صلا: الصَّلاةُ: الرُّكوعُ والسُّجودُ. فأَما قولُه، صلى الله عليه
وسلم: لا صَلاةَ لجارِ المَسْجِد إلا في المسْجِد، فإنه أَراد لا صلاةَ
فاضِلَةٌ أَو كامِلةٌ ، والجمع صلوات. والصلاةُ: الدُّعاءُ والاستغفارُ؛ قال
الأَعشى:
وصَهْباءَ طافَ يَهُودِيُّها
وأَبْرَزَها، وعليها خَتَمْ
وقابَلَها الرِّيحُ في دَنِّها،
وصلى على دَنِّها وارْتَسَمْ
قال: دَعا لها أَن لا تَحْمَضَ ولا تفسُدَ. والصَّلاةُ من الله تعالى:
الرَّحمة؛ قال عدي بن الرقاع:
صلى الإلَهُ على امْرِئٍ ودَّعْتُه،
وأَتمَّ نِعْمَتَه عليه وزادَها
وقال الراعي:
صلى على عَزَّةَ الرَّحْمَنُ وابْنَتِها
ليلى، وصلى على جاراتِها الأُخَر
وصلاةُ الله على رسوله: رحْمَتُه له وحُسْنُ ثنائِه عليه. وفي حديث ابن
أَبي أَوْفى أَنه قال: أَعطاني أَبي صَدَقة مالهِ فأَتيتُ بها رسولَ
الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم صَلِّ على آلِ أَبي أَوْفى؛ قال
الأَزهري: هذه الصَّلاةُ عندي الرَّحْمة؛ ومنه قوله عز وجل: إن اللهَ
وملائكته يصلُّون على النبيِّ يا أَيُّها الذين آمنُوا صَلُّوا عليه وسَلِّموا
تسليماً؛ فالصَّلاةُ من الملائكة دُعاءٌ واسْتِغْفارٌ، ومن الله رحمةٌ،
وبه سُمِّيَت الصلاةُ لِما فيها من الدُّعاءِ والاسْتِغْفارِ. وفي الحديث:
التحيَّاتُ لله والصَّلوات؛ قال أَبو بكر: الصلواتُ معناها التَّرَحُّم.
وقوله تعالى: إن الله وملائكتَه يصلُّون على النبيِّ؛ أَي يتَرَحَّمُون.
وقوله: اللهم صَلِّ على آلِ أَبي أَوْفى أَي تَرَحَّم عليهم، وتكونُ
الصلاةُ بمعنى الدعاء. وفي الحديث قوله، صلى الله عليه وسلم: إذ دُعيَ
أَحدُكُم إلى طَعامٍ فليُجِبْ، فإن كان مُفْطِراً فلَيطْعَمْ، وإن كان
صائماً فليُصَلّ؛ قوله: فلْيُصَلّ يَعْني فلْيَدْعُ لأَرْبابِ الطَّعامِ
بالبركةِ والخيرِ، والصَّائمُ إذا أُكِلَ عنده الطَّعامُ صَلَّت عليه
الملائكةُ؛ ومنه قوله، صلى الله عليه وسلم: من صَلى عليَّ صَلاةً صَلَّت
عليه الملائكةُ عَشْراً. وكلُّ داعٍ فهو مُصَلٍّ؛ ومنه قول الأَعشى:
عليكِ مثلَ الذي صَلَّيْتِ فاغتَمِضِي
نوْماً، فإن لِجَنْبِ المرءِِ مُضْطَجَعا
معناه أَنه يأْمُرُها بإن تَدْعُوَ له مثلَ دعائِها أَي تُعيد الدعاءَ
له، ويروى: عليكِ مثلُ الذي صَلَّيت، فهو ردٌّ عليها أَي عليك مثلُ
دُعائِكِ أَي يَنالُكِ من الخيرِ مثلُ الذي أَرَدْتِ بي ودَعَوْتِ به لي.
أَبو العباس في قوله تعالى: هو الذي يُصَلِّي عليكم وملائكتُه؛ فيصلِّي
يَرْحَمُ، وملائكتُه يَدْعون للمسلمين والمسلمات. ومن الصلاة بمعنى
الاستغفار حديث سودَةَ: أَنها قالت يا رسولَ الله، إذا مُتْنا صَلَّى لنا
عثمانُ بنُ مَظْعون حتى تأْتِينا، فقال لها: إن الموتَ أَشدُّ مما
تُقَدِّرينَ؛ قال شمر: قولها صلَّى لنا أَي اسْتَغْفَرَ لنا عند ربه، وكان عثمانُ
ماتَ حين قالت سودَةُ ذلك. وأَما قوله تعالى: أُولئك عليهم صَلَوات من
ربهم ورحمةٌ؛ فمعنى الصَّلوات ههنا الثناءُ عليهم من الله تعالى؛ وقال
الشاعر:
صلَّى، على يَحْيَى وأَشْياعِه،
ربُّ كريمٌ وشفِيعٌ مطاعْ
معناه ترحَّم الله عليه على الدعاءِ لا على الخبرِ. ابن الأَعرابي:
الصلاةُ من اللهِ رحمةٌ، ومن المخلوقين الملائكةِ والإنْسِ والجِنِّ:
القيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ؛ والصلاةُ من الطَّيرِ
والهَوَامِّ التسبيح. وقال الزجاج: الأَصلُ في الصلاةِ اللُّزوم. يقال: قد
صَلِيَ واصْطَلَى إذا لَزِمَ، ومن هذا مَنْ يُصْلَى في النار أَي يُلْزَم
النارَ. وقال أَهلُ اللغة في الصلاة: إنها من الصَّلَوَيْنِ، وهما
مُكْتَنِفا الذَّنَبِ من الناقة وغيرها، وأَوَّلُ مَوْصِلِ الفخذين من الإنسانِ
فكأَنهما في الحقيقة مُكْتَنِفا العُصْعُصِ؛ قال الأَزهري: والقولُ عندي
هو الأَوّل، إنما الصلاةُ لُزومُ ما فرَضَ اللهُ تعالى، والصلاةُ من
أَعظم الفَرْض الذي أُمِرَ بلُزومِه. والصلاةُ: واحدةُ الصَّلواتِ
المَفْروضةِ، وهو اسمٌ يوضَعُ مَوْضِعَ المَصْدر، تقول: صَلَّيْتُ صلاةً ولا
تَقُلْ تَصْلِيةً، وصلَّيْتُ على النبي، صلى الله عليه وسلم. قال ابن
الأَثير: وقد تكرر في الحديث ذكرُ الصلاةِ، وهي العبادةُ المخصوصةُ،وأَصلُها
الدعاءُ في اللغة فسُمِّيت ببعض أَجزائِها، وقيل: أَصلُها في اللغة
التعظيم، وسُمِّيت الصلاةُ المخصوصة صلاةً لما فيها من تعظيم الرَّبِّ تعالى
وتقدس. وقوله في التشهد: الصلواتُ لله أَي الأَدْعِية التي يُرادُ بها
تعظيمُ اللهِ هو مُسَتحِقُّها لا تَلِيقُ بأَحدٍ سواه. وأَما قولنا: اللهم
صلِّ على محمدٍ، فمعناه عَظِّمْه في الدُّنيا بإعلاءِ ذِكرِهِ وإظْهارِ
دعْوَتِه وإبقاءِ شَريعتِه، وفي الآخرة بتَشْفِيعهِ في أُمَّتهِ وتضعيفِ
أَجْرهِ ومَثُوبَتهِ؛وقيل: المعنى لمَّا أَمَرَنا اللهُ سبحانه بالصلاة
عليه ولم نَبْلُغ قَدْرَ الواجبِ من ذلك أَحَلْناهُ على اللهِ وقلنا: اللهم
صلِّ أَنتَ على محمدٍ، لأَنك أَعْلَمُ بما يَليق به، وهذا الدعاءُ قد
اختُلِفَ فيه هل يجوزُ إطلاقُه على غير النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَم
لا، والصحيح أَنه خاصٌّ له ولا يقال لغيره. وقال الخطابي: الصلاةُ التي
بمعنى التعظيم والتكريم لا تُقال لغيره، والتي بمعنى الدعاء
والتبريك تقالُ لغيره؛ ومنه: اللهم صلِّ على آلِ أَبي أَوْفَى أَي تَرَحَّم
وبَرِّك، وقيل فيه: إنَّ هذا خاصٌّ له، ولكنه هو آثَرَ به غيرهَ؛ وأَما
سِواه فلا يجوز له أَن يَخُصَّ به أَحداً. وفي الحديث: من صَلَّى عليَّ
صلاةً صَلَّتْ عليه الملائكةُ عشراً أَي دَعَتْ له وبَرَّكَتْ. وفي الحديث:
الصائمُ إذا أُكِلَ عندَ الطعامُ صَلَّتْ عليه الملائكةُ. وصَلوات
اليهودِ: كَنائِسُهم. وفي التنزيل: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وبِيَعٌ وصَلَواتٌ
ومساجِدُ؛ قال ابن عباس: هي كَنائِسُ اليهود أَي مَواضِعُ الصَّلواتِ،
وأَصلُها بالعِبْرانِيَّة صَلُوتا. وقُرئَتْ وصُلُوتٌ ومساجِدُ، قال: وقيل
إنها مواضِعُ صَلوتِ الصابِئِين، وقيل: معناه لَهُدِّمَتْ مواضعُ
الصلواتِ فأُقِيمت الصلواتُ مقامَها، كما قال: وأُشْرِبُوا في قلوبهمُ العجلَ؛
أي حُبَّ العجلِ؛ وقال بعضهم: تَهْدِيمُ الصلوات تَعْطِيلُها، وقيل:
الصلاةُ بيْتٌ لأَهْلِ الكتابِ يُصَلُّون فيه. وقال ابن الأَنباري: عليهم
صَلَواتٌ أَي رَحَماتٌ، قال: ونَسَقَ الرَّحمة على الصلوات لاختلافِ
اللَّفظَين. وقوله: وصَلواتُ الرسول أَي ودَعَواته.
والصَّلا: وسَطُ الظَّهرِ من الإنسانِ ومن كلِّ ذي أَرْبَعٍ، وقيل: هو
ما انْحَدَر من الوَرِكَيْنِ، وقيل: هي الفُرْجَةُ بين الجاعِرَةِ
والذَّنَب، وقيل: هو ما عن يمين الذَّنَبِ وشِمالِه، والجمعُ صَلَواتٌ
وأَصْلاءٌ الأُولى مما جُمِعَ من المُذَكَّر بالأَلف والتاء.
والمُصَلِّي من الخَيْل: الذي يجيء بعدَ السابقِ لأَن رأْسَه يَلِي
صَلا المتقدِّم وهو تالي السابق، وقال اللحياني: إنما سُمِّيَ مُصَلِّياً
لأَنه يجيء ورأْسُه على صَلا السابقِ، وهو مأْخوذ من الصِّلَوَيْن لا
مَحالة، وهما مُكْتَنِفا ذَنَبِ الفَرَس، فكأَنه يأْتي ورأْسُه مع ذلك
المكانِ. يقال: صَلَّى الفَرَسُ إذا جاء مُصَلِّياً.
وصَلَوْتُ الظَّهْرَ: ضَرَبْتَ صَلاه أَو أَصَبْتُه بشيء سَهْمٍ أَو
غيرهِ؛ عن اللحياني قال: وهي هُذَلِيَّة. ويقال: أَصْلَتِ الناقةُ فهي
مُصْلِيةٌ إذا وَقَعَ ولدُها في صَلاها وقَرُبَ نَتاجُها. وفي حديث عليّ
أَنه قال: سبق رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وصَلَّى أَبو بكر وثَلَّث
عُمَر وخَبَطَتْنا فِتْنةٌ فما شاء الله؛ قال أَبو عبيد: وأَصلُ هذا في
الخيلِ فالسابقُ الأَولُ، والمُصَلِّي الثاني، قيل له مُصَلٍّ لأَنه يكونُ
عند صَلا الأَوّلِ، وصَلاهُ جانِبا ذَنَبِه عن يمينهِ وشمالهِ، ثم
يَتْلُوه الثالثُ؛ قال أَبو عبيد: ولم أَسمَعْ في سوابقِ الخيلِ ممن يوثَقُ
بعِلْمِه اسماً لشيءٍ منها إلا الثانيَ والسُّكَيْتَ، وما سِوى ذلك إنما
يقال الثالثُ والرابع وكذلك إلى التاسع. قال أَبو العباس: المُصَلِّي في
كلام العربِ السابقُ المُتَقدِّمُ؛ قال: وهو مُشَبَّهٌ بالمُصَلِّي من
الخيلِ، وهو السابقُ الثاني، قال: ويقال للسابقِ الأَولِ من الخيلِ
المُجَلِّي، وللثاني المُصَلِّي، وللثالث المُسَلِّي، وللرابع التالي، وللخامس
المُرْتاحُ، وللسادس العاطفُ، وللسابع الحَظِيُّ، وللثامن المُؤَمَّلُ،
وللتاسعِ اللَّطِيمُ، وللعاشِرِ السُّكَيْت، وهو آخرُ السُّبَّق جاء به في
تفسير قولِهِم رَجْلٌ مُصَلٍّ.
وصَلاءَةُ: اسْمٌ. وصَلاءَة بنُ عَمْروٍ النُّمَيْرِي: أَحدُ
القَلْعيْنِ؛ قال ابن بري: القَلْعان لَقَبَانِ لرَجُلَيْنِ من بَنِي نُمَيْرٍ،
وهما صَلاءَة وشُرَيْحٌ ابنَا عَمْرِو بنِ خُوَيْلِفَةَ بنِ عبدِ الله بن
الحَرِث ابن نُمَيْر.
وصَلَى اللَّحْمَ وغيرهُ يَصْليهِ صَلْياً: شَواهُ، وصَلَيْتهُ صَلْياً
مثالُ رَمَيْتُه رَمْياً وأَنا أَصْليهِ صَلْياً إذا فَعَلْت ذلك وأَنْت
تُريد أَنْ تَشْويَه، فإذا أَرَدْت أَنَّك تُلْقِيه فيها إلْقاءً
كأَنَّكَ تُريدُ الإحْراقَ قلتَ أَصْلَيْته، بالأَلف، إصْلاءً، وكذلك
صَلَّيْتُه أُصَلِّيه تَصْلِيةً. التهذيب: صَلَيْتُ اللَّحْمَ، بالتَّخفيفِ، على
وَجْهِ الصَلاحِ معناه شَوَيْته، فأَمَّا أَصْلَيْتُه وصَلَّيْتُه فَعَلَى
وجْهِ الفَسادِ والإحْراق؛ ومنه قوله: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً،
وقوله: ويَصْلَى سَعِيراً. والصِّلاءُ، بالمدِّ والكَسْرِ: الشِّواءُ لأَنَّه
يُصْلَى بالنَّارِ. وفي حديث عمر: لَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ بصِلاءٍ؛ هو
بالكَسْرِ والمَدِّ الشَّوَاءُ. وفي الحديث: أَنَّ النبيَّ، صلَّى الله
عليه وسلم، أُتِيَ بشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ؛ قال الكسائي: المَصْلِيَّةُ
المَشْوِيَّةُ، فأَمَّا إذا أَحْرَقْتَه وأَبْقَيْتَه في النارِ قُلْتَ
صَلِّيْته، بالتشديد، وأَصْلَيْته. وصَلَى اللحْمَ في النار وأَصْلاه وصَلاَّهُ:
أَلْقاهُ لِلإحْراقِ؛ قال:
أَلا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني بَدْرِ،
تَحِيَّةَ مَنْ صَلَّى فُؤَادَكِ بالجَمْرِ
أَرادَ أَنَّه قَتَل قومَها فَأَحْرق فؤادها بالحُزْنِ عَلَيهم. وصَلِيَ
بالنارِ وصَلِيهَا صَلْياً وصُلِيّاً وصِلِيّاً وصَلىً وصِلاءً
واصْطَلَى بها وتَصَلاَّهَا: قَاسَى حَرَّها، وكذلك الأَمرُ الشَّديدُ؛ قال
أَبو زُبَيْد:
فَقَدْ تَصَلَّيْت حَرَّ حَرْبِهِم،
كَما تَصَلَّى المَقْرُورُ للهرُ مِنْ قَرَسِ
وفُلان لا يُصْطَلَى بنارِه إذا كانَ شُجاعاً لا يُطاق. وفي حديث
السَّقِيفَة: أَنا الذي لا يُصْطَلَى بنارِهِ؛ الاصْطلاءُ افْتِعالٌ من صَلا
النارِ والتَّسَخُّنِ بها أي أنا الذي لا يُتَعَرَّضُ لحَرْبِي.
وأَصْلاهُ النارَ: أَدْخَلَه إيَّاها وأَثْواهُ فيها، وصَلاهُ النارَ وفي
النَّارِ وعلى النَّار صَلْياً وصُلِيّاً وصِلِيّاً وصُلِّيَ فلانٌ الناَّر
تَصْلِيَةً. وفي التنزيل العزيز: ومَنْ يَفْعَلْ ذلك عُدْواناً وظُلْماً
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً. ويروى عن عليّ، رضي الله عنه، أَنه قَرَأَ:
ويُصَلَّى سَعِيراً، وكان الكسائيُّ يقرَأُ به، وهذا ليسَ من الشَّيِّ إنما
هو من إلْقائِكَ إيَّاهُ فيها؛ وقال ابن مقبل:
يُخَيَّلُ فِيها ذُو وسُومٍ كأَنَّمَا
يُطَلَّى بِجِصٍّ، أَو يُصَلَّى فَيُضْيَحُ
ومَنْ خَفَّفَ فهو من قولهم: صَلِيَ فلانٌ بالنار يَصْلَى صُلِيّاً
احْتَرَق. قال الله تعالى: هم أَوْلَى بَها صُلِيّاً؛ وقال العجاج: قال ابن
بري، وصوابه الزفيان:
تَاللهِ لَولا النارُ أَنْ نَصْلاها،
أَو يَدْعُوَ الناسُ عَلَيْنَا اللهَ،
لَمَا سَمِعْنَا لأَمِيرٍ قَاهَا
وصَلِيتُ النارَ أَي قاسَيْتُ حَرَّها. اصْلَوْها أَي قاسُوا حَرَّها،
وهي الصَّلا والصِّلاءُ مثل الأَيَا والإيَاءِ للضِّياء، إذا كَسَرْتَ
مَدَدْت، وإذا فَتَحْت قَصَرْت؛ قال امرؤ القيس:
وقَاتَلَ كَلْب الحَيِّ عَنْ نَارِأَهْلِهِ
لِيَرْبِضَ فيهَا، والصَّلا مُتَكَنَّفُ
ويقال: صَلَيْتُ الرَّجُلَ ناراً إذا أَدْخَلْتَه النارَ وجَعَلْتَه
يَصْلاهَا، فإن أَلْقَيْتَه فيها إلْقاءً كأَنَّكَ تُرِيدُ الإحْراقَ قُلت
أَصْلَيْته، بالأَلف، وصَلَّيْته تَصْلِيَةً. والصِّلاءُ والصَّلَى: اسمٌ
للوَقُودِ، تقول: صَلَى النارِ، وقيل: هُما النارُ. وصَلَّى يَدَهُ
بالنارِ: سَخَّنَها؛ قال:
أَتانا فَلَمْ نَفْرَح بطَلْعَةِ وجْهِهِ
طُروقاً، وصَلَّى كَفَّ أَشْعَثَ سَاغِبِ
واصْطَلَى بها: اسْتَدْفَأَ. وفي التنزيل: لعلكم تَصْطَلُون؛ قال
الزجاج: جاءَ في التفسير أَنهم كانوا في شِتاءٍ فلذلك احتاجَ إلى الاصْطِلاءِ.
وصَلَّى العَصَا على النارِ وتَصَلاَّها: لَوَّحَها وأَدارَها على
النارِ ليُقَوِّمَها ويُلَيِّنَها. وفي الحديث: أَطْيَبُ مُضْغَةٍ
صَيْحانِيَّةٌ مَصْلِيَّةٌ قد صُلِيَتْ في الشمسِ وشُمِّسَتْ، ويروى بالباء، وهو
مذكور في موضعه. وفي حديث حُذَيْفَة: فرأَيْتُ أَبا سُفْيانَ يَصْلِي
ظَهْرَه بالنار أَي يُدْفِئُهُ. وقِدْحٌ مُصَلّىً: مَضْبوحٌ؛ قال قيس بن
زهير:فَلا تَعْجَلْ بأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ،
فمَا صَلَّى عَصاهُ كَمُسْتَدِيمِ
والمِصْلاةُ: شَرَكٌ يُنْصَب للصَّيْد. وفي حديث أَهلِ الشَّام: إنَّ
للِشيْطانِ مَصَالِيَ وفُخُوخاً؛ والمصالي شبيهة بالشَّرَك تُنْصَبُ
للطَّيْرِ وغيرها؛ قال ذلك أَبو عبيد يعني ما يَصِيدُ به الناسَ من الآفات
التي يَسْتَفِزُّهُم بها مِن زِينَةِ الدُّنيا وشَهَواتِها، واحِدَتُها
مِصْلاة. ويقال: صلِيَ بالأَمْرِ وقد صَلِيتُ به أَصْلَى به إذا قَاسَيْت
حَرَّه وشِدَّتَه وتَعَبَه؛ قال الطُّهَوِي:
ولا تَبْلَى بَسالَتُهُمْ، وإنْ هُمْ
صَلُوا بالحَرْبِ حِيناً بَعْدَ حِينِ
وصَلَيْتُ لِفُلانٍ، بالتَّخفِيفِ، مثالُ رَمَيْت: وذلك إذا عَمِلْتَ
لَه في أَمْرٍ تُرِيدُ أَن تَمْحَلَ به وتُوقِعَه في هَلَكة، والأَصلُ في
هذا من المَصَالي وهي الأَشْراكُ تُنْصَب للطَّيْرِ وغيرها. وصَلَيْتُه
وصَلَيْتُ له: مَحَلْتُ به وأَوْقَعْتُه في هَلَكَةٍ من ذلك.
والصَّلايَةُ والصَّلاءَةُ: مُدُقُّ الطِّيبِ؛ قال سيبويه: إنما هُمِزَت
ولم يَكُ حرف العلة فيها طرَفاً لأَنهم جاؤوا بالواحِدِ على قولهم في
الجمعِ صَلاءٌ، مهموزة، كما قالوا مَسْنِيَّة ومَرْضِيّة حينَ جاءَت على
مَسْنِيٍّ ومَرْضِيٍّ، وأَما من قال صلايَة فإنّه لم يجئ بالواحد على
صَلاءٍ. أَبو عمرو: الصَّلاية كلُّ حَجَرٍ عَرِيضٍ يُدَقُّ عليه عِطْرٌ
أَو هَبِيدٌ. الفراء: تجمع الصَّلاءَة صُلِيّاً وصِلِيّاً،والسَّماءُ
سُمِيّاً وسِمِيّاً؛ وأَنشد:
أَشْعَث ممَّا نَاطَح الصُّلِيَّا
يعني الوَتِد. ويُجْمَعُ خِثْيُ البَقَر على خُثِيٍّ وخِثِيٍّ.
والصَّلايَةُ: الفِهْرُ؛ قال أُمَيَّة يصف السماء:
سَراة صَلابةٍ خَلْقاء صِيغَتْ
تُزِلُّ الشمسَ، ليس لها رِئابُ
(* قوله «ليس لها رثاب» هكذا في الأصل والصحاح، وقال في التكملة
الرواية:
تزل الشمس، ليس لها اياب).
قال: وإنما قال امرؤُ القيس:
مَداكُ عروسٍ أَوْ صَلايةُ حنْظلِ
فأَضافه إليه لأَنه يُفَلَّق به إذا يَبِسَ. ابن شميل: الصَّلايَة
سَرِيحَةٌ خَشِنةٌ غَلِيظةٌ من القُفِّ، والصَّلا ما عن يمين الذَّنَب
وشِماله، وهُما صَلَوان. وأَصْلتِ الفَرسُ إذا اسْتَرْخى صَلَواها، وذلك إذا
قرُبَ نتاجُها. وصَلَيْتُ الظَّهْرَ: ضَرَبْت صَلاه أَو أَصَبْته، نادرٌ،
وإنما حُكْمُه صَلَوْته كما تقول هُذَيل.
الليث: الصِّلِّيانُ نبْتٌ؛ قال بعضهم: هو على تقدير فِعِّلان، وقال
بعضهم: فِعْلِيان، فمن قال فِعْلِيان قال هذه أَرضٌ مَصْلاةٌ وهو نبْتٌ له
سنَمَة عظيمة كأَنها رأْسُ القَصَبة إذا خرجت أَذْنابُها تجْذِبُها
الإبل، والعرب تُسمِّيه خُبزَة الإبل، وقال غيره: من أَمثال العرب في اليمينِ
إذا أَقدَمَ عليها الرجُلُ ليقتَطِعَ بها مالَ الرجُلِ: جَذَّها جَذَّ
العَيْر الصِّلِّيانة، وذلك أَنَّ لها جِعْثِنَةً في الأَرض، فإذا كَدَمها
العَيْر اقتلعها بجِعْثِنتها. وفي حديث كعب: إنَّ الله بارَكَ لدَوابِّ
المُجاهدين في صِلِّيان أَرض الرُّوم كما بارك لها في شعير سُوريَة؛
معناه أي يقومُ لخيلِهم مقامَ الشعير، وسُورية هي بالشام.
أصل الصَّلْيُ الإيقادُ بالنار، ويقال: صَلِيَ بالنار وبكذا، أي: بلي بها، واصْطَلَى بها، وصَلَيْتُ الشاةَ: شويتها، وهي مَصْلِيَّةٌ. قال تعالى: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ
[يس/ 64] ، وقال:
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى
[الأعلى/ 12] ، تَصْلى ناراً حامِيَةً
[الغاشية/ 4] ، وَيَصْلى سَعِيراً [الانشقاق/ 12] ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً
[النساء/ 10] ، قرئ:
سَيَصْلَوْنَ بضمّ الياء وفتحها، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها [المجادلة/ 8] ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
[المدثر/ 26] ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
[الواقعة/ 94] ، وقوله: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى
[الليل/ 15- 16] ، فقد قيل:
معناه لا يَصْطَلِي بها إلّا الأشقى الذي. قال الخليل: صَلِيَ الكافرُ النار: قاسى حرّها ، يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة/ 8] ، وقيل: صَلَى النارَ: دخل فيها، وأَصْلَاهَا غيرَهُ، قال: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً
[النساء/ 30] ، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا
[مريم/ 70] ، قيل: جمع صَالٍ، والصَّلَاءُ يقال للوقود وللشّواء. والصَّلاةُ، قال كثير من أهل اللّغة: هي الدّعاء، والتّبريك والتّمجيد ، يقال: صَلَّيْتُ عليه، أي: دعوت له وزكّيت، وقال عليه السلام: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائما فَلْيُصَلِّ» أي: ليدع لأهله، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
[التوبة/ 103] ، يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
[الأحزاب/ 56] ، وَصَلَواتِ الرَّسُولِ
[التوبة/ 99] ، وصَلَاةُ اللهِ للمسلمين هو في التّحقيق: تزكيته إيّاهم. وقال: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
[البقرة/ 157] ، ومن الملائكة هي الدّعاء والاستغفار، كما هي من النّاس . قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ
[الأحزاب/ 56] ، والصَّلَاةُ التي هي العبادة المخصوصة، أصلها: الدّعاء، وسمّيت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمّنه، والصَّلَاةُ من العبادات التي لم تنفكّ شريعة منها، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع. ولذلك قال: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء/ 103] ، وقال بعضهم: أصلُ الصَّلَاةِ من الصَّلَى ، قال: ومعنى صَلَّى الرّجلُ، أي: أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة الصَّلَى الذي هو نار الله الموقدة. وبناء صَلَّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض، ويسمّى موضع العبادة الصَّلَاةَ، ولذلك سمّيت الكنائس صَلَوَاتٌ، كقوله: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ [الحج/ 40] ، وكلّ موضع مدح الله تعالى بفعل الصَّلَاةِ أو حثّ عليه ذكر بلفظ الإقامة، نحو:
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء/ 162] ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة/ 43] ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ [البقرة/ 277] ، ولم يقل: المُصَلِّينَ إلّا في المنافقين، نحو قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ
[الماعون/ 4- 5] ، وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى [التوبة/ 54] ، وإنما خصّ لفظ الإقامة تنبيها أنّ المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها، لا الإتيان بهيئتها فقط، ولهذا روي (أنّ المُصَلِّينَ كثير والمقيمين لها قليل) ، وقوله تعالى: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر/ 43] ، أي: من أتباع النّبيّين، وقوله: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى
[القيامة/ 31] ، تنبيها أنه لم يكن ممّن يُصَلِّي، أي يأتي بهيئتها فضلا عمّن يقيمها. وقوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً
[الأنفال/ 35] ، فتسمية صَلَاتِهِمْ مكاء وتصدية تنبيه على إبطال صلاتهم، وأنّ فعلهم ذلك لا اعتداد به، بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي، وفائدة تكرار الصلاة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [المؤمنون/ 1- 2] إلى آخر القصّة حيث قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ [المؤمنون/ 9] ، فإنّا نذكره فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله .
مَداكَ عَروسٍ أو صَلايَةً حنظل * فأضافها إليه لانه يفلق بها إذا يبس. والصَلاءَةُ بالهمز مثله. وصلاءة بن عمرو النميري: أحذ القلعين . وصليت اللحم وغيره أصليه صليا، مثال رميته رميا، إذا شويته. وفى الحديث أنّه عليه السلام أُتِيَ بشاةٍ مصلّيةٍ، أي مشويّةٍ. ويقال أيضاً: صَلَيْتُ الرجل ناراً، إذا أدخلته النار وجعلته يَصْلاها. فإن ألقيته فيها إلقاءً كأنَّك تريد إحراقه قلت: أَصْلَيْتُهُ بالألف، وصَلَّيْتُهُ تَصْلِيَةً. وقرئ: (ويُصَلَّى سعيراً) ومن خفَّف فهو من قولهم: صَلِيَ فلان النار بالكسر يَصْلَى صُلِيّاً : احترق. قال الله تعالى: (أَوْلى بها صليا) . قال العجاج :
تالله لولا النار أن نصلاها * (*) ويقال أيضا: صلِيَ بالأمر ; إذا قاسى حرّه وشدَّته. قال الطهويّ: ولا تَبْلى بَسالَتُهُمْ وإنْ هُمْ * صَلوا بالحرب حيناً بعد حينِ واصْطَلَيْتُ بالنار وتصليت بها. قال أبو زبيد الطائى: وقد تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهِم * كما تَصَلَّى المقرور من قرس
تَكَلِّفُني معيشة آل زيدٍ ... ومَنْ لي بالصلائق وَالصِّنَاب وَأما الْكَرَاكِر فكراكر الْإِبِل واحدتها كِركِرة وَهِي مَعْرُوفَة. وَأما الأفلاذ فَإِن وَاحِدهَا فِلذ وَهِي الْقطعَة [من الكبد -] . وَمِنْه حَدِيث عبد الله حِين ذكر أَشْرَاط السَّاعَة فَقَالَ: وتلقي الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا قَالَ أعشى باهلة: [الْبَسِيط]
تَكْفِيْهِ حُزة فِلذ إِن ألم بهَا ... من الشَواء ويروى شربه الغْمَرُ
وَهُوَ القَعبُ الصَّغِير. وَحَدِيث عمر هَذَا فِي ذكر الطَّعَام شَبيه بحَديثه الآخر: لَو شِئْت أَن يُدَهْمَقَ لي لفعلتُ وَلَكِن الله عَابَ قوما فَقَالَ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} . قَالَ الْأَصْمَعِي قَوْله: يدهمق لي الدهمقة لين الطَّعَام وطيبه ورقته وَكَذَلِكَ كل شَيْء لين قَالَ الْأَصْمَعِي: وأنشدني خلف الْأَحْمَر فِي نعت الأَرْض فَقَالَ: [الرجز]
جَونٌ رَوَابي تُرْبِه دَهَامِقُ
يَعْنِي تربة لينَة. وَقَالَ غَيره: الدهمقة والدهقنة وَاحِد وَالْمعْنَى فِي ذَلِك 96 / ب كالمعنى فِي الأول سَوَاء / لِأَن لين الطَّعَام من الدهقنة.
[المتقارب]
وصهباء طافَ يَهُودِيُّها ... وأبرزها وَعَلَيْهَا ختم وقابَلَها الريحُ فِي دَنَّها ... وَصلى على دَنَّها وارْتَسَمْ
/ وقابلها الرّيح فِي دنها أَي اسْتقْبل بهَا الرّيح يَقُول: دَعَا لَهَا بالسلامة 21 / ب وَالْبركَة يصف الْخمر وَقَالَ أَيْضا: [الْبَسِيط]
تَقول بِنْتِي وَقد قَرَّبْتُ مُرْتَحِلا ... يَا رَبَّ جَنَّبْ أَبِي الأوصابَ والوجعَا
عليكِ مثلُ الَّذِي صَليتِ فَاغْتَمِضِي ... نومًا فَإِن لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجِعَا
يَقُول: ليكن لَك مثل الَّذِي دَعَوْت لي. قَالَ أَبُو عبيد: وَأما حَدِيث ابْن أبي أوفى أَنه قَالَ: أَعْطَانِي أبي صَدَقَة مَاله فَأتيت بهَا رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ صلعلى آل أبي أوفى فَإِن هَذِه الصَّلَاة عِنْدِي الرَّحْمَة وَمِنْه قَوْلهم: اللَّهُمَّ صلى على مُحَمَّد وَمِنْه قَوْله {إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيَّ يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صًلُّوا عَلَيْهِ} فَهُوَ من اللَّه رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة دُعَاء وَالصَّلَاة ثَلَاثَة أَشْيَاء: الدُّعَاء وَالرَّحْمَة وَالصَّلَاة.
قال الحَلِيمِىُّ : الصَّلاة في اللّغة: التَّعْظِيم، وسُمِّيت الصَّلاةُ صَلاةً لِمَا فيها من حَنْى الصَّلَا، وهو وَسَط الظَّهْر لأنّ انحناء الصَّغير للكَبِير إذا رآه تَعظَيمٌ منه له في العبادات، ثم سَمَّوْا قرائِنَه صلاةً؛ إذ كان المُرادُ من عامة ما في الصلاة تَعظِيمَ الرَّبِّ سبحانَه وتعالى، فأَتْبعُوا عامَّةَ الأقوالِ والأفعالِ الانْحِنَاء، وسَمَّوها باسْمِه، ثم تَوسَّعوا فسَمَّوْا كل دُعاءٍ صَلاةً؛ إذ كان الدعاء تَعظِيماً للمدعُوِّ بالرَّغبة إليه والتَّباؤس له وتعظيما للمدعُوِّ له لابتغاء ما يَبتَغِي له من فَضْل الله عز وجل النَّظَر له.
- وقولنا في التشهد: "الصَّلَوَات لِلَّهِ"
: أي الأَذْكار التي يُراد بها تَعظِيمُ المذكور والاعترافُ له بجَلالِ العُبُودِيَّة وعُلوِّ الرُّتْبة كلّها لله عز وجل: أي هو مستَحِقُّها لا يَلِيق بأحدٍ سِواه.
- وقولنا فيه: "اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ".
فمعناه: عَظِّم مُحَمَّداً في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهارِ دَعْوتِه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتَشْفِيعه في أمته وتَضْعِيف أَجْرِه ومَثُوبَتِه وإبداءِ فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتَقْديمِه على كافة النبيين في اليوم المشهود، وهذه الأمور وإن كان الله عز وجل أَوجَبَها للنَّبىّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا دَعَا له أَحدٌ من أُمَّتِه فاستُجِيب دُعاؤُه فيه أن يُزادَ النّبىّ - صلى الله عليه وسلم - في كلِ شيء مما سَمَّينا رتُبةً ودَرَجةً، فكذلك كانت الصّلاةُ عليه ممَّا يُقضى به حَقُّه ويتُقَرَّبُ بإكثارها إلى الله عز وجل، فَيدُلّ على أن قولَنا: اللهمَّ صلِّ على محمّد صلاة مِنّا عليه، إلا أنَّا لا نملك إيصالَ ما يَعظُم به أَمرُه إليه، وإنما ذلك إلى الله عز وجل، فصح أن صَلاتَه عليه الدُّعاءُ له بذلك. وقيل: لَمَّا أَمرَ الله سُبْحانه وتَعالى بالصَّلاة عليه ولم نَبلغ كُنْهَ فضَيلته وحَقِيقةَ مُرادِ الله تعالى فيه أحَلْنا ذَلِك على الله عز وجل فقلنا: اللَّهمَّ صلِّ أنتَ على محمَّد مِنَّا؛ لأنك أعلمُ بما يَلِيق به وأَعرفُ بما أردتَه له، وإذا قلنا: الصَّلاةُ على رسولِ - صلى الله عليه وسلم -، فمَعْناه الصلاة من الله تعالى عليه؛ لأن التَّمنِّى على الله تبارك وتعالى سُؤالٌ، كما يقال: غَفَر الله لك، فيقوم مَقام اللَّهمّ اغْفِر لَه، فكذلك - صلى الله عليه وسلم - يقوم مَقام الدُّعاء.
- وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ} .
قال عطَاءُ بن أبي رَبَاح: "صَلاتُه على عِبادِه سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، سَبَقَت رَحمَتِى غَضَبِى".
وقد قيل: إن الصَّلاة من الله تعالى الرَّحمةُ، ومن الملائكة الاستغفارُ، ومن الخَلْق الدُّعاء، فلما جَمَعه في قَولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} كأنَّه يُشِيرُ إلى أنّ هذه المَعانِىَ كلّها واجِبةٌ عليهم من الله عزّ وجلّ.
وقيل: الأَصلُ في الصَّلاة الُّلزومُ، فكأنّ المُصَلِّى لَزِم هذه العِبادةَ لاسْتِنْجاح طَلِبَتهِ من الله عزّ وجلّ
وقيل: سُمِّيَت صَلاةً، لأنَّها في أكْثر المواضع ثَاني الإيمان وتَالِيه في الذكر، كقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} والمُصَلِّى: الذي يتلُو الأَوَّلَ.
قال الخطابي: الصَّلاة التي هي بَمْعنَى الدُّعاء والتَّبْرِيك تجوز على غير النَّبىّ - صلّى الله عليه وسلّم - بدليل قوله تعالى في مُعْطِى الزكاة -: {وصَلِّ عَلَيْهِم} ؛ فأمّا التي هي لِرسُول الله - صلى الله عليه وسلّم -: فإنها بمعنى التَّعْظِيم والتّكْريِم، وهي خِصِّيصىَ له لا يَشْرَكه فيها غَيرُه.
- قوله تبارك وتعالى: {لعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}
وهو تَفْتَعِلون من الصَّلَى: أي تسخُنون. يُقال: اصطَليْت النارَ وبِالنَّار، ومُصْطَلَى الرَّجُلِ: وَجْهُه وَيَدَاه ورِجْلاه، وما يَلْقَى به النارَ إذا اصْطَلَى بها، والطاء في هذه الكلمات أَصلُها التَّاء وصارت طاءً لمجاورتها الصاد. - في حديث السَّقِيفَة:
أَنَا الذي لا يُصْطَلَى بناره
ولا يَنَامُ النَّاسُ من سُعاره
: أي لا يُتَعَرَّض لحرْبِي وحَدِّى. والسُّعارُ: حَدُّ النَّار. والسَّعِير: النَّار والسَّاعُور: التَّنُّور.
- في حديث عمر، - رضي الله عنه -، "لو شِئتُ دَعوتُ بِصِلاءٍ"
: أي بشِواءٍ؛ لأنه يُصْلَى بالنَّار: أي يُشْوَى.
يقال: صَلَيتُه صَلْياً: شَويْتهُ، فإذا ألقيتَه في النار قُلتَ: صَلَيْتُه وأصلَيْتُه.
وقيل: أَصلُ التَّصْلِية من صَلَّى عَصَاه إذا سَخَّنَها بالصَّلَى ليُقوِّمَها فقيل: للرَّحْمَة، والدُّعاء صلاةٌ لأن بِهما يقوم أَمرُ من يَرحَمُه ويُدعَى له ويذهَب باعْوِجَاجِ عَمَلِه.
وقولهم: صلَّى إذا دَعَا، معناه: طَلَب صَلاةَ الله وهي رَحمتُه، كما يقال: حَيَّيتُه إذا دَعَوْتَ له بِتَحيَّة الله.
- في الحديث: "أطيبُ مُضْغَةٍ صَيْحانِيَّة مَصْلِيَّة"
: أي صُلِيَت في الشمس، ورواه الثِّقاتُ: مُصَلَّبَة: أي بلغَت الصلابةَ في اليُبْس - في حديث كعب: "إن الله تَباركَ وتَعالى بَارَك لِدَوابِّ المُجاهِدِين في صِلِّيان أرض الروم، كما بارك في شَعِير سُورِيَة"
قال الأصمعي: هو نَبْت، ومن أَمْثَالِهم: "جَذَّه جَذَّ العَيْرِ الصِّلِّيَانَة "
وقال غيره: هو نَبْت له سَنَمة عَظيمة، كأنّه رَأسُ القَصَب؛ وهو خُبزُ الإبل: أي يَقوُم لدَوابِّهم مَقام الشِّعِير، وأرض مُصَلَّاة: كَثُرت فيها الصِّلِّيانَةُ، قال:
* وصِلِّيَانٍ كَسِبَال الروم *