Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: العيون

سامَرّاء

سامَرّاء:
لغة في سرّ من رأى: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت، وفيها لغات: سامرّاء، ممدود، وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأ، مهموز الآخر، وسرّ من را، مقصور الآخر، أمّا سامرّاء فشاهده قول البحتري:
وأرى المطايا لا قصور بها ... عن ليل سامرّاء تذرعه
وسرّ من را مقصور غير مهموز في قول الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
وسرّ من راء ممدود الآخر في قول البحتري:
لأرحلنّ وآمالي مطرّحة ... بسرّ من راء مستبطي لها القدر
وسامرّا، مقصور، وسرّ من رأى وساء من رأى، عن الجوهري، وسرّاء، وكتب المنتصر إلى المتوكل وهو بالشام:
إلى الله أشكو عبرة تتحيّر، ... ولو قد حدا الحادي لظلّت تحدّر
فيا حسرتا إن كنت في سرّ من رأى ... مقيما وبالشام الخليفة جعفر!
وقال أبو سعد: سامرّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّ من رأى فخففها الناس وقالوا سامرّاء، وهي في الإقليم الرابع، طولها تسع وستون درجة وثلثا درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وسدس، تعديل نهارها أربع عشرة ساعة، غاية ارتفاع الشمس بها تسع وسبعون درجة وثلث، ظل الظهر درجتان وربع، ظل العصر أربع عشرة درجة، بين الطولين ثلاثون درجة، سمت القبلة إحدى عشرة درجة وثلث، وعن الموصلي ثلاث وثمانون درجة، وعرضها مائة وسبع عشرة درجة وثلث وعشر، وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه، وقد ينسبون إليها بالسّرّ مرّي، وقيل: إنّها مدينة بنيت لسام فنسبت إليه بالفارسية سام راه، وقيل: بل هو موضع عليه الخراج، قالوا بالفارسية: ساء مرّة أي هو موضع الحساب، وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي
كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الإتاوة، ومرّة اسم العدد، والمعنى أنّه مكان قبض عدد جزية الروم، وقال الشعبي: وكان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر، وكان يصيف بالقرية التي ابتناها نوح، عليه السلام، عند خروجه من السفينة ببازبدى وسماها ثمانين، ويشتو بأرض جوخى، وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطئ دجلة من الجانب الشرقي، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام، وقال إبراهيم الجنيدي: سمعتهم يقولون إن سامراء بناها سام بن نوح، عليه السلام، ودعا أن لا يصيب أهلها سوء، فأراد السفاح أن يبنيها فبنى مدينة الأنبار بحذائها، وأراد المنصور بعد ما أسس بغداد بناءها، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ثمّ بدا له وبنى بغداد وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثمّ بناها المعتصم ونزلها في سنة 221، وذكر محمد بن أحمد البشّاري نكتة حسنة فيها قال: لما عمرت سامرّاء وكملت واتسق خيرها واحتفلت سميت سرور من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سرّ من رأى، فلمّا خربت وتشوّهت خلقتها واستوحشت سميت ساء من رأى، ثمّ اختصرت فقيل سامراء، وكان الرشيد حفر نهرا عندها سمّاه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصرا ثمّ بنى المعتصم أيضا هناك قصرا ووهبه لمولاه أشناس، فلمّا ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع على خاطره فجاءه وبنى عنده سرّ من رأى، وقد حكي في سبب استحداثه سرّ من رأى أنّه قال ابن عبدوس: في سنة 219 أمر المعتصم أبا الوزير أحمد بن خالد الكاتب بأن يأخذ مائة ألف دينار ويشتري بها بناحية سرّ من رأى موضعا يبني فيه مدينة وقال له: إني أتخوّف أن يصيّح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلماني فإذا ابتعت لي هذا الموضع كنت فوقهم فإن رابني رائب أتيتهم في البر والبحر حتى آتي عليهم، فقال له أبو الوزير: آخذ خمسة آلاف دينار وإن احتجت إلى زيادة استزدت، قال: فأخذت خمسة آلاف دينار وقصدت الموضع فابتعت ديرا كان في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم وابتعت بستانا كان في جانبه بخمسة آلاف درهم ثمّ أحكمت الأمر فيما احتجت إلى ابتياعه بشيء يسير فانحدرت فأتيته بالصكاك، فخرج إلى الموضع في آخر سنة 220 ونزل القاطول في المضارب ثمّ جعل يتقدّم قليلا قليلا وينتقل من موضع إلى موضع حتى نزل الموضع وبدأ بالبناء فيه سنة 221، وكان لما ضاقت بغداد عن عسكره وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان والعميان والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا: إمّا أن تخرج من بغداد فإن الناس قد تأذوا بعسكرك أو نحاربك، فقال: كيف تحاربونني؟ قالوا: نحاربك بسهام السحر، قال: وما سهام السحر؟ قالوا:
ندعو عليك، فقال المعتصم: لا طاقة لي بذلك، وخرج من بغداد ونزل سامراء وسكنها وكان الخلفاء يسكنونها بعده إلى أن خربت إلّا يسيرا منها، هذا كلّه قول السمعاني ولفظه، وقال أهل السير: إن جيوش المعتصم كثروا حتى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفا فمدوا أيديهم إلى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد، فاجتمع العامة ووقفوا للمعتصم وقالوا: يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ إلينا من مجاورتك لأنّك الإمام والحامي للدين وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعمّنا أذاهم فإمّا منعتهم عنّا أو نقلتهم
عنّا، فقال: أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكني أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه، فنظروا وإذا الأمر قد زاد وعظم وخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا: إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك في الأسحار، فقال: هذه جيوش لا قدرة لي بها، نعم أتحوّل وكرامة، وساق من فوره حتى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك، فعمّر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله، وبنى بها مسجدا جامعا في طرف الأسواق، وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القوّاد كرخ سامرّاء، وهو كرخ فيروز، وأنزل بعضهم في الدور المعروفة بدور العرباني، فتوفي بسامرّاء في سنة 227، وأقام ابنه الواثق بسامرّاء حتى مات بها ثمّ ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سرّ من رأى في الحيّز الذي كان احتجره المعتصم، واتسع الناس بذلك، وبنى مسجدا جامعا فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأوّل، واشتقّ من دجلة قناتين شتويّة وصيفيّة تدخلان الجامع وتتخلّلان شوارع سامرّاء، واشتقّ نهرا آخر وقدره للدخول إلى الحيّز فمات قبل أن يتمّم، وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثمّ اختلف الأمر بعده فبطل، وكان المتوكل أنفق عليه سبعمائة ألف دينار، ولم يبن أحد من الخلفاء بسرّ من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل، فمن ذلك: القصر المعروف بالعروس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم، والقصر المختار خمسة آلاف ألف درهم، والوحيد ألفي ألف درهم، والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم، والغريب عشرة آلاف ألف درهم، والشيدان عشرة آلاف ألف درهم، والبرج عشرة آلاف ألف درهم، والصبح خمسة آلاف ألف درهم، والمليح خمسة آلاف ألف درهم، وقصر بستان الايتاخيّة عشرة آلاف ألف درهم، والتلّ علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم، والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم، والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم، وبركوان للمعتز عشرين ألف ألف درهم، والقلائد خمسين ألف دينار، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار، والغرد في دجلة ألف ألف درهم، والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم، والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم، واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم، فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم، وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصرا أو غيره أمر الشعراء أن يعملوا فيه شعرا، فمن ذلك قول عليّ بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل:
وما زلت أسمع أنّ الملو ... ك تبني على قدر أقدارها
وأعلم أنّ عقول الرّجا ... ل يقضى عليها بآثارها
فلمّا رأينا بناء الإما ... م رأينا الخلافة في دارها
بدائع لم ترها فارس ... ولا الرّوم في طول أعمارها
وللرّوم ما شيّد الأوّلون ... وللفرس آثار أحرارها
وكنّا نحسّ لها نخوة ... فطامنت نخوة جبّارها
وأنشأت تحتجّ للمسلمين ... على ملحديها وكفّارها
صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلّت لأبصارها
وقبّة ملك كأنّ النجوم ... تضيء إليها بأسرارها
نظمن الفسافس نظم الحليّ ... لعون النّساء وأبكارها
لو انّ سليمان أدّت له ... شياطينه بعض أخبارها
لأيقن أنّ بني هاشم ... يقدّمها فضل أخطارها
وقال الحسين بن الضحاك:
سرّ من را أسرّ من بغداد، ... فاله عن بعض ذكرها المعتاد
حبّذا مسرح لها ليس يخلو ... أبدا من طريدة وطراد
ورياض كأنّما نشر الزّه ... ر عليها محبّر الأبراد
واذكر المشرف المطلّ من ال ... تلّ على الصّادرين والورّاد
وإذا روّح الرّعاء فلا تن ... س رواعي فراقد الأولاد
وله فيها ويفضلها على بغداد:
على سرّ من را والمصيف تحيّة ... مجلّلة من مغرم بهواهما
ألا هل لمشتاق ببغداد رجعة ... تقرّب من ظلّيهما وذراهما؟
محلّان لقّى الله خير عباده ... عزيمة رشد فيهما فاصطفاهما
وقولا لبغداد إذا ما تنسمت ... على أهل بغداد جعلت فداهما
أفي بعض يوم شفّ عينيّ بالقذى ... حرورك حتى رابني ناظراهما؟
ولم تزل كل يوم سر من رأى في صلاح وزيادة وعمارة منذ أيّام المعتصم والواثق إلى آخر أيّام المنتصر ابن المتوكل، فلمّا ولي المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدوا بالملك والتولية والعزل وانفسدت دولة بني العبّاس لم تزل سر من رأى في تناقص للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة ان به سرداب القائم المهدي ومحلّة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامراء وسائر ذلك خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلّها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكا منها، فسبحان من لا يزول ولا يحول، وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمّى بالعزيزي قال: وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد مادّ عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلّا الأبواب والسقوف، فأمّا حيطانها فكالجدد، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة منها، وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها، ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلى نحو الظهر، ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ،
وكان ابن المعتز مجتازا بسامرّاء متأسفا عليها وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها، ولما استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمّر بها، فقال ابن المعتز:
قد أقفرت سرّ من را، ... وما لشيء دوام
فالنّقض يحمل منها ... كأنّها آجام
ماتت كما مات فيل ... تسلّ منه العظام
وحدثني بعض الأصدقاء قال اجتزت بسامرّاء أو قال أخبرني من اجتاز بسامرّاء: فرأيت على وجه حائط من حيطانها الخراب مكتوبا:
حكم الضّيوف بهذا الرّبع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي على الأمم
فكلّ ما فيه مبذول لطارقه، ... ولا ذمام به إلّا على الحرم
وأظنّ هذا المعنى سبق إليه هذا الكاتب فإذا هو مأخوذ من قول أرطاة بن سهية المري حيث قال:
وإنّي لقوّام لدى الضيف موهنا ... إذا أغدف الستر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة مني بأنّي فاعل
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النّفس إلّا أن تصان الحلائل
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامراء: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد جدرانها، فشاهد اليأس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى، وكأنّ خرابها ينشر، وقد وكّلت إلى الهجر نواحيها، واستحثّ باقيها إلى فانيها، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فالظاعن منها ممحوّ الأثر، والمقيم بها على طرف سفر، نهاره إرجاف، وسروره أحلام، ليس له زاد فيرحل ولا مرعى فيرتع، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذمّ الدنيا، بعد ما كانت بالمرأى القريب جنة الأرض وقرار الملك، تفيض بالجنود أقطارها عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد، كأنّ رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها وتمدّ بالنقع حوافرها، قد نشرت في وجوهها غررا كأنّها صحائف البرق وأمسكها تحجيل كأسورة اللّجين ونوّطت عذرا كالشّنوف في جيش يتلقّف الأعداء أوائله ولم ينهض أواخره، وقد صبّ عليه وقار الصبر، وهبّت له روائح النصر، يصرفه ملك يملأ العين جمالا، والقلوب جلالا، لا تخلف مخيلته، ولا تنقض مريرته، ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب، ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب، قابضا بيد السياسة على أقطار ملك لا ينتشر حبله، ولا تتشظّى عصاه، ولا تطفى جمرته، في سن شباب لم يجن مأثما، وشيب لم يراهق هرما، قد فرش مهاد عدله، وخفض جناح رحمته، راجما بالعواقب الظنون، لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم، ساعيا على الحقّ يعمل به عارفا بالله يقصد إليه، مقرّا للحلم ويبذله، قادرا على العقاب ويعدل فيه، إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنّت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام تطير بها أجنحة السرور، ويهب فيها نسيم الحبور، فالأطراف على مسرة، والنظر إلى مبرّة، قبل أن تخب مطايا الغير، وتسفر
وجوه الحذر، وما زال الدهر مليئا بالنوائب، طارقا بالعجائب، يؤمّن يومه، ويغدر غدره، على أنّها وإن جفيت معشوقة السكنى، وحبيبة المثوى، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصاها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، وتاجرها مالك، وفقيرها فاتك، لا كبغدادكم الوسخة السماء، والومدة الهواء، جوها نار، وأرضها خبار، وماؤها حميم، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم في شمسها من محترق وفي ظلّها من عرق، ضيقة الديار، قاسية الجوار، ساطعة الدخان، قليلة الضيفان، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، ومالهم مكتوم، لا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وبعد اللجاجة انتهاء والهم إلى فرجة، ولكل سابلة قرار، وبالله أستعين وهو محمود على كل حال.
غدت سر من را في العفاء فيا لها ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأصبح أهلوها شبيها بحالها ... لما نسجتهم من جنوب وشمأل
إذا ما امرؤ منهم شكا سوء حاله ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
وبسامراء قبر الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريّين، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية، وبها من قبور الخلفاء قبر الواثق وقبر المتوكل وابنه المنتصر وأخيه المعتز والمهتدي والمعتمد بن المتوكل.

رُحا المِثْلِ

رُحا المِثْلِ:
موضع، قال مالك بن الرّيب بعد ما أوردنا في الشبيك من قصيدته المشهورة:
فيا ليت شعري هل تغيّرت الرّحا، ... رحا المثل، أو أمست بفلج كما هيا
إذا القوم حلّوها جميعا وأنزلوا ... بها بقرا حمّ العيون سواجيا
رعين وقد كاد الظّلام يجنّها، ... يسفن الخزامى غضّة والأقاحيا
وهل ترك العيس المراسيل بالضحى ... تعاليها تعلو المتان القواقيا
وما بعد هذه الأبيات من هذه القصيدة يذكر في بولان.

الرّايَةُ

الرّايَةُ:
هي محلة عظيمة بفسطاط مصر، وهي المحلة التي في وسطها جامع عمرو بن العاص، إنّما سميت الراية لأن عمرو بن العاص لما نزل محاصرا للحصن، كما ذكرنا في الفسطاط، وكان في صحبته قبائل كثيرة من العرب واختطت كل قبيلة خطة بأرض مصر هي معروفة بهم إلى الآن وكان في صحبته قوم من قريش والأنصار وخزاعة وغفار وأسلم ومزينة وأشجع وجهينة وثقيف ودوس وعبس وجرش والليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة والعنقاء فلم يكن لكل بطن من هؤلاء من العدد ما ينفرد بدعوة في الديوان، وكره كل بطن أن يدعى باسم قبيل غيره وتشاحّوا في ذلك، فقال عمرو بن العاص: فأنا أجعل راية ولا أنسبها إلى واحد منكم ويكون موقفكم تحتها وتسمون منزلكم بها، فأجابوه إلى ذلك، فكانت الراية لهم كالنسب الجامع وكان ديوانهم عليها واختطوا كلهم في موضع واحد، فسميت هذه الخطة بهم لذلك.
وراية القلزم: كورة من كور مصر القبليّة. وراية:
موضع في بلاد هذيل، قال قيس بن العيزارة الهذلي وهو في أسرهم:
وقال نساء: لو قتلت نساءنا، ... سواكنّ ذو البثّ الذي أنا فاجع
رجال ونسوان بأكناف راية ... إلى حثن، تلك العيون الدوامع

الدَّهنَاءُ

الدَّهنَاءُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، ونون، وألف تمد وتقصر، وبخط الوزير المغربي: الدهناء عند البصريين مقصور وعند الكوفيين يقصر ويمد، والدّهان:
الأمطار اللينة، واحدها دهن، وأرض دهناء مثل الحسن والحسناء، والدهان: الأديم الأحمر، قالوا في قوله تعالى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ 55: 37، قالوا: شبهها في اختلاف ألوانها من الفزع الأكبر بالدهن واختلاف ألوانه أو الأديم واختلاف ألوانه، ولعل الدهناء سميت بذلك لاختلاف النبت والأزهار في عراضها، قال الساجي: ومن خط ابن الفرات نقلت: بنى عتبة بن غزوان دار الإمارة بالبصرة في موضع حوض حماد وهو حوض سليمان بن عليّ في رحبة دعلج، وهي رحبة بني هاشم، وكانت الدار تسمى الدهناء، قال أبو منصور: الدهناء من ديار بني تميم معروفة، تقصر وتمدّ، والنسبة إليها دهناويّ، قال ذو الرّمة:
أقول لدهناويّة ...
قال: وهي سبعة أجبل من الرمل في عرضها، بين كل جبلين شقيقة، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين، وهي من أكثر بلاد الله كلأ مع قلة أعذاء ومياه، وإذا أخصبت الدهناء ربّعت العرب جمعا لسعتها وكثرة شجرها، وهي عذاة مكرمة نزهة، من سكنها لا يعرف الحمّى لطيب تربتها وهوائها، آخر كلامه، وقال غيره: إذا كان المصعد بالينسوعة، وهو منزل بطريق مكة من البصرة، صبحت به أقماع الدهناء من جانبه الأيسر واتصلت أقماعها بعجمتها وتفرعت جبالها من عجمتها، وقد جعلوا رمل الدهناء بمنزلة بعير وجعلوا أقماعها التي شخصت من عجمتها نحو الينسوعة ثفنا كثفن البعير، وهي خمسة أجبل على عدد الثفنات: فالجبل الأعلى منها الأدنى إلى حفر بني سعد واسمه خشاخش لكثرة ما يسمع من خشخشة أموالهم فيه، والجبل الثاني يسمى حماطان، والثالث جبل الرمث، والرابع معبّر، والخامس جبل حزوى، وقال الهيثم بن عديّ:
الوادي الذي في بلاد بني تميم ببادية البصرة في أرض بني سعد يسمونه الدّهناء، يمر في بلاد بني أسد فيسمونه منعج ثم في غطفان فيسمونه الرّمّة، وهو بطن الرمة الذي في طريق فيد إلى المدينة، وهو وادي الحاجر، ثم يمر في بلاد طيّء فيسمونه حائل، ثم يمر في بلاد كلب فيسمونه قراقر، ثم يمر في بلاد تغلب فيسمونه سوى، وإذا انتهى إليهم عطف إلى بلاد كلب فيصير إلى النيل، ولا يمر في بلاد قوم إلا انصبّ إليهم كلها، هذا قول الهيثم، وقد أكثر الشعراء من ذكر الدهناء وعلى الخصوص ذو الرمة فقال أعرابي حبس بحجر اليمامة:
هل الباب مفروج، فأنظر نظرة ... بعين قلت حجرا فطال احتمامها؟
ألا حبذا الدّهنا وطيب ترابها، ... وأرض خلاء يصدح الليل هامها
ونصّ المهارى بالعشيات والضحى ... إلى بقر، وحي العيون كلامها
وقالت العيوف بنت مسعود أخي ذي الرّمّة:
خليليّ قوما فارفعا الطرف وانظرا ... لصاحب شوق منظرا متراخيا
عسى أن نرى، والله ما شاء فاعل، ... بأكثبة الدّهنا من الحيّ باديا
وإن حال عرض الرمل والبعد دونهم، ... فقد يطلب الإنسان ما ليس رائيا
يرى الله أن القلب أضحى ضميره ... لما قابل الروحاء والعرج قاليا

صَيْداءُ

صَيْداءُ:
بالفتح ثمّ السكون، والدال المهملة، والمد، وأهله يقصرونه، وما أظنه إلّا لفظة أعجميّة إلّا أن أصلها في كلام العرب على سبيل الاشتراك، قال أبو منصور: الصيداء حجر أبيض يعمل منه البرام جمع برمة، وقال النضر: الصيداء الأرض التي تربتها أجزاء غليظة الحجارة مستوية الأرض، وقال الشماخ:
حذاها من الصيداء نعلا طراقها ... حوامي الكراع المؤيدات العشاوز
أي حذاها حرّة نعالها الصخور: وهي مدينة على ساحل بحر الشام من أعمال دمشق شرقي صور بينهما ستة فراسخ، قالوا: سمّيت بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح، عليه السلام، قال هشام عن أبيه: إنّما سمّيت صيداء التي بالشام بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح، عليه السلام، ومرّ أبو الحسن عليّ بن محمد بن الساعاتي بنواحي صيداء وهي بيد الأفرنج فرأى مروجا كثيرة نباتها النرجس، واتفق أنّه هرب بعض الأسارى من صيداء فأرسلت الخيل وراءه فردّته فقال:
لله صيداء من بلاد ... لم تبق عندي بلى دفينا
نرجسها حلية الفيافي ... قد طبّق السهل والحزونا
وكيف ينجو بها هزيم ... وأرضها تنبت العيونــا!
وطول صيداء تسع وخمسون درجة وثلث، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلثان، وهي في الإقليم الرابع، قال الزجاجي: اشتقاقها من الصّيد، يقال: رجل أصيد وامرأة صيداء وهو ميل في العنق من داء وربّما فعل ذلك الرجل كبرا، والنسبة إليها صيداوي وهذه نسبة ما لا ينصرف من الممدود، ولو كان مقصورا لكان صيدويّ كقولهم في ملهى ملهويّ وفي مرمى مرموي، ومن أسمائها إربل بلفظ إربل الموصل، وذكر السمعاني أنّه ينسب إليها صيداني، بالنون، كأنّه لحق بصنعاء وصنعاني وبهراء وبهراني، قال: وممّن نسب إليها كذلك أبو الحسن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن جميع الغساني الحافظ الصيداني، رحل في طلب الحديث إلى مصر والعراق والجزيرة وفارس وسمع فأكثر، روى عنه ابنه الحسن وأبو سعد الماليني وغيرهما، وجمع لنفسه معجما لشيوخه، ومات بعد سنة 394،
وروى عن ابن جميع أيضا عبد الغني بن سعيد الحافظ، وهو من أقرانه، وتمام بن محمد وأبو عبد الله الصوري وعبد الله بن أبي عقيل وأبو نصر بن طلّاب وأبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف بن مردة الأصبهاني وأبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المصري الصوّاف وأبو نصر علي بن الحسين بن أحمد بن أبي سلمة الورّاق الصيداوي وأبو الحسين محمد بن الحسين ابن علي الترجمان وأبو علي الأهوازي وأبو الحسن الجنابي، وبلغني أن مولد ابن جميع سنة 305، وكان من الأعيان والأئمة الثقات، ومات بصيداء في رجب سنة 402، وأكثر ما يقال له الصيداوي، وممّن نسب إليها بهذه النسبة هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي الصيداوي، روى عن مكحول ونافع وابن المبارك ووكيع، ومات سنة 156، وقرأت بخط محمد بن هاشم الخالدي في ديوان المتنبي ما صورته:
قال، يعني المتنبي، لمعاذ الصيداوي وهو يعذله، والصيداء بساحل الشام تعرف بصيداء الصور، وبحوران موضع يقال له أيضا صيداء، ولذلك قال النابغة:
وقبر بصيداء التي عند حارب
ليعلم أنّها غير هذه وهما بالشام. وصيداء أيضا:
الماء المعروف بصدّاء الذي يضرب به المثل في الطيب فيقال: ماء ولا كصدّاء، وقال المبرّد: هو صيداء، وأنشد:
يحاول من أحواض صيداء مشربا
وقد تقدم، وفي سنة 504 سار مغدون في جمع كثير وهو صاحب القدس إلى صيداء ففتحها بالأمان وصادر أهلها وبقيت في أيديهم إلى أن استعادها صلاح الدين سنة 583.

دَارَةُ مَكْمِنٍ

دَارَةُ مَكْمِنٍ:
في بلاد قيس، وقد ذكر مكمن في موضعه، فيها يقول الراعي:
عرفت بها منازل آل حبّي، ... فلم تملك من الطّرب العيونــا
بدارة مكمن، ساقت إليها ... رياح الصيف أرآما وعينا

خَزَرُ

خَزَرُ:
بالتحريك، وآخره راء، وهو انقلاب في الحدقة نحو اللّحاظ، وهو أقبح الحال: وهي بلاد الترك خلف باب الأبواب المعروف بالدّربند قريب من سدّ ذي القرنين، ويقولون: هو مسمى بالخزر ابن يافث بن نوح، عليه السلام، وقال في كتاب العين: الخزر جيل خزر العيون، وقال دعبل بن عليّ يمدح آل عليّ، رضي الله عنه:
وليس حيّ من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان، ولا بكر، ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم، ... كما تشارك أيسار على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة، ... فعل الغزاة بأهل الروم والخزر
وقال أحمد بن فضلان رسول المقتدر إلى الصقالبة في رسالة له ذكر فيها ما شاهده بتلك البلاد فقال: الخزر اسم إقليم من قصبة تسمّى إتل، وإتل اسم لنهر يجري إلى الخزر من الروس وبلغار، وإتل مدينة، والخزر اسم المملكة لا اسم مدينة، والإتل قطعتان: قطعة على غربي هذا النهر المسمّى إتل وهي أكبرهما، وقطعة على شرقيّه، والملك يسكن الغربي منهما، ويسمى الملك بلسانهم ويلك ويسمّى أيضا باك، وهذه القطعة الغربية مقدارها في الطول نحو فرسخ ويحيط بها سور إلّا أنه مفترش البناء، وأبنيتهم خركاهات
لبود إلّا شيء يسير بني من طين، ولهم أسواق وحمّامات، وفيها خلق كثير من المسلمين يقال إنهم يزيدون على عشرة آلاف مسلم ولهم نحو ثلاثين مسجدا، وقصر الملك بعيد من شطّ النهر، وقصره من آجر وليس لأحد بناء من آجر غيره، ولا يمكّن الملك أن يبنى بالآجر غيره، ولهذا السور أربعة أبواب:
أحدها يلي النهر وآخرها يلي الصحراء على ظهر هذه المدينة، وملكهم يهوديّ، ويقال: إنّ له من الحاشية نحو أربعة آلاف رجل، والخزر مسلمون ونصارى وفيهم عبدة الأوثان، وأقل الفرق هناك اليهود على أن الملك منهم، وأكثرهم المسلمون والنصارى إلّا أنّ الملك وخاصته يهود، والغالب على أخلاقهم أخلاق أهل الأوثان، يسجد بعضهم لبعض عند التعظيم، وأحكام مصرهم على رسوم مخالفة للمسلمين واليهود والنصارى، وجريدة جيش الملك اثنا عشر ألف رجل، فإذا مات منهم رجل أقيم غيره مقامه، فلا تنقص هذه العدة أبدا، وليست لهم جراية دائرة إلّا شيء نزر يسير يصل إليهم في المدة البعيدة إذا كان لهم حرب أو حزبهم أمر عظيم يجمعون له، وأما أبواب أموال صلات الخزر فمن الأرصاد وعشور التجارات على رسوم لهم من كل طريق وبحر ونهر، ولهم وظائف على أهل المحالّ والنواحي من كل صنف مما يحتاج إليه من طعام وشراب وغير ذلك، وللملك تسعة من الحكام من اليهود والنصارى والمسلمين وأهل الأوثان، إذا عرض للناس حكومة قضى فيها هؤلاء، ولا يصل أهل الحوائج إلى الملك نفسه وإنما يصل إليه هؤلاء الحكام، وبين هؤلاء الحكام وبين الملك يوم القضاء سفير يراسلونه فيما يجري من الأمور ينهون إليه ويردّ عليهم أمره ويمضونه.
وليس لهذه المدينة قرى إلّا أن مزارعهم مفترشة، يخرجون في الصيف إلى المزارع نحوا من عشرين فرسخا فيزرعون ويجمعونه إذا أدرك بعضه إلى النهر وبعضه إلى الصحاري فيحملونه على العجل والنهر، والغالب على قوتهم الأرز والسمك وما عدا ذلك مما يوجد عندهم يحمل إليهم من الروس وبلغار وكويابه، والنصف الشرقي من مدينة الخزر فيه معظم التجار والمسلمون والمتاجر، ولسان الخزر غير لسان الترك والفارسية ولا يشاركه لسان فريق من الأمم، والخزر لا يشبهون الأتراك، وهم سود الشعور، وهم صنفان: صنف يسمون قراخزر، وهم سمر يضربون لشدة السمرة إلى السواد كأنهم صنف من الهند، وصنف بيض ظاهر والجمال والحسن، والذي يقع من رقيق الخزر وهم أهل الأوثان الذين يستجيزون بيع أولادهم واسترقاق بعضهم لبعض، فأما اليهود والنصارى فإنهم يدينون بتحريم استرقاق بعضهم بعضا مثل المسلمين.
وبلد الخزر لا يجلب منه إلى البلاد شيء، وكل ما يرتفع منه إنما هو مجلوب إليه مثل الدقيق والعسل والشمع والخز والأوبار. وأما ملك الخزر فاسمه خاقان، وإنه لا يظهر إلّا في كلّ أربعة أشهر متنزها، ويقال له خاقان الكبير ويقال لخليفته خاقان به، وهو الذي يقود الجيوش ويسوسها ويدبر أمر المملكة ويقوم بها ويظهر ويغزو وله تذعن الملوك الذين يصاقبونه، ويدخل في كل يوم إلى خاقان الأكبر متواضعا يظهر الإخبات والسكينة ولا يدخل عليه إلّا حافيا وبيده حطب، فإذا سلم عليه أوقد بين يديه ذلك الحطب، فإذا فرغ من الوقود جلس مع الملك على سريره عن يمينه، ويخلفه رجل يقال له كندر خاقان ويخلف هذا أيضا رجل يقال له جاويشغر، ورسم الملك الأكبر أن لا يجلس للناس ولا يكلمهم ولا يدخل عليه أحد
غير من ذكرنا، والولايات في الحل والعقد والعقوبات وتدبير المملكة على خليفته خاقان به، ورسم الملك الأكبر إذا مات أن يبنى له دار كبيرة فيها عشرون بيتا ويحفر له في كل بيت منها قبر وتكسر الحجارة حتى تصير مثل الكحل وتفرش فيه وتطرح النورة فوق ذلك، وتحت الدار والنهر نهر كبير يجري، ويجعلون النهر فوق ذلك القبر ويقولون حتى لا يصل إليه شيطان ولا إنسان ولا دود ولا هوام، وإذا دفن ضربت أعناق الذين يدفنونه حتى لا يدرى أين قبره من تلك البيوت، ويسمى قبره الجنّة، ويقولون: قد دخل الجنة، وتفرش البيوت كلها بالديباج المنسوج بالذهب.
ورسم ملك الخزر أن يكون له خمس وعشرون امرأة، كل امرأة منهن ابنة ملك من الملوك الذين يحاذونه يأخذها طوعا أو كرها، وله من الجواري السراري لفراشه ستون، ما منهن إلا فائقة الجمال، وكل واحدة من الحرائر والسراري في قصر مفرد لها قبة مغشاة بالساج، وحول كل قبة مضرب، ولكل واحدة منهن خادم يحجبها، فإذا أراد أن يطأ بعضهن بعث إلى الخادم الذي يحجبها فيوافي بها في أسرع من لمح البصر حتى يجعلها في فراشه ويقف الخادم على باب قبة الملك، فإذا وطئها أخذ بيدها وانصرف ولم يتركها بعد ذلك لحظة واحدة. وإذا ركب هذا الملك الكبير ركب سائر الجيوش لركوبه، ويكون بينه وبين المواكب ميل، فلا يراه أحد من رعيته إلّا خرّ لوجهه ساجدا له لا يرفع رأسه حتى يجوزه.
ومدة ملكهم أربعون سنة، إذا جاوزها يوما واحدا قتلته الرعية وخاصته وقالوا: هذا قد نقص عقله واضطرب رأيه. وإذا بعث سرية لم تولّ الدّبر بوجه ولا بسبب، فإن انهزمت قتل كل من ينصرف إليه منها، فأما القواد وخليفته فمتى انهزموا أحضرهم وأحضر نساءهم وأولادهم فوهبهم بحضرتهم لغيرهم وهم ينظرون وكذلك دوابهم ومتاعهم وسلاحهم ودورهم، وربما قطع كل واحد منهم قطعتين وصلبهم، وربما علقهم بأعناقهم في الشجر، وربما جعلهم إذا أحسن إليهم ساسة.
ولملك الخزر مدينة عظيمة على نهر إتل، وهي جانبان:
في أحد الجانبين المسلمون وفي الجانب الآخر الملك وأصحابه، وعلى المسلمين رجل من غلمان الملك يقال له خز، وهو مسلم، وأحكام المسلمين المقيمين في بلد الخزر والمختلفين إليهم في التجارات مردودة إلى ذلك الغلام المسلم، لا ينظر في أمورهم ولا يقضي بينهم غيره، وللمسلمين في هذه المدينة مسجد جامع يصلون فيه الصلاة ويحضرون فيه أيام الجمع، وفيه منارة عالية وعدة مؤذنين، فلما اتصل بملك الخزر في سنة 310 أن المسلمين هدموا الكنيسة التي كانت في دار البابونج أمر بالمنارة فهدمت وقتل المؤذنين وقال: لولا أني أخاف أن لا يبقى في بلاد الإسلام كنيسة إلا هدمت لهدمت المسجد. والخزر وملكهم كلهم يهود، وكان الصقالبة وكل من يجاورهم في طاعته، ويخاطبهم بالعبودية ويدينون له بالطاعة، وقد ذهب بعضهم إلى أن يأجوج ومأجوج هم الخزر.

الخابُورُ

الخابُورُ:
بعد الألف باء موحدة، وآخره راء، وهو فاعول من أرض خبرة وخبراء، وهو القاع الذي ينبت السدر، أو من الخبار، وهو الأرض الرّخوة ذات الحجارة، وقيل: فاعول من خابرت الأرض إذا حرثتها، وقال ابن بزرج: لم يسمع اسم على فاعولاء إلا أحرفا: الضاروراء الضّرّ والساروراء السرّ والدالولاء الدّلّ وعاشوراء اسم لليوم العاشر من المحرم، قال ابن الأعرابي: والخابوراء اسم موضع، قلت أنا: ولا أدري أهو اسم لهذا النهر أم غيره، فأما الخابور: فهو اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة ولاية واسعة وبلدان جمة غلب عليها اسمه فنسبت إليه من البلاد قرقيسياء وماكسين والمجدل وعربان، وأصل هذا النهر من العيون التي برأس عين، وينضاف إليه فاضل الهرماس ومدّ، وهو نهر نصيبين، فيصير نهرا كبيرا، ويمتد فيسقي هذه البلاد ثم ينتهي إلى قرقيسياء فيصب عندها في الفرات، وفيه من أبيات أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها:
أيا شجر الخابور ما لك مورقا؟ ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحبّ الزاد إلا من التقى، ... ولا المال إلا من قنا وسيوف
وقال الأخطل:
أراعتك بالخابور نوق وأجمال ... ورسم عفته الريح بعدي بأذيال؟ [1]
وقال الربيع بن أبي الحقيق اليهودي من بني قريظة: [1] في هذا البيت إقواء فأجمال مرفوعة وأذيال مجرورة، إلا إذا كان الرويّ ساكنا، ولم نعثر عليه في ديوان الأخطل.
دور عفت بقرى الخابور غيّرها، ... بعد الأنيس، سوافي الريح والمطر
إن تمس دارك ممن كان يسكنها ... وحشا، فذاك صروف الدهر والغير
حلّت بها كل مبيضّ ترائبها ... كأنها، بين كثبان النقا، البقر
وأنشد ابن الأعرابي:
رأت ناقتي ماء الفرات وطيبه ... أمرّ من الدّفلى الذعاف وأمقرا
وحنّت إلى الخابور لما رأت به ... صياح النبيط والسفين المقيّرا
فقلت لها: بعض الحنين فإن بي ... كوجدك إلا أنني كنت أصبرا
والخابور، خابور الحسنيّة: من أعمال الموصل في شرقي دجلة، وهو نهر من الجبال عليه عمل واسع وقرّى في شمالي الموصل في الجبال، له نهر عظيم يسقي عمله ثم يصبّ في دجلة، ومخرجه من أرض الزّوزان، وقال المسعودي: مخرجه من أرض أرمينية ومصبّه في دجلة بين بلاد باسورين وفيسابور من بلاد قردى من أرض الموصل.

حَجْرٌ

حَجْرٌ:
بالفتح، يقال: حجرت عليه حجرا إذا منعته فهو محجور، والحجر، بالكسر، بمعنى واحد.
وحجر: هي مدينة اليمامة وأم قراها، وبها ينزل الوالي، وهي شركة إلا أن الأصل لحنيفة، وهي بمنزلة البصرة والكوفة، لكل قوم منها خطّة إلا أن العدد فيه لبني عبيد من بني حنيفة، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى: خرجت بنو حنيفة بن لجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل يتبعون الريف ويرتادون الكلأ حتى قاربوا اليمامة على السّمت الذي كانت عبد القيس سلكته لما قدمت البحرين، فخرج عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة منتجعا بأهله وماله يتبع مواقع القطر حتى هجم على اليمامة فنزل موضعا يقال له قارات الحبل، وهو من حجر على يوم وليلة، فأقام بها أياما ومعه جار من اليمن من سعد العشيرة ثم من بني زبيد، فخرج راعي عبيد حتى أتى قاع حجر فرأى القصور والنخل وأرضا عرف أن لها شأنا وهي التي كانت لطسم وجديس فبادوا كما يذكر، إن شاء الله تعالى، في اليمامة، فرجع الراعي حتى أتى عبيدا فقال: والله إني رأيت آطاما طوالا وأشجارا حسانا هذا حملها، وأتى بالتمر معه مما وجده منتثرا تحت النخل، فتناول منه عبيد وأكل وقال: هذا والله طعام طيّب! وأصبح فأمر بجزور فنحرت ثم قال لبنيه وغلمانه:
اجتزروا حتى آتيكم، وركب فرسه وأردف الغلام خلفه وأخذ رمحه حتى أتى حجرا فلما رآها لم يحل عنها وعرف أنها أرض لها شأن فوضع رمحه في الأرض ثم دفع الفرس واحتجر ثلاثين قصرا وثلاثين حديقة وسماها حجرا وكانت تسمى اليمامة، فقال في ذلك:
حللنا بدار كان فيها أنيسها، ... فبادوا وخلّوا ذات شيد حصونها
فصاروا قطينا للفلاة بغربة ... رميما، وصرنا في الديار قطينها
فسوف يليها بعدنا من يحلها، ... ويسكن عرضا سهلها وحزونها
ثم ركز رمحه في وسطها ورجع إلى أهله فاحتملهم حتى أنزلهم بها، فلما رأى جاره الزبيدي ذلك قال:
يا عبيد الشرك! قال: لا بل الرضا، فقال: ما بعد الرضا إلا السخط، فقال عبيد: عليك بتلك القرية فانزلها، القرية بناحية حجر على نصف فرسخ منها، فأقام بها الزبيدي أياما ثم غرض فأتى عبيدا فقال له:
عوّضني شيئا فإني خارج وتارك ما ههنا، فأعطاه ثلاثين بكرة، فخرج ولحق بقومه، وتسامعت بنو حنيفة ومن كان معهم من بكر بن وائل بما أصاب عبيد بن ثعلبة فأقبلوا فنزلوا قرى اليمامة وأقبل زيد ابن يربوع عمّ عبيد حتى أتى عبيدا فقال: أنزلني معك حجرا، فقام عبيد وقبض على ذكره وقال: والله لا ينزلها إلا من خرج من هذا، يعني أولاده، فلم يسكنها إلا ولده، وليس بها إلا عبيدي، وقال لعمه:
عليك بتلك القرية التي خرج منها الزبيدي فانزلها، فنزلها في أخبية الشعر وعبيد وولده في القصور بحجر، فكان عبيد يمكث الأيام ثم يقول لبنيه: انطلقوا إلى باديتنا، يريد عمه، فيمضون يتحدثون هنالك ثم يرجعون، فمن ثمّ سميت البادية، وهي منازل زيد وحبيب وقطن ولبيد بني يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، ثم جعل عبيد يفسل النخل فيغرسها فتخرج ولا تخلف، ففعل أهل اليمامة كلهم ذلك، فهذا هو السبب في تسميتها حجرا، وقد أكثرت الشعراء من ذكرها والتشوق إليها، فروي عن نفطويه قال:
قالت أم موسى الكلابية وكان تزوجها رجل من أهل حجر اليمامة ونقلها إلى هنالك:
قد كنت أكره حجرا أن ألمّ بها، ... وأن أعيش بأرض ذات حيطان
لا حبّذا العرف الأعلى وساكنه، ... وما تضمّن من مال وعيدان
أبيت أرقب نجم الليل قاعدة ... حتى الصباح، وعند الباب علجان
لولا مخافة ربي أن يعاقبني، ... لقد دعوت على الشيخ ابن حيّان
وكان رجل من بني جشم بن بكر يقال له جحدر يخيف السبيل بأرض اليمن، وبلغ خبره الحجاج، فأرسل إلى عامله باليمن يشدد عليه في طلبه، فلم يزل يجد في أمره حتى ظفر به وحمله إلى الحجاج بواسط، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: كلب الزمان وجراءة الجنان، فأمر بحبسه فحبس، فحنّ إلى بلاده وقال:
لقد صدع الفؤاد، وقد شجاني ... بكاء حمامتين تجاوبان
تجاوبتا بصوت أعجميّ ... على غصنين: من غرب وبان
فأسبلت الدموع بلا احتشام، ... ولم أك باللئيم ولا الجبان
فقلت لصاحبيّ: دعا ملامي، ... وكفّا اللوم عني واعذراني
أليس الله يعلم أن قلبي ... يحبك أيها البرق اليماني؟
وأهوى أن أعيد إليك طرفي ... على عدواء من شغلي وشاني
أليس الله يجمع أم عمرو ... وإيانا، فذاك بنا تدان؟
بلى! وترى الهلال كما أراه، ... ويعلوها النهار كما علاني
فما بين التفرق غير سبع ... بقين من المحرم، أو ثمان
ألم ترني غذيت أخا حروب، ... إذا لم أجن كنت مجنّ جان؟
أيا أخويّ من جشم بن بكر، ... أقلّا اللّوم إن لا تنفعاني
إذا جاوزتما سعفات حجر ... وأودية اليمامة، فانعياني
لفتيان، إذا سمعوا بقتلي ... بكى شبانهم وبكى الغواني
وقولا: جحدر أمسى رهينا، ... يحاذر وقع مصقول يماني
ستبكي كل غانية عليه، ... وكل مخضّب رخص البنان
وكل فتى له أدب وحلم ... معدّيّ كريم، غير وان
فبلغ شعره هذا الحجاج فأحضره بين يديه وقال له:
أيما أحب إليك أن أقتلك بالسيف أو ألقيك للسباع؟
فقال له: أعطني سيفا وألقني للسباع! فأعطاه سيفا وألقاه إلى سبع ضار مجوّع فزأر السبع وجاءه فتلقاه بالسيف ففلق هامته، فأكرمه الحجاج واستنابه وخلع عليه وفرض له في العطاء وجعله من أصحابه، وأنشد ابن الأعرابي في نوادره لبعض اللصوص:
هل الباب مفروج، فأنظر نظرة ... بعين قلت حجرا وطال احتمامها؟
ألا حبّذا الدهنا وطيب ترابها، ... وأرض فضاء يصدح الليل هامها
وسير المطايا بالعشيات والضحى، ... إلى بقر وحش العيون اكامها
والحجر أيضا حجر الراشدة: موضع في ديار بني عقيل، وهو مكان ظليل أسفله كالعمود وأعلاه منتشر، عن أبي عبيد. والحجر أيضا: واد بين بلاد عذرة وغطفان. والحجر أيضا: جبل في بلاد غطفان.
والحجر أيضا حجر بني سليم: قرية لهم.

الحِجاز

الحِجاز:
بالكسر، وآخره زاي، قال أبو بكر الأنباري: في الحجاز وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شدّه شدّا يقيده به، ويقال للحبل حجاز، ويجوز أن يكون سمي حجازا لأنه يحتجز بالجبال، يقال:
احتجزت المرأة إذا شدّت ثيابها على وسطها واتّزرت، ومنه قيل حجزة السراويل، وقول العامة حزّة السراويل خطأ، قال عبيد الله المؤلف، رحمه الله تعالى: ذكر أبو بكر وجهين قصد فيهما الإعراب ولم يذكر حقيقة ما سمي به الحجاز حجازا، والذي أجمع عليه العلماء أنه من قولهم حجزه يحجزه حجزا أي منعه. والحجاز: جبل ممتدّ حالّ بين الغور غور تهامة ونجد فكأنه منع كلّ واحد منهما أن يختلط بالآخر فهو حاجز بينهما، وهذه حكاية أقوال العلماء، قال الخليل: سمي الحجاز حجازا لأنه فصل بين الغور والشام وبين البادية، وقال عمارة بن
عقيل: ما سال من حرّة بني سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر، وما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلى أن تقطعه تهامة، وهو حجاز أسود حجز بين نجد وتهامة، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق، وقال الأصمعي: ما احتزمت به الحرار حرّة شوران وحرّة ليلى وحرّة واقم وحرّة النار وعامة منازل بني سليم إلى المدينة، فذلك الشقّ كله حجاز، وقال الأصمعي أيضا في كتاب جزيرة العرب: الحجاز اثنتا عشرة دارا: المدينة وخيبر وفدك وذو المروة ودار بليّ ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة ونفر من هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال وظهر حرّة ليلى، ومما يلي الشام شغب وبدا، وقال الأصمعي في موضع آخر من كتابه: الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام، وإنما سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية، وقال غيره: حدّ الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة، فنصف المدينة حجازيّ ونصفها تهاميّ، وبطن نخل حجازي وبحذائه جبل يقال له الأسود نصفه حجازي ونصفه نجديّ، وذكر ابن أبي شبّة أن المدينة حجازية، وروي عن أبي المنذر هشام أنه قال: الحجاز ما بين جبلي طيّء إلى طريق العراق لمن يريد مكة، سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، وقيل: لأنه حجز بين الغور والشام وبين السراة ونجد، وعن إبراهيم الحربي أن تبوك وفلسطين من الحجاز، وذكر بعض أهل السير أنه لما تبلبلت الألسن ببابل وتفرّقت العرب إلى مواطنها سار طسم بن إرم في ولده وولد ولده يقفو آثار إخوته وقد احتووا على بلدانهم، فنزل دونهم بالحجاز فسموها حجازا لأنها حجزتهم عن المسير في آثار القوم لطيبها في ذلك الزمان وكثرة خيرها، وأحسن من هذه الأقوال جميعها وأبلغ وأتقن قول أبي المنذر هشام بن أبي النضر الكلبي، قال في كتاب افتراق العرب وقد حدّد جزيرة العرب ثم قال: فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزولها وتوالدوا فيها على خمسة أقسام عند العرب في أشعارهم وأخبارهم: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وذلك أن جبل السراة، وهو أعظم جبال العرب وأذكرها، أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمّته العرب حجازا لأنه حجز بين الغور، وهو تهامة، وهو هابط، وبين نجد وهو ظاهر، فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعكّ وكنانة وغيرها، ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها، وغار من أرضها الغور غور تهامة، وتهامة تجمع ذلك كله، وصار ما دون ذلك الجبل في شرقيه من صحاري نجد إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجدا، ونجد تجمع ذلك كله، وصار الجبل نفسه، وهو سراته، وهو الحجاز وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة، ومن بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازا، والعرب تسميه نجدا وجلسا وحجازا، والحجاز يجمع ذلك كله، وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما العروض، وفيها نجد وغور لقربها من البحر وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها، والعروض يجمع ذلك كله، وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشّحر وعمان وما بينها اليمن، وفيها التهايم والنجد، واليمن تجمع ذلك كله.
قال أبو المنذر: فحدّثنى أبو مسكين محمد بن جعفر
ابن الوليد عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: إنّ الله تعالى لما خلق الأرض مادت فضربها بهذا الجبل، يعني السراة، وهو أعظم جبال العرب وأذكرها، فإنه أقبل من ثغرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازا لأنه حجز بين الغور وهو هابط، وبين نجد وهو ظاهر، ومبدؤه من اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فقطعته الأودية حتى بلغ ناحية نخلة، فكان منها حيض ويسوم، وهما جبلان بنخلة، ثم طلعت الجبال بعد منه فكان منها الأبيض جبل العرج وقدس وآرة والأشعر والأجرد، وأنشد للبيد:
مرّيّة حلّت بفيد وجاورت ... أرض الحجاز، فأين منك مرامها؟
وقد أكثرت شعراء العرب من ذكر الحجاز واقتدى بهم المحدثون، وسأورد منه قليلا من كثير من الحنين والتشوق، قال بعض الأعراب:
تطاول ليلي بالعراق، ولم يكن ... عليّ بأكناف الحجاز يطول
فهل لي إلى أرض الحجاز ومن به ... بعاقبة، قبل الفوات، سبيل؟
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل، ... فريح الصّبا منّي إليك رسول
وقال أعرابيّ آخر:
سرى البرق من أرض الحجاز فشاقني، ... وكلّ حجازيّ له البرق شائق
فوا كبدي مما ألاقي من الهوى، ... إذا حنّ إلف أو تألّق بارق!
وقال آخر:
كفى حزنا أني ببغداد نازل، ... وقلبي بأكناف الحجاز رهين
إذا عنّ ذكر للحجاز استفزّني، ... إلى من بأكناف الحجاز، حنين
فو الله ما فارقتهم قاليا لهم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الأشجع بن عمرو السّلمي:
بأكناف الحجاز هوى دفين، ... يؤرّقني إذا هدت العيون
أحنّ إلى الحجاز وساكنيه، ... حنين الإلف فارقه القرين
وأبكي حين ترقد كل عين، ... بكاء بين زفرته أنين
أمرّ على طبيب العيس نأي، ... خلوج بالهوى الأدنى، شطون؟
فإن بعد الهوى وبعدت عنه، ... وفي بعد الهوى تبدو الشجون،
فأعذر من رأيت على بكاء، ... غريب عن أحبته حزين
يموت الصّبّ والكتمان عنه، ... إذا حسن التذكّر والحنين

الجَعْفَرِيُّ

الجَعْفَرِيُّ:
هذا اسم قصر بناه أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بالله قرب سامرّاء بموضع يسمّى الماحوزة فاستحدث عنده مدينة وانتقل إليها وأقطع القوّاد منها قطائع فصارت أكبر من سامرّاء، وشقّ إليها نهرا فوهته على عشرة فراسخ من الجعفريّ يعرف بجبّة دجلة، وفي هذا القصر قتل المتوكل في شوال سنة 247 فعاد الناس إلى سامرّاء، وكانت النفقة عليه عشرة آلاف درهم كذا ذكر بعضهم في كتاب أبي عبد الله بن عبدوس، وفي سنة 245 بنى المتوكل الجعفريّ وأنفق عليه ألفي ألف دينار، وكان المتولي لذلك دليل بن يعقوب النصراني كاتب بغا الشرابي قلت: وهذا الذي ذكره ابن عبدوس أضعاف ما تقدّم لأن الدراهم كانت في أيام المتوكل كل خمسة وعشرين درهما بدينار فيكون عن ألفي ألف دينار خمسون ألف ألف درهم، قال:
ولما عزم المتوكل على بناء الجعفري تقدّم إلى أحمد ابن إسرائيل باختيار رجل يتقلد المستغلات بالجعفري من قبل أن يبنى وإخراج فضول ما بناه الناس من المنازل، فسمّى له أبا الخطاب الحسن بن محمد الكاتب، فكتب الحسن بن محمد إلى أبي عون لما دعي إلى هذا العمل:
إني خرجت إليك من أعجوبة ... مما سمعت به، ولمّا تسمع
سميت للأسواق، قبل بنائها، ... ووليت فضل قطائع لم تقطع
ولما انتقل المتوكل من سامرّاء إلى الجعفري انتقل معه عامة أهل سامرّاء حتى كادت تخلو فقال في ذلك أبو عليّ البصير هذه الأبيات:
إن الحقيقة غير ما يتوهّم، ... فاختر لنفسك أي أمر تعزم
أتكون في القوم الذين تأخروا ... عن خطّهم أم في الذين تقدّموا
لا تقعدنّ تلوم نفسك، حين لا ... يجدي عليك تلوّم وتندّم
أضحت قفارا سرّ من را ما بها ... إلّا لمنقطع به متلوّم
تبكي بظاهر وحشة، وكأنها ... إن لم تكن تبكي بعين تسجم
كانت تظلّم كلّ أرض مرّة ... منهم، فصارت بعدهن تظلّم
رحل الإمام فأصبحت، وكأنها ... عرصات مكة حين يمضي الموسم
وكأنما تلك الشوارع بعض ما ... أخلت إياد، من البلاد، وجرهم
كانت معادا للعيون، فأصبحت ... عظة ومعتبرا لمن يتوسّم
وكأن مسجدها، المشيد بناؤه، ... ربع أحال ومنزل مترسّم
وإذا مررت بسوقها لم تثن عن ... سنن الطريق، ولم تجد من يزحم
وترى الذراري والنساء، كأنهم ... خلق أقام وغاب عنه القيّم
فارحل إلى الأرض التي يحتلّها ... خير البريّة، إن ذاك الأحزم
وانزل مجاوره بأكرم منزل، ... وتيمّم الجهة التي يتيمّم
أرض تسالم صيفها وشتاؤها، ... فالجسم بينهما يصحّ ويسلم
وصفت مشاربها وراق هواؤها، ... والتذّ برد نسيمها المتنسّم
سهليّة جبليّة، لا تحتوي ... حرّا ولا قرّا، ولا تستوخم
وللشعراء في ذكر الجعفريّ أشعار كثيرة، ومن
أحسن ما قيل فيه قول البحتري: ... قد تمّ حسن الجعفريّ، ولم يكن
ليتمّ إلّا بالخليفة جعفر ... في رأس مشرفة حصاها لؤلؤ،
وترابها مسك يشاب بعنبر ... مخضرّة، والغيث ليس بساكب،
ومضيئة، والليل ليس بمقمر ... ملأت جوانبه الفضاء، وعانقت
شرفاته قطع السّحاب الممطر ... أزرى على همم الملوك، وغض عن
بنيان كسرى في الزمان وقيصر ... عال على لحظ العيون، كأنما
ينظرن منه إلى بياض المشتري ... وتسير دجلة تحته، ففناؤه
من لجّة غمر وروض أخضر ... شجر تلاعبه الرياح، فتنثني
أعطافه في سائح متفجر ... أعطيته محض الهوى، وخصصته
بصفاء ودّ منك غير مكدر ... واسم شققت له من اسمك، فاكتسى
شرف العلوّ به وفضل المفخر

جُرْجانُ

جُرْجانُ:
بالضم، وآخره نون قال صاحب الزيج:
طول جرجان ثمانون درجة ونصف وربع، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة، في الإقليم الخامس، وروى بعضهم أنها في الإقليم الرابع، وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: طول مدينة جرجان ست وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربعون درجة، في الإقليم الخامس، طالعها النور ولها شركة في كف الخضيب ثلاث درج وست عشرة دقيقة وشركة في مرفق الدب الأصغر تحت سبع عشرة درجة وست عشرة دقيقة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان. وجرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، فبعض يعدها من هذه وبعض يعدّها من هذه، وقيل: إن أول من أحدث بناءها يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة، وقد خرج منها خلق من الأدباء والعلماء والفقهاء والمحدثين، ولها تاريخ ألفه حمزة بن يزيد السّهمي.
قال الإصطخري: أما جرجان فإنها أكبر مدينة بنواحيها، وهي أقل ندّى ومطرا من طبرستان، وأهلها أحسن وقارا وأكثر مروءة ويسارا من كبرائهم، وهي قطعتان: إحداهما المدينة والأخرى بكراباذ، وبينهما نهر كبير يجري يحتمل أن تجري فيه السفن، ويرتفع منها من الإبريسم وثياب الإبريسم ما يحمل إلى جميع الآفاق، قال: وإبريسم جرجان بزر دودة يحمل إلى طبرستان، ولا يرتفع من طبرستان بزر إبريسم، ولجرجان مياه كثيرة وضياع عريضة، وليس بالمشرق بعد أن تجاوز العراق مدينة أجمع ولا أظهر حسنا من جرجان على مقدارها، وذلك أن بها الثلج والنخل، وبها فواكه الصرود والجروم، وأهلها يأخذون أنفسهم بالتأنى والأخلاق
المحمودة قال: وقد خرج منها رجال كثيرون موصوفون بالسّتر والسخاء، منهم: البرمكي صاحب المأمون، ونقودهم نقود طبرستان الدنانير والدراهم، وأوزانهم المنّ ستمائة درهم، وكذلك الري وطبرستان.
وقال مسعر بن مهلهل: سرت من دامغان متياسرا إلى جرجان في صعود وهبوط وأودية هائلة وجبال عالية، وجرجان مدينة حسنة على واد عظيم في ثغور بلدان السهل والجبل والبر والبحر، بها الزيتون والنخل والجوز والرمان وقصب السكر والأترج، وبها إبريسم جيد لا يستحيل صبغه، وبها أحجار كبيرة، ولها خواصّ عجيبة، وبها ثعابين تهول الناظر لكن لا ضرر لها ولأبي الغمر في وصف جرجان:
هي جنّة الدّنيا التي هي سجسج، ... يرضى بها المحرور والمقرور
سهليّة جبليّة بحريّة، ... يحتلّ فيها منجد ومغير
وإذا غدا القنّاص راح بما اشتهى ... طبّاخه، فملهّج وقدير
قبج ودرّاج وسرب تدارج، ... قد ضمّهن الظبي واليعفور
غربت بهنّ أجادل وزرازر ... وبواشق وفهودة وصقور
ونواشط من جنس ما هي أفتنت ... رأي العيون بها، وهنّ النور
وكأنما نوّارها برياضها، ... للمبصريه، سندس منشور
وللصاحب كافي الكفاة أبي القاسم في كتابه كافي الرسائل في ذمّ جرجان:
نحن والله من هوائك، يا جر ... جان، في خطّة وكرب شديد
حرّها ينضج الجلود، فإن هبّت ... شمالا تكدّرت بركود
كحبيب منافق، كلما همّ ... بوصل أحاله بالصّدود
وقال أبو منصور النيسابوري يذكر اختلاف الهواء بها في يوم واحد:
ألا ربّ يوم لي بجرجان أرعن، ... ظللت له من حرقه أتعجّب
وأخشى على نفسي اختلاف هوائها، ... وما لامرئ عما قضى الله مهرب
وما خير يوم أخرق متلوّن ... ببرد وحرّ، بعده يتلهّب
فأوّله للقرّ والجمر ينقب، ... وآخره للثلج والخيش يضرب
وكان الفضل بن سهل قد ولى مسلم بن الوليد الشاعر ضياع جرجان وضمّنه إياها بخمسمائة ألف وقد بذل فيها ألف ألف درهم، وأقام بجرجان إلى أن أدركته الوفاة ومرض مرضه الذي مات فيه فرأى نخلة لم يكن في جرجان غيرها فقال:
ألا يا نخلة بالسف ... ح من أكناف جرجان
ألا إني وإياك ... بجرجان غريبان
ثم مات مع تمام الإنشاد وقد نسب الأقيشر اليربوعي، وقيل ابن خزيم، إليها الخمر فقال:
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف، ولم ينفر بها ساعة قدر
ولم يشهد القسّ المهيمن نارها ... طروقا، ولم يحضر على طبخها حبر
أتاني بها يحيى وقد نمت نومة، ... وقد لاحت الشّعرى وقد طلع النّسر
فقلت اصطبحها أو لغيري فأهدها، ... فما أنا بعد الشيب ويحك والخمر!
تعفّفت عنها في العصور التي مضت، ... فكيف التصابي بعد ما كمل العمر؟
إذا المرء وفّى الأربعين، ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى، ... وإن جرّ أسباب الحياة له الدهر
وكان أهل الكوفة يقولون: من لم يرو هذه الأبيات فإنه ناقص المروءة وأما فتحها فقد ذكر أصحاب السير أنه لما فرغ سويد بن مقرّن من فتح بسطام في سنة 18 كاتب ملك جرجان ثم سار إليها وكاتبه روزبان صول وبادره بالصلح على أن يؤدي الجزية ويكفيه حرب جرجان، وسار سويد فدخل جرجان وكتب لهم كتاب صلح على الجزية وقال أبو نجيد:
دعانا إلى جرجان، والرّيّ دونها، ... سواد فأرضت من بها من عشائر
وقال سويد بن قطبة:
ألا ابلغ أسيدا، إن عرضت، بأننا ... بجرجان في خضر الرياض النواضر
فلما أحسونا وخافوا صيالنا ... أتانا ابن صول، راغما، بالجرائر
وممن ينسب إليها من الأئمة أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الأسترآباذي الفقيه أحد الأئمة، سمع يزيد بن محمد بن عبد الصمد وبكار بن قتيبة وعمار بن رجاء وغيرهم، قال الخطيب: وكان أحد أئمة المسلمين والحفّاظ بشرائع الدين مع صدق وتورّع وضبط وتيقظ، سافر الكثير وكتب بالعراق والحجاز ومصر، وورد بغداد قديما وحدث بها، فروى عنه من أهلها يحيى بن محمد بن صاعد وغيره، وقال أبو علي الحافظ: كان أبو نعيم الجرجاني أوحد ما رأيت بخراسان بعد أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة مثله وأفضل منه، وكان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد، وقال الخليلي القزويني: كان لأبي نعيم تصانيف في الفقه وكتاب الضعفاء في عشرة أجزاء، وقال حمزة بن يوسف السّهمي في تاريخ جرجان:
عبد الملك بن محمد بن عدي بن زيد الأسترآباذي سكن جرجان وكان مقدما في الفقه والحديث وكانت الرّحلة إليه في أيامه، روى عن أهل العراق والشام ومصر والثغور، ومولده سنة 242، وتوفي بأسترآباذ في ذي الحجة سنة 323 ومنها أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الجرجاني الحافظ المعروف بابن القطان أحد أئمة الحديث والمكثرين منه والجامعين له والرّحالين فيه، رحل إلى دمشق ومصر، وله رحلتان أولاهما في سنة 297 والثمانية في سنة 305، سمع الحديث بدمشق من محمد بن خزيم وعبد الصمد بن عبد الله بن أبي زيد وإبراهيم بن دحيم وأحمد بن عمير بن جوصا وغيرهم، وسمع بحمص هبيل بن محمد وأحمد بن أبي الأخيل وزيد بن عبد الله المهراني، وبمصر أبا يعقوب إسحق المنجنيقي، وبصيدا أبا محمد المعافى بن أبي كريمة، وبصور أحمد بن بشير بن حبيب الصوري، وبالكوفة أبا العباس بن عقدة ومحمد بن الحصين بن حفص، وبالبصرة أبا خليفة الجمحي، وبالعسكر عبدان الأهوازي،
وببغداد أبا القاسم البغوي وأبا محمد بن صاعد، وببعلبكّ أبا جعفر أحمد بن هاشم وخلقا من هذه الطبقة كثيرا، وروى عنه أبو العباس بن عقدة، وهو من شيوخه، وحمزة بن يوسف السّهمي وأبو سعد الماليني وخلق في طبقتهم، وكان مصنّفا حافظا ثقة على لحن كان فيه وقال حمزة: كتب أبو محمد بن عدي الحديث بجرجان في سنة 290 عن أحمد بن حفص السعدي وغيره، ثم رحل إلى الشام ومصر وصنف في معرفة ضعفاء المحدّثين كتابا في مقدار مائتي جزء سماه الكامل قال: وسألت الدارقطني أبا الحسن أن يصنف كتابا في ضعفاء المحدثين فقال: أليس عندكم كتاب ابن عدي؟ قلت: بلى، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، وكان ابن عدي جمع أحاديث مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة وإسماعيل ابن أبي خالد وجماعة من المتقدّمين وصنف على كتاب المزني كتابا سماه الأبصار، وكان أبو أحمد حافظا متقنا لم يكن في زمانه مثله، تفرّد بأحاديث فكان قد وهب أحاديث له يتفرّد بها لبنيه عدي وأبي زرعة وأبي منصور تفرّدوا بروايتها عن أبيهم، وابنه عدي سكن سجستان وحدث بها، قال ابن عدي:
سمع مني أبو العباس بن عقدة كتاب الجعفرية عن أبي الأشعث، وحدث به عندي فقال: حدّثني عبد الله بن عبد الله، وكان مولده في ذي القعدة سنة 277، ومات غرّة جمادى الآخرة سنة 365 ليلة السبت، فصلى عليه أبو بكر الإسماعيلي ودفن بجنب مسجد كوزين، وقبره عن يمين القبلة مما يلي صحن المسجد بجرجان ومنها حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم ابن محمد، ويقال ابن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن هشام بن العباس بن وائل أبو القاسم السهمي الجرجاني الواعظ الحافظ، رحل في طلب الحديث فسمع بدمشق عبد الوهاب الكلابي، وبمصر ميمون بن حمزة وأبا أحمد محمد بن عبد الرحيم القيسراني، وبتنيس أبا بكر بن جابر، وبأصبهان أبا بكر المقري، وبالرّقة يوسف بن أحمد بن محمد، وبجرجان أبا بكر الإسماعيلي وأبا أحمد بن عدي، وببغداد أبا بكر بن شاذان وأبا الحسن الدارقطني، وبالكوفة الحسن بن القاسم، وبعكبرا أحمد بن الحسن بن عبد العزيز، وبعسقلان أبا بكر محمد بن أحمد بن يوسف الخدري، روى عنه أبو بكر البيهقي وأبو صالح المؤدّب وأبو عامر الفضل بن إسماعيل الجرجاني الأديب وغير هؤلاء سمعوا ورووا قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي الهروي الحاكم: سنة 427 ورد الخبر بوفاة الثّعلبي صاحب التفسير وحمزة بن يوسف السّهمي بنيسابور ومنها أبو إبراهيم إسماعيل بن الحسن بن محمد بن أحمد العلوي الحسيني من أهل جرجان، كان عارفا بالطبّ جدّا، وله فيه تصانيف حسنة مرغوب فيها بالعربية والفارسية، انتقل إلى خوارزم وأقام بها مدة ثم انتقل إلى مرو فأقام بها، وكان من أفراد زمانه، وذكر أنه سمع أبا القاسم القشيري، وحدث عنه بكتاب الأربعين له، وأجاز لأبي سعد السمعاني، وتوفي بمرو سنة 531 وغير هؤلاء كثير.

بَوَّانُ

بَوَّانُ:
بالفتح، وتشديد الواو، وألف، ونون:
في ثلاثة مواضع، أشهرها وأسيرها ذكرا شعب بوّان بأرض فارس بين أرّجان والنّوبندجان، وهو أحد متنزهات الدنيا، قال المسعودي، وذكر اختلاف الناس في فارس فقال: ويقال إنهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح، عليه السلام، وبوّان هذا هو الذي ينسب إليه شعب بوّان من أرض فارس، وهو أحد المواضع المتنزهة المشتهرة بالحسن وكثرة الأشجار وتدفق المياه وكثرة أنواع الأطيار، قال الشاعر:
فشعب بوّان فوادي الراهب، ... فثمّ تلقى أرحل النجائب
وقد روي عن غير واحد من أهل العلم أنه من متنزهات الدنيا، وبعض قال: جنان الدنيا أربعة مواضع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان ونهر الأبلة، وقالوا: وأفضلها غوطة دمشق، وقال أحمد بن محمد الهمداني: من أرّجان إلى النوبندجان ستة وعشرون فرسخا، وبينهما شعب بوّان الموصوف بالحسن والنزاهة وكثرة الشجر وتدفّق المياه، وهو موضع من أحسن ما يعرف، فيه شجر الجوز والزيتون وجميع الفواكه النابتة في الصخر، وعن المبرّد أنه قال: قرأت على شجرة بشعب بوّان:
إذا أشرف المحزون، من رأس تلعة، ... على شعب بوّان استراح من الكرب
وألهاه بطن كالحريرة مسّه، ... ومطّرد يجري من البارد العذب
وطيب ثمار في رياض أريضة، ... على قرب أغصان جناها على قرب
فبالله يا ريح الجنوب تحمّلي، ... إلى أهل بغداد، سلام فتى صبّ
وإذا في أسفل ذلك مكتوب:
ليت شعري عن الذين تركنا ... خلفنا بالعراق هل يذكرونا
أم لعلّ الذي تطاول حتى ... قدم العهد بعدنا، فنسونا؟
وذكر بعض أهل الأدب أنه قرأ على شجرة دلب تظلل عينا جارية بشعب بوّان:
متى تبغني في شعب بوّان تلقني ... لدى العين، مشدود الركاب إلى الدّلب
وأعطي، وإخواني، الفتوّة حقّها ... بما شئت من جدّ وما شئت من لعب
يدير علينا الكأس من لو رأيته ... بعينك ما لمت المحبّ على الحبّ
وذكر لي بعض أهل فارس أن شعب بوّان واد عميق، والأشجار والعيون التي فيه إنما هي من جلهتيه، وأسفل الوادي مضايق تجتمع فيها تلك المياه وتجري، وليس في أرض وطيئة البتّة بحيث تبنى فيه مدينة ولا قرية كبيرة، وقد أجاد المتنبي في وصفه فقال:
مغاني الشعب، طيبا، في المغاني، ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكنّ الفتى العربيّ فيها، ... غريب الوجه، واليد، واللسان
ملاعب جنّة، لو سار فيها ... سليمان لسار بترجمان
طبت فرساننا والخيل حتى ... خشيت، وإن كرمن، من الحران
غدونا تنفض الأغصان فيها، ... على أعرافها، مثل الجمان
فسرت وقد حجبن الحرّ عني، ... وجئن من الضياء بما كفاني
وألقى الشرق منها، في ثيابي، ... دنانيرا تفرّ من البنان
لها ثمر، تشير إليك منه ... بأشربة، وقفن بلا أواني
وأمواه تصلّ بها حصاها ... صليل الحلي، في أيدي الغواني
ولو كانت دمشق ثنى عناني ... لبيق الثّرد صينيّ الجفان
يلنجوجيّ، ما رفعت لضيف ... به النيران، ندّيّ الدّخان
تحلّ به على قلب شجاع، ... وترحل منه عن قلب جبان
منازل، لم يزل منها خيال ... يشيّعني إلى النّوبنذجان
إذا غنّى الحمام الورق فيها، ... أجابته أغانيّ القيان
ومن بالشعب أحوج من حمام، ... إذا غنّى وناح إلى البيان؟
وقد يتقارب الوصفان جدّا، ... وموصوفاهما متباعدان
يقول بشعب بوّان حصاني: ... أعن هذا يسار إلى الطّعان؟
أبوكم آدم سنّ المعاصي، ... وعلمكم مفارقة الجنان
فقلت: إذا رأيت أبا شجاع ... سلوت عن العباد، وذا المكان
وكتب أحمد بن الضحاك الفلكي إلى صديق له يصف شعب بوّان: بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت إليك من شعب بوّان وله عندي يد بيضاء مذكورة، ومنّة غرّاء مشهورة، بما أولانيه من منظر أعدى على الأحزان، وأقال من صروف الزمان، وسرّح طرفي في جداول تطرّد بماء معين منسكب أرقّ من دموع العشّاق، مررتها لوعة الفراق، وأبرد من ثغور الأحباب، عند الالتئام والاكتئاب، كأنها حين جرى آذيّها يترقرق، وتدافع تيارها يتدفّق، وارتجّ حبابها يتكسر في خلال زهر ورياض ترنو بحدق تولّد قصب لجين في صفائح عقيان، وسموط درّ بين زبرجد ومرجان، أثر على حكمة صانعه شهيد، وعلم على لطف خالقه دليل إلى ظلّ سجسج أحوى، وخضل ألمى، قد غنّت عليه أغصان فينانة، وقضب غيدانة، تشوّرت لها القدود المهفهفة خجلا، وتقيّلتها الخصور المرهفة تشبّها، يستقيدها النسيم فتنقاد، ويعدل بها فتنعدل، فمن متورد يروق منظره، ومرتجّ يتهدّل مثمره، مشتركة فيه حمرة نضج الثمار، ينفحه نسيم النّوّار، وقد أقمت به يوما وأنا لخيالك مسامر، ولشوقك منادم، وشربت لك تذكارا، وإذا تفضل الله بإتمام السلامة إلى أن أوافي شيراز كتبت إليك من خبري بما تقف عليه إن شاء الله تعالى. وبوّان، أيضا، شعب بوّان: واد بين فارس وكرمان، يوصف أيضا بالنزاهة والطيب ليس بدون الأول، أخبرني به رجل من أهل فارس. وبوّان أيضا: قرية على باب أصبهان، ينسب إليها جماعة، منهم: القاضي أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليم البوّاني من أهل هذه القرية، كان شيخا صالحا مكثرا، سمع الحافظ أبا بكر مردويه بأصبهان والبرقاني ببغداد وغيرهما، روى عنه الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني وغيره، وولي القضاء ببعض نواحي أصبهان، وتوفي في ذي القعدة سنة 484، وولد في صفر سنة 401.

بَلَرْمُ

بَلَرْمُ:
بفتح أوله وثانيه، وسكون الراء، وميم، معناه بكلام الروم المدينة: وهي أعظم مدينة في جزيرة صقلية في بحر المغرب على شاطئ البحر، قال ابن حوقل: بلرم مدينة كبيرة سورها شاهق منيع مبني من حجر وجامعها كان بيعة وفيها هيكل عظيم، وسمعت بعض المنطقيّين يقول: إنّ أرسطوطاليس معلّق في خشبة في هيكلها، وكانت النصارى تعظّم قبره وتستشفي به لاعتقاد اليونان فيه، فعلّقوه توسّلا إلى الله به، قال: وقد رأيت خشبة في هذا الهيكل معلّقة يوشك أن يكون فيها، قال: وفي بلرم والخالصة والحارات المحيطة بها ومن وراء سورها من المساجد نيف وثلاثمائة مسجد، وفي محالّ كانت تلاصقها وتتصل بها وبوادي عباس مجاورة المكان المعروف بالمعسكر، وهو في ضمن البلد إلى المنزل المعروف بالبيضاء قرية تشرف على المدينة من نحو فرسخ مائتا مسجد، قال وقد رأيت في بعض الشوارع من بلرم على مقدار رمية سهم عشرة مساجد بعضها تجاه بعض وبينها عرض الطريق فقط، فسألت عن ذلك فقيل لي: إنّ القوم لشدة انتفاخ رؤوسهم وقلّة عقولهم يحبّ كلّ واحد منهم أن يكون له مسجد على حدة لا يصلّي فيه غيره ومن يختصّ به، وربما كان أخوان وداراهما متلاصقتان وقد عمل كلّ واحد منهما مسجدا لنفسه خاصّا به يتفرّد به عن أخيه والأب عن ابنه، قال: ومدينة بلرم مستطيلة وسوقها قد أخذ من شرقها إلى غربها، وهو سوق يعرف بالسماط مفروش بالحجارة، وتطيف بالمدينة عيون من شرقها إلى غربها، وماؤها يدير رحى، وشرب بعض أهلها من آبار عذبة وملحة على كثرة المياه العذبة الجارية عندهم والعيون، والذي يحملهم على ذلك قلّة مروءتهم وعدم فطنتهم وكثرة أكلهم البصل، فذاك الذي أفسد أدمغتهم وقلّل حسّهم، وذكر يوسف بن إبراهيم في كتاب أخبار الأطبّاء: قال بعض الأطبّاء وقد قال له رجل إني إذا أكلت البصل لا أحسّ بملوحة الماء، فقال: إنّ خاصيّة البصل إفساد الدماغ فإذا فسد الدماغ فسدت الحواسّ، فالبصل إنما يقلّل حسّك لملوحة الماء لما أفسد من الدماغ، قال:
ولهذا لا ترى في صقلية عالما ولا عاقلا بالحقيقة بفنّ من العلوم ولا ذا مروءة ودين بل الغالب عليهم الرّقاعة والضّعة وقلة العقل والدين، وقال أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن قلاقس الإسكندري:
وركب، كأطراف الأسنّة، عرّسوا ... على مثل أطراف السيوف الصّوارم
لأمر على الإسلام فيه تحيّف، ... يخيف عليه أنه غير سالم
وقالوا: بلرم عند إبرام أمرهم، ... فنجّمت أن قد صادفوا جود حاتم
وقال:
قد سعى بي الوشاة نحو علاه، ... فسعوا لي، فلا عدمت الوشاتا
حرّكوا لي الشّباة منهم، وظنّوا ... أنهم حرّكوا عليّ الشباتا
فدعا من بلرم حجّي فلبّي ... ت، وكانت سرقوسة الميقاتا

صِفّينُ

صِفّينُ:
بكسرتين وتشديد الفاء، وحالها في الإعراب حال صريفين، وقد ذكرت في هذا الباب أنها تعرب إعراب الجموع وإعراب ما لا ينصرف، وقيل لأبي وائل شقيق بن سلمة: أشهدت صفّين؟ فقال: نعم وبئست الصّفّون: وهو موضع بقرب الرّقّة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرّقّة وبالس، وكانت وقعة صفّين بين عليّ، رضي الله عنه، ومعاوية في سنة 37 في غرّة صفر، واختلف في عدّة أصحاب كل واحد من الفريقين، فقيل: كان معاوية في مائة وعشرين ألفا وكان عليّ في تسعين ألفا، وقيل: كان عليّ في مائة وعشرين ألفا ومعاوية في تسعين ألفا، وهذا أصحّ، وقتل في الحرب بينهما سبعون ألفا، منهم من أصحاب عليّ خمسة وعشرون ألفا ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا، وقتل مع عليّ خمسة وعشرون صحابيّا بدريّا، وكانت مدّة المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيّام، وكانت الوقائع تسعين وقعة، وقد أكثرت الشعراء من وصف صفين في
أشعارهم، فمن ذلك قول كعب بن جعيل يرثي عبيد الله بن عمر بن الخطّاب وقد قتل بصفين:
ألا إنّما تبكي العيون لفارس ... بصفين أجلت خيله، وهو واقف
فأضحى عبيد الله بالقاع مسلما ... تمجّ دما منه العروق النّوازف
ينوء وتعلوه سبائب من دم ... كما لاح في جيب القميص الكتائف
وقد ضربت حول ابن عم نبيّنا ... من الموت شهباء المناكب شارف
جزى الله قتلانا بصفّين ما جزى ... عبادا له إذ غودروا في المزاحف

طَخِفَةُ

طَخِفَةُ:
بالكسر ويروى بالفتح، عن العمراني، ثم السكون، والفاء، والطخاف السحاب المرتفع، والطخف اللبن الحامض: وهو موضع بعد النباج وبعد إمّرة في طريق البصرة إلى مكة، وفي كتاب الأصمعي: طخفة جبل أحمر طويل حذاءه بئار ومنهل، قال الضبابي لبني جعفر:
قد علمت مطرّف خضابها ... تزلّ عن مثل النّقا ثيابها
أنّ الضباب كرمت أحسابها، ... علمت طخفة من أربابها
وفيه يوم لبني يربوع على قابوس بن المنذر بن ماء السماء، ولذلك قال جرير:
وقد جعلت يوما بطخفة خيلنا ... لآل أبي قابوس يوما مكدّرا
وكان من أمره أن الردافة ردافة ملوك الحيرة كانت في بني يربوع لعتّاب بن هرميّ بن رياح بن يربوع، ومعنى الردافة أنه كان إذا ركب الملك ركب خلفه وإذا شرب الملك في مجلسه جلس عن يمينه وشرب بعده، فمات عتاب وابنه عوف صغير فقال حاجبه:
إنه صبي والرأي أن تجعل الردافة في غيره، فأبت بنو يربوع ذلك ورحلت فنزلت طخفة وبعث الملك إليهم جيشا فيه قابوس ابنه وابن له آخر وحسان أخوه فضمن لهم أموالا وجعل الردافة فيهم على أن يطلقوا من أسروا ففعلوا فبقيت الردافة فيهم، فقال الأحوص وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب بن كلومي:
وكنت إذا ما مات ملك قرعته، ... قرعت بآباء أولي شرف ضخم
بأبناء يربوع، وكان أبوهم ... إلى الشرف الأعلى بآبائه ينمي
هم ملكوا أملاك آل محرّق، ... وزادوا أبا قابوس رغما على رغم
وقادوا بكره من شهاب وحاجب ... رؤوس معدّ بالأزمّة والخطم
علا جدّهم جدّ الملوك فأطلقوا ... بطخفة أبناء الملوك على الحكم
وقيل فيه أشعار غير ذلك، وذكر ابن الفقيه في أعمال المدينة وقال في موضع آخر: وطخفة جبل لكلاب ولهم عنده يوم، قال ربيعة بن مقروم الضّبّي:
وقومي، فان أنت كذّبتني ... بقولي فاسأل بقومي عليما
بنو الحرب يوما، إذا استلأموا ... حسبتهم في الحديد القروما
فدى ببزاخة أهلي لهم، ... وإذ ملؤوا بالجموع الحريما
وإذا لقيت عامر بالنسا ... ر منهم وطخفة يوما غشوما
به شاطروا الحيّ أموالهم ... هوازن ذا وفرها والعديما
وساقت لنا مذحج بالكلاب ... مواليها كلّها والصّميما
وقالت أم موسى الكلابية وقد زوّجت في حجر باليمامة:
لله درّي أيّ نظرة ناظر ... نظرت ودوني طخفة ورجامها
هل الباب مفروج فأنظر نظرة ... بعيني أرضا عزّ عندي مرامها
فيا حبّذا الدّهنا وطيب ترابها، ... وأرض فضاء يصدح الليل هامها
ونصّ العذارى بالعشيّات والضحى ... إلى أن بدت وحي العيون كلامها

بِجَايةُ

بِجَايةُ:
بالكسر، وتخفيف الجيم، وألف، وياء، وهاء:
مدينة على ساحل البحر بين إفريقية والمغرب، كان أول من اختطّها الناصر بن علناس بن حماد بن زيري بن مناد بن بلكّين، في حدود سنة 457، بينها وبين جزيرة بني مزغنّاي أربعة أيام، كانت قديما ميناء فقط ثم بنيت المدينة، وهي في لحف جبل شاهق وفي قبلتها جبال كانت قاعدة ملك بني حماد، وتسمّى الناصرية أيضا باسم بانيها، وهي مفتقرة إلى جميع البلاد لا يخصّها من المنافع شيء، إنما هي دار مملكة، تركب منها السّفن وتسافر إلى جميع الجهات، وبينها وبين ميلة ثلاثة أيام، وكان السبب في اختطاطها أن تميم بن المعزّ بن باديس صاحب إفريقية أنفذ إلى ابن عمه الناصر بن علناس محمد بن البعبع رسولا لإصلاح حال كانت بينهما فاسدة، فمرّ ابن البعبع بموضع بجاية وفيه أبيات من البربر قليلة فتأمّلها حقّ التأمّل فلما قدم على الناصر غدر بصاحبه واستخلى الناصر ودلّه على عورة تميم وقرر بينه وبين الناصر الهرب من تميم والرجوع إليه، وأشار عليه ببناء بجاية واستركبه وأراه المصلحة في ذلك والفائدة التي تحصل له من الصناعة بها وكيد العدوّ، فأمر من وقته بوضع الأساس وبناها ونزلها بعسكره، ونمى الخبر إلى تميم فأرصد لابن البعبع العيون فلما أراد الهرب قبض عليه وقتله وألحق به عاقبة الغدر.

لِينَةُ

لِينَةُ:
بالكسر ثم السكون، ونون، قال المفسرون في قوله تعالى: ما قطعتم من لينة، كل شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللين، واحدتها اللينة، وقال الزجاج: اللينة الألوان، والواحدة لونة فقيل لينة، بكسر اللام، ولينة: موضع في بلاد نجد عن يسار المصعد بحذاء الهرّ وبها ركايا عادية نقرت من حجر رخو وماؤها عذب زلال، وقال السّكوني: لينة هو المنزل الرابع لقاصد مكة من واسط وهي كثيرة الركيّ والقلب، ماؤها طيب وبها حوض السلطان ومنه إلى الخلّ وهي لبني غاضرة، ويقال إنها ثلاثمائة عين، وقال الأشهب بن رميلة:
ولله درّي أيّ نظرة ذي هوى ... نظرت ودوني لينة وكثيبها
إلى ظعن قد يمّمت نحو حائل، ... وقد عزّ أرواح المصيف جنوبها
وقال مضرّس الأسدي:
لمن الديار غشيتها بالإثمد ... بصفاء لينة كالحمام الرّكد
أمست مساكن كل بيض راعة ... عجل تروّحها وإن لم تطرد
صفراء عارية الأخادع رأسها ... مثل المدقّ وأنفها كالمسرد
وسخال ساجية العيون خواذل ... بجماد لينة كالنصارى السّجّد
وقرأت في ديوان شعر مضرّس في تفسير هذا الشعر قال: لينة ماء لبني غاضرة، يقال إن شياطين سليمان احتفروه وذلك أنه خرج من أرض بيت المقدس يريد اليمن فتغدّى بلينة وهي أرض خشناء فعطش الناس وعزّ عليهم الماء فضحك شيطان كان واقفا على رأسه فقال له سليمان: ما الذي يضحكك؟ فقال: أضحك لعطش الناس وهم على لجة البحر، فأمرهم سليمان فضربوا بعصيّهم فأنبطوا الماء، وقال زهير:
كأنّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من طيّب الراح لمّا يعد أن عتقا
شجّ السّقاة على ناجودها شبما ... من ماء لينة لا طرقا ولا رنقا

يَلْيَلُ

يَلْيَلُ:
بتكرير الياء مفتوحتين، ولامين: اسم قرية قرب وادي الصفراء من أعمال المدينة وفيه عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون وأكثرها ماء وتجري في رمل لا يستطيع الزارعون عليها إلا في مواضع يسيرة من أحناء الرمل وتصب في البحر عند ينبع، فيها نخيل وتتخذ فيها البقول والبطّيخ، وتسمى هذه العين البحير، وقد ذكرتها في موضعها. ووادي يليل: يصب في البحر، قال كثير:
كأنّ حمولها لما استقلّت ... بيليل والنوى ذات انتقال
وقال ابن إسحاق في غزاة بدر: مضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل ويليل، بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش، والقليب ببدر من العدوة الدّنيا من بطن يليل إلى المدينة، وقال كثير:
وكيف ينال الحاجبيّة آلف ... بيليل ممساه وقد جاوزت نخلا؟
وقال جرير:
نظرت إليك بمثل عيني مغزل ... قطعت حبائلها بأعلى يليل

وَلاسْتَجِرْد

وَلاسْتَجِرْد:
السين مهملة، وتاء مثناة من فوقها، وجيم مكسورة، قال مسعر: وسرنا من دستجرد إلى قرية أخرى يقال لها ولا ستجرد ذات العيون يقال إن فيها ألف عين يجتمع ماؤها إلى نهر واحد ومنها إلى قصر اللصوص من نواحي همذان، وقال أبو نصر: منها أبو عمر عبد الواحد بن محمد وكان مقيما بقصر كنكور فسألته عن مولده فقال في سنة 440 بولاستجرد من أعمال همذان وكان والدي من أصبهان ورحلت إلى بغداد لطلب الحديث فكتبت بخطي أزيد من مائة جزء عن ابن المسلم وجابر بن ياسين وأبي بكر بن الخطيب وابن المهندس وابن المنقور وعلقت على أبي إسحاق الشيرازي مسائل في الخلاف ثم تفقهت عن أبي الفضل بن زيرك وأبي منصور العجلي بهمذان وكتبت بها عن أبي الفضل بن زيرك القومساني ونظرائه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.