Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أعاد

الجامع الصغير، في الفروع

الجامع الصغير، في الفروع
للإمام، المجتهد: محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي.
المتوفى: سنة 187، سبع وثمانين ومائة.
وهو كتاب، قديم، مبارك.
مشتمل على: ألف وخمسمائة واثنتين وثلاثين مسألة، كما قال البزدوي.
وذكر الاختلاف: في مائة وسبعين مسألة، ولم يذكر: القياس والاستحسان إلا في مسألتين.
والمشايخ يعظمونه حتى قالوا: لا يصلح المرء للفتوى، ولا للقضاء إلا إذا علم مسائله.
قال الإمام، شمس الأئمة، أبو بكر: محمد بن أحمد بن أبي بكر سهل السرخسي، الحنفي.
المتوفى: سنة 490، تسعين وأربعمائة، في شرحه للجامع الصغير، كان سبب تأليف محمد: أنه لما فرغ من تصنيف الكتب، طلب منه أبو يوسف أن يؤلف كتاباً يجمع فيه ما حفظ عنه مما رواه له عن أبي حنيفة، فجمع ثم عرضه عليه، فقال: نعما حفظ عني أبو عبد الله إلا أنه أخطأ في ثلاث مسائل، فقال محمد: أنا ما أخطأت، ولكنك نسيت الرواية.
وذكر علي القمي: أن أبا يوسف مع جلالة قدره كان لا يفارق هذا الكتاب في حضر ولا سفر.
وكان علي الرازي يقول: من فهم هذا الكتاب فهو أفهم أصحابنا، ومن حفظه كان أحفظ أصحابنا، وأن المتقدمين من مشايخنا كانوا لا يقلدون أحد القضاء حتى يمتحنوه، فإن حفظه قلدوه القضاء، وإلا أمروه بالحفظ، وكان شيخنا يقول: أن أكثر مسائله مذكورة في المبسوط، وهذا لأن مسائل هذا الكتاب تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم لا يوجد لها رواية إلا هاهنا.
وقسم يوجد ذكرها في الكتب، ولكن لم ينص فيها أن الجواب قول أبي حنيفة أم غيره، وقد نص هاهنا في جواب كل فصل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وقسم ذكرها أعادها هنا بلفظ آخر، واستفيد من تغيير اللفظ فائدة لم تكن مستفادة باللفظ المذكور في الكتب، قال: ومراده بالقسم الثالث ما ذكره الفقيه: أبو جعفر الهندواني في مصنف سماه: (كشف الغوامض). انتهى.
وقال الشيخ، الإمام: الحسن بن منصور الأوزجندي، الفرغاني، الحنفي، المشهور: بقاضيخان.
المتوفى: سنة 592، اثنتين وتسعين وخمسمائة، في شرحه للجامع الصغير، واختلفوا في مصنفه، قال بعضهم: هو من تأليف أبي يوسف ومحمد، وقال بعضهم: هو من تأليف محمد، فإنه حين فرغ من تصنيف المبسوط، أمره أبو يوسف أن يصنف كتاباً ويروي عنه، فصنف ولم يرتب مسائله، وإنما رتبه أبو عبد الله: الحسن بن أحمد الزعفراني، الفقيه، الحنفي.
المتوفى: سنة عشر وستمائة تقريباً. انتهى.
وله شروح كثيرة منها:
شرح الإمام، أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي.
المتوفى: سنة 321، إحدى وعشرين وثلاثمائة.
وشرح الإمام، أبي بكر: أحمد بن علي، المعروف: بالجصاص، الرازي، المتوفى: سنة 370، سبعين وثلاثمائة.
وشرح، أبي عمرو: أحمد بن محمد الطبري، المتوفى: سنة 340، أربعين وثلاثمائة.
وشرح الإمام، أبي بكر: أحمد بن علي، المعروف: بالظهير البلخي.
المتوفى: سنة 553، ثلاث وخمسين وخمسمائة.
وشرح الإمام: حسين بن محمد، المعروف: بالنجم، المتوفى: سنة 580، ثمانين وخمسمائة تقريباً، أتمه بمكة المكرمة.
وشرح صدر القضاة، الإمام العالم.
وشرح تاج الدين: عبد الغفار بن لقمان الكردري.
المتوفى: سنة 562، اثنتين وستين وخمسمائة، نحا فيه نحو شرح الجامع الكبير، يذكر لكل باب أصلاً، ثم يخرج عليه المسائل.
وشرح الإمام، ظهير الدين: أحمد بن إسماعيل التمرتاشي، الحنفي.
وشرح الإمام، قوام الدين: أحمد بن عبد الرشيد البخاري.
وشرح محمد بن علي، المعروف: بعبدك الجرجاني.
المتوفى: سنة 347، سبع وأربعين وثلاثمائة.
وشرح القاضي: مسعود بن حسين اليزدي.
المتوفى: سنة 571، إحدى وسبعين وخمسمائة، سماه: (التقسيم والتشجير في شرح الجامع الصغير).
وشرح الإمام: أبي الأزهر الخجندي.
المتوفى: سنة 500، خمسمائة تقريباً، وهو على ترتيب الزعفراني.
وشرح المرتب أيضاً، لأبي القاسم: علي بن بندار الرازي، الحنفي، المتوفى: سنة 474.
وشرح حفيده، أبي سعيد: مطهر بن حسن اليزدي.
وهو في مجلدين: (سماه التهذيب)، فرغ من تأليفه في جمادى الأولى سنة 559، تسع وخمسين.
وشرح أبي محمد بن العدي المصري.
وشرح جمال الدين: عبد الله بن يوسف، المعروف: بابن هشام النحوي، المتوفى: سنة 763، ثلاث وستين وسبعمائة.
وشرح الإمام، فخر الإسلام: علي بن محمد البزدوي، المتوفى: سنة 482، اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وشرح الإمام، أبي نصر: أحمد بن محمد العتابي البخاري، المتوفى: سنة 586، ست وثمانين وخمسمائة، أوله: (الحمد لله، الموجود بذاته 000 الخ).
وشرح الإمام، أبي الليث: نصر بن محمد السمرقندي.
المتوفى: سنة 373، ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ذكره ابن الملك في شرح المجمع.
وترتيب الجامع الصغير، للإمام، القاضي، أبي طاهر: محمد بن محمد الدباس، البغدادي.
ثم إن الفقيه: أحمد بن عبد الله بن محمود تلميذه كتبه عنه ببغداد في داره، وقرأه عليه في شهور سنة 322، اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
وعلى هذا المرتب، كتاب للصدر، الشهيد، حسام الدين: عمر بن عبد العزيز بن مازه.
المتوفى شهيداً: سنة 536، ست وثلاثين وخمسمائة، أوله: (الحمد لله، رب العالمين 000 الخ).
ذكر أن مسائل هذا الكتاب من أمهات مسائل أصحابنا، فسأله بعض إخوانه أن يذكر كل مسألة من مسائله على الترتيب الذي رتبه القاضي أبو طاهر، فأجاب: فذكر بحذف الزوائد، وهو المعروف: (بجامع الصدر الشهيد)، ثم سأله من لم يكفه هذا أن يزيد فيه الروايات والأحاديث، وشيئاً من المعاني فأجاب.
ولأبي بكر: محمد بن أحمد بن عمر، فوائد الجامع الصغير للصدر الشهيد كتبها مبيناً ما استبهم من مبانيها، وموضحاً ما استعجم من معانيها، أوله: (حامداً لله تعالى على بلوغ نعمائه 000 الخ).
وعلى جامع الصدر شروح أيضاً منها:
شرح الشيخ، بدر الدين: عمر بن عبد الكريم الورسكي.
المتوفى: سنة 594، أربع وتسعين وخمسمائة.
وشرح الإمام، أبي نصر: أحمد بن منصور الإسبيجابي.
المتوفى تقريباً: سنة 500، خمسمائة.
وشرح الشيخ، علاء الدين: علي السمرقندي.
ومرتب الشيخ، الإمام، أبي المعين: ميمون بن محمد النسفي.
المتوفى: سنة 508، ثمان وخمسمائة.
وللإمام، صدر الإسلام: أبي اليسر البزدوي، المتوفى: سنة 493، ثلاث وتسعين وأربعمائة.
وللإمام، شمس الأئمة: الحلواني.
وللإمام: أبي جعفر الهنداواني.
وللقاضي: ظهير الدين.
ولأبي الفضل الكرماني.
وشرح الشيخ، جمال الدين: محمود بن عبد السيد الحصيري، الحنفي، المتوفى: سنة 636، ست وثلاثين وستمائة.
ومنها:
مرتب أبي الحسن: عبيد الله بن حسين بن دلال الكرخي.
المتوفى: سنة 340، أربعين وثلاثمائة.
ومرتب أبي سعيد: عبد الرحمن بن محمد الغزي.
المتوفى: سنة 374، أربع وسبعين وثلاثمائة.
ومرتب أبي عبد الله: محمد بن عيسى بن عبد الله، المعروف: بابن أبي موسى، المتوفى: سنة 334، أربع وثلاثين وثلاثمائة.
وفي الحقائق أن لصاحب المحيط، وللإمام المحبوبي، وللأفطس، جوامع مرتبة أيضاً، وأكثر هذه الشروح المذكورة تصرفات على الأصل بنوع من تغيير، أو ترتيب، أو زيادة، كما هو دأب القدماء في شروحهم.
وللجامع الصغير منظومات منها:
نظم الشيخ، الإمام، شمس الدين: أحمد بن محمد بن أحمد العقيلي، البخاري، المتوفى: سنة 657، سبع وخمسين وستمائة.
ونظم الشيخ، الإمام، نجم الدين، أبي حفص: عمر بن محمد النسفي.
المتوفى: سنة 537، سبع وثلاثين وخمسمائة.
أوله: (الحمد لله، القديم الباري 000 الخ)، ذكر في أوله قصيدة رائية في العقائد إلى إحدى وثمانين بيتاً.
ونظم محمد بن محمد القباوي.
المتوفى تقريباً: سنة 726، ست وعشرين وسبعمائة.
ونظم الشيخ، بدر الدين، أبي نصر: محمود (مسعود) بن أبي بكر الفراهي.
وسماه: (لمعة البدر)، أتمه في 17 جمادى الآخرة، سنة 617، سبع عشرة وستمائة.
أوله: (الحمد لله، مزكي الشمس والقمر 000 الخ).
وشرح هذا المنظوم، لعلاء الدين: محمد بن عبد الرحمن الخجندي.
أوله: (الحمد لله، الذي تفرد بالبقاء والقدم 000 الخ) سماه: (ضوء اللمعة).

أَرْدُمُشْت

أَرْدُمُشْت:
بضم الدال المهملة والميم، وسكون الشين المعجمة، وتاء فوقها نقطتان: اسم قلعة حصينة قرب جزيرة ابن عمر، في شرقي دجلة الموصل، على جبل الجوديّ. وهو الآن لصاحب الموصل، وتحتها دير الزعفران، وهي قلعة أيضا، وكان أهل أردمشت قد عصوا على المعتضد بالله وتحصنوا بها، حتى قصدها بنفسه ونزل عليها، فسلمها أهلها إليه فخرّبها، وعاد راجعا. وهي التي تعرف الآن بكواشي، وليس لها كبير رستاق، إنما لها ثلاث ضياع، فيقال: إن المعتضد لما افتتحها بعد أن أعيت أصحابه، وشاهد قلة دخلها، أمر بخرابها، وأنشد فيها:
إنّ أبا الوبر لصعب المقتنص ... وهو إذا حصّل ريح في قفص
ثم أعاد بناءها بعد أن خربها المعتضد ناصر الدولة أبو تغلب أحمد بن حمدان، وهي في عصرنا عامرة في مملكة صاحب الموصل، وهو بدر الدين لولو، مملوك نور الدين (أرسلان شاه) بن مسعود عز الدين بن قطب الدين بن زنكي.

باكَلْبَا

باكَلْبَا:
من قرى إربل، منها: صديقنا الفقيه أبو عبد الله الحسين بن شروين بن أبي بشر الجلالي الباكلبي تفقّه للشافعي وأعاد في عدّة مدارس في الموصل وحلب، وسمع الحديث من جماعة، وهو شاب فاضل مناظر، والجلالي نسبة إلى قبيلة من الأكراد.

البَصْرَةُ

البَصْرَةُ:
وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:
البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدوابّ، قال:
ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:
البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيّدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:
إن تك جلمود بصر لا أؤبّسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
مؤلّفة تهوي جميعا كما هوى، ... من النّيق فوق البصرة، المتطحطح
وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس راه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذّان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سمّيت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاءوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:
«إن كنت جلمود بصر» ، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصريّ، بكسر الباء لإسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غيّر في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الرّيّ رازيّ وما أشبه ذلك من المغيّر، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثّقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توّج ونوبندجان وطاسان، فلما فتحوها كتبوا إليه:
إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:
إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحريّ فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذّهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان
المثنّى بن حارثة يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خالد ابن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازا إلى الكوفة بالحيرة، سنة اثنتي عشرة، أعانه على حرب من هنالك وخلّف سويدا، ويقال: إن خالدا لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للأعاجم، وقتل وسبى، وخلّف بها رجلا من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر، ويقال: إنه أتى نهر المراة ففتح القصر صلحا. وكان الواقدي ينكر أن خالدا مرّ بالبصرة ويقول: إنه حين فرغ من أمر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله اعلم. ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يولّيها رجلا من قبله، فولّاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب، أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين، أقبل في أربعين رجلا، منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وأبو بكرة وزياد ابن أبيه وأخت لهم، وقال له عمر: إن الحيرة قد فتحت فأت أنت ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل فارس والأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم.
فأتاها عتبة وانضمّ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم.
قال نافع بن الحارث: فلما أبصرتنا الديادبة خرجوا هرّابا وجئنا القصر فنزلناه، فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله. قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرزّ بقشره، فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما، فقال عتبة: هذا سمّ أعدّه لكم العدوّ، يعني الأرز، فلا تقربنّه، فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه، فإننا لكذلك إذا بفرس قد قطع قياده وأتى ذلك الأرز يأكل منه، فلقد رأينا أن نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت، فقال صاحبه: أمسكوا عنه، أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلما أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه، فقالت أختي: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السمّ لا يضرّ إذا نضج، فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادت: الا انه يتفصّى من حبيبة حمراء، ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء، فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة، فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه، فأكلوا منه فإذا هو طيب، قال: فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه، فلقد رأيتني بعد ذلك وأنا أعدّه لولدي، ثم قال: إنا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهنّ أختي. وأمدّ عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة، وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل، قال: وبنى المسلمون بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن: في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، ففرّق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة. قال نافع: ولما بلغنا ستمائة قلنا: ألا نسير إلى الأبلّة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز، وهي جمع عنزة وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زجّ، وسيوفنا، وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهن أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنا قد دنونا من المدينة، فلما دنونا منها صففنا أصحابنا، قال:
وفيها ديادبتهم وقد أعدّوا السّفن في دجلة، فخرجوا إلينا في الحديد مسوّمين لا نرى منهم إلا الحدق، قال: فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى
بعض قتلا، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم: ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا: عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه، يريدون النساء في إثارتهن التراب. وذكر البلاذري: لما دخل المسلمون الأبلّة وجدوا خبز الحوّارى فقالوا: هذا الذي كانوا يقولون إنه يسمّن، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون:
ما نرى سمنا، وقال عوانة بن الحكم: كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد، فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال، وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين، وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال:
إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته، فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف: الحجارة المجتمعة المتشقّقة، وقيل: ارض قضّة ذات حصّى، وأما القضة، بالكسر والتخفيف: ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري:
الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، وأما القضة، بالتخفيف:، فهو شجر من شجر الحمض، ويجمع على قضين، وليس من المضاعف، وقد يجمع على القضى مثل البرى، وقال أبو نصر الجوهري: القضّة، بكسر القاف والتشديد، الحصى الصغار، والقضة أيضا أرض ذات حصّى، قال: ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب، فكتب إليه أن أنزلها، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم، وكانت تسمّى الدهناء، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول مولود ولد بالبصرة، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال: هذه أرض نخل، ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر:
أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة، فلما افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم، وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال
فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه، فأذن له، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده، وكان عتبة قد سيّره في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها، فأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى أن يرجع، قال: ولما أراد عتبة الانصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاما في آخره: وستجرّبون الأمراء من بعدي، قال الحسن:
فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم، قال: وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه، فقال له: وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه، فسقط عن راحلته في الطريق فمات، وذلك في سنة ست عشرة، قال: ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة، وكان عتبة قد غزاها وفتحها، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه، فدعا عمر عتبة وقال له: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.
نعم، قال: فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا، فقال:
إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع، فقال عمر: لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف، وهي مدينة، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية، وأقرّ المغيرة على البصرة، فلما كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه، وقيل: كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن، وكذلك دار الإمارة، وكان المنبر في وسطه، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز، وهو أمير لعثمان على البصرة، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء، فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلد دبّ، فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج، فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين، قال: ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني:
بنى زياد، لذكر الله، مصنعه ... بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين
لولا تعاون أيدي الرافعين له، ... إذا ظنناه أعمال الشياطين
وجاء بسواريه من الأهواز، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل، ففيه قيل:
يا حبّذا الإماره ... ولو على الحجاره
وقيل: إن أرض المسجد كانت تربة فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب، فلما رأى زياد ذلك قال: لا آمن أن يظنّ الناس على طول الأيام أن نفض اليد في الصلاة سنّة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع، ووظّف ذلك على الناس، فاشتد الموكّلون بذلك على الناس وأروهم حصى انتقوه فقالوا: ائتونا بمثله على قدره وألوانه، وارتشوا على ذلك فقال:
يا حبذا الإماره ... ولو على الحجاره
فذهبت مثلا، وكان جانب الجامع الشمالي منزويا لأنه كان دارا لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعها، فلم يزل على تلك الحال حتى ولّى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة، فقال عبيد الله بن زياد:
إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعة فاعلمني.
فشخص إلى قصر الأبيض، فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به تربيع المسجد، وقدم عبد الله بن نافع فضجّ، فقال له: إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك، فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلّها في المسجد، ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد، وقد أمر بذلك الرشيد، ولما قدم الحجّاج خبّر أن زيادا بنى دار الإمارة فأراد أن يذهب ذكر زياد منها فقال: أريد أن أبنيها بالآجرّ، فهدمها، فقيل له: إنما غرضك أن تذهب ذكر زياد منها، فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها، فتركها مهدومة، فلم يكن للأمراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين، فقال له صالح إنه ليس بالبصرة دار إمارة وخبّره خبر الحجاج، فقال له سليمان: أعدها، فــأعادها بالجصّ والآجرّ على أساسها الذي كان ورفع سمكها، فلما أعاد أبوابها عليها قصرت، فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة، فبنى فوقها غرفا فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه:
هبلتك أمك يا ابن عمّ عدي! أتعجز عنك مساكن وسعت زيادا وابنه؟ فأمسك عدي عن بنائها، فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملا للسفّاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعديّ بناء بالطين ثمّ تحوّل إلى المربد، فلما ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة، وقال يزيد الرّشك: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلّا دانقا، وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال:
نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عيّل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالاتهم ثمانين ألفا.

التاجُ

التاجُ:
اسم لدار مشهورة جليلة المقدار واسعة الأقطار ببغداد من دور الخلافة المعظمة، كان أول من وضع أساسه وسماه بهذه التسمية أمير المؤمنين المعتضد، ولم يتم في أيامه فأتمه ابنه المكتفي، وأنا أذكر هاهنا خبر الدار العزيزة وسبب اختصاصها بهذا الاسم بعد أن كانت دور الخلافة بمدينة المنصور إلى أن أذكر قصة التاج وما يضامّه من الدور المعمورة المعظمة: كان أول ما وضع من الأبنية بهذا المكان قصر جعفر بن يحيى ابن خالد بن برمك، وكان السبب في ذلك أن جعفرا كان شديد الشغف بالشرب والغناء والتهتك، فنهاه أبوه يحيى فلم ينته، فقال: إن كنت لا تستطيع الاستتار فاتخذ لنفسك قصرا بالجانب الشرقي واجمع فيه ندماءك وقيانك وقضّ فيه معهم زمانك وابعد عن عين من يكره ذلك منك، فعمد جعفر فبنى بالجانب الشرقي قصرا موضع دار الخلافة المعظمة اليوم وأتقن بناءه وأنفق عليه الأموال الجمّة، فلما قارب فراغه سار إليه في أصحابه وفيهم مؤنس بن عمران وكان عاقلا، فطاف به واستحسنه وقال كل من حضر في وصفه ومدحه وتقريظه ما أمكنه وتهيّأ له، هذا ومؤنس ساكت، فقال له جعفر: ما لك ساكت لا تتكلم وتدخل معنا في حديثنا؟ فقال: حسبي ما قالوا، فعلم أن تحت قول مؤنس شيئا فقال: وأنت إذا فنك، فقد أقسمت لتقولن، فقال: أما إذا أبيت إلا أن أقول فيصير علي الحق، قال: نعم واختصر، فقال: أسألك بالله إن مررت الساعة بدار بعض أصحابك وهي خير من دارك هذه ما كنت صانعا؟ قال: حسبك فقد فهمت، فما الرأي؟ قال:
إذا صرت إلى أمير المؤمنين وسألك عن تأخرك فقل سرت إلى القصر الذي بنيته لمولاي المأمون. فأقام جعفر في القصر بقية ذلك اليوم ثم دخل على الرشيد، فقال له: من أين أقبلت وما الذي أخّرك إلى الآن؟
فقال: كنت في القصر الذي بنيته لمولاي المأمون بالجانب الشرقي على دجلة، فقال له الرشيد: وللمأمون بنيته! قال: نعم يا أمير المؤمنين، لأنه في ليلة ولادته جعل في حجري قبل أن يجعل في حجرك واستخدمني أبي له فدعاني ذلك إلى أن اتخذت له بالجانب الشرقي قصرا لما بلغني من صحة هوائه ليصحّ مزاجه ويقوى ذهنه ويصفو، وقد كتبت إلى النواحي
باتخاذ فرش لهذا الموضع، وقد بقي شيء لم يتهيأ اتخاذه وقد عوّلنا على خزائن أمير المؤمنين، إما عارية أو هبة، قال: بل هبة، وأسفر إليه بوجهه ووقع منه بموقع وقال: أبى الله أن يقال عنك إلا ما هو لك أو يطعن عليك إلا يرفعك، وو الله لا سكنه أحد سواك ولا تمم ما يعوزه من الفرش إلا من خزائننا، وزال من نفس الرشيد ما كان خاطره وظفر بالقصر بطمأنينة، فلم يزل جعفر يتردّد إليه أيام فرجه ومتنزّهاته إلى أن أوقع بهم الرشيد، وكان إلى ذلك الوقت يسمّى القصر الجعفري، ثم انتقل إلى المأمون فكان من أحبّ المواضع إليه وأشهاها لديه، واقتطع جملة من البرية عملها ميدانا لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيّزا لجميع الوحوش وفتح له بابا شرقيّا إلى جانب البرية وأجرى فيه نهرا ساقه من نهر المعلّى وابتنى مثله قريبا منه منازل برسم خاصته وأصحابه سميت المأمونية، وهي إلى الآن الشارع الأعظم فيما بين عقدي المصطنع والزّرّادين، وكان قد أسكن فيه الفضل والحسن ابني سهل، ثم توجّه المأمون واليا بخراسان والمقام بها وفي صحبته الفضل والحسن، ثم كان الذي كان من إنفاذ العساكر ومقتل الأمين على يد طاهر بن الحسين ومصير الأمر إلى المأمون، فأنفذ الحسن بن سهل خليفة له على العراق، فوردها في سنة 198، ونزل في القصر المذكور وكان يعرف بالمأموني، وشفع ذلك أن تزوّج المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل بمرو بولاية عمها الفضل، فلما قدم المأمون من خراسان في سنة 203 دخل إلى قصور الخلافة بالخلد وبقي الحسن مقيما في القصر المأموني إلى أن عمل على عرس بوران بفم الصّلح، ونقلت إلى بغداد وأنزلت بالقصر، وطلبه الحسن من المأمون فوهبه له وكتبه باسمه وأضاف إليه ما حوله، وغلب عليه اسم الحسن فعرف به مدة، وكان يقال له القصر الحسني. فلما طوت العصور ملك المأمون والقصور وصار الحسن بن سهل من أهل القبور، بقي القصر لابنته بوران إلى أيّام المعتمد على الله، فاستنزلها المعتمد عنه وأمر بتعويضها منه، فاستمهلته ريثما تفرغ من شغلها وتنقل مالها وأهلها، وأخذت في إصلاحه وتجديده ورمّه وأعادت ما دثر منه وفرشته بالفرش المذهبة والنمارق المقصبة وزخرفت أبوابه بالستور وملأت خزائنه بأنواع الطّرف مما يحسن موقعه عند الخلفاء ورتبت في خزائنه ما يحتاج إليه الجواري والخدم الخصيان، ثم انتقلت إلى غيره وراسلت المعتمد باعتماد أمره، فأتاه فرأى ما أعجبه وأرضاه واستحسنه واشتهاه وصار من أحبّ البقاع إليه، وكان يتردّد فيما بينه وبين سرّ من رأى فيقيم هناك تارة وهناك أخرى ثم توفي المعتمد، وهو أبو العباس أحمد بن المتوكل على الله بالقصر الحسني سنة 279، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أيام، وحمل إلى سامرّاء فدفن بها، ثم استولاه المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفّق الناصر لدين الله أبي أحمد بن المتوكل، فاستضاف إلى القصر الحسني ما جاوره فوسّعه وكبّره وأدار عليه سورا واتخذ حوله منازل كثيرة ودورا واقتطع من البرية قطعة فعملها ميدانا عوضا من الميدان الذي أدخله في العمارة وابتدأ في بناء التاج وجمع الرجال لحفر الأساسات، ثم اتفق خروجه إلى آمد، فلما عاد رأى الدخان يرتفع إلى الدار فكرهه وابتنى على نحو ميلين منه الموضع المعروف بالثّريّا ووصل بناء الثريا بالقصر الحسني، وابتنى تحت القصر آزاجا من القصر إلى الثريا تمشي جواريه فيها وحرمه وسراريه، وما زال باقيا إلى الغرق الأول الذي صار ببغداد فعفا أثره. ثم مات المعتضد بالله في
سنة 289، وتولى ابنه المكتفي بالله فأتمّ عمارة التاج الذي كان المعتضد وضع أساسه بما نقضه من القصر المعروف بالكامل ومن القصر الأبيض الكسروي الذي لم يبق منه الآن بالمدائن سوى الإيوان، وردّ أمر بنائه إلى أبي عبد الله النقري وأمره بنقض ما بقي من قصر كسرى، فكان الآجرّ ينقض من شرف قصر كسرى وحيطانه فيوضع في مسنّاة التاج وهي طاعنة إلى وسط دجلة وفي قرارها، ثم حمل ما كان في أساسات قصر كسرى فبنى به أعالي التاج وشرفاته، فبكى أبو عبد الله النقري وقال: إن فيما نراه لمعتبرا، نقضنا شرفات القصر الأبيض وجعلناها في مسنّاة التاج ونقضنا أساساته فجعلناها شرفات قصر آخر، فسبحان من بيده كل شيء حتى الآجر! وبذيل منه:
كلدت حوله الأبنية والدور، من جملتها قبة الحمار، وإنما سميت بذلك لأنه كان يصعد إليها في مدرج حولها على حمار لطيف، وهي عالية مثل نصف الدائرة. وأما صفة التاج فكان وجهه مبنيّا على خمسة عقود كل عقد على عشرة أساطين خمسة أذرع، ووقعت في أيام المقتفي سنة 549 صاعقة فتأججت فيه وفي القبة وفي دارها التي كانت القبة أحد مرافقها، وبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام، ثم أطفئت، وقد صيّرته كالفحمة، وكانت آية عظيمة، ثم أعاد المقتفي بناء القبة على الصورة الأولى ولكن بالجصّ والآجر دون الأساطين الرخام، وأهمل إتمامه حتى مات، وبقي كذلك إلى سنة 574، فتقدم أمير المؤمنين المستضيء بنقضه وإبراز المسناة التي بين يديه إلى أن تحاذى به مسناة التاج فشقّ أساسها ووضع البناء فيه على خطّ مستقيم من مسناة التاج، واستعملت أنقاض التاج مع ما كان أعدّ من الآلات من عمل هذه المسناة ووضع موضع الصحن الذي تجلس فيه الأئمة للمبايعة، وهو الذي يدعى اليوم التاج.

خُراسَانُ

خُراسَانُ:
بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمّهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو، وهي كانت قصبتها، وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون، ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها ويعدّ ما وراء النهر منها وليس الأمر كذلك، وقد فتحت أكثر هذه البلاد عنوة وصلحا، ونذكر ما يعرف من ذلك في مواضعها، وذلك في سنة 31 في أيام عثمان، رضي الله عنه، بإمارة عبد الله بن عامر ابن كريز، وقد اختلف في تسميتها بذلك فقال دغفل النسابة: خرج خراسان وهيطل ابنا عالم بن سام بن نوح، عليهما السلام، لما تبلبلت الألسن ببابل فنزل كل واحد منهما في البلد المنسوب إليه، يريد أن هيطل نزل في البلد المعروف بالهياطلة، وهو ما وراء نهر جيحون، ونزل خراسان في هذه البلاد التي ذكرناها دون النهر فسمّيت كل بقعة بالذي نزلها، وقيل: خر اسم للشمس بالفارسية الدّريّة وأسان كأنه أصل الشيء ومكانه، وقيل: معناه كل سهلا لأن معنى خر كل وأسان سهل، والله أعلم، وأما النسبة إليها ففيها لغات، في كتاب العين: الخرسي منسوب إلى خراسان، ومثله الخراسي والخراساني ويجمع على الخراسين بتخفيف ياء النسبة كقولك الأشعرين، وأنشد:
لا تكرمن من بعدها خرسيّا
ويقال: هم خرسان كما يقال سودان وبيضان، ومنه قول بشار في البيت:
من خرسان لا تعاب
يعني بناته، وقال البلاذري: خراسان أربعة أرباع، فالربع الأول إيران شهر وهي نيسابور وقهستان والطّبسان وهراة ويوشنج وباذغيس وطوس واسمها طابران، والربع الثاني مرو الشاهجان وسرخس ونسا وأبيورد ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وآمل وهما على نهر جيحون، والربع الثالث، وهو غربي النهر وبينه وبين النهر ثمانية فراسخ، الفارياب والجوزجان وطخارستان العليا وخست واندرابة والباميان وبغلان ووالج، وهي مدينة مزاحم بن بسطام، ورستاق بيل وبذخشان، وهو مدخل الناس إلى تبّت، ومن اندرابة مدخل الناس إلى كابل، والترمذ، وهو في شرقي بلخ، والصغانيان وطخارستان السّفلى وخلم وسمنجان، والربع الرابع ما وراء النهر بخارى والشاش والطّراربند والصّغد، وهو كسّ، ونسف والروبستان وأشروسنة وسنام، قلعة المقنع، وفرغانة وسمرقند، قال المؤلف: فالصحيح في تحديد خراسان ما ذهبنا إليه أوّلا وإنما ذكر البلاذري هذا لأن جميع ما ذكره من البلاد كان مضموما إلى والي خراسان وكان اسم خراسان يجمعها، فأما ما وراء النهر فهي بلاد الهياطلة ولاية برأسها وكذلك سجستان ولاية برأسها ذات نخيل، لا عمل بينها وبين خراسان، وقد روي عن شريك بن عبد الله أنه قال:
خراسان كنانة الله إذا غضب على قوم رماهم بهم، وفي حديث آخر: ما خرجت من خراسان راية في جاهلية وإسلام فردّت حتى تبلغ منتهاها، وقال ابن قتيبة: أهل خراسان أهل الدعوة وأنصار الدولة ولم يزالوا في أكثر ملك العجم لقاحا لا يؤدّون إلى أحد إتاوة ولا خراجا، وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ حتى نزلوا بابل ثم نزل أردشير بن بابك فارس فصارت دار ملكهم وصار بخراسان ملوك الهياطلة، وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بهرام ملك فارس، وكان غزاهم فكادوه بمكيدة في طريقه حتى سلك سبيلا معطشة يعني مهلكة، ثم خرجوا إليه فأسروه وأكثر أصحابه معه، فسألهم أن يمنّوا عليه وعلى من أسر معه من أصحابه وأعطاهم موثقا من الله وعهدا مؤكّدا لا يغزوهم أبدا ولا يجوز حدودهم، ونصب حجرا بينه وبينهم صيره الحدّ الذي حلف عليه وأشهد الله عز وجل على ذلك ومن حضره من أهله وخاصة أساورته، فمنّوا عليه وأطلقوه ومن أراد ممن أسر معه، فلما عاد إلى مملكته دخلته الأنفة والحميّة مما أصابه وعاد لغزوهم ناكثا لأيمانه غادرا بذمته وجعل الحجر الذي كان نصبه وجعله الحدّ الذي حلف أنه لا يجوزه محمولا أمامه في مسيره يتأول به أنه لا يتقدّمه ولا يجوزه، فلما صار إلى بلدهم ناشدوه الله وأذكروه به فأبى إلا لجاجا ونكثا فواقعوه وقتلوه وحماته وكماته واستباحوا أكثرهم فلم يفلت منهم إلّا الشريد، وهم قتلوا كسرى بن قباذ، ثم أتى الإسلام فكانوا فيه أحسن الأمم رغبة وأشدّهم إليه مسارعة منّا من الله عليهم وتفضّلا لهم، فأسلموا طوعا ودخلوا فيه سلما وصالحوا عن بلادهم صلحا، فخفّ خراجهم وقلّت نوائبهم ولم يجر عليهم سباء ولم تسفك فيما بينهم دماء، وبقوا على ذلك طول أيام بني أميّة إلى أن أساعوا السيرة واشتغلوا باللّذات عن الواجبات، فانبعث عليهم جنود من أهل خراسان مع أبي مسلم الخراساني ونزع عن قلوبهم الرحمة وباعد عنهم الرأفة حتى أزالوا ملكهم عن آخرهم رأيا وأحنكهم سنّا وأطولهم باعا فسلّموه إلى بني العباس، وأنفذ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الأحنف بن
قيس في سنة 18 فدخلها وتملّك مدنها فبدأ بالطّبسين ثم هراة ومرو الشاهجان ونيسابور في مدّة يسيرة، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، فقال ربعي بن عامر في ذلك:
ونحن وردنا، من هراة، مناهلا ... رواء من المروين، إن كنت جاهلا
وبلخ ونيسابور قد شقيت بنا، ... وطوس ومرو قد أزرنا القنابلا
أنخنا عليها، كورة بعد كورة، ... نفضّهم حتى احتوينا المناهلا
فلله عينا من رأى مثلنا معا، ... غداة أزرنا الخيل تركا وكابلا
وبقي المسلمون على ذلك إلى أن مات عمر، رضي الله عنه، وولي عثمان، فلما كان لسنتين من ولايته ثرا بنو كنازا، وهم أخوال كسرى، بنيسابور وألجئوا عبد الرحمن بن سمرة وعمّاله إلى مرو الروذ وثنّى أهل مرو الشاهجان وثلّث نيزك التركي فاستولى على بلخ وألجأ من بها من المسلمين إلى مرو الروذ وعليها عبد الرحمن بن سمرة، فكتب ابن سمرة إلى عثمان بخلع أهل خراسان فقال أسيد بن المتشمّس المرّيّ:
ألا أبلغا عثمان عني رسالة، ... فقد لقيت عنّا خراسان بالغدر
فأذك، هداك الله، حربا مقيمة ... بمروي خراسان العريضة في الدّهر
ولا تفترز عنّا، فإن عدوّنا ... لآل كنازاء الممدّين بالجسر
فأرسل إلى ابن عامر عبد الله بن بشر في جند أهل البصرة، فخرج ابن عامر في الجنود حتى تولّج خراسان من جهة يزد والطّبسين وبثّ الجنود في كورها وساروا نحو هراة فافتتح البلاد في مدّة يسيرة وأعاد عمال المسلمين عليها، وقال أسيد بن المتشمّس بعد استرداد خراسان:
ألا أبلغا عثمان عنّي رسالة، ... لقد لقيت منّا خراسان ناطحا
رميناهم بالخيل من كلّ جانب، ... فولّوا سراعا واستقادوا النوائحا
غداة رأوا خيل العراب مغيرة، ... تقرّب منهم أسدهنّ الكوالحا
تنادوا إلينا واستجاروا بعهدنا، ... وعادوا كلابا في الديار نوابحا
وكان محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس قال لدعاته حين أراد توجيههم إلى الأمصار: أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة عليّ وولده والبصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكفّ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى، وأما الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة بني مروان عداوة راسخة وجهل متراكم، وأما مكة والمدينة فغلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بأهل خراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسّمها الأهواء ولم تتوزعها النّحل ولم يقدم عليهم فساد، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة، فلما بلغ الله إرادته من بني أمية وبني العباس أقام أهل خراسان مع خلفائهم على أحسن حال وهم أشدّ طاعة وأكثر تعظيما للسلطان وهو أحمد سيرة في رعيته
يتزين عندهم بالجميل ويستتر منهم بالقبيح إلى أن كان ما كان من قضاء الله ورأي الخلفاء الراشدين في الاستبدال بهم وتصيير التدبير لغيرهم فاختلّت الدولة وكان من أمرها ما هو مشهور من قبل الخلفاء في زمن المتوكل وهلمّ جرّا ما جرى من أمر الديلم والسلجوقية وغير ذلك، وقال قحطبة بن شبيب لأهل خراسان: قال لي محمد ابن عليّ بن عبد الله أبى الله أن تكون شيعتنا إلا أهل خراسان لا ننصر إلا بهم ولا ينصرون إلّا بنا، إنه يخرج من خراسان سبعون ألف سيف مشهور، قلوبهم كزبر الحديد، أسماؤهم الكنى وأنسابهم القرى، يطيلون شعورهم كالغيلان، جعابهم تضرب كعابهم، يطوون ملك بني أمية طيّا ويزفّون الملك إلينا زفّا، وأنشد لعصابة الجرجاني:
الدار داران: إيوان وغمدان، ... والملك ملكان: ساسان وقحطان
والناس فارس والإقليم بابل وال ... إسلام مكة والدنيا خراسان
والجانبان العلندان، اللذا خشنا ... منها، بخارى وبلخ الشاه داران
قد ميز الناس أفواجا ورتّبهم، ... فمرزبان وبطريق ودهقان
وقال العباس بن الأحنف:
قالوا خراسان أدنى ما يراد بكم ... ثم القفول، فها جئنا خراسانا
ما أقدر الله أن يدني على شحط ... سكان دجلة من سكان سيحانا
عين الزمان أصابتنا، فلا نظرت، ... وعذّبت بفنون الهجر ألوانا
وقال مالك بن الرّيب بعد ما ذكرناه في ابرشهر:
لعمري لئن غالت خراسان هامتي، ... لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة ... بجنب الغضا أزجي القلاص النّواجيا؟
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه، ... وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى، ... وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا؟
وما بعد هذه الأبيات في الطّبسين قال عكرمة وقد خرج من خراسان: الحمد لله الذي أخرجنا منها ليطوي خراسان طيّ الأديم حتى يقوّم الحمار الذي كان فيها بخمسة دراهم بخمسين بل بخمسمائة.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الدّجّال يخرج من المشرق من أرض يقال لها خراسان يتبعه قوم كأنّ وجوههم المجان المطرقة، وقد طعن قوم في أهل خراسان وزعموا أنهم بخلاء، وهو بهت لهم ومن أين لغيرهم مثل البرامكة والقحاطبة والطاهرية والسامانية وعلي بن هشام وغيرهم ممن لا نظير لهم في جميع الأمم، وقد نذكر عنهم شيئا مما ادعي عليهم والردّ في ترجمة مرو الشاهجان إن شاء الله. فأما العلم فهم فرسانه وساداته وأعيانه، ومن أين لغيرهم مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومثل مسلم بن الحجاج القشيري وأبي عيسى الترمذي وإسحاق ابن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي حامد الغزّالي والجويني إمام الحرمين والحاكم أبي عبد الله النيسابوري وغيرهم من أهل الحديث والفقه، ومثل الأزهري والجوهري وعبد الله بن المبارك، وكان يعدّ من أجواد الزّهاد والأدباء، والفارابي صاحب ديوان
الأدب والهروي وعبد القاهر الجرجاني وأبي القاسم الزمخشري، هؤلاء من أهل الأدب والنظم والنثر الذين يفوت حصرهم ويعجز البليغ عن عدّهم، وممن ينسب إلى خراسان عطاء الخراساني، وهو عطاء بن أبي مسلم، واسم أبي مسلم ميسرة، ويقال عبد الله ابن أيوب أبو ذؤيب، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال أبو صالح من أهل سمرقند، ويقال من أهل بلخ مولى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي، سكن الشام، وروى عن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن مسعود وكعب بن عجرة ومعاذ بن جبل مرسلا، وروى عن أنس وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير وأبي مسلم الخولاني وعكرمة مولى ابن عباس وأبي إدريس الخولاني ونافع مولى ابن عمر وعروة بن الزبير وسعيد العقبري والزّهري ونعيم بن سلامة الفلسطيني وعطاء بن أبي رباح وأبي نصرة المنذر بن مالك العبدي وجماعة يطول ذكرهم، روى عنه ابنه عثمان والضحاك بن مزاحم الهلالي وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي ومالك بن أنس ومعمر وشعبة وحماد بن سلمة وسفيان الثوري والوضين وكثير غير هؤلاء، وقال ابنه عثمان: ولد أبي سنة خمسين من التاريخ، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فصار فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح وفقيه أهل اليمن طاووس وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه أهل البصرة الحسن البصري وفقيه أهل الكوفة النخعي وفقيه أهل الشام مكحول وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشيّ، فكان فقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيّب، وقال أحمد ابن حنبل: عطاء الخراساني ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: عطاء الخراساني مشهور، له فضل وعلم، معروف بالفتوى والجهاد، روى عنه مالك بن أنس، وكان مالك ممن ينتقي الرجال، وابن جريج وحماد ابن سلمة والمشيخة، وهو ثقة ثبت.

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.

أركست

(أركست) الْجَارِيَة برز ثدياها وَفُلَان الشَّيْء ركسه يُقَال أركسه فِي الشَّرّ وأركس الله الْعَدو وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَالله أركسهم بِمَا كسبوا} ردهم إِلَى الْكفْر وَالثَّوْب وَنَحْوه فِي الصَّبْغ أَعَادَــهُ فِيهِ

رَعْبَانُ

رَعْبَانُ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وباء موحدة، وآخره نون: مدينة بالثغور بين حلب وسميساط قرب الفرات معدودة في العواصم، وهي قلعة تحت جبل خرّبتها الزلزلة في سنة 340 فأنفذ سيف الدولة أبا فراس بن حمدان في قطعة من الجيش فــأعاد عمارتها في سبعة وثلاثين يوما، فقال أحد شعرائه يمدحه:
أرضيت ربك وابن عمك والقنا، ... وبذلت نفسا لم تزل بذالّها
ونزلت عبانا بما أوليتها، تثني عليك سهولها وجبالها
وفي كتاب الفتوح: بعث أبو عبيدة بن الجرّاح في سنة 16 بعد فتح منبج عياض بن غنم إلى رعبان ودلوك فصالحه أهلها على مثل صلح منبج واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين.

سَعيد آبَاذ

سَعيد آبَاذ:
بليدة في جبال طبرستان تلي كلار، وكان بها منبر. وسعيدآباذ: قلعة بفارس من ناحية رامجرد من كورة إصطخر على جبل شاهق يسير المرتقي إليها فرسخا، وكانت في الشرك تعرف بقلعة إسفيدباذ، وبها تحصن زياد ابن أبيه أيّام عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، فنسبت إلى زياد مدة، ثمّ تحصن بها في آخر أيّام بني أميّة منصور بن جمهور وكان واليا على فارس فنسبت إليه مدّة فكان يقال لها قلعة منصور، ثمّ تعطّلت مدّة وخربت ثمّ استجدّ عمارتها محمد بن واصل الحنظلي فنسبت إليه وكان واليا على فارس، فلمّا ملك يعقوب بن الليث فارس لم يقدر على فتحها إلّا بأمر محمد بن واصل فخرّبها ثمّ احتاج إليها فــأعاد بناءها وجعلها محبسا لمن يسخط عليه.

عانَةُ

عانَةُ:
بالنون، والعانة: الجماعة من حمر الوحش، ويجمع عونا وعانات، وعانة الرجل: منبت الشعر من قبل الرجل، وعانة: بلد مشهور بين الرّقّة وهيت يعد في أعمال الجزيرة، وجاء في الشعر عانات كأنه جمع بما حوله، ونسبت العرب إليه الخمر، قال بعضهم:
تخيّرها أخو عانات شهرا، ... ورجّى برّها عاما فعاما
وقال الأعشى:
كأنّ جنيّا من الزنجبي ... ل خالط فيها، وأريا مشورا
وإسفنط عانة بعد الرّقا ... د شكّ الرصاف إليها غديرا
وهي مشرفة على الفرات قرب حديثة النورة وبها قلعة حصينة، وقد نسب إليها يعيش بن الجهم العاني، ويقال له الحدثي أيضا، يروي عن الحسين بن إدريس، وإليها حمل القائم بأمر الله في نوبة البساسيري فيه أن يأخذه فيقتله فمانع مهارش عنه إلى أن جاء طغرلبك وقتل البساسيري وأعاد الخليفة إلى داره، وكانت غيبته عن بغداد سنة كاملة، وأقيمت الخطبة في غيبته للمصريين، فعامة بغداد إلى الآن يضربون البساسيري مثلا في تفخيم الأمر، يقولون: كأنه قد جاء برأس البساسيري، وإذا كرهوا أمرا من ظلم أو عسف قالوا: الخليفة إذا في عانة حتى يفعل كذا، وقال محمد بن أحمد الهمذاني: كانت هيت وعانات مضافة إلى طسوج الأنبار، فلما ملك أنو شروان بلغه أن طوائف من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد إلى البادية فأمر بتجديد سور مدينة تعرف بألوس كان سابور ذو الأكتاف بناها وجعلها مسلحة لحفظ ما قرب من البادية، وأمر بحفر خندق من هيت يشق طفّ البادية إلى كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر وبنى عليه المناظر والجواسق ونظمه بالمسالح ليكون ذلك مانعا لأهل البادية عن السواد، فخرجت هيت وعانات بسبب ذلك السور عن طسوج شاذفيروز لأن عانات كانت قرى مضمومة إلى هيت. وعانة أيضا:
بلد بالأردنّ، عن نصر.

عَكّةُ

عَكّةُ:
بفتح أوله، وتشديد ثانيه، قال أبو زيد:
العكة الرملة حميت عليها الشمس، وقال الليث: العكة من الحرّ الفورة الشديدة في القيظ وهو الوقت الذي تركد فيه الريح، وقد تقدم في عك ما فيه كفاية، قال صاحب الملحمة: طول عكة ست وستون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وفي ذرع أبي عون:
طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وعشرون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الرابع، وعكة: اسم بلد على ساحل بحر الشام من عمل الأردن، وهي من أحسن بلاد الساحل في أيامنا هذه وأعمرها، قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء البشاري: عكة مدينة حصينة كبيرة الجامع فيه غابة زيتون يقوم بسرجه وزيادة، ولم تكن على هذه الحصانة حتى قدمها ابن طولون وكان قد رأى صور واستدارة الحائط على مينائها فأحب أن يتخذ لعكة مثل ذلك الميناء فجمع صنّاع الكور وعرض عليهم ذلك فقيل له لا يهتدي أحد إلى البناء في الماء في هذا الزمان، ثم ذكر له جدّنا أبو بكر البنّاء وقيل له: إن كان عند أحدهم فيه علم فهو عنده، فكتب إليه وأتي به من المقدس وعرض عليه ذلك فاستهان به والتمس منهم إحضار فلق من خشب الجميز غليظة، فلما حضرت عمد يصفّها على وجه الماء بقدر الحصن البرّي وضمّ بعضها إلى بعض وجعل لها بابا عظيما من ناحية الغرب ثم بنى عليها الحجارة والشّيد وجعل كلما بنى خمس دوامس ربطها بأعمدة غلاظ ليشتد البناء، وجعلت الفلق كلما ثقلت نزلت حتى إذا علم أنها قد استقرّت على الرمل تركها حولا كاملا حتى أخذت قرارها ثم عاد فبنى من حيث ترك، وكلما بلغ البناء إلى الحائط الذي قبله أدخله فيه ثم جعل على الباب قنطرة والمراكب كل ليلة تدخل الميناء وتجر سلسلة بينها وبين البحر الأعظم مثل صور، قال: فدفع إليه ألف دينار سوى الخلع والمركوب، واسمه عليه مكتوب إلى اليوم، قال: وكان العدو قبل ذلك يغير على المراكب، وفتحت عكة في حدود سنة 15 على يد عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، وكان لمعاوية في فتحها وفتح السواحل أثر جميل، ولما ركب منها إلى غزوة قبرص رمّها وأعاد ما تشعّث منها وكذلك فعل بصور، ثم خربت فجددها هشام بن عبد الملك، وكانت فيها صناعة بلاد الأردنّ، وهي محسوبة من حدود الأردن، ثم نقل هشام الصناعة منها إلى صور فبقيت على ذلك إلى قرابة أيام الإمام المقتدر ثم اختلفت ايدي المتغلبين عليها، وعمّرت عكة أحسن عمارة وصارت بها الصناعة إلى يومنا ذا، وهي للافرنج، وفي الحديث: طوبى لمن رأى عكة، وقال الفراء: هذه أرض عكة وأرض عكة، تضاف ولا تضاف، أي حارّة، وكانت قديما بيد المسلمين حتى أخذها الأفرنج ومعديهم بغدوين صاحب بيت المقدس من زهر الدولة بناء الجيوشي [1] منسوب إلى أمير الجيوش بدر الجمالي أو ابنه، وكان بها من قبل المصريين، فقصد الأفرنج برّا وبحرا في سنة 497 فقاتلهم أهل عكة حتى عجزوا عنهم لقصور المادة بهم وكان أهل مصر لا يمدونهم بشيء فسلموها إليهم وقتلوا منها خلقا كثيرا وسبوا جماعة أخرى حملوهم إلى خلف البحر، وخرج زهر الدولة حتى وصل إلى دمشق ثم عاد إلى مصر، ولم تزل في أيديهم حتى افتتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادى الأولى سنة 583 وأشحنها بالرجال والعدد والميرة، فعاد الأفرنج ونزلوا عليها وخندقوا دونهم خندقا وجاءهم صلاح الدين ونزل دونهم وأقام حولهم ثلاث سنين حتى استعادها الأفرنج من المسلمين عنوة في سابع جمادى الآخرة سنة 587 وأحضروا أسارى المسلمين وكانوا نحو ثلاثة آلاف وحملوا عليهم حملة واحدة فقتلوهم عن آخرهم، وهي في أيديهم إلى الآن، وقد نسب إليها قوم، منهم: الحسن بن إبراهيم العكي، يروي عن الحسن بن جرير الصوري، روى عنه عبد الصمد بن الحكم.

عينُ زَرْبَى

عينُ زَرْبَى:
بفتح الزاي، وسكون الراء، وباء موحدة، وألف مقصورة، يجوز أن يكون من زرب الغنم وهو مأواها: وهو بلد بالثغر من نواحي المصيصة، قال ابن الفقيه: كان تجديد زربي وعمارتها على يد أبي سليمان التركي الخادم في حدود سنة 190، وكان قد ولي الثغور من قبل الرشيد، ثم استولى عليها الروم فخرّبوها فأنفق سيف الدولة بن حمدان ثلاثة آلاف ألف درهم حتى أعاد عمارتها ثم استولى الروم عليها في أيام سيف الدولة، كما ذكرنا في طرسوس، وهي في أيديهم إلى الآن، وأهلها اليوم أرمن، وهي من أعمال ابن ليون، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم، منهم: أبو محمد إسماعيل بن علي الشاعر العين زربي القائل:
وحقّكم لا زرتكم في دجنّة ... من الليل تخفيني كأني سارق
ولا زرت إلا والسيوف هواتف ... إليّ وأطراف الرماح لواحق
ومحمد بن يونس بن هاشم المقرئ العين زربي المعروف بالإسكاف، روى عن أبي بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي وأبي عمر محمد بن موسى بن فضالة وأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن تمام بن حسان وأحمد ابن عمرو بن معاذ الرازي وأحمد بن عبد الله بن عمر ابن جعفر المالكي ومحمد بن الخليل الأخفش، وجمع عدد آي القرآن العظيم، روى عنه عبد العزيز الكناني والأهوازي المقرئ وأبو علي الحسين بن معشر الكناني وعلي بن خضر السلمي، ومات في ثامن عشر ذي الحجة سنة 411، قال الواقدي: ولما كانت سنة 180 أمر الرشيد ببناء مدينة عين زربي وتحصينها وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم وأقطعهم بها المنازل، ثم لما كانت أيام المعتصم نقل إليها وإلى نواحيها قوما من الزّطّ الذين كانوا قد غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة فانتفع أهل الثغر بهم.

فَدَكُ

فَدَكُ:
بالتحريك، وآخره كاف، قال ابن دريد:
فدّكت القطن تفديكا إذا نفشته، وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيها عين فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة، رضي الله عنها: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نحلنيها، فقال أبو بكر، رضي الله عنه:
أريد لذلك شهودا، ولها قصة، ثم أدى اجتهاد عمر ابن الخطاب بعده لما ولي الخلافة وفتحت الفتوح واتسعت على المسلمين أن يردّها إلى ورثة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فكان علي بن أبي طالب، رضي
الله عنه، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها، فكان عليّ يقول: إن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول:
هي ملك لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى عمر، رضي الله عنه، فيأبى أن يحكم بينهما ويقول: أنتما أعرف بشأنكما أما أنا فقد سلمتها إليكما فاقتصدا فيما يؤتى واحد منكما من قلة معرفة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة، رضي الله عنها، فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفّاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فكان هو القيّم عليها يفرّقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها فأمر أن يسجّل لهم بها، فكتب السجلّ وقرئ على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا ... بردّ مأمون هاشم فدكا
وفي فدك اختلاف كثير في أمره بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وآل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن رواة خبرها من رواه بحسب الأهواء وشدة المراء، وأصح ما ورد عندي في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذري في كتاب الفتوح له فانه قال: بعث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بعد منصرفه من خيبر إلى أرض فدك محيّصة بن مسعود ورئيس فدك يومئذ يوشع بن نون اليهودي يدعوهم إلى الإسلام فوجدهم مرعوبين خائفين لما بلغهم من أخذ خيبر فصالحوه على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم وأمضاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصار خالصا له، صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكان يصرف ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ولم يزل أهلها بها حتى أجلى عمر، رضي الله عنه، اليهود فوجّه إليهم من قوّم نصف التربة بقيمة عدل فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام، وكان لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت فاطمة، رضي الله عنها، لأبي بكر، رضي الله عنه: إن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، جعل لي فدك فأعطني إياها، وشهد لها علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن مولاة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت، وروي عن أمّ هانئ أن فاطمة أتت أبا بكر، رضي الله عنه، فقالت له: من يرثك؟ فقال: ولدي وأهلي، فقالت له: فما بالك ورثت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، دوننا؟ فقال: يا بنت رسول الله ما ورثت ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا ولا كذا، فقالت: سهمنا بخيبر وصدقتنا بفدك! فقال: يا بنت رسول الله سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: إنما هي طعمة أطعمنيها الله تعالى حياتي فإذا متّ فهي بين المسلمين. وعن عروة بن الزبير: أن أزواج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألن مواريثهن من سهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما هذا المال لآل
محمد لنائبتهم وضيفهم فإذا متّ فهو إلى والي الأمر من بعدي، فأمسكن، فلما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وقصّ قصة فدك وخلوصها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه كان ينفق منها ويضع فضلها في أبناء السبيل، وذكر أن فاطمة سألته أن يهبها لها فأبى وقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك، وكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل، وإنه، عليه الصلاة والسلام، لما قبض فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ مثله، فلما ولي معاوية أقطعها مروان بن الحكم، وإن مروان وهبها لعبد العزيز ولعبد الملك ابنيه ثم إنها صارت لي وللوليد وسليمان، وإنه لما ولي الوليد سألته فوهبها لي وسألت سليمان حصته فوهبها لي أيضا فاستجمعتها، وإنه ما كان لي مال أحبّ إليّ منها، وإنني أشهدكم أنني رددتها على ما كانت عليه في أيام النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فكان يأخذ مالها هو ومن بعده فيخرجه في أبناء السبيل، فلما كانت سنة 210 أمر المأمون بدفعها إلى ولد فاطمة وكتب إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة أنه كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أعطى ابنته فاطمة، رضي الله عنها، فدك وتصدّق عليها بها وأن ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله، عليه الصلاة والسلام، ثم لم تزل فاطمة تدعي منه بما هي أولى من صدّق عليه، وأنه قد رأى ردّها إلى ورثتها وتسليمها إلى محمد بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، ليقوما بها لأهلهما، فلما استخلف جعفر المتوكل ردّها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز ومن بعده من الخلفاء، وقال الزجاجي: سميت بفدك ابن حام وكان أول من نزلها، وقد ذكر غير ذلك وهو في ترجمة أجإ، وينسب إليها أبو عبد الله محمد بن صدقة الفدكي، سمع مالك بن أنس، روى عنه إبراهيم بن المنذر الحزامي وكان مدنّسا، وقال زهير:
لئن حللت بجوّ في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
ليأتينّك منّي منطق قذع ... باق كما دنّس القبطيّة الودك

جامع عمرو بن العاص

جامع عمرو بن العاص
فهو في مصر وهو العامر المسكون، وكان عمرو بن العاص لما حاصر الحصن بالفسطاط نصب رايته بتلك المحلة فسميت محلة الراية إلى الآن، وكان موضع هذا الجامع جبّانة، حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التجيبي ويكنى أبا عبد الرحمن ونزله، فلما رجعوا من الإسكندرية سأل عمرو بن العاص قيسبة في منزله هذا أن يجعله مسجدا فتصدق به قيسبة على المسلمين واختط مع قومه بني سوم في تجيب فبني سنة 21، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا، ويقال إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من الصحابة الكرام، منهم الزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعبادة ابن الصامت وابو الدرداء وأبو ذرّ الغفاري وغيرهم، قيل إنها كانت مشرقة قليلا حتّى أعاد بناءها على ما هي اليوم قرّة بن شريك لما هدم المسجد في أيام الوليد بن عبد الملك وبناه، ثم ولي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري صحابي من قبل معاوية سنة 53 وبيّضه وزخرفه وزاد في أرجائه وأبّهته وكثّر مؤذّنيه، ثم لما ولي مصر قرة بن شريك العبسي في سنة 92 هدمه بأمر الوليد بن عبد الملك فزاد فيه ونمقه وحسّنه على عادة الوليد بن عبد الملك في بناء الجوامع، ثم ولي صالح بن علي بن عبد الله بن العباس في أيام السفاح فزاد أيضا فيه، وهو أول من ولي مصر من بني هاشم، وذلك في سنة 133، ويقال إنه أدخل في الجامع دار الزبير بن العوّام، ثم ولي موسى بن عيسى في أيام الرشيد في سنة 175 فزاد فيه أيضا، ثم قدم عبد الله بن طاهر بن الحسين في أيام المأمون في سنة 211 لقتال الخوارج ولما ظفر بهم ورجع أمر بالزيادة في الجامع فزيد فيه من غربيه، وكان وروده إلى مصر في ربيع الأول وخروجه في رجب من هذه السنة، ثم زاد فيه في أيام المعتصم أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع ابن أخت أبي الوزير أحمد بن خالد، وكان صاحب الخراج بمصر، وذلك في سنة 258، ثم وقع في الجامع حريق في سنة 275 فهلك فيه أكثر زيادة عبد الله بن طاهر فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته وكتب اسمه عليه، ثم زاد فيه أبو حفص عمر القاضي العباسي في رجب سنة 336، ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الخازن رواقا واحدا مقداره تسعة أذرع في سنة 357 ومات قبل تتمتها فأتمها ابنه علي وفرغت في سنة 358، ثم زاد فيه في أيام الوزير يعقوب بن يوسف بن كلس الفوّارة التي تحت قبة بيت المال وذلك في سنة 378 وجدد الحاكم بياض مسجد الجامع وقلع ما كان عليه من الفسفس وبيّض مواضعه، قال الشريف محمد بن أسعد ابن علي بن الحسن الجوّاني المعروف بابن النحوي في كتاب سماه النّقط لمعجم ما أشكل عليه من الخطط:
وكان السبب في خراب الفسطاط وإخلاء الخطط حتى بقيت كالتلال أنه توالت في أيام المستنصر بن الظاهر بن الحاكم سبع سنين أولها سنة 457 إلى سنة 464 من الغلاء والوباء الذي أفنى أهلها وخرب دورها ثم ورد أمير الجيوش بدر الجمالي من الشام في سنة 466 وقد عم الخراب جانبي الفسطاط الشرقي والغربي، فأما الغربي فخرب الشرف منه ومن قنطرة خليج بني وائل مع عقبة يحصب إلى الشرف ومراد والعبسيين وحبشان وأعين والكلاع والالبوع والاكحول والرّبذ والقرافة، ومن الشرقي الصدف وغافق وحضرموت والمقوقف والبقنق والعسكر إلى المنظر والمعافر بأجمعها إلى دار أبي قتيل وهو الكوم الذي شرقي عفصة الكبرى وهي سقاية ابن طولون، فدخل أمير الجيوش مصر وهذه المواضع خاوية على عروشها وقد أقام النيل سبع سنين يمدّ وينزل فلا يجد من يزرع الأرض، وقد بقي من أهل مصر بقايا يسيرة ضعيفة كاسفة البال وقد انقطعت عنها الطرق وخيفت السبل وبلغ الحال بهم إلى أن الرغيف الذي وزنه رطل من الخبز يباع في زقاق القناديل كبيع الطّرف في النداء بأربعة عشر درهما وبخمسة عشر درهما ويباع إردب القمح بثمانين دينارا، ثم عرم ذلك وتزايد إلى أن أكلت الدوابّ والكلاب والقطاط ثم اشتدت الحال إلى أن أكل الرجال الرجال ولذلك سمي الزقاق الذي يحضره الغشم زقاق القتلى لما كان يقتل فيه، وكان جماعة من العبيد الأقوياء قد سكنوا بيوتا قصيرة السقوف قريبة ممن يسعى في الطرقات ويطوف وقد أعدوا سكاكين وخطاطيف وهراوات ومجاذيف فإذا اجتاز أحد في الطريق رموا عليه الكلاليب وأشالوه إليهم في أقرب وقت وأسرع أمر ثم ضربوه بتلك الهراوات والأخشاب وشرحوا لحمه وشووه وأكلوه، فلما دخل أمير الجيوش فسّح للناس والعسكر في عمارة المساكن مما خرّب فعمّروا بعضه وبقي بعضه على خرابه، ثم اتفق في سنة 564 نزول الأفرنج على القاهرة فأضرمت النار في مصر لئلا يملكها العدوّ إذ لم يكن لهم بها طاقة، قال: ومن الدليل على دثور الخطط أنني سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروف بالصمصام يقول: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن الحسين الخلعي يقول عن القاضي أبي عبد الله القضاعي انه قال: كان في مصر من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد وثمانية آلاف شارع مسلوك وألف ومائة وسبعون حمّاما، وفي سنة 572 قدم صلاح الدين يوسف بن أيوب من الشام بعد تملكه عليها إلى مصر وأمر ببناء سور على الفسطاط والقاهرة والقلعة التي على جبل المقطم فذرع دوره فكان تسعة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالذراع الهاشمي، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين فبلغ دوره على هذا سبعة أميال ونصف الميل وهي فرسخان ونصف.

القَرَافَةُ

القَرَافَةُ:
مثل الذي قبله وزيادة هاء في آخره: خطة بالفسطاط من مصر كانت لبني غصن بن سيف بن وائل من المعافر، وقرافة: بطن من المعافر نزلوها فسمّيت بهم، وهي اليوم مقبرة أهل مصر وبها أبنية جليلة ومحالّ واسعة وسوق قائمة ومشاهد للصالحين وترب للأكابر مثل ابن طولون والماذرائي تدلّ على عظمة وجلال، وبها قبر الإمام أبي عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي، رضي الله عنه، في مدرسة للفقهاء الشافعية وهي من نزه أهل القاهرة ومصر ومتفرّجاتهم في أيام المواسم، قال أبو سعد محمد بن أحمد العميدي:
إذا ما ضاق صدري لم أجد لي مقرّ عبادة إلّا القرافة لئن لم يرحم المولى اجتهادي وقلّة ناصري لم ألق رافه ونسب إليها قوم من المحدّثين، منهم أبو الحسن عليّ ابن صالح الوزير القرافي وأبو الفضل الجوهري القرافي، ونسبوا إلى البطن من المعافر أبا دجانة أحمد بن إبراهيم بن الحكم بن صالح القرافي، حدث عن حرملة ابن يحيى وهو وزير سعيد الإربلي وغيره، وتوفي سنة 499، قاله ابن يونس. والقرافة أيضا: موضع بالإسكندرية يروى عنه حكايات، وأنشد أبو سعد محمد بن أحمد العميدي يذكر قرافة مصر، وأعاد البيتين المذكورين.

قناطِرُ حُذَيْفَةَ

قناطِرُ حُذَيْفَةَ:
بسواد بغداد، منسوبة إلى حذيفة بن اليمان الصحابي لأنه نزل عندها، وقيل: لأنه رمّها وأعاد عمارتها، وقيل: قناطر حذيفة بناحية الدّينور.

قَنْطَرَةُ خُرَّزاذ

قَنْطَرَةُ خُرَّزاذ:
تنسب إلى خرّزاذ أمّ أردشير، ولها قنطرتان: إحداهما بالأهواز والأخرى من عجائب الدنيا وهي بين إيذج والرباط، وهي مبنية على واد يابس لا ماء فيه إلا في أوان المدود من الأمطار فإنه حينئذ يصير بحرا عجّاجا وفتحه على وجه الأرض أكثر من ألف ذراع وعمقه مائة وخمسون ذراعا وفتح أسفله في قراره نحو العشرة أذرع، وقد ابتدئ بعمل هذه القنطرة من أسفلها إلى أن بلغ بها وجه الأرض بالرصاص والحديد كلما علا البناء ضاق وجعل بين وجهه وجنب الوادي حشو من خبث الحديد وصبّ عليه الرصاص المذاب حتى صار بينه وبين وجه الأرض نحو أربعين ذراعا فعقدت القنطرة عليه فهي على وجه الأرض وحشي ما بينها وبين جنبي الوادي بالرصاص المصلّب بنحاتة النحاس، وهذه القنطرة طاق واحد عجيب الصنعة محكم العمل، وكان المسمعي قطعها فمكثت دهرا لا يتسع أحد لبنائها، فأضرّ ذلك بالسابلة ومن كان يجتاز عليها لا سيما في الشتاء ومدود الأودية، وكان ربما صار إليها قوم ممن يقرب منها فيحتالون في قلع حشوها من الرصاص بالجهد الشديد، فلم تزل على ذلك دهرا حتى أعاد ما انهدم منها وعقدها أبو عبد الله محمد بن أحمد القمّي المعروف بالشيخ وزير الحسن بن بويه فإنه جمع الصنّاع المهندسين واستفرغ الجهد والوسع في أمرها، فكان الرجال يحطّون إليها بالزّبل بالبكرة والحبال فإذا استقروا على الأساس أذابوا الرصاص والحديد وصبوه على الحجارة، ولم يمكنه عقد الطاق إلا بعد سنين، فيقال إنه لزمه على ذلك، سوى أجرة الفعلة فإن أكثرهم كانوا مسخرين من الرّساتيق التي بين إيذج وأصبهان، ثلاثمائة ألف دينار وخمسون ألف دينار، وفي مشاهدتها والنظر إليها عبرة لأولي الألباب.

مِصْرُ

مِصْرُ:
سمّيت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السّلام، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد استقصينا ذلك في الفسطاط، قال صاحب الزيج:
طول مصر أربع وخمسون درجة وثلثان، وعرضها تسع وعشرون درجة وربع، في الإقليم الثالث، وذكر ابن ما شاء الله المنجم أن مصر من إقليمين: من الإقليم الثالث مدينة الفسطاط، والإسكندرية، ومدن إخميم، وقوص، واهناس، والمقس، وكورة الفيوم، ومدينة القلزم، ومدن أتريب، وبنى، وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عرض مدينة الإسكندرية وأتريب وبنى وما والى ذلك ثلاثون درجة، وإن عرض مصر وكورة الفيوم وما والى ذلك تسع وعشرون درجة، وإن عرض مدينة اهناس والقلزم ثمان وعشرون درجة، وإن عرض إخميم ست وعشرون درجة، ومن الإقليم الرابع تنيس ودمياط وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عروضهنّ إحدى وثلاثون درجة، قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال: يعني مصر، وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها، ألا ترى إلى قول يوسف، عليه السّلام، لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها، ولم يذكر، عز وجل، في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكة ومصر فإنه قال: أليس لي ملك مصر، وهذا تعظيم ومدح، وقال: اهبطوا مصرا، فمن لم يصرف فهو علم لهذا الموضع، وقوله تعالى: فإن لكم ما سألتم، تعظيم لها فإن موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلا عظيما، وقوله تعالى: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّا لقومكما بمصر بيوتا، وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى: وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وقالوا ليوسف حين ملك مصر: يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم، وأرض مصر أربعون ليلة في مثلها، طولها من الشجرتين اللتين كانتا بين رفح والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة، وكانت منازل الفراعنة، واسمها باليونانية مقدونية، والمسافة ما بين بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخا، وروى أبو ميل أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو ابن العاص فقال: ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: أنت أقدمتني، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع واطمأننت، فقال:
إن مصر قد وقع خرابها، دخلها بختنصر فلم يدع فيها حائطا قائما، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعدها خرابا لن تزال فيها بركة ما دام في الأرض إنسان، قوله تعالى:
فإن لم يصبها وابل فطلّ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها أضعف زكاها، وقالوا:
مثلت الأرض على صورة طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا خربتا خربت الدنيا، وقرأت بخط أبي
عبد الله المرزباني حدثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا، وقال لي: مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان، وقال لي: كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت، قال: وقال لي أبو حازم القاضي: جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه عثمان وقلّدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو:
يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقحة بعدك درّت؟ فقال:
نعم ولكنها أجاعت أولادها، وقال لنا أبو حازم:
إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره، ومن مفاخر مصر مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها وهاجر أم إسماعيل، عليه السّلام، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا، وقرأت بخط محمد بن عبد الملك النارنجي حدثني محمد بن إسماعيل السلمي قال: قال إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو ابن عم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي قال:
كتبت إلى أبي عبد الله عند قدومه مصر أسأله عن أهله في فصل من كتابي إليه فكتب إليّ: وسألت عن أهل البلد الذي أنا به وهم كما قال عباس بن مرداس السّلمي:
إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة ... له بوجوه كالدنانير: مرحبا
وأهلا ولا ممنوع خير تريده، ... ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا
وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد يشير عليه في أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب يصف مصر وجلالتها: ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ومجاورتها أجناد الشام وبقية من بقايا العرب ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات فليس أمرها بالصغير ولا فسادها بالهين ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقة ويأتي بالرفق، وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها، منهم: يوسف الصدّيق، عليه السّلام، والأسباط وموسى وهارون، وزعموا أن المسيح، عليه السّلام، ولد بأهناس، وبها نخلة مريم، وقد وردها جماعة كثيرة من الصحابة الكرام، ومات بها طائفة أخرى، منهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن الحارث الزبيدي وعبد الله بن حذافة السهمي وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم، قال أمية:
يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدّا في وضعهما أحدهما في ضفّة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم والآخر في الضّفّة الغربية منه والنيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسليكهما فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط ورشيد والإسكندرية،
ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا مّا، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير في الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر وهو ما استقبلته منه، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ثم على النيل صاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك وتليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكّبا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهبّ الجنوب منها، ثمّ تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أول أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم وهو داخل في أرض مصر بشرقيّه وغربيّه، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة فالنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش، وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن أن قرى مصر والصعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية، منها: الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل أرض مصر ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية، والآن فقد تغيّر ذلك وخرب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة، وقال القضاعي: أرض مصر تنقسم قسمين فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها وأسفل أرضها وهو يليّ مهبّ الشمال منها، فقسم الصعيد عشرون كورة وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة، فأما كور الصعيد: فأولاها كورة الفيوم، وكورة منف، وكورة وسيم، وكورة الشرقية، وكورة دلاص، وكورة بوصير، وكورة أهناس، وكورة الفشن، وكورة البهنسا، وكورة طحا، وكورة جيّر، وكورة السّمنّودية، وكورة بويط، وكورة الأشمونين، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها، وكورة قوص وقاو، وكورة شطب، وكورة أسيوط، وكورة قهقوه، وكورة إخميم، وكورة دير أبشيا، وكورة هو، وكورة إقنا، وكورة فاو، وكورة دندرا، وكورة قفط، وكورة الأقصر، وكورة إسنا، وكورة أرمنت، وكورة أسوان ... ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر، وذكر ابن عبد الحكم بعد قفط اشمن أخاه ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس بن صا ثم ابنه ماليق بن تدراس ثم ابنه حربتا بن ماليق ثم ابنه ملكي بن حربتا فملكه نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا إن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل، عليه السّلام، عند قدومه عليه، ثم مات طوطيس وليس له إلّا ابنة اسمها حوريا فملكت مصر، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح، عليه السّلام، ثم ابنة عمها زالفا وعمّرت دهرا طويلا فطمع فيهم العمالقة وهم الفراعنة وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبر
الفراعنة وظهر عليهم ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة: أولهم الوليد بن دوموز هذا ملكه نحوا من مائة سنة ثم افترسه سبع فأكل لحمه، ثم ملك ولده الريان صاحب يوسف، عليه السلام، ثم دارم بن الريان وفي زمانه توفي يوسف، عليه السّلام، ثم غرّق الله دارما في النيل فيما بين طرا وحلوان، ثم ملك بعده كاتم بن معدان فلما هلك صار بعده فرعون موسى، عليه السّلام، وقيل:
كان من العرب من بليّ وكان أبرش قصيرا يطأ في لحيته، ملكها خمسمائة عام ثم غرّقه الله وأهلكه وهو الوليد بن مصعب، وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة، وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرجال ولم يكن إلا العبيد والإماء والنساء والذراري فولوا عليهم دلوكة، كما ذكرناه في حائط العجوز، فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو دركون بن بلوطس، وفي رواية بلطوس، وهو الذي خاف الروم فشق من بحر الظلمات شقّا ليكون حاظرا بينه وبين الروم، ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته فأرسل إليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلا غزاه، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها ارميا النبي، عليه السّلام، فملكها وعمّرها وأعاد أهلها إليها، وقيل: بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة، ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر. كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في أيام الحديبية وظهور الإسلام، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه قصر اليون وقصر الشام وقصر الشمع، ولما غزا الروم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد، كما نذكره إن شاء الله تعالى في الفسطاط، وجميع ما ذكرته ههنا إلا بعض اشتقاق مصر من كتاب الخطط الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقال أميّة: ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث، وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس إلا أن جمهورهم قبط، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلّبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا من
الانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم، وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية، وغالب مذهبهم يعاقبة، قال: أما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، قالوا:
ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها وهو دويبة كأنها قديدة فإذا رأت الثعبان دنت منه فيتطوّى عليها ليأكلها فإذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ الثعبان من شدّته قطعتين، ولولا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان، قال الجاحظ: من عيوب مصر أن المطر مكروه بها، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، يعني المطر وهم لرحمة الله كارهون وهو لهم غير موافق ولا تزكو عليه زروعهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
يقولون مصر أخصب الأرض كلها، ... فقلت لهم: بغداد أخصب من مصر
وما خصب قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر
قالوا: وكان المقوقس قد تضمّن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام وفي العام الثاني اثني عشر ألف ألف، ولما وليها في أيام معاوية جباها تسعة آلاف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، وقال صاحب الخراج: إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون، قال كشاجم يصف مصر:
أما ترى مصر كيف قد جمعت ... بها صنوف الرياح في مجلس
السوسن الغضّ والبنفسج وال ... ورد وصنف البهار والنرجس
كأنها الجنّة التي جمعت ... ما تشتهيه العيون والأنفس
كأنما الأرض ألبست حللا ... من فاخر العبقريّ والسّندس
وقال شاعر آخر يهجو مصر:
مصر دار الفاسقينا ... تستفزّ السامعينا
فإذا شاهدت شاهد ... ت جنونا ومجونا
وصفاعا وضراطا ... وبغاء وقرونا
وشيوخا ونساء ... قد جعلن الفسق دينا
فهي موت الناسكينا ... وحياة النائكينا
وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر:
هل غاية من بعد مصر أجيئها ... للرزق من قذف المحل سحيق
لم يأل من حطّت بمصر ركابه ... للرزق من سبب لديه وثيق
نادته من أقصى البلاد بذكرها، ... وتغشّه من بعد بالتعويق
كم قد جشمت على المكاره دونها ... من كل مشتبه الفجاج عميق
وقطعت من عافي الصّوى متخرّقا ... ما بين هيت إلى مخارم فيق
فعريش مصر هناك فالفرما إلى ... تنّيسها ودميرة ودبيق
برّا وبحرا قد سلكتهما إلى ... فسطاطها ومحلّ أيّ فريق
ورأيت أدنى خيرها من طالب ... أدنى لطالبها من العيّوق
قلّت منافعها فضجّ ولاتها، ... وشكا التّجار بها كساد السوق
ما إن يرى فيها الغريب إذا رأى ... شيئا سوى الخيلاء والتبريق
قد فضّلوا جهلا مقطّمهم على ... بيت بمكة للإله عتيق
لمصارع لم يبق في أجداثهم ... منهم صدى برّ ولا صدّيق
إن همّ فاعلهم فغير موفّق، ... أو قال قائلهم فغير صدوق
شيع الضلال وحزب كل منافق ... ومضارع للبغي والتّنفيق
أخلاق فرعون اللعينة فيهم، ... والقول بالتشبيه والمخلوق
لولا اعتزال فيهم وترفّض ... من عصبة لدعوت بالتّغريق
وبعد هذا أبيات ذكرتها في رحا البطريق، وما زالت مصر منازل العرب من قضاعة وبليّ واليمن، ألا ترى إلى جميل حيث يقول:
إذا حلّت بمصر وحلّ أهلي ... بيثرب بين آطام ولوب
مجاورة بمسكنها تجيبا، ... وما هي حين تسأل من مجيب
وأهوى الأرض عندي حيث حلّت ... بجدب في المنازل أو خصيب
وبمصر من المشاهد والمزارات: بالقاهرة مشهد به رأس الحسين بن علي، رضي الله عنه، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان وهو خلف دار المملكة يزار، وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى ابن عمران، عليه السّلام، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه فيه اختفى من فرعون لما خافه، وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت محمد الباقر، ومشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب، ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والله أعلم، وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين وقبر الشيخ أبي عبد الله الكيراني وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي، وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم ابن محمد بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد، ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بن
زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر أمّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل إلى مصر فدفن هناك، وعلى باب درب معالي قبة لحمزة بن سلعة القرشي، وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق، عليه السلام، وبها غير ذلك مما يطول شرحه، منهم بالقرافة يحيى ابن عثمان الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه بالمدينة، وقبر صاحب انكلوته وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلبي وقبر عبد الله بن سعيد الأنصاري وقبر سارية وأصحابه وقبر معاذ بن جبل، والمشهور أنه بالأردنّ، وقبر معن بن زائدة، والمشهور أنه بسجستان، وقبر ابنين لأبي هريرة ولا أعرف اسميهما وقبر روبيل بن يعقوب وقبر اليسع وقبر يهوذا بن يعقوب وقبر ذي النون المصري وقبر خال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو أخو حليمة السعدية، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق وقبر أبي مسلم الخولاني وهو بغباغب من أعمال دمشق، ويقال الخولاني عند داريا، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن الزهري، وبالقرافة أيضا قبر أشهب وعبد الرحمن بن القاسم وورش المدني وقبر أبي الثريا وعبد الكريم بن الحسن ومقام ذي النون النبيّ وقبر شقران وقبر الكر وأحمد الروذباري وقبر الزيدي وقبر العبشاء وقبر علي السقطي وقبر الناطق والصامت وقبر زعارة وقبر الشيخ بكّار وقبر أبي الحسن الدينوري وقبر الحميري وقبر ابن طباطبا وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء، ولو أردنا حصرهم لطال الشرح.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.