Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: الكل

الْكَلم من الْكَلِمَة

الْكَلــم من الْكَلِــمَة: أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَلِــمَة بِمَنْزِلَة التَّمْر من الثَّمَرَة يفرق بَين الْجِنْس وواحده بِالتَّاءِ فكلمة من فِي مثل هَذَا الْمقَام لبَيَان معنى النِّسْبَة وَقيل كلمة من فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابتدائية إِلَّا أَن الِابْتِدَاء بِاعْتِبَار الِاتِّصَال وَالْمعْنَى أَن الْكَلــم حَال كَونه ناشئا من الْكَلِــمَة مُتَّصِلا بهَا بِمَنْزِلَة التَّمْر حَال كَونه ناشئا من التمرة مُتَّصِلا بهَا. وَمُلَخَّصه أَن اتِّصَال الْكَلــم بِــالْكَلِــمَةِ مثل اتِّصَال التَّمْر بالتمرة وَالْأول أولى لأَنهم قَالُوا إِن أصل هَذَا التَّرْكِيب لما وَقع فِي النِّسْبَة بِالْقربِ والبعد شاع اسْتِعْمَاله بِمن فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِي التَّلْوِيح.

الكلّي

الكلّــي:
[في الانكليزية] Universal ،general
[ في الفرنسية] Universel general
عند المنطقيين يطلق بالاشتراك على معان.
الأول الكلّــي الحقيقي وهو المفهوم الذي لا يمنع نفس تصوّره من وقوع شركة كثيرين فيه، ويقابله الجزئي الحقيقي تقابل العدم والملكة، وهو المفهوم الذي يمنع نفس تصوّره من وقوع شركة كثيرين فيه. ولنوضّح تعريف الجزئي لأنّ مفهومه وجودي مستلزم لتصوّر مفهوم الكلّــي، فنقول: قولهم يمنع نفس تصوّره أي يمنع من حيث إنّه متصوّر فلا يرد ما يقال إنّا لا نسلّم أنّ المانع للعقل من وقوع الشركة نفس تصوّر المفهوم بل المفهوم نفسه بشرط تصوّره وحصوله عنده لأنّ المانع ما هو في نظره وهو المعلوم دون العلم، وإنّما يدخل العلم في نظره إذا التفت إليه، كيف وأنّ الجزئي بمجرّد تصوّره لا يمنع وقوع الشركة سواء التفت في تصوّره أو لا، فدخل الجزئيات بأسرها في تعريف الكلّــي.
وحاصل الرّد أنّ المراد هذا لكن أسند المنع إلى التصوّر مجازا إسناد الفعل إلى الشرط، ومعنى تصوّر المفهوم حصول المفهوم نفسه لا صورته فلا يرد أنّ التصوّر حصول صورة الشيء في العقل فصار معنى تصوّر المفهوم حصول صورة المفهوم، فيلزم أن يكون للمفهوم مفهوم. وقد يقال إنّ مفهوم المفهوم عينه كوجود الوجود، والتقييد بالتصوّر يفيد قطع النظر عن الخارج، والتقييد بالنفس يفيد قطع النظر عن البرهان فلم يغن أحدهما عن الآخر، فيجب التقييد بهما لئلّا ينتقض التعريفان طردا وعكسا إذ لو لم يعتبر في تعريفهما التصوّر لصارت الكلّــيات الفرضية التي يمتنع صدقها على شيء من الأشياء بالنظر إلى الخارج لا بالنظر إلى مجرّد تصوّرها مثل اللاشيء واللاوجود جزئية، ولو لم يعتبر النفس فيهما لدخل واجب الوجود في الجزئي لامتناع الشركة فيه بحسب الخارج بالبرهان. ومعنى شركة كثيرين فيه مطابقته لها، ومعنى المطابقة لكثيرين أنّه لا يحصل من تعقل كلّ واحد منها أثر متجدّد، فإنّا إذا رأينا زيدا وجرّدناه عن مشخّصاته حصل منه في أذهاننا الصورة الإنسانية المعراة عن اللواحق، فإذا رأينا بعد ذلك خالدا وجرّدناه لم يحصل منه صورة أخرى في العقل ولو انعكس الأمر في الرؤية كان حصول تلك الصورة من خالد دون زيد، واستوضح ما أشرنا إليه من خواتم منتقشة انتقاشا واحدا، فإنّك إذا ضربت واحدا منها على الشمع انتقش بذلك النقش ولا ينتقش بعد ذلك ينقش آخر إذا ضربت عليه الخواتم الأخر، ولو سبق ضرب المتأخّر لكان الحاصل منه أيضا ذلك النقش بعينه فنسبته إلى تلك الخواتم نسبة الكلّــي إلى جزئياته. فإن قيل الصورة الحاصلة من زيد في ذهن واحد من الطائفة الذين تصوّروه مطابقة لباقي الصور الحاصلة في أذهان غيره ضرورة أنّ الأشياء المطابقة لشيء واحد متطابقة فيلزم أن تكون تلك الصورة كلّية. قلت الكلّــية مطابقة الحاصل في العقل لكثيرين هو ظلّ لها ومقتض لارتباطها، فإنّ الصور الإدراكية تكون أظلالا إمّا للأمور الخارجية أو لصور أخرى ذهنية. ومن البيّن أنّ الصورة الحاصلة في أذهان تلك الطائفة ليس بعضها فرعا لبعضها بل كلها أظلال لأمر واحد خارجي هو زيد. فإن قيل الصورة العقلية مرتسمة في نفس شخصية ومشخّصة بتشخّصات ذهنية فكيف تكون كلّية؟ قلت للصورة معنيان: الأول كيفية تحصل في العقل هي آلة ومرآة لمشاهدة ذي الصورة والثاني المعلوم التمييز بواسطة تلك الصورة في الذهن، ولا شكّ أنّ الصورة بالمعنى الأول صورة شخصية في نفس شخصية والكلّــية ليست عارضة لها بل للصورة الحاصلة بالمعنى الثاني، فإنّ الكلّــية لا تعرض لصورة الحيوان التي هي عرض حال في العقل بل للحيوان المتميّز بتلك الصورة. وكما أنّ الصورة الحالة مطابقة لأمور كثيرة كذلك الماهية المتميّزة بها مطابقة لتلك الأمور ومن لوازم هذه المطابقة أنّ الصورة إذا وجدت في الخارج وتشخّصت بتشخّص فرد من أفرادها كانت عينه وإذا وجد فرد منها في الذهن وتجرّد عن مشخّصاته كانت عين الصورة، أعني الماهية، وليس هذا الكلــام ثابتا للصورة الحالة في القوة العاقلة لأنّها موجودة في الخارج وعرض، والعرض يستحيل أن يكون عين الأفراد الجوهرية، واختلاف اللوازم يدلّ على اختلاف الملزومات فالمعنيان للصورة مختلفان بالماهية.
هذا الجواب عند من يقول بأنّ المرتسم في العقل صور الأشياء وأشباحها المخالفة في الحقيقة لماهياتها. وأمّا عند من يقول بأنّ المرتسم فيها ماهياتها فجوابه أنّ الصورة الحاصلة في العقل إذا أخذت معراة عن التشخّصات العارضة بسبب حلولها في نفس شخصية كانت مطابقة لكثيرين بحيث لو وجدت في الخارج كانت عين الأفراد، وإذا حصلت الأفراد في الذهن كانت عينها على الوجه الذي صوّرناه. فإن قلت التصوّر حصول صورة الشيء في العقل والصورة العقلية كلّية فاستعمال التصوّر في حدّ الجزئي غير مستقيم. وأيضا المقسم أعني المفهوم الذي هو ما حصل في العقل لا يتناول الجزئي. قلت لا نسلّم أنّ الصورة العقلية كلّية فإنّ ما يحصل في النفس قد يكون بآلة وواسطة وهي الجزئيات وقد لا يكون بآلة وهي الكلــيات، والمدرك ليس إلّا النفس إلّا أنّه قد يكون إدراكه بواسطة وذلك لا ينافي حصول الصورة المدركة في النفس، وهذا عند من يقول بأنّ صور الجزئيات الجسمانية مرتسمة في النفس الناطقة أيضا. وأمّا عند من يقول بأنّها مرتسمة في آلاتها من الحواس فالجواب عنه أن يقال إنّ التصوّر هو حصول صورة الشيء عند العقل لا في العقل، وكذا المفهوم ما حصل عنده لا فيه، فإن كان كلّيا فصورته في العقل وإن كان جزئيا فصورته في آلته.
فائدة:
المعتبر في الكلّــي إمكان فرض صدقه على كثرين سواء كان صادقا أو لم يكن، وسواء فرض العقل صدقه أو لم يفرض قط. لا يقال فلنفرض الجزئي صادقا على أشياء كما نفرض صدق اللاشيء عليها لأنّا نقول فرض صدق اللاشيء فرض ممتنع بالإضافة، فالفرض ممكن والمفروض ممتنع، وفرض الجزئي فرض ممتنع بالوصفية. فالفرض أيضا ممتنع كالمفروض.
والثاني الكلّــي الإضافي وهو ما اندرج تحته شيء آخر في نفس الأمر وهو أخصّ من الكلّــي الحقيقي بدرجتين: الأولى أنّ الكلّــي الحقيقي قد لا يمكن اندراج شيء تحته كما في الكلّــيات الفرضية ولا يتصوّر ذلك في الإضافي، والثانية أنّ الكلّــي الحقيقي ربما أمكن اندراج شيء تحته ولم يندرج بالفعل لا ذهنا ولا خارجا، ولا بد في الإضافي من الاندراج بالفعل ويقابله تقابل التضايف الجزئي الإضافي. فعلى هذا الجزئي الإضافي ما اندرج بالفعل تحت شيء ولو قلنا الجزئي الإضافي ما أمكن اندراجه تحت شيء، كأنّ الكلّــي الإضافي ما أمكن اندراج شيء تحته، ويكون أيضا أخصّ من الكلّــي الحقيقي لكن بدرجة واحدة وهي الدرجة الأولى ولا يصحّ أن يقال الجزئي الإضافي ما أمكن فرض اندراجه تحت شيء آخر حتى يلزم أن يكون الكلّــي الإضافي ما أمكن فرض اندراج شيء آخر تحته فيرجع إلى معنى الحقيقي لأنّه لا يقال للفرس إنّه جزئي إضافي للإنسان مع إمكان فرض الاندراج. وقيل الكلّــي ليس له إلّا مفهوم واحد وهو الحقيقي والجزئي له مفهومان، والحقّ هو الأول. ثم اعلم أنّ البعض شرط في الجزئي الإضافي تحت أعمّ عموما من وجه مطلقا فاندراجه تحت الأعم من وجه لا يسمّى جزئيا إضافيا، وبعضهم أطلق الأعم وقال سواء كان أعم مطلقا أو من وجه وكان المذهب الأول هو الحقّ.
فائدة:
النسبة بين الجزئي الحقيقي والكلّــي حقيقيا كان أو إضافيا مباينة كلّية وهو ظاهر وبين الجزئي الحقيقي والجزئي الإضافي أنّ الإضافي أعم مطلقا من الحقيقي لصدقهما على زيد وصدق الإضافي فقط على كلّي مندرج تحت كلّي آخر، كالحيوان بالنسبة إلى الجسم وبين الكلّــي الحقيقي والكلّــي الإضافي، على عكس هذا أي الحقيقي أعمّ من الإضافي وبين الكلّــي حقيقيا كان أو إضافيا وبين الجزئي الإضافي أنّ الجزئي الإضافي أعمّ من الكلــيين من وجه لصدقهما في الإنسان وصدق الجزئي الإضافي دونهما في زيد وبالعكس في الجنس العالي.
والثالث اللفظ الدال على المفهوم الكلّــي فإنّ الكلّــي والجزئي كما يطلقان على المفهوم فيقال المفهوم إمّا كلّي أو جزئي كذلك يطلقان على اللفظ الدال على المفهوم الكلّــي والجزئي بالتبعية والعرض تسمية للدال باسم المدلول.

التقسيم:
للكلّي تقسيمات الأول الكلّــي الحقيقي إمّا أن يكون ممتنع الوجود في الخارج أو ممكن الوجود، الأول كشريك الباري، والثاني إمّا أن لا يوجد منه شيء في الخارج أو يوجد، والأول كالعنقاء، والثاني إمّا يكون الموجود منه واحدا أو كثيرا، والأول إمّا أن يكون غيره ممتنعا كواجب الوجود أو ممكنا كالشمس عند من يجوّز وجود شمس أخرى، والثاني إمّا أن يكون متناهيا كالكواكب السبعة أو غير متناه كالنفوس الناطقة، والمعتبر في حمل الكلّــي على جزئياته حمل المواطأة. الثاني الكلّــي إمّا جنس أو نوع أو فصل أو خاصة أو عرض عام، وبيان كلّ منها في موضعه الثالث الكلّــي إمّا طبيعي أو منطقي أو عقلي فإنّ مفهوم الحيوان مثلا غير كونه كلّيا وإلّا فالنسبة نفس المنتسب وغير المركّب منهما، والأول هو الطبيعي والثاني المنطقي والثالث العقلي. بيان ذلك أنّ مفهوم الحيوان مثلا وهو الجوهر القابل للابعاد الثلاثة النامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة معنى في نفسه، ومفهوم الكلّــي المسمّى بــالكلّــي المنطقي وهو ما لا يمنع تصوّره عن فرض الشركة فيه من غير إشارة إلى شيء مخصوص معنى آخر بالضرورة وليس جزءا من المعنى الأول لإمكان تعقّله بالكنه مع الذهول عن الثاني، ولا لازما له من حيث هو هو وإلّا امتنع اتصافه بكونه جزئيا حقيقيا، وكذا مفهوم الجزئي مفهوم خارج عن مفهوم الحيوان وغير لازم من حيث ذاته، وإلّا لم يوجد منه إلّا شخص. ثم إنّ معنى الحيوان لا يتصف في الخارج بأنّه كلّي أي مشترك حتى يكون ذاتا واحدة بالحقيقة في الخارج موجودة في كثيرين لأنّه يلزم حينئذ اتصاف الأمر الواحد الحقيقي بأوصاف متضادة ولا يتصف أيضا في الذهن بــالكلّــية المفسّرة بالشركة لأنّ المرتسم في نفس شخصية يمتنع أن يكون هو بعينه مشتركا بين أمور متعدّدة. نعم الطبيعة الحيوانية إذا حصلت في الذهن عرض لها نسبة واحدة متشابهة إلى أمور كثيرة بها يحملها العقل على واحد واحد منها، فهذا العارض هو الكلّــية ونسبة الحيوان إليه نسبة الثوب إلى الأبيض، فكما أنّ الثوب له معنى والأبيض له معنى آخر فكذلك الحيوان كما عرفت. فالمفهوم الذي يصدق عليه مفهوم الكلّــي سمّي كلّيا طبيعيا لأنّه طبيعة ما من الطبائع، ومفهوم الكلّــي العارض له يسمّى كلّيا منطقيا لأنّ المنطقي إنّما يبحث عنه والمجموع المركّب من المعروض والعارض يسمّى كلّيا عقليا لعدم تحقّقه إلّا في الذهن والعقل. وإنّما قلنا الحيوان مثلا لأنّ هذه الاعتبارات الثلاثة لا تختص بالحيوان بل تعمّ سائر الطبائع ومفهومات الكلّــيات الخمس، فنقول مفهوم الكلّــي من حيث هو كلّي طبيعي والكلــي العارض للمحمول عليه منطقي والمجموع المركّب منهما عقلي، وعلى هذا فقس الجنس الطبيعي والمنطقي والعقلي والنوع الطبيعي والمنطقي والعقلي إلى غير ذلك.
وهاهنا بحث وهو أنّ الحيوان من حيث هو لو كان كلّيا طبيعيا لكان كلّيته بطبيعة فيلزم كون الأشخاص كلّيات، وأيضا الكلّــي الطبيعي إن أريد به طبيعة من الطبائع فلا امتياز بين الطبيعيات، وإن أريد به الطبيعة من حيث إنها معروضة للكلّية فلا يكون الحيوان من حيث هو كلّيا طبيعيا بل لا بدّ من قيد العروض، فــالكلّــي الطبعي هو الحيوان لا باعتبار الطبيعة بل من حيث إذا حصل في العقل صلح لأن يكون مقولا على كثيرين، وقد نصّ عليه الشيخ في الشفاء. والفرق حينئذ بين الطبيعي والعقلي أنّ هذا العارض في العقلي معتبر بحسب الجزئية وفي الطبيعي بحسب العروض، فالتحقيق أنّا إذا قلنا الحيوان مثلا كلّي أن يكون هناك أربع مفهومات: طبيعة الحيوان من حيث هي هي ومفهوم الكلّــي والحيوان من حيث إنّه يعرض له الكلّــية والمجموع المركّب منهما، فالحيوان من حيث هو هو ليس بأحد الكلّــيات وهو الذي يعطي ما تحته حدّه واسمه.
اعلم أنّ الكلّــي المنطقي من المعقولات الثانية ومن ثمّ لم يذهب أحد إلى وجوده في الخارج، وإذا لم يكن المنطقي موجودا لم يكن العقلي موجودا بقي الطبيعي اختلف فيه.
فمذهب المحقّقين ومنهم الشيخ أنّه موجود في الخارج بعين وجود الأفراد فالوجود واحد بالذات والموجود اثنان وهو عارض لهما من حيث الوحدة. ومن ذهب إلى عدمية التعيّن قال بمحسوسيته أيضا، وهو الحقّ. وذهب شرذمة من المتكلّمين والمتفلسفين إلى أنّ الموجود هو الهوية البسيطة والكلّــيات منتزعات عقلية كما في السلّم ثم الكلّــي الطبيعي الموجود في الخارج لا يخلو إمّا أن يعتبر في وجوده العيني وهو الكلّــي مع الكثرة أو في وجوده العلمي، ولا يخلو إمّا أن يكون وجوده العلمي من الجزئيات وهو الكلّــي بعد الكثرة أو وجود الجزئيات منه، وهو الكلّــي قبل الكثرة، وفسّر الكلّــي قبل الكثرة بالصورة المعقولة في المبدأ الفيّاض ويسمّى علما فعليا كمن تعقّل شيئا من الأمور الصناعية ثم يجعله مصنوعا. قال الشيخ: لمّا كان نسبة جميع الأمور الموجودة إلى الله تعالى وإلى الملائكة نسبة المصنوعات التي عندنا إلى النفس الصانعة، كان علم الله والملائكة بها موجودا قبل الكثرة، وفسّر الكلّــي مع الكثرة بالطبيعة الموجودة في ضمن الجزئيّات لا بمعنى أنّها جزء لها في الخارج كما يتبادر من العبارة، إذ ليس في الخارج شيء واحد عام بل إنّها جزء لها في العقل متّحدة الوجود معها في الخارج، ولهذا أمكن حملها عليها، وفسّر الكلّــي بعد الكثرة بالصورة المنتزعة عن الجزئيات المشخّصات كمن رأى أشخاص الناس واستثبت الصورة الإنسانية في الذهن، ويسمّى علما انفعاليا، وقد سبق ما يتعلّق بهذا في لفظة العلم.
فائدة:
كلّ مفهوم إذا نسب إلى مفهوم آخر سواء كانا كلّيين أو جزئيين أو أحدهما كلّيا والآخر جزئيا، فالنسبة بينهما منحصرة في أربع:
المساواة والعموم مطلقا ومن وجه والمباينة الكلّــية، وذلك لأنّهما إن لم يتصادقا على شيء أصلا فهما متباينان تباينا كلّيا، وإن تصادقا فإن تلازما في الصدق فهما متساويان وإلّا فإن استلزم صدق أحدهما صدق الآخر فبينهما عموم وخصوص مطلقا والملزوم أخصّ مطلقا واللازم أعمّ مطلقا، وإن لم يستلزم فبينهما عموم وخصوص من وجه، وكلّ منهما أعمّ من الآخر من وجه، وهو كونه شاملا للآخر ولغيره، وأخصّ منه من وجه وهو كونه مشمولا للآخر.
فالمساواة بينهما أن يصدق كلّ منهما بالفعل على كلّ ما صدق عليه الآخر سواء وجب ذلك الصدق أو لا، فمرجعهما إلى موجبتين كلّيتين مطلقتين عامّتين. ومعنى تلازمهما في الصدق أنّه إذا صدق أحدهما على شيء في الجملة صدق عليه الآخر كذلك. ومعنى استلزام الأخصّ للأعمّ على هذا القياس، فمرجع العموم المطلق إلى موجبة كلّية مطلقة عامة وسالبة جزئية دائمة.
والحاصل أنّ التلازم عبارة عن عدم الانفكاك من الجانبين والاستلزام عن عدمه من جانب واحد، فعدم الاستلزام من الجانبين عبارة عن الانفكاك بينهما، فلا بدّ في العموم من وجه من ثلاث صور، فمرجعه إلى موجبة جزئية مطلقة وسالبتين جزئيتين دائمتين. والمباينة الكلّــية بينهما أن لا يتصادقا على شيء واحد أصلا، سواء كان أمكن تصادقهما عليه أو لا، فمرجعهما إلى سالبتين كليّتين دائمتين، وأمّا المباينة الجزئية التي هي عبارة عن صدق كلّ من المفهومين بدون الآخر في الجملة فمندرجة تحت العموم من وجه أو المباينة الكلّــية إذ مرجعها إلى سالبتين جزئيتين. فإن لم يتصادقا في صورة أصلا فهو التباين الكلّــي وإلّا فعموم من وجه.
واعلم أنّ المعتبر في مفهوم النّسب التحقّق والصدق في نفس الأمر وإلّا لم ينضبط فإنّه إن فسّر التباين بامتناع التصادق كان مرجعه إلى سالبتين كليتين ضروريتين وحينئذ يجب أن يكتفى في سائر الأقسام بعد امتناع التصادق، فيلزم أن يندرج في التساوي مفهومان لم يتصادقا على شيء أصلا، لكن يمكن فرض صدق كلّ منهما على كلّ ما صدق عليه الآخر. وفي العموم المطلق مفهومان يمكن صدق أحدهما على كلّ ما صدق عليه الآخر بدون العكس مع أنّهما لم يتصادقا على شيء. وفي العموم من وجه مفهومان يمكن تصادقهما وانفكاك كلّ منهما عن الآخر، إمّا بدون التصادق أو معه بدون الانفكاك، وكلّ ذلك ظاهر الفساد. وهذا الذي ذكرنا في المفردات. وأمّا في القضايا فالمعتبر في مفهوم النّسب الوجود والتحقّق لا الصدق.
فائدة:
نقيضا المتساويين متساويان ونقيض الأعمّ مطلقا أخصّ من نقيض الأخصّ مطلقا، وبين نقيضي الأعمّ والأخصّ من وجه مباينة جزئية، وكذا بين نقيضي المتباينين، والنّسبة بين أحد المتساويين ونقيض الآخر وبين نقيض الأعمّ وعين الأخصّ مطلقا هي المباينة الكلّــية، وبين عين الأعم ونقيض الأخصّ كالحيوان واللاإنسان هي العموم من وجه، وأحد المتباينين أخصّ من نقيض الآخر مطلقا، والأعمّ من وجه ينفكّ عن نقيض صاحبه حيث جامعه، فإمّا أن يكون أعمّ منه مطلقا كالحيوان مع نقيض اللاإنسان أو من وجه كالحيوان مع نقيض الأبيض، كل ذلك ظاهر بأدنى تأمّل.

الكلام

الكلــام: إظهار ما في الباطن على الظاهر لمن يشهد ذلك بنحو من إنحاء الإظهار. والكلــام علم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام.وفي اصطلاح النحاة: المعنى المركب الذي فيه الإسناد التام وعبر عنه بأنه ما تضمن من الكلــم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته.وقالت المعتزلة: هو حقيقة في اللسان.وقال الأشعري: مرة في النفساني، واختاره السبكي، ومرة مشترك، ونقله الإمام الرازي عن المحققين.
الكلــام:
[في الانكليزية] Talk ،speech ،speaking
[ في الفرنسية] Parole ،propos ،dire ،langage discours
بالفتح في الأصل شامل لحرف من حروف المباني والمعاني ولأكثر منها. ولذا قيل الكلــام ما يتكلّم به قليلا كان أو كثيرا، واشتهر في عرف أهل اللغة في المركّب من الحرفين فصاعدا، وهو المراد في الجلالي أنّ أدنى ما يقع اسم الكلــام عليه المركّب من حرفين، وفيه إشعار بما هو المشهور أنّ الحرف هو الصوت المكيّف، لكن في المحيط أنّ الصوت والحرف كلّ منهما شرط الكلــام، إذ لا يحصل الإفهام إلّا بهما كما قال الجمهور. وذهب الكرخي ومن تابعه مثل شيخ الإسلام إلى أنّ الصوت ليس بشرط في حصول الكلــام. فلو صحح المصلي الحروف بلا إسماع لم يفسد الصلاة إلّا عند الكرخي وتابعيه هكذا في جامع الرموز في بيان مفسدات الصلاة. وقال الأصوليون الكلــام ما انتظم من الحروف المسموعة المتواضع عليها الصادرة عن مختار واحد، والحروف فصل عن الحرف الواحد فإنّه لا يسمّى كلاما، والمسموعة فصل المكتوبة والمعقولة، والمتواضع عليها من المهمل والصادرة الخ. عن الصادر من أكثر من واحد كما لو صدر بعض الحروف عن واحد والبعض من آخر، ويخرج الكلــام الذي على حرف واحد مثل ق ور، اللهم إلّا أن يراد أعم من الملفوظة والمقدّرة، هكذا في بعض كتب الأصول. وفي العضدي أنّ أبا الحسين عرّف الكلــام بأنّه المنتظم من الحروف المتميّزة المتواضع عليها. قال المحقق التفتازاني والمتميّزة احتراز عن أصوات الطيور، ولمّا لم تكن المكتوبة حروفا حقيقة ترك قيد المسموعة، وفوائد باقي القيود بمثل ما مرّ ومرجع هذا التفسير إلى الأول، لكن في إخراج أصوات الطيور بقيد المتميّزة نظرا إذ أصوات الطيور غير داخلة في الحرف لأنّ التمييز معتبر في ماهية الحروف على ما مرّ في محله.

التقسيم:
مراتب تأليف الكلــام خمس. الأول ضمّ الحروف بعضها إلى بعض فتحصل الكلــمات الثلاث الاسم والفعل والحرف. الثاني تأليف هذه الكلــمات بعضها إلى بعض فتحصل الجمل المفيدة، وهذا هو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلــام. الثالث ضمّ بعض ذلك إلى بعض ضما له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج، ويقال له المنظوم. الرابع أن يعتبر في أواخر الكلــم مع ذلك تسجيع ويقال له المسجّع.
الخامس أن يجعل له مع ذلك وزن ويقال له الشعر والمنظوم إمّا مجاورة ويقال له الخطابة وإمّا مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلــام لا تخرج عن هذه الأقسام كذا في الاتقان في بيان وجوه إعجاز القرآن. وقال النحاة الكلــام لفظ تضمّن كلمتين بالإسناد ويسمّى جملة ومركّبا تاما أيضا أي يكون كلّ واحدة من الكلــمتين حقيقة كانتا أو حكما في ضمن ذلك اللفظ، فالمتضمّن اسم فاعل هو المجموع والمتضمّن اسم مفعول كلّ واحدة من الكلــمتين فلا يلزم اتحادهما، فاللفظ يتناول المهملات والمفردات والمركّبات، وبقيد تضمّن كلمتين خرجت المهملات والمفردات، وبقيد الإسناد خرجت المركّبات الغير الإسنادية من المركّبات التي من شأنها أن لا يصحّ السكوت عليها، نحو: عارف زيد على الإضافة وزيد العارف على الوصفية وزيد نفسه على التوكيد فإنّها لا تسمّى كلاما ولا جملة، وهذا عند من يفسّر الإسناد بضمّ إحدى الكلــمتين إلى الأخرى بحيث يفيد السامع. وأمّا عند من يفسّره بضمّ أحدهما إلى الأخرى مطلقا فيقال المراد بالإسناد عنده هاهنا الإسناد الأصلي، وحيث كانت الكلــمتان أعمّ من أن تكونا كلمتين حقيقة أو حكما دخل في التعريف مثل زيد أبوه قائم أو قام أبوه أو قائم أبوه فإنّ الأخبار فيها وإن كانت مركّبات لكنها في حكم المفردات، أعني قائم الأب ودخل فيه أيضا جسق مهمل وديز مقلوب زيد مع أنّ المسند إليه فيهما مهمل ليس بكلمة فإنّه في حكم هذا اللفظ. ثم إنّ هذا التعريف ظاهر في أنّ ضربت زيدا قائما بمجموعة كلام بخلاف كلام صاحب المفصّل حيث قال: الكلــام هو المركّب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى فإنّه صريح في أنّ الكلــام هو ضربت، والمتعلّقات خارجة عنه، ثم اعلم أنّ صاحب المفصّل وصاحب اللباب ذهبا إلى ترادف الكلــام والجملة، وظاهر هذين التعريفين يدلّ على ذلك، لكن الاصطلاح المشهور على أنّ الجملة أعمّ من الكلــام مطلقا لأنّ الكلــام ما تضمّن الإسناد الأصلي وكان إسناده مقصودا لذاته، والجملة ما تضمّن الإسناد الأصلي سواء كان إسناده مقصودا لذاته أولا، فالمصدر والصفات المسندة إلى فاعلها ليست كلاما ولا جملة لأنّ إسنادها ليست أصلية، والجملة الواقعة خبرا أو وصفا أو حالا أو شرطا أو صلة ونحو ذلك مما لا يصحّ السكوت عليها جملة وليست بكلام لأنّ إسنادها ليس مقصودا لذاته. هذا كله خلاصة ما في شروح الكافية والمطوّل في تعريف الوصل والوافي وغيرها.

التقسيم:
اعلم أنّ الحذّاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلــام في الخبر والإنشاء وأنّه ليس له قسم ثالث. وادّعى قوم أنّ أقسام الكلــام عشرة: نداء ومسئلة وأمر وتشفّع وتعجّب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام. وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة. وقيل ثمانية بإسقاط التشفّع لدخوله فيها. وقيل سبعة بإسقاط الشكّ لأنّه من قسم الخبر. وقال الأخفش هي ستة: خبر واستخبار وأمر ونهي ونداء وتمنّ. وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء. وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء، قالوا لأنّ الكلــام إمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا. الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بلفظه بل تأخّر عنه فهو الطلب. والمحقّقون على دخول الطلب في الإنشاء وإنّ معنى اضرب وهو طلب الضرب مقترن بلفظه، وأمّا الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلّق الطلب لا نفسه.

وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة: الكلــام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إمّا أن يطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكفّ عنها. الأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي. وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب يسمّى تنبيها وإنشاء لأنّك نبّهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنّي والترجّي والنداء والقسم أولا، كأنت طالق، وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر كذا في الاتقان. وسيأتي ما يتعلّق بهذا في لفظ المركّب، وسمّى ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر بالتنبيه وأدخل فيه الأمر والنّهي والتمنّي والترجّي والقسم والنّداء والاستفهام. قال المحقّق التفتازاني هذه التسمية غير متعارف.
فائدة:
الكلــام في العرف اللغوي لا يشتمل الحرف الواحد وفي العرف الأصولي لا يشتمل المهمل وفي العرف النحوي لا يشتمل الكلــمة والمركّبات الغير التامة كما لا يخفى، فكل معنى أخصّ مطلقا مما هو قبله، والمعنى الأول أعمّ مطلقا من الجميع. اعلم أنّه لا اختلاف بين أرباب الملل والمذاهب في كون البارئ تعالى متكلّما إنّما الاختلاف في معنى كلامه وفي قدمه وحدوثه، وذلك لأنّ هاهنا قياسين متعارضين أحدهما أنّ كلام الله تعالى صفة له، وكلما هو كذلك فهو قديم فكلام الله تعالى قديم. وثانيهما أنّ كلامه تعالى مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود، وكلما هو كذلك فهو حادث، فكلامه تعالى حادث، فافترق المسلمون إلى فرق أربع. ففرقتان منهم ذهبوا إلى صحّة القياس الأول وقدحت واحدة منهما في صغرى القياس الثاني وقدحت الأخرى في كبراه.
وفرقتان أخريان ذهبوا إلى صحّة الثاني وقدحوا في إحدى مقدمتي الأول. فالحنابلة صحّحوا القياس الأول ومنعوا كبرى الثاني وقالوا كلامه حرف وصوت يقومان بذاته وإنّه قديم، وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم بالجهل الجلد والغلاف قديمان. والكرّامية صحّحوا القياس الثاني وقدحوا في كبرى الأول وقالوا كلامه حروف وأصوات وسلّموا أنها حادثة لكنهم زعموا أنّها قائمة بذاته تعالى لتجويزهم قيام الحوادث بذاته تعالى. والمعتزلة صحّحوا الثاني وقدحوا في كبرى الأول وقالوا كلامه حروف وأصوات لكنها ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها الله تعالى في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي وهو حادث. والأشاعرة صحّحوا القياس الأول ومنعوا صغرى الثاني وقالوا كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف بل هو معنى قائم بذاته تعالى قديم مسمّى بــالكلــام النفسي الذي هو مدلول الكلــام اللفظي الذي هو حادث وغير قائم بذاته تعالى قطعا، وذلك لأنّ كلّ من يأمر وينهي ويخبر يجد من نفسه معنى ثم يدلّ عليه بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة وهو غير العلم إذ قد يخبر الإنسان عمّا لا يعلم بل يعلم خلافه، وغير الإرادة لأنّه قد يأمر بما لا يريده كمن أمر عبده قصدا إلى إظهار عصيانه وعدم امتثاله لأوامره ويسمّى هذا كلاما نفسيا على ما أشار إليه الأخطل بقوله:
إنّ الكلــام لفي الفؤاد وإنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

وقال عمر رضي الله عنه: إنّي زورت في نفسي مقالة. وكثيرا ما تقول لصاحبك إنّ في نفسي كلاما أريد أن أذكره لك. فلما امتنع اتصافه تعالى باللفظي لحدوثه تعيّن اتصافه بالنفسي إذ لا. اختلاف في كونه متكلّما.
وبالجملة فما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وحدوثها فالأشاعرة معترفون به ويسمّونه كلاما لفظيا. وما يقوله الأشاعرة من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته ولو سلّموه لم ينفوا قدمه فصار محلّ النزاع بينهم وبين الأشاعرة نفي المعنى النفسي وإثباته. فأدلتهم الدالة على حدوث الألفاظ إنّما تفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة، وأمّا بالنسبة إلى الأشاعرة فيكون نصبا للدليل في غير محلّ النزاع، كذا في شرح المواقف وتمام التحقيق قد سبق في لفظ القرآن.
وقال الصوفية الكلــام تجلّي علم الله سبحانه باعتبار إظهاره إيّاه، سواء كانت كلماته نفس الأعيان الموجودة أو كانت المعاني التي يفهمها عباده إمّا بطريق الوحي أو المكالمة أو أمثال ذلك لأنّ الكلــام لله تعالى في الجملة صفة واحدة نفسية، لكن لها جهتين: الجهة الأولى على نوعين. النوع الأول أن يكون الكلــام صادرا عن مقام العزّة بأمر الألوهية فوق عرش الربوبية وذلك أمره العالي الذي لا سبيل إلى مخالفته، لكن طاعة الكون له من حيث يجهله ولا يدريه، وإنّما الحقّ سبحانه يسمع كلامه في ذلك المجلى عن الكون الذي يريد تقدير وجوده، ثم يجري ذلك الكون على ما أمره به عناية منه ورحمة سابقة ليصحّ للوجود بذلك اسم الطاعة فتكون سعيدا. وإلى هذا أشار بقوله في مخاطبته للسماء والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فحكم للأكوان بالطاعة تفضّلا منه، ولذلك سبقت رحمته غضبه.
والمطيع مرحوم فلو حكم عليها بأنّها أتت مكرهة لكان ذلك الحكم عدلا إذ القدرة تجبر الكون على الوجود إذ لا اختيار للمخلوق ولكان الغضب حينئذ أسبق إليه من الرحمة لكنه تفضّل فحكم لها بالطاعة، فما ثمّ عاص له من حيث الجملة في الحقيقة، وكلّ الموجودات مطيعة له تعالى ولهذا آل حكم النّار إلى أن يضع الجبّار فيها قدمه فيقول قط قط فتزول وينبت في محلّها شجر الجرجير كما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأمّا النوع الثاني منها فهي الصادرة من مقام الربوبية بلغة الأنس بينه وبين خلقه كالكتب المنزّلة على أنبيائه والمكالمات لهم ولمن دونهم من الأولياء، ولذلك وقعت الطاعة والمعصية في الأوامر المنزّلة في الكتب من المخلوق لأنّ الكلــام صدر بلغة الأنس، فهم في الطاعة كالمخيرين أعني جعل نسبة اختيار الفعل إليهم ليصحّ الجزاء في المعصية بالعذاب عدلا، ويكون الثواب في الطاعة فضلا لأنّه جعل نسبة الاختيار إليهم بفضله ولم يكن ذلك إلّا بجعله لهم، وما جعل ذلك إلّا لكي يصحّ لهم الثواب، فثوابه فضل وعقابه عدل. وأمّا الجهة الثانية فاعلم أنّ كلام الحقّ نفس أعيان الممكنات، وكلّ ممكن كلمة من كلماته، ولذا لا نفود للممكن. قال تعالى قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ الآية، فالممكنات هي كلمات الحقّ سبحانه وذلك لأنّ الكلــام من حيث الجملة صورة لمعنى في علم المتكلّم، أراد المتكلّم بإبراز تلك الصورة فهم السامع ذلك المعنى، فالموجودات كلمات الله تعالى وهي الصورة العينية المحسوسة والمعقولة الوجودية، وكلّ ذلك صور المعاني الموجودة في علمه وهي الأعيان الثابتة. وإن شئت قلت حقائق الأشياء.
وإن شئت قلت ترتيب الألوهية. وإن شئت قلت بساطة الوحدة. وإن شئت قلت تفصيل الغيب.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 2 1374 فائدة: ..... ص: 1372

إن شئت قلت ترتيب الألوهية. وإن شئت قلت بساطة الوحدة. وإن شئت قلت تفصيل الغيب.
وإن شئت قلت صور الجمال. وإن شئت قلت آثار الأسماء والصفات. وإن شئت قلت معلومات الحقّ. وإن شئت قلت الحروف العاليات، فكما أنّ المتكلّم لا بدّ له في الكلــام من حركة إرادية للتكلّم ونفس خارج بالحروف من الصّدر الذي هو غيب إلى ظاهر الشفة، كذلك الحقّ سبحانه في إبرازه لخلقه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة يريد أولا ثم تبرزه القدرة، فالإرادة مقابلة للحركة الإرادية التي في نفس المتكلّم، والقدرة مقابلة للنفس الخارج بالحروف من الصّدر إلى الشفة لأنّها تبرز من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وتكوين المخلوق مقابل لتركيب الكلــمة على هيئة مخصوصة في نفس المتكلّم، كذا في الإنسان الكامل.

الْكُلِّي الْعقلِيّ

الْكُلِّــي الْعقلِيّ: فَهُوَ عبارَة عَن الْمَجْمُوع من الْعَارِض والمعروض كالحيوان الْكُلِّــي. وَإِنَّمَا سمي عقليا إِذْ لَا وجود لَهُ إِلَّا فِي الْعقل إِذْ الْعَارِض الَّذِي هُوَ جزؤه عَقْلِي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج. وَانْتِفَاء الْجُزْء فِي الْخَارِج يسْتَلْزم انْتِفَاء الْكل فِيهِ فَلَا وجود للْكُلّ من حَيْثُ هُوَ هُوَ إِلَّا فِي الْعقل.
وَاعْلَم أَن الْكُلِّــي الْعقلِيّ اعتباري مَحْض. وكليته لَيست إِلَّا بِاعْتِبَار أَن جزءه كلي وَهُوَ لَيْسَ بكلي أصلا إِذْ لَيْسَ لَهُ فَرد فضلا عَن أَن يكون لَهُ أَفْرَاد. وَمَا قيل إِن الْكُلِّــي الْعقلِيّ كالإنسان الْكُلِّــي مثلا كلي وأفراده الرُّومِي الْكُلِّــي والحبشي الْكُلِّــي يبعد عَن الْحق بمراحل. فَإِنَّهُ جُزْء الْكُلِّــي الْعقلِيّ الْمَذْكُور وَهُوَ الْكُلِّــي إِنَّمَا يحمل على أَنْوَاعه لَا على أَنْوَاع مَوْضُوعه. والرومي الْكُلِّــي مثلا لَيْسَ بفرد من الْإِنْسَان الْكُلِّــي الْمركب من الْمَوْضُوع والمحمول لِأَن الْكُلِّــي من حَيْثُ إِنَّه صَادِق على الْإِنْسَان لَا يصدق على مَا تَحْتَهُ. فــالكلــي الصَّادِق على الرُّومِي غير الصَّادِق على الْإِنْسَان بِاعْتِبَار فَلَا يكون هَذَا الْمَجْمُوع الاعتباري أَعنِي الرُّومِي الْكُلِّــي فَرد الْإِنْسَان.
وتوضيحه أَن الْكُلِّــي إِنَّمَا يصدق على الْإِنْسَان بِاعْتِبَار أَن نفس تصَوره لَا يمْنَع وُقُوع الشّركَة بَين كثيرين وَهِي أَفْرَاده الشخصية والكلــي إِنَّمَا يصدق على الرُّومِي بِاعْتِبَار أَن نفس تصَوره لَا يمْنَع وُقُوع الشّركَة بَين أَفْرَاده لَا بِاعْتِبَار أَن الرُّومِي فَرد الْإِنْسَان الَّذِي يصدق عَلَيْهِ الْكُلِّــي كَمَا يظْهر بِأَدْنَى تَأمل. هَذَا مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على الْحَوَاشِي للفاضل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق.
وَقَالَ الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي رسَالَته فِي تَحْقِيق الكلــيات. وَأما الْكُلِّــي الْعقلِيّ فَهُوَ لَيْسَ بكلي أصلا لِأَنَّهُ لَا فَرد لَهُ. وَمن هَا هُنَا ترى عُلَمَاء الْمنطق قسموا الجزئي إِلَى جزئي بالتشخص وجزئي بِالْعُمُومِ. وعدوا مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس من القضايا الْمَخْصُوصَة انْتهى.
وَاعْلَم أَن لفظ الْكُلِّــي مَوْضُوع لكل وَاحِد من الْكُلِّــي المنطقي والطبيعي والعقلي بِوَضْع على حِدة فَيكون مُشْتَركا بَينهَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ.

الْكُلِّي

الْكُلِّــي: عِنْد المنطقيين مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ كالحيوان. وَإِنَّمَا سمي كليا لِأَن كُلية الشَّيْء إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي. والكلــي يكون جُزْء الجزئي غَالِبا فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الْكل والمنسوب إِلَى الْكل كلي كَمَا فصلنا هَذَا المرام فِي الجزئي. وَمعنى اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين أَن صورتهَا الْعَقْلِيَّة مُطَابقَة لكل وَاحِد من جزئياتها. وَمعنى الْمُطَابقَة مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تكون لسَائِر الصُّور الْعَقْلِيَّة. فَإنَّا إِذا تعقلنا زيدا حصل فِي عقلنا أثر لَيْسَ ذَلِك الْأَثر هُوَ بِعَيْنِه الْأَثر الَّذِي يحصل فِي الْعقل عِنْد تعقلنا فرسا معينا. وَمعنى الْمُطَابقَة لكثيرين أَنه لَا يحصل من تعقل كل وَاحِد مِنْهَا أثر متجدد بل يكون الْحَاصِل فِي الْعقل من تعقل كل هُوَ الصُّورَة الْوَاحِدَة على تِلْكَ النِّسْبَة الْمَخْصُوصَة. فَإنَّا إِذا رَأينَا زيدا حصل مِنْهُ فِي أذهاننا الصُّورَة الإنسانية المعراة عَن المشخصات واللواحق. وَإِذا أبصرنا بعد ذَلِك خَالِدا لم تقع مِنْهُ صُورَة أُخْرَى بل الصُّورَة الْحَاصِلَة الأولى بِعَينهَا. بِخِلَاف مَا إِذا رَأينَا فرسا معينا فَافْهَم.
فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّــي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات.
قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّــي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها.
قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّــي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّــي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فــالكلــي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَنوَهُوَ محَال. قُلْنَا كُلية الْكُلِّــي وَكَونه صَادِقا على نَفسه وعارضا لَهَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق. وَكَونه فَردا لنَفسِهِ ومعروضا لَهَا بِاعْتِبَار الخصوصية. وَاعْتِبَار المعروضية غير اعْتِبَار العارضية ويتفاوت الِاعْتِبَار بتفاوت الْأَحْكَام. أما سَمِعت لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة لِأَن أَكثر مسائلها مَبْنِيّ على الْأُمُور الاعتبارية فَافْهَم.

علم الكلام

علم الكلــام:
[في الانكليزية] Kalam (islamic rational or dogmatic theology)
[ في الفرنسية]
Le Kalam( theologie dogmatique ou rationnelle musulmane )
ويسمّى بعلم أصول الدين أيضا، هو اسم علم من العلوم الشرعية المدونة وقد سبق في المقدمة.
علم الكلــام
قال أبو الخير في الموضوعات: هو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين. وقيل: موضوعه الموجود من حيث هو موجود.
وعند المتأخرين موضوعه المعلوم من حيث ما يتعلق به من إثبات العقائد الدينية متعلقا قريبا أو بعيدا أو أرادوا بالدينية المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصاً.
والكتب المؤلفة فيه كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون.
وللسيد الإمام العلامة محمد بن الوزير كتاب ترجيح أساليب القرآن لأهل الإيمان على أساليب اليونان وبيان ذلك بإجماع الأعيان بأوضح التبيان وكتاب البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع رد في هذين الكتابين على المتكلمين والكلــام وأثبت أن جميع مسائل هذا العلم تثبت بالسنة والقرآن ولا يحتاج معهما إلى قوانين المتكلمين وقواعد الكلــام وهما نفيسان جدا وما أحسن ما قال الغزالي في الإحياء.
وحاصل ما يشتمل عليه علم الكلــام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيئا منها مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بــالكلــية من البدع انتهى.
قال ابن خلدون: علم الكلــام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة وما دعا إلى وضعه.
فنقول إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلا بد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها فإذا لا يحصرها إلا العلم المحيط سيما الأفعال البشرية والحيوانية فإن من جملة أسبابها في الشاهد المقصود والإرادات إذ لا يتم كون الفعل إلا بإرادته والقصد إليه والقصود والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضا وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل وقد تكون أسباب تلك التصورات تصورات أخرى وكل ما يقع في النفس من التصورات مجهول سببه إذ لا يطلع أحد على مبادئ الأمور النفسانية ولا على ترتيبها إنما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضا والإنسان عاجز عن معرفة مباديها وغاياتها وإنما يحيط علما في الغالب بالأسباب التي هي طبيعية ظاهرة يوقع في مداركها على نظام وترتيب لأن لا طبيعة محصورة للنفس وتحت طورها.
وأما التصورات فنطاقها أوسع من النفس لأنها للعقل الذي هو فوق طور النفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة بها وتأمل من ذلك حكمة الشارع في نهيه عن النظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو منه بطائل ولا يظفر بحقيقة {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} وربما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلت قدمه وأصبح من الضالين الهالكين نعوذ بالله من الحرمان والخسران المبين ولا تحسبن أن هذا الوقوف أو الرجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها إذ لو عملناها لتحرزنا منها فلنتحرز من ذلك بقطع النظر عنها جملة وأيضا فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول لأنها إنما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر. وحقيقة التأثير وكيفية مجهولة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها وإلغائها جملة والتوجه إلى مسبب الأسباب كلها وفاعلها وموجدها لترسخ صفة التوحيد في النفس على ماعلمنا الشارع الذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطلاعه على ما وراء الحس قال صلى الله عليه وآله وسلم:
"من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة" فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقت عليه كلمة الكفر وإن سبح في بحر النظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضامن له أن لا يعود إلا بالخيبة فلذلك نهانا الشارع عن النظر في الأسباب وأمرنا بالتوحيد المطلق {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ولا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله وسفه رأيه في ذلك.
واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع والمعقولات ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات وكذلك الأعمى أيضا يسقط عنده صنف المرئيات
ولولا ما يردهم إلى ذلك تقليد الآباء هذه الأصناف لا بمقتضى فطرتهم وطبيعة إدراكهم ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات وساقطة لديه بــالكلــية فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة وخلق الله أكبر من خلق الناس والحصر مجهول الوجود أوسع نطاقا من ذلك {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك واعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال ومثال ذلك: مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال وهذا لا يدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه وتفطن في هذا الغلط من يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبين لك الحق من ذلك إذا تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع فإذا التوحيد هو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها إذ لا فاعل غيره وكلها ترتقي إليه وترجع إلى قدرته وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه وهذا هو معنى ما نقل عن بعض الصديقين العجز عن الإدراك إدراك.
ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الإيمان فقط الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك من حديث النفس وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها النفس كما أن المطلوب من الأعمال والعبادات أيضا حصول ملكة الطاعات والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود حتى ينقلب المريد السالك ربانياً.
والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف.
وشرحه أن كثيرا من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ويقول بذلك ويعترف به ويذكر مأخذه من الشريعة وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفر عنه واستنكف أن يباشره فضلا عن التمسح عليه للرحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة
فهذا إنما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم ولم يحصل له مقام الحال والاتصاف ومن الناس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأن رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر أعلى من الأول وهو الاتصاف بالرحمة وحصول ملكتها فمتى رأى يتيما أو مسكينا بادر إليه ومسح عليه والتمس الثواب في الشفقة عليه لا يكاد يصبر عن ذلك ولو دفع عنه ثم يتصدق عليه بما حضره من ذات يده وكذا علمك بالتوحيد مع اتصافك وليس الاتصاف ضرورة هو أوثق مبني من العلم الحاصل قبل الاتصاف وليس الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف والتحقيق ويجيء العلم الثاني النافع في الآخرة فان العلم الأول المجرد عن الاتصاف قليل الجدوى والنفع وهذا علم أكثر النظار والمطلوب إنما هو العلم الحالي الناشئ عن العادة.
واعلم أن الكمال عند الشارع في كل ما كلف به إنما هو في هذا فما طلب اعتقاده فالكمال في العلم الثاني الحاصل عن الاتصاف وما طلب عمله من العبادات فالكمال فيها في حصول الاتصاف والتحقق بها ثم إن الإقبال على العبادات والمواظبة عليها هو المحصل لهذه الثمرة الشريفة قال صلى الله عليه وسلم في رأس العبادات: "جعلت قرة عيني في الصلاة" فإن الصلاة صارت له صفة وحالا يجد فيها منتهى لذته وقرة عينه وأين هذا من صلاة الناس ومن لهم بها {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} اللهم وفقنا واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
فقد تبين لك من جميع ما قررنا أن المطلوب في التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفس يحصل عنها علم اضطراري للنفس هو التوحيد وهو: العقيدة الإيمانية وهو: الذي تحصل به السعادة وإن ذلك سواء في التكاليف القلبية والبدنية ويتفهم منه أن الإيمان الذي هو أصل التكاليف وينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب: أولها: التصديق القلبي الموافق اللسان.
وأعلاها: حصول كيفية من ذلك الاعتقاد القلبي وما يتبعه من العمل مستولية على القلب فيستتبع الخوارج وتندرج في طاعتها جميع التصرفات حتى تنخرط الأفعال كلها في طاعة ذلك التصديق الإيماني.
وهذا ارفع مراتب الإيمان وهو الإيمان الكامل الذي لا يقارف المؤمن معه صغير ولا كبيرة إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين قال صلى الله عليه وسلم:
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وفي حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه: هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ قال: لا قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
ومعناه: أن ملكة الإيمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة لأن العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنين حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الإيمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه مثل: أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأن الصلاة والصيام من الإيمان وإن تطوع1 رمضان من الإيمان والحياء من الإيمان والمراد بهذا كله الإيمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي.
وأما التصديق الذي هو أول مراتبه ومن اعتبروا آخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الإيمان الكامل ظهر له التفاوت وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الإيمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم فلا يجزى أقل منه وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم.
واعلم أن الشارع وصف لنا هذه الإيمان الذي في المرتبة الأولى الذي هو تصديق وعين أمورا مخصوصة كلفنا التصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بألسنتنا وهي العقائد التي تقررت في الدين قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" وهذه هي العقائد الإيماينة المقررة في علم الكلــام.
ولنشر إليها بجملة لتتبين لك حقيقة هذا الفن وكيفية حدوثه فنقول.
اعلم أن الشارع لما أمرنا بالإيمان بهذا الخالق الذي رد الأفعال كلها إليه وأفرده به كما قدمناه وعرفنا أن في هذا الإيمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود إذ ذاك متعذر على إدراكنا ومن فوق طورنا فكلفنا أولا اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة المخلوقين وإلا لما صح أنه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التقديم ثم تنزيهه عن صفات النقص وإلا لشابه المخلوقين ثم توحيده بالاتحاد وإلا لم يتم الخلق للتمانع ثم اعتقاد أنه عالم قادر فبذلك تتم الأفعال شاهد قضيته لكمال الاتحاد والخلق.
ومريد وإلا لم يخصص شيء من المخلوقات.
ومقدر لكل كائن وإلا فالإرادة حادثة.
وأنه يعيدنا بعد الموت
ثم اعتقاد بعثة الرسل لنجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشقاء والسعادة وعدم معرفتنا بذلك وتمام لطفه بنا في الإيتاء بذلك وبيان الطريقين وأن الجنة للنعيم وجهنم للعذاب.
هذه أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثيرة وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققتها الأئمة إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتناظر. والاستدلال بالعقل زيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلــام ولنبين لك تفصيل هذا المجمل وذلك.
أن القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها فوجب الإيمان بها ووقع في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها.
ثم وردت في القرآن آي أخر قليلة توهم التشبيه مرة في الذات وأخرى في الصفات.
فأما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل وهذا معنى قول الكثير منهم اقرؤوها كما جاءت أي: آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له.
وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه.
ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظاهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة لأن معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار وتغليب آيات السلوب في التنزيه المطلق الذي هي أكثر موارد وأوضح دلالة أولى من التعلق بظواهر هذه التي لنا عنها غنية وجمع بين الدليلين بتأويلهم ثم يفرون من شناعة ذلك بقولهم جسم لا كالأجسام وليس ذلك بدافع لأنه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كان بالمعقولية واحدا من الجسم وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقولية المتعارفة فقد وافقونا في التنزيه ولم يبق إلا جعلهم لفظ الجسم اسما من أسمائه ويتوقف مثله على الأذن.
وفريق منهم ذهبوا إلى التشبيه في الصفات كثبات الجبهة والاستواء والنزول والصوت والحرف وأمثال ذلك وآل قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الأولين إلى قولهم وصوت لا كالأصوات جهة لا كالجهات، ونزول لا كالنزول يعنون من الأجسام واندفع ذلك بما اندفع به الأول ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلا يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنها صحيحة ثابتة من القرآن ولهذا تنظر ما تراه في عقيدة الرسالة لابن أبي زيد وكتاب المختصر له وفي كتاب الحافظ ابن عبد البر وغيرهم فإنهم يحومون على هذا المعنى ولا تغمض عينك عن القرائن الدالة على ذلك في غصون كلامهم.
ثم لما كثرت العلوم والصنائع وولع الناس بالتدوين والبحث في سائر الأنحاء وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب.
فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهم وهو مردود بأن الصفات ليست عين الذات ولا غيرها.
وقضوا بنفي السمع والبصر لكونهما من عوارض الأجسام وهو مردود لعدم اشتراط البينة في مدلول هذا اللفظ وإنما هو إدراك المسموع أو المبصر.
وقضوا بنفي الكلــام لشبه ما في السمع والبصر ولم يعقلوا صفة الكلــام التي تقوم بالنفس فقضوا بأن القرآن مخلوق بدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف فاستحل لخلافهم أيسار كثير منهم ودماءهم كان ذلك سببا لإنتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري ما المتكلمين فوسط بين الطرق ونفي التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلــام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب وألحق بذلك الكلــام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم: أنها من عقائد الإيمان وأنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية لا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلــام.
أما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل.
وأما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلــام النفسي.
وكثر اتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للأمة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء وإن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها
وإن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول وجملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية إلا أن صور الأدلة تعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملة، ولو ظهر منها بعض الشيء فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك.
ثم جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطريقة كتاب الشامل وأوسع القول فيه ثم لخصه في كتاب الإرشاد واتخذه الناس إماما لعقائدهم ثم انتشرت من بعد ذلك علوم المنطق في الملة وقرأه الناس وفرقوا بينه وبين العلوم الفلسفية بأنه قانون ومعيار للأدلة فقط يسير به الأدلة منها كما يسير من سواها.
ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلــام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي أدلت إلى ذلك وربما أن كثيرا منها مقتبس من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات فلما سيروها لمعيار المنطق ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي فصارت هذه الطريقة من مصطلحهم مباينة للطريقة الأولى وتسمى طريقة المتأخرين وربما أدخلوا فيها الرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من العقائد الإيمانية وجعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثير من مذاهب المبتدعة ومذاهبهم.
وأول من كتب في طريقة الكلــام على هذا المنحى الغزالي رحمه الله وتبعه الإمام ابن الخطيب وجماعة قفوا أثرهم واعتمدوا تقليدهم ثم توغل المتأخرون من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيها واحدا من اشتباه المسائل فيهما.
واعلم أن المتكلمين لما كانوا يستدلون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود الباري وصفاته وهو نوع استدلالهم غالبا والجسم الطبيعي ينظر فيه الفيلسوفي في الطبيعيات وهو بعض من هذه الكائنات إلا أن نظره فيها مخالف لنظر المتكلم وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرك ويسكن.
والمتكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل.
وكذا نظر الفيلسوفي في الإلهيات إنما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته.
ونظر المتكلم في الوجود من حيث أنه يدل على الموجد وبالجملة فموضوع علم الكلــام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فترفع البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد.
وإذا تأملت حال الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة علمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه.
ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين والتبست مسائل الكلــام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي في الطوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم إلا أن هذه الطريقة قد يعني بها بعض طلبة العلم للاطلاع على المذاهب والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها.
وأما محاذاة طريقة السلف بعقائد علم الكلــام فإنما هو الطريقة القديمة للمتكلمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه. ومن أراد إدخال الرد على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزالي والإمام ابن الخطيب فإنها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخرين من بعدهما.
وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن هذا العلم الذي هو علم الكلــام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه الباري عن كثير إيهاماته وإطلاقه.
ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مر بهم من المتكلمين يفيضون فيه فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص فقال: نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب.
لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها والله تعالى ولي المؤمنين.

الكَلْب

الكَلْــب: كُلُّ سَبُعٍ عَقورٍ، وغَلَبَ على هذا النَّابحِ، ج: أكْلُبٌ وأكالِبُ، وكِلابٌ وكِلاباتٌ، والأَسَدُ، وأوَّلُ زِيادَةِ الماءِ في الوادي، وحَديدَةُ الرَّحى في رأسِ القُطْبِ، وخَشَبَةٌ يُعْمَدُ بها الحائِطُ، وسَمَكٌ، ونَجْمٌ، والقِدُّ، وطَرَفُ الأَكَمَةِ، والمِسْمارُ في قائِمِ السَّيْفِ، وسَيْرٌ أحْمَرُ يُجْعَلُ بَيْنَ طَرَفَي الأَديمِ، وموْضِعٌ بَيْنَ قُومِسَ والرَّيِّ، وأُطُمٌ، وجَبَلٌ باليَمامَةِ،
وـ من الفَرَسِ: الخَطُّ في وَسَطِ ظَهْرِهِ، وحَديدَةٌ في طَرَفِ الرَّحْلِ،
كــالكَلــاَّبِ، بالفتْحِ، وذُؤابَةُ السَّيْفِ، وكُلُّ ماوُثِّقَ بِه شَيْءٌ، وبالتَّحريكِ: العَطَشُ، والقِيادَةُ،
كالمَكْلَبَةِ، ومنه: الكَلْــتَبَانُ للقَوَّادِ، ووقوعُ الحَبْلِ بَيْنَ القَعْوِ والبَكَرَةِ، والحِرْصُ، والشِّدَّةُ، والأَكْلُ الكَثيرُ بِلا شِبَعٍ، وأنْفُ الشِّتاءِ، وصِياحُ مَنْ عَضَّهُ الكَلْــبُ الكَلِــبُ، وجُنونُ الكِلــابِ المُعْتَرِي مِنْ أكْلِ لَحْمِ الإِنْسانِ، وشِبْهُ جُنونِها المعْتَرِي للإِنْسانِ مِنْ عَضِّها.
وكَلِبَ، كَفَرِحَ: أصابَهُ ذلكَ، وغَضِبَ، وسَفِهَ،
وـ الشَّجَرُ: لم يَجِدْ رِيَّهُ، فَخَشٌنَ وَرَقُهُ، فَعَلِقَ ثَوْبُ مَنْ مَرَّ به،
وـ الشِّتاءُ: اشْتَدَّ.
وأكْلَبُوا: كَلِبتْ إِبِلُهُمْ.
والكُلْــبَةُ، بالضمِّ: الشِّدَّةُ، والضِّيقُ، والقَحْطُ، وحانوتُ الخمَّارِ، والشَّعَرُ النَّابِتُ في جانِبَيْ خَطْمِ الكَلْــبِ والسِّنَّوْرِ،
وع بِدِيارِ بَكْرٍ، وشِدَّةُ البَرْدِ، والسيْرُ، أو الطَّاقَةُ مِنَ اللِّيفِ يُخْرَزُ بها، وبالفتح: شَجَرَةٌ شاكَةٌ،
كــالكَلِــبَةِ، بِكْسرِ اللاَّمِ، والشَّوكَةُ العارِيَةُ مِنَ الأَغْصانِ،
وع بِعُمانَ.
والكَلْــبَتانِ: ما يأخُذُ به الحَدَّادُ الحَديدَ المُحْمَى.
والكَلُّــوبُ: المِهْمازُ،
كــالكُلــاَّبِ، بالضمِّ.
وكَلَبَهُ: ضَرَبَهُ به.
والمُكَلِّبُ: مُعَلِّمُ الكِلــابِ الصَّيْدَ، وبفتح اللاَّمِ: المُقَيَّدُ.
والكَلــيبُ والكالِبُ: جَماعَةُ الكِلــابِ.
والمُكالَبَةُ: المُشارَّةُ، والمُضايَقَةُ.
والتَّكالُبُ: التَّواثُبُ.
وكَلْبٌ، وبَنُو كَلْبٍ، وبَنُو أكْلُبٍ، وبَنُو كَلْبَةَ، وبَنُو كلابٍ: قَبائِلُ.
وكَفُّ الكَلْــبِ: عُشْبَةٌ مُنْتَشِرَةٌ.
وأُمُّ كَلْبٍ: شُجَيْرَةٌ شاكَةٌ.
والكَلَــبَاتُ: هَضَباتٌ م.
وكَغُرابٍ: ع، وماءٌ له يَوْمٌ. وكالسَّحابِ: ذَهابُ العَقْلِ مِنَ الكَلَــبِ. وقد كُلِبَ، كَعُنِيَ.
ولِسانُ الكَلْــبِ: سَيْفُ تُبَّعٍ، كانَ في طولِ ثَلاثة أذْرُعٍ، كأَنَّهُ البَقْلُ خُضْرَةً، (واسْمُ) سُيُوفٍ أُخَرَ، ونَبْتٌ. وذُو الكَلْــبِ: عَمْرُو بنُ العَجْلانِ.
ونَهْرُ الكَلْــبِ: بَيْنَ بَيْروتَ وصَيْدَا.
وكَلْبُ الجَرَبَّةِ: ع. وكَلاَّبٌ العُقَيْلِيُّ، كَكَتَّانٍ، وكذا ابنُ حَمْزَةَ أبو الهَيْذامِ: شاعِرانِ.
والكالِبُ والكَلــاَّبُ: صاحِبُ الكِلــاَبِ.
ودَيْرُ الكَلْــبِ: بِناحِيَةِ المَوْصِلِ. وجُبُّ الكَلْــبِ، في ج ب ب. وعَبدُ اللَّهِ بنُ كُلاَّبٍ، كَرُمَّانٍ: مُتَكَلِّمٌ.
وقولُهُم: "الكِلــابُ، أو الكِرابُ على البَقَرِ"، تَرْفَعُها وتَنْصِبُها، أيْ: أرسِلْها على بَقَرِ الوَحْشِ، ومَعْنَاهُ: خَلِّ امْرَأً وصِناعَتَهُ.
وأُمُّ كَلْبَةَ: الحُمَّى.
وكَلَبَ يَكْلِبُ،
واسْتَكْلَبَ: نَبَحَ لِتَسْمَعَهُ الكِلــابُ، فَتَنْبَحَ فَيُسْتَدَلَّ بِها عليه،
وـ الكَلْــبُ: ضَرِيَ، وتَعَوَّدَ أكْلَ النَّاسِ.
وكَلالِيبُ البازِي: مخَالِبُهُ،
وـ من الشَّجَرِ: شَوْكُه.
وكالَبَتِ الإِبِلُ: رَعَتْهُ.

الْكُلِّي المنطقي

الْكُلِّــي المنطقي: هُوَ مَفْهُوم لفظ الْكُلِّــي من غير اعْتِبَار تَقْيِيده بمادة من الْموَاد كَمَا مر. وَهَذَا الْمَفْهُوم يَقع مَوْضُوعا فِي الْمسَائِل المنطقية الَّتِي يبْحَث فِيهَا عَن المعقولات الثَّانِيَة من حَيْثُ الإيصال ويورد عَلَيْهِ أَحْكَام لتَكون تِلْكَ الْأَحْكَام عَامَّة شَامِلَة لجَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الْكُلِّــي. وَلذَا سمي منطقيا لنسبته إِلَيْهِ وَلِأَن المنطقي إِنَّمَا يُرِيد بِلَفْظ الْكُلِّــي ذَلِك الْمَفْهُوم الْمَذْكُور. وَمَا يُوجد فِي كتب الْمُتَأَخِّرين أَن الْكُلــية هِيَ الْكُلِّــي المنطقي غلط بل هِيَ مبدأ كَمَا ذكره الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي رسَالَته.
وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت الْحَيَوَان كلي فهناك أُمُور ثَلَاثَة. أَحدهَا: الْحَيَوَان من حَيْثُ هُوَ هُوَ وَهُوَ معروض لمَفْهُوم لفظ الْكُلِّــي. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْهُوم لفظ الْكُلِّــي من غير إِشَارَة إِلَى مَادَّة من الْموَاد أَعنِي مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة. وَهَذَا الْمَفْهُوم عَارض للكليات. وَالثَّالِث: الْحَيَوَان الْكُلِّــي أَي المعروض مَعَ الْعَارِض. وَالْأَمر الثَّانِي هُوَ الْكُلِّــي المنطقي كَمَا عرفت. وكليته لما ستعرف فِي الْكُلِّــي الطبيعي وَالْأَمر الأول هُوَ.

الكُلابُ

الكُلــابُ:
بالضم، وآخره باء موحدة، علم مرتجل غير منقول، وقال أبو زياد: الكلــاب واد يسلك بين ظهري ثهلان، وثهلان: جبل في ديار بني نمير لاسم موضعين أحدهما اسم ماء بين الكوفة والبصرة، وقيل:
ماء بين جبلة وشمام على سبع ليال من اليمامة وفيه كان الكلــاب الأوّل والكلــاب الثاني من أيّامهم المشهورة، واسم الماء قدة، وقيل قدّة، بالتخفيف والتشديد، وإنّما سمي الكلــاب لما لقوا فيه من الشرّ، قال أبو عبيدة: والكلــاب عن يمين شمام وجبلة، وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم، وكان أعلاه وأخوفه لأنّه يلي اليمين من اليمن، وقال آخر: بل الذي يلي العراق كان أخوفه من أجل ربيعة والملك الذي عمل بهم ما عمل، فأما الكلــاب الأوّل فإن الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار وهو جدّ امرئ القيس الشاعر كان قد ملك الحيرة في أيّام قباذ الملك لدخوله في دين المزدكية الذي دعا إليه قباذ ونفى النعمان عنها واشتغل بالحيرة عمّا كان يراعيه من أمور البوادي فتفاسدت القبائل من نزار فأتاه أشرافهم وشكوا إليه ما نزل بهم ففرّق أولاده في قبائل العرب فملّك حجرا على بني أسد وغطفان، وملّك ابنه شرحبيل على بكر بن وائل بأسرها وعلى بني حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، وملّك ابنه معدي كرب المسمّى بغلفاء على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد ابن زيد مناة بن تميم، وملّك ابنه سلمة على قيس جميعا، وبقوا على ذلك إلى أن مات أبوهم فتداعت القبائل وتخزّبت فوقعت حرب بين شرحبيل وأصحابه وأخيه سلمة بن الحارث بــالكلــاب ومع كل واحد ممن تقدّم ذكره من قبائل نزار فقتل شرحبيل وانهزم
أصحابه، وقال امرؤ القيس:
أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطّعام وبالشراب
عصافير وذبّان ودود ... وأجرأ من مجلّحة الذّئاب
فبعض اللّوم عاذلتي فإنّي ... ستكفيني التّجارب وانتسابي
إلى عرق الثرى وشجت عروقي، ... وهذا الموت يسلبني شبابي
ونفسي سوف يسلبها وجرمي ... فيلحقني وشيكا بالتراب
ألم أنض المطيّ بكلّ خرق ... أمقّ الطّول لمّاع السّراب
وأركب في اللهام المجر حتى ... أنال مآكل القحم الرّغاب
وكلّ مكارم الأخلاق صارت ... إليه همّتي وبه اكتسابي
فقد طوّفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
أبعد الحارث الملك بن عمرو ... وبعد الخير حجر ذي القباب
أرجّي من صروف الدّهر لينا ... ولم تغفل عن الصّمّ الهضاب
وأعلم أنّني عمّا قليل ... سأنشب في شبا ظفر وناب
كما لاقى أبي حجر وجدّي، ... ولا أنسى قتيلا بــالكلــاب
وفيه قتل أخوهما السفّاح، ظمّأ خيله حتى وردن جبّ الكلــاب، والسفاح: هو مسلمة بن خالد بن كعب من بني حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وفي ذلك اليوم سمي السفّاح لأنّه كان يسفح ما في أسقية أصحابه، وقال: لا ماء لكم دون الكلــاب فقاتلوا عنه وإلّا فموتوا حرارا، فكان ذلك سبب الظفر، وقال جابر بن حنيّ التغلبي:
وقد زعمت بهراء أنّ رماحنا ... رماح نصارى لا تخوض إلى الدم
فيوم الكلــاب قد أزالت رماحنا ... شرحبيل إذ آلى أليّة مقسم
لينتزعن أرماحنا، فأزاله ... أبو حنش عن ظهر شقّاء صلدم
تناوله بالرّمح ثمّ انثنى له ... فخرّ صريعا لليدين وللفم
وزعموا أن أبا حنش عصم بن النعمان هو الذي قتل شرحبيل، وإيّاه عنى الأخطل بقوله:
أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
وأمّا الكلــاب الثاني فكان بين بني سعد والرباب، والرياسة من بني سعد لمقاعس ومن الرباب لتيم، وكان رأس الناس في آخر ذلك اليوم قيس بن عاصم، وبين بني الحارث بن كعب وقبائل اليمن، قتل فيه عبد يغوث بن صلاءة الحارثي بعد أن أسر، فقال وهو مأسور القصيدة المشهورة، فمنها:
أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا
أقول وقد شدّوا لساني بنسعة: ... معاشر تيم أطلقوا عن لسانيا
والكلــاب أيضا: اسم واد بثهلان لبني العرجاء من بني نمير فيه نخل ومياه.

إِخْرَاج الْكَلَام على مُقْتَضى الظَّاهِر

إِخْرَاج الْكَلَــام على مُقْتَضى الظَّاهِر: وإخراجه لَا على مُقْتَضَاهُ.

الأول: عبارَة عَن إِلْقَاء الْخَبَر إِلَى الْمُخَاطب على وفْق ظَاهر حَاله بِأَن يلقِي إِلَى خَالِي الذِّهْن عَن الحكم مُجَردا عَن مؤكدات الحكم وَإِلَى المتردد فِيهِ السَّائِل عَنهُ الطَّالِب عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر مؤكدا اسْتِحْسَانًا وَإِلَى الْمُنكر عَنهُ الْحَاكِم بِخِلَافِهِ مؤكدا وجوبا على حسب إِنْكَاره قُوَّة وضعفا. وَالثَّانِي: عبارَة عَن إِلْقَاء الْخَبَر إِلَى الْمُخَاطب لَا على وفْق ظَاهر حَاله بِأَن يلقِي الْكَلَــام الْمُؤَكّد إِلَى غير الْمُنكر الَّذِي ظَاهر حَاله عدم الْإِنْكَار الْمُقْتَضِي أَن يلقِي إِلَيْهِ كَلَام مُجَرّد عَن التَّأْكِيد وَإِنَّمَا يكون هَذَا الْإِلْقَاء إِذا لَاحَ على غير الْمُنكر إمارات الْإِنْكَار. وَاعْلَم أَن ضابطة إِخْرَاج الْكَلَــام سَوَاء كَانَ على مُقْتَضى الظَّاهِر أَو على خِلَافه. إِن أَحْوَال الْمُخَاطب منحصرة فِي الْأَرْبَعَة (1) الْعلم بِحكم الْخَبَر (2) والخلو (3) وَالسُّؤَال (4) وَالْإِنْكَار عَنهُ. فالأقسام الْعَقْلِيَّة سِتَّة عشر. ثَلَاثَة مِنْهَا بَاطِلَة لَا فَائِدَة فِيهَا تَنْزِيل الْخَالِي (1) منزلَة الْخَالِي (2) والسائل منزلَة السَّائِل (3) وَالْمُنكر منزلَة الْمُنكر. وَاحِد مِنْهَا لَا يتَصَوَّر مَعَه الْكَلَــام على ظَاهر حَاله وَهُوَ الْعَالم فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر مَعَه إِخْرَاج الْكَلَــام على مُقْتَضى ظَاهر حَاله لِأَن مُقْتَضَاهُ أَن لَا يُخَاطب بِمَا يُعلمهُ فَيبقى اثْنَا عشر قسما صَحِيحا. وتفصيله أَن الْعَالم لَا يُخَاطب بِمَا يُعلمهُ على مُقْتَضى ظَاهر حَاله إِلَّا بعد تَنْزِيله منزلَة غَيره من الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة أَعنِي الْخَالِي والسائل وَالْمُنكر يكون إِخْرَاج الْكَلَــام مَعَه حِينَئِذٍ على خلاف مُقْتَضى ظَاهر حَاله فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وكل من الْخَالِي والسائل وَالْمُنكر إِذا خُوطِبَ على مُقْتَضى ظَاهر حَاله من الْخُلُو والسائل وَالْإِنْكَار كَانَ إِلْقَاء الْخَبَر إِلَيْهِ إخراجا على مُقْتَضى الظَّاهِر وَهَذِه أَيْضا ثَلَاثَة أَقسَام وَإِن نزل كل وَاحِد مِنْهَا منزلَة أحد الآخرين بِأَن (1) نزل الْخَالِي منزلَة السَّائِل (2) أَو الْمُنكر (3) والسائل منزلَة الْخَالِي أَو الْمُنكر (4) وَالْمُنكر منزلَة الْخَالِي أَو السَّائِل. وَهَذِه سِتَّة أَقسَام كَانَ إِلْقَاء الْخَبَر على خلاف مُقْتَضى ظَاهر حَال الْمُخَاطب فإخراج الْكَلَــام سَوَاء كَانَ على مُقْتَضى الظَّاهِر أَو على خِلَافه منحصر فِي اثْنَي عشر قسما ثَلَاثَة مِنْهَا إِخْرَاج الْكَلَــام على مُقْتَضى الظَّاهِر تِسْعَة على خِلَافه ثَلَاثَة فِي الْعَالم وَسِتَّة فِي غَيره هَذَا توضيح مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول.

الكلّ

الكلّ:
[في الانكليزية] Universal
[ في الفرنسية] Universel
بالضم والتشديد عند المنطقيين وغيرهم يطلق بالاشتراك على ثلاثة مفهومات. الكلّــي أي ما لا يمنع نفس تصوّره من وقوع الشركة، والكلّ من حيث هو كلّ أي الكلّ المجموعي، وكلّ واحد واحد أي الكلّ الإفرادي. والفرق بين هذه المفهومات من وجهين: الأول أنّ الكلّ المجموعي ينقسم إلى كلّ واحد واحد، والكلّــي ينقسم إليه إلّا أنّ الانقسام الكلّ المجموعي انقسام الشيء إلى أجزائه وانقسام الكلّــي انقسامه إلى جزئياته. والثاني أنّه يصدق على كلّ واحد منها ما لا يصدق على الآخرين فإنّه يصدق على الجيم الكلّــي أنّه لا يخلو عن أحد الكلّــيات الخمس وعلى كلّ واحد أنّه شخص وعلى الكلّ من حيث هو كل أنّه يتمكّن من حمل الف عليه بأن يقال كل الإنسان ألف، ولا يصدق على الآخرين. ثم المعتبر عندهم في القياسات والعلوم هو المعنى الثالث أي الكلّ الإفرادي وإن كان المعنيان الأوّلان مستعملين أيضا لأنّه لو كان المعتبر أحد المعنيين الأولين لم ينتج الشكل الأول، فإنّك إذا قلت كلّ الإنسان حيوان وكلّ الحيوان ألوف ألوف لم يلزم أن يكون كلّ الإنسان ألوفا ألوفا، وكذا إذا قلت الإنسان حيوان والحيوان جنس لا يلزم النتيجة، كذا في شرح المطالع في تحقيق المحصورات.
واعلم أنّ لفظ كلّ لا يرد في التعريف إذ التعريف إنّما هو للحقيقة إلّا أن يراد به التسهيل على فهم المبتدئ لئلّا يتوهّم التخصيص بفرد دون فرد كما مرّ في لفظ الرسوب. والكلّ في اصطلاح الصوفية هو الواحد المطلق لأنّ الكلّ هو اسم الحقّ سبحانه وتعالى باعتبار حضرة الواحدية والإلهية وجامع لمجموع الأسماء. كذا في لطائف اللغات. وقالوا لهذا المعنى: إنّه أحد بالذات وكلّ بالأسماء. كذا في كشف اللغات.

الكلمات المشتركة

الكلــمات المشتركة
أول القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اشتملت على أربع كلمات اسم، الله، الرحمن، الرحيم، ابدأ بــالكلــام على الرحمن. قال السيوطي في كتاب الإتقان" ذهب المبرد وثعلب إلى أنه عبراني وأصله بالخاء المعجمة. قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان6. {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الآية. لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا: أنسجد لما تأمرنا؟ أي للذي تأمرنا يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرفان وقيل لأنه كان معربا لم يسمعوه".اهـ..
وهذا يدل على ما قلته سابقا من جهل علماء العرب باللغات حتى أخوات لغتهم كالعبرانية والسريانية، فالرحمن كلمة عربية خالصة من الرحمة بزيادة الألف والنون كظمآن وعطشان، وكانت العرب تعرفه وتفهم معناه وقد سموا به مسيلمة الكذاب فكانوا يدعونه (رحمان اليمامة) ولكنهم لجهلهم لم يكونوا يعلمون أنه من أسماء الله.
ومن أعجب العجب قولهم انه عبراني وان أصله بالخاء المعجمة، والخاء المعجمة لاوجود لها في العبرانية استقلالا وإنما تنطق الكاف بها إذا جاءت قبلها حركة مثل (هبراخا) البركة ومثل باروخ، أي مبارك ومعناه بالعبرانية هو معناه بالعربية، إلا أنه في اللغة العبرانية، صفة عامة لكل من في قلبه رحمة ليس خاصا بالله تعالى، إذن فهو من الكلــمات المشتركة بين العبرانية والعربية وهي كثيرة تعد بالآلاف، وهذه الكلــمات الأربع التي في البسملة كلها مشتركة بين اللغتين، فالاسم (شم) بإبدال السين شينا وذلك كثير في العبرانية، والله (الوهيم) والرحمن الرحمن لفظه بالعبرانية كلفظه بالعربية إلا أداة التعريف فإنها بالعبرانية هارحمان والرحيم بالعبرانية هارحوم.. وهذه الكلــمات الكثيرة المشتركة بين اللغات السامية هي أصلية في كل واحدة منها، لا يقال إن إحداهن أخذتها من الأخرى وهذا هو الشأن في كل مجموعة من اللغات ترجع إلى أصل
واحد كاللغات اللاتينية كالإيطالية والإسبانية والفرنسية والرومانية والبرتكالية, ومجموعة اللغات الجرمانية كالألمانية والهولندية والفلمنكية والسويدية والنرويجية والدانماركية.
لفظ الجلالة (الله) هل هو مشتق أو مرتجل؟
ومن دلك المعركة الكبرى التي خاضها علماء العربية في لفظ الجلالة (الله) أهو مرتجل أم مشتق؟ وان كان مشتقا فهل اشتقاقه من (اله) أو من وله أو من (لاه) وما هو أصله على كل من هذه الأوجه وماذا جرى عليه من الحذف والإدغام حتى بلغ صورته التي هو عليها؟ ومن تعلم شيئا من اللغات السامية أخوات اللغة العربية لا ينقضي عجبه من الخائضين في تلك المعركة ويرى جهودهم ضائعة ويحكم يقينا أن الاسم الكريم مرتجل بلا مرية وهو بعيد كل البعد من الاشتقاق، فانه ثابت بهذا اللفظ في جميع اللغات السامية ففي السريانية (الاها) والشرقيون منهم ينطقون به (الاهو) وهو كذلك في الآشورية بفتح الهمزة في اللغات الثلاث وبالعبرانية (الوهيم) .ولا تختلف الشعوب السامية فيما أعلم في هذا الاسم الكريم وكذلك في مجموعة اللغات اللاتينية، وفي مجموعة اللغات الجرمانية الاسم الكريم عندهم واحد مهما اختلفت لغاتهم في الكلــمات الأخرى لا تختلف فيه. 
مثال يدل على تقارب اللغتين العربية والعبرانية
جاء في ترجمة يوسف رو فلين للقرآن الكريم بالعبرانية في أول سورة الصف ما نصه مع استبدال الحروف العبرانية بحروف عربية (باراششت همعراخا) سورة المعركة (بشم الوهيم هارحمان هارحوم) يشبح اث الوهيم كل أشربشاميم وغل أشر باآرص وهو هكبورو هحاخام همأمنيم لا ماتوا مروات أثر لو تعسوا) بسم الله الرحمن الرحيم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} . فأنت ترى أن الألفاظ كلها مشتركة من أول البسملة إلي قوله تعالى: (لم) إلا أن لفظ (سبح) أبدلت سينه شينا وحل المضارع 

مُسْتَشْفَى الكَلْب

مُسْتَشْفَى الكَلْــب
الجذر: ك ل ب

مثال: تَمَّ علاجه في مُسْتَشْفَى الكَلْــب
الرأي: مرفوضة عند الأكثرين
السبب: لأن الكلــمة بسكون اللام لا تؤدي المعنى المراد.
المعنى: مكان الاستشفاء من داء الكَلَــب

الصواب والرتبة: -تَمَّ علاجه في مُسْتَشْفَى الكَلَــب [فصيحة]-تَمَّ علاجه في مُسْتَشْفَى الكَلْــب [مقبولة]
التعليق: أوردت المعاجم القديمة والحديثة «الكَلَــب» - بتحريك اللام - على أنه: مرض جنون الكلــاب الذي يُصيب الإنسان بسبب عضّ الكلــاب المسعورة له، أو هو جنون الكلــاب الذي يعتريها مِنْ أكل لحم الإنسان. ويمكن قبول المثال المرفوض على أنه من باب تسمية الشيء باسم مسببه على طريقة المجاز المرسل.

تجريد الكلام

تجريد الكلــام
للعلامة، المحقق، نصير الدين، أبي جعفر: محمد بن محمد الطوسي.
المتوفى: سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
أوله: (أما بعد، حمد واجب الوجود... الخ).
قال: فإني مجيب إلى ما سئلت من: تحرير مسائل الكلــام، وترتيبها على أبلغ النظام، مشيرا إلى غرر فرائد الاعتقاد، ونكت مسائل الاجتهاد، مما قادني الدليل إليه، وقوي اعتقادي عليه.
وسميته: (بتجريد العقائد).
وهو على: ستة مقاصد.
الأول: في الأمور العامة.
الثاني: في الجواهر والأعراض.
الثالث: في إثبات الصانع، وصفاته.
والرابع: في النبوة.
الخامس: في الإمامة.
السادس: في المعاد.
وهو: كتاب مشهور، اعتنى عليه الفحول، وتكلموا فيه بالرد والقبول.
له: شروح كثيرة، وحواش عليها.
فأول من شرحه:
جمال الدين: حسن بن يوسف بن مطهر الحلي، شيخ الشيعة.
المتوفى: سنة ست وعشرين وسبعمائة.
وهو شرح: بقال، أقول.
أوله: (الحمد لله الذي جعل الإنسان الكامل أعلم من الملك... الخ).
وشرحه:
شمس الدين: محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني.
المتوفى: سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وهو: الأصفهاني، المتأخر، المفسر.
أورد من المتن فصلا.
ثم شرحه.
أوله: (الحمد لله المتوحد بوجوب الوجود... الخ).
ذكر فيه: أن المتن لغاية إيجازه كالألغاز، فقرر قواعده، وبين مقاصده، ونبه على ما ورد عليه من الاعتراضات، خصوصا على مباحث الإمامة، فإنه قد عدل فيها عن سمت الاستقامة.
وسماه: (بتشييد القواعد، في شرح تجريد العقائد).
وقد اشتهر بين الطلاب: (بالشرح القديم).
وعليه حاشية عظيمة:
للعلامة، المحقق، السيد، الشريف: علي بن محمد الجرجاني.
المتوفى: سنة ست عشرة وثمانمائة.
وقد اشتهر هذا الكتاب بين علماء الروم: (بحاشية التجريد).
والتزموا تدريسه، بتعيين بعض السلاطين الماضية، ولذلك كثرت عليه: الحواشي، والتعليقات، منها:
حاشية: محيي الدين: محمد بن حسن السامسوني.
المتوفى: سنة تسع عشرة وتسعمائة.
وحاشية: شجاع الدين: إلياس الرومي.
المتوفى: سنة تسع وعشرين وتسعمائة.
وحاشية: سنان الدين: يوسف، المعروف: بعجم سنان.
المتوفى: مفتيا بأماسية.
كتبها ردا على: (حاشية ابن الخطيب).
وهي حاشية:
المولى: محمد بن إبراهيم، الشهير: بخطيب زاده.
المتوفى: سنة إحدى وتسعمائة.
أولها: (أما بعد، حمد من استحق الحمد لذاته وصفاته... الخ).
ذكر فيها: السلطان: بايزيد خان.
روي: أن المولى: خواجه زاده، لما طالع هذه الحاشية، أعني: (حاشية ابن الخطيب)، على (حاشية السيد)، وكان محل مطالعته في: بحث العقاقير، من تقسيم الموجودات، فقرأ عليه: الصاروخاني، فلم يعجبه، وقال: اتركوه، إذ قد علم حاله من مقاله، في هذا المقام.
ولما طالع (حاشية الجلال) على الشرح الجديد، أعجبه.
وذكر: أن المولى: لطفي قصد أن يزيف تلك الحاشية، ولما سمعه المولى المزبور، دعاه إلى ضيافة، وأبرم عليه بذكر بعض المواضع المردودة، وحلف بالله - سبحانه وتعالى - أن لا يتكدر عليه.
فذكر المولى: لطفي نبذا منها، فأجاب عنه، وألزم بحيث لا يشتبه على أحد، فقال المولى لطفي: إن تقريره لا يطابق تحريره.
ثم إنه فرغ عن رد كتابه، ثم إن المولى: المحشي حكم بزندقته، وإباحة دمه.
لما قتل قال: خلصت كتابي من يده.
ذكره بعض الأهالي في هامش: (كتاب الشقائق).
ومن الحواشي على (حاشية السيد الشريف) :
حاشية: المولى: ابن المعيد.
لخص فيه: (حاشية خطيب زاده).
ومنها:
حاشية: الفاضل: أحمد الطالشي، الجيلي.
أولها: (الحمد لله الذي تقدس كنه ذاته عن إدراك العقول... الخ).
وحاشية: المولى: أحمد بن موسى، الشهير: بالخيالي.
المتوفى: سنة سبعين وثمانمائة.
وهي تعليقة على الأوائل.
وحاشية: محيي الدين: محمد بن قاسم، الشهير: بأخوين.
المتوفى: سنة أربع وتسعمائة.
وحاشية: محمد بن محمود المغلوي، الوفائي.
المتوفى: سنة أربعين وتسعمائة.
وحاشية: حسام الدين: حسين بن عبد الرحمن التوقاتي.
المتوفى: سنة ست وعشرين وتسعمائة.
وحاشية: السيد، المولى: علي بن أمر الله، الشهير: بابن الحنائي.
المتوفى: سنة تسع وسبعين وتسعمائة.
فرغ منها: سنة 953.
وحاشية: عبد الرحمن، الشهير: بغزالي زاده.
وهي تعليقة على بعض المواضع.
وحاشية: خضر بن عبد الكريم.
المتوفى: سنة 999.
وحاشية: شجاع الدين الكوسج.
وحاشية: سليمان بن منصور الطوسي، المعروف: بشيخي.
أولها: (الحمد لله المتكلم بكلام ليس من جنس الحروف والأصوات... الخ).
علقها على (حاشية السيد)، و(حاشية ابن الخطيب) معا.
وأشار إلى قول الشارح: بقال الشارح، وإلى قول السيد: بقال الشريف، وإلى قول ابن الخطيب: بقوله.
حاشية: شاه محمد بن حرم.
المتوفى: سنة 978.
وحاشية: ابن البردعي.
وحاشية: المولى: أحمد بن مصطفى، الشهير: بطاشكبري زاده.
المتوفى: سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
كتبها إلى: مباحث الماهية.
وجمع فيها: أقوال القوشي، والدواني، ومير: صدر الدين، وابن الخطيب.
وأداها بأخصر عبارة، ثم ذكر ما خطر له بباله في تحقيق المقام.
ومن الحواشي أيضا:
حاشية: محيي الدين: أحمد بن إبراهيم النحاس، الدمشقي.
علقها على: بحث الماهية.
وحاشية: شمس الدين: أحمد بن محمود، المعروف: بقاضي زاده، المفتي.
المتوفى: سنة ثمان وثمانين وتسعمائة.
علقها على: مبحث الماهية أيضا.
وحاشية: المولى: عبد الغني بن أمير شاه بن محمود.
المتوفى: سنة إحدى وتسعين وتسعمائة.
وحاشية:
للمولى: محمد، المعروف: بسباهي زاده.
المتوفى: سنة 997، سبع وتسعين وتسعمائة.
وحاشية: المولى: محمد بن عبد الكريم، المعروف: بزلف نكار.
المتوفى: سنة أربع وستين وتسعمائة.
ثم شرح: المولى، المحقق، علاء الدين: علي بن محمد، الشهير: بقوشجي.
المتوفى: سنة تسع وسبعين وثمانمائة.
شرحا لطيفا ممزوجا.
أوله: (خير الكلــام حمد الملك العلام... الخ).
لخص فيه: فوائد الأقدمين أحسن تلخيص.
وأضاف إليها: نتائج فكره، مع تحرير سهل.
سوَّده: بكرمان.
وأهداه إلى: السلطان: أبي سعيد خان.
وقد اشتهر هذا الشرح: (بالشرح الجديد).
قال في ديباجته، بعد مدح الفن والمصنف: إن كتاب (التجريد) الذي صنفه المولى الأعظم، قدوة العلماء الراسخين، أسوة الحكماء المتألهين، نصير الحق والملة والدين، تصنيف مخزون بالعجائب، وتأليف مشحون بالغرائب، فهو وإن كان صغير الحجم، وجيز النظم، هو كثير العلم، جليل الشان، حسن النظام، مقبول الأئمة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأعصار، مشتمل على: إشارات إلى مطالب هي الأمهات، مملوء بجواهر كلها كالفصوص، متضمن لبيانات معجزة، في عبارات موجزة - بيت -:
يفجر ينبوع السلاسة من لفظه * ولكن معانيه لها السحر يسجد
وهو في الاشتهار، كالشمس في رابعة النهار، تداولته أيدي النظار، ثم إن كثيرا من الفضلاء، وجهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب، ونشر معانيه.
ومن تلك الشروح، وألطفها مسلكا:
هو الذي صنفه: العالم الرباني، مولانا، شمس الدين الأصبهاني.
فإنه بقدر طاقته، حام حول مقاصده، وتلقاه الفضلاء بحسن القبول.
حتى إن: السيد الفاضل، قد علق عليه: حواشي، تشتمل على: تحقيقات رائقة، وتدقيقات شائقة، تنفرج من ينابيع تحريراته أنهار الحقائق، وتنحدر من علو تقريراته سيول الدقائق، ومع ذلك كان كثير من مخفيات رموز ذلك الكتاب باقيا على حاله، بل كان الكتاب على ما كان كونه كنزا مخفيا، وسرا مطويا، كدرة لم تثقب، لأنه كتاب غريب في صنعته، يضاهي الألغاز لغاية إيجازه، ويحاكي الإعجاز في إظهار المقصود، وإبرازه.
وإني بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطرا من عمري، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرا من دهري، فما من كتاب في هذا العلم إلا تصفحت سينه وشينه، بعثني - أبت نفسي - أن يبقي تلك البدائع تحت غطاء من الإبهام، فرأيت أن أشرحه شرحا يذلل صعابه، ويكشف نقابه، وأضيف إليه فوائد التقطتها من سار الكتب، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر، فتصديت بما عنيت، فجاء - بحمد الله تعالى - كما يحبه الأودّاء، لا مطولا فيمل، ولا مختصرا فيخل، مع تقرير لقواعده، وتحرير لمعاقده، وتفسير لمقاصده. انتهى ملخصا.
وإنما أوردته، ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح.
ثم إن: الفاضل، العلامة، المحقق، جلال الدين: محمد ابن أسعد الصديقي، الدواني.
المتوفى: سنة سبع وتسعمائة.
كتب: حاشية لطيفة على (الشرح الجديد).
حقق فيها وأجاد.
وقد اشتهرت هذه بين الطلاب: (بالحاشية القديمة الجلالية).
ثم كتب: المولى، المحقق، مير، صدر الدين: محمد الشيرازي.
المتوفى: في حدود سنة ثلاثين وتسعمائة.
حاشية لطيفة على (الشرح الجديد) أيضا.
وأهداها: إلى السلطان: بايزيد خان، مع المولى: ابن المؤيد.
وفيها: اعتراضات على الجلال.
ثم كتب: المولى: الجلال الدواني.
حاشية أخرى.
ردا على (حاشية الصدر)، وجوابا على اعتراضاته.
وتعرف هذه: (بالحاشية الجديدة الجلالية).
ثم كتب: العلامة، الصدر.
(حاشية ثانية).
ردا على (حاشية الجلال)، وجوابا عن اعتراضاته.
وأول هذه الحاشية: (صدر كلام أرباب التجريد... الخ).
ذكر فيه: أنه قد يقع لبعض أجلة الناس، فيما كتبه على الشرح اشتباه، والتباس، وأن بعضا من ضعفاء الطلبة، ينظر إلى من يقول لجلالة شأنه، ولا ينظر إلى ما يقول.
فكتب ثانيا:
حاشية محققة: لما في الشرح، والحاشية.
بما لا مزيد عليه.
وأورد فيها: نبذا من توفيقات ولده: منصور، سيما في مقصد الجواهر، فإن له فيها ما يجلو النواظر.
وصدر خطبته باسم السلطان: بايزيد خان.
ثم كتب: العلامة الدواني:
(حاشية ثالثة).
ردا، وجوابا، عن الصدر.
وتعرف هذه: (بالحاشية الأَجَدّ الجلالية).
ويقال لهذه الحواشي: (الطبقات الصدرية، والجلالية).
ولما مات: العلامة الصدر، وفات عنه إعادة الجواب.
كتب ولده: الفاضل، مير، غياث الدين: منصور الحسيني.
المتوفى: سنة 949، تسع وأربعين وتسعمائة.
حاشية: ردا على الجلال.
وهذا صدر خطبة ما كتبه:
ربِّ يسر وتمم يا غياث المستغيثين، قد كشف جمالك على الأعالي، كنه حقائق المعالي، وحجب جلالك الدواني، عن فهم دقائق المعاني، فأسألك التجريد عن أغشية الجلال، بالشوق إلى مطالعة الجمال، وبعدُ: لما كانت العلوم الحقيقية في هذه الأزمنة، غير ممنوع عن غير أهلها، أكب عليه القواصي والدواني، فصارت مشوشة، معلولة، مزخرفة، مدخولة، وعاد كما قيل من كثرة الجدل والخلاف، كعلم الخلاف، غير مثمر، كالخلاف.
ولهذا ما ينال العالم به من الجاهل مزيدا، ولا الشقي به يصير سعيدا، سيما ما في تجريد الكلــام، فإنه قد اشتغل به بعض الأعلام، وغشاه بأمثال ما جرده المصنف عنه.
وسماه: (تحقيق المقام).
ولما اعتقد بعض الطلبة صحة رقمه، رأيت أن أنبه على ما نبذ من مزال قدمه، فإن الإشارة إلى كلها، بل إلى جلها، يفضي إلى إسهاب على الأصحاب، فعلقت على ما استقر عليه رأيه في هذا الزمان، بعد تغييرات كثيرة: حواشي، اقتصرت فيها على الإشارة إلى فساد كلامه، والتنبيه على مزال أقدامه، وأردت أن أسمي هذه الحواشي: (بتجريد الغواشي). انتهى ملخصا.
ومن الحواشي على (الشرح الجديد)، و(الحاشية القديمة) :
حاشية: المولى، المحقق: ميرزا جان حبيب الله الشيرازي.
المتوفى: سنة أربع وتسعين وتسعمائة.
وهي حاشية مقبولة، تداولتها أيدي الطلاب.
وبلغ إلى: مباحث الجواهر والأعراض.
وحاشية: العلامة، كمال الدين: حسين بن عبد الحق الإربيلي، الإلهي.
المتوفى: في حدود سنة أربعين وتسعمائة.
وهي على الشرح فقط إلى: مبحث العلة، والمعلول.
لكنها تشتمل على: أقوال المحققين، كالدواني، وأمثاله.
أولها: (أحسن كلام نزل من سماء التوحيد... الخ).
يقال: هو أول من علق على (الشرح الجديد).
وحاشية: مير، فخر الدين: محمد بن الحسن الحسيني، الأسترابادي.
إلى آخر المقصد الرابع.
أولها: (الحمد لله الغفور الرحيم... الخ).
وحاشية: المدقق: عبد الله النخجواني، الشهير: بمير مرتاض.
علقها على (الشرح)، و(الحاشية الجديدة).
أولها: (حمدا لمن لا كلام لنا في وجوده... الخ).
وحاشية: المولى، المحقق: حسن جلبي بن الفناري.
المتوفى: سنة 886.
وحاشية: المولى: محمد بن الحاج حسن.
المتوفى: سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
جعلها محاكمة بين: الجلال، ومير صدر الدين.
وحاشية: العلامة، شمس الدين: محمد الخفري.
وهي على: نمط: (المحاكمات، بين الطبقات).
وحاشية: حافظ الدين: محمد بن أحمد العجم.
المتوفى: سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
أورد فيها: الردود، والاعتراضات على الشراح، ولم يغادر صغيرة، ولا كبيرة، مما يتعلق به.
وسماه: (محاكمات التجريد).
ومن شروح (التجريد) :
شرح: أبي عمرو: أحمد بن محمد المصري.
المتوفى: سنة سبع وخمسين وسبعمائة.
سماه: (المفيد).
وشرح: العلامة، أكمل الدين: محمد بن محمود البابرتي.
المتوفى: سنة ست وثمانين وسبعمائة.
وهو شرح: بالقول.
وشرح: الفاضل: خضر شاه بن عبد اللطيف المنتشوي.
المتوفى: سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
وشرح: قوام الدين: يوسف بن حسن، المعروف: بقاضي بغداد.
المتوفى: سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
ومنها: (تسديد النقائد، في شرح تجريد العقائد).
ذكر الأصل، ثم الشرح، وميز لفظ الأصل والشرح بالمداد الأحمر.

مَنْع صرف الكلمات التي انتفى سبب مَنْعها من الصرف بإضافتها أو تعريفها

مَنْع صرف الكلــمات التي انتفى سبب مَنْعها من الصرف بإضافتها أو تعريفها
الأمثلة: 1 - إِقَامَة مَرَاكزَ تفتيش جديدة 2 - أَنْهَى استخراج تَصَارِيحَ السَّفر 3 - انْتَعَش الاقتصاد في مِصْرَ مبارك 4 - انْتَهَت من تحديد مواقعَ تمركزها 5 - بَعَثُوا بِرَسَائِلَ تهنئة 6 - حَذَّرهُم من نتائِجَ عرقلة الجهود السلمية 7 - دَانَ لها بالفضل لمساعِيَهَا الحميدة 8 - عَادَ من الصِّينَ أمس 9 - عَادَ من الكُوَيْتَ الشقيقة 10 - عَبَّر عن مَوَاقِفَ بلده 11 - عُثِر معهم على وَثَائقَ سفرٍ مزوَّرة 12 - في قمَّة الدار البَيْضاءَ الطارئة 13 - كَشَفَ عن تَفَاصِيلَ خطته 14 - يَجِب إنهاء الحرب بأسْرَعَ ما يمكن 15 - يَرْتَبط العرب بأوَاصِرَ أُخُوَّة
الرأي: مرفوضة عند بعضهم
السبب: لجرّ هذه الكلــمات بالفتحة، مع مجيئها مضافة أو معرَّفة بـ «أل».

الصواب والرتبة:
1 - إقامة مَراكِزِ تفتيش جديدة [فصيحة]
2 - أنهى استخراج تصاريحِ السَّفَر [فصيحة]
3 - انتعش الاقتصاد في مِصْرِ مبارك [فصيحة]
4 - انتهت من تحديد مواقِعِ تمركزها [فصيحة]
6- بعثوا بِرَسائِلِ تهنئة [فصيحة]
6 - حَذَّرهم من نتائِجِ عرقلة الجهود السلمية [فصيحة]
7 - دان لها بالفضل لمساعِيها الحميدة [فصيحة]
8 - عاد من الصِّينِ أمس [فصيحة]
9 - عاد من الكُوَيْتِ الشقيقة [فصيحة]
10 - عَبَّر عن مَوَاقِفِ بلده [فصيحة]
11 - عُثِر معهم على وَثَائقِ سفرٍ مزوَّرة [فصيحة]
12 - في قمَّة الدار البَيْضاءِ الطارئة [فصيحة]
13 - كَشَف عن تفاصِيلِ خطته [فصيحة]
14 - يجب إنهاء الحرب بأسْرَعِ ما يمكن [فصيحة]
15 - يرتبط العرب بأَوَاصِرِ أُخُوَّة [فصيحة]
التعليق: تستحق هذه الكلــمات المنع من الصرف، ولكن انتفى سبب منعها من الصرف لمجيئها مضافة أو معرَّفة بـ «أل»؛ ولذا فحقُّها الجرّ بالكسرة، مع ملاحظة أنَّ هذا الخطأ يحدث في الكلــمات المجرورة فقط، حيث تجرّ خطأ بالفتحة، أما التنوين فغير وارد لأنه ممتنع، إما للإضافة أو لوجود «أل».

الكَلْبُ

الكَلْــبُ:
بلفظ الكلــب من السباع: هو نهر الكلــب بين بيروت وصيداء من بلاد العواصم بالشام.
والكلــب: موضع بين قومس والرّيّ من منازل حاجّ خراسان وينزلون فيه عند دخول رمضان، كلاهما عن الهمذاني، وكلب الجربّة، بفتح الجيم والراء، وتشديد الباء الموحدة: موضع. ورأس الكلــب: جبل، وقيل موضع. وكلب أيضا: أطم.
والكلــب: جبل بينه وبين اليمامة يوم وهو الجبل الذي رأت عليه زرقاء اليمامة الربيئة التي مع تبّع، وقد ذكر خبره في اليمامة، وقال تبّع يذكره:
ولقد أعجبني قول التي ... ضربت لي حين قالت مثلا:
تلك عنز إذ رأت راكبة ... ظهر عود لم يخيّس ذللا
شرّ يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدج جملا
ثم أخرى أبصرت ناظرة ... من ذرى جوّ بكلب رجلا
يخصف النعل، فما زالت ترى ... شخص ذاك المرء حتى انتعلا
فنزعنا مقلتيها كي نرى، ... هل نرى في مقلتيها قبلا؟
فوجدنا كل عرق منهما ... مودعا حين نظرنا كحلا
أدبرت سامة لما أن رأت ... عسكري في وسط جوّ نزلا
كان تبّع لما ملك جوّا وقتل جديسا اصطفى منهم امرأة حسناء لنفسه، فلما أراد أن يرتحل أمر بجمل فقرّب لها ولم تكن رأته قبل ذلك فقالت: ما هذا؟
قالوا: هو جمل، وكان اسمها عنز، فقالت:
شرّ يوميّ الذي أركب فيه الجملا فصارت مثلا.

رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي

رفع الْإِيجَاب الْكُلِّــي: لَيْسَ كل حَيَوَان حجر وَلَيْسَ كل حَيَوَان إِنْسَان فَلهُ قِسْمَانِ: أَحدهمَا: السَّلب الْكُلِّــي كالمثال الأول. وَالثَّانِي: السَّلب الجزئي كالمثال الثَّانِي. وَلِهَذَا قَالُوا إِن رفع الْإِيجَاب الْكُلِّــي لَا يُنَافِي الْإِيجَاب الجزئي. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن للسلب الجزئي مَعْنيانِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَحَله وَهُوَ قسم من رفع الْإِيجَاب الْكُلِّــي بِأَحَدِهِمَا مسَاوٍ لَهُ لَازم لَهُ بِالْمَعْنَى الآخر فَتَأمل.

الْكُلِّي الطبيعي

الْكُلِّــي الطبيعي: فَهُوَ معروض الْكُلِّــي المنطقي وَإِنَّمَا سمي كليا طبيعيا لِأَنَّهُ طبيعة من الطبائع أَي حَقِيقَة من الْحَقَائِق أَو لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي الطبيعة أَي فِي الْخَارِج. وَأما كليته فَلِأَنَّهُ يصلح لِأَن يكون معروض الْكُلــية أَي عدم منع تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة بَين كثيرين وَهِي أَفْرَاده. وَأما الْكُلِّــي المنطقي فَلَيْسَ بكلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاد الْكُلِّــي الطبيعي بل كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى فراده وموضوعاته فَإِن الْإِنْسَان مثلا كلي طبيعي وافراده زيد وَعَمْرو وَبكر. والكلــي المنطقي لَا يصدق على هَذِه الْأَفْرَاد فــالكلــي المنطقي لَيْسَ بكلي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا بل بِالْقِيَاسِ إِلَى مَوْضُوعَاته أَعنِي مَفْهُوم الْإِنْسَان وَالْفرس وَالْبَقر وَغير ذَلِك وَالْأَمر الثَّالِث هُوَ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.