Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أبل

نَسَا

نَسَا
من (ن س و) عرق من الفخذ إلى الكعب.
(نَسَا)
(س) فِيهِ «لَا يَقُولُنَّ أحدُكم: نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيتَ، بَلْ هُوَ نُسِّىَ» كَرِه نِسْبة النِسْيان إِلَى النْفس لِمَعْنَيين: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ المُقَدِّر لِلْأَشْيَاءِ كلِّها، وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ النِّسْيَانِ التَّرْكُ، فكَره لَهُ أَنْ يَقُولَ: تركْتُ الْقُرْآنَ، أَوْ قَصَدْت إِلَى نِسْيانه؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ. يُقَالُ: نَسَّاهُ اللَّه وأَنْسَاهُ.
وَلَوْ روُي «نُسِىَ» بِالتَّخْفِيفِ لَكَانَ مَعْنَاهُ تُرِك مِنَ الْخَيْرِ وحُرِم.
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ «بِئْسَمَا لأحدِكم أَنْ يَقُولَ: نَسِيت آيَةَ كَيْت وكَيت، لَيْسَ هُوَ نَسِي وَلَكِنَّهُ نُسِّىَ» وَهَذَا اللَّفْظُ أبْيَنُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَاخْتَارَ فِيهِ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّرْكِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّمَا أُنَسَّى لأسُنّ» أَيْ لأذْكُر لَكُمْ مَا يَلْزَمُ النَّاسِى، لِشَيْءٍ مِنْ عبادتِه، وأفْعَل ذَلِكَ فتَقْتدوا بِي.
(هـ) وَفِيهِ «فَيُتْرَكون فِي الْمَنْسَى تحتَ قَدَم الرَّحْمَنِ» أَيْ يُنْسَوْنَ في النار.
و «تحت القَدَم» استِعارةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُنْسِيهِمُ اللَّه الخَلْقَ، لِئَلَّا يَشْفع فِيهِمْ أَحَدٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أبْلَــت مودّتَها الليالِي بعدَنا ... ومَشَى عَلَيْهَا الدهْرُ وَهُوَ مُقَيَّدُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ الْفَتْحِ «كُلُّ مأثُرة مِن مآثِر الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَدِدْتُ أنِّي كنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً» أَيْ شَيْئًا حَقيرا مُطَّرَحاً لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. يُقَالُ لخِرْقة الْحَائِضِ: نِسْىٌ، وَجَمْعُهُ: أَنْسَاءٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا ارْتَحلوا مِنَ الْمَنْزِلِ:
انظُروا أَنْسَاءَكُمْ. يُرِيدُونَ الْأَشْيَاءَ الْحَقِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِبَالٍ. أَيِ اعْتَبروها؛ لِئَلَّا تَنْسَوْهَا فِي المنزِل.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «رَمَيْتُ سُهَيْل بْنَ عَمرو يومَ بَدْر فَقَطَعْتُ نَسَاه» النَّسَا، بوَزْن الْعَصَا: عِرْق يَخْرج مِنَ الوَرِك فيَسْتَبْطِن الفَخذ. وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: النَّسا، لَا عِرق النَّسا.
نَسَا:
بفتح أوله، مقصور، بلفظ عرق النّسا، قال ابن السكيت: هو النسا لهذا العرق ولا يقال عرق النساء، وأنشد غيره:
وأنشب أظفاره في النسا
وأنشد للبيد:
من نسا الناشط إذ ثورته
فأما اسم هذا البلد فهو أعجميّ فيما أحسب، وقال أبو سعد: كان سبب تسميتها بهذا الاسم أن المسلمين لما وردوا خراسان قصدوها فبلغ أهلها فهربوا ولم يتخلف بها غير النساء فلما أتاها المسلمون لم يروا بها
رجلا فقالوا: هؤلاء نساء والنساء لا يقاتلن فننسأ أمرها الآن إلى أن يعود رجالهن، فتركوها ومضوا فسمّوا بذلك نساء، والنسبة الصحيحة إليها نسائيّ وقيل نسويّ أيضا، وكان من الواجب كسر النون: وهي مدينة بخراسان، بينها وبين سرخس يومان، وبينها وبين مرو خمسة أيام، وبين أبيورد يوم، وبين نيسابور ستة أو سبعة، وهي مدينة وبئة جدّا يكثر بها خروج العرق المدينيّ حتى إن الصيف قلّ من ينجو منه من أهلها، وقد خرج منها جماعة من أعيان العلماء، منهم: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي القاضي الحافظ صاحب كتاب السنن وكان إمام عصره في علم الحديث وسكن مصر وانتشرت تصانيفه بها وهو أحد الأئمة الأعلام، صنّف السنن وغيرها من الكتب، روى عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد وإسحاق بن شاهين وإسحاق بن منصور الكوسج وإسحاق بن موسى الأنصاري وإبراهيم بن سعيد الجوهري وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وأحمد بن بكار بن أبي ميمونة وعيسى بن حماد ورغنة والحسن ابن محمد الزعفراني، قدم دمشق فسمع هشام بن عمّار ودحيما وجماعة كثيرة يطول تعدادهم، روى عنه أحمد ابن عمير بن جوصا ومحمد بن جعفر بن ملّاس وأبو القاسم بن أبي العقب وأبو الميمون بن راشد وأبو الحسن بن خذلم وأبو بشر الدولابي وهو من أقرانه وأبو عليّ الحسين بن عليّ الحافظ النياموزي الطبراني وأبو سعيد الأعرابي وأبو جعفر الطحاوي وغيرهم، وسئل عن مولده فقال: أشبه أن يكون سنة 215، وسئل أبو عبد الرحمن النسائي عن اللحن يوجد في الحديث فقال: إن كان شيء تقوله العرب، وإن كان لغة غير قريش فلا تغيّر لأن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، كان يكلم الناس بكلامهم، وإن كان مما لا يوجد في لغة العرب فرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لا يلحن، وسئل أبو عبد الرحمن بدمشق عن فضائل معاوية فقال: معاوية لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل، فما زالوا يدفعون في خصيته حتى أخرج من المسجد، قال الدارقطني: فقال: احملوني إلى مكة، فحمل إليها وهو عليل فتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة 303، وقال أبو سعيد ابن يونس وأبو جعفر الطحاوي إنه مات بفلسطين في صفر من هذه السنة، وأبو أحمد حميد بن زنجويه واسمه مخلد بن قتيبة بن عبد الله وزنجويه لقب مخلد الأزدي النسوي وهو صاحب كتاب الترغيب وكتاب الأموال، وكان عالما فاضلا، سمع بدمشق هشام بن عمّار، وبمصر عبد الله بن صالح وسعيد بن عفير، وسمع بقيسارية وحمص وبالعراق يزيد بن هارون والنضر بن شميل وأبا نعيم وأبا عاصم النبيل وحج وسمع بمكة، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيّان وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد البنّاء: نسا مدينة بخراسان. ونسا: مدينة بفارس. ونسا: مدينة بكرمان، وقال الرّهني:
نسا من رساتيق بمّ بكرمان. ونسا: مدينة بهمذان.
وأبرق النساء: في ديار فزارة، وقال الشاعر في الفتوح يمدّ نساء:
فتحنا سمرقند العريضة بالقنا ... شتاء وأوعسنا نؤمّ نساء
فلا تجعلنّا يا قتيبة والذي ... ينام ضحى يوم الحروب سواء

بَلَسَ

(بَلَسَ)
(س) فِيهِ «فتأشَّبَ أصحابُه حَوْلَهُ وأَبْلَــسُوا حَتَّى مَا أوْضَحُوا بِضَاحِكة» أَبْلَــسُوا أَيْ أُسْكِتُوا، والمُبْلِس: السَّاكِتُ مِنَ الحُزن أَوِ الخَوْف. والإِبْلَاس: الحَيْرة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وإِبْلَاسَهَا» أَيْ تَحيُّرها ودَهَشها.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ أحبَّ أَنْ يَرقَّ قَلْبُهُ فلْيُدِمْ أَكْلَ البَلَس» هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاللَّامِ: التَّين وَقِيلَ هُوَ شَيْءٌ بِالْيَمَنِ يُشْبه التِّين. وَقِيلَ هُوَ العَدَس، وَهُوَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ مَضْمُومُ الْبَاءِ وَاللَّامِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ «قَالَ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ صَدَقة الحَبّ، فَقَالَ: فِيهِ كُلُّهُ الصدَّقَة، فَذِكْرُ الذُّرَةِ والدُّخْن والبُلُس والجُلْجُلاَن» وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ البُلْسُن، بِزِيَادَةِ النُّونِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَعَثَ اللَّهُ الطَّيْرَ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ كالبَلَسَان» قَالَ عبَّاد بْنُ مُوسَى: أظُنُّها الزَّرَازِير، والبَلَسَان شَجَرٌ كَثِيرُ الوَرق يَنْبُت بِمِصْرَ، وَلَهُ دُهْن مَعْرُوفٌ. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي غَرِيبِهِ.

رَحَمَ

(رَحَمَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» *
وَهُمَا اسْمانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مثْل نَدْمَان ونَدِيم، وهُما مِنْ أبْنِية الْمُبَالَغَةِ. ورَحْمَان أبْلَــغ مِنْ رَحِيمٍ. والرَّحْمَنُ خاصٌّ لِلَّهِ لَا يُسمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُوصَف. والرَّحِيمُ يُوصفُ بِهِ غيرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَالُ: رَجُلٌ رَحِيمٍ، ولا يقال رَحْمَنٌ.
وَفِيهِ «ثلاثٌ يَنْقُصُ بِهِنَّ العَبد فِي الدُّنْيَا، ويُدْرِك بِهِنَّ فِي الْآخِرَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ:
الرُّحْم، والحياءُ، وعِىُّ اللِّسَانِ» الرُّحْمُ بِالضَّمِّ: الرَّحْمَةُ، يُقَالُ رَحِمَ رُحْماً، وَيُرِيدُ بالنقُّصان مَا يَنَال المَرءَ بِقَسْوَةِ الْقَلْبِ، ووَقاحة الوجْه، وبَسْطة اللِّسان الَّتِي هِيَ أضدادُ تِلْكَ الخِصال مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الدُّنْيَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَكَّةَ «هِيَ أمُّ رُحْمٍ» أَيْ أصلُ الرَّحْمَة.
وَفِيهِ «مَنْ مَلَك ذَا رَحِمٍ مَحْرم فَهُوَ حُرُّ» ذُو الرَّحِمِ هُمُ الأقاربُ، ويقعُ عَلَى كُلّ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنك وَبَيْنَهُ نَسَب، ويُطْلق فِي الفَرائِض عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ جِهَةِ النِّساء، يقال ذُو رَحِمٍ مَحْرم ومُحَرَّم، وَهُم مَنْ لَا يَحلُّ نِكاحُه كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. وَالَّذِي ذهَب إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلم مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَيْهِ ذهَب أَبُو حَنِيفَةَ وأصحابُه وَأَحْمَدُ أَنَّ مَن ملكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أنَّه يَعْتِق عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ وَالْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَلَا يَعتْق عَلَيْهِ غيرُهم مِنْ ذَوِي قَرَابتِه. وذهَب مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَعْتِق عَلَيْهِ الولدُ وَالْوَالِدَانِ والإخوةُ، وَلَا يَعْتِق غَيْرُهُمْ.

بَلَغَ

(بَلَغَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «وَاجْعَلْ مَا أنْزَلْتَ لَنَا قُوّة وبَلَاغاً إِلَى حِينٍ» البَلَاغ مَا يَتَبَلَّغُ ويُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُلُّ رَافِعَة رَفَعَت عَنا مِنَ البَلَاغِ فَلْتُبَلِّغْ عنَّا» يُروى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، فَالْفَتْحُ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَا بَلَّغَ مِنَ الْقُرْآنِ والسُّنن، وَالْآخَرُ مِنْ ذَوِي الْبَلَاغِ، أَيِ الذين بَلَّغُونَا يَعْنِي ذوِي التَّبْليغ، فَأَقَامَ الِاسْمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، كَمَا تَقُولُ أَعْطَيْتُهُ عطَاء. وَأَمَّا الْكَسْرُ فَقَالَ الْهَرَوِيُّ: أَرَاهُ مِنَ المُبَالغين فِي التَّبْليغ. يقال بَالَغَ يُبَالِغُ مُبَالَغَةً وبِلَاغاً إذا اجتهدوا فِي الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ. كُلُّ جَمَاعَةٍ أَوْ نَفْسٍ تُبَلِّغُ عَنَّا وَتُذِيعُ مَا نَقُولُهُ فَلْتُبَلِّغْ وَلْتَحْكِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَتْ لعليَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَدْ بَلَغْتَ مِنَّا البُلَغِين» يُروى بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ اللَّامِ. وَهُوَ مَثَل. مَعْنَاهُ قَدْ بَلَغْت مِنَّا كُلَّ مَبْلَغ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: لَقِيتُ مِنْهُ البُرَحِينَ ، أَيِ الدَّواهِي، وَالْأَصْلُ فِيهِ كَأَنَّهُ قِيلَ خَطْب بُلَغٌ أَيْ بَلِيغٌ، وأمْرٌ بُرَحٌ أَيْ مُبَرِّح، ثُمَّ جُمِعا جَمْع السَّلَامَةِ إيذَاناً بأنَّ الْخُطُوبَ فِي شِدَّةِ نِكَايَتِهَا بِمَنْزِلَةِ العُقَلاَء الَّذِينَ لَهُمْ قَصْدٌ وتَعَمُّد.
بَلَغَ المكانَ بُلوغاً: وَصَلَ إليه، أو شارَفَ عليه،
وـ الغُلامُ: أدْرَكَ.
وثَناءٌ أبْلَــغُ: مُبالَغٌ فيه.
وشيءٌ بالِغٌ: جَيِّدٌ، وقد بَلَغَ مَبْلَغاً.
وجارِيَةٌ بالِغٌ وبالِغَةٌ: مُدْرِكَةٌ.
وبُلِغَ الرجُلُ، كعُنِيَ: جُهِدَ.
والتَّبْلِغَةُ: حَبْلٌ يُوصَلُ به الرِشاءُ إلى الكَرَبِ، ج: تَبالِغُ.
وأحْمَقُ بَلْغٌ، ويُكسَرُ،
وبَلْغَةٌ، أي: مَعَ حَماقَتِهِ يَبْلُغُ ما يُريدُ، أو نهايَةٌ في الحُمقِ.
واللَّهُمَّ سَمْعٌ لا بَلْغٌ، وسَمْعاً لا بَلْغاً، ويُكْسرانِ، أي: نَسْمَعُ به ولا يَتمُّ، أو يقولهُ مَن سَمِعَ خَبَرَاً لا يُعْجِبُه.
وأمْرُ اللهِ بَلْغٌ، أي: بالغٌ نافذٌ، يَبْلُغُ أينَ أُريدَ به،
وجَيْشٌ بَلْغٌ: كذلك.
ورجُلٌ بِلْغٌ مِلْغٌ، بكسرهما: خَبيثٌ.
والبَلْغُ، ويكسرُ، وكعِنَبٍ وسَكارَى وحُبارَى: البَليغُ الفَصيحُ، يَبْلُغُ بِعِبارَتِهِ كُنْهَ ضَميره، بَلُغَ ككَرُمَ.
والبَلاغُ، كسَحابٍ: الكِفايَةُ،
والاسمُ من الإِبْلاغِ والتبليغِ، وهما: الإِيصالُ. وفي الحديثِ: "كلُّ رافِعَةٍ رَفَعَتْ علينا مِن البَلاغِ"، أي: ما بَلَغَ من القرآنِ والسُّنَنِ، أو المَعْنَى من ذَوِي البَلاغِ، أي: التَّبْليغِ، أقامَ الاسمَ مُقامَ المَصْدَرِ، ويُرْوَى بالكسر، أي: من المُبالِغِينَ في التَّبْليغِ،
من بالَغَ مُبالَغَةً وبِلاغاً: إذا اجْتَهَدَ ولم يُقَصِّر.
والبَالِغاءُ: الأَكارِعُ، مُعَرَّبُ "بايْهَا".
والبَلاغاتُ: الوِشاياتُ.
والبُلْغَةُ، بالضم: ما يُتَبَلَّغُ به مِنَ العَيْشِ.
والبِلَغِينُ، في قولِ عائشةَ، رضي اللهُ تعالى عنها، لِعَلِيٍّ، رضي الله تعالى عنه: بَلَغْتَ مِنَّا البِلَغِينَ، ويضم أوّلُهُ: الداهِيَةُ، أرَادَتْ: بَلَغْتَ مِنَّا كلَّ مَبْلَغٍ، وقد يُجْرَى إعرابُهُ على النونِ، والياءُ يُقَرُّ بِحَالِهِ، أو تُفْتَحُ النونُ ويُعْرَبُ ما قَبْلَهُ.
وبَلَّغَ الفارِسُ تَبْليغاً: مَدَّ يَدَهُ بِعِنانِ فَرَسِهِ لِيَزيدَ في جَرْيِهِ.
وتَبَلَّغَ بكذا: اكتَفَى به،
وـ المَنزِلَ: تَكَلَّفَ إليه البُلوغَ حتى بَلَغَ،
وـ به العلَّةُ: اشْتَدَّتْ.
وبالَغَ في أمري: لم يُقَصِّرْ.

تَبِعَ

(تَبِعَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيع» التَّبِيع وَلد البَقرة أوَّلَ سَنَةٍ.
وبقَرَة مُتْبِع: مَعَهَا ولدُها.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ فُلَانًا اشْتَرَى مَعْدِنا بِمِائَةِ شَاةٍ مُتْبِع» أَيْ يَتْبَعُها أولادُها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ «وَكُنْتُ تَبِيعاً لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ» أَيْ خَادِمًا. والتَّبِيع الَّذِي يَتْبعك بِحَقّ يُطالِبك بِهِ.
(هـ س) . وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَوالة «إِذَا أُتْبِعَ أحدُكم عَلَى مَلِيءٍ فَلْيُتْبِعْ» أَيْ إِذَا أحِيل عَلَى قَادِرٍ فليَحْتل. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ اتُّبع بتَشديد التَّاء، وَصَوَابُهُ بسكُون التَّاء بِوَزْنِ أُكْرِم، وَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّفْق وَالْأَدَبِ وَالْإِبَاحَةِ.
[هـ] وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمَالُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبِعَة منْ طالِب وَلَا ضَيْف؟ قَالَ: نِعْم الْمَالُ أَرْبَعُونَ، وَالْكَثِيرُ سِتُّون» : يُريد بالتَّبِعَة مَا يَتْبَع المالَ مِنْ نَوَائِب الْحُقُوقِ. وَهُوَ مِنْ تَبِعْتُ الرجُل بِحَقّي.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الأشعَري «اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ وَلَا يَتَّبِعَنَّكُمْ» أَيِ اجْعَلُوهُ أَمَامَكُمْ ثُمَّ اتْلُوه، وَأَرَادَ: لَا تَدَعُوا تِلاَوته والْعَمَل بِهِ فَتَكُونُوا قَدْ جَعَلْتُمُوهُ ورَاءَكُم. وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَطْلُبَنَّكم لتَضْييعكم إِيَّاهُ كَمَا يَطْلب الرجُل صاحِبَه بالتَّبِعًة.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَيْنَا أَنَا أقْرأ آيَةً فِي سِكَّة مِنْ سِكَك الْمَدِينَةِ، إِذْ سَمِعْتُ صوتاً من خَلْفي: أَتْبِعْ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فالتَفتُّ فَإِذَا عُمر، فَقُلْتُ أتْبِعُك عَلَى أبَيّ بْنِ كَعْبٍ» أَيْ أسْنِدْ قِراءتَك مِمَّنْ أخذْتها، وأحِلْ عَلَى مَنْ سَمِعتها مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «تَابِعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ» أَيِ اجْعَلنا نَتَّبِعُهم عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وَاقِد «تَابَعْنَا الْأَعْمَالَ فَلَمْ نَجِد فِيهَا أَبْلَــغَ مِنَ الزُّهْد» أَيْ عَرَفْناها وأحكمْناها. يُقَالُ للرجُل إِذَا أتْقَن الشَّيْءَ وَأَحْكَمَهُ: قَدْ تَابَعَ عملَه.
(س) وَفِيهِ «لَا تَسُبُّوا تُبَّعا فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ كسَا الْكَعْبَةَ» تُبَّع مَلِكٌ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، قِيلَ اسْمُهُ أسْعَد أَبُو كَرِب، والتَّبَابِعَة: مُلُوكُ الْيَمَنِ. قِيلَ كَانَ لَا يُسمَّى تُبَّعا حَتَّى يَمْلِكَ حضرمَوْت وسَبأ وحِمير.
(س) وَفِيهِ «أَوَّلُ خَبَرٍ قَدِم الْمَدِينَةَ- يَعْنِي مِنْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرأةٌ كان لهَا تَابِع من الجِنّ» التابع ها هنا جِنّي يتْبع الْمَرْأَةَ يُحبُّها. والتَّابِعَة جِنّيَّةٌ تتْبع الرجُل تُحِبُّه.

حُبْسٌ

حُبْسٌ:
بالضم ثم السكون، والسين مهملة، والحبس، بالضم، جمع الحبيس، يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفا محرما، قال الزمخشري: الحبس، بالضم، جبل لبني قرّة، وقال غيره: الحبس بين حرّة بني سليم والسوارقية، وفي حديث عبد الله بن حبشيّ:
تخرج نار من حبس سيل، قال أبو الفتح نصر:
حبس سيل، ورواه بالفتح، إحدى حرّتي بني سليم، وهما حرّتان بينهما فضاء كلتاهما أقل من ميلين، وقال الأصمعي: الحبس جبل مشرف على السلماء لو انقلب لوقع عليهم، وأنشد:
سقى الحبس وسميّ السحاب، ولم يزل ... عليه روايا المزن والديم الهطل
ولولا ابنة الوهبي زبدة لم أبل، ... طوال الليالي، أن يحالفه المحل
(حُبْسٌ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «إنَّ خَالِدًا جَعل أدْراعَه وأعْتُدَه حُبْسا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ وقْفاً عَلَى الْمُجَاهِدِينَ وَغَيْرِهِمْ. يُقَالُ حَبَسْت أَحْبِس حَبْسًا، وأَحْبَست أَحْبِس إِحْبَاسا: أَيْ وقَفْت، وَالِاسْمُ الحُبْس بِالضَّمِّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «لَمَّا نَزلَت آيَةُ الْفَرَائِضِ قَالَ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّساء» أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ مالٌ وَلَا يُزْوَى عَنْ وارِثه، وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حَبْسِ مَالِ الْمَيِّتِ ونِسائه، كَانُوا إِذَا كَرِهُوا النِّساء لقُبْحٍ أَوْ قِلَّة مالٍ حَبَسُوهُنَّ عَنِ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الميّت كانو أوْلَى بِهِنَّ عِنْدَهُمْ. وَالْحَاءُ فِي قَوْلِهِ لَا حَبْسَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُومَةً وَمَفْتُوحَةً عَلَى الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَبِّسِ الْأَصْلَ وسَبِّل الثَّمرة» أَيِ اجْعَلْه وقْفاً حَبِيسًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «ذَلِكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ مَوْقوف عَلَى الغُزاة يَرْكَبونه فِي الْجِهَادِ. والحَبِيس فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيح «جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِإِطْلَاقِ الحُبُس» الحُبُس: جَمْعُ حَبِيس، وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَأَرَادَ بِهِ مَا كَانَ أهلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَبِّسُونه ويُحَرِّمونه: مِنْ ظُهُورِ الْحَامِي، والسائِبة، والبَحِيرة، وَمَا أشْبَهها، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بإحْلال مَا حَرّموا مِنْهَا، وَإِطْلَاقِ مَا حَبَّسُوه، وَهُوَ فِي كِتَابِ الهَروي بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الحُبْس الَّذِي هُوَ الْوَقْفُ، فَإِنْ صَحَّ فَيَكُونُ قَدْ خَفَّف الضَّمَّةَ، كَمَا قَالُوا فِي جَمْع رَغِيف رُغْف بِالسُّكُونِ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الواحدَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طهْفَة «لَا يُحْبَس دَرُّكُم» أَيْ لَا تُحْبَس ذَواتُ الدَّرّ- وَهُوَ اللَّبَن- عَنِ المَرْعى بحَشْرِها وسَوْقِها إِلَى المُصَدِّق لِيأخُذَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الإضْرار بِهَا.
وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «ولكنْ حَبَسَهَا حَابِس الفِيل» هُوَ فيلُ أبْرَهَة الحبَشِي الَّذِي جَاءَ يَقْصِد خَراب الْكَعْبَةِ، فحَبَسَ اللَّهُ الْفِيلَ فَلَمْ يَدْخُل الْحَرَمَ، ورَدّ رَأْسَهُ رَاجِعًا مِنْ حيثُ جَاءَ، يَعْنِي أنَ اللَّهَ حَبس نَاقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وصَل إِلَى الحُدَيْبية فَلَمْ تَتَقَدّم وَلَمْ تَدْخُل الحَرمْ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَدْخُل مَكَّةَ بِالْمُسْلِمِينَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ «أَنَّهُ بَعَثَ أَبَا عُبيدة عَلَى الحُبُس» هُمُ الرَجَّالة، سُمُّوا بِذَلِكَ لتَحَبُّسِهم عَنِ الرُّكبان وتأخُّرِهم، وَاحِدُهُم حَبِيس، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَأَنَّهُ يَحْبِس مَنْ يَسِيرُ مِنَ الرُّكبان بِمَسِيرِهِ، أَوْ يَكُونُ الْوَاحِدُ حَابِسًا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَكْثَرُ مَا تُرْوَى الحُبَّسُ- بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَفَتَحْتِهَا- فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَلَا يَكُونُ واحدُها إِلَّا حَابِسًا كشاهِدٍ وشُهَّد، فأمَّا حَبِيس فَلَا يُعْرَف فِي جَمْعِ فَعِيلٍ فُعَّلٌ، وَإِنَّمَا يُعْرف فِيهِ فُعُل كما سبق، كنذِير وَنُذُر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «الحُبُسُ- يَعْنِي بِضَمِّ الْبَاءِ وَالتَّخْفِيفِ- الرَّجَالة، سُمُّوا بِذَلِكَ لحَبْسِهم الخَيَّالة بِبُطْءِ مَشْيِهم، كَأَنَّهُ جمعُ حُبُوس، أَوْ لِأَنَّهُمْ يَتَخَلّفون عَنْهُمْ ويَحْتَبِسُون عَنْ بُلُوغهم، كَأَنَّهُ جمعُ حَبِيس» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «إِنَّ الْإِبِلَ ضُمُر حُبُس مَا جُشّمَتْ جَشِمَتْ» هَكَذَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ . وَقَالَ: الحُبُسُ جَمْعُ حَابِس، مِنْ حَبَسَه إِذَا أخَّره. أَيْ إِنَّهَا صَوَابِرُ عَلَى العَطَش تُؤخِرّ الشُّرب، وَالرِّوَايَةُ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ سَأَلَ: أيْنَ حِبْس سَيَل، فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ تَخْرُج مِنْهُ نَارٌ تُضِيءُ مِنْهَا أعْناق الْإِبِلِ ببُصْرى» الحِبْس بِالْكَسْرِ: خَشَب أَوْ حِجَارَةٌ تُبْنى فِي وسَط الْمَاءِ لِيَجْتَمِع فيَشْرَب مِنْهُ القَوْم ويَسْقُوا إبلَهم. وَقِيلَ هُوَ فُلُوق فِي الحَرَّة يجْتمع بِهَا مَاءٌ لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ أمَّة لوسِعَتْهم.
وَيُقَالُ للمَصْنَعة الَّتِي يجْتَمع فِيهَا الْمَاءُ حِبْس أَيْضًا. وحِبْس سَيل: اسْمُ مَوْضِعٍ بِحَرَّة بَنِي سُليم، بَيْنَهَا وَبَيْنَ السّوارِقيَّة مَسِيرَةُ يَوْمٍ. وَقِيلَ إِنَّ حُبْس سَيْلٍ- بِضَمِّ الْحَاءِ- اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «ذَات حَبِيس» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ. وحَبِيس أَيْضًا مَوْضِعٌ بالرَّقّة بِهِ قُبُورُ شُهَدَاءِ صِفِّين.

حَسَرَ

(حَسَرَ)
(هـ س) فِيهِ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسُرَ الفُرات عَنْ جَبل مِنْ ذَهَبٍ» أَيْ يُكْشَفَ. يُقَالُ: حَسَرْتُ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِي، والثَّوب عَنْ بدَني: أَيْ كَشفْتُهما وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ» أَيْ أخْرجَهما مِنْ كُمَّيْه.
(س) وحديث عائشة «وسُئلَتْ عَنِ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَهَا رجلٌ فَتَحَسَّرَتْ بَيْنَ يَديه» أَيْ قَعدَت حَاسِرَةً مَكشُوفَة الْوَجْهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ عبَّاد «مَا منْ لَيْلَةٍ إلاَّ مَلَك يَحْسُرُ عَنْ دوَاب الغُزاة الكَلال» أَيْ يَكْشِفُ. وَيَرْوِي يَحُسُّ. وَسَيَجِيءُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ابْنُوا الْمَسَاجِدَ حُسَّراً فَإِنَّ ذَلِكَ سِيمَاءُ الْمُسْلِمِينَ» أَيْ مَكْشُوفَةَ الجُدُر لَا شُرَف لَهَا .
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «ابْنُوا الْمَسَاجِدَ جُمًّا» والحُسَّرُ جَمْعُ حَاسِر وَهُوَ الَّذِي لا دِرْع عليه ولا مِغْفَر. (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يومَ الْفَتْحِ عَلَى الحُسَّرِ» جَمْعُ حَاسِر كشَاهِدٍ وشُهَّدٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «فأخذْتُ حَجرا فكسرْتُه وحَسَرْتُهُ» يُرِيدُ غُصْناً مِنْ أغْصان الشَّجَرة: أَيْ قَشَره بِالْحَجَرِ.
(هـ) وَفِيهِ «ادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَسْتَحْسِرُوا» أَيْ لَا تَملُّوا. وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ فِي حَسَرَ إِذَا أَعْيَا وتَعَبَ، يَحْسِرُ حُسُوراً فَهُوَ حَسِيرٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرِيرٍ «وَلَا يَحْسِرُ صاحبها» أَيْ لَا يَتْعَبُ سَاقِيهَا، وَهُوَ أبْلَــغ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الحَسِير لَا يُعْقَرُ» هُوَ الْمُعْيِي مِنْهَا، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَوْ فَاعِلٍ: أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْغَازِي إِذَا حَسَرَتْ دَابَّتُه وأعْيت أن بعقرها مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْعَدُوُّ، وَلَكِنْ يُسَيّبها.
وَيَكُونُ لَازِمًا ومُتعدّيا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حَسَرَ أَخِي فرسا له بعين التمر وَهُوَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ» . وَيُقَالُ فِيهِ أَحْسَرَ أَيْضًا.
(هـ) وَفِيهِ «يَخْرج فِي آخِرِ الزَّمان رجُل يُسَمَّى أَمِيرَ العُصَب، أَصْحَابُهُ مُحَسَّرُونَ مُحَقَّرُونَ» أَيْ مُؤْذَون مَحْمُولُونَ عَلَى الحَسْرَة، أَوْ مَطْرُودون مُتْعَبون، مِنْ حَسَرَ الدَّابة إِذَا أتْعبها.

حَصَرَ

(حَصَرَ)
- فِي حَدِيثِ الْحَجِّ «المُحْصَر بِمَرَضٍ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» الإِحْصَار:
المنْع والحبْس. يُقَالُ: أَحْصَرَه الْمَرَضُ أَوِ السُّلطان إِذَا مَنَعَهُ عَنْ مَقْصِدِهِ، فَهُوَ مُحْصَر، وحَصَرَه إِذَا حَبَسَهُ فَهُوَ مَحْصُور. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ زَوَاجِ فَاطِمَةَ «فَلَمَّا رَأَتْ عَلِيًّا جَالِسًا إِلَى جَنْب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِرَت وبَكَت» أَيِ اسْتَحْيَت وانْقَطَعت، كأَن الْأَمْرَ ضَاقَ بِهَا كَمَا يَضِيقُ الْحَبْسُ عَلَى الْمَحْبُوسِ.
وَفِي حَدِيثِ القِبطيّ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا بقَتْله «قَالَ: فرفَعَت الرِّيحُ ثَوبه فَإِذَا هُوَ حَصُور» الحَصُور: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حبُس عَنِ الْجِمَاعِ ومنُع، فَهُوَ فَعُول بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَهُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ المَجْبُوب الذَّكرِ والأُنْثَيَيْن، وَذَلِكَ أبْلَــغ فِي الحَصْر لِعَدَمِ آلَةِ الْجِمَاعِ.
وَفِيهِ «أفْضَلُ الْجِهَادِ وأجملُه حجٌّ مَبْرُورٌ، ثُمَّ لزُوم الحُصْر» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لأزْواجِه:
«هَذِهِ ثمَّ لُزُومُ الحُصْر» : أَيْ أنَّكُنّ لَا تَعُدْنَ تَخْرجْن مِنْ بُيُوتِكُنَّ وتَلْزَمْنَ الحُصُر، هِيَ جمْع الحَصِير الَّذِي يبْسط فِي الْبُيُوتِ، وتُضَم الصَّادُ وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة «تُعْرض الفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عرْض الحَصِير» أَيْ تُحيط بِالْقُلُوبِ يُقَالُ: حَصَرَ بِهِ الْقَوْمَ. أَيْ أَطَافُوا. وَقِيلَ: هُوَ عِرْق يمتدُّ مُعْتَرِضاً عَلَى جَنْب الدَّابة إِلَى ناحِية بَطْنها، فشَبَّه الْفِتَنَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ ثوبٌ مُزَخْرَف مَنْقُوش إِذَا نُشرَ أَخَذَ القُلوب بحسْن صنْعَتِه، فَكَذَلِكَ الفِتنة تُزَيَّن وتُزَخْرف لِلنَّاسِ، وَعَاقِبَةُ ذَلِكَ إِلَى غُرور.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ سَعْدا الأسْلَمِيَّ قَالَ: رَأَيْتُهُ بالخَذَوَات وَقَدْ حَلَّ سُفرةً مُعَلَّقة فِي مؤخَرة الحِصَار» الحِصارُ: حَقيبة يُرْفَعُ مُؤخِّرها فيُجْعل كَآخِرَةِ الرَّحْل، ويُحْشى مُقدَّمها فَيَكُونُ كقادِمَتِه، وتُشَدّ عَلَى الْبَعِيرِ ويُرْكب. يُقَالُ مِنْهُ: احْتَصَرَت الْبَعِيرُ [بِالْحِصَارِ] .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أخلَق للُملك مِنْ معاوية، كان الناس يَرِدُون مِنْهُ أرجاءَ وادٍ رَحْبٍ، لَيْسَ مِثْلَ الحَصِر العَقِص» يَعْنِي ابْنَ الزُّبَير. الحَصِر: الْبَخِيلُ ، والعَقِص: الملْتَوي الصَّعْبُ الأَخْلاق.

حَصَا

(حَصَا)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُحْصِي» هُوَ الَّذِي أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ بعِلْمه وَأَحَاطَ بِهِ، فَلَا يَفُوتُه دقِيق مِنْهَا وَلَا جَليل. والإِحْصَاء: العَدُّ والحفْظ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الجنَّة» أَيْ مَنْ أَحْصَاهَا عِلْماً بِهَا وَإِيمَانًا. وَقِيلَ: أَحْصَاها: أَيْ حَفِظَها عَلَى قَلْبه. وَقِيلَ: أَرَادَ مَن اسْتَخْرجها مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يَعدَّها لَهُمْ، إِلَّا مَا جَاءَ فِي روايةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وتَكَلَّموا فِيهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ مَن أَطَاقَ العَمَل بِمُقْتَضَاهَا، مِثْل مَنْ يَعْلم أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فيَكُفُّ لسانَه وسَمْعه عمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْأَسْمَاءِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ أخْطَر بِبالِه عِنْدَ ذِكْرها مَعْنَاهَا، وتَفكَّر فِي مَدْلولها مُعَظِّماً لِمُسَمَّاها، ومُقَدِّساً مُعْتَبِراً بمَعانِيها، ومُتَدَبِّراً راغِباً فِيهَا وراهِباً. وبالْجُملة فَفِي كلِّ اسْمٍ يُجْرِيه عَلَى لِسَانِهِ يُخْطِرُ ببالِه الوصْفَ الدَّالَّ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا أَحْصَى ثَناءً عَلَيْكَ» أَيْ لَا أُحْصِي نِعَمَك والثناءَ بِهَا عَلَيْكَ، وَلَا أبْلــغ الواجبَ فِيهِ.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «أكُلَّ القُرآن أَحْصَيْتَ؟» أي حَفِظْت. وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ «أُحْصِيها حَتَّى نَرْجعَ» أَيِ احْفَظيها.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اسْتَقِيموا وَلَنْ تُحْصُوا، واعْلَموا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ» أَيِ اسْتَقِيمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَا تَمِيلوا، ولَنْ تُطِيقوا الِاسْتِقَامَةَ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ
أَيْ لَنْ تُطِيقوا عَدَّه وضَبْطَه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَصَاة» هُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَوِ المُشْتَرِي: إِذَا نَبذْتُ إلَيْك الحصَاةَ فقَدْ وَجَب البَيْع. وَقِيلَ: هُو أَنْ يَقُولَ: بعْتُك مِنَ السِّلَع مَا تَقع عَلَيْهِ حَصَاتُك إِذَا رمَيْتَ بِهَا، أَوْ بِعْتُك مِنَ الْأَرْضِ إِلَى حيثُ تَنْتَهي حصاتُك، والكُلُّ فاسِد لأنَّه مِنْ بُيُوع الجاهِليَّة، وكلُّها غَرَر لِمَا فِيهَا مِنَ الجَهالة. وجَمْع الحَصَاة: حُصِى.
وَفِيهِ «وهَل يكُبُّ الناسَ عَلَى مَناخِرِهم فِي النَّار إلاَّ حَصَا ألْسِنتِهم» هُوَ جَمْع حَصَاة اللِّسان، وَهِيَ ذَرَابَتُه. وَيُقَالُ للعَقْل حَصَاة. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. والمعروفُ: حصَائِد ألْسِنَتهِم. وَقَدْ تقدَّمت.

خَبَأَ

(خَبَأَ)
فِي حَدِيثِ ابن صياد «قَدْ خَبَأْتُ لك خَبْأً» الْخَبْءُ كُلُ شَيْءٍ غَائِب مَسْتُورٍ. يُقَالُ خَبَأْتُ الشيء أَخْبَؤُهُ خَبْأً إذا أخْفَيْتَه والْخَبْءُ والْخَبِيُّ، والْخَبِيئَةُ: الشَّيْءُ الْمَخْبُوءُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «ابْتَغُوا الرِّزْق في خَبَايَا الأرض» هي جَمْعُ خَبِيئَةٍ كخطٍيئَة وخَطَاَياَ، وَأَرَادَ بِالْخَبَايَا الزٍّرع؛ لِأَنَّهُ إِذَا ألقَى البَذْر فِي الْأَرْضِ فَقَدْ خَبَأَهُ فِيهَا. قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ:
ازرَع فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
تَتَبَّعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وادْعُ مَلِيكَهَا ... لَعلَّك يّوْماً أَنْ تُجَابَ وتُرَزَقَا
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا خَبَأَهُ اللَّه فِي مَعَادن الْأَرْضِ.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «قَالَ: اخْتَبَأْتُ عِنْدَ اللَّه خِصاَلاً؛ إِنِّي لَرابعُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا وَكَذَا» أَيِ ادّخَرْتُها وجَعَلْتُها عِنْدَهُ لِي خَبِيئَةً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «ولَفَظَتْ لَهُ خَبِيئُهَا» أَيْ مَا كَانَ مَخْبُوءاً فِيهَا مِنَ النَّبات؛ تَعْنِي الأرضَ، وهو فَعِيلٌ بمعنى مفعول.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «لَمْ أَرَ كَاليَوْم ولاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ» الْمُخَبَّأَةُ: الجَارِيَة الَّتِي فِي خدْرِها لَمْ تَتَزَوّج بعدُ؛ لِأَنَّ صِيَانَتَها أَبْلَــغُ مِمَّنْ قَدْ تزَوّجت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزِّبْرِقان «أبْغَضُ كنَائِني إليِّ الطُّلَعَةُ الْخُبَأَةُ» هِيَ الَّتِي تطَّلعُ مرة ثم تَخْتَبِئُ أخرى.

خَلَقَ

(خَلَقَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْخالِقُ» وَهُوَ الَّذِي أوْجد الْأَشْيَاءَ جميعَها بَعْدَ أَنْ لَمْ تكنْ مَوْجُودة. وَأَصْلُ الخَلْقِ التَّقْدير، فَهُوَ باعتِبار تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وُجُودُها، وَبِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ عَلَى وَفْق التَّقْدِيرِ خَالِقٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ والْخَلِيقَة» الْخَلْقُ: النَّاسُ. والْخَلِيقَةُ: الْبَهَائِمُ. وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ويُريد بِهِمَا جميعَ الْخَلَائِقِ.
وَفِيهِ «لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أثْقَل مِنْ حُسْنِ الْخُلُق» الخُلُقُ- بِضَمِّ اللَّامِ وسُكونها-: الدِّين والطَّبْع والسَّجِيَّة، وحقيقتُه أَنَّهُ لِصُورة الإنسانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسُه وأوْصافُها ومَعانِيها المُخْتصَّة بِهَا بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورته الظَّاهِرَةِ وأوْصافِها ومَعانيها، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنة وقَبيحة، والثَّواب والعِقاب ممَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورة الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلِهَذَا تَكَرَّرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مَدْح حُسْن الخُلُق فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
(س) كَقَوْلِهِ «أكثرُ مَا يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الخُلُقِ» .
(س) وَقَوْلِهِ «أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أحْسنُهم خُلُقا» .
(س) وَقَوْلِهِ «إِنَّ العَبْد ليُدْرِك بحُسْن خُلُقِهِ درجةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» .
وَقَوْلِهِ «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وَأَحَادِيثَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي ذَمّ سُوء الْخُلُق أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ خُلُقُه القرآنَ» أَيْ كَانَ مُتُمسّكاً بِآدَابِهِ وَأَوَامِرِهِ ونَواهيه وَمَا يَشْتَمل عَلَيْهِ مِنَ المَكارم والمَحاسن والألْطاف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَم اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نفسِه شانَه اللَّهُ» أَيْ تكلّفَ أَنْ يُظْهِر مِنْ خُلُقِهِ خِلاف مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ، مِثْل تَصَنَّع وتَجَمَّل إِذَا أظْهَر الصَّنِيع وَالْجَمِيلَ.
وَفِيهِ «لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ» الخَلَاق بِالْفَتْحِ: الحظُّ والنَّصِيب. وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيّ «وَأَمَّا طَعامٌ لَمْ يُصْنَع إِلَّا لَكَ فَإِنَّكَ إِنْ أكَلْتَه إِنَّمَا تَأْكُلُ مِنْهُ بِخَلَاقِك» أَيْ بحَظِّك ونَصِيبك مِنَ الدِّين. قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي طَعام مَن أقْرأه القُرآن، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ»
أَيْ كَذِبٌ، وَهُوَ اْفتِعال مِنَ الخَلْقِ والإبْداع، كَأَنَّ الْكَاذِبَ يَخْلُقُ قَوْلَهُ. وَأَصْلُ الخَلْقِ: التَّقْدِيرُ قبْل القَطْع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أخْتِ أمَيَّة بْنِ أَبِي الصَّلْت «قَالَتْ: فدَخَل عليَّ وَأَنَا أَخْلُقُ أدِيماً» أَيْ أُقَدِّرُه لأقْطَعَه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ خَالِدٍ «قَالَ لَهَا أبْلِــي وأَخْلِقِي» يُرْوَى بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، فَبِالْقَافِ مِنْ إِخْلَاقِ الثَّوب تَقْطِيعه، وَقَدْ خَلُقَ الثوبُ وأَخْلَقَ. وَأَمَّا الْفَاءُ فَبمعْنى العِوَض والبَدَل، وَهُوَ الأشْبَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِخْلَاق بِالْقَافِ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخْلَقُ مِنَ الْمَالِ» أَيْ خِلْوٌ عَارٍ.
يُقَالُ حَجَرٌ أَخْلَقُ: أَيْ أمْلَسُ مُصْمَتٌ لَا يُؤثِّر فِيهِ شَيْءٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَيْسَ الفَقير الَّذِي لَا مالَ لَهُ، إنَّما الفَقير الْأَخْلَقُ الكَسْب» .
أرادَ أَنَّ الفَقْر الأكْبر إِنَّمَا هُوَ فَقْر الْآخِرَةِ، وَأَنَّ فَقْرَ الدنيَا أهوَن الفَقْرَيْنِ. ومَعْنى وصْفِ الكَسْب بِذَلِكَ أنَّهُ وافِر مُنْتَظم لَا يقَع فِيهِ وَكْسٌ وَلَا يَتَحَيَّفه نَقْص، وَهُوَ مَثَل للرَّجُل الَّذِي لَا يُصاب فِي مالِه وَلَا يُنْكَبُ، فَيُثَاب عَلَى صَبْره، فَإِذَا لَمْ يُصَبْ فِيهِ وَلَمْ يُنْكَبْ كانَ فَقِيراً مِنَ الثَّواب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «كُتِب لَهُ فِي امْرأة خَلْقَاءَ تَزوّجَها رجُل، فكَتب إليْه:
إنْ كَانُوا عَلِمُوا بِذَلِكَ- يَعْني أوْلِيَاءها- فأغْرمْهُم صَدَاقها لِزَوْجهَا» الْخَلْقَاءُ: هِيَ الرَّتْقَاء، مِنَ الصَّخْرة المَلْساء المُصْمَتة.
وَفِيهِ ذِكْرُ «الْخَلُوق» قَدْ تَكَرَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ طيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكب يُتَّخذ مِنَ الزَّعْفَرَان وَغَيْرِهِ مِنْ أنْواع الطِّيبِ، وتَغْلب عَلَيْهِ الْحُمرة والصُّفْرة. وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بإباحَتِه وَتَارَةً بالنَّهْي عَنْهُ، والنَّهْيُ أكْثر وأثْبَتُ. وإنَّما نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طِيب النِّساء، وكُنَّ أكْثَر اسْتعمالاً لَهُ مِنْهُمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْي نَاسِخة. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وقَتْلِه أَبَا جَهْل «وَهُوَ كالجَمل الْمُخَلَّق» أَيِ التَّامّ الخَلْق.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحَابِ «واخْلَوْلَقَ بَعْدَ تَفَرُّق» أَيِ اجْتَمع وتَهيَّأ للمَطر وصاَر خَلِيقاً بِهِ. يُقَالُ خَلُقَ بالضَّم، وَهُوَ أَخْلَق بِهِ، وَهَذَا مَخْلَقَة لِذَلِكَ: أَيْ هُوَ أجدَر، وجديرٌ بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ خُطْبة ابْنِ الزُّبَيْرِ «إِنَّ المَوْت قَدْ تَغَشَّاكُم سَحَابُه، وأحْدَق بِكُمْ رَبَابُه، واخْلَوْلَقَ بَعْد تَفَرُّق» وَهَذَا البنَاء للمبَالغة، وَهُوَ افْعَوْعَلَ، كاغْدَوْدَن، واعْشَوْشب.

ذَبَحَ

ذَبَحَ، كمنَعَ، ذَبْحاً وذُباحاً: شَقَّ، وفَتَقَ، ونَحَرَ، وخَنَقَ،
وـ الدَّنَّ: بَزَلَهُ،
وـ اللِّحْيَةُ فلاناً: سالَتْ تحْتَ ذَقَنِه، فَبَدا مُقَدَّمُ حَنَكِه، فهو مَذْبوحٌ بها.
والذِّبْحُ، بالكسر: ما يُذْبَحُ. وكصُرَدٍ وعِنَبٍ: ضَرْبٌ من الكَمْأَةِ. وكصُرَدٍ: الجَزَرُ البَرِّيُّ، ونبتٌ آخَرُ.
والذَّبيحُ: المَذْبوحُ، وإسماعيلُ، عليه السلام،
"وأنا ابنُ الذَّبِيحَيْنِ": لأِن عبدَ المُطَّلِبِ لَزِمَه ذَبْحُ عبدِ اللَّهِ لنَذْرٍ، فَفَداهُ بِمِئَةٍ من الإِبِلِ، وما يَصْلُحُ أن يُذْبَحَ للنُّسُكِ.
واذَّبَحَ، كافْتَعَل: اتَّخَذَ ذَبيحاً.
وتَذابَحوا: ذَبَحَ بَعضُهم بعضاً.
والمَذْبَحُ: مكانهُ، وشَقٌّ في الأرضِ مِقدارُ الشِّبْرِ ونحوِه، وكمِنْبَرٍ: ما يُذْبَحُ به. وكزُنَّارٍ: شُقوقٌ في باطِنِ أصابعِ الرِّجْلَينِ، وقد يُخَفَّفُ. وكغُرابٍ: نَبْتٌ من السُّمومِ، ووجَعٌ في الحَلْقِ.
والمَذابِحُ: المَحاريبُ، والمَقاصيرُ، وبُيوتُ كُتُبِ النَّصارى، الواحِدُ: كمَسْكَنٍ.
والذَّابحُ: سِمَةٌ، أو مِيْسَمٌ يَسِمُ على الحَلْق في عُرْض العُنُقِ، وشَعرٌ يَنْبُتُ بينَ النَّصيلِ والمَذْبَحِ.
وسَعْدٌ الذَّابحُ: كوْكَبانِ نَيِّرانِ بينهما قِيدُ ذِراعٍ، وفي نحرِ أحدِهِما نَجْمٌ صغيرٌ لِقُرْبِه منه كأَنه يَذْبَحُه.
وذُبْحانُ، بالضم: د باليَمَنِ، واسْمُ جَماعةٍ، وجَدُّ والِدِ عُبَيْدِ بن عَمْرٍو الصَّحابِيِّ.
والتَّذْبِيحُ: التَّدْبيحُ.
والذُّبَحَةُ، كهُمَزَةٍ وعِنَبَة وكِسْرَة وصُبْرَةٍ وكِتابٍ وغُرابٍ: وجَعٌ في الحَلْقِ، أو دَمٌ يَخْنُقُ فَيَقْتُلُ.
(ذَبَحَ)
فِي حَدِيثِ الْقَضَاءِ «مَن وُلِّيَ قاضِياً فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سكِّين» مَعْنَاهُ التَّحذِيرُ مِنْ طلبِ القضَاءِ والحرْصِ عَلَيْهِ: أَيْ مَنْ تَصَدَّى للقَضاء وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ. والذَّبْحُ هَاهُنَا مجازٌ عَنِ الهَلاك، فَإِنَّهُ مِنْ أسْرَع أَسْبَابِهِ. وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ يَحتمل وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الذَّبْحَ فِي العُرف إِنَّمَا يَكُونُ بِالسِّكِّينِ فعَدَل عَنْهُ ليُعْلَم أَنَّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ مَا يُخافُ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِ دِينِه دُون هلاكِ بَدنه. وَالثَّانِي أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي يقَعُ بِهِ راحةُ الذَّبيحة وخَلاصُها مِنَ الأَلَم إِنَّمَا يَكُونُ بِالسِّكِّينِ، فَإِذَا ذُبِحَ بِغَيْرِ السِّكِّينِ كَانَ ذَبْحه تَعْذِيبًا لَهُ، فضَرب بِهِ الْمَثَلَ لِيَكُونَ أبلَــغَ فِي الْحَذَرِ وأشدَّ فِي التَّوَقِّي مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ الضَّحية «فَدَعَا بِذِبْحٍ فَذَبَحَهُ» الذِّبْحُ بِالْكَسْرِ مَا يُذْبَحُ مِنَ الأضاحِيّ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَبِالْفَتْحِ الفعلُ نفسُه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوجاً» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: أَيْ أَعْطَانِي مِنْ كُلِّ مَا يجوزُ ذبْحُه مِنَ الإبلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا زَوْجا، وَهِيَ فاعِلةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوِلَةٍ. وَالرِّوَايَةُ المشهورةُ بالراءِ وَالْيَاءِ، مِنَ الرَّواح.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الجنِّ» كَانُوا إِذَا اشْتَرَوْا دَارًا، أَوِ اسْتَخْرَجُوا عَينًا، أَوْ بَنَوْا بُنْيانا ذَبَحُوا ذَبِيحَةً مخافةَ أَنْ تُصيبَهم الجنُّ، فأضِيفت الذَّبَائِحُ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ.
وَفِيهِ «كلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ» أَيْ ذَكِيّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الذَّبح.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرداء «ذَبْحُ الخَمْر المِلحُ والشمسُ والنّينانُ» النِينان جَمْعُ نونٍ وَهِيَ السمكةُ، وَهَذِهِ صِفةُ مُرِّىٍّ يُعْمل بِالشَّامِ؛ تُؤْخَذُ الخَمْر فَيُجْعَلُ فِيهَا الملحُ وَالسَّمَكُ، وتُوضع فِي الشَّمْسِ فتتغَيَّر الْخَمْرُ إِلَى طَعْمِ المُرِّيِّ فَتَسْتَحِيلُ عَنْ هَيْأَتِهَا كَمَا تَسْتحيل إِلَى الخَلِّيَّة. يَقُولُ: كَمَا أَنَّ المَيْتة حَرَامٌ والْمَذْبُوحَةُ حَلَالٌ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ذَبَحَتِ الْخَمْرَ فحلَّت، فَاسْتَعَارَ الذَّبْح لِلْإِحْلَالِ. والذَّبْحُ فِي الْأَصْلِ: الشَّقُّ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ عَادَ البَراء بْنَ مَعْرُور وأخذتْه الذُّبَحَة فأمَر مَن لَعَطَه بِالنَّارِ» الذُّبَحة بِفَتْحِ الْبَاءِ وَقَدْ تُسَكن: وجَع يَعْرِض فِي الحَلْق مِنَ الدَّمِ. وَقِيلَ هِيَ قُرْحَة تظْهر فِيهِ فيَنْسَدّ معها ويَنْقَطع النَّفَس فنَقْتُل.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كوَى أسْعد بْنَ زُرارة فِي حَلْقِه مِنَ الذُّبَحَةِ» .
وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّة وشِعْره:
إِنِّي لأَحْسِبُ قولَه وفِعالَه ... يَوْماً وَإِنْ طالَ الزَّمانُ ذُبَاحاً
هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. والذُّبَاحُ: القَتْل، وَهُوَ أَيْضًا نَبْت يَقْتُل آكلَه. وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ: ريَاحا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مَرْوَانَ «أتِيَ برجُل ارْتَدَّ عَنِ الإِسلام، فَقَالَ كَعْبٌ: أدْخِلوه المَذْبَحَ وضَعُوا التَّوْرَاةَ وحَلِّفُوه بِاللَّهِ» المَذْبَحُ واحدُ الْمَذَابِحِ، وَهِيَ المقاصِير. وَقِيلَ المَحاريب. وذَبَّحَ الرجُلُ:
إِذَا طَأطأ رأسَه لِلرُّكُوعِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّذْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

رَبَبَ

(رَبَبَ)
(هـ) فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَأَنْ تَلِدَ الأمَة رَبَّهَا أَوْ رَبَّتَهَا» الرَّبُّ يُطْلقُ فِي اللُّغة عَلَى المالِك، وَالسَّيِّدِ، والمُدَبِّر، والمُرَبِّي، والقَيِّم، والمُنْعِم، وَلَا يُطلَقُ غيرَ مُضاف إلاَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا أُطلِقَ عَلَى غَيره أُضِيف، فَيُقَالُ رَبُّ كَذَا. وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْر مُطْلَقًا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بالكَثِير، وأرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الموْلَى والسّيِّد، يَعْنِي أنَّ الأَمَة تَلِد لسَيِّدها وَلداً فَيَكُونُ لَهَا كَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَسَبِ كَأَبِيهِ، أَرَادَ أَنَّ السَّبْيَ يَكْثُر والنِّعْمةُ تَظْهَرُ فِي النَّاس فتكثُر السَّرارِي.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ إجابةِ المؤذِّن «اللَّهُم رَبَّ هَذِهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ» أَيْ صاحِبَها. وَقِيلَ المُتَمِّم لَهَا والزَّائد فِي أَهْلِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا وَالْإِجَابَةِ لَهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يَقُل المَمْلوك لسَيِّده رَبِّي» كَرِه أَنْ يَجْعل مالِكَه رَبّاً لَهُ؛ لِمُشَاركة اللَّهِ تَعَالَى فِي الرُّبُوبِيَّة. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ»
فَإِنَّهُ خَاطَبَهُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى مَا كَانُوا يُسَمُّونهم بِهِ. وَمِثْلُهُ قولُ مُوسَى عَلَيْهِ السلام للسَّامِرِي «وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ» أَيِ الَّذِي اتخَذْته إِلَهًا.
(س) فَأَمَّا الْحَدِيثُ فِي ضالَّة الْإِبِلِ «حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» فَإِنَّ البَهَائم غيرُ متعَبَّدة وَلَا مُخَاطَبه فَهِيَ بمنزِلة الأموالِ الَّتِي يَجُوز إضافَةُ مالِكيها إِلَيْهَا وجَعْلُهم أَرْبَاباً لهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «رَبُّ الصُّرَيمَةِ ورَبُّ الغُنَيمةِ» وَقَدْ كثُرَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عروةَ بْنِ مَسْعُودٍ «لمَّا أسْلم وَعَادَ إِلَى قَوْمه دخَل منزِلَه، فأنكَر قومُه دخُولَه قَبْلَ أَنْ يأتِيَ الرَّبَّةَ» يَعْنِي اللاَّتَ، وَهِيَ الصَّخرةُ الَّتِي كَانَتْ تعبُدُها ثَقِيفٌ بالطَّائف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَفْد ثَقِيفٍ «كَانَ لَهُمْ بَيتٌ يُسمُّونه الرَّبَّةَ يُضاهئون بِهِ بيتَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا أَسْلَمُوا هَدمَه المُغِيرة» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ الزُّبَيْرِ «لأَن يَرُبَّنِي بنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غِيرُهم» وَفِي رِوَايَةٍ «وإنْ رَبُّوني رَبَّنِي أكْفَاءٌ كِرامٌ» أَيْ يكونُون عَليَّ أُمَراءَ وسادَةً مُقَدَّمين، يَعْنِي بَنِي أُمَيةَ، فَإِنَّهُمْ فِي النَّسَب إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أقْربُ مِنَ ابْنِ الزُّبَير. يُقَالُ رَبَّهُ يَرُبُّهُ:
أَيْ كَانَ لَهُ رَبّاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ لِأَبِي سُفيان بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ حُنين: «لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رجلٌ مِنْ هَوَازِن» .
(هـ) وَفِيهِ «ألَك نِعْمَةٌ تَرُبُّهَا» أَيْ تَحْفَظُها وتُراعيها وتُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي الرَّجُلُ وَلَدَهُ.
يُقَالُ: رَبَّ فُلان وَلَدَهُ يَرُبُّهُ رَبّاً ورَبَّبَهُ ورَبَّاهُ، كلُّه بِمَعْنًى واحِد.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا تأخُذ الأكُولَة وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْماخِضَ» الرُّبَّى الَّتِي تُرَبَّى فِي الْبَيْتِ مِنَ الغَنم لِأَجْلِ اللَّبن. وَقِيلَ هِيَ الشاةُ القَرِيبة العَهْد بِالْوِلَادَةِ، وجمعُها رُبَابٌ بالضَّم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَا بَقِيَ فِي غَنَمِي إلاَّ فحلٌ أَوْ شاةٌ رُبَّى» .
(س) وفي حَدِيثُ النَّخَعِي «لَيْسَ فِي الرَّبَائِبِ صدقةٌ» الرَّبَائِبُ: الغنَم الَّتِي تَكُونُ فِي البيتِ، وَلَيْسَتْ بسَائِمةٍ، واحدتُها رَبِيبَةٌ بِمَعْنَى مَرْبُوبَةٍ، لأنَّ صاحبهَا يَرُبُّهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ لنَا جِيرَانٌ مِنَ الأنْصار لَهُم رَبَائِبُ، فكانُوا يبعَثُون إِلَيْنَا مِنْ ألْبانِها» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّما الشَّرطُ فِي الرَّبَائِبِ» يريدُ بناتِ الزَّوجات مِن غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ الَّذِينَ مَعَهنّ. وَفِي حَدِيثِ ابنِ ذِي يَزن:
أُسْدٌ تُرَبِّبُ فِي الغَيْضَاتِ أشْبالاَ أَيْ تُرَبّي، وَهُوَ أبلــغُ مِنْهُ وَمِنْ تَرُبُّ، بِالتَّكْرِيرِ الَّذِي فِيهِ.
وَفِيهِ «الرَّابُّ كافلٌ» هُوَ زوجُ أمِّ اليَتِيم، وَهُوَ اسمُ فَاعِلٍ، مِنْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ: أَيْ أَنَّهُ تكفَّل بأمْرِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «كَانَ يكْرَه أَنْ يتَزوّج الرَّجُلُ امرأةَ رَابِّهِ» يَعْنِي امْرَأَةَ زَوج أمّهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُرَبّيه.
(س) وَفِي حَدِيثِ المُغيرة «حملُها رِبَابٌ» رِبَابُ المَرأةِ: حِدْثانُ ولادَتها. وَقِيلَ هُوَ مَا بَيْنَ أَنْ تضعَ إِلَى أَنْ يأتِيَ عَلَيْهَا شَهْران. وَقِيلَ عِشْرُون يَوْمًا، يُريد أَنَّهَا تَحْمِلُ بَعْدَ أَنْ تلِد بيَسير، وَذَلِكَ مذمُومٌ فِي النِّساءِ، وَإِنَّمَا يُحْمَد أَنْ لَا تَحْمل بَعْدَ الوَضع حَتَّى تُتِمَّ رَضَاع وَلدها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُريح «إِنَّ الشَّاةَ تُحْلَبُ فِي رِبَابِهَا» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا «فَإِذَا قَصْرٌ مثلُ الرَّبَابَةِ البَيضاء» الرَّبَابَةُ- بِالْفَتْحِ- السَّحَابة الَّتِي ركبَ بعضُها بَعْضًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «وأحْدَقَ بكُم رَبَابُهُ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ غِنًى مُبْطِرٍ وفَقْر مُرِبٍّ» أَوْ قَالَ «مُلِبٍّ» أَيْ لازمٍ غَيْرِ مُفارق، مِنْ أَرَبَّ بِالْمَكَانِ وألَبَّ: إِذَا أقامَ بِهِ ولَزِمه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ رَبَّانِيٌّ» هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّب بزيادَةِ الألفِ والنُّونِ للمُبَالغة. وَقِيلَ هُوَ مِنَ الرَّبِّ بِمَعْنَى التَّرْبِيَة، كَانُوا يُرَبُّون المُتَعلّمين بصِغَار العُلُوم قَبْلَ كِبَارِها، والرَّبَّانيُّ: العالِم الراسِخُ فِي العِلْم والدِّين. أَوِ الَّذِي يَطْلب بِعلْمه وجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ العالِم العامِل المُعلِّم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ حِينَ تُوفِّي ابنُ عَبَّاسٍ: «مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأمَّة» .
(س) وَفِي صِفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كأنَّ عَلَى صَلعَتِه الرُّبَّ مِنْ مِسْك وعَنْبر» الرُّبُّ مَا يُطْبخ مِنَ التَّمر، وَهُوَ الدِّبسُ أَيْضًا. 

سَبَغَ

سَبَغَ الشيءُ سُبُوغاً: طالَ إلى الأَرْضِ،
وـ النِعْمَةُ: اتَّسَعَتْ،
وـ لِبَلَدِه: مالَ إليه ووَصَلَهُ.
وناقَةٌ سابِغَةٌ الضُّلُوعِ، وعَجِيزَةٌ، وألْيَةٌ، وعِمَّةٌ، ومَطْرَةٌ.
ودِرْعٌ سابِغَةٌ: تامَّةٌ طَويلَةٌ.
ولِثَةٌ سابِغَةٌ: قَبِيحَةٌ.
وفَحْلٌ سابِغٌ: طَويلُ الجُرْدانِ.
وبَيْضَةٌ لها سابِغٌ، أي: لها تَسابُغٌ،
وتَسْبِغُها وتَسْبِغَتُها، ويُفْتَحُ ثالِثُهُما: ما تُوصَلُ به البَيْضَةُ من حَلَقِ الدِرْعِ فَتَسْتُرُ العُنُقَ.
والسَّبْغَةُ: السَّعَةُ، والرَّفاهِيَةُ.
ورجُلٌ سُبُغٌ، كعُنُقٍ: عليه دِرْعٌ سابِغَةٌ.
وأسْبَغَ اللَّهُ النِعْمَةَ: أتَمَّها،
وـ الوُضُوءَ: أبْلَــغَهُ مَواضِعَهُ، ووَفَّى كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ.
وسَبَّغَتِ الحامِلُ تَسْبيغاً: ألْقَتْ ولَدَها وقد أشْعَرَ.
(سَبَغَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَتْل أُبَىّ بْنِ خَلَف «زَجَلَه بالحرْبة فتقَعُ فِي تَرْقُوَته تَحْتَ تَسْبِغَةِ البَيْضَةِ» التَّسْبِغَةُ: شىءٌ مِنْ حَلَق الدُّرُوع والزَّرَد يُعَلَّق بالخُوذَة دَائِرًا مَعَهَا لِيَسْتُرَ الرّقبة وجيب الدّرع. (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ «إنَّ زَردَتَين مِنْ زَرَد التَّسْبِغَةِ نَشِبتاً فِي خَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ أُحُدٍ» وَهِيَ تَفْعِلة مصدرُ سَبَّغَ، مِنَ السُّبُوغ: الشُّمُول.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ اسْمُ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو السُّبُوغِ» لتَمامها وسَعَتِها.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ «إِنْ جَاءَتْ بِهِ سَابِغَ الأليتين» أى تامّها وعَظِيمَهما، مِنْ سُبُوغِ الثَّوب والنّعمِة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيْحٍ «أَسْبِغُوا لليَتيم فِي النَّفَقَةِ» أَيْ أنْفِقُوا عَلَيْهِ تمامَ مَا يحتاجُ إِلَيْهِ، وَوَسِّعُوا عَلَيْهِ فِيهَا.

مَلَحَ

(مَلَحَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تُحَرِّمُ المَلْحَةُ والمَلْحَتان» أَيِ الرّضْعة والرَّضْعتان. فَأَمَّا بِالْجِيمِ فَهُوَ المَصَّة. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
والمِلْحُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الرَّضْع. والمُمَالَحة: المُراضَعةُ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدِ هَوَازِنَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّا لَوْ كُنَّا مَلَحْنا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، أَوْ للنُّعمان بْنِ المُنْذِر، ثُمَّ نَزَل مَنْزِلَك هَذَا مِنَّا لَحَفِظَ ذَلِكَ فِينَا، وَأَنْتَ خيْرُ الْمَكْفُولِينَ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ» أَيْ لَوْ كُنَّا أَرْضَعْنَا لَهُمَا. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَرْضَعاً فِيهِمْ، أرضَعَتْه حليمةُ السَّعْدية.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ ضَحَّى بكَبْشين أَمْلَحَين» الأَمْلَحُ : الَّذِي بياضُه أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ.
وَقِيلَ : هُوَ النَّقِيُّ البَياض.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُؤتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ خَبَّابٍ «لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ مَلحاءُ» أَيْ بُرْدَةٌ فِيهَا خُطوط سودٌ وبيضٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبيد بْنِ خَالِدٍ «خرجتُ فِي بُردَينِ وَأَنَا مُسْبِلُهما، فالتَفتُّ فَإِذَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ مَلْحَاءُ، قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ مَلْحاءَ، أَمَا لَكَ فيَّ أسْوةٌ؟» .
(هـ) وَفِيهِ «الصادقُ يُعْطَى ثلاثَ خِصالٍ: المُلْحَةَ، والمحبَّةَ، والمَهابةَ» المُلْحة بِالضَّمِّ:
البَركةُ. يُقَالُ: كَانَ ربيعُنا مَمْلُوحاً فِيهِ: أَيْ مُخْصِباً مبارَكاً. وَهُوَ مِنْ تَمَلَّحَت الماشيةُ، إِذَا ظَهر فِيهَا السِّمَن مِنَ الرَّبيع.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَتْ لَهَا امرأةٌ: أزُمُّ جَمَلِي، هَلْ عليَّ جُناحٌ؟ قَالَتْ: لَا، فَلَمَّا خرجَت قَالُوا لَهَا: إِنَّهَا تَعْني زوجهَا، قَالَتْ: رُدُّوها عليَّ، مُلْحةٌ فِي النَّارِ، اغْسِلُوا عَنِّي أثَرَها بِالْمَاءِ والسِّدْر» المُلْحَةُ: الكلمةُ المَلِيحةُ. وَقِيلَ: القبيحةُ.
وَقَوْلُهَا: «اغْسِلُوا عَنِّي أثَرَها» تَعني الكلمةَ الَّتِي أذِنَت لَهَا بِهَا، رُدُّوها لأُعْلِمَها أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ ضَرَب مَطْعم ابن آدَمَ لِلدُّنْيَا مَثَلاً، وَإِنْ مَلَحَه» أَيْ ألْقَي فيه المِلْحَ بِقَدرٍ لِلْإِصْلَاحِ. يُقَالُ مِنْهُ: مَلَحْتُ القِدْرَ، بِالتَّخْفِيفِ، وأَمْلَحْتُهَا، ومَلَّحْتُها، إِذَا أكثْرتَ مِلْحَها حَتَّى تَفْسُد.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «وَأَنَا أشَربُ ماءَ المِلْحِ» يُقَالُ: ماءٌ مِلْحٌ، إِذَا كَانَ شديدَ المُلوحة، وَلَا يُقَالُ: مالِحٌ، إلاَّ عَلَى لُغَةٍ لَيْسَتْ بالعالية.
وقوله «ماءَ المِلْحِ» مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ «عَناقٌ قَدْ أُجِيدَ تَمليحُها وأُحْكِمَ نَضْجُها» التَّمْلِيحُ هَاهُنَا: السَّمْطُ، وَهُوَ أخْذُ شَعْرِها وصُوفِها بِالْمَاءِ.
وَقِيلَ: تَمْلِيحُها: تَسْمينُها، مِنَ الجَزُور المُمَلَّح، وَهُوَ السَّمينُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «ذُكِرت لَهُ النُّورة فَقَالَ: أتُريدون أَنْ يَكُونَ جِلْدِي كجِلد الشاةِ المَمْلُوحةِ» يُقَالُ: مَلَحْتُ الشاةَ ومَلَّحْتُها، إِذَا سَمَطْتَها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ «وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلَاحةً» أَيْ شديدةَ الملاحةِ، وَهُوَ مِنْ أبْنِية المُبالغة.
وَفِي كِتَابِ الزَّمَخْشَرِيِّ: «وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلاحةً: أَيْ ذاتَ مَلاحةٍ. وفُعَالٌ مبالغةٌ فِي فَعِيلٍ.
نَحْوُ كريمٍ وكُرَامٍ، وكبيرٍ وكُبَارٍ. وفُعَّالٌ مُشَدَّدٌ أبْلَــغُ مِنْهُ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ظَبْيانَ «يَأْكُلُونَ مُلَّاحَها، ويَرْعَون سِراحَها» المُلَّاحُ: ضَرْبٌ مِنَ النَّباتِ. والسِّراح: جمعُ سَرْحٍ، وهو الشجرُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُخْتَارِ «لَما قَتل عُمَرَ بنَ سَعْدٍ جَعل رأسَه فِي مِلَاحٍ وعَلَّقه» المِلَاحُ:
المِخْلاةُ، بلُغةِ هُذَيلٍ. وَقِيلَ: هُوَ سِنانُ الرُّمْحِ.

شَحَحَ

(شَحَحَ)
(س) فِيهِ «إِيَّاكُمْ والشُّحَّ» . الشُّحُّ: أشدُّ البُخْل، وَهُوَ أبلَــغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ البُخل. وَقِيلَ هُوَ البخلُ مَعَ الحِرْص. وَقِيلَ البُخل فِي أفْرَاد الْأُمُورِ وَآحَادِهَا، والشُّحُّ عامٌّ:
وَقِيلَ البُخل بالمالِ، والشُّحُّ بالمالِ وَالْمَعْرُوفِ. يُقَالُ شَحَّ يَشُحُّ شَحّاً، فَهُوَ شَحِيحٌ.
وَالِاسْمُ الشُّحُّ.
(س) وَفِيهِ «بَرِئَ مِنَ الشُّحِّ مَنْ أدَّى الزكاةَ وقَرَى الضّيفَ، وأعْطَى فِي النائِبة» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنْ تتَصدَّق وَأَنْتَ صحيحٌ شَحِيحٌ تأمُلُ البَقاَءَ وتخشَى الفَقْر» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنِّي شَحِيحٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ شُحُّكَ لَا يَحْمِلك عَلَى أَنْ تأخُذ مَا لَيْسَ لَكَ فَلَيْسَ بِشُحِّكَ بأسٌ» . (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا أُعطى مَا أقْدرُ عَلَى مَنْعه، قَالَ: ذَاكَ البُخل، والشُّحُّ أَنْ تأخُذَ مَال أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقِّهِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ قَالَ: الشُّحُّ منعُ الزَّكاة وإدخالُ الْحَرَامِ» .

طَوُلَ

(طَوُلَ)
(س) فِيهِ «أُوتيتُ السَّبْعَ الطُّوَلَ» الطُّوَل، بِالضَّمِّ: جمعُ الطُّولَى، مِثْلَ الكُبَر فِي الكُبْرى.
وَهَذَا البنَاءُ يلزمُه الْأَلِفُ واللامُ والإضافةُ. والسَّبع الطُّوَل هِيَ البَقَرة، وَآلُ عِمران، والنِّساء، والمَائِدة، والأنْعَام، والأعْراف، والتَّوبة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة «أَنَّهُ كَانَ يقرأُ فِي المَغْرب بِطُولَى الطُّولَيَيْن» الطُّولَيَيْن: تَثْنِية الطُّولَى، ومُذكَّرُها الأَطْوَل: أَيْ أَنَّهُ كَانَ يقْرأ فِيهَا بأَطْوَل السُّوَرَتين الطَّوِيلَتَيْن. تَعْني الأنْعَام والأعْرَافَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ «فطَالَ العبَّاسُ عَمَر» أَيْ غَلَبه فِي طُول القَامة، وَكَانَ عُمَرُ طَوِيلا مِنَ الرِّجال، وَكَانَ العبَّاس أشدَّ طُولًا مِنْهُ.
ورُوَي أَنَّ امْرأًة قالَت: رأيتُ عبَّاساً يَطُوف بالبيتِ كأَنَّه فُسْطَاط أبْيَضُ، وكانَت رَأتْ علىّ ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ فَرَعَ الناسَ طُولا، كَأَنَّهُ رَاكبٌ مَعَ مُشَاة، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا فأُعْلِمْتَ، فَقَالَتْ: إنَّ النَّاسَ ليَرْذُلُونَ. وَكَانَ رَأْسُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَنْكِب أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، ورَأسُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَنْكِب العبَّاس، ورأسُ العبَّاس إِلَى مَنكب عَبْدِ المطلب. (س) وَفِيهِ «اللَّهُمَّ بِكَ أُحاول وَبِكَ أُطَاوِل» أُطَاوِلُ: مُفاعَلة مِنَ الطَّوْل بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الفَضْل والعُلُوّ عَلَى الأعْداء.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الرَّبُّ بفَضْله» أَيْ تَطَوَّلَ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ: طارَقْتُ النَّعْل، فِي إطْلاقها عَلَى الوَاحد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لأزْواجه: أوَّلُكُنَّ لُحوقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً، فاجْتَمَعْن يَتَطَاوَلْنَ، فَطَالَتْهُنَّ سودةُ، فماتَت زينَبُ أوَّلَهُنّ» أرادَ أمَدَّكُنَّ يَدًا بالعَطاء، مِنَ الطَّوْل، فظَنَنَّه مِنَ الطَّوْل. وكانَت زينَبُ تَعْمَلُ بيدِها وتَتَصدقَّ بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ كَانَا يَتَطَاوَلَانِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَاوُلَ الفَحْلَين» أَيْ يَسْتَطِيلَان عَلَى عَدوّه ويتَبارَيان فِي ذَلِكَ ليكونَ كُلُّ واحدٍ منهُمَا أبْلَــغ فِي نُصْرَته مِنْ صَاحِبه، فشُبّه ذَلِكَ التَّبَارِي والتَّغَالب بتَطَاوُلِ الفَحْلَين عَلَى الْإِبِلِ، يَذُبُّ كلُّ وَاحِدٍ منهُما الفُحُولَ عَنْ إِبِلِهِ ليَظْهر أيُّهما أكثرُ ذَبًّا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «فتَفرَّق الناسُ فِرَقاً ثَلَاثًا: فصامِتٌ صَمْتُهُ أنفذُ مِنْ طَوْلِ غَيره» ويُروى «مِنْ صَوْل غَيْرِهِ» أَيْ إمْسَاكه أشدُّ مِنْ تَطَاوُلِ غَيره. يُقَالُ: طَالَ عليه، واسْتَطَالَ، وتَطَاوَلَ، إذا علاوه وتَرْفَّعَ عَلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أرْبَى الرِّبا الاسْتِطَالَة فِي عِرْضِ النَّاسِ» أَيِ اسْتِحْقَارُهُمْ، وَالتَّرَفُّعُ عَلَيْهِمْ، والوَقيعةُ فِيهِمْ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ «ورجلٌ طَوَّلَ لَهَا فِي مَرْج فقَطَعَتْ طِوَلَها» .
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فأَطَالَ لَهَا فقَطعت طِيَلَها» الطِّوَل والطِّيَل بِالْكَسْرِ: الحبْل الطَّوِيل يُشَدُّ أَحَدُ طَرَفَيه فِي وتِد أَوْ غَيره والطَّرَف الْآخَرُ فِي يَد الفَرس ليَدُورَ فِيهِ ويَرْعَى وَلَا يَذْهَب لوجْهِه. وطَوَّلَ وأَطَالَ بِمَعْنًى: أَيْ شدّها في الحبل. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لِطِوَلِ الفَرسِ حِمًى» أَيْ لصَاحِب الفَرَس أَنْ يَحْمِيَ الموضعَ الَّذِي يَدُورُ فِيهِ فَرَسُه المشدُودُ فِي الطِّوَل إِذَا كانَ مبُاحا لاَ مالِكَ لَهُ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ ذَكَرَ رجُلا مِنْ أصْحابه قُبِض فكُفِّن فِي كَفَنٍ غيِر طَائِل» أَيْ غَيرِ رَفِيع وَلَا نَفِيس. وأصلُ الطَّائِل: النَّفْع والفائِدة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَتْل أَبِي جَهْلٍ «ضَرْبْتُه بسَيفٍ غَيرِ طَائِل» أَيْ غَيْرِ ماضٍ وَلَا قَاطِع، كَأَنَّهُ كَانَ سَيفاً دُوناً بينَ السُّيوف.

عَدَلَ

(عَدَلَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «العَدْل» هُوَ الَّذي لَا يَمِيل بِهِ الهَوَى فيَجُور فِي الحُكْم، وَهُوَ فِي الأصْل مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ فوُضع موضعَ العَادِل، وَهُوَ أَبْلَــغُ مِنْهُ لِأَنَّهُ جُعِل المُسَمَّى نفسُه عَدْلًا.
(هـ) وَفِيهِ «لَمْ يَقْبل اللَّهُ مِنْهُ صَرْفا وَلَا عَدْلًا» قَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَدِيثِ. والعَدْل:
الفِدْية وَقِيلَ: الفَرِيضَة. والصَّرف: التَّوبَة. وَقِيلَ النَّافِلَة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ قَارِئِ الْقُرْآنِ وصاحِب الصّدقة «فقال: ليست لهما بعَدْلٍ بعِدْلٍ» قد تَكَرَّرَ ذِكْرُ العِدْل والعَدْل بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فِي الْحَدِيثِ. وَهُمَا بِمَعْنَى المِثْل. وَقِيلَ: هُوَ بِالْفَتْحِ مَا عَادَلَه مِنْ جنْسِه، وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جنْسِه. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالُوا: مَا يُغْني عنَّا الإسْلامُ وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ» أَيْ أشْرَكنا بِهِ وجَعَلنا لَهُ مِثْلا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَذَبَ العَادِلُون بِكَ إِذْ شَبَّهُوك بأصْنامهم» .
(س) وَفِيهِ «العِلْم ثلاثَةٌ مِنْهَا فريضَةٌ عَادِلَة» أرادَ العَدْل فِي القِسْمة: أَيْ مُعَدَّلَة عَلَى السِّهام المذكُورة فِي الكِتَاب والسُّنة مِنْ غَيْرِ جَوْر. ويَحتمل أَنْ يُريد أَنَّهَا مُسْتَنبَطَةٌ مِنَ الكِتاب والسُّنة، فتكونُ هَذِهِ الفريضَةُ تُعْدَلُ بِمَا أُخِذ عَنْهُمَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ المِعْراج «فأتيتُ بإنَاءَيْن، فعَدَّلْتُ بَيْنَهُمَا» يُقَالُ هُوَ يُعَدِّل أمْرَه ويُعَادِلُه إِذَا تَوقَّف بَيْنَ أمْرين أَيُّهَمَا يَأْتِي، يُريد أنَّهما كَانَا عندَه مُسْتَوِيَيْن لَا يَقْدِر عَلَى اخْتيار أَحَدِهِمَا وَلَا يَتَرجَّح عندَه، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَلَ عَنْهُ يَعْدِلُ عُدُولًا إِذَا مالَ، كَأَنَّهُ يَميل مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْآخَرِ.
(س) وَفِيهِ «لَا تُعْدَل سَارِحَتُكم» أَيْ لَا تُصْرف ماشِيَتُكم وتُمال عَنِ المَرْعى وَلَا تُمْنَع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «إِذْ جَاءَتْ عَمّتي بِأَبِي وَخَالِي مَقْتُولين عَادَلْتُهُما عَلَى ناضِحٍ» أَيْ شَددْتهُما عَلَى جَنْبَيِ الْبَعِيرِ كالعِدْلَيْن.

عَرْقَبَ

(عَرْقَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ «كَانَ يَقُولُ للجزَّار: لَا تُعَرْقِبْها» أَيْ لَا تَقْطَعْ عُرْقُوبَها، وَهُوَ الوَتَرُ الَّذِي خَلْفَ الكَعْبَين بَيْنَ مَفْصِل القَدَم والسَّاق مِنْ ذَوات الأْرَبع، وَهُوَ مِنَ الْإِنْسَانِ فُوَيْقَ العَقِب.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
كانَتْ مَوَاعيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إلاَّ الأَباطيلُ
عُرْقُوب: هُوَ ابنُ مَعْبَدٍ، رجُلٌ مِنَ العَمَالقَة كَانَ وعَد رَجُلا ثمر نخْلَة، فجاءه حين أطْلَعَتْ فَقَالَ: حَتَّى تَصِير بَلَحاً، فَلَمَّا أبْلَــحت قَالَ: دَعها حَتَّى تَصير بُسْراً، فَلَمَّا أبْسَرَت قَالَ: دَعْها حَتَّى تَصير رُطَبا، فَلَمَّا أرْطَبَت قَالَ: دَعْها حَتَّى تَصير تَمْراً، فَلَمَّا أتْمَرت عَمَد إِلَيْهَا مِنَ اللَّيْلِ فجدَّها وَلَمْ يُعْطِه مِنْهَا شَيْئًا، فَصَارَتْ مَثَلًا فِي إخْلافِ الوعْدِ.

عَهِدَ

(عَهِدَ)
فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتطعتُ» أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى مَا عَاهَدْتُك عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدانِيَّتك، لَا أزُول عَنْهُ، واسْتَثْنى بِقَوْلِهِ «مَا اسْتَطَعَت» موضِع القَدَر السَّابق فِي أمْرِه: أَيْ إِنْ كَانَ قَدْ جَرَى الْقَضَاءُ أنْ أنْقُضَ العَهْد يَوْمًا مَا، فَإِنِّي أُخْلِدُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى التَّنَصُّل والاعْتِذَار لِعَدم الاسْتِطاعة فِي دَفْع مَا قَضَيْتَه عليَّ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنِّي مُتَمسّك بِمَا عَهِدْتَه إليَّ مِنْ أمْرك ونَهْيك، ومُبْليِ العُذْر فِي الْوَفَاءِ بِهِ قَدْرَ الوُسْع والطَّاقة، وَإِنْ كنْتُ لَا أقْدِرُ أَنْ أبلــغ كنه الواجب فيه. (هـ س) وَفِيهِ «لَا يُقْتَل مُؤمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْد فِي عَهْدِهِ- أَيْ وَلَا ذُو ذِمّة فِي ذِمّته- وَلَا مُشْرِكٌ أُعْطِي أَمَانًا فدَخل دارَ الْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَل حَتَّى يَعُود إِلَى مأْمَنه» .
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ بمُقْتَضى مَذهب الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: لَا يُقْتل المسْلمُ بِالْكَافِرِ مُطلقا، مُعَاهَداً كَانَ أَوْ غيرَ مُعَاهَدٍ، حَرْبيَّا كَانَ أَوْ ذِمِّيّاً، مُشْرِكاً [كَانَ ] أَوْ كِتابِياً، فأجْرى اللَّفظ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُضْمِر لَهُ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُ نَهَى عَنْ قتل المسلم بالكافر، وَعَنْ قَتْل المُعَاهَد، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ «لَا يُقْتَل مسْلم بِكَافِرٍ» لئلَّا يتَوهَّم مُتوهِّم أَنَّهُ قَدْ نُفِيَ عَنْهُ القَوَدُ بقَتْله الْكَافِرَ فَيَظنُّ أَنَّ المُعَاهَد لَوْ قَتَلَهُ كَانَ حُكمه كَذَلِكَ، فَقَالَ: «وَلَا ذُو عَهْد فِي عَهْدِه» وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، مُنْتَظِما فِي سِلْكه مِنْ غَيْرِ تَقْدِير شَيْءٍ مَحْذُوفٍ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فإنَّه خَصَّص الْكَافِرَ فِي الْحَدِيثِ بالحرْبِي دُون الذِّمِّي، وَهُوَ بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ، لأنَّ مِن مَذهبه أَنَّ المسلمَ يُقْتل بالذِّمِّي، فَاحْتَاجَ أَنْ يُضْمر فِي الْكَلَامِ شَيْئًا مُقدَّراً، ويَجعل فِيهِ تقَدْيماً وَتَأْخِيرًا، فَيَكُونُ التقَّدير: لَا يُقْتل مسْلمٌ وَلَا ذُو عَهْد فِي عَهْده بِكَافِرٍ: أَيْ لَا يُقْتَل مُسْلِمٌ وَلَا كافِرٌ مُعَاهَد بِكَافِرٍ، فَإِنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَكُونُ مُعَاهَدا وغيرَ مُعَاهَد.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ قَتل مُعَاهَداً لَمْ يَقْبَل اللهُ مِنْهُ صَرْفا وَلَا عَدْلا» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ بِالْفَتْحِ أَشْهَرُ وأكثرَ.
والمُعَاهَد: مَن كَانَ بَيْنك وبَيْنَه عَهْد، وأكثرُ مَا يُطْلَق فِي الْحَدِيثِ عَلَى أهْل الذِّمة، وَقَدْ يُطلق عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الكُفَّار إِذَا صُولحوا عَلَى تَرْك الحَرْب مُدّةً مَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَحِلُّ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَا لقطةُ مُعَاهَدٍ» أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَملَّك لُقَطَتُه الْمَوْجُودَةُ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّهُ مَعْصُوم الْمَالِ، يَجْري حُكْمُه مَجْرى حُكم الذِّمِّي.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «العَهْد» فِي الْحَدِيثِ. وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَالْأَمَانِ، وَالذِّمَّةِ، والحِفَاظ، وَرِعَايَةِ الحُرْمَة، والوَصَّية. وَلَا تَخْرج الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ عَنْ أحَد هَذِهِ المَعَانِي.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حُسْنُ العَهْد من الإيمان» يريد الحفاظ ورعاية الحرمة. (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَمَسَّكُوا بعَهْدِ ابنْ أُمِّ عَبْدٍ» أَيْ مَا يُوصِيكُمْ بِهِ وَيَأْمُرُكُمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حديثُه الْآخَرُ «رَضِيتُ لأمَّتي مَا رَضِيَ لَهَا ابنُ أُمِّ عَبْدِ» لمَعرِفته بشَفقته عَلَيْهِمْ ونَصِيحتِهِ لَهُمْ.
وابنُ أُمِّ عَبْدِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «عَهِدَ إليَّ النبيُّ الْأُمِّيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ أوْصَى.
وَحَدِيثُ عَبْد بْنِ زَمْعةَ «هُوَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إليَّ فِيهِ أخِي» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وَلَا يَسْألُ عمَّا عَهِدَ» أَيْ عَمَّا كَانَ يَعْرِفه فِي البيْت مِنْ طعَام وشَراب وَنَحْوِهِمَا، لِسَخائه وسَعَة نَفْسِه.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمة «قَالَتْ لِعَائِشَةَ: وتَرَكْتِ عُهَّيْدَاه» العُهَّيْدَى- بِالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ- فُعَّيْلَى، مِنَ العَهْد، كالجُهَّيْدَى مِنَ الْجَهْد، والعُجَّيْلَى مِنَ العَجَلَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُقْبة بْنِ عَامِرٍ «عُهْدَة الرَّقيق ثلاثةُ أَيَّامٍ» هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرقيقَ وَلَا يَشْتَرِط البائعُ البَراءةَ مِنَ العَيْب، فَمَا أَصَابَ المُشْتَرِي مِنْ عَيْب فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، ويُرد إنْ شاءَ بِلَا بَيِّنة، فَإِنْ وَجَد بِهِ عَيْبا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُردّ إلَّا بِبِّينة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.