدُّم شَيْئا وَاحِدًا كــتقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض فَإِن القبليات والبعديات فِيهَا بِنَفس هوياتها المتجددة المنقضية لذاتها لَا بِأَمْر عَارض لَهَا كَمَا سَيعْلَمُ فِي مُسْتَأْنف الْكَلَام إِن شَاءَ الله الْعَزِيز العلام. وَالْآخر أَن لَا يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى بل بِوَاسِطَة معنى آخر فيفترق عِنْد ذَلِك مَا فِيهِ الــتَّقَدُّم عَن مَا بِهِ الــتَّقَدُّم كــتقدم الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الْأَب على الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الابْن لَا فِي معنى الإنسانية الْمَقُول عَلَيْهِمَا بالتساوي بل فِي معنى آخر هُوَ الْمَوْجُود وَالزَّمَان أَو الزَّمَان فَمَا فِيهِ الــتَّقَدُّم والتأخر فيهمَا هُوَ الْوُجُود أَو الزَّمَان وَمَا بِهِ الــتَّقَدُّم والتأخر هُوَ خُصُوص الْأُبُوَّة والبنوة كَمَا أَن تقدم بعض الْأَجْسَام على بعض لَا فِي الجسمية بل فِي الْوُجُود فَكَذَلِك إِذا قيل إِن الْعلَّة مُــتَقَدّمَــة على الْمَعْلُول فَمَعْنَاه أَن وجودهَا مُــتَقَدم على وجوده وَكَذَلِكَ تقدم الِاثْنَيْنِ على الْأَرْبَعَة وأمثالها فَإِن لم يعْتَبر الْوُجُود لم يكن تقدمــا. والتأخر والكمال وَالنَّقْص وَالْقُوَّة والضعف فِي الوجودات بِنَفس هوياتها لَا بِأَمْر آخر. وَفِي الْأَشْيَاء والماهيات بِنَفس وجوداتها لَا بأنفسها انْتهى.