Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يزرع

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.

دَيْرُ الزَّعْفَرَان

دَيْرُ الزَّعْفَرَان:
ويسمّى عمر الزّعفران: قرب جزيرة ابن عمر تحت قلعة أردمشت، هو في لحف جبل والقلعة مطلّة عليه، وبه نزل المعتضد لما حاصر هذه القلعة حتى فتحها، ولأهله ثروة وفيهم كثرة، ودير الزّعفران أيضا: بقربه على الجبل المحاذي لنصيبين كان يزرع فيه الزعفران، وهو دير نزه فرح لأهل اللهو به مشاهد، ولهم فيه أشعار، وفي جبل نصيبين عدّة أديرة أخر، ولمصعب الكاتب في
دير الزعفران:
عمرت بقاع عمر الزعفران ... بفتيان غطارفة هجان
بكلّ فتًى يحنّ إلى التصابي، ... ويهوى شرب عاتقة الدّنان
ظللنا نعمل الكاسات فيه ... على روض كنقش الخسروان
وأغصان تميل بها ثمار ... قريبات من الجاني دوان
وغزلان مراتعها فؤادي، ... شجاني منهم ما قد شجاني
وينجوهم ويوحنّا..... ... ذوا الإحسان والصّور الحسان
رضيت بهم من الدنيا نصيبا، ... غنيت بهم عن البيض الغواني
أقبّل ذا وألثم خدّ هذا، ... وهذا مسعد سلس العنان
فهذا العيش لا حوض ونؤي، ... ولا وصف المعالم والمغاني

ديرُ هِندٍ الصُّغْرَى

ديرُ هِندٍ الصُّغْرَى:
بالحيرة يقارب خطة بني عبد الله ابن دارم بالكوفة مما يلي الخندق في موضع نزه، وهو دير هند الصغرى بنت النعمان بن المنذر المعروفة بالحرقة، قال هشام الكلبي: كان كسرى قد غضب على النعمان بن المنذر فحبسه فأعطت بنته هند عهدا لله إن ردّه الله إلى ملكه أن تبني ديرا تسكنه حتى تموت، فخلّى كسرى عن أبيها النعمان فبنت الدير وأقامت به إلى أن ماتت ودفنت فيه، وهي التي دخل عليها خالد بن الوليد، رضي الله عنه، لما فتح الحيرة فسلمت عليه فقال لها لما عرفها:
أسلمي حتى أزوجك رجلا شريفا مسلما، فقالت له: أما الدين فلا رغبة لي فيه غير دين آبائي، واما التزويج فلو كانت في بقية لما رغبت فيه فكيف وأنا عجوز هرمة أترقّب المنيّة بين اليوم وغد! فقال: سليني حاجة، فقالت: هؤلاء النصارى الذين في ذمتكم تحفظونهم، قال: هذا فرض علينا أوصانا به نبينا محمد، صلى الله عليه وسلّم، قالت: ما لي حاجة غير هذا فإني ساكنة في هذا الدير الذي بنيته ملاصقا لهذه الأعظم البالية من أهلي حتى ألحق بهم، قال: فأمر لها بمعونة ومال وكسوة، قالت: أنا في غنى عنه، لي عبدان يزرعــان مزرعة لي أتقوّت بما
يخرج منها ويمسك الرمق وقد اعتددت بقولك فعلا وبعرضك نقدا، فقال لها: أخبريني بشيء أدركت، قالت: ما طلعت الشمس بين الخورنق والسدير إلا على ما هو تحت حكمنا فما أمسى المساء حتى صرنا حولا لغيرنا، ثم أنشأت نقول:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا، ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف
فتبا لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلّب تارات بنا وتصرّف
ثم قالت: اسمع منّي دعاء كنا ندعو به لأملاكنا:
شكرتك يد افتقرت بعد غنى ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا أزال عن كريم نعمة إلا جعلك سببا لردّها إليه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، قال: فتركها وخرج، فجاءها النصارى وقالوا: ما صنع بك الأمير؟
فقالت:
صان لي ذمتي وأكرم وجهي، ... إنما يكرم الكريم الكريم
وقد أكثر الشعراء من ذكر هذا الدير، فقال فيه معن بن زائدة الشيباني الأمير وكان منزله قريبا منه:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... لدى دير هند والحبيب قريب
فتقضي لبانات ونلقى أحبّة، ... ويورق غصن للسرور رطيب
وهند هذه صاحبة القصة مع المغيرة بن شعبة.

الشَّعِيرُ

الشَّعِيرُ:
بلفظ الشعير الذي يزرع، درب الشعير وباب الشعير: في غربي بغداد، وقد نسب إليه قوم من أهل العلم وقد ذكر في باب الشعير، وقال أبو عمرو في قول البريق الهذلي:
ألم تعلموا أن الشّعير تبدّلت ديافيّة تعلو الجماجم من عل؟
قال: الشعير أرض، وروى غيره:
فأعجبكم أهل الشّعير سيوفنا مطبّقة تعلو الجماجم من عل وقد نسب إلى باب الشعير أبو طاهر عبد الكريم بن الحسن بن عليّ بن رزمة الخبّاز الشعيري، كان شيخا صالحا صدوقا، سمع أبا عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي وأبا الحسن بن زريق البزّاز، روى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره، ومات سنة 569، ومولده سنة 491. وإقليم الشعير: من نواحي حمص بالأندلس.

صَحْنٌ

صَحْنٌ:
بالفتح ثم السكون، ونون، وصحن الدار والموضع: وسطه، وصحن: جبل في بلاد سليم
فوق السوارقية، عن أبي الأشعث، قال: وفيه ماء يقال له الهباءة وهي أفواه آبار كثيرة مخرّقة الأسافل يفرغ بعضها في بعض الماء الطيب العذب، يزرع عليها الحنطة والشعير وما أشبهه، قال بعضهم:
جلبنا من جنوب الصحن جردا ... عتاقا سرّها نسلا لنسل
فوافينا بها يومي حنين ... رسول الله جدّا غير هزل
وصحن الشّبا: موضع في شعر كثير.

الصَّعْبِيّةُ

الصَّعْبِيّةُ:
بالفتح ثمّ السكون، وباء موحدة مكسورة، وياء النسبة: ماء لبني خفاف بطن من سليم، قاله أبو الأشعث الكندي، وهي آبار يزرع عليها، وهو ماء عذب وأرض واسعة كانت بها عين يقال لها النازية بين بني خفاف وبين الأنصار فتضادوا فيها فأفسدوها وهي عين ماؤها عذب كثير، وقد قتل بها ناس بذلك السبب كثير، وطلبها سلطان البلد مرارا كثيرة بالثمن الوافر فأبوا ذلك.

عَينُ شَمس

عَينُ شَمس:
بلفظ الشمس التي في السماء: اسم مدينة فرعون موسى بمصر، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ، بينه وبين بلبيس من ناحية الشام قرب المطرية وليست على شاطئ النيل، وكانت مدينة كبيرة، وهي قصبة كورة اتريب، وهي الآن خراب وبها
آثار قديمة وأعمدة تسمّيها العامة مسالّ فرعون، سود طوال جدّا تبين من بعد كأنها نخيل بلا رؤوس، قال الحسن بن إبراهيم المصري: ومن عجائب مصر عين شمس، وهي هيكل الشمس، وبها قدّت زليخا على يوسف القميص، وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما ولا من بنائهما، وهما مبنيان على وجه الأرض بغير أساس، طولهما في السماء خمسون ذراعا، فيهما صورة إنسان على دابّة وعلى رؤوسهما شبه الصومعتين من نحاس فإذا جرى النيل رشحتا وقطر الماء منهما، وهما رصد لا تجاوز هما الشمس في الانتهاء، فإذا دخلت أول دقيقة من الجدي، وهو أقصر يوم في السنة، انتهت إلى العمود الجنوبي وقطعت على قبّة رأسه فإذا نزلت أول دقيقة من السرطان وهو أطول يوم في السنة انتهت إلى العمود الشمالي وقطعت على قبّة رأسه ثم تطّرد بينهما ذاهبة وجائية سائر السنة، ويرشح من رأسها ماء إلى أسفل حتى يصيب أسفلهما وأصولهما فينبت العوسج وغيره من الشجر، قال: ومن عجائب عين شمس أنها تخرب من أول الإسلام وتحمل حجارتها ولا تفنى، وبعين شمس يزرع البلسان ويستخرج دهنه، وبالصعيد مقابل طهنة بلد يقال له عين شمس غير التي عند المطرية، قال كثيّر يرثي عبد العزيز ابن مروان:
أتاني، ودوني بطن غول ودونه ... عماد الشّبا من عين شمس فعابد،
نعيّ ابن ليلى فاتّبعت مصيبة ... وقد ضقت ذرعا والتجلّد آيد
وعين شمس أيضا: ماء بين العذيب والقادسية، له ذكر في أيام الفتوح.

أَخْثَالُ

أَخْثَالُ:
بالثاء المثلثة كأنه جمع خثلة البطن: وهي ما بين السّرّة والعانة، وقال عرّام: الخثلة، بالتحريك، مستقرّ الطعام، تكون للإنسان كالكرش للشاة.
وقال الزمخشري: هو واد لبني أسد يقال له ذو أخثال، يزرع فيه على طريق السافرة إلى البصرة، ومن أقبل منها إلى الثعلبية، وذكر في شعر عنترة العبسي، وضبطه أبو أحمد العسكري بالحاء المهملة، وقد ذكرته قبل.

غَدَامِسُ

غَدَامِسُ:
بفتح أوله ويضم، وهي عجمية بربرية فيما أحسب: وهي مدينة بالمغرب ثم في جنوبيّه ضاربة في بلاد السودان بعد بلاد زافون، تدبغ فيها الجلود الغدامسية وهي من أجود الدباغ لا شيء فوقها في الجودة كأنها ثياب الخز في النعومة والإشراق، وفي وسطها عين أزليّة وعليها أثر بنيان عجيب روميّ يفيض الماء فيها ويقسمه أهل البلدة بأقساط معلومة لا يقدر أحد أن يأخذ أكثر من حقه وعليه يزرعــون، وأهلها بربر يقال لهم تناوريّة.

الغَوْر

الغَوْر:
بالفتح ثم السكون، وآخره راء، والغور:
المنخفض من الأرض، وقال الزّجّاج: الغور أصله ما تداخل وما هبط، فمن ذلك غور تهامة يقال للرجل: قد أغار إذا دخل تهامة، وغور كل شيء:
قعره، وكلّ ما وصفنا به تهامة فهو من صفة الغور لأنهما اسمان لمسمّى واحد، قال أعرابيّ
أراني ساكنا من بعد نجد ... بلاد الغور والبلد التهام
فربّتما مشيت بحرّ نجد ... وربّتما ضربت به الخيا
وربّتما رأيت بحرّ نجد ... على اللأواء أخلاقا كراما
أليس اليوم آخر عهد نجد؟ ... بلى فاقروا على نجد السلاما
قال الأزهري: الغور تهامة وما يلي اليمن، وقال الأصمعي: ما بين ذات عرق إلى البحر غور تهامة، وطرف تهامة: من قبل الحجاز مدارج العرج وأولها من قبل نجد مدارج ذات عرق، والمدارج:
الثنايا الغلاظ، وقال الباهلي: كلّ ما انحدر سيله مغرّبا عن تهامة فهو غور، وقال الأصمعي: يقال غار الرجل يغور إذا سار في بلاد الغور، وهكذا قال الكسائي وأنشد قول جرير:
يا أمّ طلحة ما رأينا مثلكم ... في المنجدين ولا بغور الغائر
لو كان من أغار لكان مغيرا، فلما قال الغائر دلّ على أنه من غار يغور، وسئل الكسائي عن قول الأعشى:
نبيّ يرى ما لا ترون، وذكره ... أغار، لعمري، في البلاد وأنجدا
فقال: ليس هذا من الغور وإنما هو من أغار إذا أسرع، وكذلك قال الأصمعي، وروى ابن الأنباري أن الأصمعي كان يروي هذا البيت:
نبيّ يرى ما لا ترون، وذكره ... لعمري غار في البلاد وأنجدا
وروي عن ابن الأعرابي أنه قال: غار القوم وأغاروا إذا انحدروا نحو الغور، قال: والعرب تقول: ما أدري أغار فلان أم أنجد أي ما أدري أتى الغور أم أتى نجدا، وكذلك قال الفراء واحتج بقول الأعشى.
والغور: غور الأردنّ بالشام بين البيت المقدّس ودمشق، وهو منخفض عن أرض دمشق وأرض البيت المقدس ولذلك سمي الغور، طوله مسيرة ثلاثة أيام، وعرضه نحو يوم، فيه نهر الأردنّ وبلاد وقرى كثيرة، وعلى طرفه طبرية وبحيرتها ومنها مأخذ مياهها، وأشهر بلاده بيسان بعد طبرية، وهو وخم شديد الحر غير طيب الماء وأكثر ما يزرع فيه قصب السكر، ومن قراه أريحا مدينة الجبّارين، وفي طرفه الغربي البحيرة المنتنة وفي طرفه الشرقي بحيرة طبرية. وغور العماد: موضع في ديار بني سليم. والغور أيضا غور ملح: ماء لبني العدوية، قال الهيش بن شراحيل المازني مازن بني عمرو بن تميم:
فان قتلت أخي، إذ حمّ مقتله، ... فلست أول عبد ربّه قتلا
لقيته طيّبا نفسا بميتته ... لما رأى الموت لا نكسا ولا وكلا
وقد دعوتك يوم الغور من ملح ... إلى النزال فلم تنزل كما نزلا
فلا عدمت امرأ هالتك خيفته ... حتى حسبت المنايا تسبق الأجلا
ولا أسنّة قوم أرشدوك بها ... سبل الفرار فلم تعدل بها سبلا
وكان الهيش من قتّال بني مازن وشجعانها وشعرائها، والأيام والأحاديث في الغور كثيرة، وقالت ماجدة البكرية:
ألا يا جبال الغور خلّين بيننا ... وبين الصّبا يجري علينا شنينها
لقد طال ما جالت ذراكنّ بيننا ... وبين ذرى نجد فما نستبينها
وقال جميل:
يغور، إذا غارت، فؤادي وإن تكن ... بنجد يهم منّي الفؤاد إلى نجد
أتيت بني سعد صحيحا مسلّما، ... وكان سقام القلب حبّ بني سعد
وقال الأحوص:
وإنك إن تنزح بك الدار آتكم ... وشيكا، وإن يصعد بك العيس أصعد
وإن غرت غرنا حيث كنت وغرتم، ... أو أنجدت أنجدنا مع المتنجّد
متى تنزلي عينا بأرض وتلعة ... أزرك ويكثر حيث كنت تردّدي

الفَحْصُ

الفَحْصُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وآخره صاد مهملة: بالمغرب من أرض الأندلس مواضع عدة تسمى الفحص، وسألت بعض أهل الأندلس: ما تعنون به؟ فقال: كل موضع يسكن سهلا كان أو جبلا بشرط أن يزرع نسميه فحصا ثم صار علما لعدة مواضع، فأما في لغة العرب فالفحص شدة الطلب خلال كل شيء، ومفحص القطاة: موضع بيضها، والدجاجة تفحص برجلها لتتخذ أفحوصة تبيض فيها أو تجثم، والفحص: ناحية كبيرة من أعمال طليطلة ثم عمل طلبيرة. والفحص أيضا: إقليم من أقاليم أكشونية. والفحص أيضا: إقليم بإشبيلية.
وفحص البلوط ذكر في البلوط. وفحص الأجم:
حصن منيع من نواحي إفريقية. وفحص سورنجين:
بطرابلس، ذكر في سورنجين.

جامع عمرو بن العاص

جامع عمرو بن العاص
فهو في مصر وهو العامر المسكون، وكان عمرو بن العاص لما حاصر الحصن بالفسطاط نصب رايته بتلك المحلة فسميت محلة الراية إلى الآن، وكان موضع هذا الجامع جبّانة، حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التجيبي ويكنى أبا عبد الرحمن ونزله، فلما رجعوا من الإسكندرية سأل عمرو بن العاص قيسبة في منزله هذا أن يجعله مسجدا فتصدق به قيسبة على المسلمين واختط مع قومه بني سوم في تجيب فبني سنة 21، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا، ويقال إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من الصحابة الكرام، منهم الزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعبادة ابن الصامت وابو الدرداء وأبو ذرّ الغفاري وغيرهم، قيل إنها كانت مشرقة قليلا حتّى أعاد بناءها على ما هي اليوم قرّة بن شريك لما هدم المسجد في أيام الوليد بن عبد الملك وبناه، ثم ولي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري صحابي من قبل معاوية سنة 53 وبيّضه وزخرفه وزاد في أرجائه وأبّهته وكثّر مؤذّنيه، ثم لما ولي مصر قرة بن شريك العبسي في سنة 92 هدمه بأمر الوليد بن عبد الملك فزاد فيه ونمقه وحسّنه على عادة الوليد بن عبد الملك في بناء الجوامع، ثم ولي صالح بن علي بن عبد الله بن العباس في أيام السفاح فزاد أيضا فيه، وهو أول من ولي مصر من بني هاشم، وذلك في سنة 133، ويقال إنه أدخل في الجامع دار الزبير بن العوّام، ثم ولي موسى بن عيسى في أيام الرشيد في سنة 175 فزاد فيه أيضا، ثم قدم عبد الله بن طاهر بن الحسين في أيام المأمون في سنة 211 لقتال الخوارج ولما ظفر بهم ورجع أمر بالزيادة في الجامع فزيد فيه من غربيه، وكان وروده إلى مصر في ربيع الأول وخروجه في رجب من هذه السنة، ثم زاد فيه في أيام المعتصم أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع ابن أخت أبي الوزير أحمد بن خالد، وكان صاحب الخراج بمصر، وذلك في سنة 258، ثم وقع في الجامع حريق في سنة 275 فهلك فيه أكثر زيادة عبد الله بن طاهر فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته وكتب اسمه عليه، ثم زاد فيه أبو حفص عمر القاضي العباسي في رجب سنة 336، ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الخازن رواقا واحدا مقداره تسعة أذرع في سنة 357 ومات قبل تتمتها فأتمها ابنه علي وفرغت في سنة 358، ثم زاد فيه في أيام الوزير يعقوب بن يوسف بن كلس الفوّارة التي تحت قبة بيت المال وذلك في سنة 378 وجدد الحاكم بياض مسجد الجامع وقلع ما كان عليه من الفسفس وبيّض مواضعه، قال الشريف محمد بن أسعد ابن علي بن الحسن الجوّاني المعروف بابن النحوي في كتاب سماه النّقط لمعجم ما أشكل عليه من الخطط:
وكان السبب في خراب الفسطاط وإخلاء الخطط حتى بقيت كالتلال أنه توالت في أيام المستنصر بن الظاهر بن الحاكم سبع سنين أولها سنة 457 إلى سنة 464 من الغلاء والوباء الذي أفنى أهلها وخرب دورها ثم ورد أمير الجيوش بدر الجمالي من الشام في سنة 466 وقد عم الخراب جانبي الفسطاط الشرقي والغربي، فأما الغربي فخرب الشرف منه ومن قنطرة خليج بني وائل مع عقبة يحصب إلى الشرف ومراد والعبسيين وحبشان وأعين والكلاع والالبوع والاكحول والرّبذ والقرافة، ومن الشرقي الصدف وغافق وحضرموت والمقوقف والبقنق والعسكر إلى المنظر والمعافر بأجمعها إلى دار أبي قتيل وهو الكوم الذي شرقي عفصة الكبرى وهي سقاية ابن طولون، فدخل أمير الجيوش مصر وهذه المواضع خاوية على عروشها وقد أقام النيل سبع سنين يمدّ وينزل فلا يجد من يزرع الأرض، وقد بقي من أهل مصر بقايا يسيرة ضعيفة كاسفة البال وقد انقطعت عنها الطرق وخيفت السبل وبلغ الحال بهم إلى أن الرغيف الذي وزنه رطل من الخبز يباع في زقاق القناديل كبيع الطّرف في النداء بأربعة عشر درهما وبخمسة عشر درهما ويباع إردب القمح بثمانين دينارا، ثم عرم ذلك وتزايد إلى أن أكلت الدوابّ والكلاب والقطاط ثم اشتدت الحال إلى أن أكل الرجال الرجال ولذلك سمي الزقاق الذي يحضره الغشم زقاق القتلى لما كان يقتل فيه، وكان جماعة من العبيد الأقوياء قد سكنوا بيوتا قصيرة السقوف قريبة ممن يسعى في الطرقات ويطوف وقد أعدوا سكاكين وخطاطيف وهراوات ومجاذيف فإذا اجتاز أحد في الطريق رموا عليه الكلاليب وأشالوه إليهم في أقرب وقت وأسرع أمر ثم ضربوه بتلك الهراوات والأخشاب وشرحوا لحمه وشووه وأكلوه، فلما دخل أمير الجيوش فسّح للناس والعسكر في عمارة المساكن مما خرّب فعمّروا بعضه وبقي بعضه على خرابه، ثم اتفق في سنة 564 نزول الأفرنج على القاهرة فأضرمت النار في مصر لئلا يملكها العدوّ إذ لم يكن لهم بها طاقة، قال: ومن الدليل على دثور الخطط أنني سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروف بالصمصام يقول: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن الحسين الخلعي يقول عن القاضي أبي عبد الله القضاعي انه قال: كان في مصر من المساجد ستة وثلاثون ألف مسجد وثمانية آلاف شارع مسلوك وألف ومائة وسبعون حمّاما، وفي سنة 572 قدم صلاح الدين يوسف بن أيوب من الشام بعد تملكه عليها إلى مصر وأمر ببناء سور على الفسطاط والقاهرة والقلعة التي على جبل المقطم فذرع دوره فكان تسعة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالذراع الهاشمي، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين فبلغ دوره على هذا سبعة أميال ونصف الميل وهي فرسخان ونصف.

قارَةُ

قارَةُ:
قال ابن شميل: القارة جبيل مستدقّ ملموم في السماء لا يقود في الأرض كأنه جثوة وهو عظيم مستدير، وقال الأصمعي: القارة أصغر من الجبل وذو القارة: إحدى القريات التي منها دومة وسكاكة، وهي أقلّهن أهلا، وهي على جبل وبها حصن منيع.
وقارة أيضا: اسم قرية كبيرة على قارعة الطريق وهي المنزل الأول من حمص للقاصد إلى دمشق وهي كانت آخر حدود حمص وما عداها من أعمال دمشق، وأهلها كلهم نصارى، وهي على رأس قارة كما ذكرنا وبها عيون جارية يزرعــون عليها، وقال الحفصي:
القارة جبل بالبحرين، ويوم قارة: من أيام العرب، وقال أبو المنذر: القارة جبيل بنته العجم بالقفر والقير، وهو فيما بين الأطيط والشّبعاء في فلاة من الأرض إلى اليوم، وإياه أريد بقولهم في المثل: قد أنصف القارة من رماها، وهذا أعجب، لأن الكلبي يقول في جمهرة النسب: إن القارة المذكورة في المثل هي القارة أبناء الهون بن خزيمة بن مدركة.

قَرَاوَى

قَرَاوَى:
قرية بالغور من أرض الأردن يزرع بها السكر الجيّد رأيتها غير مرة، وقراوى أيضا:
قرية من أعمال نابلس يقال لها قراوى بني حسّان، ونسب إليها أبو محمد عبد الحميد وأحمد ابنا مرّي ابن ماضي القراوي الحساني، سمع عبد الحميد أبا الفرج عبد المنعم بن كليب وأبا الفرج بن الجوزي وغيرهما.

كَرِيبٌ

كَرِيبٌ:
بالفتح ثم الكسر، وآخره باء موحدة، وهو في السويق، قالوا: والكريب أن تزرع في القراح الذي لم يزرع قط، ويروى كريب بلفظ التصغير: وهو اسم موضع في قول جرير:
هاج الفؤاد بذي كريب دمنة ... أو بالأفاقة منزل من مهددا
أفما يزال يهيج منك صبابة ... نؤي يحالف خالدات ركّدا؟

لُبنَانٌ

لُبنَانٌ:
بالضم، وآخره نون، قال رجل لآخر: لي إليك حويجة، فقال: لا أقضيها حتى تكون لبنانيّة، أي مثل لبنان، وهو اسم جبل، وهو فعلان منصرف، كذا قال الأزهري، ولبنان:
جبل مطلّ على حمص يجيء من العرج الذي بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشام، فما كان بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وبدمشق سنير، وبحلب وحماة وحمص لبنان، ويتصل بأنطاكية والمصّيصة فيسمى هناك اللّكّام ثم يمتدّ إلى ملطية وسميساط وقاليقلا إلى بحر الخزر فيسمى هناك القبق، وقيل: إن في هذا الجبل سبعين لسانا لا يعرف كل قوم لسان الآخرين إلا بترجمان، وفي هذا الجبل المسمى بلبنان كورة بحمص جليلة وفيه من جميع الفواكه والزرع من غير أن يزرعــها أحد، وفيه يكون الأبدال من الصالحين، وقال أحمد بن الحسين بن حيدرة المعروف بابن الخراساني الطرابلسي:
دعوني لقا في الحرب أطفو وأرسب، ... ولا تنسبوني فالقواضب تنسب
وإن جهلت جهّال قومي فضائلي ... فقد عرفت فضلي معدّ ويعرب
ولا تعتبوني إذ خرجت مغاضبا، ... فمن بعض ما في ساحل الشام يغضب
وكيف التذاذي ماء دجلة معرقا ... وأمواه لبنان ألذّ وأعذب!
فما لي وللأيام، لا درّ درّها، ... تشرّق بي طورا وطورا تغرّب؟

مَأرِبٌ

مَأرِبٌ:
بهمزة ساكنة، وكسر الراء، والباء الموحدة، اسم المكان من الأرب وهي الحاجة، ويجوز أن يكون من قولهم: أرب يأرب إربا إذا صار ذا دهي، أو من أرب الرجل إذا احتاج إلى الشيء وطلبه، وأربت بالشيء: كلفت به، يجوز أن يكون اسم المكان من هذا كله: وهي بلاد الأزد باليمن، قال السّهيلي: مأرب اسم قصر كان لهم، وقيل: هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ كما أن تبّعا اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت، قال المسعودي: وكان هذا السُّد من بناء سبإ بن يشجب بن يعرب وكان سافله سبعين واديا ومات قبل أن يستتمّه فأتمته ملوك حمير بعده، قال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين مشعبا، وفي الحديث: أقطع رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أبيض بن حمّال ملح مأرب، حدثني شيخ سديد فقيه محصّل من أهل صنعاء من ناحية شبام كوكبان وكان مستبينا متثبتا فيما يحكي قال: شاهدت مأرب وهي بين حضرموت وصنعاء، وبينها وبين صنعاء أربعة أيام، وهي قرية ليس بها عامر إلا ثلاث قرى يقال لها
الدروب إلى قبيلة من اليمن: فالأول من ناحية صنعاء درب آل الغشيب ثم درب كهلان ثم درب الحرمة، وكل واحد من هذه الدروب كاسمه درب طويل لا عرض له طوله نحو الميل كل دار إلى جنب الأخرى طولا وبين كل درب والآخر نحو فرسخين أو ثلاثة، وهم يزرعــون على ماء جار يجيء من ناحية السّدّ فيسقون أرضهم سقية واحدة فــيزرعــون عليه ثلاث مرات في كل عام، قال: ويكون بين بذر الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين، وسألته عن سدّ مأرب فقال: هو بين ثلاثة جبال يصب ماء السيل إلى موضع واحد وليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة فكان الأوائل قد سدوا ذلك الموضع بالحجارة الصلبة والرصاص فيجتمع فيه ماء عيون هناك مع ما يغيض من مياه السيول فيصير خلف السّد كالبحر فكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا من ذلك السدّ بقدر حاجتهم بأبواب محكمة وحركات مهندسة فيسقون حسب حاجتهم ثم يسدّونه إذا أرادوا، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيات:
يا ديار الحبائب بين صنعا ومارب ... جادك السعد غدوة والثريّا بصائب
من هزيم كأنما يرتمي بالقواضب ... في اصطفاق ورنّة واعتدال المواكب
وأما خبر خراب سدّ مأرب وقصّة سيل العرم فإنه كان في ملك حبشان فأخرب الأمكنة المعمورة في أرض اليمن وكان أكثر ما أخرب بلاد كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب وعامة بلاد حمير بن سبإ، وكان ولد حمير وولد كهلان هم سادة اليمن في ذلك الزمان، وكان عمرو بن عامر كبيرهم وسيدهم وهو جد الأنصار فمات عمرو بن عامر قبل سيل العرم وصارت الرياسة إلى أخيه عمران بن عامر الكاهن، وكان عاقرا لا يولد له ولد، وكان جوادا عاقلا، وكان له ولولد أخيه من الحدائق والجنان ما لم يكن لأحد من ولد قحطان، وكان فيهم امرأة كاهنة تسمى طريفة فأقبلت يوما حتى وقفت على عمران بن عامر وهو في نادي قومه فقالت: والظلمة والضياء، والأرض والسماء، ليقبلن إليكم الماء، كالبحر إذا طما، فيدع أرضكم خلاء، تسفي عليها الصّبا، فقال لها عمران:
ومتى يكون ذلك يا طريفة؟ فقالت: بعد ستّ عدد، يقطع فيها الوالد الولد، فيأتيكم السيل، بفيض هيل، وخطب جليل، وأمر ثقيل، فيخرّب الديار، ويعطل العشار، ويطيب العرار، قال لها: لقد فجعنا بأموالنا يا طريفة فبيّني مقالتك، قالت: أتاكم أمر عظيم، بسيل لطيم، وخطب جسيم، فاحرسوا السّد، لئلا يمتدّ، وإن كان لا بدّ من الأمر المعدّ، انطلقوا إلى رأس الوادي، فسترون الجرذ العادي، يجرّ كل صخرة صيخاد، بأنياب حداد، وأظفار شداد.
فانطلق عمران في نفر من قومه حتى أشرفوا على السّدّ، فإذا هم بجرذان حمر يحفرن السدّ الذي يليها بأنيابها فتقتلع الحجر الذي لا يستقلّه مائة رجل ثم تدفعه بمخاليب رجليها حتى يسدّ به الوادي مما يلي البحر ويفتح مما يلي السدّ، فلما نظروا إلى ذلك علموا انها قد صدقت، فانصرف عمران ومن كان معه من أهله، فلما استقرّ في قصره جمع وجوه قومه ورؤساءهم وأشرافهم وحدّثهم بما رأى وقال: اكتموا هذا الأمر عن إخوتكم من ولد حمير لعلّنا نبيع أموالنا وحدائقنا منهم ثم نرحل عن هذه الأرض، وسأحتال في ذلك بحيلة، ثم قال لابن أخيه حارثة: إذا اجتمع الناس إليّ فإني سآمرك بأمر فأظهر فيه العصيان فإذا ضربت رأسك بالعصا فقم إليّ فالطمني، فقال له: كيف يلطم
الرجل عمّه! فقال: افعل يا بنيّ ما آمرك فإن في ذلك صلاحك وصلاح قومك، فلما كان من الغد اجتمع إلى عمران أشراف قومه وعظماء حمير ووجوه رعيته مسلّمين عليه، فأمر حارثة بأمر فعصاه فضربه بمخصرة كانت في يده فوثب إليه فلطمه فأظهر عمران الأنفة والحمية وأمر بقتل ابن أخيه حتى شفع فيه، فلما أمسك عن قتله حلف أنه لا يقيم في أرض امتهن بها ولا بدّ من أن يرتحل عنها، فقال عظماء قومه: والله لا نقيم بعدك يوما واحدا! ثم عرضوا ضياعهم على البيع فاشتراها منهم بنو حمير بأعلى الأثمان وارتحلوا عن أرض اليمن فجاء بعد رحيلهم بمديدة السبل وكان ذلك الجرذ قد خرّب السدّ فلم يجد مانعا فغرّق البلاد حتى لم يبق من جميع الأرضين والكروم إلا ما كان في رؤوس الجبال والأمكنة البعيدة مثل ذمار وحضرموت وعدن ودهيت الضياع والحدائق والجنان والقصور والدور وجاء السيل بالرمل وطمّها فهي على ذلك إلى اليوم، وباعد الله بين أسفارهم كما ذكروا فتفرّقوا عباديد في البلدان، ولما انفصل عمران وأهله من بلد اليمن عطف ثعلبة العنقاء بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق ابن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد بن الغوث نحو الحجاز فأقام ما بين الثعلبية إلى ذي قار وباسمه سميت الثعلبية فنزلها بأهله وولده وماشيته ومن يتبعه فأقام ما بين الثعلبية وذي قار يتتبع مواقع المطر، فلما كبر ولده وقوي ركنه سار نحو المدينة وبها ناس كثير من بني إسرائيل متفرّقون في نواحيها فاستوطنوها وأقاموا بها بين قريظة والنضير وخيبر وتيماء ووادي القرى ونزل أكثرهم بالمدينة إلى أن وجد عزّة وقوّة فأجلى اليهود عن المدينة واستخلصها لنفسه وولده فتفرّق من كان بها من اليهود وانضموا إلى إخوانهم الذين كانوا بخيبر وفدك وتلك النواحي وأقام ثعلبة وولده بيثرب فابتنوا فيها الآطام وغرسوا فيها النخل فهم الأنصار الأوس والخزرج أبناء حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء، وانخزع عنهم عند خروجهم من مأرب حارثة ابن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء وهو خزاعة فافتتحوا الحرم وسكانه جرهم وكانت جرهم أهل مكة فطغوا وبغوا وسنّوا في الحرم سننا قبيحة وفجر رجل منهم كان يسمى إساف بامرأة يقال لها نائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين، وهما اللذان أصابهما بعد ذلك عمرو بن لحيّ ثم حسّن لقومه عبادتهما، كما ذكرته في إساف، فأحب الله تعالى أن يخرج جرهما من الحرم لسوء فعلهم، فلما نزل عليهم خزاعة حاربوهم حربا شديدة فظفّر الله خزاعة بهم فنفوا جرهما من الحرم إلى الحلّ فنزلت خزاعة الحرم ثم إن جرهما تفرّقوا في البلاد وانقرضوا ولم يبق لهم أثر، ففي ذلك يقول شاعرهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر
بلى! نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنّا ولاة البيت من قبل نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
وعطف عمران بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء مفارقا لأبيه وقومه نحو عمان وقد كان انقرض بها من طسم وجديس ابني إرم فنزلها وأوطنها وهم أزد عمان منهم وهم العتيك آل المهلّب وغيرهم، وسارت قبائل نصر بن الأزد وهم قبائل كثيرة منهم دوس رهط أبي هريرة وغامد وبارق وأحجن والجنادبة وزهران وغيرهم نحو تهامة فأقاموا بها وشنئوا قومهم أو شنئهم قومهم إذ لم ينصروهم في حروبهم أعني حروب
الذين قصدوا مكة فحاربوا جرهم والذين قصدوا المدينة فحاربوا اليهود فهم أزد شنوءة، ولما تفرّقت قضاعة من تهامة بعد الرحب التي جرت بينهم وبين نزار بن معدّ سارت بليّ وبهراء وخولان بنو عمران ابن الحاف بن قضاعة ومن لحق بهم إلى بلاد اليمن فوغلوا فيها حتى نزلوا مأرب أرض سبإ بعد افتراق الأزد عنها وخروجهم منها، فأقاموا بها زمانا ثم أنزلوا عبدا لأراشة بن عبيلة بن فران بن بليّ يقال له أشعب بئرا لهم بمأرب ودلّوا عليه دلاءهم ليملأها لهم، فطفق العبد يملأ لمواليه وسادته ويؤثرهم ويبطئ عن زيد الله بن عامر بن عبيلة بن قسميل فغضب من ذلك فحطّ عليه صخرة وقال: دونك يا أشعب، فأصابته فقتلته فوقع الشر بينهم لذلك واقتتلوا حتى تفرّقوا، فيقول قضاعة:
إن خولان أقامت باليمن فنزلوا مخلاف خولان، وإن مهرة أقامت هناك وصارت منازلهم الشحر ولحق عامر بن زيد الله بن عامر بن عبيلة بن قسميل بسعد العشيرة فهم فيهم زيد الله، فقال المثلّم بن قرط البلوي:
ألم تر أن الحيّ كانوا بغبطة ... بمأرب إذ كانوا يحلّونها معا
بليّ وبهراء وخولان إخوة ... لعمرو بن حاف فرع من قد تفرّعا
أقام به خولان بعد ابن أمه ... فأثرى لعمري في البلاد وأوسعا
فلم أر حيّا من معدّ عمارة ... أجلّ بدار العزّ منّا وأمنعا
وهذا أيضا دليل على أن قضاعة من سعد، والله أعلم، وسار جفنة بن عمرو بن عامر إلى الشام وملكوها فهذه الأزد باقية وأما باقي قبائل اليمن فتفرّقت في البلاد بما يطول شرحه، وقد ذكرت الشعراء مأرب فقال المثلم بن قرط البلوي:
ألم تر أن الحيّ كانوا بغبطة ... بمأرب إذ كانوا يحلّونها معا
وقد ذكرت وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه قصة مأرب فقال: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، 34: 16 كما ذكرناه في العرم، والعرم: المسنّاة التي كانت قد أحكمت لتكون حاجزا بين ضياعهم وحدائقهم وبين السيل ففجّرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة كما أفار الله الطوفان من جوف التنور ليكون ذلك أثبت في العبرة وأعجب في الأمة ولذلك قال خالد بن صفوان التميمي لرجل من أهل اليمن كان قد فخر عليه بين يدي السفاح: ليس فيهم يا أمير المؤمنين إلا دابغ جلد أو ناسج برد أو سائس قرد أو راكب عرد، غرّقتهم فأرة وملكتهم امرأة ودلّ عليهم هدهد، وقال الأعشى:
ففي ذاك للمؤتسي أسوة، ... ومأرب عفّى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير ... إذا ما نأى ماؤهم لم يرم
فأروى الزّروع وأغنامها ... على سعة ماؤهم إن قسم
وطار القيول وقيلاتها ... بيهماء فيها سراب يطم
فكانوا بذلكم حقبة ... فمال بهم جارف منهزم
قال أحمد بن محمد: ومأرب أيضا قصر عظيم عالي الجدران، وفيه قال الشاعر:
أما ترى مأربا ما كان أحصنه، ... وما حواليه من سور وبنيان
ظلّ العباديّ يسقي فوق قلّته، ... ولم يهب ريب دهر جدّ خوّان
حتى تناوله من بعد ما هجعوا ... يرقى إليه على أسباب كتّان
وقال جهم بن خلف:
ولم تدفع الأحساب عن ربّ مأرب ... منيّته وما حواليه من قصر
ترقّى إليه تارة بعد هجعة ... بأمراس كتّان أمرّت على شزر
وقد نسب إلى مأرب يحيى بن قيس المأربي الشيباني، روى عن ثمامة بن شراحيل، وروى عنه أبو عمرو محمد ومحمد بن بكر، ذكره البخاري في تاريخه، وسعيد بن أبيض بن حمّال المأربي، روى عن أبيه وعن فروة بن مسيك العطيفي، روى عنه ابنه ثابت ابن سعيد، ذكره ابن أبي حاتم، وثابت بن سعيد المأربي، حدث عن أبيه، روى عنه ابن أخيه فرج ابن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمّال المأربي الشيباني، هكذا نسبه ابن أبي حاتم، وقال أبو أحمد في الكنى: أبو روح الفرج بن سعيد أراه ابن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حمّال المأربي عن خالد بن عمرو بن سعيد بن العاصي، وعمه ثابت بن سعيد المأربي، روى عنه أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي وعبد الله بن الزبير الجندي، وقال أبو حاتم: جبر بن سعيد أخو فرج بن سعيد، روى عنه أخوه جبير بن سعيد المأربي، سألت أبي عن فرج بن سعيد فقال لا بأس به، ومنصور بن شيبة من أهل مأرب، روى عنه فرج بن سعيد بن علقمة المأربي، ذكره ابن أبي حاتم أيضا في ترجمة فرج ابن سعيد.
مَارِثُ:
بكسر الراء، وآخره ثاء مثلثة، يجوز أن يكون اسم المكان من الإرث من الميراث أو من الإرث وهي الحدود بين الأرضين، واحدته أرثة، وهي الإرث التي في حديث عثمان: الإرث تقطع الشفعة، والميم على هذه زائدة، ويجوز أن يكون اسم فاعل من مرثت الشيء بيدي إذا مرسته أو فتّتّه، أو من المرث وهو الحليم الوقور، ومارث:
ناحية من جبال عمان.

المدَائِنُ

المدَائِنُ:
قال بطليموس: طول المدائن سبعون درجة وثلث، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، بالفتح جمع المدينة، تهمز ياؤها ولا تهمز، إن أخذت من دان يدين إذا أطاع لم تهمز إذا جمع على مداين لأنه مثل معيشة وياؤه أصلية، وإن أخذت من مدن بالمكان إذا أقام به همزت لأن ياءها زائدة فهي مثل قرينة وقرائن وسفينة وسفائن، والنسبة إليها مدائنيّ وإنما جاز النسبة إلى الجمع بصيغته لأنه صار علما بهذه الصيغة وإلّا فالأصل أن يردّ المجموع إلى الواحد ثم ينسب إليه، والنسبة إلى مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، مدنيّ وربما قيل مدينيّ، والنسبة إلى مدينة أصبهان مدينيّ لا غير وربما نسب إلى غيرها هذه النسبة كبغداد ومرو ونيسابور والمدائن العظام، قال يزدجرد بن مهبندار الكسروي في رسالة له عملها في تفضيل بغداد فقال في تضاعيفها ولقد كنت أفكر كثيرا في نزول فقال في نزول الأكاسرة بين أرض الفرات ودجلة فوقفت على أنهم توسطوا مصبّ الفرات في دجلة هذا ان الإسكندر لما سار في الأرض ودانت له الأمم وبنى المدن العظام في المشرق والمغرب رجع إلى المدائن وبنى فيها مدينة وسوّرها وهي إلى هذا الوقت موجودة الأثر وأقام بها راغبا عن بقاع الأرض جميعا وعن بلاده ووطنه حتى مات، قال يزدجرد: أما أنوشروان بن قباذ وكان أجلّ ملوك فارس حزما ورأيا وعقلا وأدبا فإنه بنى المدائن وأقام بها هو ومن كان بعده من ملوك بني ساسان إلى أيام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وقد ذكر في سير الفرس أن أول من اختطّ مدينة في هذا الموضع أردشير بن بابك، قالوا: لما ملك البلاد سار حتى نزل في هذا الموضع فاستحسنه فاختطّ به مدينة، قال: وإنما سميت المدائن لأن زاب الملك الذي بعد موسى، عليه السّلام، ابتناها بعد ثلاثين سنة من ملكه وحفر الزوابي وكوّرها وجعل المدينة العظمى المدينة العتيقة، فهذا ما وجدته مذكورا عن القدماء ولم أر أحدا ذكر لم سمّيت بالجمع والذي عندي فيه أن هذا الموضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم فكان كلّ واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسماها باسم، فأولها المدينة العتيقة التي لزاب، كما ذكرنا، ثم مدينة الإسكندر ثم طيسفون من مدائنها ثم اسفانبر ثم مدينة يقال لها رومية فسميت المدائن بذلك، والله أعلم، وكان فتح المدائن كلها على يد سعد بن أبي وقّاص في صفر سنة 16 في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال حمزة: اسم المدائن بالفارسية توسفون وعرّبوه على الطيسفون والطيسفونج وإنما سمّتها العرب المدائن لأنها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة، وآثارها واسماؤها باقية، وهي: اسفابور ووه أردشير وهنبو شافور ودرزيندان ووه جنديوخسره ونونيافاذ وكردافاذ، فعرّب اسفابور على اسفانبر، وعرّب وه أردشير على بهرسير، وعرب هنبو شافور على جنديسابور، وعرب درزيندان على درزيجان، وعرب وه جنديوخسره على رومية، وعرب السادس والسابع على اللفظ، فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة والبصرة انتقل إليهما الناس عن المدائن وسائر مدن العراق ثم اختط الحجاج واسطا فصارت دار الإمارة، فلما زال ملك بني أميّة اختط المنصور بغداد فانتقل إليها الناس ثم اختط المعتصم سامرّا فأقام الخلفاء بها مدّة ثم رجعوا إلى بغداد فهي الآن أم بلاد العراق، فأما في وقتنا هذ فالمسمى بهذا الاسم بليدة شبيهة بالقرية بينها وبين بغداد ستة فراسخ وأهلها فلّاحون يزرعــون ويحصدون والغالب على أهلها التشيّع على مذهب الإمامية، وبالمدينة الشرقية قرب الإيوان قبر سلمان الفارسي، رضي الله عنه، وعليه مشهد يزار إلى وقتنا هذا، وقال رجل من مراد:
دعوت كريبا بالمدائن دعوة، ... وسيرت إذ ضمّت عليّ الأظافر
فيال بني سعد علام تركتما ... أخا لكما يدعوكما وهو صابر
أخا لكما إن تدعواه يجبكما، ... ونصركما منه إذا ريع فاتر
وقال عبدة بن الطيب:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول، ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول؟
وللأحبّة أيّام تذكّرها، ... وللنّوى قبل يوم البين تأويل
حلّت خويلة في دار مجاورة ... أهل المدائن فيها الديك والفيل
يقارعون رؤوس العجم ظاهرة ... منها فوارس لا عزل ولا ميل
من دونها، لعتاق العيس إن طلبت، ... خبت بعيد نياط الماء مجهول
وقال رجل من الخوارج كان مع الزبير بن الماخور وكانوا أوقعوا بأهل المدائن فقال:
ونجّى يزيدا سابح ذو علالة، ... وأفلتنا يوم المدائن كردم
وأقسم لو أدركته إذ طلبته ... لقام عليه من فزارة مأتم
والمدائن أيضا: اسم قريتين من نواحي حلب في نقرة بني أسد، إليها فيما أحسب ينسب أبو الفتح أحمد ابن علي المدائني الحلبي، قرأت بخط عبد الله بن محمد ابن سنان الخفاجي الحلبي على جزء من كتاب الحيوان للجاحظ: ابتعته من تركة أبي الفتح أحمد المدائني في جمادى الآخرة سنة 459.

المَطَرِيّةُ

المَطَرِيّةُ:
من قرى مصر عندها الموضع الذي به شجر البلسان الذي يستخرج منه الدّهن فيها والخاصيّة في البئر، يقال إن المسيح اغتسل فيها، وفي جانبها الشمالي عين شمس القديمة مختلطة ببساتينها رأيتها ورأيت شجر البلسان وهو يشبه بشجر الحنّاء والرّمّان أول ما ينشأ، ولها قوم يجرحونها ويستقطرون ماءها من سوقها في آنية لطيفة من زجاج ويجمعونه بجدّ واجتهاد عظيم يتحصل منه في العام مائتا رطل بالمصري، وهناك رجل نصرانيّ يطبخه بصناعة يعرفها لا يطّلع عليها أحد ويصفي منها الدهن، وقد اجتهد الملوك به أن يعلّمهم فأبى وقال: لو قتلت ما علّمته أحدا ما بقي لي عقب فأما إذا أشرف عقبي على الانقراض فأنا أعلّمه لمن شئتم، وتكون الأرض التي ينبت فيها هذا نحو مد البصر في مثله محوّط عليه، والخاصيّة في البئر التي يسقى منها فإنني شربت من مائها وهو عذب وتطعّمت منه دهنيّة لطيفة، ولقد استأذن الملك الكامل أباه العادل أن يزرع شيئا من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات كثيرة وزرعه في أرض متصلة بأرض البلسان المعروف فلم ينجح ولا خلص منه دهن البتّة، فسأل أباه أن يجري ساقية من البئر المذكورة ففعل فأنجح وأفلح، وليس في الدنيا موضع ينبت فيه البلسان ويستحكم دهنه إلا بمصر فقط، ولكن حدّثني من رأى شجر البلسان الذي بمصر وكان دخل الحجاز فقال: هو شجر البشام بعينه إلا أنّا ما علمنا أن أحدا استخرج منه دهنا.

النَّضِيرُ

النَّضِيرُ:
بفتح النون، وكسر الضاد ثم ياء ساكنة، وراء مهملة: اسم قبيلة من اليهود الذين كانوا بالمدينة وكانوا هم وقريظة نزولا بظاهر المدينة في حدائق وآطام لهم، وغزوة بني النضير لم أر أحدا من أهل السير ذكر أسماء منازلهم وهو مما يحتاج إليه الناظر في هذا الكتاب، فبحثت فوجدت منازلهم التي غزاهم النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيها تسمّى وادي بطحان، وقد ذكرته في موضعه فأغنى عن الإعادة، وبموضع يقال له البويرة، وقد ذكر أيضا في موضعه، وكانت غزاة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، لبني النضير في سنة أربع للهجرة ففتح حصونهم وأخذ أموالهم وجعلها خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فكان يزرع في أرضهم تحت النخيل فيجعل من ذلك قوت أهله وأزواجه لسنة وما فضل جعله في الكراع والسلاح، وأقطع منها أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهما، وقسّمها بين المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار شيئا إلا رجلين كانا فقيرين سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الساعدي، قال الواقدي: وكان مخيريق أحد بني النضير عالما فآمن برسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وأوصى بأمواله لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم،
فجعلها صدقة، وهي الميثب والصافية والدلال وحسنى وبرقة والأعواف ومشربة أم إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهي مارية القبطية، وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أخرج بني النضير على أن لهم ما حملت إبلهم إلا الحلقة والآلة، والحلقة: هي الدروع، وقال الزهري: كانت وقعة بني النضير على ستة أشهر من وقعة أحد.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.