Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب): https://arabiclexicon.hawramani.com/?p=39032#8d3fb0
التَّوْفِيق: جعل الله تَعَالَى قَول العَبْد وَفعله مُوَافقا لأَمره وَنَهْيه. وَالْمَشْهُور أَنه جعل الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر.
اعْلَم أَن الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على التَّهْذِيب جعل الْخَيْر ذاتيا للتوفيق دَاخِلا فِي مَفْهُومه. والفاضل المدقق ملا مرزاجان رَحمَه الله جعله من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَهَذَا هُوَ الْحق فَمَعْنَى كَون الْخَيْر ذاتيا للتوفيق أَنه لَا يَنْفَكّ عَنهُ لَا بِمَعْنى أَنه جُزْء من مَفْهُومه كَمَا يتَبَادَر إِلَى الْفَهم فَالْمُرَاد من الذاتي فِي قَول الزَّاهِد لِامْتِنَاع تخلله بَين الشَّيْء وذاتياته للشَّيْء الْمَنْسُوب إِلَى الذَّات سَوَاء كَانَ عين الذَّات أَو جزءه أَو لَازِما غير منفك عَنهُ أَي مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي. وعَلى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا احْتِيَاج إِلَى التكلفات فِي جعل الْخَيْر ذاتيا لَهُ والانصاف أَن قَوْله لِأَن الْخَيْر مُعْتَبر فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق يَأْبَى عَن هَذَا التَّوْجِيه وينادى على أَنه ذاتي وجزء لَهُ. وَقيل فِي تَوْجِيه الذاتية أَن مَفْهُوم التَّوْفِيق تَوْجِيه الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر فالخير ذاتي وداخل فِي مَفْهُومه.
وَلَا يخفى على سالك مسالك التَّحْقِيق وشارع مشارع التدقيق إِن أَخذ شَيْء فِي تَعْرِيف أَمر لَا يسْتَلْزم كَونه ذاتيا لَهُ وداخلا فِيهِ مُطلقًا.
أَلا ترى أَن الْإِنْسَان مَأْخُوذ وَفِي تَعْرِيف اللَّفْظ بِمَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان والغير مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الأَصْل بِمَا يبتني عَلَيْهِ غَيره مَعَ أَنَّهُمَا خارجان عَن اللَّفْظ وَالْأَصْل فَلَيْسَ كل مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف شَيْء ذاتيا لَهُ دَاخِلا فِيهِ نعم إِذا أُرِيد بالمأخوذ الْمَأْخُوذ بطرِيق حمله على الْمُعَرّف أَو وَصفه للمحمول على الْمُعَرّف فالكلية حِينَئِذٍ صَادِقَة لَكِن الْخَيْر فِي تَعْرِيف التَّوْفِيق لَيْسَ كَذَلِك. وَقيل إِن التَّوْفِيق لَا يسْتَعْمل فِي الشَّرْع وَالْعرْف إِلَّا فِي الْخَيْر. فَمن هَذَا يعلم أَن الْخَبَر ذاتي لَهُ دَاخل فِي مَفْهُومه وَأَنت تعلم أَن تَخْصِيص الِاسْتِعْمَال لَا يسْتَلْزم الدُّخُول.
وَقيل اخْتلف المتكلمون فِي التَّوْفِيق فَقَالَ الْبَعْض التَّوْفِيق الدعْوَة إِلَى الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الْقُدْرَة على الطَّاعَة وَكلهَا خير فالخير دَاخل فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق. وَلَا يخفى أَنه لَا يفهم مِنْهُ كَون الْخَيْر دَاخِلا فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق وذاتيا لَهُ لِأَن صدق الْخَيْر على مَعَاني التَّوْفِيق لَا يسْتَلْزم دُخُوله فِيهَا. نعم يعلم من الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ أَن الْخَيْر لَازم للتوفيق لَا يَنْفَكّ عَنهُ وَلذَا قَالَ الْفَاضِل المدقق بلزومه وَمَال عَن دُخُوله فِي التَّوْفِيق وَكَونه ذاتيا لَهُ.
فَاعْلَم أَن غَرَض الزَّاهِد الْمُحَقق والفاضل المدقق أَنه لَو جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل يلْزم تخَلّل الْجعل بَين التَّوْفِيق وذاته وَهُوَ الْخَيْر إِن ثَبت أَنه ذاتي لَهُ. أَو بَين التَّوْفِيق ولازمه كَمَا هُوَ الظَّاهِر. وتخلله بَين الشَّيْء وذاتياته وَكَذَا بَينه وَبَين لَازمه مُمْتَنع فاللازم وَهُوَ التخلل بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم وَهُوَ جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل. وَإِمَّا إِذا جعل لنا مُتَعَلقا برفيق فَلَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لِأَن الْخَيْر بعد تعلقه برفيق يصير مُقَيّدا وَهُوَ لَيْسَ بذاتي أَو لَازم للتوفيق فَإِن ذاتيه أَو لَازمه هُوَ الْخَيْرِيَّة الْمُطلقَة. فَأَقُول إِن الْخَيْر مُضَاف إِلَى النكرَة وَهِي رَفِيق وَهَذِه الْإِضَافَة تفِيد التَّخْصِيص كَمَا تقرر فِي النَّحْو فالخير الْمُضَاف إِلَى الرفيق مُقَيّد لَا مُطلق من غير احْتِيَاج إِلَى أَن تقيد بلنا قُلْنَا سَوَاء كَانَ مُتَعَلقا بِجعْل أَو برفيق لَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور بل الْأَنْسَب تعلقه بِجعْل لقُرْبه وفعليته دون رَفِيق لبعده واسميته إِلَّا أَن يُقَال إِن الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر الْمُضَاف إِلَى الرفيق أَي خيرية الرفاقة الْمُطلقَة الشاملة لتوفيق هُوَ رَفِيق لنا أَي لكل وَاحِد والتوفيق هُوَ رَفِيق لبَعض دون بعض مَعَ انْتِفَاء كل وَاحِد مِنْهُ إِمَّا بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة فَإِذا قيد الرفيق بلنا تكون خيرية الرفاقة مُقَيّدَة وَهِي لَيست بذاتية وَلَا لَازم فَلَا يلْزم حِينَئِذٍ المحذوران الْمَذْكُورَان جَمِيعًا وَيُؤَيّد هَذَا أَنهم يَقُولُونَ إِنَّا لنا مُتَعَلق برفيق وَإِلَّا يلْزم الْمَحْذُور فَلَو كَانَ الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر فَقَط لاحتاجوا إِلَى تَقْيِيده وتخصيصه دون رَفِيق هَذَا كُله مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الزَّاهِد وَقَوْلنَا وَكَذَا بَين لَازمه مُمْتَنع.
اعْلَم أَنه يفهم هَذَا الِامْتِنَاع من كَلَام الْفَاضِل المدقق حَيْثُ قَالَ قَوْله فركيك لِأَنَّهُ إِذا جعل لنا مُتَعَلقا بِجعْل صَار المجعول إِلَيْهِ خير رَفِيق بِلَا اعْتِبَار تَقْيِيده بِأَمْر فَظَاهر أَن الْخَيْرِيَّة من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَلَا يتَعَلَّق الْجعل فِي الْمُتَعَارف باللوازم. فَلَا يُقَال إِن الْفَاعِل جعل الْأَرْبَعَة زوجا انْتهى قيل مُرَاده أَن لَوَازِم الْمَاهِيّة لَا يتَعَلَّق بهَا الْجعل ابْتِدَاء بل هِيَ مجعولة بِمَعْنى كَونهَا تَابِعَة لملزومه فِي الْجعل والمتبادر من الْجعل هُوَ الابتدائي. فَيعلم من هَا هُنَا أَن الْجعل يتَعَلَّق باللوازم أَيْضا ثَانِيًا وَفِي غير الْمُتَعَارف. أما سَمِعت أَن الباقر قَالَ فِي الْأُفق الْمُبين ثمَّ الْجعل الْمُؤلف لَا يتوسط بَين الشَّيْء وَبَين نَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان وَلَا بَينه وَبَين شَيْء من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان حَيَوَان لانحفاظ الْخَلْط فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ الدُّخُول فِي أصُول قوامها بل يخْتَص بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الْمَاهِيّة كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج أَو الْعَوَارِض الممكنة الانسلاخ كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان مَوْجُود والجسم أَبيض لتعري الذَّات عَنْهَا فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة.