Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يزول

سَنَنَ

(سَنَنَ)
قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «السُّنَّة» وَمَا تصرَّف مِنْهَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا الطَّرِيقَةُ والسِّيرة. وَإِذَا أُطْلِقَت فِي الشَّرع فَإِنَّمَا يُرادُ بِهَا مَا أمَر بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنْهُ ونَدَب إِلَيْهِ قَوْلًا وفِعْلا، مِمَّا لَمْ يَنْطق بِهِ الكِتابُ العزيزُ. وَلِهَذَا يُقَالُ فِي أدِلَّة الشَّرع الكِتابُ والسُّنَّة، أَيِ الْقُرْآنُ والحديث. (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّمَا أُنَسَّى لِأَسُنَّ» أَيْ إِنَّمَا أُدْفَعُ إِلَى النِّسيان لأَسُوق النَّاسَ بالهِدَاية إِلَى الطَّرِيق المُسْتَقيم، وأُبِّينَ لَهُمْ مَا يَحْتاَجُون أَنْ يَفْعَلُوا إِذَا عَرَض لَهُمُ النّسيانُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ سَنَنْتُ الإبلَ إِذَا أحْسنت رِعْيتهاَ والقيامَ عَلَيْهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ «أَنَّهُ نَزَل المُحصَّب وَلَمْ يَسُنَّه» أَيْ لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّة يُعْمل بِهَا. وَقَدْ يَفْعلُ الشَّيْءَ لِسَبَبٍ خاصٍّ فَلَا يعُمّ غَيره. وَقَدْ يَفْعل لِمَعْنَى فَــيزُول ذَلِكَ المَعْنى وَيَبْقَى الْفِعْلُ عَلَى حَالِهِ مُتَّبعاً، كقَصْر الصَّلَاةِ فِي السَّفر لِلْخَوْفِ، ثُمَّ استمرَّ القَصْر مَعَ عَدَم الخَوف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «رَمَل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ» أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَسُنَّ فِعْلَه لِكاَفَّة الأمَّة، وَلَكِنْ لسَبب خاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يُرِى المُشْركين قُوَّة أَصْحَابِهِ، وَهَذَا مذهبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وغَيرُه يَرَى أَنَّ الرَّمَل فِي طَوَاف القُدوم سُنَّة.
وَفِي حَدِيثِ مُحَلِّم بْنِ جَثَّامة «اسْنُنِ اليومِ وغَيِّر غَدًا» أَيِ أعْمَل بسُنَّتك الَّتِي سَنَنْتَهَا فِي القِصاَص، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا شِئْتَ أَنْ تُغَير فَغيَّر: أَيْ تُغَير مَا سَنَنْت. وَقِيلَ تُغَير: مِنْ أخذِ الغِيَر، وَهِيَ الدِّية.
وَفِيهِ «إِنَّ أكبَرَ الْكَبَائِرِ أَنْ تُقاَتِل أَهْلَ صَفْقَتك، وتُبدِّل سُنَّتَك» أَرَادَ بتَبْديل السُّنة أَنْ يَرْجِعَ أعْرابيا بَعْدَ هِجْرته.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمَجُوسِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهلِ الْكِتَابِ» أَيْ خْذُوهم عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وأجْرُوهم فِي قَبُول الجِزْية مِنْهُمْ مُجْراهُم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يُنْقض عهدُهم عَنْ سُنَّةِ ما حل» أَيْ لَا يُنْقض بسَعْى ساعْ بالنَّمِيمة وَالْإِفْسَادِ، كَمَا يُقَالُ: لَا أُفْسِد مَا بَيْني وَبَيْنَكَ بِمَذَاهِبِ الْأَشْرَارِ وطُرُقِهم فِي الفَسادِ. والسُّنَّةُ الطَريقة، والسَّنَنُ أَيْضًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَلَا رجُلٌ يَرُدّ عنَّا مِنْ سَنَنِ هَؤُلَاءِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ «اسْتَنَّتْ شَرَفا أَوْ شَرَفَين» اسْتَنَّ الفَرَس يَسْتَنُّ اسْتِنَاناً: أَيْ عَدَا لِمَرَحِه ونشاَطِه شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ وَلَا رَاكِب عَلَيْهِ. (هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ فَرَس الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَله» .
(س) وَحَدِيثُ عُمَرَ «رأيتُ أَبَاهُ يَسْتَنُّ بسَيْفه كَمَا يَسْتَنُّ الْجَمَلُ» أَيْ يَمْرحُ ويَخْطُر بِهِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ السِّواك «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَنُّ بِعُودٍ مِنْ أرَاك» الِاسْتِنَانُ: اسْتعمال السِّواك، وَهُوَ افْتِعاَل مِنَ الْأَسْنَانِ: أَيْ يُمِرُّه عَلَيْهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجُمُعَةِ «وَأَنْ يَدَّهِن ويَسْتَنَّ» .
(س) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فأخذتُ الجَريدَة فَسَنَنْتُهُ بِهَا» أَيْ سَوّكْته بِهَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «أعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَهَا» قَالَ أَبُو عُبيد : إِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً فَكَأَنَّهَا جَمْعُ الْأَسْنَانِ. يُقَالُ لِمَا تَأْكُلُهُ الْإِبِلُ وتَرعاه مِنَ العُشْب سِنٌّ وجَمْعه أَسْنَانٌ، ثُمَّ أَسِنَّةٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ : الْأَسِنَّةُ جَمْعُ السِّنَانِ لَا جَمْع الأسْنان، تَقُولُ الْعَرَبُ: الحَمْضُ يَسُنَّ الْإِبِلَ عَلَى الخُلَّة: أَيْ يُقوّيها كَمَا يُقوىّ السَّنُّ حَدّ السِّكين. فالحمْض سِنَانٌ لَهَا عَلَى رَعْى الخُلَّة. والسِّنَانُ الِاسْمُ، وَهُوَ القُوّة.
واسْتَصوب الْأَزْهَرِيُّ القَوْلين مَعًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: السِّنُّ الْأَكْلُ الشَّدِيدُ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَصَابَتِ الإبلُ سِنّاً مِنَ الرِّعْى إِذَا مَشَقت مِنْهُ مَشقا صَالحا. ويُجمع السِّنُّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسْنَاناً [ثُمَّ تُجْمع الْأَسْنَانُ أَسِنَّة ] . مِثْلُ كِنٍّ وأكْناَن وأكنَّة .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «الْمَعْنَى أعْطُوها مَا تَمْتَنع بِهِ من النّحر؛ لأن صاحبها إذا أحسن رعيتها سمنَت وحَسُنت فِي عَيْنِهِ فيَبْخَل بِهَا مِنْ أَنْ تُنْحر، فشَبه ذَلِكَ بالأسِنَّة فِي وُقُوعِ الامتناع بها» . هَذَا عَلَى أنَّ المُراد بِالْأَسِنَّةِ جمعْ سِنَانٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا جَمْعُ سِنٍّ فَالْمَعْنَى أمْكنوها مِنَ الرِّعي.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أعْطُوا السِّنَّ حظَّها مِنَ السِّنِّ» أَيْ أعْطُوا ذَوَات السِّنِّ وَهِيَ الدَّوابُّ حظَّها مِنَ السِّن وَهُوَ الرِّعي.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فأمْكِنوا الرِّكاب أَسْنَاناً» أَيْ تَرْعى أسْناَنا.
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «أمَرَني أَنْ آخُذ مِنْ كُل ثَلَاثِينَ مِنَ البقَر تِبيعاً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّة» قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: البقرة والشاة يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ المُسِنِّ إِذَا أثْنَيا، وتُثْنَيان فِي السَّنَة الثَّالِثَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَى إِسْنَانِهَا كِبَرها كالرجُل المُسِنِّ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ طُلوع سِنّها فِي السَّنة الثَّالِثَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «يُنْفَى مِنَ الضَّحَايَا الَّتِي لَمْ تُسْنَنْ» رَوَاهُ القُتَيْبي بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى، قَالَ: وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَنْبُت أسْنانها، كَأَنَّهَا لَمْ تُعْطَ أَسْنَانًا، كَمَا يُقَالُ لَمْ يُلْبَن فُلَانٌ إِذَا لَمْ يُعْط لَبناً. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهِمَ فِي الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا المحفوظُ عَنْ أَهْلِ الثَّبْت والضبْط بِكَسْرِ النُّونِ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. يُقَالُ لَمْ تُسْنِنْ وَلَمْ تُسِنَّ. وَأَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُضَحَّى بِأُضْحِيَّةٍ لَمْ تُثْنِ:
أَيْ لَمْ تَصِرْ تَنَّية، فَإِذَا أثْنَت فَقَدْ أَسَنَّتْ. وَأَدْنَى الأسْناَن الإثْناَءُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ خَطب فذَكر الرِّبا فَقَالَ: إِنَّ فِيهِ أَبْوَابًا لَا تَخْفى عَلَى أحدٍ مِنْهَا السَّلّم فِي السِّنِّ» يَعْنِي الرقيقَ والدوابَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ. أرادَ ذواتَ السِّنِّ. وسِنُّ الْجَارِحَةِ مُؤَنَّثة. ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ للعُمْر استدِلاَلاً بِهَا عَلَى طُوله وقِصَره. وبَقيَتْ عَلَى التأنيْث.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ:
باَزِلُ عَامَيْن حَدِيثٌ سِنِّي أَيْ أَنَا شابٌ حَدَثٌ فِي العُمر، كَبِير قَوِىٌّ فِي العَقْل والعِلمْ.
(هـ) وَحَدِيثُ عُثْمَانَ «وجاوزتُ أَسْنَانَ أَهْلِ بَيْتِي» أَيْ أعْمارهم. يُقَالُ فُلَانٌ سِنُّ فلانَ، إِذَا كَانَ مثْله في السّنّ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن «لأُوطِئَنَّ أَسْنَانَ العرَب كَعْبَة» يُرِيد ذَوِي أسْناَنهم، وَهُمُ الأكَابِر والأشْرَاف.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «صَدَقني سِنَّ بَكْرِه» هَذَا مَثَلٌ يُضرب للصَّادِق فِي خبَره، وَيَقُولُهُ الإنسانُ عَلَى نَفْسه وَإِنْ كَانَ ضَارًّا لَهُ. وأصلهُ أَنَّ رجُلا ساَوَمَ رَجلا فِي بَكْرٍ ليشْتَريه، فَسَأَلَ صَاحِبَهُ عَنْ سِنِّهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَقِّ، فَقَالَ المُشْتَري: صَدَقَني سِنَّ بَكْره.
وَفِي حديثُ بَوْل الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ «فدعاَ بدَلْو مِنْ مَاءٍ فَسَنَّهُ عَلَيْهِ» أَيْ صَبَّه. والسَّنُّ الصَّبُّ فِي سُهُولة. وَيُرْوَى بِالشِّينِ. وَسَيَجِيءُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَمْرِ «سَنَّهَا فِي الْبَطْحَاءِ» .
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يَسُنُّ المْاءَ عَلَى وجْهه وَلَا يَشُنُّه» أَيْ كَانَ يَصُبُّه وَلَا يُفَرِّقه عَلَيْهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مَوْتِهِ «فَسُنُّوا عَلىَّ التُّرابــَ سَنّاً» أَيْ ضَعُوه وضْعا سَهْلا.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ حضَّ عَلَى الصَّدَقة، فَقَامَ رَجل قَبِيحُ السُّنَّة» : السُّنَّةُ: الصُّورةُ، وَمَا أقْبل عَلَيْكَ مِنَ الْوَجْهِ. وَقِيلَ سُنَّةُ الْخَدِّ: صَفْحته.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَرْوَعَ بنْتِ واشِقٍ «وَكَانَ زوجُها سُنَّ فِي بِئْرٍ» أَيْ تَغيَّر وأنْتَن، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» *
أَيْ مُتَغَيّر. وَقِيلَ أَرَادَ بسُنَّ أَسِنَ بِوَزْنِ سَمِعَ، وَهُوَ أَنْ يَدُورَ رأسُه مِنْ رِيح كَرِيهة شَمَّها ويُغْشَى عَلَيْهِ.

غَبَطَ

غَبَطَ الكَبْشَ يَغْبِطُهُ: جَسَّ ألْيَتَه لِيَنْظُرَ أبه طِرْقٌ أم لا، وظَهْرَهُ لِيَعْرِفَ هُزَالَهُ من سِمَنِه.
وناقةٌ غَبُوطٌ: لا يُعْرَفُ طِرْقُها حتى تُغْبَطَ.
والغُبْطَةُ، بالضم: سَيْرٌ في المَزَادَةِ يُجْعَلُ على أطْرافِ الأَديمَيْنِ، ثم يُخْرَزُ شَديداً، وبالكسر: حُسْنُ الحالِ، والمَسَرَّةُ، وقد اغْتَبَطَ، والحَسَدُ،
كالغَبْطِ، وقد غَبَطَهُ، كضَرَبه وسمِعَه، وتَمَنَّى نِعْمَةً على أن لا تَتَحَوَّلَ عن صاحِبِها،
فهو غابِطٌ، من غُبُطٍ، ككُتُبٍ. وفي الحديثِ: "اللهم غَبْطاً لاهَبْطاً" أي: نَسألُكَ الغِبْطَةَ، أو مَنْزِلَةً نُغْبَطُ عليها.
وأغُبَطَ الرَّحْلَ على الدابَّةِ: أدَامَهُ،
وـ السماءُ: دَامَ مَطَرُها،
وـ عليه الحُمَّى: دامَتْ،
وـ النَّبَاتُ: غَطَّى الأرضَ، وكَثُفَ، وتَدَانَى كأَنه من حَبَّةٍ واحِدَةٍ.
وأرضٌ مُغْبَطَةٌ، بالفتح.
وفي الحديثِ: "أنه، صلى الله عليه وسلم، جاءَ وهُمْ يُصَلُّونَ، فَجَعَلَ يُغَبِّطُهُم"، هكذا رُوِيَ مُشَدَّداً، أي: يَحْمِلُهُم على الغَبْطِ، ويَجْعَلُ هذا الفِعْلَ عندهم مما يُغْبَطُ عليه. وإن رُوِيَ بالتَّخْفِيف، فيكونُ قد غَبَطَهُم لِسَبْقِهِم إلى الصلاةِ.
والغَبْطُ، ويكْسَر: القبضاتُ المَحْصودَةُ المَصْرُومَةُ من الزَّرْع
ج: غُبُوطٌ. وكأَميرٍ: المَرْكَبُ الذي هو مِثلُ أُكُفِ البَخَاتِيِّ، أو رحْلٌ قَتَبُه وأحْناؤُهُ واحِدَةٌ
ج: ككُتُبٍ، ومَسِيلٌ من الماءِ يَشُقُّ في القُفِّ، والأرضُ المُطْمَئِنَّةُ، أو الواسِعَةُ المُسْتَوِيَةُ يَرْتَفِعُ طَرَفَاها، وأرضٌ لبني يَرْبوعٍ.
وغَبِيطُ المَدَرَةِ: ع، وله يومٌ.
والغَبِيطَانِ: ع، وله يومٌ، أو كِلاَهُما واحِدٌ.
وسَماءٌ غَبَطَى، كجَمَزَى: دائِمَةُ المَطَرِ.
والاغْتِباطُ: التَّبَجُّحُ بالحال الحَسَنَةِ.
(غَبَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ سُئل: هَلْ يَضُرُّ الغَبْط؟ قَالَ: لَا، إلاَّ كَمَا يَضُرُّ العِضَاهَ الخَبْطُ» الغَبْط: حَسَدٌ خاصُ. يُقَالُ: غَبَطْتُ الرجُل أَغْبِطُه غَبْطاً، إِذَا اشْتَهَيَتْ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا لَهُ، وَأَنْ يَدُوم عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ. وحَسَدْتُه أحْسُدُه حَسَداً، إِذَا اشْتَهَيْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مَا لَهُ، وأنْ يَزُول عَنْهُ مَا هُوَ فِيهِ. فَأَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنَّ الغَبْطَ لَا يَضُرُّ ضَرَرَ الحَسَد، وَأَنَّ مَا يَلْحَق الغَابِط مِنَ الضَّرر الرَّاجِعِ إِلَى نُقصان الثَّواب دُونَ الإحْباط بِقَدْرِ مَا يَلْحَقُ العِضَاهَ مِنْ خَبْط وَرَقها الَّذِي هُوَ دُونَ قَطْعها واسْتِئصالها، وَلِأَنَّهُ يَعودُ بَعْدَ الخْبط، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طَرَف مِنَ الحَسَد، فَهُوَ دُونَهُ فِي الإثْم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهم أهلُ الجَمْع» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدة كَمَا يُغْبَطُ الْيَوْمَ أَبُو العَشَرة» يَعْنِي أنَّ الْأَئِمَّةَ فِي صَدْر الْإِسْلَامِ يَرْزُقون عِيَال الْمُسْلِمِينَ وذَرارِيَّهُم مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَ أَبُو العَشَرة مَغْبُوطاً بكَثْرة مَا يَصِل إِلَيْهِ مِنْ أرْزاقِهم، ثُمَّ يَجِيء بَعْدَهُمْ أَئِمَّةٌ يَقْطَعون ذَلِكَ عَنْهُمْ، فيُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدة، لخِفَّة المؤُنة، ويُرْثَى لِصَاحِبِ العِيَال.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّلَاةِ «أَنَّهُ جَاءَ وَهُمْ يُصَلُّون فِي جَمَاعَةٍ، فجَعل يُغَبِّطُهُم» هَكَذَا رُوي بِالتَّشْدِيدِ:
أَيْ يَحْمِلُهم عَلَى الغَبْط، ويَجْعل هَذَا الفِعل عِنْدَهُمْ مِمَّا يُغْبَطُ عَلَيْهِ، وإنْ رُوِي بِالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ قَدْ غَبَطَهُم لتَقَدُّمِهم وسَبْقِهم إِلَى الصَّلَاةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللَّهُمَّ غَبْطاً لَا هَبْطاً» أَيْ أوْلِنَا مَنْزلةً نُغْبَطُ عَلَيْهَا، وجَنِّبنا مَنازل الهُبُوط والضَّعَة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَسْأَلُكَ الغِبْطَة، وَهِيَ النِّعْمة والسُّرور، وَنَعوذُ بِكَ مِنَ الذُّل والخُضُوع.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن «كأنَّها غُبُطٌ فِي زَمْخَر» الغُبُط: جَمْعُ غَبِيط، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُوَطَّأ لِلْمَرْأَةِ عَلَى البَعِير، كالهَوْدَج يُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ وَغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِهِ هَاهُنَا أحَدَ أخْشابه، شبَّه بِهِ القَوْس في انْحِنائها. [هـ] وَفِي حَدِيثِ مَرَضِهِ الَّذِي قُبِض فِيهِ «أَنَّهُ أَغْبَطَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى» أَيْ لَزِمَتْه وَلَمْ تُفارِقْه، وَهُوَ مِنْ وَضْع الغَبِيط عَلَى الجَمل. وَقَدْ أَغْبَطْتُه عَلَيْهِ إِغْبَاطاً.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ «فغَبَطَ مِنْهَا شَاةً فَإِذَا هِيَ لَا تُنْقِي» أَيْ جَسَّها بِيده.
يُقَالُ: غَبَطَ الشَّاةَ إِذَا لَمَسَ مِنْهَا الموْضِع الَّذِي يُعْرَف بِهِ سِمنُها مِنْ هُزَالِها. وَبَعْضُهُمْ يَرْويه بالعَين الْمُهْمَلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فإنَّه أرْاد بِهِ الْذَّبْح. يُقَالُ: اعْتَبَط الْإِبِلَ والغَنَم إِذَا نَحَرها لِغَيْرِ دَاءٍ.

قَلَعَ

(قَلَعَ)
(هـ) فِي صِفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إِذَا مَشى تَقَلَّعَ» أَرَادَ قُوَّةَ مَشْيه، كَأَنَّهُ يَرْفَع رِجْليه مِنَ الْأَرْضِ رَفْعاً قويَّاً، لَا كَمن يَمشِي اخْتِيالاً ويُقارِب خُطاه؛ فإنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْي النِّساء ويُوصَفْنَ بِهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ [ابْنِ ] أَبِي هَالَةَ فِي صفتِه عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِذَا زالَ زالَ قَلْعاً» يُرْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، فبالفْتح: هُوَ مَصْدر بِمَعْنَى الْفَاعِلِ: أَيْ يَزُول قالِعاً لرِجْله مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ بِالضَّمِّ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوِ اسْم، وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَتْحِ.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَرْفَ فِي كِتَابِ «غَرِيبِ الْحَدِيثِ» لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ «قَلِعاً» بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ. وَكَذَلِكَ قَرَأْتُهُ بخَطِّ الْأَزْهَرِيِّ، وَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَب» وَالانْحِدار: مِنَ الصَّبَب والتَّقَلُّع: مِنَ الْأَرْضِ قَرِيب بعضُه مِنْ بَعْضٍ، أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتعِمل التَّثَبُّت، وَلَا يَبِين مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اسْتعجالٌ ومُبادَرة شَدِيدَةٌ .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رجلٌ قِلْعٌ فادْعُ اللَّهَ لِي» قَالَ الْهَرَوِيُّ:
القِلْع: الَّذِي لَا يَثْبُت عَلَى السَّرْج. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «قَلِع» بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِمَعْنَاهُ.
وسماعِي «القِلْع» .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رجُلٌ قِلْعُ القَدَم ، بِالْكَسْرِ: إِذَا كَانَتْ قَدَمُهُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ الصّرَاع. وفلانٌ قُلَعَة: إِذَا كَانَ يَتَقَلَّع عَنْ سَرْجه. وَفِيهِ «بِئْسَ المالُ القُلْعَةُ» هُوَ العارِيَّة؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي يَدِ المسْتَعير ومُنْقَلِعٌ إِلَى مَالِكِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنَزلُ قُلْعَة» أَيْ تَحَوُّلٍ وارْتِحال.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «قَالَ لَمَّا نُودي: ليَخْرُجْ مَن فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا آلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآلَ عَلِيٍّ: خَرْجنا مِنَ الْمَسْجِدِ نَجُرُّ قِلاعَنا» أَيْ كُنُفنا وأمْتِعَتَنا، وَاحِدُهَا: قَلْع بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الكِنْف يَكُونُ فِيهِ زَادُ الرَّاعِي ومَتاعُه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَأَنَّهُ قِلْعُ دارِيّ» القِلْع بِالْكَسْرِ: شِراع السَّفينة. والدارِيُّ:
البَحَّار والمَلاَّح.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ» [قَالَ] مَا رُفِع قِلْعُه» وَالجوارِي: السُّفُن والمَراكِب.
وَفِيهِ «سُيوفُنا قَلَعيَّة» مَنْسُوبَةٌ إِلَى القَلَعة- بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ- وَهِيَ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ تُنْسَب السُّيوف إِلَيْهِ.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يَدْخُلُ الجنةَ قَلَّاعٌ وَلَا دَيْبُوب» هُوَ السَّاعِي إِلَى السُّلْطَانِ بِالْبَاطِلِ فِي حقِ النَّاسِ، سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ يَقْلَع المُتَمكِّن مِنْ قَلْب الْأَمِيرِ، فيُزِيله عَنْ رُتْبَتِه، كَمَا يُقْلَع النَّباتُ مِنَ الْأَرْضِ وَنَحْوُهُ. والقَلَّاع أَيْضًا: القَوّاد، والكَذَّاب، والنَّبَّاش، والشُّرَطِيُّ.
(هـ) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «قَالَ لأنَسٍ: لأقْلَعَنَّك قَلْعَ الصَّمْغة» أَيْ لأسْتَأصلَنَّك كَمَا يَسْتأصلُ الصَّمْغةَ قالِعُها مِنَ الشَّجَرَةِ .
وَفِي حَدِيثِ المَزادَتين «لَقَدْ أَقْلَع عَنْهَا» أَيْ كَفّ وتَرك، وأَقْلَعَ المطَرُ: إِذَا كَفَّ وانْقَطع.
وأَقْلَعَت عَنْهُ الحُمَّى: إِذَا فارَقَتْهُ. 

كَوَنَ

(كَوَنَ)
(س) فِيهِ «مَن رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فإنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَتَكَوَّنُ فِي صُورِتي» أَيْ يَتَشَبَّه بِي ويَتَصوّر بصُورتي. وَحَقِيقَتُهُ: يَصِير كائِناً فِي صُورتِي.
وَفِيهِ «اعُوذ بِكَ مِنَ الحَوْر بَعْدَ الكَوْن» الكَوْن: مَصْدَرُ «كَان» التامَّة. يُقَالُ: كَانَ يكونُ كَوْناً: أَيْ وُجِدَ واسْتَقرّ: أَيْ أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّقْص بَعْدَ الوجُود والثَّبات.
ويُروَى بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ «رَأَى رجُلاً يَزُول بِهِ السَّراب، فَقَالَ: كُن أَبَا خَيْثَمة» أَيْ صِرْ: يُقَالُ للرجُل يُرَى مِنْ بَعِيد: كُنْ فُلاناً، أَيْ أنتَ فلانٌ، أَوْ هو فلان. (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ دَخل الْمَسْجِدَ فرَأى رجُلاً بَذَّ الهَيْأة، فَقَالَ: كُنْ أَبَا مُسلم» يَعْنِي الخَوْلانيَّ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ دَخل الْمَسْجِدَ وَعَامَّةُ أَهْلِهِ الكُنْتِيُّون» هُمُ الشُّيُوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كُنَّا كَذَا، وَكَانَ كَذَا، وكنتَ كَذَا. فَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى كُنْتُ. يُقَالُ: كَأَنَّكَ وَاللَّهِ قَدْ كنتَ وصِرْتَ إِلَى كَانَ وَكُنْتَ: أَيْ صِرْتَ إِلَى أنْ يُقَالَ عَنْكَ: كَانَ فُلان، أَوْ يُقَالُ لَكَ فِي حَالِ الهَرَم: كُنْتَ مَرَّة كَذَا، وَكُنْتَ مَرَّةً كَذَا.

مِزْيَلٌ

(مِزْيَلٌ)
- فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّ رَجُلَين تداعَيا عندَه، وَكَانَ أحَدُهما مِخْلَطاً مِزْيلا» المِزْيَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ: الجَدِلُ فِي الخُصوماتِ، الَّذِي يَزُولُ مِنْ حُجَّة إِلَى حُجَّةٍ.
وأصلُها الْوَاوُ. والميمُ زائدةٌ.

مَوَتَ

(مَوَتَ)
- فِي دُعَاءِ الانْتِباه «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بعدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» سَمَّى النَّومَ مَوْتاً، لِأَنَّهُ يَزُولُ مَعَهُ العقلُ والحركةُ، تَمْثِيلًا وَتَشْبِيهًا، لَا تَحقيقاً.
وَقِيلَ: الْمَوْتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُطلق عَلَى السُّكُونِ. يُقَالُ: مَاتَتِ الرَّيحُ: أَيْ سَكَنَت.
والْمَوْتُ يقعُ علَى أَنْوَاعٍ بحَسَب أنواعِ الحياةِ، فَمِنْهَا مَا هُوَ بإزَاءِ القُوّةِ النَّامِيَةِ الموجودة فى الحيوان والنّبات، كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.
ومنها زوالُ القُوَّةِ الحِسِّيَّةِ، كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا.
وَمِنْهَا زوالُ القُوَّةِ الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ الجَهالة، كَقَوْلِهِ تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
وإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى.
وَمِنْهَا الحُزْنُ والخَوْف المكَدِّرُ للحياةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ.
وَمِنْهَا المنَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها.
وَقَدْ قِيلَ: المنامُ: المَوْتُ الخفيفُ، والمَوْتُ: النَّومُ الثَّقيل.
وَقَدْ يُسْتعارُ المَوْتُ للأحوالِ الشّاقَّةِ، كالفقرِ، والذُّلِّ، والسُّؤالِ، والْهَرَمِ، والْمعصِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أولُ مَنْ مَاتَ إِبْلِيسُ» لِأَنَّهُ أوّلُ مَنْ عَصَى.
(س) وَحَدِيثُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «قِيلَ لَهُ: إِنَّ هامَانَ قَدْ مَاتَ، فَلَقِيهُ، فسألَ رَبَّه، فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَعْلَمُ أنَّ مَن أَفْقَرْتُه فَقدْ أَمَتُّهُ» .
(س) وَحَدِيثُ عُمَرَ «اللَّبَنُ لَا يَمُوتُ» أَرَادَ أَنَّ الصَّبيَّ إِذَا رَضَعَ امْرأةً مَيِّتَةً حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ ولَدِها وقَرَابَتِها مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ لَوْ كانتْ حَيَّةً وَقَدْ رَضِعها. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِذَا فُصِلَ اللَّبنُ مِنَ الثَّدْي وأُسْقِيَهُ الصَّبِيُّ، فَإِنَّهُ يحرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بالرّضَاعِ، وَلَا يَبْطُل عَملُه بمُفارَقةِ الثَّدِيِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا انْفَصَلَ مِنَ الحيِّ مَيِّتٌ، إلاَّ اللَّبَنَ والشَّعَرَ والصُّوفَ، لِضَرُورَةِ الاسْتِعمالِ.
وَفِي حَدِيثِ الْبَحْرِ «الحِلُّ مَيْتَتُهُ» هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ: اسمٌ لِمَا مَاتَ فيهِ مِنْ حيوانهِ. وَلَا تُكْسَرُ الميمُ.
وَفِي حَدِيثِ الفِتَن «فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهليَّةً» هِيَ بِالْكَسْرِ: حالةُ الموتِ: أَيْ كَمَا يموتُ أهلُ الجاهليَّة، مِنَ الضَّلالِ والفُرْقَةِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمة «لَمْ يَكُنْ أصحابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَحَزِّقين وَلَا مُتَمَاوِتِينَ» يُقَالُ: تَمَاوَتَ الرَّجُلُ، إِذَا أظهرَ مِنْ نفْسه التَّخافُتَ والتَّضَاعُفَ، مِنَ العِبادَةِ والزُّهدِ والصَّومِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «رَأَى رجُلاً مُطَأْطِئاً رأسَه، فَقَالَ: ارْفَعْ رأسَك، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمَريِض» .
وَرَأَى رجُلاً مُتَمَاوِتاً، فَقَالَ: «لَا تُمِتْ عَلَيْنَا دِينَنَا، أَمَاتَكَ اللهُ» .
(س) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «نَظَرَت إِلَى رجُل كَادَ يَمُوتَ تَخافُتاً، فَقَالَتْ: مَا لِهَذَا؟ فَقِيلَ:
إنَّه مِنَ القُرَّاءِ، فَقَالَتْ: كَانَ عُمَرَ سيِّدَ القُرَّاءِ، كَانَ إِذَا مَشَى أسْرَع، وَإِذَا قَالَ أسْمَع، وَإِذَا ضَرَبَ أوجَعَ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ «أَرَى القَوْمَ مُسْتَمِيتِينَ» أَيْ مُسْتَقْتِلينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُون عَلَى الموْتِ.
(س) وَفِيهِ «يَكُونُ فِي النَّاسِ مُوتَانٌ كَقُعَاصِ الغَنَمِ» الْمُوتَانُ، بِوَزْنِ البُطْلانِ:
الموْتُ الكثيرُ الوُقوعِ.
وَفِيهِ «مَن أحْيا مَوَاتاً فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» الْمَوَاتُ: الأرضُ التَّي لَمْ تُزرَعْ ولَم تُعْمَرْ، وَلَا جَرى عَلَيْهَا مِلْكُ أحَدٍ. وإحياؤُها: مبُاشَرَةُ عمِارَتها، وتأثيرُ شَيْءِ فِيهَا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَوَتَانُ الأرْضِ لِلَّهِ ولِرسوله» يَعْنِي مَوَاتَهَا الَّذِي لَيْسَ مِلْكاً لأحَد. وَفِيهِ لُغَتَانِ: سُكُونُ الواوِ، وفَتحها مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ.
والْمَوَتَانُ أَيْضًا: ضدَّ الحَيوانِ.
وَفِيهِ «كَانَ شِعَارُنا: يَا منصورُ أَمِتْ» هُوَ أَمْرٌ بالموْتِ. وَالْمُرَادُ بِهِ التفاؤُل بالنَّصرِ بعدَ الأمْرِ بِالْإِمَاتَةِ، مَعَ حُصُولِ الغَرَضِ للشِّعارِ، فإنَّهم جَعلوا هَذِهِ الكَلِمةَ عَلَامَةً بَيْنَهُمْ، يتَعارفُون بِهَا؛ لأجْل ظُلْمةِ اللَّيلِ.
وَفِي حَدِيثِ الثُّوم والبَصَل «مَن أكَلَهُما فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخاً» أي فلْيُبَالِغْ في طَبْخِهما؛ لتَذْهَبَ حِدّتُهما ورائحَتُهما.
وَفِي حَدِيثِ الشَّيْطَانِ «أَمَّا هَمْزُهُ فَالْمُوتَةُ» يَعْنِي الجُنونَ. وَالتَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ.
فَأَمَّا «غَزْوَةُ مُؤْتَةَ» فَإِنَّهَا بِالْهَمْزِ. وَهِيَ موضِعٌ مِنْ بَلَدِ الشَّام.

وَلَا

(وَلَا)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى «الْوَلِىُّ» هُوَ النَّاصر. وَقِيلَ: الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ العَالَم والخَلائِق القائِمُ بِهَا.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ «الْوَالِي» وَهُوَ مَالِك الأشْياء جَمِيعها، المُتَصَرِّفُ فِيهَا. وَكَأَنَّ الْوِلَايَةُ تُشْعِرُ بالتَّدْبِير والقُدْرة والفِعْل، وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَنْطَلِق عَليه اسْم الْوَالِي.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْع الْوِلَاءِ وهِبَتِه» يَعْني وَلاءَ العِتْق، وهُو إِذَا ماتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ مُعْتِقُه، أَوْ وَرَثَةُ مُعْتِقِه، كَانَتِ العَرَب تَبِيعُه وتَهَبُه فنُهِي عَنْهُ، لأنَّ الْوِلَاءَ كالنَّسَب، فَلَا يَزول بالإزَالَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْوِلَاءُ لِلْكُبْر» أَيِ الأعْلَى فالأعْلَى مِنْ وَرَثة المُعْتِق.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ تَوَلَّى قَوْماً بِغَيْرِ إذْن مَوَالِيهِ» أي اتّخَذَهُم أَوْلِيَاءَ لَهُ» ظاهِرُه يُوهِمُ أَنَّهُ شَرْط، وَلَيْسَ شَرْطاً، لأنَّه لَا يَجوز لَهُ إِذَا أذِنوا أَنْ يُوالِيَ غَيْرَهُم، وإنَّما هُو بمعْنَى التَّوْكيد لِتَحْريمه، والتَّنْبيه عَلَى بُطْلانِه، والإرْشادِ إِلَى السَّبَب فِيهِ، لِأَنَّهُ إِذَا اسْتأذنَ أوْلِياءَه فِي مُوَالَاةِ غَيرهم مَنَعُوه فَيَمْتنع. وَالْمَعْنَى: إنْ سَوّلَتْ لَهُ نَفْسُه ذَلِكَ فَلْيَسْتأذِنْهم، فإنَّهُم يَمْنَعُونه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «مَوْلَى القَوْمِ مِنهم» الظَّاهِر مِن المَذاهِب والمَشهورُ أَنَّ مَوالِيَ بَنِي هاشِم والمُطَّلِب لَا يَحْرُم عَلَيْهِمْ أخْذُ الزَّكاة؛ لاِنْتِفاء النَّسَب الَّذِي بِهِ حَرُم عَلَى بَنِي هاشِم والمُطَّلِب.
وَفِي مَذْهَب الشافِعي عَلى وجْهٍ أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى المُوالِي أخْذُها، لِهَذا الْحَدِيثِ.
ووَجْه الجَمع بَيْنَ الْحَدِيثِ ونَفْيِ التَّحريم أَنَّهُ إنَّما قَالَ هَذَا القولَ تَنْزِيهاً لَهُم، وبَعْثاً عَلَى التَّشَبُّه بِسَادَتِهم والإسْتِنَان بِسُنَّتِهم فِي اجْتِنَاب مَالِ الصَّدقة التَّي هِيَ أوْسَاخ النَّاس.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المَوْلَى» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ اسْمٌ يقَع عَلَى جَماعةٍ كَثيِرَة، فَهُوَ الرَّبُّ، والمَالكُ، والسَّيِّد، والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه. وأكْثرها قَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ، فَيُضاف كُلّ واحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضيه الحديثُ الوَارِدُ فِيهِ. وكُلُّ مَن وَلِيَ أمْراً أَوْ قَامَ بِهِ فَهُو مَوْلاهُ وَوَليُّه. وَقَدْ تَخْتَلِف مَصادرُ هَذِهِ الأسْمَاء. فَالْوَلَايَةُ بالفَتْح، فِي النَّسَب والنُّصْرة والمُعْتِق. والْوِلَايَةُ بالكسْر، فِي الإمَارة. والوَلاءُ، المُعْتَق والمُوَالاةُ مِن وَالَى القَوْمَ.
(هـ س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن كُنْتُ مَوْلاه فَعَليٌّ مَوْلاه» يُحْمَل عَلَى أكْثر الأسْمَاء المذْكورة.
قَالَ الشَّافعي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَعْني بذَلِك وَلَاءَ الإسْلام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ.
وَقَوْلِ عُمَرَ لعلىٍّ «أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤمِن» أَيْ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ.
وَقِيلَ: سَبب ذَلِكَ أنَّ أُسامةَ قَالَ لِعَلِيّ: لَسْتَ مَوْلايَ، إنَّما مَوْلاي رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن كُنْتُ مَوْلاهُ فَعليٌّ مَوْلاه» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أيُّما امْرأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ مَولاها فنكاحُها باطِل» وَفِي رِوَايَةٍ «وليِّها» أَيْ مُتَوَلّي أَمْرِهَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُزَيْنة وجُهَيْنة وأسْلَم وَغِفَارٌ مَوالي اللَّهِ وَرَسُولِهِ» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «أسألُك غِنَايَ وغِنَى مَوْلاي» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَن أسْلَم عَلَى يَدِه رجلٌ فَهُوَ مَوْلاه» أَيْ يَرِثُه كَمَا يَرِثُ مَن أعْتَقَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ مُشْرِك يُسْلِم عَلَى يَدِ رَجل مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ:
هُوَ أَوْلَى الناسِ بمَحْياه ومماتِه» أَيْ أحقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. ذهَبَ قومٌ إِلَى العَمل بِهَذَا الْحَدِيثِ، واشْتَرط آخَرون أَنْ يُضِيفَ إِلَى الْإِسْلَامِ عَلَى يَدِهِ الْمُعَاقَدَةَ وَالْمُوَالَاةَ.
وذَهب أكثَر الْفُقَهَاءِ إِلَى خِلاف ذَلِكَ، وجَعَلوا هَذَا الحديثَ بِمَعْنَى الْبِرِّ والصِّلة ورَعْيِ الذِّمام.
وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ألْحِقُوا المالَ بالفَرائِض، فَمَا أبْقَتِ السِّهامُ فَلِأَوْلَى رجُلٍ ذَكَرٍ» أَيْ أدْنَى وأقرَبَ فِي النَّسَب إِلَى المَوْرُوث.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «قَامَ عَبْدُ اللَّه بْنُ حُذافة فَقَالَ: مَن أَبِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُوكَ حُذافة، وسَكَت رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَوْلَى لَكُمْ وَالَّذِي نَفْسي بِيدِه» أَيْ قَرُبَ مِنْكُمْ مَا تَكْرَهون، وَهِيَ كَلمةُ تَلَهُف، يقولُها الرَّجُلُ إِذَا أفْلَتَ مِنْ عَظِيمَةٍ.
وَقِيلَ: هِيَ كَلمة تَهدُّد وَوَعيد. قَالَ الأصمَعي: مَعْنَاهُ: قارَبَه مَا يُهْلِكُه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الحنفيَّة «كَانَ إِذَا ماتَ بعضُ وُلْده قَالَ: أوْلَى لِي، كِدْت أَنْ أكونَ السَّوادَ المُخْتَرَم» شَبَّه كادَ بِعَسَى، فأدخَل فِي خَبَرها أنْ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا يُعْطَى مِنَ المَغانم شيءٌ حَتَّى تُقسم، إلاَّ لِرَاعٍ أَوْ دليلٍ غَيْرَ مُولِيهِ، قُلْتُ: مَا مُوليه؟ قَالَ: مُحابِيه» أَيْ غَيْرَ مُعطِيه شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّه، وَكُلُّ مَنْ أعْطَيْتَه ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُكافأة فقد أوليته. وَفِي حَدِيثِ عَمّار «قَالَ لَهُ عُمَر فِي شَأْنِ التّيَمُّم: كَلا، واللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مَا تَوَلَّيْتَ» أَيْ نَكِلُ إِلَيْكَ مَا قلتَ، ونَرُدُّ إِلَيْكَ مَا وَلَّيْتَه نفسَك، ورَضِيتَ لهَا بِهِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ سُئل عَنِ الإبِل، فَقَالَ: أعْنَان الشَّيَاطِينِ، لَا تُقْبِل إِلَّا مُوَلِّيَةً، وَلَا تُدْبر إِلَّا مُوَلِّيةً، وَلَا يَأْتِي نَفْعُها إِلَّا مِنْ جَانِبِهَا الْأَشْأَمِ» أَيْ إِنَّ مِن شأنِها إِذَا أقْبَلَت عَلَى صاحِبها أَنْ يَتَعَقَّبَ إقبالَها الإدْبارُ، وَإِذَا أدْبَرتْ أَنْ يَكُونَ إدبارُها ذَهاباً وفَناءً مُسْتأصِلا. وَقَدْ وَلّى الشيءُ وتَولّى، إِذَا ذَهَب هَارِبًا ومُدْبراً، وتَولّى عَنْهُ، إِذَا أعْرَض.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَجلِسَ الرجُلُ عَلَى الْوِلَايَا» هِيَ البَراذِع. سُمِّيَت بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَلِي ظَهْرَ الدَّابّة. قِيلَ: نَهى عَنْهَا، لِأَنَّهَا إِذَا بُسِطَت وافْتُرِشَت تَعَلَّقَ بِهَا الشَّوك والتُّراب وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ الدوابَّ، وَلِأَنَّ الجالِسَ عَلَيْهَا رُبَّما أصابَه مِنْ وَسَخِها ونَتْنِها ودَمِ عَقْرها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ باتَ بِقَفْرٍ، فَلَمَّا قَامَ لِيَرْحَل وجَد رَجُلاً طُولُه شِبْرَانِ، عَظِيمَ اللِّحْية عَلَى الوَليَّة، فنَفَضَها فَوَقَع» .
(س) وَفِي حَدِيثِ مُطَرِّف الباهِليِّ «تَسْقيه الْأَوْلِيَةُ» هِيَ جَمْعُ وَلِىٍّ، وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يجيءُ بَعْد الوَسْمِيّ، سُمِّي بِهِ، لِأَنَّهُ يَلِيهِ: أَيْ يَقْرُب مِنْهُ ويَجيءُ بَعْدَه.

يَتِمَ

(يَتِمَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْر «الْيُتْمِ، والْيَتِيمِ، والْيَتِيمَة، والْأَيْتَامُ، والْيَتَامَى» ومَا تَصَرَّف مِنْهُ. الْيُتْمُ فِي النَّاسِ: فَقْدُ الصَّبيِّ أباهُ قَبْل البُلُوغِ، وَفِي الدَّوابِّ: فَقْدُ الْأُمِّ. وَأَصْلُ الْيُتْمُ بالضَّم وَالْفَتْحِ: الانْفَرادُ. وَقِيلَ: الغَفْلَة. وَقَدْ يَتِمَ الصَّبيُّ، بِالْكَسْرِ، يَيْتَمُ فَهُو يَتِيمٌ، والأنثَى يَتِيمَة، وجَمْعُها: أَيْتَامٌ، ويَتَامَى. وَقَدْ يُجْمَع الْيَتِيمُ عَلَى يَتَامَى، كأسِير وأسَارَى. وَإِذَا بَلَغَا زَالَ عَنْهُما اسْمُ اليُتْم حَقيقَة. وَقَدْ يُطْلَق عَليْهِما مجَازاً بَعْد البُلُوغ، كَمَا كانُوا يُسَمُّون النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَبِير: يَتِيمَ أَبِي طَالِب، لِأَنَّهُ رَبَّاه بَعْد مَوْتِ أبِيه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تُسْتَأمَرُ اليَتيمةُ فِي نَفْسها، فإنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُها» أرادَ باليَتِيمة البِكْرَ البَالِغَةَ الَّتِي مَاتَ أبُوهَا قَبْل بُلُوغِها، فَلَزِمَها اسْمُ اليُتْم فَدُعيَتْ بِهِ وَهِيَ بالِغَة، مَجَازاً.
وَقِيلَ: المرأةُ لَا يزوُل عَنْهَا اسْمُ اليُتْم مَا لَمْ تَتَزوّج، فَإِذَا تَزَوّجَتْ ذَهَبَ عَنْهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبِي «أنَّ امْرأةً جَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إنِّي امْرأة يَتِيمَةٌ فَضَحِك أصْحابُه، فَقَالَ: النِّساء كُلُّهُنَّ يَتَامَى» أَيْ ضَعَائِفُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَتْ لَهُ بِنْتُ خُفافٍ الغِفَاريّ: إنِّي امْرَأَةٌ مُوتِمَةٌ تُوُفِّيَ زَوْجي وتَركَهُم» يُقَالُ: أَيْتَمَتِ المرأةُ فَهِيَ مُوتِمٌ ومُوتِمَةٌ، إِذَا كانَ أولادُها أيْتَاماً.

النّسخ

النّسخ: فِي الْمَنْسُوخ.
النّسخ:
[في الانكليزية] Annulment ،transcription ،copy
[ في الفرنسية] Annulation ،transcription ،copie
بالفتح وسكون السين في اللغة يقال لمعنيين أحدهما الإزالة يقال نسخت الشمس الظّل وانتسخته أي أزالته ونسخت الريح آثار القدم أي أزالتها وغيّرتها. وثانيهما النقل يقال نسخت الكتاب وانتسخته أي نقلت ما فيه إلى آخره ونسخت النحل بالحاء المهملة أي نقلتها من موضع إلى موضع. قال السجستاني النسخ أن يحول ما في الحلبة من النحل والعسل إلى أخرى غيرها، ومنه المناسخة والتّناسخ في الميراث وهي أن تموت ورثة بعد ورثة، سمّي بذلك لانتقال المال من وارث إلى وارث، ومنه التناسخ في الأرواح لأنّها تنتقل من بدن إلى بدن. واختلف في حقيقته فقيل حقيقة لهما فهو مشترك بينهما لفظا، وقيل للأول وهو الإزالة وللنقل مجاز باسم اللازم إذ في الإزالة نقل من حالة إلى حالة. وقيل للثاني وهو النقل وللإزالة مجاز باسم الملزوم. وعند الحكماء قسم من التّناسخ ويفسّر بنقل النفس الناطقة من بدن إنساني إلى بدن إنساني آخر كما سيجيء. وعند أهل البديع قسم من السّرقة ويسمّى انتحالا وقد سبق. وعند أهل الشرع أن يرد دليل شرعي متراخيا عن دليل شرعي مقتضيا خلاف حكمه أي حكم الدليل الشرعي المتقدّم. فالدليل الشرعي المتأخّر يسمّى ناسخا والمتقدّم يسمّى منسوخا، وإطلاق الناسخ على الدليل مجاز لأنّ الناسخ حقيقة هو الله تعالى فخرج التخصيص لأنّه لا يكون متراخيا، وخرج ورود الدليل الشرعي مقتضيا خلاف حكم العقل من الإباحة الأصلية. والمراد بخلاف حكمه ما يدافعه وينافيه لا مجرّد المغايرة كالصوم والصلاة.
وذكر الدليل ليشمل الكتاب والسنة قولا وفعلا وغير ذلك، وخرج ما يكون بطريق الإنساء والإذهاب من القلوب من غير أن يرد دليل، ودخل فيه نسخ التلاوة فقط لأنّه نسخ الأحكام المتعلّقة بالتلاوة بالحقيقة كجواز الصلاة وحرمة القراءة والمسّ للجنب والحائض ونحو ذلك، وإن لم تكن التلاوة نفسها حكما. قالوا لمّا كان الشارع عالما بأنّ الحكم الأول مؤقّت إلى وقت كذا كان الدليل الثاني بيانا محضا لمدة الحكم بالنظر إلى الله تعالى، ولمّا كان الحكم الأول مطلقا عن التأبيد والتوقيت كان البقاء فيه أصلا عندنا معاشر الحنفية لجهلنا عن مدته.
فالثاني يكون تبديلا بالنسبة إلى علمنا حيث ارتفع بقاء ما كان الأصل بقاؤه. ولذا قيل في بعض الكتب وأمّا التبديل وهو النسخ فهو بيان انتهاء حكم شرعي مطلق عن التأبيد والتوقيت بنصّ متأخّر عن مورده. واحترز بالشرعي عن غيره وبالمطلق عن الحكم المؤقّت بوقت خاص فإنّه لا يصحّ نسخه قبل انتهائه فإنّ النسخ قبل تمام الوقت بداء على الله تعالى، تعالى عن ذلك، وبقيد متأخّر خرج التخصيص، ولهذا قيل أيضا هو بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق الذي في تقدير أوهامنا استمراره لولاه بطريق التراخي، وفوائد القيود ظاهرة. وقال بعضهم هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخّر لا يقال ما ثبت في الماضي لا يمكن رفعه إذ لا يتصوّر بطلانه لتحققه، وما في المستقبل لم يثبت بعد، فكيف يبطل، فلا رفع حينئذ أيضا.
ولذا فرّوا من الرفع إلى الانتهاء لأنّا نقول ليس المراد بالرفع البطلان بل زوال ما يظنّ من التعلّق بالمستقبل يعني أنّه لولا الناسخ لكان في عقولنا ظنّ التعلّق بالمستقبل، فبالناسخ زال ذلك التعلّق المظنون، فمؤدّى الرفع والانتهاء واحد.
واعلم أنّ النسخ كما يطلق على ورود دليل شرعي إلى آخره كذلك يطلق على فعل الشارع، وبالنظر إلى هذا عرّفه من عرّفه بالبيان والرفع، وقد يطلق بمعنى الناسخ وإليه ذهب من قال هو الخطاب الدّال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدّم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه. قيل يرد عليه أنّ قول العدل نسخ حكم كذا يدخل في الحد مع انه ليس نسخا وان فعل الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون نسخا مع انه يخرج عن الحد واجيب عنهما بان المراد بالدال الدال بالذات وهو قول الله تعالى وخطابه وقول العدل وفعل الرسول إنّما يدلان بالذات على ذلك القول. فإن قيل فعلى هذا لا يكون قول الرسول ناسخا. قلت: يفرّق بين قوله وفعله بأنّه وحي فكأنّه نفس قول الله تعالى، بخلاف الفعل فإنّه إنّما يدلّ عليه. قيل قوله لولاه لكان ثابتا يخرج قول العدل لأنّه قد ارتفع الحكم بقول الشارع رواه العدل أم لا. وقوله مع تراخيه يخرج الغاية مثل صم إلى غروب الشمس والاستثناء ونحوهما وإليه ذهب الإمام أيضا حيث قال هو اللفظ الدّال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول، ومعناه أنّ الحكم كان دائما في علم الله تعالى وأمّا مشروطا بشرط لا يعلمه إلّا هو، وأجل الدوام أن يظهر انتفاء ذلك الشرط فينقطع الحكم ويبطل، وما ذلك إلّا بتوفيقه تعالى إيّاه. فإذا قال قولا. دالا عليه فذلك هو النسخ ويرد عليه أيضا الإيرادان السابقان، والجواب الجواب السابق. وبالنظر إلى هذا أيضا قال الفقهاء هو النصّ الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع تراخيه عن مورده أي مع تراخي ذلك النّصّ عن مورده أي موضع ورود ذلك فخرج الغاية ونحوها. ويرد عليه الإيرادان السابقان، والجواب الجواب. وقالت المعتزلة أيضا هو اللفظ الدّال على أنّ مثل الحكم الثابت بالنّصّ المتقدّم زائل على وجه لولاه لكان ثابتا، واعترض عليه بأنّ المقيّد بالمرّة إذا فعل مرة يصدق هذا التعريف على اللفظ الذي يفيد تقييده بالمرّة مع أنّه ليس بنسخ، كما إذا قال الشارع يجب عليك الحج في جميع السّنين مرة واحدة، وهو قد حجّ مرة، فإنّ قوله مرة واحدة لفظ دالّ على أنّ مثل الحكم الثابت بالنصّ السابق زائل عن المخاطب على وجه لولا ذلك اللفظ لكان مثل ذلك الحكم ثابتا بحكم عموم النّصّ الذي يدفعه التقييد بالمرّة. واعلم أنّ جميع هذه التعاريف لا تتناول نسخ التلاوة اللهم إلّا أن يقال إنّه عبارة عن نسخ الأحكام المتعلّقة بنفس النظم كالجواز في الصلاة وحرمة القراءة على الجنب والحائض ونحو ذلك كما عرفت سابقا.

التقسيم:
في الإتقان النسخ أقسام. الأول نسخ المأمور به قبل امتثاله وهو النسخ على الحقيقة كآية النجوى. الثاني ما نسخ مما كان شرعا لمن قبلنا كآية شرع القصاص والدّية، أو كان أمر به أمرا جمليا كنسخ التوجّه إلى بيت المقدس بالكعبة وصوم عاشوراء برمضان، وإنّما يسمّى هذا نسخا تجوّزا. الثالث ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصّفح ثم نسخ بإيجاب القتال، وهذا في الحقيقة ليس نسخا بل هو من أقسام المنسأ كما قال تعالى أَوْ نُنْسِها فالمنسئ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوي المسلمون وفي حالة الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى، وبهذا يضعف ما ذكره كثيرون من أنّ الآيات في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أنّ كلّ أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلّة تقتضي ذلك الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ، إنّما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله. وأيضا النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب: ما نسخ تلاوته وحكمه معا.

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (وكان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهنّ مما يقرأ من القرآن) رواه الشيخان، أي قارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة أو أنّ التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها. والضرب الثاني ما نسخ حكمه دون تلاوته نحو قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ نسخت بآية القتال، والضرب الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله انتهى.
فائدة:
محلّ النسخ حكم شرعي قديم أي لم يلحقه تأبيد ولا توقيف فتخرج الأحكام الحسّية والعقلية والأخبار عن الأمور الماضية أو الواقعة في الحال أو الاستقبال مما يؤدّي نسخه إلى جهل، بخلاف الأخبار عن حل الشيء مثل هذا حرام وذلك حلال. وفي الاتقان لا يقع النسخ إلّا في أمر أو نهي ولو بلفظ الخبر، وأمّا الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد فمن أدخل في كتاب النسخ كثيرا من آيات الأخبار والوعد والوعيد فقد أخطأ.
فائدة:
شرط النسخ التمكّن من الاعتقاد ولا حاجة إلى التمكّن من الفعل عندنا، وعند المعتزلة لا يصحّ قبل الفعل لأنّ المقصود منه الفعل، فقبل حصوله يكون بداء. ولنا أنّه عليه الصلاة والسلام أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ثم نسخ الزائد على الخمس مع عدم التمكّن من الفعل. فائدة:
الناسخ إمّا الكتاب أو السّنّة دون القياس والإجماع، فيكون أربعة أقسام: نسخ الكتاب بالكتاب أو السنة بالسنة أو الكتاب بالسنة أو العكس، هذا عند الحنفية. وقال الشافعي رحمه الله تعالى بفساد الأخيرين، وتوضيح المباحث يطلب من التوضيح والعضدي وغيرهما من كتب الأصول.

النّسيان

النّسيان:
[في الانكليزية] Forgetting ،amnesia
[ في الفرنسية] Oubli ،amnesie
بالكسر وسكون السين هو عدم ما للصورة الحاصلة عند العقل من شأنه ملاحظة في الجملة أعمّ من أن يكون بحيث يتمكّن من ملاحظتها أيّ وقت شاء ويسمّى ذهولا أو سهوا، أو يكون بحيث لا يتمكّن من ملاحظتها إلّا بعد تجشّم كسب جديد وهذا هو النّسيان في عرف الحكماء كذا في التلويح، وقد سبق مثل هذا في لفظ السّهو أيضا. وفي شرح المواقف في مبحث الجهل ويقرب من الجهل البسيط السهو وكأنّه جهل بسيط سببه عدم استثبات التصوّر أي العلم تصوّريا كان أو تصديقيا، فإنّه إذا لم يتقرّر كان في معرض الزوال فيثبت مرة ويزول أخرى ويثبت بدله تصوّر آخر فيشتبه أحدهما بالآخر اشتباها غير مستقر، حتى إذا نبّه السّاهي أدنى تنبيه تنبّه وعاد إلى التصوّر الأول، وكذا الغفلة يقرب منه، ويفهم منه عدم التصوّر مع وجود ما يقتضيه، وكذا الذهول، قيل سببه عدم استثبات التصوّر حيرة ودهشا. قال تعالى يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ فهو قسم من السّهو والجهل البسيط بعد العلم يسمّى نسيانا.
وقد فرّق بين السّهو والنّسيان بأنّ الأول زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة، والثاني زوالها عنهما معا فيحتاج حينئذ إلى سبب جديد. وقال الآمدي: إنّ الغفلة والذهول والنّسيان عبارات مختلفة لكن يقرب أن يكون معانيها متّحدة وكلّها مضادة للعلم بمعنى أنّه يستحيل اجتماعها معه انتهى. والنّسيان عند الأطباء هو السرسام البارد ويقال له ليثرغس أيضا وهو ورم عن بلغم عفن في مجاري الروح الدماغي وقلما يعرض في جرم الدماغ أو حجابه للزوجية البلغم فلا ينفذ في الحجب لصلابتها ولا في الدماغ للزوجيته، وإنّما سمّي به لأنّ النّسيان لازم لهذا المرض فسمّي به تسمية للملزوم باسم العرض اللازم، هكذا في الأقسرائي وبحر الجواهر.

الاتّحاد

الاتّحاد:
[في الانكليزية] Union
[ في الفرنسية] Union ،fusion
هو في عرف علماء الظاهر يطلق على خمسة معان، على ثلاثة منها على سبيل الاستعارة، وعلى اثنين على سبيل الحقيقة.
فنقول المفهوم الحقيقي للاتحاد هو أن يصير شيء بعينه شيئا آخر. ومعنى قولنا بعينه أنّه صار من غير أن يزول عنه شيء أو ينضمّ إليه شيء شيئا آخر. وإنّما كان هذا مفهوما حقيقيا لأنه المتبادر من الاتحاد عند الإطلاق. وإنّما يتصوّر هذا المعنى الحقيقي على وجهين: أحدهما أن يكون هناك شيئان كزيد وعمرو مثلا فيتّحدان بأن يقال زيد عمرو أو بالعكس. ففي هذا الوجه قبل الاتحاد شيئان وبعده شيء واحد كان حاصلا قبله. وثانيهما أن يكون هناك شيء واحد كزيد فيصير بعينه شخصا آخر غيره فيكون قبل الاتحاد أمر واحد وبعده أمر آخر لم يكن حاصلا قبله بل بعده، وهذا المعنى الحقيقي باطل بالضرورة. ولذا قالوا الاثنان لا يتّحدان.
وأمّا المفهوم المجازي له فهو إمّا صيرورة شيء ما شيئا آخر بطريق الاستحالة، أعني التغيّر والانتقال دفعيّا كان أو تدريجيا، كما يقال صار الماء هواء والأسود أبيض. ففي الأوّل زال حقيقة الماء بزوال صورته النوعية عن هيولاه وانضمّ إلى تلك الهيولى الصورة النوعية للهواء، فحصل حقيقة أخرى هي حقيقة الهواء. وفي الثاني زال صفة السواد عن الموصوف بها واتّصف بصفة أخرى هي البياض. وإمّا صيرورة شيء شيئا آخر بطريق التركيب وهو أن ينضمّ شيء إلى ثان فيحصل منهما شيء ثالث كما يقال صار التراب طينا والخشب سريرا.
والاتحاد بهذين المعنيين لا شك في جوازه بل في وقوعه أيضا. وإمّا ظهور شخص في صورة شخص آخر كظهور الملك في صورة البشر وربما يعبّر عنه بالخلع واللّبس فلا خفاء في جوازه أيضا عند المتكلّمين. هكذا يستفاد من شرح المواقف وحاشيته لمولانا مرزا زاهد في بحث الوحدة.
وفي عرف السالكين عبارة عن شهود وجود واحد مطلق من حيث أنّ جميع الأشياء موجودة بوجود ذلك الواحد معدومة في أنفسها، لا من حيث أنّ لما سوى الله تعالى وجودا خاصا به يصير متّحدا بالحق، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. قال الشاعر: حاشا لله أن يكونوا قائلين بهذا أو أنهم يسعون لمثل هذا الاتحاد
كذا في كشف اللغات.

بَرْذَعَة

بَرْذَعَة:
وقد رواه أبو سعد بالدال المهملة، والعين مهملة عند الجميع: بلد في أقصى أذربيجان، قال حمزة: برذعة معرب برده دار، ومعناه بالفارسية موضع السبي، وذلك أن بعض ملوك الفرس سبى سبيا من وراء أرمينية وأنزلهم هناك، وقال هلال بن المحسن: برذعة قصبة أذربيجان، وذكر ابن الفقيه أن برذعة هي مدينة أرّان، وهي آخر حدود أذربيجان، كان أول من أنشأ عمارتها قباذ الملك، وهي في سهل من الأرض، عمارتها بالآجر والجص، وقال صاحب كتاب الملحمة: مدينة برذعة طولها تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة في الإقليم السادس، طالعها الحوت ثلاث عشرة درجة، كفّ الخضيب في درجة طالعها وقلب العقرب في خامسها ويد الجوزاء في رابعها وسرّة الجوزاء في رابعها بالحقيقة، وذكر أبو عون في زيجه: برذعة في الإقليم الخامس، طولها ثلاث وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وأربعون درجة، وقال الإصطخري: برذعة مدينة كبيرة جدّا أكثر من فرسخ في فرسخ، وهي نزهة خصبة كثيرة الزرع والثمار جدّا، وليس ما بين العراق وخراسان بعد الرّيّ وأصبهان مدينة أكبر ولا أخصب ولا أحسن موضعا من مرافق برذعة، ومنها على أقلّ من فرسخ موضع يسمى الأندراب ما بين كرنة ولصوب ويقطان أكثر من مسيرة يوم، مشتبكة البساتين والباغات، كلها فواكه، وفيها الفندق الجيد أجود من فندق سمرقند، وبها شاه بلّوط أجود من شاه بلوط الشام، ولهم فواكه تسمى الروقال في تقدير الغبيراء، حلو الطعم إذا أدرك، وفيه مرارة قبل أن يدرك، وببرذعة تين يحمل من لصوب يفضّل على جميع أجناسه، ويرتفع منها من الإبريسم شيء كثير مستحدث من توت مباح لا مالك له، يجهز منه إلى فارس وخوزستان جهازا واسعا. وعلى ثلاثة فراسخ من برذعة نهر الكرّ فيه الشورماهي الذي يحمل إلى الآفاق مملّحا، وهو نوع من السمك، ويرتفع من نهر الكرّ سمك أيضا يقال له الدّواقن والعشب، وهما سمكان يفضّلان على أجناس السمك بتلك النواحي. وببرذعة باب يسمّى باب الأكراد تقوم عنده سوق تسمى الكرّكّي في يوم الأحد
يكون مقدارها فرسخا في فرسخ، يجتمع فيها الناس كل يوم الأحد من كل أسبوع من كل وجه وأوب حتى من العراق، وهو أكبر من سوق كورسره، وقد غلب على هذا اليوم اسم الكرّكّي حتى إن كثيرا منهم إذا عدّ أيام الأسبوع قال:
الجمعة والسبت والكرّكي والاثنين والثلاثاء حتى يعد أيام الأسبوع. وبيت ما لهم في المسجد الجامع على رسم الشام، فإن بيوت الأموال بالشام في مساجدها، وهو بيت مال مرصّص السطح وعليه باب حديد وهو على تسع أساطين، ودار الإمارة بجنب الجامع في المدينة والأسواق في ربضها، قلت: هذه صفة قديمة فأما الآن فليس من ذلك كله شيء، وقد لقيت من أهل برذعة بأذربيجان من سألته عن بلده فذكر أن آثار الخراب بها كثيرة وليس بها الآن إلا كما يكون في القرى ناس قليل وحال مضطرب وصعلكة ظاهرة وضرّ باد ودور متهدّمة وخراب مستول عليهم، فسبحان من يحيل ولا يحول ويزيل ولا يزول وله في خلقه تدبير لا يظهر لأحد من خلقه سرّ المصلحة. ومن برذعة إلى جنزة، وهي كنجة، تسعة فراسخ، وقال مسلم ابن الوليد يرثي يزيد بن مزيد وكان قد مات ببرذعة سنة 135:
قبر ببرذعة، استسرّ ضريحه ... خطرا، تقاصر دونه الأخطار
أجل تنافسه الحمام، وحفرة ... نفست عليها وجهك الأحجار
أبقى الزمان على معدّ، بعده، ... حزنا، لعمر الدّهر ليس يعار
نفضت بك الآمال أحلاس الغنى، ... واسترجعت نزّاعها الأمصار
سلكت بك العرب السبيل إلى العلى، ... حتى إذا بلغ المدى بك حاروا
فاذهب، كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السّهل والأوعار
وأما فتحها فقد قالوا: سار سلمان بن ربيعة الباهلي في أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بعد فتح بيلقان إلى برذعة فعسكر على الثّرثور، وهو نهر منها على أقل من فرسخ، فأغلق أهلها دونه أبوابها فشنّ الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على مثل صلح البيلقان، فدخلها وأقام بها ووجّه خيله ففتحت بلادا أخر، وينسب إلى برذعة جماعة من الأئمة، منهم مكّيّ بن أحمد بن سعدويه البرذعي أحد المحدثين المكثرين والرّحالين المحصّلين، سمع بدمشق أحمد بن عمير ومحمد بن يوسف الهروي وبأطرابلس أبا القاسم عبد الله بن الحسن بن عبد الرحمن البزّاز وببغداد أبا القاسم البغوي وأبا محمد صاعدا وبغيرها أبا يعلى محمد بن الفضل بن زهير وأبا عروبة وأبا جعفر الطحاوي وعبد الحكم بن أحمد المصري ومحمد بن أحمد بن رجاء الحنفي ومحمد بن عمير الحنفي بمصر وعرس بن فهد الموصلي، روى عنه الأستاذ أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه والحاكم أبو عبد الله وأبو الفضل نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطّار الرّسّي، وكان نزل نيسابور سنة 330 فأقام بها ثم خرج إلى ما وراء النهر سنة 350، وكتب بخراسان ما يتحير فيه الإنسان كثرة، وتوفي بالشاش سنة 354، وسعيد بن عمرو بن عمّار أبو عثمان الأزدي، سمع بدمشق أبا زرعة الدمشقي وأبا يعقوب الجوزجاني وأبا سعيد الأشجّ ومسلم بن الحجاج الحافظ ومحمد بن يحيى الذهلي وأبا زرعة وأبا حاتم الرازيّين ومحمد بن إسحاق الصاغاني وغيرهم، روى
عنه محمد بن يوسف بن إبراهيم وأبو عبد الله أحمد ابن طاهر بن النجم الميانجي وغيرهما، وقال حفص بن عمر الأردبيلي: جلس سعيد بن عمرو البرذعي في منزله وأغلق بابه وقال: ما أحدّث الناس فإن الناس قد تغيّروا، فاستعان عليه أصحاب الحديث بمحمد بن مسلم بن واره الرازي فدخل عليه وسأله أن يحدثهم، فقال: ما أفعل، فقال: بحقي عليك إلّا حدّثتهم، فقال: وأيّ حق لك عليّ؟ فقال: أخذت يوما بركابك، فقال: قضيت حقّا لله عليك وليس لك عليّ حقّ، فقال: إن قوما اغتابوك فرددت عنك، فقال: هذا أيضا يلزمك لجماعة المسلمين، قال:
فإني عبرت بك يوما في ضيعتك فتعلّقت بي إلى طعامك فأدخلت على قلبك سرورا، فقال: أما هذه فنعم، فأجابه إلى ما أراد، وعبد العزيز بن الحسن البرذعي الحافظ العابد أبو بكر من الرّحّالة، سمع بدمشق محمد بن العباس بن الدّرفس وبمصر محمد بن أحمد الحافظ وأبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي المنجنيقي وبالموصل أحمد بن عمر الموصلي، وأظنه أبا يعلى لأنه يروي عن غسّان بن الربيع، روى عنه أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الحافظ وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكّي وأبو محمد عبد الله بن سعيد الحافظ، وقال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه: عبد العزيز بن الحسن أبو بكر البرذعي العابد، وهو من الغرباء الرّحّالة الذين وردوا على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فائتمنه أبو بكر على حديثه لزهده وورعه وصار المفيد بنيسابور في حياة أبي بكر وبعد وفاته، ثم خرج سنة 318 من نيسابور إلى رباط فراوة فأقام به مدة ثم سكن نسا إلى أن توفي بها سنة 323. وجوّ برذعة: أرض لبني نمير باليمامة في جوف الرّمل، فيها نخل.

موازنات

موازنات
أقصد بعقد هذه الموازنات أن نتبين الدقة القرآنية في تصوير المعنى تصويرا ينقل إلى النفس الفكرة نقلا أمينا، ولكنى لا أريد أن أعقد كل ما يمكن من الموازنات، فذلك ما لم يتيسر لى القيام به إلى اليوم، فضلا عن أنه فوق طاقتى، وكل ما أريده الآن هو عرض ما أمكننى من هذه الموازنات، راجيا أن أوفق إلى الإكثار منها، بقدر ما أستطيعه في قابل الطبعات إن شاء الله.
1 - قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39).
وقال ابن المعتز:
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظفر
وقال أيضا:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وقال أيضا:
انظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا
كمنجل قد صيغ من فضة ... يحصد من زهر الدجى نرجسا
وقال السرىّ الرفاء:
وكأن الهلال نون لجين ... غرّقت في صحيفة زرقاء
وقال أيضا:
ولاح لنا الهلال كشطر طوق ... على لبّات زرقاء اللباس
تتحدث هذه النصوص كلها عن الهلال، ولكى ندرك الفرق في القيمة بين هذه النصوص بعضها وبعض، نتبين معنى كل نص منها، لنرى أيها أدق وأوفى:
أما الآية الكريمة فإنها تتحدث عن تلك التنقلات التى تحدث للقمر بقدرة الله، فبينا هو وليد، إذا به ينمو رويدا رويدا، حتى يصبح بدرا مكتملا، ثم يعود أدراجه، وينقص قليلا قليلا، حتى يعود كعود الكباسة القديم، دقيقا معوجا لا يكاد يرى، ولا يؤبه له، بعد أن كان ملء البصر، وملء الفؤاد، وأنت بذلك ترى أن التشبيه الذى جاء في الآية كان له نصيب في أداء المعنى، ولم يجئ بعد أن استوفى المعنى تمامه، وكان دقيقا أتم دقة، فى أداء المعنى وتصويره كاملا.
أما بيت ابن المعتز الأول، فإن التشبيه الذى أورده لا دخل له أصلا في الفكرة التى يريد نقلها إلى قارئه، فإن كون الهلال مثل قلامة الظفر لا دخل له في أنه كاد يفضحهم، بل على العكس يقلل من شأن الفكرة ويضعفها، فإن هذا الهلال الضئيل الذى يشبه قلامة الظفر، خليق به ألا يكون له أثر ما في تبديد ظلمة الليل المتكاثفة، وخليق به ألا يفضحهم ولا يبين عن مكانهم، وبذلك ترى أن الصلة ليست وثيقة بين شطرى البيت، ولا بين التشبيه والفكرة التى جاء من أجلها.
وفي بيته الثانى سبق أن بينا وجوه النقص فيه ، وتحدثنا عن أن نفاسة المشبّه به لا ترفع من شأن التشبيه، ولا تستر ما فيه من ضعف، وذكرنا أن انتزاع الصورة من
الخيال لا يزيد المشبه وضوحا، ولا يمنحه قوة.
أما بيته الثالث فضعيف متهالك، لم يصور الهلال كما تراه العين، ولا كما تحس به النفس، ففضلا عن غفلة ابن المعتز عما يبعثه الهلال الجديد من آمال جديدة في النفس، ووقوفه عند حد التصوير البصرى لم يوفق في هذا التصوير، فإن الهلال في نظر العين هادئ ساكن، والمنجل في يد الحاصد متحرك في سرعة، فكيف نتخيل الهلال منجلا يحصد، وهو لم يتحرك، ثم ما الصلة بين زهر الدجى وبين النرجس، وكيف يحصد الهلال هذا الزهر، والزهر باق في مكانه لا ينمحى ولا يزول، والعهد بما يحصد أن يتخلى عن مكانه. ومن ذلك ترى نقص التشبيه وقصوره.
واقتصر السّرى الرفاء على التصوير البصرى أيضا ثمّ فاتته الدقة عند ما جعل هذه النون من اللجين غريقة في صحيفة زرقاء، فصور لنفسك أى قدر هذه التى تشبه بها السماء، وتأمل أهناك سبب يدعو إلى جعل هذه النون غريقة في تلك القدر الضخمة؟! فالغريق يعلو، ويهبط، ويبدو، ويختفى، مما لا تراه العين في الهلال الهادى المطمئن.
وانظر، أتجد في بيته الثانى تشبيها زادك شعورا بالهلال عند ما جعله نصف طوق فضلا عن عدم دقته؟! وتأمل أى صلة تربط بين السماء ولبة فتاة تلبس ثيابا زرقاء؟!. وبذلك العرض الموجز تتبين الفرق بين تشبيه القرآن الدقيق المصور وبين تلك التشبيهات الضعيفة العرجاء.
2 - وأطال القدماء في الموازنة بين قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (البقرة 179). وقولهم: «القتل أنفى للقتل». قالوا: وفضله عليه من وجوه:
أولها: أن الآية الكريمة أقل حروفا من كلامهم.
وثانيها: النص على المطلوب وهو ثبوت الحياة، بخلاف قولهم لأنه إنما يدل على المطلوب باللزوم، من جهة أن نفى القتل يستلزم ثبوت الحياة.
وثالثها: أن تنكير حياة يفيد تعظيما لمنعهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد.
ورابعها: اطراده، بخلاف قولهم، فإن القتل ينفى القتل إذا كان على وجه القصاص المشروع، وقد يكون أدعى للقتل، كما إذا وقع ظلما، كقتلهم غير القاتل، وظاهر العبارة يحتمل المعنيين بخلاف القصاص.
وخامسها: أن فيه تكريرا غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر عن أقصى طبقات البلاغة.
وسادسها: استغناؤه عما ذكره أكثر من حذفه، وهو (من) بعد أفعل التفضيل الواقع خبرا.
وسابعها: أن القصاص سبب للموت الذى هو ضد الحياة، فما في الآية ملحق بالطباق.
وثامنها: سلامة الآية الكريمة من لفظ القتل المشعر بالوحشة، وتاسعها ظهور العدل في كلمة القصاص.
3 - وتحدث الشعراء عن الصبح، فقال السرى الرفاء:
انظر إلى الليل، كيف تصدعه ... راية صبح مبيضة العذب
كراهب جن للهوى طربا ... فشق جلبابه من الطرب
وقال الشريف الرضى:
وكأنما أولى الصباح وقد بدا ... فوق الطويلع راكب متلثم
وأذاع بالظلماء فتق واضح ... كالطعنة النجلاء يتبعها دم
وقال أيضا:
وليلة خضتها على عجل ... وصبحها بالظلام معتصم تطلع الفجر من جوانبها ... وانفلتت من عقالها الظلم
وقال أيضا:
والصبح قد أخذت أنامل كفه ... فى كل جيب للظلام مزرر
فكأنما في الغرب راكب أدهم ... يحتثه في الشرق راكب أشقر
وليس كل ذلك الشعر بباعث إلى نفسك الشعور بما في الصبح من يقظة وحياة، كما يبعثه إلى نفسك تلك الكلمة القرآنية المختارة: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).
فإنها تحمل إليك معنى الحياة التى دبت في الكون بعد طول هجوعه، واليقظة التى شملته بعد رقاد وهمود، ويصور لك الوجود، وقد بدأ يفتح عينيه وينهض من سبات، أما هذه الأبيات من الشعر فإنها وقفت تتلمس لهذه الظاهرة الكونية شبيها بصريا، وقد أخفقت جميعها في هذا التصوير البصرى، فشعر السرى الرفاء تلمس للصبح مثيلا، فوجد في الراية ذات العذبات البيض شبيها له، ولا شىء يجمع بين المشبه والمشبه به سوى هذا اللون الأبيض، أما الإحساس النفسى فلا دخل له في الربط بين هذين الطرفين، ثم جعل السرى الليل راهبا، ولا ندرى كيف يدفع الهوى راهبا إلى الجنون وهو راهب، وليت شعرى ما الذى يبدو من الراهب إذا شق ثوبه؟! وإذا كان الراهب أسود اللون فهل يبدو تحت جلبابه سوى السواد، وشق الثوب من مجنون إنما يكون في سرعة لا تمثل ضوء الصباح الزاحف في بطء.
أما شعر الشريف الرضى الأول فقد أجهدت ذهنى في أن أربط صلة بين الصبح والراكب المتلثم، فلم أجد رابطا ذا قيمة يصل بينهما، ولماذا اختار الشاعر الراكب دون الماشى؟ وما لون هذا الراكب؟ وعلى أى شىء يركب؟ وهل الصبح كمتلثم يظل متلثما، ثم يبدى صفحة وجهه دفعة واحدة؟ وما الصورة التى ترتسم في ذهنك لهذا الصبح المتلثم الراكب؟ وهل هيئة الصبح تشبه هيئة راكب متلثم؟ وفيم؟
كل هذه أسئلة تخرج منها بوهن الصلة بين الصبح وهذه الصورة التى يرسمها الشاعر، وفي البيت الثانى يصور لك هذا الصبح، وما فيه من جمال وروعة، تبعث فى النفس حب الجمال لهذه الطبيعة الباسمة المشرقة- صورة دامية بشعة، تثير فى النفس الخوف والألم والنفور، صورة طعنة نجلاء يقطر منها الدم، وسبب ذلك إغفال الجانب النفسى الشعورى من الشاعر عند التشبيه، والوقوف عند حد اللون الذى يربط لون الصبح بتلك الآلة الحادة الطاعنة، وذلك الضوء الأحمر الحى تزجيه الشمس بين يديها، ولون قطرات الدماء، ألا ما أعظم الفرق بين الشعورين! وما أقوى أن يتنافرا، حتى لا يجمع بينهما رباط! وأخطأ الشريف الرضى التوفيق أيضا عند ما وصف الصبح يسفر بعد ظلام الليل، وإن كانت هذه الصورة في بعض نواحيها أضوأ من صاحبتها، عند ما قال:
«تطلع الصبح من جوانبها»، ففي هذا التصوير نوع من الحياة، ولكنه بعيد كل البعد عن أن يصور حياة تكون كما صورتها الآية الكريمة، أما باقى الصورة التى ترسمها الأبيات فقد أخطأت في رسم هذه الظاهرة الطبيعية، فإن الشعر يصور لك أن الصبح لم يلبث أن أطل من الأفق، حتى مضى الليل مسرعا يهرول في جريه، كأنما قد أسفر الصبح ومضى الليل بين غمضة عين وانتباهتها، وذلك تصوير غير دقيق، لأن الليل ينحسر قليلا قليلا عن الصبح، حتى يتم أسفاره، كما أن النهار ينحسر قليلا قليلا، تاركا الكون لظلام الليل، وعبر القرآن عن ذلك في قوله سبحانه: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس 37). فاستخدم كلمة السلخ لتوحى بما ذكرناه.
وعاد في شعره الثالث إلى الراكب، لا يلمح من جمال الصبح وبهجته سوى لونه، ونقدنا لهذا الشعر هو ما سبق أن أوضحناه.
4 - ووصف الرسول كتاب الله، كما وصف الله كتابه في القرآن، فقال النبى:
«إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينة الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أصدق الحديث وأبلغه » وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). وأنت ترى الفرق واضحا بين قوة الكلامين، والمنهجين، والاتجاهين.
5 - وصاغ أبو بكر جملة على مثال الجملة القرآنية، فقال من خطبة له:
«واعلموا أن أكيس الكيس التقى » على مثال قوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (البقرة 197)، ولا ريب أن النص القرآنى، يصور تلك الرحلة التى ينتقل فيها الإنسان من الحياة الدنيا إلى الآخرة، وهى رحلة تنتهى بحياة خالدة يحتاج المرء فيها إلى زاد يعيش عليه، فتصوير التقوى بأنها خير زاد يوحى بذلك كله، كما يوحى بالحاجة إليها، كما يحتاج المسافر إلى ما يتزود به في غربته، ولم تزد جملة أبى بكر على أن وصفت التقوى بأنها أحكم ما يتصف به العقلاء، فلم توح الجملة إلى النفس بما أوحت به جملة القرآن. 6 - ومن كتاب أرسله أبو عبيدة ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب: «إنّا نحذرك يوما تعنو فيه الوجوه وتجب فيه القلوب »، وقد وصف القرآن هذا اليوم، فقال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (النور 37)، وكلمة «التقلب» فى الآية أشد دلالة على ما يصيب القلوب من الفزع والاضطراب في ذلك اليوم، من الوجيب، فضلا عما فى النص القرآنى من خلوصه من تكرير «فيه» الواردة في الرسالة.
7 - وعند ما يتأثر الشاعر القرآن، يبدو الفرق واضحا بين الأصل والتقليد، وأصغ إلى حسان يقول:
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى، وهداة يهتدون بمهتد
أخذه من قوله سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (الرعد 16). فأنت ترى حسان يوازن بين ضلّال وهداة، وليس الفرق بينهما من الوضوح والقوة كالفرق بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، فالفرق هنا واضح ملموس، يشعر به الناس جميعا، حتى إذا اطمأنت النفس إلى هذا الفرق، وآمنت بأن هناك بونا شاسعا بينهما، انتقلت من ذلك إلى تبين مدى ما بين الضال والمهتدى من فرق بعيد.
8 - وقال حسان أيضا في رثاء رسول الله:
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
أخذه من قوله تعالى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة 128). وقوة الآية القرآنية تبدو في إظهار نتيجة الحيد عن الهدى، وهى الهلاك والعذاب، وفي ذلك من التخويف لهم ما فيه، فهو يبرز هذه النتيجة كأنها حقيقة واقعة، تؤلم الرسول، وتثقل عليه، وتبدو هذه القوة أيضا في تعميم الحرص، فهو حريص على هدايتهم، حريص على خيرهم، حريص على أن يظفروا فى الآخرة بالثواب والنعيم المقيم، وكل ذلك وأكثر منه يفهم من قوله: «حريص عليكم»، أما حسان فقد خصص ولم يطلق.
9 - وقال حسان في غزوة بدر:
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلاهمو بغرور، ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن ولاه غرار
وقال: إنى لكم جار، فأوردهم ... شر الموارد، فيه الخزى والعار ثم التقينا، فولوا عن سراتهم ... من منجدين، ومنهم فرقة غاروا
يستوحى ذلك من قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (الأنفال 48). وتأمل التصوير القوى البارع في القرآن لتزيين الشيطان أعمال الكافرين لهم، فإن القرآن قد نقل ذلك الحديث الذى أوحى به الشيطان إلى أوليائه وكيف ملأ قلبهم بالغرور، وهنا يجمل حسان، بينما يفصل القرآن، وفي هذا التفصيل سر الحياة، تلك الحياة التى ترينا الشيطان ناكصا على عقبيه، عند ما تراءت الفئتان، يبرأ من هؤلاء الذين غرهم بخداعه، وأسلمهم إلى الموت بكذبه وإيهامه، وهذه الحياة هى التى تنقص شعر حسان.
10 - وتأمل الفرق في الأسلوب، عند ما حور النابغة الجعدى أسلوب القرآن قليلا، فقال:
الحمد لله، لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
المولج الليل في النهار، وفي اللي ... ل نهارا، يفرج الظلما
فقد حور قوله سبحانه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (الحج 61). فحذف المولج، وتقديم في الليل، وتنكير نهارا، والمجيء بجملة «يفرج الظلما»، كل ذلك أضعف أسلوب الشاعر، وباعد بينه وبين الأسلوب القوى للقرآن.
11 - وخذ قول الشاعر:
فإنك لا تدرى بأية بلدة ... تمت، ولا ما يحدث الله في غد
المستمد من قوله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (لقمان 34)، تر التعميم في الآية الكريمة أكسبها فخامة وقوة، والتعبير بتكسب فيه تصريح بعجز النفس عن أن تعرف ما تعمله هى نفسها في الغد، وذلك ما لا تجده عند الشاعر الذى عمم فيما يحدثه الله في غد، ولم يكن لهذا التعميم ما للتخصيص من قوة التعجيز.
12 - وهذا الشعر الذى ينسب إلى حمزة في غزوة بدر، يتحدث عن الكفار:
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدر
فقال لهم إذ عاين الأمر واضحا: ... برئت إليكم، ما بى اليوم من صبر
فإنى أرى ما لا ترون، وإننى ... أخاف عقاب الله، والله ذو قسر
فقدمهم للحين، حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر وهو يستوحى كحسان قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... (الأنفال 48) فأى فرق شاسع بين الأسلوبين وبين التصويرين، فالأسلوب في الشعر متهاو ضعيف، بينما هو في الآية قوى رائع، يصور الشيطان وقد ملأ أفئدتهم إعجابا بأعمالهم، فاغتروا بها، وتكاد تستمع إلى وسوسته، وهو يؤكد لهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ما دام جارا لهم، وتتخيله موليا الأدبار بعد أن تراءت الفئتان، وبدت أمام عينيه الهزيمة، فيسلم قومه إلى القتل، ويفر غادرا بهم، ويرن فى أذنك براءته منهم، معللا ذلك بأنه يرى ما لا يرون، وبأنه يخاف الله، وفي ذلك التصوير من التهكم بهم ما فيه.
أما الشعر فبيّن الضعف، يصف اللواء بأنه غير محتضر النصر. وقوله: إذ عاين الأمر واضحا، ليس بأسلوب شعرى. والفرق قوى بين: والله شديد العقاب، وقوله:
والله ذو قسر، وأنت ترى أنه برغم أن المعنى قد أوضحه القرآن، لم يستطع الشاعر أن ينهض إلى مستوى رفيع.
... وللباقلانى منهج في الموازنة، يبين به فضل كتاب الله، هو «أن تنظر أولا في نظم القرآن، ثم في شىء من كلام النبى صلّى الله عليه وسلم، فتعرف الفصل بين النظمين، والفرق بين الكلامين، فإن تبين لك الفصل، ووقعت على جلية الأمر، وحقيقة الفرق، فقد أدركت الغرض، وصادفت المقصد، وإن لم تفهم الفرق، ولم تقع على الفصل، فلا بدّ لك من التقليد، وعلمت أنك من جملة العامة، وأن سبيلك سبيل من هو خارج عن أهل اللسان »، ثم أورد الباقلانى بعض خطب الرسول وكتبه، وعلق عليها بقوله: «ولا أطول عليك، وأقتصر على ما ألقيته إليك، فإن كان لك في الصنعة خطر ... فما أحسب أن يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن، وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلم في خطبه ورسائله، وما عساك تسمعه من كلامه، ويتساقط إليك من ألفاظه، وأقدر أنك ترى بين الكلامين بونا بعيدا، وأمدا مديدا، وميدانا واسعا، ومكانا شاسعا  ... ».
«فإذا أردت زيادة في التبيين ... فتأمل (هداك الله) ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء، لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا من خطب النبى صلّى الله عليه وسلم واحد وسبكها سبك غير مختلف، وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين، وبين شعر الشاعرين ... فإذا عرفت أن جميع كلام الآدمى منهاج، ولجملته طريق، وتبينت ما يمكن فيه من التفاوت- نظرت إلى نظم القرآن نظرة أخرى، وتأملته مرة ثانية، فترى بعد موقعه وعالى محله وموضعه  ... » ثم يورد بعض خطب البلغاء وكتبهم، ويقول: «تأمل ذلك وسائر ما هو مسطر من الأخبار المأثورة عن السلف وأهل البيان واللسن، والفصاحة والفطن ... فسيقع لك الفضل بين كلام الناس وبين كلام رب العالمين، وتعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين ... فإن خيل إليك، أو شبه عليك، وظننت أنه يحتاج أن يوازن بين نظم الشعر والقرآن، لأن الشعر أفصح من الخطب، وأبرع من الرسائل وأدق مسلكا من جميع أصناف المحاورات ... فتأمل ما نرتبه ينكشف لك الحق: إذا أردنا تحقيق ما ضمناه لك فمن سبيلنا أن نعمد إلى قصيدة متفق على كبر محلها وصحة نظمها، وجودة بلاغتها ومعانيها، وإجماعهم على إبداع صاحبها فيها، مع كونه من الموصوفين بالتقدم في الصناعة، والمعروفين بالحذق في البراعة، فنقفك على مواضع خللها، وعلى تفاوت نظمها، وعلى اختلاف فصولها، وعلى كثرة فضولها، وعلى شدة تعسفها، وبعض تكلفها، وما تجمع من كلام رفيع يقرن بينه، وبين كلام وضيع، وبين لفظ سوقى يقرن بلفظ ملوكى  ... » ثم عرض تطبيقا على منهجه معلقة امرئ القيس، وأخذ يبين ما فيها من مجال النقص، ووجوه العيب، ثم قال: «وقد بينا لك أن هذه القصيدة ونظائرها تتفاوت في أبياتها تفاوتا بينا في الجودة والرداءة، والسلاسة والانعقاد، والسلامة والانحلال، والتمكن والتسهل، والاسترسال والتوحش والاستكراه، وله شركاء في نظائرها، ومنازعون فى محاسنها، ومعارضون في بدائعها، ولا سواء كلام ينحت من الصخر تارة، ويذوب تارة، ويتلون تلون الحرباء، ويختلف اختلاف الأهواء، ويكثر في تصرفه اضطرابه، وتتقاذف به أسبابه، وبين قول يجرى في سبكه على نظام، وفي رصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفائه على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق، مختلفه مؤتلف، ومؤتلفه متحد، ومتباعده متقارب وشارده مطيع، ومطيعه شارد، وهو على متصرفاته واحد، لا يستصعب في حال، ولا يتعقد في شأن ».
ذلك هو منهج الباقلانى في الموازنات.
... وإن مجال الموازنات لمتسع بين القرآن والشعر عند ما يكون الموضوع واحدا، فقد تحدث القرآن والشعر عن كثير من الغزوات ولم يستطع الشعر برغم تقليده في كثير من الأحيان للقرآن أن يصل إلى السمو القرآنى، وأن يتناول شتى الأغراض التى تنتظم شئون الجماعة الإسلامية، فى حين أن الشعر الذى تحدث عن هذه الغزوات ضعيف في جملته لا يخرج عن أغراض الشعر المعروفة يومئذ من مدح أو هجاء أو فخر أو رثاء. 

علم البيطرة

علم البيطرة
وهو: علم يبحث فيه عن: أحوال الخيل، من جهة ما يصح، ويمرض، أو تحفظ صحته، ويزال مرضه، وهذا في الخيل بمنزلة الطب في الإنسان.
وموضوعه، وغايته: ظاهرة.
ومنفعته: عظيمة، لأن الجهاد والحج: لا يقوم ولا يقوى صاحبه إلا به.
ومن الكتب المؤلفة فيه:
علم البيطرة
هو: علم يبحث فيه عن أحوال الخيل من جهة ما يصح ويمرض وتحفظ صحته ويزول مرضه وهذا في الخيل بمنزلة الطب في الإنسان.
وموضوعه وغايته: ظاهره للمتبصر ومنفعته: عظيمة لأن الجهاد والحج لا يقوم ويقوى صاحبه إلا به وعبارة: مدينة العلوم: وأما منفعته فمن أعظم المنافع جدا: لأنه عمود الإسلام وبه يقوى أحد مباني الإسلام أعني الجهاد في سبيل الله بل الحج أيضا وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقها: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة" إلى غير ذلك من أوصافها.
والخيل ما زال ممدوحا بكل الألسنة في كل زمان وكتاب حنين بن إسحق كاف في هذا الباب. انتهى وقد طبع بمصر القاهرة كتاب: مشكوة اللائذين في علم الأقراباذين البيطري وهو للماهر المعلم لابتوت وترجمه من اللغة الفرنساوية إلى اللغة العربية الحاذق الطبيب محمد أفندي عبد الفتاح قال فيه: اعلم أن المادة البيطرية الطبية أهم فروع البيطرة وهي: علم يبحث فيه عن الأحوال المختلفة التي للأدوية وبه يتمكن الطبيب من انتخاب الأدوية ويعرف قوتها واستعمالها وكيفيات تحصيلها المختلفة فعلم من هذا التعريف موضوع المادة الطبية مع اختصار على حسب الآراء العامة المتعلقة به.
والواقع أن الكليات التي يتخذها هذا الفرع من علم تاريخ الحيوانات الطبيعي من حيث أصل الجواهر الطبية وأوصافها الطبيعية وكيفية تركيبها وخواصها الكيمياوية واعتبار تأثيرها في بنية الحيوان فحينئذ يتمكن الطبيب من معرفة مقاديرها والأوقات الملائمة لاستعمالها يتم الفرع المذكور ويصير بها كاملا ويعلم منه كيفية تأثيرها الفيزيولوجي وكيفية تحصيلها واستعمالها في الأمراض ثم إن الأدوية المذكورة في هذا القانون: هي الأدوية التي جعلت وخصصت لمعالجة الحيوانات في الاسبيتاليات المصرية. انتهى كلامه وهذا الكتاب مجلد لطيف يحتوي على مسائل من هذا العلم وقفت عليه. 

علم الجبر والمقابلة

علم الجبر والمقابلة
وهو: من فروع علم الحساب، لأنه يعرف فيه كيفية استخراج مجهولات عددية من معلومات مخصوصة.
ومعنى الجبر: زيادة قدر ما نقص من الجملة المعادلة بالاستثناء في الجملة الأخرى ليتعادلا.
معنى المقابلة: إسقاط الزائد من إحدى الجملتين للتعادل.
وبيانه: أنهم اصطلحوا على أن يجعلوا للمجهولات مراتب من نسبة تقتضي ذلك:
أولها: العدد، لأنه به يتعين المطلوب المجهول باستخراجه من نسبة المجهول إليه.
وثانيها: الشيء، لأن كل مجهول، فهو من حيث إبهامه شيء، وهو أيضاً جذر لما يلزم من تضعيفه في المرتبة الثانية.
وثالثها: المال، وهو مربع مبهم، فيخرج العمل المفروض إلى معادلة بين مختلفين، أو أكثر من هذه الأجناس، فيقابلون بعضها ببعض، ويجبرون ما فيها من الكسر، حتى يصير صحيحاً، ويؤول إلى الثلاثة التي عليها مدار الجبر، وهي العدد، والشيء، والمال.
توضيحه: أن كل عدد يضرب في نفسه، يسمى بالنسبة إلى حاصل ضربه في نفسه شيئاً في هذا العلم، ويفرض هناك كل مجهول يتصرف فيه شيئاً أيضاً، ويسمى الحاصل من الضرب بالقياس إلى العدد المذكور مالاً في العلم.
فإن كان في أحد المتعادلين من الأجناس استثناء كما في قولنا: عشرة إلا شيئاً، يعدل أربعة أشياء.
فالجبر: رفع الاستثناء بأن يزاد مثل المستثنى على المستثنى فيه، فيجعل عشرة كاملة، كأنه يجبر نقصانها، ويزاد مثل المستثنى على عديله كزيادة الشيء في المثال، بعد جبر العشرة على أربعة أشياء حتى تصير خمسة.
وإن كان في الطرفين أجناس من متماثلة، فالمقابلة أن تنقص الأجناس من الطرفين بعدة واحدة.
وقيل: هي تقابل بعض الأشياء ببعض على المساواة، كما في المثال المذكور، إذا قوبلت العشرة بالخمسة على المساواة.
وسمي العلم بهذين العملين: علم الجبر والمقابلة، لكثرة وقوعهما فيه، وأكثر ما انتهت المعادلة عندهم إلى ست مسائل، لأن المعادلة بين عدد وجذر، أي شيء ومال، مفردة أو مركبة، تجيء ستة.
قال ابن خلدون: وقد بلغنا أن بعض أئمة التعاليم من أهل المشرق أنهى المعادلات إلى أكثر من هذه الستة، وبلغها إلى فوق العشرين، واستخرج لها كلها أعمالاً وثيقة ببراهين هندسية. انتهى.
قال الفاضل: عمر بن إبراهيم الخيامي: إن أحد المعاني التعليمية من الرياضي هو: الجبر والمقابلة، وفيه ما يحتاج إلى أصناف من المقدمات معتاصة جداً متعذر حلها.
أما المتقدمون: فلم يصل إلينا منهم كلام فيها لعلهم لم يتفطنوا لها بعد الطلب والنظر، أولم يضطر البحث إلى النظر فيها، أو لم ينقل إلى لساننا كلامهم.
وأما المتأخرون: فقد عنَّ لهم تحليل المقدمة التي استعملها أرخميدس في الرابع من الثانية في الكرة، والأسطوانة بالجبر، فتؤدي إلى كعاب، وأموال، وأعداد متعادلة، فلم يتفق له حلها بعد أن أنكر فيها ملياً، فجزم بأنه ممتنع، حتى تبع أبو جعفر الخازن، وحلها بالقطوع المخروطية، ثم افتقر بعده جماعة من المهندسين إلى عدة أصناف منها فبعضهم حل البعض. انتهى.
قيل: أول من صنف فيه:
الأستاذ، أبو عبد الله: محمد بن موسى الخوارزمي.
وكتابه فيه معروف، مشهور.
وصنف بعده أبو كامل: شجاع بن أسلم كتابه: (الشامل) وهو من أحسن الكتب فيه.
ومن أحسن شروحه، شرح القرشي.
ومن الكتب المؤلفة فيه...
علم الجبر والمقابلة
هو: من فروع علم الحساب لأنه: علم يعرف فيه كيفية استخراج مجهولات عديدية بمعادلتها المعلومات مخصوصة على وجه مخصوص.
ومعنى الجبر: زيادة قدر ما نقص من الجملة المعادلة بالاستثناء في الجملة الأخرى لتتعادلا. ومعنى المقابلة: إسقاط الزائد من إحدى الجملتين للتعادل.
وبيانه: أنهم اصطلحوا على أن يجعلوا للمجهولات مراتب من نسبة تقتضي ذلك بطريق التضعيف بالضرب.
أولها: العدد لأنه به يتعين المطلوب المجهول باستخراجه من نسبة للمجهول إليه.
وثانيها: الشيء لأن كل مجهول فهو من حيث إبهامه: شيء وهو أيضا: جذر لما يلزم من تضعيفه في المرتبة الثانية.
وثالثها: المال وهو: مربع مبهم وما بعد ذلك فعلى نسبة الأس في المضروبين.
ثم يقع العمل للفروض في المسئلة فيخرج العمل المفروض إلى معادلة بين مختلفين أو أكثر من هذه الأجناس فيقابلون بعضها ببعض ويجبرون ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحا ويحطون المراتب إلى أقل الأسوس إن أمكن حتى يؤول إلى الثلاثة التي عليها مدار الجبر عندهم وهي: العدد والشيء والمال.
توضحيه: أن كل عدد يضرب في تفسير يمسي بالنسبة إلى حاصل ضربه في نفسه شيئا في هذا العلم يفرض هناك كل مجهول يتصرف فيه شيئا أيضا ويسمى الحاصل من الضرب: بالقياس إلى العدد المذكور مالا في هذا العلم فإن كان في أحد المتعادلين من الأجناس استثناء كما في قولنا: عشرة الأشياء يعدل أربعة اشياء.
فالجبر: رفع الإسنثناء: بأن يزاد مثل المستثنى على المستثنى منه فيجعل العشرة كاملة كأنه يجبر نقصانها أو يزاد مثل المستثنى على عديله كزيادة الشيء في المثال بعد جبر العشرة على أربعة أشياء حتى تصير خمسة.
وإن كان في الطرفين أجناس متماثلة: فالمقابلة أن تنقص الأجناس من الطرفين بعدة واحدة
وقيل: هي تقابل بعض الأشياء ببعض على المساواة كما في المثال المذكور إذا قوبلت العشرة بالخمسة على المساواة.
وسمي العلم بهذين العملين: علم الجبر والمقابلة لكثرة وقعهما فيه.
قال ابن خلدون: فإن كانت المعادلة بين واحد وواحد تعين فالمال والجذر يزول إبهامه بمعادلة العدد ويتعين.
والمال وإن عادل الجذور يتعين بعدتها وإن كانت المعادلة بين واحد واثنين أخرجه العمل الهندسي من طريق تفضيل الصرف في الاثنين.
وأكثر ما انتهت المعادلة عندهم إلى ست مسائل لأن المعادلة بين عدد وجزر أي شيء ومال مفردة أو مركبة تجيء ستة.
ومنفعته: استعلام المجهولات العددية إذا كانت معلومة العوارض ورياضة الذهن.
وأول من كتب هذا الفن أبو عبد الله الخوارزمي وبعده أبو كامل شجاع بن أسلم وجاء الناس على أثره فيه وكتابه في مسائله الست من أحسن الكتب الموضوعة فيه وشرحه كثير من أهل الأندلس فأجادوا.
ومن أحسن شروحه كتاب: القرشي وقد بلغنا أن بعض أئمة التعاليم من أهل المشرق أنهى المعادلات إلى أكثر من هذه الستة الأجناس وبلغها إلى فوق العشرين واستخرج لها كلها أعمالا وأتبعه ببراهين هندسية - والله يزيد في الخلق ما يشاء سبحانه وتعالى -. انتهى.
قال الشيخ عمر بن إبراهيم الخيامي: إن أحد المعاني التعليمية من الرياضي هو: الجبر والمقابلة وفيه ما يحتاج إلى أصناف من المقدمات معتاصة جدا متعذر حلها أما المتقدمون: فلم يصل إلينا منهم كلام فيها العلم لم يتفطنوا لها بعد الطلب والنظر أو لم يضطر البحث إلى النظر فيها ولم ينقل إلى لساننا كلامهم.
وأما المتأخرون: فقد عن لهم تحليل المقدمة استعملها أرخميدس في الرابعة من الثانية في الكرة والأسطوانة بالجبر فنادى إلى كتاب وأموال وأعداد متعادلة فلم يتفق له حلها بعد أن أنكر فيها مليا فجزم بأنه ممتنع حتى تبعه أبو جعفر الخازن وحلها بالقطوع المخروطية ثم افتقر بعده جماعة من المهندسين إلى عدة أصناف منها فبعضهم حل البعض. انتهى.
قال في: مدينة العلوم: ومن الكتب المختصرة فيه: نصاب الجبر لابن فلوس المارديني و: المفيد لابن المحلي الموصلي.
ومن المتوسطة: كتاب: الظفر للطوسي.
ومن المبسوطة: جامع الأصول لابن المحلي و: الكامل لأبي شجاع بن أسلم وبرهن السموك على مسائله بالبراهين العددية والهندسية و: أرجوزة ابن الياسمين و: شرحه مختصر نافع أورد فيه ما لا بد منه.
ومن الرسائل الوافية بالمقصود: رسالة شرف الدين محمد بن مسعود بن محمد المسعودي.

علم الطب

علم الطب
هو: علم يبحث فيه عن بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض لحفظ الصحة وإزالة المرض
قال جالينوس: الطب حفظ الصحة وإزالة العلة. وموضعه: بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض.
ومنفعته: لا تخفى وكفى بهذا العلم شرفا وفخرا أقوال الإمام الشافعي: العلم علمان: علم الطب للأبدان وعلم الفقه للأديان.
ويروى عن علي كرم الله وجهه: العلوم خمسة:
الفقه للأديان والطب للأبدان والهندسة للبنيان والنحو للسان والنجوم للزمان ذكره في مدينة العلوم.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: وموضوع الطب: بدن الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء والقوى والأرواح والأفعال وأحواله من الصحة والمرض وأسبابهما من المآكل والمشرب والأهوية المحيطة بالأبدان والحركات والسكنات والاستفراغات والاحتقانات والصناعات والعادات والواردات الغريبة والعلامات الدالة على أحواله من ضرر أفعاله وحالات بدنه وما يبرز منه والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والأدوية البسيطة والمركبة وأعمال اليد لغرض حفظ الصحة وعلاج الأمراض بحسب الإمكان انتهى.
قال: وعلم الطب من فروع الطبعي وهو: علم بقوانين تتعرف منها أحوال أبدان الإنسان من جهة الصحة وعدمها لتحفظ حاصلة وتحصل غير حاصلة ما أمكن وفوائد القيود ظاهرة وهذا أولى ممن قال من جهة ما يصح ويزول عنه الصحة فإنه يرد عليه: إن الجنين غير الصحيح من أول الفطرة لا يصح عليه أنه زال عن الصحة أو صحته زائلة كذا في السديدي شرح الموجز فالمراد هنا بالعلم: التصديق بالمسائل ويمكن أن يراد به الملكة أي: ملكة حاصلة بقوانين ... الخ.
وفي شرح القانوجه هو: علم بأحوال بدن الإنسان وما يتركب منه من حيث الصحة والمرض انتهى.
اعلم: أن تحقيق أول حدوث الطب عسير لبعد العهد واختلاف آراء القدماء فيه وعدم المرجح فقوم يقولون بقدمه والذين يقولون بحدوث الأجسام يقولون بحدوثه أيضا وهم فريقان:
الأول: يقول أنه خلق مع الإنسان.
والثاني: وهم الأكثر يقول: إنه مستخرج بعده إما بإلهام من الله - سبحانه وتعالى - كما هو مذهب بقراط وجالينوس وجميع أصحاب القياس وإما بتجربة من الناس كما ذهب إليه أصحاب التجربة والحيل وثاسلس المغالط وفنين وهم مختلفون في الموضع الذي به استخرج وبماذا استخرج.
فبعضهم يقول: إن أهل مصر استخرجوه ويصححون ذلك من الدواء المسمى بالرأس.
وبعضهم يقول: إن هرمس استخرجه مع سائر الصنائع.
وبعضهم يقول: أهل تونس.
وقيل: أهل سوريا وأفروجيا وهم أول من استخرج الزمر أيضا وكانوا يشفون بالألحان والإيقاعات آلام النفس.
وقيل: أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها بقراط وآباؤه وذكر كثير من القدماء: أنه ظهر في ثلاث جزائر إحداها: رودس والثانية: تسمى: قندس والثالثة: قو.
وقيل: استخرجه الكلدانيون. وقيل: استخرجه السحرة من اليمن.
وقيل: من بابل.
وقيل: فارس.
وقيل: استخرجه الهند.
وقيل: الصقالبة.
وقيل: أقريطش.
وقيل: أهل طور سينا.
والذين قالوا بإلهام يقول بعضهم: هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها.
وبعضهم يقول: بإلهام من الله - سبحانه وتعالى – بالتجربة.
وقيل: إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الطب لأنه لا يمكن أن يستخرجه عقل إنسان وهو رأي جالينوس فإنه قال كما نقله عنه صاحب عيون الأنباء.
وأما نحن فالأصوب عندنا أن نقول: إن الله - سبحانه وتعالى - خلق صناعة الطب وألهمها الناس وهو أجل من أن يدرجه العقل لأنا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله - سبحانه وتعالى - بإلهام منه للناس فوجود الطب بوحي وإلهام من الله - سبحانه وتعالى - قال ابن أبي صاد في آخر شرحه لمسائل حنين: وجدت الناس في قديم الزمان لم يكونوا يقنعون من هذا العلم دون أن يحيطوا علما بجل أجزائه وبقوانين طرق القياس والبرهان التي لا غنى لشيء من العلوم عنها ثم لما تراجعت الهمم عن ذلك أجمعوا على أنه لا غنى لمن يزاول هذا العلم من أحكام ستة عشر كتابا لجالينوس كان أهل الإسكندرية لخصوها لنقبائها المتعلمين ولما قصرت الهمم بالمتأخرين عن ذلك أيضا وظف أهل المعرفة على من يقنع من الطب بأن يتعاطاه دون أن يتمهر فيه أن يحكم ثلاث كتب من أصوله.
أحدها: مسائل حنين.
والثاني: كتاب الفصول لبقراط.
والثالث: أحد الكناشتين الجامعتين للعلاج وكان خيرها كناش ابن سرافيون.
وأول من شاع عنه الطب إسقلنينوس عاش تسعين سنة منها وهو صبي وقبل أن تصح له القوة الإلهية خمسون سنة وعالما معلما أربعون سنة وخلف ابنين ماهرين في الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وعهد إلى من يأتي بعده كذلك وقال ثابت: كان في جميع المعمور لإسقلنينوس اثنا عشر ألف تلميذ وإنه كان يعلم مشافهة وكان آل إسقلنينوس يتوارثون صناعة الطب إلى أن تضعضع الأمر في الصناعة على بقراط ورأى أن أهل بيته وشيعته قد قلوا ولم يأمن أن تنقرض الصناعة فابتدأ في تأليف الكتب على جهة الإيجاز.
قال علي بن رضوان: كانت صناعة الطب قبل بقراط كنزا وذخيرة يكنزها الآباء ويدخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى إسقلنينوس وهذا الاسم اسم لملك بعثه الله سبحانه وتعالى يعلم الناس الطب أو اسم قوة الله تعالى علمت الناس الطب وكيف كان فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أبا للمتعلم وتناسل من المعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى إسقلنينوس وكان ملوك اليونان والعظماء منهم ولم يكونوا غيرهم من تعلم الطب وكان تعليمهم إلى أبنائهم. فيفسر ذلك اللغز للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولم يزل ذلك إلى أن نشأ بقراط من أهل قو ودمقراط من أهل إيديرا وكانا متعاصرين أما دمقراط فتزهد وأما بقراط فعمد إلى أن دونه بإغماض في الكتب خوفا على ضياعه وكان له ولدان: ثاسالوس ودراقر وتلميذ وهو: قولونس فعلمهم ووضع عهدا وناموسا ووصية عرف منها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه.
وعبارة مدينة العلوم: إن أول من دون علم الطب بقراط ثم ظهر من بعده جالينوس من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين ولا أعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبعي من هذين بقراط وجالينوس وظهر جالينوس بعد ستمائة وخمس وستين سنة من وفاة بقراط وبينه وبين المسيح سبع وخمسون سنة المسيح أقدم منه.
واعلم: أن من وفاة جالينوس إلى هذا التاريخ - وهو ثمان وأربعون وتسعمائة سنة من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم -: ألف وأربعمائة وستة وسبعون سنة تقريباً.
ومن مشاهير العلماء في الطب: محمد بن زكريا أبو بكر الرازي ألف كتبا كثيرة في الطب.
ومن الكتب المختصرة النافعة غاية النفع المباركة للطلاب كتاب الموجز لابن النفيس المصري ومن المبسوطة: القانون لابن سينا وعليه شرح لابن النفيس وللعلامة الشيرازي انتهى.
حاصله
قلت: يحتاج القانون إلى إصلاح عبارة وتلخيص وتهذيب فقد أطال فيه وجاء بعبارات سخيفة بشعة كما لا يخفى على الماهر فيه. ومن الكتب الجديدة التأليف: كتاب الحكيم أحمد بن حسن أفندي الرشيدي المطبوع بمصر القاهرة سماه بعمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج ألفه باسم إسماعيل باشا مصر وهو في أجزاء جمعه من المؤلفات العربية والإفرنجية وله كتاب بهجة الرؤساء في علاج أمراض النساء طبع بمصر القاهرة في سنة 1260، ألفه باسم محمد علي باشا وأفاد وأجاد. وله كتاب نزهة الإقبال في مداواة الأطفال وهو مجلد كبير طبع بمصر في سنة 1261 الهجرية باسم محمد علي باشا أيضاً.
ومن الكتب الجديدة كتاب المنحة في سياسة حفظ الصحة للحكيم الأجل محمد الهراوي طبع بمصر في سنة 1249، ترجمة من الفرنساوي إلى العربي وهو مجلد متوسط.
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ذكرها ملا كاتب الجلبي في كشف الظنون على ترتيب حروف الأعجام وأما الذي في مقدمة ابن خلدون فنصه هكذا: ومن فروع الطبيعيات: صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء أولا: في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله: علم الطب. وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصا كالعين وعللها وأكحالها.
وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة التي لأجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه.
وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين: جالينوس يقال: إنه كان معاصرا لعيسى - عليه السلام - ويقال: إنه مات بصقلية في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب وتأليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده.
وكان في الإسلام في هذه الصناعة أئمة جاؤوا من وراء الغاية مثل: الرازي والمجوسي وابن سينا.
ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم: ابن زهر وهي لهذا العهد في المدن الإسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف.
قف: وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثا عن مشائخ الحي وعجائزه وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره.
والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم1 إلا إذا استعلم على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه. علم الطب الشرعي
قال في المنحة في سياسة حفظ الصحة: هو المعارف الطبية والطبيعية المستعملتان في الأحكام الواقعة بين الناس في المحاكم فمن ذلك يعلم أن تسميته بالطب الشرعي اصطلاح إفرنجي وحقه أن يسمى بالطب المحكمي ولذا سميناه بذلك في جميع ما يأتي.
وهو فن به يهتدي أرباب المحاكم لما يناط بها من القضايا فيعرف كل من تصدر عنه حكومة كيف تكوين الحكومات والتراتيب القانوينة التي غايتها استراحة شعبه واطمئنانه وبه يهتدي القضاة لإدراك الأشياء التي تفعل على خلاف الشرع ولمعرفة الجاني وخلاص البريء المتهم ظلما بل ولمعرفة أحكام المشاجرات المدنية الواقعة في غير الجنايات أيضا وكل من القاضي ومن تصدر عنه الحكومة من حيث أنه غير عارف للأشياء التي تكون المعارف الطبية واسطة للاهتداء إليها محتاج للالتجاء للطبيب المحكمي ليهتدي به في فعل ما هو نافع للشعب حتى لا يحكم على إنسان بأنه مذنب بغير حق.
وعلى الطبيب الذي يدعوه الحاكم لواقعة حكمية أن يحرر تقريرا بما يراه ليكون أساسا للحاكم يحكم بموجبه ومما تقدم من تفسير الطب المحكمي وما يتفرع عليه يعلم أن منفعته ليست قاصرة على تحرير التقارير التي يكتبها الطبيب بما يظهر له حين الكشف عن شيء ليتنور بذلك الحاكم فقط بل أعظم منافع هذا العلم أنه يلزم الناس باستعمال الرئيس من المعارف الطبية وما يتبعها في تكوين أحكام المشاجرات الواقعة أمام الحكام ومسائلها وسواء في الجنايات وغيرها.
وفوائد الطب المحكمي لا حصر لها إذ لا توجد حركة من حركات الإنسان في مدة معيشته مع الناس بدون أن يستدعي ذلك الطب الموجود في جميع الأماكن في كل الأزمان فهو أول الفنون الحكمية وأفضلها لأن غاية استراحة الناس واطمئنانهم وأساس المعارف الطبية المستعملة في الطب المحكمي استخراج ما هو أكثر تعلقا بالقضايا المحكمية من تلك المعارف أو ترتيبه وجعله طريقا ومذهبا يتبع ونظن أنه لا يوجد شيء تستفاد منه قواعد كلية بما يستعمل في المحاكم من المعارف الطبية أقرب من التفتيش في الفنون المحتوية على تلك المعارف.

مُخَاشِن

مُخَاشِن
من (خ ش ن) المقاتل الذي يستخدم القوة والعنف ومن يغلظ على غيره في القول أو العمل.
مُخَاشِن:
بضم أوله، وبعد الألف شين معجمة، ونون: وهو جبل على البشر بالجزيرة، قال جرير:
لو أن جمعهم غداة مخاشن ... يرمى به حضن لكاد يزول
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.