Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أفنان

الأَخْشبانِ

الأَخْشبانِ:
تثنية الأخشب، وقد تقدم اشتقاقه في الأخاشب، والأخشبان: جبلان يضافان تارة إلى مكة، وتارة إلى منى، وهما واحد، أحدهما: أبو قبيس، والآخر قعيقعان. ويقال: بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنالك، ويسميان الجبجبين أيضا. وقال ابن وهب: الأخشبان الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى، وقال السيد عليّ العلوي: الأخشب الشرقي أبو قبيس، والأخشب الغربي هو المعروف بجبل الخطّ، والخط من وادي ابراهيم. وقال الأصمعي: الأخشبان أبو قبيس، وهو الجبل المشرف على الصفا، وهو ما بين حرف أجياد الصغير المشرف على الصفا إلى السويداء التي تلي الخندمة، وكان يسمى في الجاهلية الأمين، لأن الركن كان مستودعا فيه عام الطوفان، فلما بنى إسماعيل، عليه السلام، البيت نودي: إن الركن في مكان كذا وكذا.
والأخشب الآخر الجبل الذي يقال له الأحمر، كان يسمى في الجاهلية الأعرف، وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان، قال مزاحم العقيلي:
خليليّ! هل من حيلة تعلمانها، ... يقرّب من ليلى إلينا احتيالها؟
فإنّ بأعلى الأخشبين أراكة ... عدتني عنها الحرب دان ظلالها
وفي فرعها، لو يستطاب جنابها، ... جنّى يجتنيه المجتني لو ينالها
ممنّعة في بعض أفنانــها العلا ... يروح إلينا كلّ وقت خيالها
والذي يظهر من هذا الشعر أن الأخشبين فيه غير التي بمكة، إنه يدلّ على أنها من منازل العرب التي يحلّونها بأهاليهم، وليس الأخشبان كذلك، ويدل أيضا على أنه موضع واحد، لأن الأراكة لا تكون في موضعين، وقد تقدّم أن الأخشبين جبلان، كل واحد منهما غير الآخر، وأما الشعر الذي قيل فيهما، بلا شك، فقول الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب، رضي الله عنه:
أحبّك ما أقام منى وجمع، ... وما أرسى بمكة أخشباها
وما نحروا بخيف منى وكبّوا ... على الأذقان مشعرة ذراها
نظرتك نظرة بالخيف كانت ... جلاء العين أو كانت قذاها
ولم يك غير موقفنا وطارت ... بكل قبيلة منا نواها
وقد تفرد هذه التثنية، فيقال لك واحد منهما:
الأخشب، قال ساعدة بن جؤيّة:
أفي وأهديهم، وكلّ هدية ... مما تثجّ لها ترائب تثعب
ومقامهنّ، إذا حبسن بمأزم، ... ضيق ألفّ وصدّهنّ الأخشب
يقسم بالحجّاج والبدن التي تنحر بالمأزمين، وتجمع على الأخاشب، قال:
فبلدح أمسى موحشا فالأخاشب

العِرْضُ

العِرْضُ:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وآخره ضاد معجمة، قال الأزهري: العرض وادي اليمامة، ويقال لكل واد فيه قرى ومياه عرض، وقال الأصمعي: أخصب ذلك العرض وأخصبت أعراض المدينة وهي قراها التي في أوديتها، وقال شمر:
أعراض المدينة بطون سوادها حيث الزروع والنخل، وقال غيره: كل واد فيه شجر فهو عرض، وأنشد:
لعرض من الأعراض تمسي حمامه ... وتضحي على أفنانــه الورق تهتف
أحبّ إلى قلبي من الديك رنّة، ... وباب إذا ما مال للغلق يصرف
والأعراض أيضا: قرى بين الحجاز واليمن، وقال أبو عبيد السكوني: عرض اليمامة، وادي اليمامة، ينصبّ من مهبّ الشمال ويفرغ في مهبّ الجنوب مما يلي القبلة فهو في باب الحجر، والزرع منه باض، وبأسفل العرض المدينة، وما حوله من القرى تسمّى السفوح، والعرض كله لبني حنيفة إلا شيء منه لبني الأعرج من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، قال الشاعر:
ولما هبطنا العرض قال سراتنا: ... علام إذا لم نحفظ العرض نزرع؟
ويوم العرض: من أيام العرب، وهو اليوم الذي قتل فيه عمرو بن صابر فارس ربيعة، قتله جزء بن علقمة التميمي، وذلك قول الشاعر:
قتلنا بجنب العرض عمرو بن صابر ... وحمران أقصدناهما والمثلّما
وقال نصر: العرضان واديان باليمامة، وهما عرض شمام وعرض حجر، فالأول يصبّ في برك وتلتقي سيولهما بجوّ في أسفل الخضرمة فإذا التقيا سمّيا محقّقا، وهو قاع يقطع الرمل به وسيع، وتنهيته عمان، وقال السكري في قول عمرو بن سدوس الخناعي:
فما الغور والأعراض في كل صيفة، ... فذلك عصر قد خلاها وذا عصر
وقال يحيى بن طالب الحنفي:
يهيج عليّ الشوق من كان مصعدا، ... ويرتاع قلبي أن تهبّ جنوب
فيا ربّ سلّ الهمّ عني فإنني ... مع الهمّ محزون الفؤاد عزيب
ولست أرى عيشا يطيب مع النّوى، ... ولكنه بالعرض كان يطيب
يقال للرساتيق بأرض الحجاز الأعراض، واحدها عرض، وكل واد عرض، ولذلك قيل: استعمل فلان على عرض المدينة. والعرض: علم لوادي خيبر وهو الآن لعنزة فيه مياه ونخل وزروع.

شَارِك

شَارِك:
بعد الراء المهملة كاف: بليدة من نواحي أعمال بلخ، خرج منها طائفة من أهل العلم، عن أبي
سعد، منهم: أبو منصور نصر بن منصور الشاركي المعروف بالمصباح، كان من الفضلاء، رحل في البلاد ودخل مصر وأقام بها إلى أن مات، وله شعر يتشوّق به إلى وطنه، ومن شعره:
دقّ عيشي لأنّ فضلي درّ، ... وترى الدّرّ نظمه في النّصاح
وحواني ظلام دهري ولكن ... ما يضرّ الظّلام بالمصباح
وفي شعره ما يدلّ على أن شاركا اسم جدّه فقال:
ونار كــأفنان الصّباح رفيعة، ... تورّثتها من شارك بن سنان
متوّجة بالفرقدين كريمة، ... تجير من البأساء والحدثان
كثيرة أغصان الضّياء كأنّها ... تبشّر أضيافي بألف لسان

الدَّحائلُ

الدَّحائلُ:
قال أبو منصور: رأيت بالخلصاء ونواحي الدّهناء دحلانا كثيرة وقد دخلت غير دحل منها، وهي خلائق خلقها الله عز وجلّ تحت الأرض يذهب الدحل منها سكّا في الأرض قامة أو قامتين أو أكثر من ذلك ثم يتلجّف يمينا وشمالا، فمرة يضيق ومرة يتسع في صفاة ملساء، ولا تحيك فيها المعاول المحدودة لصلابتها، وقد دخلت منها دحلا فلما انتهيت إلى الماء إذا جوّ من الماء الراكد فيه لم أقف على سعته وعمقه وكثرته لإظلام الدحل تحت الأرض، فاستقيت أنا مع أصحابي من مائه فإذا هو عذب زلال لأنه من ماء السماء يسيل إليه من فوق ويجتمع فيه، قال: وأخبرني جماعة من الأعراب أن دحلان الخلصاء لا تخلو من الماء ولا يستقى منها إلا للشفاء من الخبل لتعذر الاستسقاء منها وبعد الماء فيها من فوهة الدحل، وسمعتهم يقولون دحل فلان الدحل، بالحاء، إذا دخله، والدحائل جمع الجمع، وهو موضع فيما
أحسب بعينه، قال الشاعر:
ألا يا سيالات الدحائل باللوى! ... عليكنّ من بين السيال سلام
ولا زال منهلّ الربيع، إذا جرى ... عليكنّ منه وابل ورهام
أرى العيس آحادا إليكنّ بالضحى، ... لهنّ إلى أطلالكنّ بغام
وإني لمجلوب لي الشوق كلما ... ترنم، في أفنانــكنّ، حمام

خَدوراءُ

خَدوراءُ:
موضع في بلاد بني الحارث بن كعب، قال جعفر بن علبة الحارثي وهو في السجن:
فلا تحسبي أني تخشّعت بعدكم
(الأبيات) وبعدها:
ألا هل إلى ظلّ النضارات، بالضحى، ... سبيل، وتغريد الحمام المطوّق
وشربة ماء من خدوراء بارد، ... جرى تحت أفنان الأراك المسوّق
وسيري مع الفتيان، كل عشيّة، ... أباري مطاياهم بأدماء سملق

حَلَبُ

حَلَبُ:
بالتحريك: مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه، والحلب في اللغة: مصدر قولك حلبت أحلب حلبا وهربت هربا وطربت طربا، والحلب أيضا: اللبن الحليب، يقال: حلبنا وشربنا لبنا حليبا وحلبا، والحلب من الجباية مثل الصدقة ونحوها، قال الزّجّاجي: سمّيت حلب لأن إبراهيم، عليه السلام، كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدّق به فيقول الفقراء حلب حلب، فسمي به، قلت أنا: وهذا فيه نظر لأن إبراهيم، عليه السلام، وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل، عليه السلام، وقحطان، على أن إبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن، فإن كان لهذه اللفظة، أعني حلب، أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم كهنّم في جهنم، وقال قوم: إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة فسمّيت به، وهم بنو مهر بن حيص بن جان بن مكنّف، وقال الشرقي: عمليق بن يلمع بن عائذ ابن اسليخ بن لوذ بن سام، وقال غيره: عمليق بن لوذ بن سام، وكانت العرب تسميه غريبا وتقول في مثل: من يطع غريبا يمس غريبا، يعنون عمليق ابن لوذ، ويقال: إن لهم بقية في العرب لأنهم كانوا قد اختلطوا بهم، ومنهم الزّبّاء، فعلى هذا يصحّ أن يكون أهل هذه المدينة كانوا يتكلمون بالعربية فيقولون حلب إذا حلب إبراهيم، عليه السلام.
قال بطليموس: طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، وخمس وثلاثون دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، قال أبو عون في زيجه: طول حلب ثلاث وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الرابع، وذكر أبو نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني في كتاب ألّفه أن سلوقوس الموصلي ملك خمسا وأربعين سنة، وأول ملكه كان في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وخمسين لآدم، عليه السلام، قال:
وفي سنة تسع وخمسين من مملكته، وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة لآدم، ملك طوسا المسمّاة سميرم مع أبيها وهو الذي بنى حلب بعد دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنة، وقال في موضع آخر:
كان الملك على سوريا وبابل والبلاد العليا سلوقوس نيقطور، وهو سريانيّ، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطليموس بن لاغوس بعد ممات الإسكندر، وفي السنة الثالثة عشرة من مملكته بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروّا وهي حلب واداسا وهي الرّها وكمل بناء أنطاكية، وكان بناها قبله، يعني أنطاكية، انطيقوس في السنة السادسة من موت الإسكندر، وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد الشامية وتقاسموها بينهم استوطن ملوكهم مدينة عمّان ومدينة أريحا الغور ودعاهم الناس الجبارين، وكانت قنّسرين مدينة عامرة ولم يكن يومئذ اسمها قنّسرين وإنما كان اسمها صوبا، وكان هذا الجبل المعروف الآن بسمعان
يعرف بجبل بني صنم، وبنو صنم كانوا يعبدونه في موضع يعرف اليوم بكفرنبو، والعمائر الموجودة في هذا الجبل إلى اليوم هي آثار المقيمين في جوار هذا الصنم، وقيل: إن بلعام بن باعور البالسي إنما بعثه الله إلى عبّاد هذا الصنم لينهاهم عن عبادته، وقد جاء ذكر هذا الصنم في بعض كتب بني إسرائيل، وأمر الله بعض أنبيائهم بكسره، ولما ملك بلقورس الأثوري الموصل وقصبتها يومئذ نينوى كان المستولي على خطّة قنسرين حلب بن المهر أحد بني الجان بن مكنّف من العماليق، فاختط مدينة سمّيت به، وكان ذلك على مضي ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة لآدم، وكانت مدة ملك بلقورس هذا ثلاثين عاما، وكان بناها بعد ورود إبراهيم، عليه السلام، إلى الديار الشامية بخمسمائة وتسع وأربعين سنة لأن إبراهيم ابتلي بما ابتلي به من نمرود زمانه، واسمه راميس، وهو الرابع من ملوك أثورا، ومدة ملكه تسع وثلاثون سنة، ومدة ما بينه وبين آدم، عليه السلام، ثلاثة آلاف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة، وفي السنة الرابعة والعشرين من ملكه ابتلي به إبراهيم فهرب منه مع عشيرته إلى ناحية حرّان ثم انتقل إلى جبل البيت المقدس، وكانت عمارتها بعد خروج موسى، عليه السلام، من مصر ببني إسرائيل إلى التيه وغرق فرعون بمائة وعشرة أعوام، وكان أكبر الأسباب في عمارتها ما حل بالعماليق في البلاد الشامية من خلفاء موسى، وذلك أن يوشع بن نون، عليه السلام، لما خلف موسى قاتل أريحا الغور وافتتحها وسبى وأحرق وأخرب ثم افتتح بعد ذلك مدينة عمّان، وارتفع العماليق عن تلك الديار إلى أرض صوبا، وهي قنّسرين، وبنوا حلب وجعلوها حصنا لأنفسهم وأموالهم ثم اختطوا بعد ذلك العواصم، ولم يزل الجبارون مستولين عليها متحصّنين بعواصمها إلى أن بعث الله داود، عليه السلام، فانتزعهم عنها.
وقرأت في رسالة كتبها ابن بطلان المتطبّب إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي في نحو سنة 440 في دولة بني مرداس فقال: دخلنا من الرّصافة إلى حلب في أربع مراحل، وحلب بلد مسوّر بحجر أبيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي إحداهما كان المذبح الذي قرّب عليه إبراهيم، عليه السلام، وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ بها غنمه، وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها، فكانوا يقولون حلب أم لا؟
ويسأل بعضهم بعضا عن ذلك، فسميت لذلك حلبا، وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية، وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري، وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيذ إلا ما يأتيه من بلاد الروم، وفيها من الشعراء جماعة، منهم: شاعر يعرف بأبي الفتح بن أبي حصينة، ومن جملة شعره قوله:
ولما التقينا للوداع، ودمعها ... ودمعي يفيضان الصبابة والوجدا
بكت لؤلؤا رطبا، ففاضت مدامعي ... عقيقا، فصار الكل في نحرها عقدا
وفيها كاتب نصراني له في قطعة في الخمر أظنه صاعد بن شمّامة:
خافت صوارم أيدي المازجين لها، ... فألبست جسمها درعا من الحبب
وفيها حدث يعرف بأبي محمد بن سنان قد ناهز العشرين وعلا في الشعر طبقة المحنّكين، فمن قوله:
إذا هجوتكم لم أخش صولتكم، ... وإن مدحت فكيف الريّ باللهب
فحين لم ألق لا خوفا ولا طمعا ... رغبت في الهجو، إشفاقا من الكذب
وفيها شاعر يعرف بأبي العباس يكنى بأبي المشكور، مليح الشعر سريع الجواب حلو الشمائل، له في المجون بضاعة قوية وفي الخلاعة يد باسطة، وله أبيات إلى والده:
يا أبا العباس والفضل! ... أبا العباس تكنى
أنت مع أمّي، بلا شكّ، ... تحاكي الكركدنّا
أنبتت، في كل مجرى ... شعرة في الرأس، قرنا
فأجابه أبوه:
أنت أولى بأبي المذمو ... م بين الناس تكنى
ليت لي بنتا، ولا أنت، ... ولو بنت يحنّا
بنت يحنّا: مغنية بأنطاكية تحنّ إلى القرباء وتضيف الغرباء مشهورة بالعهر، قال: ومن عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين. دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمرّ ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلا، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينها وبين حلب يوم وليلة، آخر ما ذكر ابن بطلان.
وقلعة حلب مقام إبراهيم الخليل، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ظهرت سنة 435، وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، رؤي فيه في النوم، وداخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا أنه خطّ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسّبي من العراق ليحمل إلى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك، وبالقرب منه مشهد مليح العمارة تعصّب الحلبيّون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا، يزعمون أنهم رأوا عليّا، رضي الله عنه، في المنام في ذلك المكان، وفي قبلي الجبل جبّانة واحدة يسمونها المقام، بها مقام لإبراهيم، عليه السلام، وبظاهر باب اليهود حجر على الطريق ينذر له ويصبّ عليه ماء الورد والطيب ويشترك المسلمون واليهود والنصارى في زيارته، يقال إن تحته قبر بعض الأنبياء.
وأما المسافات فمنها إلى قنّسرين يوم وإلى المعرّة يومان وإلى أنطاكية ثلاثة أيام وإلى الرّقّة أربعة أيام وإلى الأثارب يوم وإلى توزين يوم وإلى منبج يومان وإلى بالس يومان وإلى خناصرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى حرّان خمسة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى جبلة ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام وإلى دمشق تسعة أيام، قال المؤلف، رحمة الله عليه: وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصا
غضّا رويّا يفوق ما يسقى بالمياه والسيح في جميع البلاد، وهذا لم أره فيما طوّفت من البلاد في غير أرضها، ومن ذلك أن مسافة ما بيد مالكها في أيامنا هذه، وهو الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ومدبّر دولته والقائم بجميع أموره شهاب الدين طغرل، وهو خادم روميّ زاهد متعبّد، حسن العدل والرأفة برعيته، لا نظير له في أيامه في جميع أقطار الأرض، حاشا الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر ابن الناصر لدين الله، فإن كرمه وعدله ورأفته قد تجاوزت الحدّ فالله بكرمه يرحم رعيتهما بطول بقائمها، من المشرق إلى المغرب مسيرة خمسة أيام، ومن الجنوب إلى الشمال مثل ذلك، وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية ملك لأهلها ليس للسلطان فيها إلا مقاطعات يسيرة، ونحو مائتين ونيف قرية مشتركة بين الرعية والسلطان، وقفني الوزير الصاحب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله تعالى أيامه وختم بالصالحات أعماله، وهو يومئذ وزير صاحبها ومدبر دواوينها، على الجريدة بذلك وأسماء القرى وأسماء ملّاكها، وهي بعد ذلك تقوم برزق خمسة آلاف فارس مراخي الغلة موسع عليهم، قال لي الوزير الأكرم، أدام الله تعالى علوّه: لو لم يقع إسراف في خواصّ الأمراء وجماعة من أعيان المفاريد لقامت بأرزاق سبعة آلاف فارس لأن فيها من الطواشية المفاريد ما يزيد على ألف فارس يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم، ويمكن أن يستخدم من فضلات خواصّ الأمراء ألف فارس، وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة، يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها خارجا عن جميع ما ذكرناه، وهو جملة أخرى كثيرة، ثم يرتفع بعد ذلك كله من فضلات الإقطاعات الخاصة بالسلطان من سائر الجبايات إلى قلعتها عنبا وحبوبا ما يقارب في كل يوم عشرة آلاف درهم، وقد ارتفع إليها في العام الماضي، وهو سنة 625، من جهة واحدة، وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الأفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع، سبعمائة ألف درهم، وهذا مع العدل الكامل والرفق الشامل بحيث لا يرى فيها متظلّم ولا متهضّم ولا مهتضم، وهذا من بركة العدل وحسن النية.
وأما فتحها فذكر البلاذري أن أبا عبيدة رحل إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري، وكان أبوه يسمّى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال له ابن عبد غنم فقال: أنا عياض بن غنم، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد، وكان الذي صالحهم عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه، وقيل: بل صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم، وقيل: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا لأن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية وأنهم إنما صالحوا على مدينتهم بها ثم رجعوا إليها.
وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض وفي وسط ذلك الوطإ جبل عال مدوّر صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره، والقلعة مبنيّة في رأسه، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة، وكان الملك الظاهر غازي بن
صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمّته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها، لكن المنية حالت بينه وبين تتمّتها، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب: باب الأربعين، وباب اليهود، وكان الملك الظاهر قد جدّد عمارته وسمّاه باب النصر، وباب الجنان، وباب أنطاكية، وباب قنّسرين، وباب العراق، وباب السرّ، وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال، فقلّ ما ترى من نشئها من لم يتقيل أخلاق آبائه في مثل ذلك، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثّروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مرّار الصّنوبري وقد أجاد فيها ووصف متنزهاتها وقراها القريبة منها فقال:
احبسا العيس احبساها، ... وسلا الدار سلاها
واسألا أين ظباء ال ... دّار أم أين مهاها
أين قطّان محاهم ... ريب دهر ومحاها
صمّت الدار عن السا ... ئل، لا صمّ صداها
بليت بعدهم الدا ... ر، وأبلاني بلاها
آية شطّت نوى الإظ ... عان، لا شطّت نواها
من بدور من دجاها، ... وشموس من ضحاها
ليس ينهى النفس ناه ... ما أطاعت من عصاها
بأبي من عرسها وسخ ... طي، ومن عرسي رضاها
دمية إن جلّيت كا ... نت حلى الحسن حلاها
دمية ألقت إليها ... راية الحسن دماها
دمية تسقيك عينا ... ها، كما تسقي مداها
أعطيت لونا من الور ... د، وزيدت وجنتاها
حبّذا الباءات باءت، ... وقويق ورباها
بانقوساها بها با ... هي المباهي، حين باهى
وبباصفرا وبابل ... لا ربا مثلي وتاها
لا قلى صحراء نافر ... قلّ شوقي، لا قلاها [1]
لا سلا أجبال باسل ... لين قلبي، لا سلاها
وبباسلّين فليب ... غ ركابي من بغاها
وإلى باشقلّيشا ... ذو التناهي يتناهى [1] قوله: نافر، بسكون الراء، هكذا في الأصل.
وبعاذين، فواها ... لبعاذين، وواها
بين نهر وقناة ... قد تلته وتلاها
ومجاري برك، يجلو ... همومي مجتلاها
ورياض تلتقي آ ... مالنا في ملتقاها
زاد أعلاها علوّا ... جوشنا لمّا علاها
وازدهت برج أبي الحا ... رث حسنا وازدهاها
واطّبت مستشرف الحص ... ن، اشتياقا، واطّباها
وأرى المنية فازت ... كلّ نفس بمناها
إذ هواي العوجان السا ... لب النفس هواها
ومقيلي بركة التّل ... ل وسيبات رحاها
بركة تربتها الكا ... فوز، والدّرّ حصاها
كم غراني طربي حي ... تانها لما غراها
إذ تلى مطبّخ الحي ... تان منها مشتواها
بمروج اللهو ألقت ... عير لذّاتي عصاها
وبمغنى الكامليّ اس ... تكملت نفسي مناها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن غيثا، وغراها
كلأ الراموسة الحس ... ناء ربي، وكلاها
وجزى الجنّات بالسّع ... دى بنعمى، وجزاها
وفدى البستان من فا ... رس صبّ وفداها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن، محلولا عراها
واذكرا دار السّليما ... نيّة اليوم، اذكراها
حيث عجنا نحوها العي ... س تبارى في براها
وصفا العافية المو ... سومة الوصف صفاها
فهي في معنى اسمها حذ ... وبحذو، وكفاها
وصلا سطحي وأحوا ... ضي، خليليّ، صلاها
وردا ساحة صهري ... جي على سوق رداها
وامزجا الراح بماء ... منه، أو لا تمزجاها
حلب بدر دجّى، أن ... جمها الزّهر قراها
حبّذا جامعها الجا ... مع للنفس تقاها
موطن مرسي دور ألب ... رّ بمرساة حباها [1]
شهوات الطرف فيه، ... فوق ما كان اشتهاها
قبلة كرّمها الل ... هـ بنور، وحباها
ورآها ذهبا في ... لازورد من رآها
ومراقي منبر، أع ... ظم شيء مرتقاها
وذرى مئذنة، طا ... لت ذرى النجم ذراها
والنّواريّة ما لا ... ترياه لسواها
قصعة ما عدت الكع ... ب، ولا الكعب عداها
أبدا، يستقبل السّح ... ب بسحب من حشاها
فهي تسقي الغيث إن لم ... يسقها، أو إن سقاها
كنفتها قبّة يض ... حك عنها كنفاها
قبّة أبدع بانى ... ها بناء، إذ بناها
ضاهت الوشي نقوشا، ... فحكته وحكاها
لو رآها مبتني قب ... بة كسرى ما ابتناها
فبذا الجامع سرو ... يتباهى من تباهي
جنّبا السارية الخض ... راء منه، جنّباها
قبلة المستشرف الأع ... لى، إذا قابلتماها
حيث يأتي خلفه الآ ... داب منها من أتاها
من رجالات حبّى لم ... يحلل الجهل حباها
من رآهم من سفيه ... باع بالعلم السفاها
وعلى ذاك سرور ال ... نفس منّي وأساها
شجو نفسي باب قنّس ... رين، وهنا، وشجاها
حدث أبكي التي في ... هـ، ومثلي من بكاها
أنا أحمي حلبا دا ... را، وأحمي من حماها
أيّ حسن ما حوته ... حلب، أو ما حواها
سروها الداني، كما تد ... نو فتاة من فتاها
آسها الثاني القدود ال ... هيف، لمّا أن ثناها [1] هذا البيت مختل الوزن ولعل فيه تصحيفا.
نخلها زيتونها، أو ... لا فأرطاها عصاها
قبجها درّاجها، أو ... فحباراها قطاها
ضحكت دبسيّتاها، ... وبكت قمريّتاها
بين أفنان، تناجي ... طائريها طائراها
تدرجاها حبرجاها ... صلصلاها بلبلاها
ربّ ملقي الرّحل منها، ... حيث تلقى بيعتاها
طيّرت عنه الكرى طا ... ئرة، طار كراها
ودّ، إذ فاه بشجو، ... أنه قبّل فاها
صبّة تندب صبّا، ... قد شجته وشجاها
زيّنت، حتى انتهت ... في زينة في منتهاها
فهي مرجان شواها، ... لازورد دفّتاها
وهي تبر منتهاها، ... فضّة قرطمتاها
قلّدت بالجزع، لمّا ... قلّدت، سالفتاها
حلب أكرم مأوى، ... وكريم من أواها
بسط الغيث عليها ... بسط نور، ما طواها
وكساها حللا، أب ... دع فيها إذ كساها
حللا لحمتها السّو ... سن، والورد سداها
إجن خيرياتها بال ... لحظ، لا تحرم جناها
وعيون النرجس المن ... هلّ، كالدمع نداها
وخدودا من شقيق، ... كاللظى الحمر لظاها
وثنايا أقحوانا ... ت، سنا الدّرّ سناها
ضاع آذريونها، إذ ... ضاء، من تبر، ثراها
وطلى الطّلّ خزاما ... ها بمسك، إذ طلاها
وانتشى النّيلوفر الشّو ... ق قلوبا، واقتضاها
بحواش قد حشاها ... كلّ طيب، إذ حشاها
وبأوساط على حذ ... والزنابير حذاها
فاخري، يا حلب، المد ... ن يزد جاهك جاها
إنه إن لم تك المد ... ن رخاخا، كنت شاها
وقال كشاجم:
أرتك ندى الغيث آثارها، ... وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد يجمع ما تشتهي، ... فزرها، فطوبى لمن زارها!
وكفر حلب: من قرى حلب. وحلب الساجور:
في نواحي حلب، ذكرها في نواحي الفتوح، قال:
وأتى أبو عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، حلب الساجور بعد فتح حلب وقدم عياض بن غنم إلى منبج.
وحلب أيضا: محلّة كبيرة في شارع القاهرة بينها وبين الفسطاط، رأيتها غير مرّة.

جَدُورَةُ

جَدُورَةُ:
بالفتح: اسم بئر في شعر جعفر بن علبة الحارثي:
ألا هل، إلى ظلّ النضارات بالضحى، ... سبيل، وتغريد الحمام المطوّق
وشربة ماء من جدورة طيّب، ... جرى بين أفنان العضاه المسوّق
وسيري مع الفتيان، كلّ عشيّة، ... أباري مطاياهم ببيداء سملق

البصرة

ذكر خطط البصرة وقراها
وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه
وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:
أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:
نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:
منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.
وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.
شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.
عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:
لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:
لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:
لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل
مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.
سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:
لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة
لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر
الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:
لولا أبو مالك المرجوّ نائله ... ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا
وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:
نحن بالبصرة في لو ... ن من العيش ظريف
نحن، ما هبّت شمال، ... بين جنّات وريف
فإذا هبّت جنوب، ... فكأنّا في كنيف
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:
ترى البصريّ ليس به خفاء، ... لمنخره من البثر انتشار
ربا بين الحشوش وشبّ فيها، ... فمن ريح الحشوش به اصفرار
يعتّق سلحة، كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لهف نفسي على المقام ببغدا ... د، وشربي من ماء كوز بثلج
نحن بالبصرة الذميمة نسقي، ... شرّ سقيا، من مائها الأترنجي
أصفر منكر ثقيل غليظ ... خاثر مثل حقنة القولنج
كيف نرضى بمائها، وبخير ... منه في كنف أرضنا نستنجي
وقال أيضا:
ليس يغنيك في الطهارة بال ... بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد
إن تطهّرت فالمياه سلاح، ... أو تيمّمت فالصعيد سماد
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضت بالبصرة أهل الغنى، ... إني لأمثالهم باغض
قد دثّروا في الشمس أعذاقها، ... كأنّ حمّى بخلهم نافض

ذكر ما جاء في مدح البصرة
كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:
تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنّة فاقت الجنان، فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا، ... إنّ فؤادي لمثلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها، ... فهذه كنّة وذا ختن
فانظر وفكّر لما نطقت به، ... إنّ الأديب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة، ... ومن نعام كأنها سفن
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانــه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:
إذا ما بحر خندف جاش يوما ... يغطمط موجه المتعرّضينا
فمهما كان من خير، فإنّا ... ورثناها أوائل أوّلينا
وإنّا مورثون، كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا، بنينا
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:
فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، ... فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، ... ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر
ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي ... وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر
فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، ... ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، ... إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت ... مع الماء تجري مصعدات وتنحدر
فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! ... ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر!
وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة
الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

والبَصْرَةُ:
أيضا: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس، خربت، قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع، ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة، وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق، وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقلّ من مرحلة، وبينها وبين مدينة يقال لها تشمّس أقلّ من مرحلة أيضا، ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارا وعليه من المدن، قريبة منه وبعيدة، جرماية وساوران والحجا على نحر البحر، ودونها في البرّ مشرقا: الأقلام ثم البصرة، وقال البشّاري:
البصرة مدينة بالمغرب كبيرة، كانت عامرة وقد خربت، وكانت جليلة، وكان قول البشّاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة، وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعا ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذّبّان وتعرف ببصرة الكتان، كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضا بالحمراء لأنها حمراء التربة، وسورها مبنيّ بالحجارة والطوب، وهي بين شرفين، ولها عشرة أبواب، وماؤها زعاق، وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة، وفي بساتينها آبار عذبة، ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق، ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزّاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر، إلّا قينة ... بصريّة في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها، والورد في ... وجناتها، والكشح غير مفاض
في شكل مرجيّ ونسك مهاجر، ... وعفاف سنّيّ وسمت إباض
تيهرت أنت خلية، وبرقّة ... عوّضت منك ببصرة، فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها، ... أو تستفيض بأبحر وحياض
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

الأَنْعَمانِ

الأَنْعَمانِ:
واديان، قيل: هما الأنعم وعاقل، وقيل: موضع بنجد، وقيل: جبل لبني عبس، وقال رجل من بني عقيل يتشوّقه:
وإنّ بجنب الأنعمين أراكة، ... عداني عنها الخوف، دان ظلالها
منعّمة من فوق أفنانــها العلى، ... جنى طيّب للمجتني لو ينالها
لها ورق لا يشبه الورق، الذي ... رأينا، وحيطان يلوح جمالها

الأعراض

الأَعْرَاضُ:
جمع عرض، وقد ذكر العرض في موضعه، والأعراض:
 قرى بين الحجاز واليمن والسّراة، وقال الأزهري: قال الأصمعي: أخصب ذلك العرض وأخصبت أعراض المدينة وهي قراها التي في أوديتها. وقال شمر: أعراض المدينة هي بطون سوادها حيث الزرع والنخل، وقال أعرابيّ:
لعرض من الأعراض تمسي حمامه ... وتضحي، على أفنانــه العين، تهتف
أحبّ إلى قلبي من الديك رنّة، ... وباب، إذا ما مال للغلق، يصرف
وقال الفضل بن العبّاس اللهبيّ: ونحلل من تهامة كلّ سهب، ... نقيّ التّرب، أودية رحابا
أباطح من أباهر، غير قطع، ... وشائظ ما يفارقن الذّبابا
قال اليزيدي: لا نعرف الذباب هاهنا.
من الأعراض لا صدعت ذباب، ... ولا كانت قوائمها شعابا

أَجأ

أَجأ:
بوزن فعل، بالتحريك، مهموز مقصور، والنسب إليه أجئيّ بوزن أجعيّ: وهو علم مرتجل لاسم رجل سمّي الجبل به، كما نذكره، ويجوز أن يكون منقولا.
ومعناه الفرار، كما حكاه ابن الأعرابي، يقال: أجأ الرجل إذا فرّ، وقال الزمخشري: أجأ وسلمى جبلان عن يسار سميراء، وقد رأيتهما، شاهقان. ولم يقل عن يسار القاصد إلى مكة أو المنصرف عنها، وقال أبو عبيد السكوني: أجأ أحد جبلي طيّء وهو غربي فيد، وبينهما مسير ليلتين وفيه قرى كثيرة، قال:
ومنازل طيّء في الجبلين عشر ليال من دون فيد إلى أقصى أجإ، إلى القريّات من ناحية الشام، وبين المدينة والجبلين، على غير الجادّة: ثلاث مراحل. وبين الجبلين وتيماء جبال ذكرت في مواضعها من هذا الكتاب، منها دبر وغريّان وغسل. وبين كل جبلين يوم. وبين الجبلين وفدك ليلة. وبينهما وبين خيبر خمس ليال. وذكر العلماء بأخبار العرب أن أجأ سمّي باسم رجل وسمّي سلمى باسم امرأة. وكان من خبرهما أن رجلا من العماليق يقال له أجأ بن عبد الحيّ، عشق امرأة من قومه، يقال لها سلمى. وكانت لها حاضنة يقال لها العوجاء. وكانا يجتمعان في منزلها
حتى نذر بهما إخوة سلمى، وهم الغميم والمضلّ وفدك وفائد والحدثان وزوجها. فخافت سلمى وهربت هي وأجأ والعوجاء، وتبعهم زوجها وإخوتها فلحقوا سلمى على الجبل المسمى سلمى، فقتلوها هناك، فسمّي الجبل باسمها. ولحقوا العوجاء على هضبة بين الجبلين، فقتلوها هناك، فسمّي المكان بها. ولحقوا أجأ بالجبل المسمّى بأجإ، فقتلوه فيه، فسمّي به.
وأنفوا أن يرجعوا إلى قومهم، فسار كل واحد إلى مكان فأقام به فسمي ذلك المكان باسمه، قال عبيد الله الفقير إليه: وهذا أحد ما استدللنا به على بطلان ما ذكره النحويّون من أن أجأ مؤنثة غير مصروفة، لأنه جبل مذكّر، سمّي باسم رجل، وهو مذكر.
وكأنّ غاية ما التزموا به قول امرئ القيس:
أبت أجأ أن تسلم العام جارها، ... فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
وهذا لا حجّة لهم فيه، لأن الجبل بنفسه لا يسلم أحدا، إنما يمنع من فيه من الرجال. فالمراد: أبت قبائل أجإ، أو سكّان أجإ، وما أشبهه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، يدلّ على ذلك عجز البيت، وهو قوله:
فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
والجبل نفسه لا يقاتل، والمقاتلة مفاعلة ولا تكون من واحد، ووقف على هذا من كلامنا نحويّ من أصدقائنا وأراد الاحتجاج والانتصار لقولهم، فكان غاية ما قاله: أن المقاتلة في التذكير والتأنيث مع الظاهر وأنت تراه قال: أبت أجأ. فالتأنيث لهذا الظاهر ولا يجوز أن يكون للقبائل المحذوفة بزعمك، فقلت له: هذا خلاف لكلام العرب، ألا ترى إلى قول حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى، يصفّق بالرحيق السّلسل
لم يرو أحد قط يصفّق إلا بالياء آخر الحروف لأنه يريد يصفّق ماء بردى، فرده إلى المحذوف وهو الماء، ولم يردّه إلى الظاهر، وهو بردى. ولو كان الأمر على ما ذكرت، لقال: تصفّق، لأن بردى مؤنث لم يجيء على وزنه مذكّر قط. وقد جاء الردّ على المحذوف تارة، وعلى الظاهر أخرى، في قول الله، عز وجل: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون، ألا تراه قال: فجاءها فردّ على الظاهر، وهو القرية، ثم قال: أو هم قائلون فردّ على أهل القرية وهو محذوف، وهذا ظاهر، لا إشكال فيه. وبعد فليس هنا ما يتأوّل به التأنيث، إلا أن يقال: إنه أراد البقعة فيصير من باب التّحكّم، لأن تأويله بالمذكّر ضروريّ، لأنه جبل، والجبل مذكّر، وإنه سمي باسم رجل بإجماع كما ذكرنا، وكما نذكره بعد في رواية أخرى، وهو مكان وموضع ومنزل وموطن ومحلّ ومسكن. ولو سألت كل عربيّ عن أجإ لم يقل إلا أنه جبل، ولم يقل بقعة. ولا مستند إذا للقائل بتأنيثه البتة. ومع هذا فإنني إلى هذه الغاية لم أقف للعرب على شعر جاء فيه ذكر أجإ غير مصروف، مع كثرة استعمالهم لترك صرف ما ينصرف في الشعر، حتى إن أكثر النحويين قد رجّحوا أقوال الكوفيّين في هذه المسألة، وأنا أورد في ذلك من أشعارهم ما بلغني منها، البيت الذي احتجّوا به وقد مرّ، وهو قول امرئ القيس: أبت أجأ، ومنها قول عارق الطائي:
ومن مبلغ عمرو بن هند رسالة، ... إذا استحقبتها العيس تنضى من البعد
أيوعدني، والرمل بيني وبينه! تأمّل رويدا ما أمامة من هند ومن أجإ حولي رعان، كأنها قنابل خيل من كميت ومن ورد
قال العيزار بن الأخفش الطائي، وكان خارجيا:
ألا حيّ رسم الدّار أصبح باليا، ... وحيّ، وإن شاب القذال، الغوانيا
تحمّلن من سلمى فوجّهن بالضّحى ... إلى أجإ، يقطعن بيدا مهاويا
وقال زيد بن مهلهل الطائي:
جلبنا الخيل من أجإ وسلمى، ... تخبّ نزائعا خبب الرّكاب
جلبنا كلّ طرف أعوجيّ، ... وسلهبة كخافية الغراب
نسوف للحزام بمرفقيها، ... شنون الصّلب صمّاء الكعاب
وقال لبيد يصف كتيبة النّعمان:
أوت للشباح، واهتدت بصليلها ... كتائب خضر ليس فيهنّ ناكل
كأركان سلمى، إذ بدت أو كأنّها ... ذرى أجإ، إذ لاح فيه مواسل
فقال فيه ولم يقل فيها، ومواسل قنّة في أجإ، وأنشد قاسم بن ثابت لبعض الأعراب:
إلى نضد من عبد شمس، كأنهم ... هضاب أجا أركانه لم تقصّف
قلامسة ساسوا الأمور، فأحكموا ... سياستها حتى أقرّت لمردف
وهذا، كما تراه، مذكّر مصروف، لا تأويل فيه لتأنيثه.
فإنه لو أنّث لقال: أركانها، فإن قيل هذا لا حجّة فيه لأن الوزن يقوم بالتأنيث، قيل قول امرئ القيس أيضا، لا يجوز لكم الاحتجاج به لأن الوزن يقوم بالتذكير، فيقول: أبى أجأ لكنّا صدّقناكم فاحتججنا، ولا تأويل فيها، وقول الحيص بيص:
أجأ وسلمى أم بلاد الزاب، ... وأبو المظفّر أم غضنفر غاب
ثم إني وقفت بعد ما سطرته آنفا، على جامع شعر امرئ القيس، وقد نصّ الأصمعي على ما قلته، وهو: أن اجأ موضع، وهو أحد جبلي طيّء، والآخر سلمى. وإنما أراد أهل أجإ، كقول الله، عزّ وجل:
واسأل القرية، يريد أهل القرية، هذا لفظه بعينه. ثم وقفت على نسخة أخرى من جامع شعره، قيل فيه:
أرى أجأ لن يسلم العام جاره
ثم قال في تفسير الرواية الأولى: والمعنى أصحاب الجبل لم يسلموا جارهم. وقال أبو العرماس: حدثني أبو محمد أنّ أجأ سمّي برجل كان يقال له أجأ، وسمّيت سلمى بامرأة كان يقال لها سلمى، وكانا يلتقيان عند العوجاء، وهو جبل بين أجإ وسلمى، فسمّيت هذه الجبال بأسمائهم. ألا تراه قال: سمي أجأ برجل وسميت سلمى بامرأة، فأنّث المؤنث وذكّر المذكّر. وهذا إن شاء الله كاف في قطع حجاج من خالف وأراد الانتصار بالتقليد. وقد جاء أجا مقصورا غير مهموز في الشعر، وقد تقدّم له شاهد في البيتين اللذين على الفاء، قال العجّاج:
والأمر ما رامقته ملهوجا ... يضويك ما لم يج منه منضجا
فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا، ... أو باللوى أو ذي حسا أو يأججا
وأما سبب نزول طيّء الجبلين، واختصاصهم بسكناهما دون غيرهم من العرب، فقد اختلفت الرّواة فيه. قال ابن الكلبي، وجماعة سواه: لما تفرق بنو سبا أيام سيل العرم سار جابر وحرملة ابنا أدد بن زيد بن الهميسع قلت: لا أعرف جابرا وحرملة وفوق كل ذي علم عليم، وتبعهما ابن أخيهما طيّء، واسمه جلهمة، قلت: وهذا أيضا لا أعرفه، لأن طيّئا عند ابن الكلبي، هو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. والحكاية عنه، وكان أبو عبيدة، قال زيد بن الهميسع: فساروا نحو تهامة وكانوا فيما بينها وبين اليمن، ثم وقع بين طيّء وعمومته ملاحاة ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهله وماله وتتبّع مواقع القطر، فسمّي طيّئا لطيّه المنازل، وقيل إنه سمّي طيّئا لغير ذلك، وأوغل طيّء بأرض الحجاز، وكان له بعير يشرد في كل سنة عن إبله، ويغيب ثلاثة أشهر، ثم يعود إليه وقد عبل وسمن وآثار الخضرة بادية في شدقيه، فقال لابنه عمرو: تفقّد يا بنيّ هذا البعير فإذا شرد فاتبع أثره حتى تنظر إلى أين ينتهي. فلما كانت أيام الربيع وشرد البعير تبعه على ناقة له فلم يزل يقفر أثره حتى صار إلى جبل طيء، فأقام هنالك ونظر عمرو إلى بلاد واسعة كثيرة المياه والشجر والنخيل والريف، فرجع إلى أبيه وأخبره بذلك فسار طيء بإبله وولده حتى نزل الجبلين فرآهما أرضا لها شأن، ورأى فيها شيخا عظيما، جسيما، مديد القامة، على خلق العاديّين ومعه امرأة على خلقه يقال لها سلمى، وهي امرأته وقد اقتسما الجبلين بينهما بنصفين، فأجأ في أحد النصفين وسلمى في الآخر، فسألهما طيء عن أمرهما، فقال الشيخ: نحن من بقايا صحار غنينا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر، أفنانــا كرّ الليل والنهار، فقال له طيء:
هل لك في مشاركتي إياك في هذا المكان فأكون لك مؤنسا وخلّا؟ فقال الشيخ: إنّ لي في ذلك رأيا فأقم فإن المكان واسع، والشجر يانع، والماء طاهر، والكلأ غامر. فأقام معه طيء بإبله وولده بالجبلين، فلم يلبث الشيخ والعجوز إلا قليلا حتى هلكا وخلص المكان لطي فولده به إلى هذه الغاية.
قالوا: وسألت العجوز طيّئا ممّن هو، فقال طيء:
إنّا من القوم اليمانيّينا ... إن كنت عن ذلك تسألينا
وقد ضربنا في البلاد حينا ... ثمّت أقبلنا مهاجرينا
إذ سامنا الضّيم بنو أبينا ... وقد وقعنا اليوم فيما شينا
ريفا وماء واسعا معينا
ويقال إن لغة طيء هي لغة هذا الشيخ الصّحاري والعجوز امرأته. وقال أبو المنذر هشام بن محمد في كتاب افتراق العرب: لما خرجت طيء من أرضهم من الشحر ونزلوا بالجبلين، أجإ وسلمى، ولم يكن بهما أحد وإذا التمر قد غطّى كرانيف النخل، فزعموا أن الجنّ كانت تلقّح لهم النخل في ذلك الزمان، وكان في ذلك التمر خنافس، فأقبلوا يأكلون التمر والخنافس، فجعل بعضهم يقول: ويلكم الميّث أطيب من الحيّ. وقال أبو محمد الأعرابي أكتبنا أبو الندى قال: بينما طيء ذات يوم جالس مع ولده بالجبلين إذ أقبل رجل من بقايا جديس، ممتدّ القامة، عاري الجبلّة، كاد يسدّ الأفق طولا، ويفرعهم باعا، وإذا هو الأسود بن غفار بن الصّبور الجديسي،
وكان قد نجا من حسّان تبّع اليمامة ولحق بالجبلين، فقال لطي: من أدخلكم بلادي وإرثي عن آبائي؟
اخرجوا عنها وإلا فعلت وفعلت. فقال طيء:
البلاد بلادنا وملكنا وفي أيدينا، وإنما ادّعيتها حيث وجدتها خلاء. فقال الأسود: اضربوا بيننا وبينكم وقتا نقتتل فيه فأيّنا غلب استحقّ البلد. فاتّعدا لوقت، فقال طيء لجندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء وأمّه جديلة بنت سبيع بن عمرو ابن حمير وبها يعرفون، وهم جديلة طيء، وكان طيء لها مؤثرا، فقال لجندب: قاتل عن مكرمتك.
فقالت أمه: والله لتتركنّ بنيك وتعرضنّ ابني للقتل! فقال طيء: ويحك إنما خصصته بذلك.
فأبت، فقال طيء لعمرو بن الغوث بن طيء:
فعليك يا عمرو الرجل فقاتله. فقال عمرو: لا أفعل، وأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر في طيء بعد طيء:
يا طيء أخبرني، ولست بكاذب، ... وأخوك صادقك الذي لا يكذب
أمن القضيّة أن، إذا استغنيتم ... وأمنتم، فأنا البعيد الأجنب
وإذا الشدائد بالشدائد مرّة، ... أشجتكم، فأنا الحبيب الأقرب
عجبا لتلك قضيّتي، وإقامتي ... فيكم، على تلك القضيّة، أعجب
ألكم معا طيب البلاد ورعيها، ... ولي الثّماد ورعيهنّ المجدب
وإذا تكون كريهة أدعى لها، ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا لعمركم الصّغار بعينه، ... لا أمّ لي، إن كان ذاك، ولا أب
فقال طيء: يا بنيّ إنها أكرم دار في العرب. فقال عمرو: لن أفعل إلا على شرط أن لا يكون لبني جديلة في الجبلين نصيب. فقال له طيء: لك شرطك.
فأقبل الأسود بن غفار الجديسي للميعاد ومعه قوس من حديد ونشّاب من حديد فقال: يا عمرو إن شئت صارعتك وإن شئت ناضلتك وإلا سايفتك.
فقال عمرو: الصّراع أحبّ إليّ فاكسر قوسك لأكسرها أيضا ونصطرع. وكانت لعمرو بن الغوث ابن طيء قوس موصولة بزرافين إذا شاء شدّها وإذا شاء خلعها، فأهوى بها عمرو فانفتحت عن الزرافين واعترض الأسود بقوسه ونشّابه فكسرها، فلما رأى عمرو ذلك أخذ قوسه فركّبها وأوترها وناداه: يا أسود استعن بقوسك فالرمي أحبّ إليّ. فقال الأسود: خدعتني. فقال عمرو: الحرب خدعة، فصارت مثلا، فرماه عمرو ففلق قلبه وخلص الجبلان لطي، فنزلهما بنو الغوث، ونزلت جديلة السهل منهما لذلك. قال عبيد الله الفقير إليه:
في هذا الخبر نظر من وجوه، منها أن جندبا هو الرابع من ولد طيء فكيف يكون رجلا يصلح لمثل هذا الأمر؟ ثم الشعر الذي أنشده وزعم أنه لعمرو ابن الغوث، وقد رواه أبو اليقظان وأحمد بن يحيى ثعلب وغيرهما من الرّواة الثقات لهانىء بن أحمر الكناني شاعر جاهليّ. ثم كيف تكون القوس حديدا وهي لا تنفذ السّهم إلّا برجوعها؟ والحديد إذا اعوجّ لا يرجع البتّة. ثم كيف يصحّ في العقل أن قوسا بزرافين؟
هذا بعيد في العقل إلى غير ذلك من النظر. وقد روى بعض أهل السير من خبر الأسود بن غفار ما هو أقرب إلى القبول من هذا، وهو أنّ الأسود لما أفلت
من حسّان تبّع، كما نذكره إن شاء الله تعالى في خبر اليمامة، أفضى به الهرب حتى لحق بالجبلين قبل أن ينزلهما طيء، وكانت طيء تنزل الجوف من أرض اليمن، وهي اليوم محلّة همدان ومراد، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم فجعل ينتابهم بعير في زمن الخريف يضرب في إبلهم، ولا يدرون أين يذهب، إلا أنهم لا يرونه إلى قابل، وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام سيل العرم فاستوحشت طيء لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا وساروا إلى الأرياف، فلما همّوا بالظعن، قالوا لأسامة: إن هذا البعير الذي يأتينا إنما يأتينا من بلد ريف وخصب وإنا لنرى في بعره النّوى، فلو إنا نتعهده عند انصرافه فشخصنا معه لعلنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا. فلما كان الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم، فلما انصرف تبعه أسامة بن لؤي بن الغوث وحبّة بن الحارث بن فطرة بن طيء فجعلا يسيران بسير الجمل وينزلان بنزوله، حتى أدخلهما باب أجإ، فوقفا من الخصب والخير على ما أعجبهما، فرجعا إلى قومهما فأخبراهم به فارتحلت طيء بجملتها إلى الجبلين، وجعل أسامة بن لؤي يقول:
اجعل ظريبا كحبيب ينسى، ... لكلّ قوم مصبح وممسى
وظريب اسم الموضع الذي كانوا ينزلون فيه قبل الجبلين، قال فهجمت طيء على النخل بالشّعاب على مواش كثيرة، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب وهو الأسود بن غفار، فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوّفوه، فنزلوا ناحية من الأرض فاستبرؤوها فلم يروا بها أحدا غيره. فقال أسامة بن لؤي لابن له يقال له الغوث: يا بنيّ إن قومك قد عرفوا فضلك في الجلد والبأس والرّمي، فاكفنا أمر هذا الرجل، فإن كفيتنا أمره فقد سدت قومك آخر الدهر، وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل، فسأله، فعجب الأسود من صغر خلق الغوث، فقال له:
من أين أقبلتم؟ فقال له: من اليمن. وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه، وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه، فأخبرهم باسمه ونسبه. ثم شغله الغوث ورماه بسهم فقتله، وأقامت طيء بالجبلين وهم بهما إلى الآن. وأما أسامة بن لؤي وابنه الغوث هذا فدرجا ولا عقب لهما.

الفناء

الفناء: سقوط الأوصاف المذمومة، كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة والفناء فناءان: أحدهما ما ذكرناه وهو بكثرة الرياضة، والثاني: عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت وهو بالاستغراق في عظمة الباري، ومشاهدة الحق، وإليه اشير بقولهم: الفقر سواد الوجه في الدارين. يعني في الفناء في العالمين.
الفناء: بِالْكَسْرِ (بيش سراى وكرداكرد خانه) - وبالفتح (نيست شدن) . وَمَا هُوَ عِنْد الصُّوفِيَّة فِي الْولَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم عبارَة عَن عدم شُعُور الشَّخْص بِوَاسِطَة اسْتِيلَاء ظُهُور وجود الْحق على بَاطِنه. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم سُقُوط الْأَوْصَاف المذمومة كَمَا أَن الْبَقَاء وجود الْأَوْصَاف المحمودة.
وَاعْلَم أَنهم قَالُوا إِن الفناء على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا ذكر وَهُوَ يحصل بِكَثْرَة الرياضة - وَالثَّانِي: عدم الإحساس بعالم الْملك والملكوت وَهُوَ يحصل بالاستغراق فِي عَظمَة الْبَارِي ومشاهدة الْحق عز شَأْنه وَجل برهانه كَمَا أشاروا إِلَيْهِ بقَوْلهمْ الْفقر سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ يَعْنِي الفناء فِي الْعَالمين.
الفناء:
[في الانكليزية] Annihilation ،mystical fusion ،ascetism
[ في الفرنسية] Aneantissement ،fusion mystique ،ascetisme
بالفتح والمدّ عند الصوفية عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازم نفسه. ففناء الشخص عن نفسه عدم شعوره، وفناؤه عن محبوبه باستهلاكه فيه، كذا في الإنسان الكامل في باب الإرادة. وقال المولوي عبد الحكيم في حاشية عبد الغفور: معنى الفناء في اصطلاح الصوفية تبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات، فكلما ارتفع صفة قامت صفة إلهية مقامها، فيكون الحقّ سمعه وبصره كما نطق به الحديث، وكذلك حال الفناء في النبي والشيخ انتهى. وقال عبد اللطيف في شرح المثنوي:
الفناء عند الصوفية سقوط الأوصاف المذمومة والبقاء ثبوت النعوت المحمودة. وقيل الفناء صفة الكون وما كان لأجل الكون والبقاء صفة الكون وما كان لأجل المكون انتهى. ودر- وفي- توضيح المذاهب يقول: الفناء عند أرباب السّلوك عبارة عن نهاية السّير في الله، وذلك لأنّ السّير إلى الله ينتهي وقته عند ما يقطع العبد صحراء الوجود بقدم الصّدق مرة واحدة.
ويتحقّق السّير في الله عند ما يتطهّر العبد من شوائب الحدثان بعد الفناء الذاتي المطلق.
فيمنح تلك الدرجة حتى يتّصف بأوصاف الله ويتخلّق بالأخلاق الرّبانية، مترقّيا فيها.
انتهى.

ودر- وفي- مجمع السلوك آرد- يقول:- الفناء هو الغيبة عن الاشياء رأسا كما كان فناء موسى حين تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. وأبو سعيد خرازي ميگويد- يقول- علامة الفاني ذهاب حظّه من الدنيا والآخرة إلّا من الله تعالى والبقاء الذي يعقبه هو أن يفني عمّا له ويبقى بما لله تعالى. وقال بعضهم البقاء مقام النبيين صلوات الله عليهم أجمعين. فجملة الفناء والبقاء أن يفني عن حظوظه ويبقى بحظوظ غيره. والفناء متنوع:
الفناء عن الخلق، والفناء عن النفس وأهوائها، وفناء عن الإرادة، ولكلّ واحد منها علامات.
وقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في فتوح الغيب: وعلامة فنائك عن الخلق انقطاعك عنهم وعن التردّد إليهم واليأس مما لديهم.
وعلامة فنائك عنك وعن هواك ترك التسبّب والتعلّق بالسّبب في جلب النفع ودفع الضر كما كنت مغيبا في الرحم وكونك طفلا رضيعا في المهد وعلامة فناء إرادتك بفعل الله تعالى أنّك لا تريده إذا قطّ، ولا يكون لك غرض ولا يقف لك حاجة ومرام، بل لا تريد مع إرادة الله تعالى سواها، بل يجري فعل الله فيك فتكون أنت إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان مشروح الصدر منوّر الوجه غنيا عن الأشياء بخالقها بقلبك كيف يشاء. وفي مجمع السلوك أيضا في موضع آخر الفناء عندهم هو أن لا ترى شيئا إلّا الله ولا تعلم إلّا الله وتكون ناسيا لنفسك ولكلّ الأشياء سوى الله، فعند ذلك يتراءى لك أنّه الرّبّ، إذ لا ترى ولا تعلم شيئا إلّا هو، فتعقد أنّه لا شيء إلّا هو، فتظنّ أنّك هو فتقول أنا الحق، وتقول ليس في الدار إلّا الله، وليس في الوجود إلّا الله وفي كشف اللغات يقول: طريق الفناء في اصطلاح العشّاق هو طريق العشق، والذاكر في ذلك الطريق يقال له ذكر.
(الفناء) شَجَرَة فنَاء ذَات أفنان
(الفناء) الساحة فِي الدَّار أَو بجانبها (ج) أفنية
الفناء: بالفتح خلاف البقاء وبالكسر الوصيدُ: وهي ساحة أمام البيت، وقيل: هو ما امتد من جوانبه.
الفناء:
[في الانكليزية] Courtyard ،dooryard
[ في الفرنسية] Cour ،parvis ،esplanade
بالكسر وبالنون ومد الألف گرداكرد خانه- حوالي البيت-، ومنه فناء البيت كذا في الصراح. وفي جامع الرموز والبرجندي ما حاصله أنّ الفناء بالكسر سعة أمام البيت. وقيل ما امتدّ من جوانبه كما في المغرب. وأما فناء المصر فالمختار في تعريفه شرعا عند صاحب المحيط والخلاصة وغيرهما هو موضع اتصل بالمصر معدا ومهيئا لمصالحه من ركض الخيل وجمع العساكر والخروج للرمي وصلاة الجنازة، ولم يشترط بعضهم الاتصال بالمصر، فقدّره بغلوة يعنى يك تير پرتاب- رمية سهم- وبعضهم بثلاثة أميال، وبعضهم بمنتهى صوت المؤذن، وبعضهم بفرسخين. وفي المضمرات المختار للفتوى قول محمد أنّه بقدر فرسخ.

الأرائك

(الأرائك) : حكى ابن الجوزي في (فنون الــأفنان) أنها السرر بالحبشية.
الأرائك
قال السيوطي في الإتقان:"حكى ابن الجوزي في فنون الــأفنان أنها السرر بالحبشية".اهـ.قال الراغب:" الأريكة حجلة على سرير جمعها (أرائك وتسميتها لذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا وأصل الاروك الاقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الاقامات" اهـ. وقال في لسان العرب والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك ـ

الفينان

(الفينان) ذُو الــأفنان يُقَال شجر فينان وَشعر فينان طَوِيل حسن
(الفينان) الْحسن الشّعْر الطويله وَهِي فينانة وَيُقَال شعر فينان طَوِيل

المِطْلى

المِطْلى:
واحد المطالي المذكورة قبل، قال أعرابيّ:
أللبرق بالمطْلى تهبّ وتبرق، ... ودونك نيق من دغانين أعتق
وميض يرى في بهرة الليل بعد ما ... هجعنا، وعرض البيد بالليل مطبق
وقال شاعر آخر:
غنّى الحمام على أفنان غيطلة ... من سدر بيشة ملتفّ أعاليها
غنّين، لا عربيّات، بألسنة ... عجم وأملح أنحاء نواحيها
فقلت، والعيس خوص في أزمّتها ... يلوي بأثياب أصحابي تباريها:
أرعى الأراك قلوصي ثم أوردها ... ماء الجزيرة والمصلى فأسقيها
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.