Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: بادئ

المفرد

المفرد:
[في الانكليزية] Singular ،simple ،particular
[ في الفرنسية] Simple ،singulier ،particulier
بتخفيف الراء المفتوحة من الإفراد يطلق على معان. منها مقابل المركّب وعرّفه أهل العربية بأنّه اللفظ بكلمة واحدة، واللفظ ليس بمعنى التلفظ بل بمعنى الملفوظ، أي الذي لفظ. فالمعنى أنّ المفرّد هو الذي لفظ بكلمة أي صار ملفوظا بتلفّظ كلمة واحدة، ومآله أنّه لفظ هو كلمة واحدة، فإن ما يصير ملفوظا بتلفّظ كلمة واحدة لا بدّ أن يكون كلمة واحدة.
والمراد من الكلمة اللغوية ومعنى الواحدة التي ضمّت إلى الكلمة معلوم عرفا، فإنّ ضرب مثلا كلمة واحدة في عرف اللغة بخلاف ضرب زيد فلا حاجة إلى تفسير الكلمة الواحدة لغة بما لم يشتمل على لفظين موضوعين، ولا خفاء في اعتبار قيد الوضع في الحدّ لكونه قسما من اللفظ الموضوع فلا يرد على الحدّ المهملات.
على أنّا لا نسلّم إطلاق الكلمة على المهمل في عرف اللغة فلا يرد ما أورد المحقّق التفتازاني من أنّه إن أريد الكلمة اللغوية على ما يشتمل الكلام والزائد على حرف وإن كان مهملا على ما صرّح به في المنتهى لم يطرد، وإن أريد الكلمة النحوية لزم الدور، غاية ما يقال إنّه تفسير لفظي لمن يعرف مفهوم الكلمة ولا يعرف أنّ لفظ المفرد لأيّ معنى وضع انتهى كلامه.
وعرّف المركّب بأنّه اللفظ بأكثر من كلمة واحدة ومحصّله لفظ هو أكثر من كلمة واحدة، فنحو نضرب وأخواته مفرد إذ يعدّ حرف المضارعة مع ما بعده كلمة واحدة عرفا. فعند النحويين لا يمتنع دلالة جزء الكلمة الواحدة على شيء في الجملة، وعبد الله ونحوه من المركّبات الإضافية وبعلبك ونحوه من المركّبات المزجية، وتأبّط شرا ونحوه من المركّبات الإسنادية مركّبات وإن كانت أعلاما لكونها أكثر من كلمة واحدة عرفا هكذا في العضدي وحاشية السّيّد السّند في المــبادئ. وقال المحقّق التفتازاني: وهذا يشكّل بما أطبق عليه النحاة من أنّ العلم اسم وكلّ اسم كلمة وكلّ كلمة مفرد، فيلزم أن يكون عبد الله ونحوه علما مفردا. والجواب أنّ المفرد المأخوذ في حدّ الكلمة غير المفرد بهذا المعنى انتهى. وكأنّه بمعنى ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه. والذي يسنح بخاطري أنّ إطباقهم على أنّ العلم اسم كإطباقهم على أنّ الأصوات أسماء، فإنّهم لما رأوها مشاركة للكلمات في كثرة الدوران على الألسنة في المحاورات نزّلوها منزلة الأسماء المبنية وضبطوها في المبنيات، فاسمية الأعلام المركّبة تكون من هذا القبيل أيضا. وبالجملة فالعلم المفرد اسم حقيقة والمركّب اسم حكما لأنّ معناه معنى الاسم.
اعلم أنّ المفهوم مما سبق حيث اعتبرت الوحدة العرفية أنّ مثل الرجل وقائمة وبصري وسيضرب ونحوها مفردة، لكنه يخالف ما وقع في شروح الكافية والضوء حيث عرّف اللفظ المفرد بما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه حال كونه جزءا، وأخرج منه المركّبات مطلقا كلامية أو غيرها، وكذا مثل الرجل وقائمة وبصري وسيضرب وضربت وضربنا ونحوها مما يعد لشدّة الامتزاج كلمة واحدة، وكأنّ للمفرد عندهم معنيين فلا مخالفة، لكن في كون المعنيين من مصطلحات النحاة نظرا، إذ قد صرّح في العضدي أنّ المعنى الثاني للمفرد وهو ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه من مصطلحات المنطقيين. وقال المحقّق التفتازاني في حاشيته إنّه لا يمتنع عند النحاة دلالة جزء الكلمة الواحدة على شيء في الجملة. فنحو يضرب وأخواته مفرد عندهم ويؤيّده ما في الفوائد الضيائية حيث قال: ولا يخفى على الفطن العارف بالغرض من علم النحو أنّه لو كان الأمر بالعكس بأن يجعل نحو عبد الله علما مركّبا، ونحو قائمة وبصري مفردا لكان أنسب انتهى. وقال المولوي عبد الغفور في حاشيته: الغرض من النحو معرفة أحوال اللفظ وتصحيح إعرابه، فإهمال جانب اللفظ والميل إلى جانب المعنى لا يلائم ذلك الغرض، ولا يخفى أنّ ذلك الإهمال لا يجري في كلّ ما يعدّ لشدّة الامتزاج لفظة واحدة وأعرب بإعراب بل فيما أعرب بإعرابين كعبد الله انتهى.
قال المنطقيون المفرد هو اللفظ الموضوع الذي لا يقصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه، سواء لم يكن له جزء كهمزة الاستفهام أو كان له جزء ولم يدلّ على معنى كزيد أو كان له جزء دالّ على معنى ولا يكون ذلك المعنى جزء المعنى المقصود كعبد الله علما، فإن العبد معناه العبودية وهو ليس جزء المعنى المقصود وهو الذات المشخّصة وكذا لفظ الله، أو كان له جزء دالّ على جزء المعنى المقصود ولم يكن دلالته مقصودة كالحيوان الناطق علما لإنسان فإنّ معناه حينئذ الماهية الإنسانية مع التشخّص والحيوان فيه مثلا دالّ على جزء الماهية الإنسانية. لكن ليست تلك الدلالة مقصودة حال العلمية، بل المقصود هو الذّات المشخّصة، ويقابله المركّب تقابل العدم والملكة وهو ما يقصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه كرامي الحجارة وقائمة وبصري ويضرب ونحوها، وإنّما لم يجعلوا مثل عبد الله علما مركّبا كما جرت عليه كلمة النحاة لأنّ نظرهم في الألفاظ تابع للمعاني فيكون إفرادها وتركيبها تابعين لوحدة المعاني وكثرتها بخلاف النّحاة، فإنّ نظرهم إلى أحوال الألفاظ، وقد جرى على مثله علما أحكام المركّبات حيث أعرب بإعرابين كما إذا قصد بكل واحد من جزئه معنى على حدّة. لا يقال تعريف المركّب غير جامع وتعريف المفرد غير مانع لأنّ مثل الحيوان الناطق بالنظر إلى معناه البسيط التضمّني أو الالتزامي ليس جزؤه مقصود الدلالة على جزء ذلك المعنى فيدخل في حدّ المفرد، ويخرج عن حدّ المركّب لأنّا نقول المراد بالدلالة في تعريف المركّب هي الدلالة في الجملة وبعدم الدلالة في المفرد انتفاؤها من سائر الوجوه، فالمركّب ما يكون جزؤه مقصود الدلالة بأيّ دلالة كانت على جزء ذلك المعنى، وحينئذ يندفع النقض لأنّ مثل الحيوان الناطق وإن لم يدل جزؤه على جزء المعنى البسيط التضمني لكنّه يدلّ على جزء المعنى المطابقي، ويلزمهم أنّ نحو ضارب ومخرج وسكران مما لا ينحصر من الألفاظ المشتقة مركّب لأنّ جوهر الكلمة جزء منه، وما ضمّ إليه من الحروف والحركات جزء وكلّ من الجزءين يدلان على معنى مختصّ به. واعتذر الجمهور عنه بأنّ المراد بالأجزاء ألفاظ أو حروف أو مقاطع مسموعة مترتّبة متقدّم بعضها على بعض، والمادة مع الهيئة ليست كذلك، وأنت خبير بأنّ هذا إرادة ما لا يفهم من اللفظ ولا نعني بفساد الحدّ سوى هذا.

التقسيم:
المفرد عند النحاة إما اسم أو فعل أو حرف وقد سبق تحقيقه في لفظ الاسم. وقال المنطقيون المفرد إمّا اسم أو كلمة أو أداة لأنّه إمّا أن يدلّ على معنى وزمان بصيغته ووزنه وهو الكلمة، أو لا يدلّ، ولا يخلو إمّا أن يدلّ على معنى تام أي يصحّ أن يخبر به وحده عن شيء وهو الاسم وإلّا فهو الأداة، وقد علم بذلك حدّ كلّ واحد منها. وإنّما أطلق المعنى في حدّ الكلمة دون الاسم ليدخل فيه الكلمات الوجودية فإنّها لا تدلّ على معان تامة. وقيد الزمان بالصيغة ليخرج عنه الأسامي الدّالّة على الزمان بجوهرها ومادّتها كلفظ الزمان واليوم وأمس وأسماء الأفعال، وإنّما كان دلالتها على الزمان بالصيغة والوزن لاتحاد المدلولات الزمانية باتحاد الصيغة، وإن اختلفت المادة كضرب وذهب واختلافها باختلافها، وإن اتحدت المادة كضرب ويضرب، ولا يلزم حينئذ كونها مركّبة لأنّ المعنى من المركّب كما عرفت أن يكون هناك أجزاء مرتّبة مسموعة وهي ألفاظ أو حروف، والهيئة مع المادة ليست كذلك، فلا يلزم التركيب. وهاهنا نظر لأنّ الصيغة هي الهيئة الحاصلة باعتبار ترتيب الحروف وحركاتها وسكناتها، فإن أريد بالمادة مجموع الحروف فهي مختلفة باختلاف الصيغة، وإن أريد بها الحروف الأصلية فربما تتّحد والزمان مختلف كما في تكلّم يتكلّم وتغافل يتغافل على أنّه لو صحّ ذلك فإنّما يكون في اللغة العربية، ونظر المنطقي يجب أن لا يختص بلغة دون أخرى، فربما يوجد في لغات أخر ما يدلّ على الزمان باعتبار المادة. وإنّما زيد وحده في حدّ الاسم لإخراج الأداة إذ قد يصحّ أن يخبر بها مع ضميمة كقولنا زيد لا قائم. والكلمة إمّا حقيقية إن دلّت على حدث ونسبة ذلك الحدث إلى موضوع ما وزمان تلك النسبة كضرب وقعد، وإمّا وجودية إن دلّت على الأخيرين فقط يعني أنّها لا تدلّ على معنى قائم بمرفوعها بل على نسبة شيء ليس هو مدلولها إلى موضوع ما، بل ذلك الشيء خارج عن مدلولها، وهذا معنى تقرير الفاعل على صفة وعلى الزمان ككان فإنّه لا يدلّ على الكون مطلقا بل على كون الشيء شيئا لم يذكر بعد، أي لم يذكر ما دام لم يذكر كان، وهذا التقسيم عند الجمهور. وأمّا الشيخ فقد قسّم اللفظ المفرد على أربعة أقسام وهو أنّ اللفظ إمّا أن يدلّ على المعنى دلالة تامة أو لا.
فإن دلّ فلا يخلو إمّا أن يدلّ على زمان فيه معناه من الأزمنة الثلاثة وهو الكلمة أو لا يدلّ عليه وهو الاسم، وإمّا لا يدلّ على المعنى دلالة تامة، فإمّا أن يدلّ على الزمان فهي الكلمة الوجودية أو لا يدلّ فهو الأداة، فالأدوات نسبتها إلى الأسماء كنسبة الكلمات الوجودية إلى الأفعال في عدم كونها تامّات الدلالات. لا يقال من الأسماء ما لا يصحّ أن يخبر به أو عنه أصلا كبعض المضمرات المتصلة مثل غلامي وغلامك. ومنها ما لا يصحّ إلّا مع انضمام كالموصولات فانتقض بها حدّ الاسم والأداة عكسا وطردا على كلا القولين لأنّا نقول: لمّا أطلق الألفاظ فوجد بعضها يصلح لأن يصير جزءا من الأقوال التامة والتقييدية النافعة في هذا الفنّ وبعضها لا، فنظر أهل هذا الفنّ في الألفاظ من جهة المعنى. وأمّا نظر النحاة فمن جهة نفسها فلا يلزمه تطابق الاصطلاحين عند تغاير جهتي النّظرين فاندفع النقوض لأنّ الألفاظ المذكورة إن صحّ الإخبار بها أو عنها فهي أسماء وأفعال وإلّا فأدوات. غاية ما في الباب أنّ الأسماء بعضها باصطلاح النحاة أدوات باصطلاح المنطقيين ولا امتناع في ذلك.
فائدة:
كلّ كلمة عند المنطقيين فعل عند العرب بدون العكس أي ليس كلّ فعل عندهم كلمة عند المنطقيين فإنّ المضارع الغير الغائب فعل عندهم وليس كلمة لكونه مركّبا والكلمة من أقسام المفرد، وإنّما كان مركّبا لأنّ المضارع المخاطب والمتكلّم يدلّ جزء لفظه على جزء معناه، فإنّ الهمزة تدلّ على المتكلّم المفرد والنون على المتكلّم المتعدّد والتاء على المخاطب وكذا الحال في الماضي الغير الغائب هكذا قال الشيخ. وقال أيضا الاسم المعرب مركّب لدلالة الحركة الإعرابية على معنى زائد، وقد بالغ بعض المتأخّرين وقال: لا كلمة في لغة العرب إلّا أنّها مركّبة وزعم أنّ ألفاظ المضارعة مركّبة من اسمين أو اسم وحرف لأنّ ما بعد حرف المضارعة ليس حرفا ولا فعلا وإلّا لكان إمّا ماضيا أو أمرا أو مضارعا، ومن الظاهر أنّه ليس كذلك، فتعيّن أن يكون اسما وحرف المضارعة إمّا حرف أو اسم. وتحقيق ذلك من وظائف أهل العربية.
فائدة:
وجه التسمية بالأداة لأنّها آلة في تركيب الألفاظ، وأمّا بالكلمة فلأنّها من الكلم وهو الجرح لأنّها لمّا دلّت على الزمان وهو متجدّد منصرم فيكلم الخاطر بتغيّر معناها، وأمّا بالاسم فلأنّه أعلى مرتبة من سائر الألفاظ فيكون مشتملا على معنى السّموّ وهو العلوّ، وأمّا بالكلمة الوجودية فلأنّها ليس مفهومها إلّا ثبوت النسبة في زمان، هذا كلّه خلاصة ما في شرح المطالع وشرح الشمسية وحواشيهما. وأيضا ينقسم المفرد إلى مضمر وعلم مسمّى بالجزئي الحقيقي في عرف المنطقيين ومتواطئ ومشكّك ومنقول ومرتجل ومشترك ومجمل وكلّي وجزئي ومرادف ومباين. ومنها ما يقابل الجملة فيتناول المثنى والمجموع والمركّبات التقييدية أيضا. قال في العضدي ويسمّي النحويون غير الجملة مفردا أيضا بالاشتراك بينه وبين غير المركّب، انتهى.
قال المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية: هذان المعنيان للمفرد حقيقيان. ومنها ما يقابل المثنى والمجموع أعني الواحد فالتقابل بينهما تقابل التضاد إذ المفرد وجودي مفسّر باللفظ الدّال على ما يتّصف بالوحدة وليس أمرا عدميا وإلّا لكان تعريف المثنى والمجموع بما ألحق بآخر مفرده إلى آخره دوريا، وما يقال من أنّ التقابل بينهما بالعرض كالتّقابل بين الواحد والكثير فليس بشيء، وكذا ما يقال من أنّ التقابل بينهما هو التضايف لأنّه لا يمكن تعقّل كلّ واحد منهما إلّا بالقياس إلى الآخر، هكذا ذكر المولوي عبد الحكيم وأحمد جند في حاشية شرح الشمسية. والمراد أنّ التقابل لكلّ واحد معتبر في هذا الاطلاق دون التقابل بالمجموع من حيث هو مجموع، ولا يلزم منه أن يكون للمفرد معنيان أحدها ما يقابل المثنى والثاني ما يقابل المجموع، فإنّ المفرد هاهنا بمعنى الواحد كما عرفت، كذا قيل. ومنها ما يقابل المضاف أعني ما ليس بمضاف، فالتقابل بينهما تقابل الإيجاب والسّلب وشموله بهذا المعنى للمركّب التقييدي والخبري والإنشائي لا يستلزم استعماله فيها، إذ لا يجب استعمال اللفظ في جميع أفراد معناه، إنّما اللازم جواز الإطلاق وهو غير مستبعد. كيف وقد قال الشيخ ابن الحاجب: والمضاف إليه كلّ اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف الجر لفظا أو تقديرا، فأدخل مررت في قولنا مررت بزيد في المضاف، وجعل التقابل بينهما تقابل العدم والملكة باعتبار قيد عما من شأنه أن يكون مضافا مع مخالفته لظاهر العبارة لا يدفع الشمول المذكور على ما وهم لأنّ الإضافة من شأن المركّبات المذكورة باعتبار جنسه أعني اللفظ الموضوع، كذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية. وقال أيضا هذه المعاني الأربعة مستعملة بين أرباب العلوم والأوّلان منها حقيقيان والأخيران مجازيان انتهى. ومورد القسمة في المعنيين الاوّلين هو اللفظ الموضوع وفي الأخيرين هو الاسم إذ كلّ واحد منهما مع مقابله من خواصّ الاسم كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية. أقول فعلى هذا لا يشتمل للمركّب التقييدي والخبري والإنشائي إذ المركّب ليس باسم بل اسمان أو اسم وفعل كما لا يخفى. ثم قال: وقيل المراد بما يقابل المضاف ما لا يكون مضافا ولا شبه مضاف انتهى. وفي بعض حواشي الكافية أنّ المفرد في باب النداء يستعمل في ما يقابل المضاف وشبهه انتهى. وكذا في باب لا التي لنفي الجنس كما يستفاد من الحاشية الهندية وغيرها من شروح الكافية. ومنها ما يقابل الجملة وشبهها والمضاف، ومشابه الجملة هو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل والمصدر وكلّ ما فيه معنى الفعل، وهذا المعنى هو المراد بالمفرد الواقع في قول النحاة التمييز قد يرفع الإبهام عن مفرد وقد يرفعه عن نسبة، هكذا يستفاد من الفوائد الضيائية والحاشية الهندية. وفي غاية التحقيق أنّ المفرد هاهنا بمعنى ما يقابل النسبة الواقعة في الجملة وشبهها أو المضاف انتهى، والمآل واحد. ومنها العلم الغير المشترك بين اثنين فصاعدا بأن يكون مختصا بالواحد اسما كان أو لقبا أو كنية كما صرّح في بعض الحواشي المعلّقة على شرح النخبة. وفي شرح النخبة أيضا إشارة إلى ذلك في فصل الأخير. ومنها عدد مرتبته واحدة كالثلاثة والعشرة والمائة والألف ونحوها ويقابله المركّب وهو عدد مرتبته اثنتان فصاعدا كخمسة عشر فإنّها الآحاد والعشرات وكمائة وخمسة وعشرين فإنّها ثلاث مراتب آحاد وعشرات ومئات كذا في ضابطة قواعد الحساب. وهذا المعنى من مصطلحات المحاسبين. ومنها ما يعبّر عنه باسم واحد ويقابله المركّب بمعنى ما يعبّر عنه باسمين كما في لفظ المركّب. ومنها قسم من الكسر مقابل للكسر المكرّر. ويطلق المفرد أيضا على قسم من الجسم الطبيعي وهو ما لا يتركّب من الأجسام ويقابله المؤلّف، وعلى قسم من الأعضاء مقابل للمركّب ويسمّى بسيطا أيضا، وعلى قسم من الأمراض مقابل للمركّب، وعلى قسم من الحركة، وعلى قسم من المجاز اللغوي، وعلى قسم من التشبيه ونحو ذلك.
فإطلاقه في الأكثر على سبيل التقييد يقال تشبيه مفرد ومجاز مفرد وجسم مفرد، فتطلب معانيه من باب الموصوفات.
المفرد: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه.

المصادرة

المصادرة: على المطلوب، هي أن تجعل النتيجة جزء القياس، نحو: الإنسان بشر وكل بشر ضحاك، ينتج أنه ضحاك، فالكبرى هنا والمطلوب شيء واحد.
المصادرة: (خون كسي رابمال آن كس خريدن) . والمصادرة على الْمَطْلُوب عِنْدهم عبارَة عَن جعل الْمُدَّعِي عين الدَّلِيل أَو جزءه مثلا لَا كَون الدَّلِيل مستلزما لَهُ. أَلا ترى أَنه مَا من دَلِيل إِلَّا وَيكون كَذَلِك.

ثمَّ المصادرة على الْمَطْلُوب: على أَرْبَعَة أَنْوَاع: أَحدهَا: أَن يكون الْمُدَّعِي عين الدَّلِيل. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمُدَّعِي جُزْء الدَّلِيل. وَالثَّالِث: أَن يكون الْمُدَّعِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ صِحَة الدَّلِيل. وَالرَّابِع: أَن يكون الْمُدَّعِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ صِحَة جُزْء الدَّلِيل - وَالْكل بَاطِل للُزُوم الدّور الْبَاطِل.
المصادرة:
[في الانكليزية] postulate
[ في الفرنسية] postulat
عند أهل النظر تطلق على قسم من الخطاء في البرهان لخطاء مادته من جهة المعنى، وهي جعل النتيجة مقدّمة من مقدمتي البرهان بتغيّر ما، وإنّما اعتبر التغيير بوجه ما ليقع الالتباس كقولنا هذه نقلة وكلّ نقلة حركة فهذه حركة، فالصغرى هاهنا عين النتيجة. فإن قيل هذا خطاء في الصورة لأنّ النتيجة حينئذ لا تكون قولا آخر فلا يكون قياسا. قلنا هو قول آخر نظرا إلى ظاهر اللفظ. ويقال أيضا بعبارة أخرى توقّف مقدّمة الدليل على ثبوت المدعى.
ومن هذا القبيل الأمور المتضايفة فإذا جعل أحدهما مقدّمة من مقدّمتي برهان كان كجعل النتيجة مقدّمة من برهانها، مثل هذا ابن لأنه ذو أب وكل ذي أب ابن، لأنّ الصغرى في قوة النتيجة، ومن هذا القبيل أيضا كلّ قياس دوري وهو ما يتوقّف ثبوت إحدى مقدّمتيه على ثبوت النتيجة إمّا بمرتبة أو بمراتب. ومنهم من يجعل المصادرة من قبيل الخطاء من جهة الصورة قائلا بأنّ الخطاء في الصورة إمّا بحسب نسبة بعض المقدّمات إلى بعض وهو أن لا يكون على هيئة شكل منتج وإمّا بحسب نسبة المقدّمات إلى النتيجة بأن لا يكون اللازم قولا غير المقدّمات وهو المصادرة على المطلوب، هكذا يستفاد من حواشي العضدي للسّيّد السّند والسّعد التفتازاني في بحث المغالطة. وقيل المصادرة على المطلوب أربعة أوجه الأول أن يكون المدعى عين الدليل، والثاني أن يكون المدعى جزء الدليل، والثالث أن يكون المدعى موقوفا عليه صحة الدليل، والرابع أن يكون موقوفا عليه صحة جزء الدليل انتهى. وقد تطلق المصادرات على مقدّمات مذكورة في العلوم المدوّنة مسلّمة في الوقت مع استنكار وتشكيك وقد سبق في مقدمة الكتاب في بيان معنى المــبادئ.

المسائل

المسائل: المطالب الخبرية التي يبرهن عليها في ذلك العلم، ويكون المطلوب من ذلك معرفتها.
المسائل:
[في الانكليزية] Cases ،problems ،propositions
[ في الفرنسية] Cas ،problemes ،propositions
هي القضايا التي يبرهن عليها في العلم ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها، وهي أحد أجزاء العلوم لأنّ أجزاء كلّ علم ثلاثة.

الأوّل: الموضوعات وهي التي يبحث في العلم عن عوارضها الذاتية. والثاني: المــبادئ وهي حدود الموضوعات وأجزاؤها وأعراضها ومقدّمات بديهية أو نظرية. والثالث: المسائل، هكذا في التهذيب والقطبي وغيرهما.

الفلسفة

الفلسفة: التشبه بأخلاق الإله بحسب الطاقة البشرية لتحصيل السعادة الأبدية كما أمرالصادق عليه السلام في قوله "تخلقوا بأخلاق الله"، أي تشبهوا به في الإحاطة بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات بقدر الإمكان.
(الفلسفة) دراسة المــبادئ الأولى وَتَفْسِير الْمعرفَة تَفْسِيرا عقليا وَكَانَت تَشْمَل الْعُلُوم جَمِيعًا واقتصرت فِي هَذَا الْعَصْر على الْمنطق والأخلاق وَعلم الْجمال وَمَا وَرَاء الطبيعة (مَعَ)
الفلسفة:
[في الانكليزية] Philosophy
[ في الفرنسية] Philosophie
هي لفظ يوناني معناه التشبّه بحضرة الواجب الوجود، والفلسفة الأولى هي العلم الإلهي وقد سبق في المقدمة.
الفلسفة: فِي اللُّغَة اليونانية التَّشَبُّه بِحَضْرَة وَاجِب الْوُجُود بِقدر الطَّاقَة البشرية لتَحْصِيل السَّعَادَة الأبدية كَمَا ورد فِي الحَدِيث " تخلقوا بأخلاق الله " أَي تشبهوا بِهِ فِي الْإِحَاطَة بالمعلومات والتجرد عَن الجسمانيات. وَقَالُوا إِن الفلسفة مُشْتَقَّة من فيلاسوفا أَي محب الْحِكْمَة.

الذّهن

الذّهن:
[في الانكليزية] Spirit ،intelligence ،understanding
[ في الفرنسية] Esprit ،intelligence ،entendement

بالكسر وسكون الهاء وبفتحتين أيضا:
الذكاء، والتذكّر وحدّة الخاطر وقوّته كما في كشف اللغات. الأذهان الجمع. وفي عرف العلماء يطلق على معان. منها قوّة للنفس معدّة لاكتساب الآراء أنّ العلوم التصوّرية والتصديقية والمعدّة على صيغة اسم المفعول، أي قوة مهيّئة هيّأها الله تعالى للاكتساب. ويجوز أن يكون على صيغة اسم الفاعل أي قوة مهيئة تهيئ النفس للاكتساب، هكذا يستفاد من الأطول والمطول. وأما ما وقع في شرح هداية النحو من أنّ الذّهن قوة نفسانية يحصل بها التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة والصواب والخطاء.
وقيل هي القوة المعدة لاكتساب التصوّرات والتصديقات. وقيل هي قوّة مهيئة لاكتساب العلوم انتهى. فمرجع هذه الأقوال إلى هذا المعنى كما لا يخفى. ومنها النفس. ومنها العقل أي المقابل للنفس وهو الجوهر المجرّد الغير المتعلّق بالبدن تعلّق التدبير والتصرف وقد صرّح بهذه المعاني الثلاثة السيّد السّند في حاشية خطبة شرح الشمسية حيث قال: الذّهن قوة معدّة لاكتساب الآراء والحدود، وقد يعبّر عنه بالعقل تارة وبالنفس أخرى انتهى.
والمراد بالآراء التصديقات وبالحدود التصوّرات. وقيد الاكتساب احتراز عن القوى العالية فإنّ علومها حضورية وليست بمكتسبة.
ومنها المدارك من العقل وقواها والمــبادئ العالية جميعا لأنّ الوجود الذهني هو الحصول في واحد واحد منها، كذا في شرح هداية النحو.
والمراد بالعقل النفس وإطلاق العقل على النفس جائز كما يجيء في لفظ العقل. ويؤيّد هذا المعنى ما وقع في بعض حواشي شرح التجريد من أنّ الوجود الظلّي لا يتصوّر إلا في القوى الدراكة ولذلك يسمّى وجودا ذهنيا، والوجود الأصلي لا يكون إلّا خارجا عن القوى الدراكة فالخارج يقابل الذهن انتهى. والقوى الدراكة هي القوة العالية والسافلة صرّح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية في بيان القضية الخارجية حيث قال: المراد بالخارج في قولهم قد تعتبر القضية المحصورة بحسب الخارج هو الخارج عن المشاعر، والمشاعر هي القوى الدراكة أي النفس وآلاتها، بل جميع القوى العالية والسافلة انتهى. وأما ما وقع في شرح هداية النحو من أنّه قيل الذهن قوة دراكة تنتقش فيها صور المحسوسات والمعقولات انتهى، فيراد بهذه القوة النفس عند من ذهب إلى أنّ صور المحسوسات والمعقولات جميعها ترتسم في النفس. وأمّا عند من ذهب إلى أنّ صور الكليّات والجزئيّات المجرّدة ترتسم في النفس وصور الجزئيات المادية ترتسم في آلاتها فيراد بهذه القوة النفس وقواها أي القوى السافلة. وقد يفهم مما ذكر العلمي في حاشية شرح الهداية في مبحث الوجود أنّ الذهن قد يراد به القوى السافلة تارة والقوى العالية أخرى، والأعم منهما اي العالية والسافلة جميعا مرة أخرى.

علم الزيج

علم الزيج
هكذا في كشف الظنون ولم يزد عليه والزيجات كثيرة ذكرها صاحب الكشف فمن شاء فليرجع إليه وقد تقدم في الألف في علم الأزياج.
قال في مدينة العلوم: علم الزيجات والتقاويم: علم يتعرف منه مقادير حركات الكواكب سيما السبعة السيارة وتقويم حركاتها وإخراج الطوالع وغير ذلك منتزعا من الأصول الكلية
ومنفعته: معرفة الاتصالات من الكواكب من المقارنة والمقابلة والتربيع والتثليث والتسديس والخسوف والكسوف وما يجري في هذا المجرى.
وقال في كشاف اصطلاحات الفنون: منفعته معرفة موضع كل واحد من الكواكب السبعة بالنسبة إلى فلكه وإلى فلك البروج وانتقالاتها ورجوعها واستقامتها وتشريقها وتغريبها وظهورها واختفائها في كل زمان ومكان وما أشبه ذلك من اتصال بعضها ببعض وكسوف الشمس وخسوف القمر وما يجري هذا المجرى انتهى. والغرض منه أمران:
أحدهما: ما ينتفع به في الشرع وهو: معرفة أوقات الصلوات وسمت القبلة والساعات وأحوال الشفق والفجر.
وثانيهما: معرفة الأحكام الجارية في عالم العناصر وهذه المعرفة لكونها مبنية على أمور واهية ودلائل ضعيفة لا تفيد شبهة فضلا عن حجة ولهذا لا يعتد بها في الشرع والذي يصح منها في بعض الأوقات فإنما هو بطريق الاتفاق وذلك لا يدل على الصحة.
وأنفع الزيجات الأيلخاني الذي تولاه خواجه نصير الدين الطوسي.
وأتقنها زيج الغ بيك بن شاهرخ مرزا ابن أمير تيمور وقد تولاه بسمرقند غياث الدين جمشيد وتوفاه الله تعالى في مــبادئ أحواله ثم تولاه قاضي زاده الرومي وتوفاه الله تعالى أيضا قبل إتمامه وإنما أتمه وأكمله علي بن محمد القوشجي.
وأهل مصر يعتنون بالزيج المصطلح.
وأهل الشام يعتنون بزيج ابن شاطر.
والزيجات غير ما ذكر كثيرة يعرفها أهلها انتهى ما في مدينة العلوم للأرنيقي رحمه الله. 

السّبب

السّبب:
[في الانكليزية] Cause ،motive
[ في الفرنسية] Cause ،motif
بفتح السين والموحدة في اللغة الحبل.
وفي العرف العام هو كلّ شيء يتوسّل به إلى مطلوب كما في بحر الجواهر. وفي الجرجاني السبب في اللغة اسم لما يتوصّل به إلى المقصود. وفي الشريعة عبارة عمّا يكون طريقا للوصول إلى الحكم غير مؤثّر فيه. والسّبب التّام هو الذي يوجد المسبّب بوجوده فقط. والسّبب الغير التام هو الذي يتوقّف وجود المسبّب عليه، لكن لا يوجد المسبّب بوجوده فقط انتهى. وعند أهل العروض يطلق بالاشتراك على معنيين:
أحدهما ما يسمّى بالسبب الثقيل وهو حرفان متحرّكان نحو لك. وثانيهما ما يسمّى بالسبب الخفيف وهو حرفان ثانيهما ساكن مثل من.
وعند الحكماء ويسمّى بالمبدإ أيضا هو ما يحتاج إليه الشيء إمّا في ماهيته أو في وجوده وذلك الشيء يسمّى مسبّبا بفتح الموحدة المشدّدة، وترادفه العلّة، فهو إمّا تام أو ناقص، والناقص أربعة أقسام، لأنّه إمّا داخل في الشيء، فإن كان الشيء معه بالقوة فسبب مادي، أو بالفعل فسبب صوري، وإمّا غير داخل فإن كان مؤثرا في وجوده فسبب فاعلي، أو في فاعلية فاعله فسبب غائيّ، ويجيء في لفظ العلّة توضيح ذلك. وقد صرّح بكون هذا المعنى من مصطلح الحكماء هكذا في بحر الجواهر وشرح القانونچة.
ثم إنّهم قالوا تأدّي السّبب إلى المسبّب إن كان دائميا أو أكثريا يسمّى ذلك السّبب سببا ذاتيا، والمسبّب غاية ذاتية. وإن كان التأدّي مساويا أو أقليا يسمّى ذلك السّبب سببا اتفاقيا، والمسبّب غاية اتفاقية.
قيل إن كان السّبب مستجمعا لجميع شرائط التّأدّي كان التّأدّي دائما والسّبب ذاتيا والمسبّب غاية ذاتية، وإلّا امتنع التّأدّي فلا يكون سببا اتفاقيا. ولا غاية اتفاقية وأجيب بأنّ كلّ ما هو معتبر في تحقّق التّأدّي بالفعل جزء من السّبب، إذ انتفاء المانع واستعداد القابل معتبر فيه، مع أنّه ليس شيء منهما جزء منه.
فالسّبب إذا انفكّ عنه بعض هذه الأمور انفكاكا مساويا لاقترانه أو انفكاكا راجحا عليه فهو السبب الاتفاقي، والمسبّب الغاية الاتفاقية، وإلّا فهو السّبب الذاتي، والمسبّب الغاية الذاتية، كذا ذكر العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة في فصل القوة والفعل. وعند الأطباء هو أخصّ مما هو عند الحكماء. قال في بحر الجواهر: وأمّا الأطباء فإنّهم يخصون باسم السّبب ما كان فاعلا ولا كلّ سبب فاعل، بل ما كان فعله في بدن الإنسان أوّلا، ولا كلّ ما كان فعله كذلك، فإنّهم لا يسمّون الأمراض أسبابا مع أنّها فاعلة الأعراض في بدن الإنسان، بل ما كان فاعلا لوجود الأحوال الثلاث أي الصحة والمرض والحالة الثالثة أو حفظها، سواء كان بدنيا أو غير بدني، جوهرا كان كالغذاء والدواء أو عرضا كالحرارة والبرودة. ولذا عرّفوه بما يكون فاعلا أوّلا فيجب عنه حدوث حالة من أحوال بدن الإنسان أو ثباتها وقد يكون الشيء الواحد سببا ومرضا وعرضا باعتبارات مختلفة. مثلا السّعال قد يكون من أعراض ذات الجنب وربّما استحكم حتى صار مرضا بنفسه، وقد يكون سببا لانصداع عرق. ولفظ أو في التعريف لتقسيم المحدود دون الحدّ فهو إشارة إلى أنّ السّبب على قسمين: فالذي يجب عنه حدوث حالة من تلك الأحوال يسمّى السبب الفاعل والمغيّر والذي يجب عنه ثبوت حالة من تلك الأحوال يسمّى السّبب المديم والحافظ.
ثم السّبب باعتبار دخوله في البدن وخروجه عنه ثلاثة أقسام: لأنه إمّا أن لا يكون بدنيا بأن لا يكون خلطيا أو مزاجيا أو تركيبيا، بل يكون من الأمور الخارجة مثل الهواء الحار أو من الأمور النفسانية كالغضب، فإنّ النفس غير البدن يسمّى بادئــا لظهوره من حيث يعرفه كلّ أحد من بدأ الشيء إذا ظهر، وعرّف بأنّه الشيء الوارد على البدن من خارج المؤثّر فيه من غير واسطة.
وإمّا أن يكون بدنيا فإن أوجب حالة من الأحوال المذكورة بغير واسطة كإيجاب العفونة للحمّى يسمّى واصلا لأنّه يوصل البدن إلى حالة. وإن أوجبها بواسطة كإيجاب الامتلاء للحمّى بواسطة العفونة يسمّى سابقا لسبقها على الحمّى بالزمان.
وأيضا السّبب ينقسم باعتبار آخر إلى ضروري وغير ضروري لأنّه إمّا أن تمكن الحياة بدونه ويسمّى غير ضروري سواء كان مضادا للطبيعة كالسّموم أو لا كالتمرّغ في الرمل، وإمّا أن لا تمكن الحياة بدونه ويسمّى ضروريا وهو ستة:
جنس الحركة والسكون البدنيين، وجنس الحركة والسكون النفسانيين، وجنس الهواء المحيط، وجنس النوم واليقظة، وجنس المأكول والمشروب، وجنس الاستفراغ والاحتباس، ويسمّى هذه بالأسباب الستة الضرورية وبالأسباب العامة أيضا. وباعتبار آخر إلى ذاتي وهو ما يكون تأثيره بمقتضى طبعه من حيث هو هو كتبريد الماء البارد، وإلى عرضي وهو ما لا يكون كذلك كتسخن الماء بحقن الحرارة.
وباعتبار آخر إلى مختلف وغير مختلف لأنّه إمّا أن يكون بحيث إذا فارق بقي تأثيره وهو المختلف أو لا يكون كذلك وهو غير المختلف.
ومن الأسباب الأسباب التّامة هي الأسباب التي أفادت البدن الكمال ومنها الأسباب الكلّية وهي ما يلزم من وجوده حدوث الكائنات.
وعند الأصوليين هو ما يكون طريقا إلى الحكم من غير تأثير ولا توقّف للحكم عليه.
فبقيد الطريق خرجت العلامة لأنّها دالّة عليه لا طريق إليه أي مفضية إليه. وبقيد عدم التّأثير خرجت العلّة. وبالقيد الأخير خرج الشّرط. ثم طريق الشيء لا بد أن يكون خارجا عنه فخرج الركن أيضا. وقد جرت العادة بأن يذكر في هذا المقام أقسام ما يطلق عليه اسم السّبب حقيقة أو مجازا، ويعتبر في تعدد الأقسام اختلاف الجهات والاعتبارات، وإن اتّحدت الأقسام بحسب الذوات. ولهذا ذهب فخر الإسلام إلى أنّ أقسام السّبب أربعة: سبب محض كدلالة السارق، وسبب في معنى العلة كسرق الدابة لما يتلف بها، وسبب مجازي كاليمين سبب لوجوب الكفارة، وسبب له شبهة العليّة كتعليق الطلاق بالشرط. ولما رأى صاحب التوضيح أنّ الرابع هو بعينه السبب المجازي قسم السّبب إلى ثلاثة أقسام ولم يتعرّض للسبب الذي فيه شبهة العلل فقسمه إلى ما فيه معنى العلة وإلى ما ليس كذلك، وسمّى الثاني سببا حقيقيا. ثم قال ومن السبب ما هو سبب مجازا أي مما يطلق عليه اسم السبب. فالسبب المحض الحقيقي ما يكون طريقا إلى الحكم من غير أن يضاف إليه وجوب الحكم ولا وجوده ولا تعقل فيه معاني العلل بوجه ما، لكن تتخلّل بينه وبين الحكم علّة لا تضاف إلى السّبب كدلالته إنسانا ليسرق مال إنسان فإنّها سبب حقيقي للسرقة من غير أن يكون موجبا أو موجدا لها، وقد تخلّلت بينها وبين السّرقة علّة هي فعل السارق المختار غير مضافة إلى الدلالة إذ لا يلزم من دلالته على السرقة أن يسرقه البتّة فإن سرق لا يضمن الدال شيئا لأنّه صاحب سبب. والسبب في معنى العلّة هو الذي أضيفت إليه العلّة المتخلّلة بينه وبين الحكم كسوق الدابة فإنّه سبب لما يتلف بها، وعلّة التّلف فعل الدابة، لكنه مضاف إلى السّوق لأنّ الدابة لا اختيار لها في فعلها، ولذا يضمن سائقها ما أتلفته لأنّ السّبب حينئذ علّة العلّة.
والسبب المجازي كاليمين بالله أو الطلاق والعتاق لوجوب الكفارة أو لوجود الجزاء، فإنّ اليمين شرعت للبرّ، والبرّ لا يكون طريقا إلى الكفارة أو الجزاء أبدا. ولكن لمّا كان يحتمل أن يفضي إلى الحكم عند زوال المانع سمّي سببا مجازا باعتبار ما يئول، ولكن ليس هو بمجاز خالص بل مجاز يشبه الحقيقة هذا.
ثم اعلم أنّ ما يترتّب عليه الحكم إن كان شيئا لا يدرك العقل تأثيره ولا يكون بصنع المكلّف كالوقت للصلاة يخصّ باسم السّبب، وإن كان بصنعه فإن كان الغرض من وضعه ذلك الحكم كالبيع للملك فهو علّة ويطلق عليه اسم السّبب مجازا. وإن لم يكن هو الغرض كالشراء لملك المتعة فإنّ العقل لا يدرك تأثير لفظ اشتريت في هذا الحكم وهو بصنع المكلّف، وليس الغرض من الشراء ملك المتعة بل ملك الرّقبة، فهو سبب؛ وإن أدرك العقل تأثيره يخص باسم العلّة. فاحفظ هذه الاصطلاحات المختلفة حتى لا يقع لك خبط في عبارات القوم. هكذا يستفاد من نور الأنوار شرح المنار والتوضيح والتلويح.

علم الألغاز

علم الألغاز
وهو: علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد، دلالة خفية في الغاية، لكن لا بحيث تنبو عنها الأذهان السليمة، بل تستحسنها، وتنشرح إليها، بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج، وبها يفترق من المعمى، لأن المراد من الألفاظ: اسم شيء من الإنسان، وغيره.
وهو من: فروع علم البيان، لأن المعتبر فيه وضوح الدلالة، كما سيأتي.
والغرض فيهما: الإخفاء، وستر المراد، ولما كان إرادة الإخفاء على وجه الندرة، عند امتحان الأذهان، لم يلتفت إليهما البلغاء، حتى لم يعدوهما أيضا من الصنائع البديعة، التي يبحث فيها عن الحسن العرضي.
ثم هذا المدلول الخفي: إن لم يكن ألفاظا، وحروفا، بلا قصد دلالتهما على معان آخر، بل ذوات موجودة يسمى: اللغز، وإن كان ألفاظا وحروفا دالة على معان مقصودة، يسمى: معمي.
وبهذا يعلم: أن اللفظ الواحد، يمكن أن يكون: معمى، ولغزا، باعتبارين، لأن المدلول إذا كان ألفاظا، فإن قصد بها معان أخر يكون: معمى.
وإن قصد: ذوات الحروف، على أنها من الذوات، يكون: لغزا.
وأكثر مبادي هذين العلمين: مأخوذ من تتبع كلام الملغزين، وأصحاب المعمى.
وبعضها: أمور تخييلية، تعتبرها الأذواق، ومسائلها: راجعة إلى المناسبات الذوقية، بين الدال والمدلول الخفي، على وجه يقبلها الذهن السليم.
ومنفعتهما: تقويم الأذهان، وتشحيذها.
ومن أمثلة الألغاز:
قول القائل في القلم:
(شعر)
وما غلام راكع ساجد * أخو نحول دمعه جاري
ملازم الخمس لأوقاتها * منقطع في خدمة الباري
وآخر في الميزان:
(شعر)
وقاضي قضاة يفصل الحق ساكتا * وبالحق يقضي لا يبوح فينطق
قضى بلسان لا يميل، وإن يمل * على أحد الخصمين فهو مصدق
ومن الكتب المصنفة فيه أيضا:
كتاب: (الألغاز).
للشريف، عز الدين: حمزة بن أحمد الدمشقي، الشافعي.
المتوفى: سنة أربع وسبعين وثمانمائة.
وصنف فيه: جمال الدين: عبد الرحيم بن حسن الأسنوي، الشافعي.
المتوفى: سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة.
وتاج الدين: عبد الوهاب بن السبكي.
المتوفى: سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
ومن الكتب المصنفة فيه:
(الذخائر الأشرفية، في الألغاز الحنفية).
للقاضي: عبد البر بن الشحنة الحلبي.
وهو الذي انتخبه: ابن نجيم، في الفن الرابع من (الأشباه)، وذكر أن: (حيرة الفقهاء)، و(العدة)، اشتملا على كثير من ذلك، لكن الجميع ألغاز فقهية.
علم الألغاز
هو علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد دلالة خفية في الغاية لكن لا بحيث تنبو عنها الأذهان السليمة بل تستحسنها وتنشرح إليها بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج وبهذا يفترق من المعمى لأن المراد من الألفاظ اسم شيء من الإنسان وغيره.
وهو من فروع علم البيان لأن المعتبر فيه وضوح الدلالة كما سيأتي.
والغرض فيهما: الإخفاء وستر المراد ولما كان إرادة الإخفاء على وجه الندرة عند امتحان الأذهان لم يتلفت إليهما البلغاء حتى لم يعد وهما أيضا من الصنائع البديعة التي يبحث فيها عن الحسن العرضي.
ثم هذا المدلول الخفي إن لم يكن ألفاظا وحروفا بلا قصد دلالتهما على معان أخر بل ذوات موجودة يسمى اللغز.
وإن كان ألفاظا وحروفا دالة على معان مقصودة يسمى معمى.
وبهذا يعلم أن اللفظ الواحد يمكن أن يكون معمى ولغزا باعتبارين.
لأن المدلول إذا كان ألفاظا: فإن قصد بها معان أخر يكون معمى.
وإن قصد ذوات الحروف على أنها من الذات: يكون لغزا.
وأكثر مــبادئ هذين العلمين مأخوذ من تتبع كلام الملغزين وأصحاب المعمى وبعضها أمور تخييلية تعتبرها الأذواق.
ومسائلها راجعة إلى المناسبة الذوقية بين الدال والمدلول الخفي على وجه يقبلها الذهن السليم
ومنفعتها تقويم الأذهان وتشحيذها:.
ومن أمثلة الألغاز قول القائل في القلم:
وما غلام راكع ساجد ... أخو نحول دمعه جاري
ملازم الخمس لأوقاتها ... منقطع في خدمة الباري
وآخر في الميزان:
وقاضي قضاة يفصل الحق ساكتا ... وبالحق يقضي لا يبوح فينطق
قضى بلسان لا يميل وإن يمل ... على أحد الخصمين فهو مصدق
ومن الكتب المصنفة فيه أيضا كتاب: الألغاز للشريف عز الدين حمزة بن أحمد الدمشقي الشافعي المتوفى سنة أربع وسبعين وثمانمائة.
وصنف فيه جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الأسنوي - المتوفى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
ومن الكتب المصنفة فيه: الذخائر الأشرفية في الألغاز الخفية للقاضي عبد البر بن شحنة الحلبي - المتوفى سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - وهو الذي انتخب ابن نجيم في الفن الرابع من الأشباه وذكر أن خبرة الفقهاء والعدة اشتملا على كثير من ذلك لكن الجميع ألغاز فقهية.

علم غريب الحديث والقرآن

علم غريب الحديث والقرآن
قال أبو سليمان محمد الخطابي الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كما إن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل والغريب من الكلام يقال به على وجهين:
أحدهما: أن يراد به أأأنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر.
والوجه الآخر: يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب فإذا وقعت إلينا الكلمة من كلامهم استغربناها انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية: وقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا حتى قال له علي رضي الله عنه وقد سمعه يخاطب وفد بني نمر: يا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود الغرب بما لا نفهم أكثره فقال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.
فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم بما يفهمونه فكان الله عز وجل قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره وكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم واستمر عصره إلى حين وفاته عليه الصلاة والسلام.
وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا فلما أعضل الداء الهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أولي المعارف انصرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف
فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المتوفى سنة عشر ومائتين فجمع كتابا صغيرا ولم تكن قلته لجهله بغيره وإنما ذلك لأمرين:
أحدهما: إن كل مبتدئ بشيء لم يسيق إليه يكون قليلا ثم يكثر.
والثاني: إن الناس كان فيهم يؤمئذ بقية وعندهم معرفة فلم يكن الجهل قد عم وله تأليف آخر في غريب القرآن وقد صنف عبد الواحد بن أحمد المليح المتوفى سنة اثنتين وستين وأربعمائة كتابا في رده وأبو سعيد أحمد بن خالد الضرير وموفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي المتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة صنفا في رد غريب الحديث.
ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني النحوي بعده أكثر منه المتوفى سنة أربع ومائتين ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي كتابا أحسن فيه وأجاد وكذلك محمد بن المستنير المعروف بقطرب وغيره من الأئمة جمعوا أحاديث وتكلموا على لغتها في أوراق ولم يكد أحدهم ينفرد عن غيره بكثير حديث لم يذكره الآخر. ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلام بعد المائتين فجمع كتابه فصار هو القدوة في هذا الشأن فإنه أفنى فيه عمره حتى لقد قال فيما يروى عنه: أني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة وربما كنت استفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان خلاصة عمري وبقي كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه في غريب الحديث وعليه كتاب مختصر لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري المتوفى سنة أربع وتسعين وستمائة سماه بقريب المرام في غريب القاسم بن سلام مبوبا على الحروف.
ثم جاء عصر أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين فصنف كتابه المشهور حذا فيه حذو أبي عبيدة فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر.
وقال في مقدمته: أرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحد فيه مقال.
وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي الحافظ وجمع كتابه فيه وهو كبير في خمس مجلدات بسط القول فيه واستقصى الأحاديث بطرق أسانيدها وأطاله بذكر متونها وإن لم تكن فيها إلا كلمة واحدة غريبة فطال ذلك كتابه فترك وهجر وإن كان كثير الفوائد توفي رحمه الله ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
ثم صنف الناس غير من ذكر منهم شمر بن حمدويه وأبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين وأبو بكر محمد بن قاسم الأنباري المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وأحمد بن حسن الكندي وأبو عمر ومحمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب المتوفى سنة خمس وأربعين وثلث مائة وغريبه غريب مسند الإمام أحمد. وغير هؤلاء أقول كأبي الحسين عمر بن محمد القاضي المالكي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ولم يتم وأبي محمد سلمة بن عاصم النحوي وأبي مروان عبد الملك بن حبيب المالكي المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين وأبي القاسم محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الملقب ببيان الحق وقاسم بن محمد الأنباري المتوفى سنة أربع وثلاثمائة وأبي شجاع محمد بن علي بن الدهان البغدادي المتوفى سنة تسعين وخمسمائة وهو كبير في ستة عشر مجلدا. وأبي الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وابن كيسان محمد بن أحمد النحوي المتوفى سنة تسع وستين ومائتين ومحمد بن حبيب البغدادي النحوي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين وابن درستويه عبد الله بن جعفر النحوي المتوفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وإسماعيل بن عبد الغافر راوي صحيح مسلم المتوفى سنة خمس وأربعين وأربعمائة وكتابه جليل الفائدة مجلد مرتب على الحروف.
واستمر الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فألف كتابه المشهور سلك فيه نهج أبي عبيدة وابن قتيبة فكانت هذه الثلاثة فيه أمهات الكتب إلا أنه لم يكن كتاب صنف مرتبا يرجع الإنسان عند طلبه إلا كتاب الحربي وهو على طوله لا يوجد إلا بعد تعب وعناء فلما كان زمان أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة إحدى وأربعمائة صاحب الأزهري وكان في زمن الخطابي صنف كتابه المشهور في الجمع بين غريبي القرآن والحديث ورتبه على حروف المعجم على وضع لم يسبق فيه وجمع ما في كتب من تقدمه فجاء جامعا في الحسن إلا أنه جاء الحديث مفرقا في حروف كلماته فانتشر فصار هو العمدة فيه وما زال الناس بعده يتبعون أثره على عهد أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري فصنف الفائق ورتبه على وضع اختاره مقفى على حروف المعجم ولكن في العثور على طلب الحديث منه كلفة ومشقة لأنه جمع في التقفية بين إيراد الحديث مسرودا جميعه أو أكثره ثم شرح ما فيه من غريب فيجيء بشرح كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف وأحد فرد الكلمة في غير حروفها وإذا طلبها الإنسان تعب حتى يجدها فكان كتاب الهروي أقرب متناولا وأسهل مأخذاً.
وصنف الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني كتابا فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث مناسبة وفائدة ورتبه كما رتبه ثم قال: واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفت عليها لأن كلام العرب لم ينحصر. وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة سماه كتاب الغث كمل به الغريبين ومعاصره أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الإمام ابن الجوزي صنف كتابا في غريب الحديث نهج فيه طريق الهروي مجردا عن غريب القرآن وكان فاضلا لكنه يغلب عليه الوعظ وقال فيه: قد فاتهم أشياء فرأيت أن أبذل الوسع في جمع غريب وأرجو أن لا يشذ عني مهم من ذلك قال ابن الأثير: ولقد تتبعت كتابه فرأيته مختصرا من كتاب الهروي منتزعا من أبوابه شيئا فشيئا ولم يزد عليه إلا الكلمة الشاذة وأما أبو موسى فإنه لم يذكر في كتابه مما ذكره الهروي لا كلمة اضطر إلى ذكرها فإن كتابه أيضا يضاهي كتاب الهروي لأن وضعه استدراك ما فات الهروي ولما وقفت على ذينك الكتابين وهما في غاية من الحسن وإذا أراد أحد كلمة غريبة يحتاج إليهما وهما كبيران ذوا مجلدات عدة فرأيت أن أجمع بين ما فيهما من غريب الحديث مجرد من غريب القرآن وأضيف كل كلمة إلى أختها وتمادت بين الأيام فحينئذ أمعنت النظر في الجمع بين ألفاظهما فوجدتهما على كثرة ما أودع فيهما قد فاتهما الكثير فإني في بادئ الأمر مر بذكري كلمات غريبة من أحاديث البخاري ومسلم لم يرد شيء منها في هذين الكتابين فحيث عرفت نبهت لاعتبار ما سوى هذين من كتب الحديث فتتبعتها واستقصيت قديما وحديثا فرأيت فيها من الغريب كثيرا وأضفت ما عثرت عليه.
وأنا أقول: كم يكون ما قد فاتني من الكلمات الغريبة تشتمل عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم ذخيرة لغيري انتهى كلام ابن الأثير من كتابه المسمى بالنهاية ملخصاً.
أقول: وصنف الأرموي بعده كتابه في تتمة كتابه وصنف مهذب الدين بن الحاجب عشر مجلدات وتصنيف قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي المتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة بسرقسطة كان في عصر الحربي ذلك في الشرق هذا في الغرب ولم يطلع أحدهما على ما صنع الأخر ذكره البقاعي رحمه الله تعالى.

علم الفلسفيات

علم الفلسفيات
العلوم الفلسفية أربعة أنواع: رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية. فالرياضية على أربعة أقسام.
الأول: علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس وتحته علم الوفق وعلم الحساب الهندي وعلم الحساب القبطي والزنجي وعلم عقد الأصابع.
الثاني: علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية وتحتها علم المساحة وعلم التكسير وعلم رفع الأثقال وعلم الحيل المائية والهوائية والمناظر والحزب.
الثالث: علم الإسطرلاب قوميا وهو: علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل.
الرابع: علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع والعروض، والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع:
الأول: أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر.
الثاني: بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب.
الثالث: بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل.
الرابع: الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان. الخامس: سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة.
والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع:
الأول: علم المــبادئ وهو: معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي: الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة.
الثاني: علم السماء والعالم وما فيه.
الثالث: علم الكون والفساد.
الرابع: علم حوادث الجو.
الخامس: علم المعادن.
السادس: علم النبات.
السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه.
الرابع: العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع:
الأول: علم الواجب وصفته.
الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة.
الثالث: العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض.
الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع:
الأول: علم سياسة النبوة.
الثاني: علم سياسة الملك وتحته الفلاحة والرعايا وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن.
الثالث: علم قود الجيش ومكائد الحرب والبيطرة والبيزرة وآداب الملوك.
الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة وعلم سياسة الخاصة وهي سياسة المنزل.
الخامس: علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق.
فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.
ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل؛ ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية.
وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني.
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو.
ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين.
وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس.
ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان.
ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد أول مفرد وهو العاشر ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.
وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر1 ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات.
ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها.
وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة. أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما.
واعلم: إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء.
وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض.
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها.
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية.
وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين.
أحدهما: جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده.
وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس.
وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.
وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون.
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين.
وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة.
وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار.
هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قال الغزالي في الإحياء: الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء.
أحدها: الهندسة والحساب وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم.
قال الثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام.
الثالث: الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة.
الرابع: الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم.

علم المواقيت

علم المواقيت
كذا في كشف الظنون قال في مدينة العلوم: وهو علم يتعرف منه أزمنة الأيام والليالي وأحوالها وكيفية التوصل إليها ومنفعته معرفة أوقات العبادات والطوالع والمطالع من أجزاء البروج والكوكب الثابتة التي منها منازل القمر ومقادير الأظلال والارتفاعات وانحراف البلدان بعضها عن بعض وسموتها ومن المصنفات فيه نفائس البواقيت في أحوال المواقيت وجامع المــبادئ والغايات لأبي علي المراكشي انتهى.

علم النحو

علم النحو
علم باحث عن أحوال المركبات الموضوعة وضعا نوعيا لنوع نوع من المعاني التركيبية النسبية من حيث دلالتها عليها.
وغرضه: تحصيل ملكة يقتدر بها على إيراد تركيب وضع وضعا نوعيا لما أراده المتكلم من المعاني وعلى فهم معنى أي مركب كان بحسب الوضع المذكور.
وغايته: الاحتراز عن الخطأ في تطبيق التراكيب العربية على المعاني الوضعية الأصلية.
ومباديه: المقدمات الحاصلة من تتبع الألفاظ المركبة في موارد الاستعمالات.
وموضوعه: المركبات والمفردات من حيث وقوعها في التراكيب والأدوات لكونها روابط التراكيب وإنما يبحث عنها في النحو على وجه المبدئية لأنها من مسائل اللغة حقيقة كذا في مدينة العلوم.
وقال في كشف الظنون: وتعريفه وموضوعه مستغن عن التعريف فأنه مشهور والكتب المؤلفة فيه كثيرة معروفة.
قال في مدينة العلوم: علم النحو من فروض الكفايات إذ يحتاج إليه الاستدلال بالكتاب والسنة.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون علم النحو ويسمى: علم الإعراب أيضا على ما في شرح اللب وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما وكيفية ما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها فيه من حيث هو هو أولا وقوعها فيه كذا في الإرشاد.
وموضوعه: اللفظ الموضوع مفردا كان أو مركبا وهو الصواب كذا قيل.
يعني موضوع النحو: اللفظ الموضوع باعتبار هيئته التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية لا مطلقا فإنه موضوع العلوم العربية.
وقيل: الكلمة والكلام.
وقيل: هو المركب بإسناد أصلي.
ومباديه: حدود ما تبتني عليه مسائله كحد المبتدأ والخبر مقدمات حججها أي أجزاء علل المسائل كقولهم في حجة رفع الفاعل أنه أقوى الأركان والرفع أقوى الحركات ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم. الكلمة: إما معرب أو مبني أو جزئه كقولهم آخر الكلمة محل الأعراب أو جزئية كقولهم: الاسم بالسببين يمتنع عن الصرف أو عرضه كقولهم: الخبر.
إما مفردا وجملة أو خاصته كقولهم الإضافة تزاحم التنوين ولو بواسطة أو وسائط أي ولو كان تعلق الأحكام بأحد هذه الأمور ثابتا بواسطة أو وسائط كقولهم الأمر يجاب بالفاء فالأمر جزئي من الإنشاء والإنشاء جزئي من الكلام.
والغرض منه: الاحتراز عن الخطأ في التأليف والاقتدار على فهمه والإفهام به هكذا في الإرشاد وحواشيه وغيرها انتهى حاصله.
قال ابن خلدون رحمه الله: اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل الساني فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم وكانت الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني مثل: الحركات التي تعين الفاعل من المفعول ومن المجرور أعني المضاف ومثل: الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة ولذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً". فصار للحروف في لغتهم والحركات والهيئات أي: الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها إنما ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا فلما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقي إليه السمع من المخالفات التي للمتعربين والسمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على الفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل: أن الفاعل مرفوع المفعول منصوب والمبتدأ مرفوع.
ثم رأوا تغير الدلالة بتغيير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو.
وأول من كتب فيها: أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة ويقال: بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكة فأشار عليه بحفظها ففرغ إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة.
ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب فهذب الصناعة وكمل أبوابها.
وأخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها واستكثر من أدلتها وشواهدها ووضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماما لكل ما كتب فيها من بعده. ثم وضع أبو علي الفارسي وأبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه.
ثم طال الكلام في هذه الصناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصرين القديمين للعرب وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في أعراب كثير من أي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين.
وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل. كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل وأمثاله.
أو اقتصارهم على المــبادئ للمتعلمين كما فعله الزمخشري في المفصل وابن الحاجب في المقدمة له وربما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفية.
وبالجملة فالتأليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو تحاط بها وطرق التعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدمين غايرة لطريقة المتأخرين والكوفيون والبصريون والبغداديون والأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك وقد كادت هذه الصناعة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم والصنائع بتناقص العمران ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الأعراب مجملة ومفصلة وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها وسماه بالمغني في الإعراب وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها وضبطها بأبواب ومفصول وقواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها وكأنه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه والله يزيد في الخلق ما يشاء انتهى.
قال في مدينة العلوم: ومن الكتب المشهورة في علم النحو مقدمة لابن الحاجب المسماة بالكافية والناس قد اعتنوا بالكافية أشد الاعتناء بحيث لا يمكن إحصاء شروحها وأجلها الذي سار ذكره في الأمصار والأقطار مسير الصبا والأمطار شرح العرمة نجم الأئمة رضي الدين الإسترآبادي وهو شرح عظيم الشأن جامع لكل بيان وبرهان تضمن من المسائل أفضلها وأعلاها ولم يغادر من الفوائد صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
قال السيوطي في طبقات النحاة: لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ العصر في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب ينفرد بها وله شرح على الشافية انتهى.
ويروى: أن رضي الدين كان على مذهب الرفض يحكى أنه: كان يقول العدل في عمر ليس بتحقيقي موضع قوله العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل.
ومن شروح الكافية شرح السيد ركن الدين كبير ومتوسط صغير وهذا المتوسط متداول بين الناس على أيدي المبتدئين. وشرح الفاضل السامي الشيخ عبد الرحمن الجامي بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله في بلادنا أغنتنا عن التعرض لترجمته.
وشرح جلال الدين الغجدواني أحمد بن علي قال السيوطي هذا الشرح مشهور بأيدي الناس
وشرح النجم السعيدي.
وشرح تقي الدين النيلي وشرح المصنف للمتن وفيه أبحاث حسنة.
ومن المختصرات لب الألباب وعليه شروح أحسنها شرح السيد عبد الله العجمي نقره كار ومعناه: صانع الفضة ولب الإعراب لتاج الدين الإسفرائيني وله شروح منها شرح قطب الدين الفالي وشرح الإمام الزوزني محمد بن عثمان وزوزن بلدين هراة ونيسابور.
وشرح الشيخ علي الشهير بمصنفك كان من أولاد الإمام فخر الدين الرازي والرازي يصرح في مصنفاته بأنه من أولاد عمر بن الخطاب وذكر أهل التاريخ أنه من أولاد أبي بكر الصديق.
ومن المختصرات أيضا: المصباح للإمام المطرزي وشرحه ضوء المصباح للإسفرايئني.
والعمدة لابن مالك وعليه شروح منها: شرح ابن جابر الأندلسي.
وألفية جلال الدين السيوطي ومن المنظومات ملحة الإعراب لأبي القاسم الحريري.
وأرجوزة الشيخ ابن الحاجب نظم الكافية على أحسن وجه خاليا عن تكلف النظم.
ومن المبسوطات: شروح المفصل منها: الإيضاح لابن الحاجب وشرح ابن يعيش والإقليد للجندي وكتاب مغنى اللبيب عن كتب الأعازيب لابن هشام وله مختصر سماه قواعد الإعراب وعليهما شروح نافعة.
قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه قال السيوطي: وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده انتهى حاصل ما في مدينة العلوم وقد أطال في بيان تراجم النحاة المذكورين.

علم النظر

علم النظر
هو: علم يبحث فيه عن كيفية إيراد الكلام بين المناظرين. وموضوعه: الأدلة من حيث إنها يثبت بها المدعي على الغير ومباديه: أمور بينة بنفسها.
والغرض منه: تحصيل ملكة طرق المناظرة لئلا يقع الخبط في البحث فيصبح الصواب خطأ.
ومن الكتب المختصرة فيه: غاية الاختصار رسالة لمولانا عضد الدين وقد بين قواعدها كلها في مقدار عشرة أسطر وشرحها بعض الفضلاء المعاصرين لنا شرحا حسنا وهو مولانا محمد بن محمد البردعي وكان ذكيا في الغاية مات سنة 927، ورسالة شمس الدين السمرقندي صاحب قسطاس الميزان وهذه الرسالة أشهر كتب هذا الفن وعليها شروح وكتاب مولانا سنان الدين الكنجي وكنجة: قرية من قرى بردع ولم يتفق له شرح إلى الآن قاله في مدينة العلوم وفيه في موضع آخر.
علم النظر
وهو: القواعد المنطقية من حيث إجرائها في الأدلة السمعية فصورة تلك القواعد وإن كانت جارية على منهاج العقل لكن موادها مستنبطة من الشرع ولهذا الاعتبار جعل ابن الحاجب القواعد المنطقية من مــبادئ أصول الفقه.

علم الهيئة

علم الهيئة
ذكره في كشف الظنون ولم يزد على ذلك. وقال في مدينة العلوم: هو علم يعرف منه أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها ومقاديرها وأبعادها.
وموضوعه الأجرام المذكورة من الحيثية المذكورة وقد يذكر هذا العلم تارة مع براهينها الهندسية كما هو الأصل وهذا هو المذكور في المجسطي لبطليموس ولخصه الأبهري وعربه.
ومن الكتب المختصرة: فيه هيئة ابن أفلح.
ومن المبسوطة: القانون المسعودي لأبي ريحان البيروتي وشرح المجسطي للنيروزي وقد تجرد عن البراهين ويقتصر على التصور والتخيل دون اليقين ويسمى هيئة بسيطة.
ومن المختصر فيه: التذكرة لنصير الدين الطوسي.
ومن المتوسط: هيئة العرضي ومن المبسوطة: أيضا التحفة ونهاية الإدراك كلاهما للعلامة قطب الدين الشيرازي.
ومن المختصرة: الملخص المشهور لمحمود الجغميني وعليه شروح منها: شرح لفضل الله العبيدي وكمال الدين الزاكاني والشريف الجرجاني.
وأحسن الشروح شرح الفاضل قاضي زادة الرومي.
ومن المختصرة النافعة فيه: غاية النفع كتاب النخبة لعلي بن محمد القوشجي وعليه شرح لمولانا سنان الدين وشرحه أستاذي محمود بن محمد بن قاضي زاده الرومي وهو ابن بنت المصنف علي بن محمد القوشجي كتبه عند قراءتي عليه الكتاب المذكور وهذا الشرح من أحسن المؤلفات في هذا الفن وكانت القدماء قد اقتصروا في هيئة الأفلاك على الدوائر المجردة وتسمى: هيئة مسطحة وفيه كتاب لأبي علي بن الهيثم انتهى كلامه.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: علم الهيئة: هو من أصول الرياضي وهو علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية من حيث الكمية والكيفية والوضع والحركة اللازمة لها وما يلزم منها.
فالكمية إما منفصلة: كأعداد الأفلاك وبعض الكواكب دون أعداد العناصر فإنها مأخوذة من الطبعيات وأما متصلة: كمقادير الأجرام والأبعاد واليوم وأجزاءه وما يتركب منها.
وأما الكيفية: فكالشكل إذ تتبين فيه استدارة هذه الأجسام وكلون الكواكب وضوئها.
وأما الوضع: فكقرب الكواكب وبعدها عن دائرة معينة وانتصاب دائرة وميلانها بالنسبة إلى سمت رؤوس سكان الأقاليم وحيلولة الأرض بين النيرين والقمر بين الشمس والأبصار ونحو ذلك.
وأما الحركة فالمبحوث عنه في هذا الفن منها هو قدرها وجهتها.
وأما البحث عن أصل الحركة وإثباتها للأفلاك فمن الطبعيات والمراد باللازمة الدائمة على زعمهم وهي حركات الأفلاك والكواكب واحترز بها عن حركات العناصر كالرياح والأمواج والزلازل فإن البحث عنها من الطبعيات.
وأما حركة الأرض من المغرب إلى المشرق وحركة الهواء بمشايعتها وحركة النار بمشايعة الفلك فمما لم يثبت ولو ثبت فلا يبعد أن يجعل البحث عنها من حيث القدر والجهة من مسائل الهيئة والمراد بما يلزم من الحركة الرجوع والاستقامة التذكرة هذا القيد - أعني قيد ما يلزم منها - والظاهر أنه لا حاجة إليه.
والغرض من قيد الحيثية: الاحتراز عن علم السماء والعالم فإن موضوعه البسائط المذكورة أيضا لكن يبحث فيه عنها لا عن الحيثية المذكورة بل من حيث طبائعها ومواضعها والحكمة في ترتيبها ونضدها وحركاتها إلا باعتبار القدر والجهة.
وبالجملة فموضوع الهيئة الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات المخصوصة ونحوها وموضوع علم السماء والعالم الذي هو من أقسام الطبعي الجسم البسيط أيضا لكن من حيث إمكان عروض التغير والثبات وإنما زيد لفظ الإمكان إشارة إلى أن ما هو من جزء الموضوع ينبغي أن يكون مسلم الثبوت وهو إمكان العروض لا العروض بالفعل.
وقيل: موضوع كل من العلمين الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات والتمايز بينهما إنما هو بالبرهان فإن أثبت المطلوب بالبرهان الآني يكون من الهيئة وإن أثبت بالبرهان اللمي يكون من علم السماء والعالم فإن تمايز العلوم كما يكون بتمايز الموضوعات كذلك قد يقع بالمحمولات والقول بأن التمايز في العلوم إنما هو بالموضوع فأمر لم يثبت بالدليل بل هو مجرد رعاية مناسبة.
واعلم أن الناظر في حركات الكواكب وضبطها وإقامة البراهين على أحوالها يكفيه الاقتصار على اعتبار الدوائر ويسمى ذلك هيئة غير مجسمة ومن أراد تصور مــبادئ تلك الحركات على الوجه المطابق لقاعد الحكمة فعليه تصور الكرات على وجه تظهر حركات مراكز الكواكب وما يجري مجراها في مناطقها ويسمى ذلك هيئة مجسمة وإطلاق العام على المجسمة مجاز ولهذا قال صاحب التذكرة:
إنها ليست بعلم تام لأن العلوم هو التصديق بالمسائل على وجه البرهان فإذا لم يورد بالبرهان يكون حكاية للمسائل المثبتة بالبرهان في موضع آخر هذا كله خلاصة ما ذكره عبد العلي البرجندي في حواشي شرح الملخص.
والمذكور في علم الهيئة ليس مبينا على المقدمات الطبعية والإلهية وما جرت به العادة من تصدير المصنفين كتبهم بها إنما هو بطريق المتابعة للفلاسفة وليس ذلك أمرا واجبا بل يمكن إثباته من غير ملاحظة الابتناء عليها فإن المذكور فيه بعضه مقدمات هندسية لا يتطرق إليها شبهة مثلا: مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بان نور القمر مستفاد من نور الشمس وبعضه مقدمات يحكم بها العقل بحسب الأخذ لما هو الأليق والأحرى كما يقولون: إن محدب الحامل يماس محدب الممثل على نقطة مشتركة وكذا مقعره بمقعره ولا مستند لهم غير أن الأولى أن لا يكون في الفلكيات فضل لا يحتاج إليه وكذا الحال في أعداد الأفلاك من أنها تسعة وبعضه مقدمات يذكرونها على سبيل التردد دن الجزم كما يقولون أن اختلاف حركة الشمس بالسرعة والبطء إما بناء على أصل الخارج أو على أصل التدوير من غير جزم بأحدهما فظهر أن ما قيل: من أن إثبات مسائل هذا الفن مبني على أصول فاسدة مأخوذة من الفلاسفة من نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك وغير ذلك ليس بشيء ومنشأه عدم الاطلاع على مسائل هذا الفن ودلائله. وذلك لأن مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بأن نور القمر حاصل من نور الشمس وإن الخسوف إنما هو بسبب حيلولة الأرض بين النيرين والكسوف إنما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والبصر مع القول بثبوت القادر المختار ونفي تلك الأصول المذكور فإن ثبوت القادر المختار وانتفاء تلك الأصول لا ينفيان أن يكون الحال ما ذكر غاية الأمر أنهما يجوزان الاحتمالات الآخر مثلا: على تقدير ثبوت القادر المختار يجوز أن يسود القادر بحسب أرادته وينور وجه القمر على ما يشاهد من التشكلات البدرية والهلالية وأيضا يجوز على تقدير الاختلاف في حركات الفلكيات وسائر أحوالها أن يكون أحد نصفي كل من النيرين مضيئا والآخر مظلما ويتحرك النيران على مركزيهما بحيث يصير وجهاهما المظلمان مواجهين لنا في حالتي الخسوف والكسوف إما بالتمام إذا كانا تامين أو بالبعض إن كانا ناقصين وعلى هذا القياس حال التشكلات البدرية والهلالية لكنا نجزم مع قيام الاحتمالات المذكور أن الحال على ما ذكر من استفادة القمر النور من الشمس وأن الخسوف والكسوف بسبب الحيلولة ومثل هذا الاحتمال قائم في العلوم العادية والتجريبية أيضا بل في جميع الضروريات مع أن القادر المختار يجوز أن يجعلها كذلك بحسب إرادته بل على تقدير أن يكون المبدأ موجبا يجوز أن يتحقق وضع غريب من الأوضاع الفلكية فيقتضي ظهور ذلك الأمر الغريب على مذهب القائلين بالإيجاب من استناد الحوادث إلى الأوضاع الفلكية وغير ذلك مما هو مذكور في شبه القادحين في الضروريات.
ولو سلم أن إثبات مسائل هذا الفن يتوقف على تلك الأصول الفاسدة فلا شك أنه إنما يكون ذلك إذا ادعى أصحاب هذا الفن أنه لا يمكن إلا على الوجه الذي ذكرنا.
أما إذا كان دعواهم أنه يمكن أن يكون على ذلك الوجه ويمكن أن يكون على الوجوه الآخر فلا يتصور التوقف حينئذ وكفى بهم فضلا أنهم تخيلوا من الوجوه الممكنة ما تنضبط به أحوال تلك الكواكب مع كثرة اختلافاتها على وجه تيسر لهم أن يعينوا مواضع تلك الكواكب واتصالات بعضها ببعض في كل وقت وأرادوا بحيث يطابق الحس والعيان مطابقة تتحير فيها العقول والأذهان كذا في شرح التجريد وهكذا يستفاد من شرح المواقف في موقف الجواهر في آخر بيان محدد الجهات.
وفي إرشاد القاصد الهيئة: وهو علم تعرف به أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها وأبعاد ما بينها وحركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها.
وموضوعه: الأجسام المذكورة من حيث كميتها وأوضاعها وحركاتها اللازمة لها.
وأما العلوم المتفرعة عليه فهي خمسة وذلك لأنه إما أن يبحث عن إيجاد ما تبرهن بالفعل أولا.
الثاني: كيفية.
الأرصاد والأول: إما حساب الأعمال أو التوصل إلى معرفتها بالآلات.
فالأول منهما: إن اختص بالكواكب المجردة فهو علم الزيجات والتقاويم وإلا فهو علم المواقيت.
والآلات: إما شعاعية أو ظلية فإن كانت شعاعية فهو علم تسطيح الكرة وإن كانت ظلية فعلم الآلات الظلية وقد ذكرنا هذه العلوم في هذا الكتاب على نهج الترتيب المختار فيه.
وقال ابن خلدون: هو علم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيرة ويتسدل بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق هندسة كما يبرهن على أن مركز الأرض مبائن لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال والأدبار وكما يستدل بالرجوع والاستقامة للكواكب على وجود أفلاك صغيرة حاملة لها متحركة داخل فلكها الأعظم وكما يبرهن على وجود الفلك الثامن بحركة الكواكب الثابتة وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكوكب الواحد بتعدد الميلول له وأمثال ذلك وإدراك الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها إنما هو بالرصد فإنا إنما علمنا حركة الإقبال والأدبار به وكذا ترتيب الأفلاك في طبقاتها وكذا الرجوع والاستقامة وأمثال ذلك.
وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين وكانت تسمى عندهم: ذات الحلق وصناعة عملها والبراهين عليه في مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس.
وأما في الإسلام: فلم تقع به عناية إلا في القليل وكان في أيام المأمون شيء منه وصنع الآلة المعروفة للرصد المسماة: ذات الحلق وشرع في ذلك فلم يتم ولما مات ذهب رسمه وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال الأحقاب.
وإن مطابقة حركة الآلة في الرصد بحركة الأفلاك والكواكب إنما هو بالتقريب ولا يعطى التحقيق فإذا طال الزمان ظهر تفاوت ذلك بالتقريب.
وهذه الهيئة صناعة شريفة وليست على ما يفهم في المشهور إنها تعطي صورة السموات وترتيب الأفلاك والكواكب بالحقيقة بل إنما تعطي أن هذه الصور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت تعلم أنه لا يبعد أن يكون الشيء الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا:
إن الحركات لازمة فهو استدلال باللازم على وجود الملزوم ولا يعطي الحقيقة بوجه على أنه علم جليل وهو أحد أركان التعاليم.
ومن أحسن التآليف فيه: كتاب المجسطي منسوب لبطليموس وليس من ملوك اليونان الذين أسماهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشفاء ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن السمح وابن الصلت في كتاب الاقتصار ولابن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله علم الإنسان ما لم يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العلمين انتهى كلام ابن خلدون. وقد بسطنا القول في الهيئة في كتابنا لقطة العجلان فمن شاء أن يطلع عليه فعليه به والله الموفق. 

علم الحساب

علم الحساب
هو علم بقواعد تعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة من الجمع والتفريق والتصنيف والتضعيف والضرب والقسمة.
والمراد بالاستخراج معرفة كمياتها.
وموضوعه العدد إذ يبحث فيه عن عوارضه الذاتية والعدد هو الكمية المتألفة من الوحدات فالوحدة مقومة للعدد وأما الواحد فليس بعدد ولا مقوم له وقد يقال لكل ما يقع تحت العد فيقع على الواحد وعبارة ابن خلدون هي صناعة عملية في حساب الأعداد بالضم والتفريق فالضم يكون في الأعداد بالإفراد هو الجمع وبالتضعيف وهو تضاعف عددا بآحاد عدد آخر وهذا هو الضرب والتفريق أيضا يكون في الأعداد.
أما بالإفراد مثل إزالة عدد من عدد ومعرفة الباقي وهو الطرح.
أو تفصيل عدد بأجزاء متساوية تكون عدتها محصلة وهو القسمة وسواء كان هذا الضم التفريق في الصحيح من العدد أو الكسر.
ومعنى الكسر نسبة عدد إلى عدد تلك النسبة تسمى كسر أو كذلك يكون بالضم والتفريق في الجذور ومعناها العدد الذي يضرب في مثله فيكون منه العدد المربع فإن تلك الجذور أيضا يدخلها الضم والتفريق.
وهذه الصناعة حادثة احتيج إليها للحساب في المعاملات انتهى.
ومنفعته ضبط المعاملات وحفظ الأموال وقضاء الديون وقسمة المواريث والتركات وضبط ارتفاعات المماليك وغير ذلك.
ويحتاج إليه في العلوم الفكلية وفي المساحة والطب وقيل يحتاج إليه في جميع العلوم بالجملة ولا يستغني عنه ملك ولا عالم ولا سوقة وزاد شرفا بقوله - سبحانه وتعالى -: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} وبقوله تعالى: {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} وقوله تعالى: {فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} ولذلك ألف فيه الناس كثيرا وتداولوه في الأمصار بالتعليم للولدان.
ومن أحسن التعليم عند الحكماء الابتداء به لأنه معارف متضحة وبراهينه منتظمة فينشأ عنه في الغالب عقل مضيء يدل على الصواب وقد يقال إن من أخذ نفسه بتعلم الحساب أول أمره يغلب عليه الصدق لما في الحساب من صحة المباني ومنافسة النفس فيصير له ذلك خلقا ويتعود الصدق ويلازمه مذهبا.
وهو مستغلق على المبتدئ إذا كان من طريق البرهان وهذا شأن علوم التعاليم لأن مسائلها وأعمالها واضحة وإذا قصد شرحها وهو التعليل في تلك الأعمال ظهر من العسر على الفهم مالا يوجد في أعمال المسائل.
وهو فرع علم العدد المسمى بالأرتماطيقي وله فروع أوردها صاحب مفتاح السعادة بعد أن جعل علم العدد أصلا وعلم الحساب مرادفا له مع كونه فرعا حيث قال:
الشعبة الثامنة في فروع علم العدد وقد يسمى بعلم الحساب فعرفه بتعريف مغاير لتعريف علم العدد.
قال في مدينة العلوم ولعلم الحساب فروع.
منها علم حساب التخت والميل وهو علم يتعرف منه كيفية مزاولة الأعمال الحسابية برقوم تدل على الآحاد وتغني عما عداها بحفظ المراتب وتنسب هذه الأرقام إلى الهند انتهى.
وقال صاحب الكشف:
بل هو علم بصور الرقوم الدالة على الأعداد مطلقا ولكل طائفة أرقام دالة على الآحاد الأرقام الهندية والرومية والمغربية والإفرنجية والنجومية وغيرها ويقال له التخت والتراب أيضا انتهى
ونفع هذا العلم ظاهر ولابن الهيثم كتاب برهن فيه بمعرفة أصول أعماله ببراهين عددية لما فيسه من تسيهل الأعمال الحسابية.
ومن الكتب الشاملة فيه كتاب نصير الدين الطوسي وكتاب: البهائية وشرحه وكتاب المحمدية لعلي القوشجي وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى.
ولأهل المغرب طرق ينفردون بها في الأعمال الجزئية من هذا العلم فمنها قريبة المآخذ لطرق ابن الياسين ومنها بعيدة كطرق الحضار كذا في المدينة.
ومنها علم الجبر والمقابلة وقد سبق في الجيم.
ومنها علم حساب الخطأين وهو قسم من مطلق الحساب وسيأتي في الخاء المعجمة وإنما جعل علما برأسه لتكثير الأنواع.
ومنها علم حساب النجوم وهو علم يبحث فيه عن كيفية حساب الأرقام الواقعة في الزيجات وهذا وإن كان من فروع علم العدد إلا أنه لما امتازت عن سائر علم الحساب بقواعد مخصوصة يعرفها أهلها وتوقف علم التقويم عليه جعلوه علما برأسه.
ومنها علم حساب الدور والوصايا وهو علم يتعرف منه مقدار ما يوصي به إذا تعلق بدور في بادئ النظر.
مثال: رجل وهب لعتقه في مرض موته مائة درهم لا مال له غيرها فقبضها ومات قبل موت سيده وخلف بنتا والسيد المذكور ثم مات السيد فظاهر المسئلة أن الهبة تمضي من المائة في ثلثها فإذا مات المعتق رجع إلى السيد نصف الجائز بالهبة فيزداد مال السيد من إرثه وهلم جراً.
وبهذا العلم يتعين مقدار الجائز بالهبة.
وظاهر أن منفعة هذا العلم جليلة وإن كانت الحاجة إليه قليلة ومن كتبه كتاب لأفضل الدين الخونجي.
أقول هذا العلم يؤول إلى علم الجبر والمقابلة وفيه تأليف لطيف لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائتين وكتاب نافع لأحمد بن محمد الكرابيسي وكتاب مفيد لأبي كامل شجاع بن مسلم ذكر فيه كتاب الوصايا بالجذور للحجاج بن يوسف. ومنها: علم حساب الدرهم والدينار وهي علم يتعرف منه كيفية استخراج المجهولات العددية التي تزيد عدتها على المعادلات الجبرية ولهذه الزيادة لقبوا تلك المجهولات بالدرهم والدينار والفلس وغير ذلك ومنفعته كمنفعة الجبر والمقابلة فيما يكثر فيه الأجناس المعادلة:
ومن الكتب المؤلفة فيه كتاب لابن فلوس إسماعيل بن إبراهيم بن غازي المارديني الحنبلي المتوفى سنة سبع وثلاثين وستمائة والرسالة المغربية والرسالة الشاملة للخرقي والكافي الكرخي. ومختصره للسمؤل بن يحيى بن عباس المغربي الإسرائيلي المتوفى سنة ست وسبعين وخمسمائة كذا في إرشاد القاصد وكتاب لابن المحلي الموصلي.
ومن المبسوطة فيه الكافي والكامل لأبي القاسم بن السمح.
ومنها علم حساب الفرائض وهو معرفة فروض الوراثة وتصحيح سهام الفريضة مما نصح باعتبار فروضها الأصول أو مناسختها وذلك إذا هلك أحد الورثة وانكسرت سهامه على فروض ورثته فإنه حينئذ يحتاج إلى حساب يصحح الفريضة الأولى حتى يصل أهل الفروض جميعا في الفريضتين إلى فروضهم من غير تجزية.
وقد تكون هذه المناسخات أكثر من واحد واثنين وتتعدد لذلك بعدد أكثر وبقدر ما تتعدد تحتاج إلى الحسبان.
وكذلك إذا كانت فريضة ذات وجهين مثل أن يقر بعض الورثة بوارث وينكره الآخر فتصحح على الوجهين حينئذ وينظر مبلغ السهام ثم تقسم التركة على نسب سهام الورثة من أصل الفريضة وكل ذلك يحتاج إلى الحسبان وكان غالبا فيه وجعلوه فناء مفردا وللناس فيه تآليف كثيرة.
أشهرها عند المالكية من متأخري الأندلس كتاب ابن ثابت ومختصر القاضي أبي القاسم الحوفي ثم الجعدي.
ومن متأخري إفريقية ابن النمر الطرابلسي وأمثالهم.
وأما الشافعية والحنفية والحنابلة فلهم فيه تآليف كثيرة وأعمال عظيمة صعبة شاهدة لهم باتساع الباع في الفقه والحساب
وقد يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث المنقول عن أبي هريرة رضي الله عنه إن الفرائض ثلث العلم وإنها أول ما ينسى وفي رواية نصف العلم خرجه أبو نعيم الحافظ واحتج به أهل الفرائض بناء على أن المراد بالفرائض فروض الوراثة.
والذي يظهر أن هذا المحمل بعيد وأن المراد بالفرائض إنما هي الفرائض التكليفية في العبادات والعادات والمواريث وغيرها وبهذا المعنى يصحح فيها المنصفية والثلثية وأما فروض الوراثة فهي أقل من ذلك كله بالنسبة إلى علم الشريعة كلها أو يعين هذا المراد أن حمل اللفظ للفرائض على هذا الفن المخصوص أو تخصيصه بفروض الوراثة إنما لهو صلاح ناشئ للفقهاء عند حدوث الفنون 2 / 243 والاصطلاحات ولم يكن صدر الإسلام يطلق على هذا الأعلى عموم مشتقا من الفرض الذي هو لغة التقدير أو القطع وما كان المراد به في إطلاقه إلا جميع الفروض كما قلناه وهي حقيقته الشرعية فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل في عصرهم والله - سبحانه وتعالى - أعلم وبه التوفيق انتهى كلام ابن خلدون ملخصا. ومنها علم حساب الهواء وهو علم يتعرف منه كيفية حساب الأموال العظيمة في الخيال بلا كتابة ولها طرق وقوانين مذكورة في بعض الكتب الحسابية وهذا العلم عظيم النفع للتجار في الأسفار وأهل السوق من العوام الذين لا يعرفون الكتابة وللخواص إذا عجزوا عن إحضار آلات الكتابة.
ومنها علم حساب العقود أي عقود الأصابع وقد وضعوا كلا منها بإزاء عدد مخصوص ثم رتبوا الأوضاع الأصابع آحادا وعشرات ومئات وألوفا ووضعوا قواعد يتعرف بها حساب الألوف فما فوقها بيد واحدة.
وهذا عظيم النفع للتجار سيما عند استعجام كل من المتبايعين لسان الأخر عند فقد آلات الكتابة والعصمة عن الخطأ في هذا العلم أكثر من حساب الهواء.
وكان هذا العلم يستعمله الصحابة رضي الله عنهم كما وقع في الحديث في كيفية وضع اليد على الفخذ.
ومنه في التشهد أنه عقد خمسا وخمسين وأراد بذلك هيئة وضع الأصابع لأن هيئة عقد خمس وخمسين في علم العقود هي عقد أصابع اليد غير السبابة والإبهام وتحليق الإبهام معها وهذا الشكل في العلم المذكور دال على العدد المرقوم فالراوي ذكر المدلول وأراد الدال.
وهذا دليل على شيوع هذا العلم عندهم والمراد بالعقود في تمثيل الدلالة غير اللفظية الوضعية هي عقود الأصابع حيث مثلوها بالخطوط والعقود والإشارات والنصب وفي هذا العلم أرجوزة لابن الحرب أورد فيها مقدار الحاجة ورسالة لشرف الدين اليزدي أورد فيها قدر الكفاية.
ومنها علم إعداد الوفق وتقدم في الألف.
ومنها علم خواص الأعداد المتحابة والمتباغضة وسيأتي في الخاء.
ومنها علم التعابي العددية وقد سبق في التاء وهذه الثلاثة من فروع علم العدد من حيث الحساب ومن فروع الخواص من جهة أخرى ولذلك أوردناها إجمالا كما أوردها صاحب مفتاح السعادة ومدينة العلوم وأما علم حساب النجوم فهو علم يتعرف منه قوانين حساب الدرج والدقائق والثواني والثوالث بالضرب والقسمة والتجذير والتفريق ومرابتها في الصعود والنزول وتقدم وفيه كتب مفردة غير ما بين في مبسوطات الكتب الحسابية وأما المصنفات في علم الحساب مطلقا فكثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون على ترتيب الكتاب إجمالا لا نطول بذكرها.

فُلَيْسِفة

فُلَيْسِفة
من (ف ل س ف) تصغير كلمة فَلْسفة بمعنى تفسير المعرفة تفسيرا عقليا ودراسة المــبادئ الأولى وتشمل المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.