(الْإِنْشَاء) (عِنْد عُلَمَاء البلاغة) الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ لنسبته خَارج تطابقه هَذِه النِّسْبَة أَو لَا تطابقه و (عِنْد الأدباء) فن يعلم بِهِ جمع الْمعَانِي والتأليف بَينهَا وتنسيقها ثمَّ التَّعْبِير عَنْهَا بعبارات أدبية بليغة
الْإِنْشَاء: إِيجَاد الشَّيْء الَّذِي يكون مَسْبُوقا بمادة وَمُدَّة. والإنشاء الْمُقَابل للْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ لنسبته خَارج تطابقه ليَكُون صَادِقا وَلَا تطابقه ليَكُون كَاذِبًا فَهُوَ لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب. وَقد يُطلق على فعل الْمُتَكَلّم أَعنِي إِلْقَاء الْكَلَام الإنشائي. وَقد يُرَاد بِهِ قوم إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاعْلَم أَن فِي دُخُول الْإِنْشَاء فِي الْإِيمَان بِأَن يُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى اخْتِلَافا. قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأَصْحَابه أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله وَعَلِيهِ اجْتِمَاع الْأَكْثَرين لِأَن هَذَا القَوْل إِمَّا للشَّكّ فِي إيمَانه فَهُوَ كفر الْبَتَّةَ فَالْوَاجِب تَركه وَعدم جَوَازه مُتَّفق عَلَيْهِ وَإِمَّا للتأدب وإحالة الْأُمُور إِلَى مَشِيئَة الله تَعَالَى، أَو للشَّكّ فِي الْعَاقِبَة والمآل، لَا فِي الْآن وَالْحَال، أَو للتبرك بِذكر الله، أَو للتبرأ عَن تَزْكِيَة نَفسه والإعجاب بِحَالهِ فجوازه بالِاتِّفَاقِ. أما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يرى تَركه أولى لِأَنَّهُ يُوهم بِالشَّكِّ الْمُوجب للكفر وَلَكِن كثيرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ استحسنه وَهُوَ المحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد النسفية وَلما نقل عَن بعض الأشاعرة أَنه يَصح أَن يُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على أَن الْعبْرَة إِلَى قَوْله إِشَارَة إِلَى بطلَان ذَلِك بقوله والسعيد قد يشقى إِلَى آخِره. حَاصله أَنه يفهم عَمَّا نقل أَن بعض الأشاعرة أَن الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي لَا اعْتِبَار لَهما بِنَاء على أَن الْعبْرَة فيهمَا بالخاتمة على مَا يفهم من قَوْله تَعَالَى فِي حق إِبْلِيس {وَكَانَ من الْكَافرين} . وَمن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السعيد من سعد فِي بطن أمه والشقي من شقي فِي بطن أمه فَيصح أَن يُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على مَا يفهم من الْآيَة الْكَرِيمَة والْحَدِيث الشريف تفويضا للْإيمَان إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى. وَلما لم يكن لَهما دلَالَة على عدم اعْتِبَار الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي بل على أَن الْعبْرَة فِي الْإِيمَان المنجي وَالْكفْر المهلك بالخاتمة فَلَا يَصح ذَلِك القَوْل على الْبناء الْمَذْكُور. فَأَشَارَ إِلَى بطلَان ذَلِك بِأَن الْإِيمَان الحالي سَعَادَة وَالْكفْر الحالي شقاوة. لِأَن الْمُؤمن بِالْإِيمَان يصير من أوليائه تَعَالَى. وَالْكَافِر بِكُفْرِهِ من أعدائه تَعَالَى فَإِذا آمن يكون سعيدا فِي الْحَال بِاعْتِبَار الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة. وَكَذَا إِذا كفر يكون شقيا فِي الْحَال بِاعْتِبَار تِلْكَ الْأَحْوَال وكل وَاحِد من هَذِه السَّعَادَة والشقاوة لَيست منوطة بالخاتمة فَلَا يَصح لِلْمُؤمنِ أَن يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بتفويض هَذِه السَّعَادَة أَي الْإِيمَان الحالي إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى لوُجُوده فِي الْحَال. فَإِن قيل إِن صِفَاته تَعَالَى لَا تَتَغَيَّر فَكيف تَتَغَيَّر السَّعَادَة بالشقاوة وَبِالْعَكْسِ. قُلْنَا إِن من صِفَاته تَعَالَى الإسعاد والإشقاء أَي تكوين السَّعَادَة والشقاوة لَا السَّعَادَة والشقاوة فَإِنَّهُمَا صفتا العَبْد كسبيتان لَهُ تتغيران فَإِن رجلا لما آمن يكون مُؤمنا سعيدا ثمَّ إِذا كفر وارتد يكون كَافِرًا شقيا. والأشاعرة أَيْضا قَائِلُونَ بِتَغَيُّر هَذِه السَّعَادَة والشقاوة أَي الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي وَلَا يفوضونها إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى. فَكيف يَصح قَوْلهم أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على أَن الْعبْرَة إِلَى آخِره. وَأما وَصفه تَعَالَى وَهُوَ الإسعاد والإشقاء أَي تكوين السَّعَادَة والشقاوة بِحَسب علمه تَعَالَى فِي الْأَزَل بِأَن خَاتِمَة فلَان تكون السَّعَادَة وخاتمة فلَان تكون بالشقاوة فَلَا تغير فِيهِ أصلا وَإِذا نظرت حق النّظر علمت أَن هَذَا نزاع فِي الْكَلَام. ووفاق فِي المرام. وَعلم الْإِنْشَاء علم يعرف بِهِ محَاسِن التراكيب المنثورة من الْخطب والرسائل ومعانيها من حَيْثُ إِنَّهَا خطب ورسائل.