Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يحضر

بابِلُ

بابِلُ، كصاحِبٍ: ع بالعِراقِ، وإليه يُنْسَبُ السِحْرُ والخَمْرُ.
والبابِليُّ: السَّمُّ،
كالبابِلِيَّةِ.
بابِلُ:
بكسر الباء: اسم ناحية منها الكوفة والحلّة، ينسب إليها السحر والخمر، قال الأخفش: لا ينصرف لتأنيثه، وذلك أن اسم كل شيء مؤنث إذا كان علما وكان على أكثر من ثلاثة أحرف فإنه لا ينصرف في المعرفة، وقد ذكرت فيما يأتي في ترجمة بابليون معنى بابل عند أهل الكتاب، وقال المفسرون في قوله تعالى: وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، قيل بابل العراق، وقيل بابل دنباوند، وقال أبو الحسن: بابل الكوفة، وقال أبو معشر: الكلدانيون هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأول، ويقال: إن أول من سكنها نوح، عليه السلام، وهو أول من عمرها، وكان قد نزلها بعقب الطوفان، فسار هو ومن خرج معه من السفينة إليها لطلب الدّفء، فأقاموا بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح، وملّكوا عليهم ملوكا، وابتنوا بها المدائن، واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات، إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر، ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هو الذي يقال له السواد، وكانت ملوكهم تنزل بابل، وكان الكلدانيون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا آخر ملوكهم، ثم قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقال يزدجرد بن مهبندار: تقول العجم: إن الضحاك الملك الذي كان له بزعمهم ثلاثة أفواه وستّ أعين، بنى مدينة بابل العظيمة، وكان ملكه ألف سنة إلا يوما واحدا
ونصفا، وهو الذي أسره أفريدون الملك وصيّره في جبل دنباوند، واليوم الذي أسره فيه يعده المجوس عيدا، وهو المهرجان، قال: فأما الملوك الأوائل أعني ملوك النبط وفرعون إبراهيم فإنهم كانوا نزلا ببابل، وكذلك بخت نصّر، الذي يزعم أهل السير أنه ممّن ملك الأرض بأسرها، انصرف بعد ما أحدث ببني إسرائيل ما أحدث إلى بابل فسكنها، قال أبو المنذر هشام بن محمد: إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك، وكان بابها مما يلي الكوفة، وكان الفرات يجري ببابل حتى صرفه بخت نصّر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم عليه سور المدينة، لأنه كان يجري معه، قال: ومدينة بابل بناها بيوراسب الجبار واشتق اسمها من اسم المشتري، لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري، ولما استتمّ بناؤها جمع إليها كل من قدر عليه من العلماء وبنى لهم اثني عشر قصرا، على عدد البروج، وسماها بأسمائهم، فلم تزل عامرة حتى كان الإسكندر، وهو الذي خرّبها. وحدث أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في كتاب المجالس من تصنيفه: حدثنا إسماعيل بن يونس ومحمد بن مهران، قالا: حدثنا عمرو بن ناجية حدثنا نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي ابن أبي طالب عن أنس بن مالك، قال: لما حشر الله الخلائق إلى بابل، بعث إليهم ريحا شرقية وغربية وقبلية وبحرية، فجمعهم إلى بابل، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له، إذ نادى مناد: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء، فقام يعرب ابن قحطان [1] فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو، فكان أول من تكلم بالعربية، ولم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، حتى افترقوا على اثنين وسبعين لسانا، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن، فسميت بابل، وكان اللسان يومئذ بابليّا، وهبطت ملائكة الخير والشر وملائكة الحياء والإيمان وملائكة الصحة والشقاء وملائكة الغنى وملائكة الشرف وملائكة المروءة وملائكة الجفاء وملائكة الجهل وملائكة السيف وملائكة البأس، حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا، فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: وأنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الإيمان والحياء ببلد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال ملك الشقاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: وأنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الشقاء والصحة في الأعراب، وقال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: وأنا معك، فاجتمعت الأمة على أن الجفاء والجهل في البربر، وقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال ملك البأس: وأنا معك، وقال ملك الغنى: أنا أقيم ههنا، فقال ملك المروءة: وأنا معك، وقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق. قلت: هذا خبر نقلته على ما وجدته، والله المستعان عليه.
وقد روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سأل دهقان الفلّوجة عن عجائب بلادهم، فقال:
كانت بابل سبع مدن، في كل مدينة أعجوبة ليست في الأخرى، فكان في المدينة التي نزلها الملك بيت فيه صورة الأرض كلها برساتيقها وقراها وأنهارها، فمتى التوى أحد بحمل الخراج من جميع البلدان، خرق أنهارهم فغرّقهم وأتلف زروعهم وجميع ما في بلدهم حتى يرجعوا عما هم به، فيسد بإصبعه تلك الأنهار [1] هكذا في الأصل.
فيستدّ في بلدهم. وفي المدينة الثانية حوض عظيم، فإذا جمعهم الملك لحضور مائدته حمل كل رجل ممن يحضره من منزله شرابا يختاره، ثم صبه في ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشراب شرب كل واحد شرابه الذي حمله من منزله. وفي المدينة الثالثة طبل معلق على بابها، فإذا غاب من أهلها إنسان وخفي أمره على أهله وأحبوا أن يعلموا أحي صاحبهم أم ميت، ضربوا ذلك الطبل، فإن سمعوا له صوتا فإن الرجل حيّ، وإن لم يسمعوا له صوتا فإن الرجل قد مات.
وفي المدينة الرابعة مرآة من حديد، فإذا غاب الرجل عن أهله وأحبوا أن يعرفوا خبره على صحته، أتوا تلك المرآة فنظروا فيها فرأوه على الحال التي هو فيها. وفي المدينة الخامسة أوزّة من نحاس على عمود من نحاس منصوب على باب المدينة، فإذا دخلها جاسوس صوّتت الأوزّة بصوت سمعه جميع أهل المدينة، فيعلمون أنه قد دخلها جاسوس. وفي المدينة السادسة قاضيان جالسان على الماء، فإذا تقدّم إليهما الخصمان وجلسا بين أيديهما غاص المبطل منهما في الماء. وفي المدينة السابعة شجرة من نحاس ضخمة كثيرة الغصون لا تظلّ ساقها، فإن جلس تحتها واحد أظلّته إلى ألف نفس، فإن زادوا على الألف، ولو بواحد، صاروا كلّهم في الشمس. قلت وهذه الحكاية كما ترى خارقة للعادات، بعيدة من المعهودات، ولو لم أجدها في كتب العلماء لما ذكرتها. وجميع أخبار الأمم القديمة مثله، والله أعلم.

الزّمان

الزّمان:
[في الانكليزية] Time ،moment
[ في الفرنسية] Temps ،moment
بالفتح في اللغة الوقت قليلا كان أو كثيرا كما في القاموس. وفي العرف خصّص بستة أشهر. وفي المحيط أجمع أهل اللغة على أنّ الزمان من شهرين إلى ستة أشهر كذا في جامع الرموز في كتاب الأيمان. وفي حقيقته مذاهب.
قال بعض قدماء الفلاسفة إنّه جوهر مجرّد عن المادّة لا جسم مقارن لها، ولا يقبل العدم لذاته فيكون واجبا بالذات، إذ لو عدم لكان عدمه بعد وجوده بعدية لا يجامع فيها البعد القبل وذلك هو البعدية بالزمان. فمع عدم الزمان زمان فيكون محالا لذاته فيكون واجبا. ثم إن حصلت الحركة فيه ووجدت لأجزائها نسبة إليه يسمّى زمانا وإن لم توجد الحركة فيه يسمّى دهرا. وردّ بأنّ هذا ينفي انتفاء الزمان بعد وجوده ولا ينفي عدمه ابتداء بأن لا يوجد أصلا، لأنّه لا يصدق أن يقال: لو عدم الزمان أصلا ورأسا لكان عدمه بعد وجوده، والعدم بعد الوجود أخصّ من العدم المطلق، وامتناع الأخص لا يوجب امتناع الأعم.
وقال بعض الحكماء إنّه الفلك الأعظم لأنّه محيط بكل الأجسام المتحرّكة المحتاجة إلى مقارنة الزمان كما أنّ الزمان محيط بها أيضا، وهذا استدلال بموجبتين من الشكل الثاني فلا ينتج كما تقرر على أنّ الإحاطة المذكورة مختلفة المعنى قطعا فلا يتّحد الوسط أيضا. وقيل إنّه حركة الفلك الأعظم لأنها غير قارّة كما أنّ الزمان غير قارة أيضا، وهذا الاستدلال أيضا من جنس ما قبله.
وقال أرسطو إنّه مقدار حركة الفلك الأعظم وهو المشهور فيما بينهم وذلك لأنّ الزمان متفاوت زيادة ونقصانا، فهو كمّ وليس كمّا منفصلا لامتناع الجوهر الفرد فلا يكون مركّبا من آنات متتالية، فهو كمّ متّصل إلّا أنّه غير قارّ. فهو مقدار لهيئة غير قارّة وهي الحركة ويمتنع انقطاعها للدليل المذكور في المذهب الأول، فتكون الحركة مستديرة لأنّ المستقيمة منقطعة لتناهي الأبعاد ووجوب سكون بين كلّ حركتين، وهي الحركة الفلكية التي يقدر بها كل الحركات سريعها بطيئها وليس ذلك إلّا حركة الفلك الأعظم، فهو مقدار لها. وردّ بأنّه لو وجد الزمان لكان مقدارا للوجود المطلق حتى للواجب تعالى والتالي باطل. وأمّا الملازمة فلأنّا كما نعلم بالضرورة أنّ من الحركات ما هو موجود الآن ومنها ما كان موجودا في الماضي ومنها ما سيوجد، نعلم أيضا بالضرورة أنّ الله تعالى موجود الآن وكان موجودا وسيوجد، ولو جاز إنكار أحدهما جاز إنكار الآخر فوجب الاعتراف بهما قطعا. وأمّا بطلان اللازم فلأنّ الزمان إمّا غير قارّ فلا ينطبق أو قارّ فلا ينطبق على غير القارّ فاستحال كونه مقدارا للموجودات بأسرها.
فإن قيل نسبة المتغيّر إلى المتغيّر هو الزمان ونسبة المتغيّر إلى الثابت هو الدهر ونسبة الثابت إلى الثابت هو السّرمد، فالزمان عارض للمتغيّرات دون الثابتات؛ قلنا هذا لا طائل تحته وقد يوجّه ذلك القول بأنّ الموجود إذا كانت له هوية اتصالية غير قارّة كالحركة كان مشتملا على متقدّم ومتأخّر لا يجتمعان، فله بهذا الاعتبار مقدار غير قارّ وهو الزمان فتنطبق تلك الهوية على ذلك المقدار، ويكون جزؤها المتقدّم مطابقا لزمان متقدّم وجزؤها المتأخّر مطابقا لزمان متأخّر، ومثل هذا الموجود يسمّى متغيّرا تدريجيا، لا يوجد بدون الانطباق على الزمان، والمتغيّرات الدفعية إنما تحدث في آن هو طرف الزمان فهي أيضا لا توجد بدونه. وأمّا الأمور الثابتة التي لا تغيّر فيها أصلا لا تدريجيا ولا دفعيا فهي وإن كانت مع الزمان العارض للمتغيّرات إلّا أنّها مستغنية في حدود أنفسها عن الزمان بحيث إذا نظر إلى ذواتها يمكن أن تكون موجودة بلا زمان. فإذا نسب متغيّر إلى متغيّر بالمعيّة والقبلية فلا بد هناك من زمان في كلا الجانبين، وإذا نسب [بهما] ثابت إلى متغيّر فلا بد من الزمان في أحد جانبيه دون الآخر، وإذا نسب ثابت إلى ثابت بالمعية كان الجانبان مستغنيين عن الزمان، وإن كانا مقارنين له فهذه معان معقولة [متفاوتة] عبّر عنها بعبارات مختلفة تنبيها على تفاوتها. وإذا تؤمّل فيها حقّ التأمّل اندفع ما ذهب إليه أبو البركات من أنّ الزمان مقدار الوجود حيث قال: إنّ الباري تعالى لا يتصوّر بقاؤه إلّا في زمان وما لا يكون حصوله في الزمان ويكون باقيا لا بد أن يكون لبقائه مقدار من الزمان، فالزمان مقدار الوجود.
وقال المتكلمون الزمان أمر اعتباري موهوم ليس موجودا إذ لا وجود للماضي والمستقبل، ووجود الحاضر يستلزم وجود الجزء، مع أنّ الحكماء لا يقولون بوجود الحاضر فلا وجود للزمان أصلا، ولأنّ تقدّم أجزائه بعضها على بعض ليس إلّا بالزمان فيتسلسل، ولأنّه لو وجد لامتنع عدمه بعدمه لكونه زمانيا فيلزم وجوبه مع تركبه. وعرّفه الأشاعرة بأنّه متجدّد معلوم يقدّر به متجدّد مبهم لإزالة إبهامه، كما يقال: آتيك عند طلوع الشمس فإنّ طلوع الشمس معلوم ومجيئه موهوم فالزمان غير متعيّن فربّما يكون الشيء زمانا لشيء عند أحد ويكون الشيء الثاني زمانا للشيء الأول عند آخر. فقد يقال جاء زيد عند مجيء عمرو وجاء عمرو عند مجيء زيد، وفيه ضعف أيضا. وإن شئت أن تعلمه مع زيادة تفصيل ما تقدم فارجع إلى شرح المواقف. وقال الإمام الرازي في المباحث المشرقية إنّ الزمان كالحركة له معنيان: أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم وهو مطابق للحركة، بمعنى الكون في الوسط أي كونه بين المبدأ والمنتهى.
وثانيهما أمر متوهّم لا وجود له في الخارج، فإنّه كما أنّ الحركة بمعنى التوسّط تفعل الحركة بمعنى القطع، كذلك هذا الأمر الذي هو مطابق لها وغير منقسم مثلها يفعل بسيلانه أمرا ممتدا وهميا هو مقدار الحركة الوهمية. فالموجود في الخارج من الزمان هو الذي يسمّى بالآن السّيّال. قيل فالتحقيق أنّ القائل بالمعنى الثاني غير قائل بوجوده في الخارج وغير قائل بأنّه قابل للزيادة والنقصان وبأنّه كمّ، وغيره قائل بوجوده في الخارج.
ثم اعلم أنّ الزمان عند الحكماء إمّا ماض أو مستقبل فليس عندهم زمان هو حاضر، بل الحاضر هو الآن الموهوم الذي هو حدّ مشترك بينهما بمنزلة النقطة المفروضة على الخط وليس جزءا من الزمان أصلا، لأنّ الحدود المشتركة بين أجزاء الكمّ المتصلة مخالفة لها في الحقيقة فلا يصحّ حينئذ أن يقال الزمان الماضي كان حاضرا والمستقبل ما ســيحضر. وكما أنّه لا يمكن أن تفرض في خط واحد نقطتان متلاقيتان بحيث لا ينطبق أحدهما على الأخرى كذلك لا يمكن أن يفرض في الزمان آنان متلاقيان كذلك، فلا يكون الزمان مركّبا من آنات متتالية ولا الحركة من أجزاء لا تتجزأ.
فائدة:
الله تعالى لا يجري عليه زمان أي لا يتعيّن وجوده بزمان، بمعنى أنّ وجوده ليس زمانيا لا يمكن حصوله إلّا في زمان. هذا مما اتفق عليه أرباب الملل ولا يعرف فيه للعقلاء خلاف، وإن كان مذهب المجسّمة ينجرّ إليه كما ينجرّ إلى الجهة والمكان. أما عند الأشاعرة فلكون الزمان متغيرا غير متعيّن. وأمّا عند الحكيم فلأنّه لا تعلّق له بالزمان وإن كان مع الزمان لأنّ المتعلّق بالزمان ما كان له وجود غير قارّ مندرج منطبق على أجزاء الزمان أو على طرف الزمان وهو الآن السّيّال، والأول يسمّى زمانيا والثاني دفعيا، ومثل هذا الشيء لا يوجد بدون الزمان بخلاف الأمور الثابتة فإنّها بحيث إذا فرض انتفاء الزمان فهو موجود، ففرق بين كان الله ويكون وبين كان زيد ويكون، فإنّ وجوده تعالى مستمرّ مع الزمان لا فيه، بخلاف وجود زيد فإنّه في الزمان ومنطبق عليه ولا يوجد بدون هذا الزمان لتعلقه بأمور منطبقة عليه. وكما أنّ الزمان لا يجري عليه تعالى كذلك لا يجري على صفاته القديمة. وفي التفسير الكبير فعل الله سيتغني عن الزمان لأنّه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر فيلزم التسلسل.
تنبيه
علم مما ذكر أنّا سواء قلنا العالم حادث بالحدوث الزماني كما هو رأي المتكلمين أو بالحدوث الذاتي كما هو رأي الحكماء يتقدّم الباري سبحانه عليه لكونه موجدا إياه ليس تقدما زمانيا، وإلّا لزم كونه تعالى واقعا في الزمان بل هو تقدّم ذاتي عند الحكماء. وعند المتكلّمين قسم سادس كتقدم بعض أجزاء الزمان على بعض. ويعلم أيضا أنّ بقاءه تعالى ليس عبارة عن أن يكون وجوده في زمانين بل عن امتناع عدمه ومقارنته للأزمنة، ولا القدم عبارة عن أن يكون قبل كلّ زمان زمان وإلّا لم يتصف به الباري سبحانه. وعلى هذا ما وقع من الكلام الأزلي بصيغة الماضي ولو في الأمور المستقبلة الواقعة فيما لا يزال كقوله إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً وذلك لأنّه إذا لم يكن زمانيا لا بحسب ذاته ولا بحسب صفاته كان نسبة كلامه الأزلي إلى جميع الأزمنة على السّوية، إلّا أنّ حكمته تعالى اقتضت التعبير عن بعض الأمور بصيغة الماضي وبعضها بصيغة المستقبل، فسقط ما تمسّك به المعتزلة في حدوث القرآن من أنّه لو كان قديما لزم الكذب في أمثال ما ذكر فإنّ الإرسال لم يكن واقعا قبل الأزل. وأيضا إنا إذا قلنا كان الله موجودا في الأزل وسيوجد في الأبد وهو موجود في الآن لم نرد به أنّ وجوده واقع في تلك الأزمنة بل أردنا أنّه مقارن معها من غير أن يتعلّق بها كتعلّق الزمانيات. وأيضا لو ثبت وجود مجرّدات عقلية لم يكن أيضا زمانيا.
وأيضا إذا لم يكن الباري تعالى زمانيا لم يكن بالنسبة إليه ماض وحال ومستقبل، فلا يلزم من علمه بالمتغيّرات تغيّر في علمه، بل إنّما يلزم ذلك لو دخل فيه الزمان كذا في شرح المواقف.
وفي كليات أبي البقاء الزمان عبارة عن امتداد موهوم غير قارّ الذات متصل الأجزاء يعني أيّ جزء يفرض في ذلك الامتداد [لا] يكون نهاية لطرف وبداية لطرف آخر أو نهاية لهما أو بداية لهما على اختلاف الاعتبارات، كالنقطة المفروضة في الخطّ المتّصل فيكون كلّ آن مفروض في الامتداد الزماني نهاية وبداية لكلّ من الطرفين قائمة بهما. والزمان عند أرسطو وتابعيه من المشّائين هو مقدار الفلك الأعظم الملقّب بالفلك الأطلس لخلوّه عن النقوش كالثوب الأطلس. وبعض الحكماء قالوا إنّ الزمان من أقسام الأعراض وليس من المشخّصات فإنّه غير قارّ والحال فيه أي الزماني قارّ والبداهة حاكمة بأنّ غير القارّ لا يكون مشخّصا للقارّ، وكذا المكان ليس من المشخّصات لأنّ المتمكّن ينتقل إليه وينفكّ عنه والمشخّص لا ينفكّ عن الشخص ومعنى كون الزمان غير قار تقدّم جزء على جزء إلى غير النهاية، لا أنّه كان في الماضي ولم يبق في الحال. والزمان ليس شيئا معيّنا يحصل فيه الموجود. قال أفلاطون إنّ في عالم الأمر جوهرا أزليا يتبدّل ويتغيّر ويتجدّد وينصرم بحسب النّسب والإضافات إلى المتغيّرات لا بحسب الحقيقة والذات، وذلك الجوهر باعتبار نسبة ذاته إلى الأمور الثابتة يسمّى سرمديا، وإلى ما قبل المتغيّرات يسمّى دهرا، وإلى مقارنتها يسمّى زمانا. ولا استحالة في أن يكون للزمان زمان عند المتكلمين الذين يعرّفون الزمان بالأمر المتجدّد الذي يقدّر به متجدّد آخر انتهى من الكليات.

سفرن

سفرن
: (اسْفِرايِنُ) :
أَهْمَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وَهِي (بكسْر الهمْزةِ) وضَبَطَه ياقوت بفتْحِها وسكونِ السِّيْن وفتْحِ الفاءِ، كَمَا ضَبَطَه ياقوت وابنُ خلّكان، وجوَّز غيرُهُما فِيهِ الكَسْرَ أَيْضاً (و) كَسْر الياءِ (المُثَنَّاةِ التحتيةِ) ، وَهِي لَا تُهْمَزُ على الأَصَحّ الأَفْصَح، وجوَّزَ بعضُهم هَمْزَها، وزادَ ياقوتُ يَاء أُخْرَى ساكِنَةً، هَكَذَا أَسْفَرَايِين وَهُوَ المَشْهورُ المَعْروفُ: (د بخُراسانَ) .
وقالَ ياقوتُ: مِن نواحِي نَيْسابُورَ على مُنْتصفِ الطَّريقِ مِن جُرْجان.
قالَ أَبو القاسِمِ البَيْهقيّ: أَصْلُها اسْبرايِين بالباءِ الموحَّدَةِ، واسْبِر بالفارِسِيَّةِ هُوَ التُرْسُ، وايين هُوَ العادَةُ، فكأنَّهم عُرِفُوا قَدِيماً بحمْلِ التراسِ فعُرِفَتْ مَدِينَتُهم بذلِكَ وقيلَ: إنْشَاء اسْفِنديار فسُمِّيت بِهِ ثمَ غُيِّر لتَطاوِلِ الأَيَّام، وتَشْتَملُ ناحِيَتها على أَرْبعُمائةٍ وإحْدى وخَمْسِين قَرْيةً.
وقالَ أَبو الحَسَنِ عليُّ بنُ نَصْر الفندورجي 
يَتَشَوَّقُ اسْفِرايِين أَهْلَها:
سَقَى اللهاُ فِي أرضِ اسفرايينَ عُصْبتيفما تَنْثني العلياء إلاّ إليهموجرّبتُ كلَّ النَّاس بعد فِراقهمفما زِدْتُ إِلَّا قِرطَ ضنَ عليهمويُنْسَبُ إِلَيْهَا خَلْقٌ كثيرٌ مِنْهُم أَحدُ حفَّاظِ الدُّنْيا أَبو عوانَةَ يَعْقوبُ بنُ إسْحق بنِ إِبراهيمَ الاسْفِرايِني صاحِبُ المُسْندِ الصَّحِيحِ المخرَّج على كتابِ مُسْلم، ماتَ سَنَة 316، رَحِمَه اللهاُ تعالَى؛ والإمامُ أَبو حامِدٍ أَحمدُ الفَقِيهُ الاسْفِراينِيُّ الشاَّفِعِيُّ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّياسَةُ فِي بَغْدادَ، قيلَ: كانَ يَحْضرُ درْسَه سَبْعُمائةِ فَقِيهٍ، وُلِدَ سَنَة 344، وتُوفي سَنَة 406.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
سفراوانٌ: قرْيَةٌ ببُخارى، مِنْهَا أَبو الحَسَنِ عليُّ بنُ المهْدِي المحدِّثُ.

المنابذة

المنابذة:
[في الانكليزية] Sale by chance dated from the pre -Islamic epoch
[ في الفرنسية] Vente au hasard de l'epoque anteislamique
بالموحدة وهي أن يقول البائع للمشتري إذا نبذت المبيع إليك أو يقول المشتري إذا نبذته إليّ فقد وجب البيع كذا في المغرب. وفي بعض كتب اللغة في الحديث نهي عن المنابذة والنّباذ وهو أن يقول الرجل لصاحبه أنبذ إليّ الثوب وأنبذه إليك ليجب البيع. وقيل أن يحضر الرجل القطيع من الغنم فينبذ الحصاة فيقول لصاحبها إنّ ما أصاب الحجر فهو لي بكذا، وهذا غدر وجهل لم يجز، وهذه من البيوع في أيام الجاهلية.

رِيغ

رِيغ:
ويقال ريغة: إقليم بقرب من قلعة بني حمّاد بالمغرب، وقلعة بني حمّاد هي أشير، وقال المهلّبي:
بين ريغة وأشير ثمانية فراسخ، قال أبو طاهر بن سكينة: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن يوسف الزناتي الضرير بالثغر يقول: حضرت هارون بن النضر الريغي بالريغ في قراءة كتاب البخاري والموطّإ وغيرهما عليه وكان يتكلّم على معاني الحديث وهو أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب ورأيته يقرأ كتاب التلقين لعبد الوهّاب البغدادي في مذهب مالك من حفظه كما يقرأ الإنسان فاتحة الكتاب ويحضر عنده دوين مائة طالب لقراءة المدوّنة وغيرها من كتب المذهب عليه، وقال في موضع آخر: بالمغرب زابان الأكبر، ووصفه كما نصفه في موضعه، والأصغر يقال له ريغ، وهي كلمة بربرية معناها السبخة، فمن يكون منها يقال له الريغي.

أَسْفَرَايينُ

أَسْفَرَايينُ:
بالفتح ثم السكون، وفتح الفاء، وراء، وألف، وياء مكسورة، وياء أخرى ساكنة، ونون: بليدة حصينة من نواحي نيسابور على منتصف الطريق من جرجان، واسمها القديم مهرجان، سمّاها بذلك بعض الملوك لخضرتها ونضارتها، ومهرجان قرية من أعمالها، وقال أبو القاسم البيهقي:
أصلها من أسبرايين، بالباء الموحدة، وأسبر بالفارسية هو التّرس وايين هو العادة فكأنهم عرفوا قديما بحمل التراس فسمّيت مدينتهم بذلك، وقيل:
بناها إسفنديار فسميت به، ثم غير لتطاول الأيام، وتشتمل ناحيتها على أربعمائة وإحدى وخمسين قرية، والله أعلم. وقال أبو الحسن علي بن نصر الفندورجي يتشوق أسفرايين وأهلها:
سقى الله في أرض اسفرايين عصبتي، ... فما تنتهي العلياء إلّا إليهم
وجرّبت كل الناس بعد فراقهم ... فما ازددت إلّا فرط ضنّ عليهم
وينسب إليها خلق كثير من أعيان الأئمة، منهم:
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الأسفراييني أحد حفّاظ الدنيا، سمع بالموصل من علي بن حرب الطائي، وسافر في طلب الحديث إلى البلاد الشاسعة، توفي سنة 316، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأسفراييني المشهور، توفي بنيسابور يوم عاشوراء سنة 418، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأسفراييني الحافظ صاحب المسند المصحّح المخرج على كتاب مسلم أحد الحفّاظ الجوّالين والمحدثين المكثرين، طاف الشام ومصر والبصرة والكوفة والحجاز وواسطا والجزيرة واليمن وأصبهان وفارس والري، سمع بمصر يونس بن عبد الأعلى وأبا إبراهيم المزني والربيع بن سليمان ومحمدا وسعدا ابني عبد الله بن عبد الحكيم، وبالشام يزيد بن محمد بن عبد الصمد وغيره، وبالعراق الحسن الزعفراني وعمر بن شبّة، وبخراسان محمد بن يحيى الذّهلي ومسلم بن الحجاج وأحمد بن سعيد الدارمي، روى عنه خلق كثير، منهم: سليمان الطبراني وأبو أحمد بن عدي، وحجّ خمس مرّات، وكان من أهل الاجتهاد والطلب والحفظ، ومات سنة 316، ومحمد بن علي بن الحسين أبو علي الأسفراييني الواعظ يعرف بابن السقّاء، قال أبو عبد الله الحافظ أبو علي الأسفراييني من حفاظ الحديث والجوّالين في طلبه والمعروفين بكثرة الحديث والتصنيف للشيوخ والأبواب وصحبة الصالحين من أئمة الصوفية في أقطار الأرض، سمع بخراسان والعراق والجزيرة والشام ومصر وواسط والكوفة والبصرة، وكتب بالري وقزوين وجرجان وطبرستان، وتوفي بأسفرايين في ذي القعدة سنة 372. وأبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الفقيه الإمام الأسفراييني، أقام ببغداد ودرّس الفقه وانتهت اليه الرئاسة في مذهب الشافعي، قيل: كان يحضر درسه سبعمائة فقيه، وكانوا يقولون: لو رآه الشافعي، رضي الله عنه، لفرح به، قال: ولدت سنة 344 وقدمت بغداد سنة 364، ودرّس الفقه من سنة 370 إلى أن مات سنة 406.

بابُ الحُجْرَة

بابُ الحُجْرَة:
بضم الحاء: موضع بدار الخلافة المعظّمة ببغداد، حرسها الله تعالى، وهي دار عظيمة الشأن عجيبة البنيان، فيها يخلع على الوزراء، وإليها يحضرون في أيام الموسم للهناء، وأول من أنشأها الإمام المسترشد بالله أبو منصور الفضل ابن الإمام المستظهر بالله.

بحرُ الزَّنج

بحرُ الزَّنج:
هو بحر الهند بعينه، وبلاد الزنج منه في نحو الجنوب تحت سهيل، وله برّ وجزائر كثيرة كبار واسعة فيها غياض كثيرة وأشجار لكنها غير ذات أثمار وإنما هي نحو شجر الابنوس والصندل والساج والقنا، ومن سواحلهم يلتقط العنبر ولا يوجد في غير سواحلهم، وهم أضيق الناس عيشا، وحدثني غير واحد ممن شاهد تلك البلاد أنهم يرون القطب الجنوبي عاليا يقارب أن يتوسط السماء، وسهيل كذلك، ولا يرون الجدي قط ولا القطب الشمالي أبدا ولا بنات نعش، وأنهم يرون في السماء شيئا في مقدار جرم القمر كأنه طاقة في السماء أو شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب قط ولا يبرح مكانه، وسألت عنه غير واحد فاتفقوا على ما حكيته بلفظه ومعناه، وله عندهم اسم لم يحضرني الآن، وأنهم لا يدرون ايش هو، ولهم هناك مدن أجلّها مقدشو، وسكانها عرباء واستوطنوا تلك البلاد، وهم مسلمون، طوائف لا سلطان لهم لكل طائفة شيخ يأتمرون له، وهي على برّ البربر، وهم طائفة من العربان غير الذين هم في المغرب، بلادهم بين الحبشة والزنج، وسنذكرهم بعد إن شاء الله تعالى، ثم يمتد بر البربر على ساحل بحر الزنج إلى قرابة عدن، وأقصى هذا البحر يتصل بالبحر المحيط.

البصرة

ذكر خطط البصرة وقراها
وقد ذكرت بعض ذلك في أبوابه وذكرت بعضه هاهنا، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حمران ابن أبان للمسيّب بن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه عثمان بن عفّان وعلمه الكتابة واتخذه كاتبا، ثم وجد عليه لأنه كان وجّهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه وكذّب ما قيل فيه، ثم تيقّن عثمان صحة ذلك فوجد عليه
وقال: لا تساكنّي أبدا، وخيّره بلدا يسكنه غير المدينة، فاختار البصرة وسأله أن يقطعه بها دارا وذكر ذرعا كثيرا استكثره عثمان وقال لابن عامر:
أعطه دارا مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة، كان صاحبها عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، قال المدايني: قال أبو بكرة لابنه: يا بنيّ والله ما تلي عملا قط وما أراك تقصر عن إخوتك في النفقة، فقال: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإني أفعل، قال: فإني أغتلّ من حمّامي هذا في كلّ يوم ألف درهم وطعاما كثيرا. ثم إنّ مسلما مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمّامه، فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمّام، وكانت الحمامات لا تبنى بالبصرة إلّا بإذن الولاة، فأذن له واستأذن غيره فأذن له وكثرت الحمامات، فأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسد عليه حمّامه فجعل يلعن عبد الرحمن ويقول: ما له قطع الله رحمه! وكان لزياد مولى يقال له فيل، وكان حاجبه، فكان يضرب المثل بحمّامه بالبصرة، وقد ذكرته في حمام فيل. نهر عمرو: ينسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان. نهر ابن عمير: منسوب إلى عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك اللّيثي، كان عبد الله بن عامر بن كريز أقطعه ثمانية آلاف جريب فحفر عليها هذا النهر، ومن اصطلاح أهل البصرة أن يزيدوا في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفا ونونا، نحو قولهم طلحتان:
نهر ينسب إلى طلحة بن أبي رافع مولى طلحة بن عبيد الله. خيرتان: منسوب إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب بن أبي صفرة. مهلّبان:
منسوب إلى المهلّب بن أبي صفرة، ويقال بل كان لزوجته خيرة فغلب عليه اسم المهلب، وهي أمّ أبي عيينة ابنه. وجبيران: قرية لجبير بن حيّة.
وخلفان: قطيعة لعبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات. طليقان: لولد خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي، وكان خالد ولي قضاء البصرة. روّادان: لروّاد بن ابي بكرة.
شط عثمان: ينسب إلى عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وقد ذكرته، فأقطع عثمان أخاه حفصا حفصان وأخاه أميّة أميّان وأخاه الحكم حكمان وأخاه المغيرة مغيرتان. أزرقان: ينسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بني حنيفة. محمّدان: منسوب إلى محمد ابن علي بن عثمان الحنفي. زيادان: منسوب إلى زياد مولى بني الهجيم جدّ مونس بن عمران بن جميع بن يسار بن زياد وجد عيسى بن عمر النحوي لأمّهما.
عميران: منسوب إلى عبد الله بن عمير الليثي. نهر مقاتل بن حارثة بن قدامة السعدي. وحصينان:
لحصين بن أبي الحرّ العنبري. عبد الليان: لعبد الله بن أبي بكرة. عبيدان: لعبيد بن كعب النّميري. منقذان: لمنقذ بن علاج السّلمي. عبد الرحمانان: لعبد الرحمن بن زياد. نافعان: لنافع ابن الحارث الثقفي. أسلمان: لأسلم بن زرعة الكلابي. حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان. قتيبتان: لقتيبة بن مسلم. خشخشان:
لآل الخشخاش العنبري. نهر البنات: لبنات زياد، أقطع كلّ بنت ستين جريبا، وكذلك كان يقطع العامة. سعيدان: لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. سليمانان: قطيعة لعبيد بن نشيط صاحب الطرف أيام الحجاج، فرابط به رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسب إليه. عمران:
لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي. فيلان: لفيل
مولى زياد. خالدان: لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. المسماريّة: قطيعة مسمار مولى زياد بن أبيه، وله بالكوفة ضيعة.
سويدان: كانت لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بن منجوف السّدوسي، وذلك أن سويدا مرض فعاده عبيد الله بن أبي بكرة فقال له: كيف تجدك؟ فقال: صالحا إن شئت، فقال: قد شئت، وما ذلك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس عليّ بأس، فأعطاه سويدان فنسب إليه. جبيران: لآل كلثوم بن جبير. نهر أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
كثيران: لكثير بن سيّار. بلالان: لبلال بن أبي بردة، كانت قطيعة لعبّاد بن زياد فاشتراه. شبلان:
لشبل بن عميرة بن تيري الضّبيّ.

ذكر ما جاءَ في ذم البصرة
لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم غير أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم أرض الله قبلة، قارئها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ومتصدقها أعظم الناس صدقة، منها إلى قرية يقال لها الأبلّة أربعة فراسخ يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي، وهذا الخبر بالمدح أشبه، وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسّبخة والخريبة أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خرابا وغرقا، ألا إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها ترابا وأسرعها خرابا، ليأتينّ عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجة البحر، ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أمير المؤمنين ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة والويل عذاب، وفي رواية أن عليّا، رضي الله عنه، لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة يا جند المرأة، ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم، وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا وأسرعها خرابا. ودخل فتى من أهل المدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس، أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناءة فلا ينفق في شهر إلّا درهمين، وأما الغريب فيتزوّج بشقّ درهم، وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له استه يخرأ ويبيع، وقال الجاحظ: من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد لأنهم يلبسون القمص مرة والمبطّنات مرة لاختلاف جواهر
الساعات، ولذلك سمّيت الرّعناء، قال الفرزدق:
لولا أبو مالك المرجوّ نائله ... ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا
وقد وصف هذه الحال ابن لنكك فقال:
نحن بالبصرة في لو ... ن من العيش ظريف
نحن، ما هبّت شمال، ... بين جنّات وريف
فإذا هبّت جنوب، ... فكأنّا في كنيف
وللحشوش بالبصرة أثمان وافرة، ولها فيما زعموا تجار يجمعونها فإذا كثرت جمع عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل إليهم نتنها فإنه كلما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها، وقد قصّ هذه القصة صريع الدّلاء البصري في شعر له ولم يحضرني الآن، وقد ذمّتها الشعراء، فقال محمد بن حازم الباهلي:
ترى البصريّ ليس به خفاء، ... لمنخره من البثر انتشار
ربا بين الحشوش وشبّ فيها، ... فمن ريح الحشوش به اصفرار
يعتّق سلحة، كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي:
لهف نفسي على المقام ببغدا ... د، وشربي من ماء كوز بثلج
نحن بالبصرة الذميمة نسقي، ... شرّ سقيا، من مائها الأترنجي
أصفر منكر ثقيل غليظ ... خاثر مثل حقنة القولنج
كيف نرضى بمائها، وبخير ... منه في كنف أرضنا نستنجي
وقال أيضا:
ليس يغنيك في الطهارة بال ... بصرة، إن حانت الصلاة، اجتهاد
إن تطهّرت فالمياه سلاح، ... أو تيمّمت فالصعيد سماد
وقال شاعر آخر يصف أهل البصرة بالبخل وكذب عليهم:
أبغضت بالبصرة أهل الغنى، ... إني لأمثالهم باغض
قد دثّروا في الشمس أعذاقها، ... كأنّ حمّى بخلهم نافض

ذكر ما جاء في مدح البصرة
كان ابن أبي ليلى يقول: ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة، وقال شعيب بن صخر:
تذاكروا عند زياد البصرة والكوفة فقال زياد: لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها، وقال ابن سيرين: كان الرجل من أهل البصرة يقول لصاحبه إذا بالغ في الدعاء عليه: غضب الله عليك كما غضب على المغيرة وعزله عن البصرة وولاه الكوفة، وقال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنّة فاقت الجنان، فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا، ... إنّ فؤادي لمثلها وطن
زوّج حيتانها الضّباب بها، ... فهذه كنّة وذا ختن
فانظر وفكّر لما نطقت به، ... إنّ الأديب المفكّر الفطن
من سفن كالنّعام مقبلة، ... ومن نعام كأنها سفن
وقال المدائني: وفد خالد بن صفوان على عبد الملك ابن مروان فوافق عنده وفود جميع الأمصار وقد اتخذ مسلمة مصانع له، فسأل عبد الملك أن يأذن للوفود في الخروج معه إلى تلك المصانع، فأذن لهم، فلما نظر إليها مسلمة أعجب بها فأقبل على وفد أهل مكة فقال: يا أهل مكة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فقالوا: لا الا أن فينا بيت الله المستقبل، ثم أقبل على وفد أهل المدينة فقال: يا أهل المدينة هل فيكم مثل هذه؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا قبر نبي الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة هل فيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا: لا إلّا أن فينا تلاوة كتاب الله المرسل، ثم أقبل على وفد أهل البصرة فقال: يا أهل البصرة هل فيكم مثل هذه المصانع؟
فتكلم خالد بن صفوان وقال: أصلح الله الأمير! إن هؤلاء أقرّوا على بلادهم ولو أن عندك من له ببلادهم خبرة لأجاب عنهم، قال: أفعندك في بلادك غير ما قالوا في بلادهم؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! أصف لك بلادنا؟ فقال: هات، قال: يغدو قانصانا فيجيء هذا بالشّبوط والشّيم ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجا وساجا وخزّا وديباجا وبرذونا هملاجا وخريدة مغناجا، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرّطب وأوسطه العنب وآخره القصب، فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزّيتون عندكم في منابته، هذا على أفنانه كذاك على أغصانه، هذا في زمانه كذاك في إبّانه، من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل يخرجن أسفاطا عظاما وأقساطا ضخاما، وفي رواية: يخرجن أسفاطا وأقساطا كأنما ملئت رياطا، ثم ينفلقن عن قضبان الفضة منظومة باللؤلؤ الأبيض ثم تتبدّل قضبان الذهب منظومة بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر ثم تصير عسلا في شنّة من سحاء ليست بقربة ولا إناء حولها المذابّ ودونها الجراب لا يقربها الذباب مرفوعة عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسة الرجال يستعان به على العيال، وأما نهرنا العجب فإنّ الماء يقبل عنقا فيفيض مندفقا فيغسل غثّها ويبدي مبثّها، يأتينا في أوان عطشنا ويذهب في زمان ريّنا فنأخذ منه حاجتنا ونحن نيام على فرشنا فيقبل الماء وله ازدياد وعباب ولا يحجبنا عنه حجاب ولا تغلق دونه الأبواب ولا يتنافس فيه من قلّة ولا يحبس عنّا من علّة، وأما بيوتنا الذهب فإنّ لنا عليهم خرجا في السنين والشهور نأخذه في أوقاته ويسلمه الله تعالى من آفاته وننفقه في مرضاته، فقال له مسلمة: أنّى لكم هذه يا ابن صفوان ولم تغلبوا عليها ولم تسبقوا إليها؟ فقال: ورثناها عن الآباء ونعمّرها للأبناء ويدفع لنا عنها ربّ السماء ومثلنا فيها كما قال معن بن أوس:
إذا ما بحر خندف جاش يوما ... يغطمط موجه المتعرّضينا
فمهما كان من خير، فإنّا ... ورثناها أوائل أوّلينا
وإنّا مورثون، كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا، بنينا
وقال الأصمعي: سمعت الرشيد يقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة. وقال أبو حاتم: ومن العجائب، وهو مما أكرم الله به الإسلام، أنّ النخل لا يوجد إلّا في بلاد الإسلام البتة مع أن بلاد الهند والحبش والنوبة بلاد حارة خليقة بوجود النخل فيها، وقال ابن أبي عيينة يتشوّق البصرة:
فإن أشك من ليلي بجرجان طوله، ... فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر
فيا نفس قد بدّلت بؤسا بنعمة، ... ويا عين قد بدّلت من قرّة عبر
ويا حبذاك السائلي فيم فكرتي ... وهمّي، ألا في البصرة الهمّ والفكر
فيا حبّذا ظهر الحزيز وبطنه، ... ويا حسن واديه، إذا ماؤه زخر
ويا حبذا نهر الأبلّة منظرا، ... إذا مدّ في إبّانه الماء أو جزر
ويا حسن تلك الجاريات، إذا غدت ... مع الماء تجري مصعدات وتنحدر
فيا ندمي إذ ليس تغني ندامتي! ... ويا حذري إذ ليس ينفعني الحذر!
وقائلة: ماذا نبا بك عنهم؟ ... فقلت لها: لا علم لي، فاسألي القدر
وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أنّ عدد المدّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتدّ عند استغنائهم عنه، ثم لا يبطئ عنها إلّا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسا ولا غرقا ولا يغبّها ظمأ ولا عطشا، يجيء على حساب معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلّات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المحل ولا يخشون الحطمة، قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلّا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدته في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبا وراجعا، ويحتاج إلى بيان يعرفه من لم يشاهده، وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرا عظيما يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يسمونه جزرا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدّا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرّتين، فإذا جزر نقص نقصانا كثيرا بيّنا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته متناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدّ كل يوم وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمدّ في كل يوم أكثر من مدّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار، قال الجاحظ: والأعجوبة الثانية ادّعاء أهل أنطاكية وأهل حمص وجميع بلاد الفراعنة
الطلسمات، وهي بدون ما لأهل البصرة، وذاك أن لو التمست في جميع بيادرها وربطها المعوّذة وغيرها على نخلها في جميع معاصر دبسها أن تصيب ذبابة واحدة لما وجدتها إلا في الفرط، ولو أن معصرة دون الغيط أو تمرة منبوذة دون المسنّاة لما استبقيتها من كثرة الذّبّان، والأعجوبة الثالثة أن الغربان القواطع في الخريف يجيء منها ما يسوّد جميع نخل البصرة وأشجارها حتى لا يرى غصن واحد إلا وقد تأطّر بكثرة ما عليه منها ولا كربة غليظة إلا وقد كادت أن تندقّ لكثرة ما ركبها منها، ثم لم يوجد في جميع الدهر غراب واحد ساقط إلا على نخلة مصرومة ولم يبق منها عذق واحد، ومناقير الغربان معاول وتمر الأعذاق في ذلك الإبّان غير متماسكة، فلو خلاها الله تعالى ولم يمسكها بلطفه لاكتفى كل عذق منها بنقرة واحدة حتى لم يبق عليها إلا اليسير، ثم هي في ذلك تنتظر أن تصرم فإذا أتى الصرام على آخرها عذقا رأيتها سوداء ثم تخللت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلا استخرجتها، فسبحان من قدّر لهم ذلك وأراهم هذه الأعجوبة، وبين البصرة والمدينة نحو عشرين مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة قرب معدن النّقرة، وأخبار البصرة كثيرة والمنسوبون إليها من أهل العلم لا يحصون، وقد صنف عمر بن شبّة وأبو يحيى زكرياء الساجي وغيرهما في فضائلها كتابا في مجلدات، والذي ذكرناه كاف.

والبَصْرَةُ:
أيضا: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس، خربت، قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع، ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة، وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق، وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقلّ من مرحلة، وبينها وبين مدينة يقال لها تشمّس أقلّ من مرحلة أيضا، ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارا وعليه من المدن، قريبة منه وبعيدة، جرماية وساوران والحجا على نحر البحر، ودونها في البرّ مشرقا: الأقلام ثم البصرة، وقال البشّاري:
البصرة مدينة بالمغرب كبيرة، كانت عامرة وقد خربت، وكانت جليلة، وكان قول البشّاري هذا في سنة 378، وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام، قال: والبصرة مدينة كبيرة، وهي أوسع تلك البلاد مرعى وأكثرها ضرعا ولكثرة ألبانها تعرف ببصرة الذّبّان وتعرف ببصرة الكتان، كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضا بالحمراء لأنها حمراء التربة، وسورها مبنيّ بالحجارة والطوب، وهي بين شرفين، ولها عشرة أبواب، وماؤها زعاق، وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة، وفي بساتينها آبار عذبة، ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق، ليس بأرض المغرب أجمل منهن، قال أحمد بن فتح المعروف بابن الخزّاز التيهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر، إلّا قينة ... بصريّة في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها، والورد في ... وجناتها، والكشح غير مفاض
في شكل مرجيّ ونسك مهاجر، ... وعفاف سنّيّ وسمت إباض
تيهرت أنت خلية، وبرقّة ... عوّضت منك ببصرة، فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها، ... أو تستفيض بأبحر وحياض
قال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبا منه.

تَكْرِيتُ

تَكْرِيتُ:
بفتح التاء والعامة يكسرونها: بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة، وهي غربي دجلة وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: مدينة تكريت طولها ثمان وتسعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاث دقائق، وقال غيره: طولها تسع وستون درجة وثلث، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف، وتعديل نهارها ثماني عشرة درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وثلث.
وكان أول من بنى هذه القلعة سابور بن أردشير ابن بابك لما نزل الهد، وهو بلد قديم مقابل تكريت في البرّيّة، يذكر إن شاء الله تعالى إن انتهينا إلى موضعه، وقيل: سمّيت بتكريت بنت وائل وحدثني العباس بن يحيى التكريتي، وهو معروف بالعلم والفضل في الموصل، قال: مستفيض عند المحصلين بتكريت أن بعض ملوك الفرس أول ما بنى قلعة تكريت على حجر عظيم من جصّ وحصى كان بارزا في وسط دجلة ولم يكن هناك بناء غيره بالقلعة، وجعل بها مسالح وعيونا وربايا تكون بينهم وبين الروم لئلا يدهمهم من جهتهم أمر فجأة، وكان بها مقدّم على من بها قائد من قوّاد الفرس ومرزبان من مرازبتهم، فخرج ذلك المرزبان يوما يتصيّد في تلك الصحارى فرأى حيّا من أحياء العرب نازلا في تلك البادية، فدنا منهم فوجد الحيّ خلوفا وليس فيه غير النساء، فجعل يتأمل النساء وهنّ يتصرفن في أشغالهن، فأعجب بامرأة منهن وعشقها عشقا مبرّحا فدنا من النساء وأخبرهن بأمره وعرّفهن أنه مرزبان هذه القلعة وقال: إنني قد هويت فتاتكم هذه وأحبّ أن تزوجونيها، فقلن:
هذه بنت سيد هذا الحي ونحن قوم نصارى وأنت رجل مجوسيّ ولا يسوغ في ديننا أن نزوّج بغير أهل ملّتنا، فقال: أنا أدخل في دينكم، فقلن له: إنه خير إن فعلت ذلك، ولم يبق إلا أن يحضر رجالنا وتخطب إليهم كريمتهم فإنهم لا يمنعونك، فأقام إلى أن رجع رجالهن وخطب إليهم فزوجوه، فنقلها إلى القلعة وانتقل معها عشيرتها إكراما لها، فنزلوا حول القلعة، فلما طال مقامهم. بنوا هناك أبنية ومساكن، وكان اسم المرأة تكريت فسمي الربض باسمها، ثم قيل قلعة تكريت نسبوها إلى الربض وقال عبيد الله بن الحر وكان قد وقع بينه وبين أصحاب مصعب وقعة بتكريت قتل بها أكثر أصحابه ونجا بنفسه فقال:
فإن تك خيلي يوم تكريت أحجمت، ... وقتّل فرساني، فما كنت وانيا
وما كنت وقّافا، ولكن مبارزا، ... أقاتلهم وحدي فرادى وثانيا
دعاني الفتى الأزديّ عمرو بن جندب، فقلت له: لبّيك! لما دعانيا فعزّ على ابن الحرّ أن راح راجعا، وخلّفت في القتلى بتكريت ثاويا ألا ليت شعري! هل أرى بعد ما أرى جماعة قومي نصرة والمواليا وهل أزجرن بالكوفة الخيل شزبا، ضوامر تردى بالكماة عواديا فألقى عليها مصعبا وجنوده، فأقتل أعدائي وأدرك ثاريا؟
وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
أتقعد في تكريت لا في عشيرة ... شهود، ولا السلطان منك قريب
وقد جعلت أبناؤنا ترتمي بنا ... بقتل بوار، والحروب حروب
وأنت امرؤ للحزم عندك منزل، ... وللدين والإسلام منك نصيب
فدع منزلا أصبحت فيه، فإنه ... به جيف أودت بهنّ خطوب
وافتتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب في سنة 16، أرسل إليها سعد بن أبي وقاص جيشا عليه عبد الله بن المعتم فحاربهم حتى فتحها عنوة وقال في ذلك:
ونحن قتلنا يوم تكريت جمعها، ... فلله جمع يوم ذاك تتابعوا
ونحن أخذنا الحصن، والحصن شامخ، ... وليس لنا فيما هتكنا مشايع
وقال البلاذري: وجّه عتبة بن فرقد من الموصل بعد ما افتتحها في سنة عشرين مسعود بن حريث بن الأبجر أحد بني تيم بن شيبان إلى تكريت ففتح قلعتها صلحا، وكانت المرأة من الفرس شريفة فيهم يقال لها داري، ثم نزل مسعود القلعة فولده بها، وابتنى بتكريت مسجدا جامعا وجعله مرتفعا من الأرض لأنه أمنهم على خنازيرهم فكره أن تدخل المسجد وينسب إليها من أهل العلم والرواية جماعة، منهم: أبو تمام كامل بن سالم بن الحسين بن محمد التكريتي الصوفي شيخ رباط الزّوزني ببغداد، سمع الحديث من أبي القاسم الحسين، توفي في شوال سنة 548، وغيره.

جُرْجانُ

جُرْجانُ:
بالضم، وآخره نون قال صاحب الزيج:
طول جرجان ثمانون درجة ونصف وربع، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة، في الإقليم الخامس، وروى بعضهم أنها في الإقليم الرابع، وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: طول مدينة جرجان ست وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربعون درجة، في الإقليم الخامس، طالعها النور ولها شركة في كف الخضيب ثلاث درج وست عشرة دقيقة وشركة في مرفق الدب الأصغر تحت سبع عشرة درجة وست عشرة دقيقة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان. وجرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، فبعض يعدها من هذه وبعض يعدّها من هذه، وقيل: إن أول من أحدث بناءها يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة، وقد خرج منها خلق من الأدباء والعلماء والفقهاء والمحدثين، ولها تاريخ ألفه حمزة بن يزيد السّهمي.
قال الإصطخري: أما جرجان فإنها أكبر مدينة بنواحيها، وهي أقل ندّى ومطرا من طبرستان، وأهلها أحسن وقارا وأكثر مروءة ويسارا من كبرائهم، وهي قطعتان: إحداهما المدينة والأخرى بكراباذ، وبينهما نهر كبير يجري يحتمل أن تجري فيه السفن، ويرتفع منها من الإبريسم وثياب الإبريسم ما يحمل إلى جميع الآفاق، قال: وإبريسم جرجان بزر دودة يحمل إلى طبرستان، ولا يرتفع من طبرستان بزر إبريسم، ولجرجان مياه كثيرة وضياع عريضة، وليس بالمشرق بعد أن تجاوز العراق مدينة أجمع ولا أظهر حسنا من جرجان على مقدارها، وذلك أن بها الثلج والنخل، وبها فواكه الصرود والجروم، وأهلها يأخذون أنفسهم بالتأنى والأخلاق
المحمودة قال: وقد خرج منها رجال كثيرون موصوفون بالسّتر والسخاء، منهم: البرمكي صاحب المأمون، ونقودهم نقود طبرستان الدنانير والدراهم، وأوزانهم المنّ ستمائة درهم، وكذلك الري وطبرستان.
وقال مسعر بن مهلهل: سرت من دامغان متياسرا إلى جرجان في صعود وهبوط وأودية هائلة وجبال عالية، وجرجان مدينة حسنة على واد عظيم في ثغور بلدان السهل والجبل والبر والبحر، بها الزيتون والنخل والجوز والرمان وقصب السكر والأترج، وبها إبريسم جيد لا يستحيل صبغه، وبها أحجار كبيرة، ولها خواصّ عجيبة، وبها ثعابين تهول الناظر لكن لا ضرر لها ولأبي الغمر في وصف جرجان:
هي جنّة الدّنيا التي هي سجسج، ... يرضى بها المحرور والمقرور
سهليّة جبليّة بحريّة، ... يحتلّ فيها منجد ومغير
وإذا غدا القنّاص راح بما اشتهى ... طبّاخه، فملهّج وقدير
قبج ودرّاج وسرب تدارج، ... قد ضمّهن الظبي واليعفور
غربت بهنّ أجادل وزرازر ... وبواشق وفهودة وصقور
ونواشط من جنس ما هي أفتنت ... رأي العيون بها، وهنّ النور
وكأنما نوّارها برياضها، ... للمبصريه، سندس منشور
وللصاحب كافي الكفاة أبي القاسم في كتابه كافي الرسائل في ذمّ جرجان:
نحن والله من هوائك، يا جر ... جان، في خطّة وكرب شديد
حرّها ينضج الجلود، فإن هبّت ... شمالا تكدّرت بركود
كحبيب منافق، كلما همّ ... بوصل أحاله بالصّدود
وقال أبو منصور النيسابوري يذكر اختلاف الهواء بها في يوم واحد:
ألا ربّ يوم لي بجرجان أرعن، ... ظللت له من حرقه أتعجّب
وأخشى على نفسي اختلاف هوائها، ... وما لامرئ عما قضى الله مهرب
وما خير يوم أخرق متلوّن ... ببرد وحرّ، بعده يتلهّب
فأوّله للقرّ والجمر ينقب، ... وآخره للثلج والخيش يضرب
وكان الفضل بن سهل قد ولى مسلم بن الوليد الشاعر ضياع جرجان وضمّنه إياها بخمسمائة ألف وقد بذل فيها ألف ألف درهم، وأقام بجرجان إلى أن أدركته الوفاة ومرض مرضه الذي مات فيه فرأى نخلة لم يكن في جرجان غيرها فقال:
ألا يا نخلة بالسف ... ح من أكناف جرجان
ألا إني وإياك ... بجرجان غريبان
ثم مات مع تمام الإنشاد وقد نسب الأقيشر اليربوعي، وقيل ابن خزيم، إليها الخمر فقال:
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف، ولم ينفر بها ساعة قدر
ولم يشهد القسّ المهيمن نارها ... طروقا، ولم يحضر على طبخها حبر
أتاني بها يحيى وقد نمت نومة، ... وقد لاحت الشّعرى وقد طلع النّسر
فقلت اصطبحها أو لغيري فأهدها، ... فما أنا بعد الشيب ويحك والخمر!
تعفّفت عنها في العصور التي مضت، ... فكيف التصابي بعد ما كمل العمر؟
إذا المرء وفّى الأربعين، ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى، ... وإن جرّ أسباب الحياة له الدهر
وكان أهل الكوفة يقولون: من لم يرو هذه الأبيات فإنه ناقص المروءة وأما فتحها فقد ذكر أصحاب السير أنه لما فرغ سويد بن مقرّن من فتح بسطام في سنة 18 كاتب ملك جرجان ثم سار إليها وكاتبه روزبان صول وبادره بالصلح على أن يؤدي الجزية ويكفيه حرب جرجان، وسار سويد فدخل جرجان وكتب لهم كتاب صلح على الجزية وقال أبو نجيد:
دعانا إلى جرجان، والرّيّ دونها، ... سواد فأرضت من بها من عشائر
وقال سويد بن قطبة:
ألا ابلغ أسيدا، إن عرضت، بأننا ... بجرجان في خضر الرياض النواضر
فلما أحسونا وخافوا صيالنا ... أتانا ابن صول، راغما، بالجرائر
وممن ينسب إليها من الأئمة أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الأسترآباذي الفقيه أحد الأئمة، سمع يزيد بن محمد بن عبد الصمد وبكار بن قتيبة وعمار بن رجاء وغيرهم، قال الخطيب: وكان أحد أئمة المسلمين والحفّاظ بشرائع الدين مع صدق وتورّع وضبط وتيقظ، سافر الكثير وكتب بالعراق والحجاز ومصر، وورد بغداد قديما وحدث بها، فروى عنه من أهلها يحيى بن محمد بن صاعد وغيره، وقال أبو علي الحافظ: كان أبو نعيم الجرجاني أوحد ما رأيت بخراسان بعد أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة مثله وأفضل منه، وكان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد، وقال الخليلي القزويني: كان لأبي نعيم تصانيف في الفقه وكتاب الضعفاء في عشرة أجزاء، وقال حمزة بن يوسف السّهمي في تاريخ جرجان:
عبد الملك بن محمد بن عدي بن زيد الأسترآباذي سكن جرجان وكان مقدما في الفقه والحديث وكانت الرّحلة إليه في أيامه، روى عن أهل العراق والشام ومصر والثغور، ومولده سنة 242، وتوفي بأسترآباذ في ذي الحجة سنة 323 ومنها أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك الجرجاني الحافظ المعروف بابن القطان أحد أئمة الحديث والمكثرين منه والجامعين له والرّحالين فيه، رحل إلى دمشق ومصر، وله رحلتان أولاهما في سنة 297 والثمانية في سنة 305، سمع الحديث بدمشق من محمد بن خزيم وعبد الصمد بن عبد الله بن أبي زيد وإبراهيم بن دحيم وأحمد بن عمير بن جوصا وغيرهم، وسمع بحمص هبيل بن محمد وأحمد بن أبي الأخيل وزيد بن عبد الله المهراني، وبمصر أبا يعقوب إسحق المنجنيقي، وبصيدا أبا محمد المعافى بن أبي كريمة، وبصور أحمد بن بشير بن حبيب الصوري، وبالكوفة أبا العباس بن عقدة ومحمد بن الحصين بن حفص، وبالبصرة أبا خليفة الجمحي، وبالعسكر عبدان الأهوازي،
وببغداد أبا القاسم البغوي وأبا محمد بن صاعد، وببعلبكّ أبا جعفر أحمد بن هاشم وخلقا من هذه الطبقة كثيرا، وروى عنه أبو العباس بن عقدة، وهو من شيوخه، وحمزة بن يوسف السّهمي وأبو سعد الماليني وخلق في طبقتهم، وكان مصنّفا حافظا ثقة على لحن كان فيه وقال حمزة: كتب أبو محمد بن عدي الحديث بجرجان في سنة 290 عن أحمد بن حفص السعدي وغيره، ثم رحل إلى الشام ومصر وصنف في معرفة ضعفاء المحدّثين كتابا في مقدار مائتي جزء سماه الكامل قال: وسألت الدارقطني أبا الحسن أن يصنف كتابا في ضعفاء المحدثين فقال: أليس عندكم كتاب ابن عدي؟ قلت: بلى، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، وكان ابن عدي جمع أحاديث مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة وإسماعيل ابن أبي خالد وجماعة من المتقدّمين وصنف على كتاب المزني كتابا سماه الأبصار، وكان أبو أحمد حافظا متقنا لم يكن في زمانه مثله، تفرّد بأحاديث فكان قد وهب أحاديث له يتفرّد بها لبنيه عدي وأبي زرعة وأبي منصور تفرّدوا بروايتها عن أبيهم، وابنه عدي سكن سجستان وحدث بها، قال ابن عدي:
سمع مني أبو العباس بن عقدة كتاب الجعفرية عن أبي الأشعث، وحدث به عندي فقال: حدّثني عبد الله بن عبد الله، وكان مولده في ذي القعدة سنة 277، ومات غرّة جمادى الآخرة سنة 365 ليلة السبت، فصلى عليه أبو بكر الإسماعيلي ودفن بجنب مسجد كوزين، وقبره عن يمين القبلة مما يلي صحن المسجد بجرجان ومنها حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم ابن محمد، ويقال ابن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن هشام بن العباس بن وائل أبو القاسم السهمي الجرجاني الواعظ الحافظ، رحل في طلب الحديث فسمع بدمشق عبد الوهاب الكلابي، وبمصر ميمون بن حمزة وأبا أحمد محمد بن عبد الرحيم القيسراني، وبتنيس أبا بكر بن جابر، وبأصبهان أبا بكر المقري، وبالرّقة يوسف بن أحمد بن محمد، وبجرجان أبا بكر الإسماعيلي وأبا أحمد بن عدي، وببغداد أبا بكر بن شاذان وأبا الحسن الدارقطني، وبالكوفة الحسن بن القاسم، وبعكبرا أحمد بن الحسن بن عبد العزيز، وبعسقلان أبا بكر محمد بن أحمد بن يوسف الخدري، روى عنه أبو بكر البيهقي وأبو صالح المؤدّب وأبو عامر الفضل بن إسماعيل الجرجاني الأديب وغير هؤلاء سمعوا ورووا قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي الهروي الحاكم: سنة 427 ورد الخبر بوفاة الثّعلبي صاحب التفسير وحمزة بن يوسف السّهمي بنيسابور ومنها أبو إبراهيم إسماعيل بن الحسن بن محمد بن أحمد العلوي الحسيني من أهل جرجان، كان عارفا بالطبّ جدّا، وله فيه تصانيف حسنة مرغوب فيها بالعربية والفارسية، انتقل إلى خوارزم وأقام بها مدة ثم انتقل إلى مرو فأقام بها، وكان من أفراد زمانه، وذكر أنه سمع أبا القاسم القشيري، وحدث عنه بكتاب الأربعين له، وأجاز لأبي سعد السمعاني، وتوفي بمرو سنة 531 وغير هؤلاء كثير.

جُوَيبَارُ

جُوَيبَارُ:
بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون الياء تحتها نقطتان، وباء موحدة، وآخره راء، في عدة مواضع، منها: جويبار من قرى هراة، قال أبو سعد: ينسب إليها الكذاب الخبيث أبو عليّ أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى بن فارس بن مرداس التيمي الجويباري الهروي، يروي عن ابن عيينة ووكيع، وقد ذكر في جوبار، وجويبار أيضا: قرية من قرى سمرقند في ظنه، ينسب إليها أبو عليّ الحسن بن عليّ ابن الحسن الجويباري السمرقندي، روى عن عثمان ابن الحسن الهروي، روى عنه داود بن عفان النيسابوري، وداود متروك الحديث. وسكة جويبار:
بمدينة نسف، منها أبو بكر محمد بن السري يلقب جمّ، شيخ صالح، كان يغسل الموتى، لقي محمد بن إسمعيل البخاري، روى عن إبراهيم بن معقل وغيره، سمع منه عبد الله بن أحمد بن محتاج. وجويبار:
من قرى مرو، منها عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الفضل البوشنجي أبو الفضل الجويباري من قرية جويبار، وقال أبو سعد: كان شيخا صالحا متميّزا من أهل الخير، صحب أبا المظفر السمعاني يحضر درسه، وسمع بقراءته أنا محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي، سمع منه كتاب شرف أصحاب الحديث لأبي بكر الخطيب، سمع منه أبو سعد السمعاني، ومولده في حدود سنة 450، ومات بقرية جويبار في ذي الحجة سنة 528.

رَحا البِطْريق

رَحا البِطْريق:
ببغداد على الصّراة، حدث أبو زكرياء، ولا أعرفه، قال: دخلت على أبي العبّاس الفضل بن الربيع يوما فوجدت يعقوب بن المهدي عن يمينه ومنصور بن المهدي عن يساره ويعقوب بن الربيع عن يمين يعقوب بن المهدي وقاسما أخاه عن يسار منصور بن المهدي، فسلّمت فأومأ بيده إليّ بالانصراف، وكان من عادته إذا أراد أن يتغدّى معه أحد من جلسائه أو أهل بيته أمر غلاما له يكنى أبا حيلة أن يردّه إلى مجلس في داره حتى يحضر غداؤه ويدعو به، قال: فخرجت فردّني أبو حيلة فدخلت فإذا عيسى بن موسى كاتبه قاعد فجلسنا حتى حضر الغداء فأحضرني وأحضر كتّابه وكانوا أربعة: عيسى ابن موسى بن أبيروز وعبد الله بن أبي نعيم الكلبي وداود بن بسطام ومحمد بن المختار، فلمّا أكلنا جاءوا بأطباق الفاكهة فقدّموا إلينا طبقا فيه رطب فأخذ الفضل منه رطبة فناولها ليعقوب بن المهدي وقال له:
إن هذا من بستان أبي الذي وهبه له المنصور، فقال له يعقوب: رحم الله أباك فإنّي ذكرته أمس وقد اجتزت على الصراة برحا البطريق فإذا أحسن موضع فإذا الدور من تحتها والسوق من فوقها وماء غزير حادّ الجرية، فقال له: فمن البطريق الذي نسبت هذه الرحا إليه، أمن موالينا هو أم من أهل دولتنا أم من الغرب؟ فقال له الفضل: أنا أحدّثك حديثه:
لما أفضت الخلافة إلى أبيك المهدي، رضي الله عنه، قدم عليه بطريق كان قد أنفذه ملك الروم مهنّئا له فأوصلناه إليه وقرّبناه منه فقال المهدي للربيع:
قل له يتكلّم، فقال الربيع للترجمان ذلك، فقال البطريق: هو بريّ من دينه وإلّا فهو حنيف مسلم إن كان قدم لدينار أو لدرهم ولا لغرض من أغراض الدنيا ولا كان قدومه إلّا شوقا إلى وجه الخليفة، وذلك أنّا نجد في كتبنا أن الثالث من آل بيت النبي، صلّى الله عليه وسلّم، يملأها عدلا كما ملئت جورا فجئنا اشتياقا إليه، فقال الربيع للترجمان:
تقول له قد سرّني ما قلت ووقع مني بحيث أحببت
ولك الكرامة ما أقمت والحباء إذا شخصت وبلادنا هذه بلاد ريف وطيب فأقم بها ما طابت لك ثمّ بعد ذلك فالإذن إليك، وأمر الربيع بإنزاله وإكرامه، فأقام أشهرا ثمّ خرج يوما يتنزّه ببراثا وما يليها، فلمّا انصرف اجتاز إلى الصراة فلمّا نظر إلى مكان الأرحاء وقف ساعة يتأمّله، فقال له الموكلون به:
قد أبطأت فإن كانت لك حاجة فأعلمنا إيّاها، فقال: شيء فكّرت فيه، فانصرف، فلمّا كان العشي راح إلى الربيع وقال له: أقرضني خمسمائة ألف درهم، قال: وما تصنع بها؟ قال: أبني لأمير المؤمنين مستغلّا يؤدّي في السنة خمسمائة ألف درهم، فقال له الربيع: وحقّ الماضي، رحمه الله، وحياة الباقي، أطال الله بقاءه، لو سألتني أن أهبها لغلامك ما خرجت إلّا ومعه، ولكن هذا أمر لا بدّ من إعلام الخليفة إيّاه وقد علمت أن ذاك كذلك.
ثمّ دخل الربيع على المهدي وأعلمه فقال: ادفع إليه خمسمائة ألف وخمسمائة ألف وجميع ما يريد بغير مؤامرة، قال: فدفع ذلك الربيع إليه فبنى الأرحاء المعروفة بأرحاء البطريق، فأمر المهدي أن تدفع غلّتها إليه، وكانت تحمل إليه إلى سنة 163، فإنّه مات فأمر المهدي أن تضمّ إلى مستغلّه، وقال: كان اسم البطريق طارات بن الليث بن العيزار بن طريف بن القوق بن مروق، ومروق كان الملك في أيّام معاوية، وقال كاتب من أهل البندنيجين يذم مصر بأبيات ذكرت في مصر وبعدها:
يا طول شوقي واتّصال صبابتي، ... ودوام لوعة زفرتي وشهيقي
ذكر العراق فلم تزل أجفانه ... تهمي عليه بمائها المدفوق
ونعيم دهر أغفلت أيّامنا ... بالكرخ في قصف وفي تفنيق
وبنهر عيسى أو بشاطئ دجلة ... أو بالصّراة إلى رحا البطريق
سقيا لتلك مغانيا ومعارفا ... عمرت بغير البخل والتضييق
ما كان أغناه وأبعد داره ... عن أرض مصر ونيلها الممحوق
لا تبعدنّ صريم عزمك بالمنى، ... ما أنت بالتقييد بالمخفوق
فز بالرّجوع إلى العراق وخلّها، ... يمضي فريق بعد جمع فريق

سِجِسْتَانُ

سِجِسْتَانُ:
بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسم للناحية وأن اسم مدينتها زرنج، وبينها وبين هراة عشرة أيّام ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، وأرضها كلّها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبدا ولا تزال شديدة تدير رحيّهم، وطحنهم كلّه على تلك الرحى. وطول سجستان أربع وستون درجة وربع، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسدس، وهي من الإقليم الثالث. وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصبهان: إن أسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك وكل واحد منهما اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنّهما كانتا بلدتي الجند، وقد ذكرت في أصبهان بأبسط من هذا، قال الإصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة، بها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبال منها من ناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم على أنّهم قد نصبوا عليها أرحية تدور بها وتنقل رمالهم من مكان إلى مكان ولولا أنّهم يحتالون فيها لطمست على المدن والقرى، وبلغني أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل وفتحوا إلى أسفله بابا فتدخله الريح فتطير الرمال إلى أعلاه مثل الزّوبعة فيقع على مدّ البصر حيث لا يضرّهم، وكانت مدينة سجستان قبل زرنج يقال لها رام شهرستان، وقد ذكرت في موضعها، وبسجستان نخل كثير وتمر، وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ويمشون في أسواقهم وبأيديهم سيوف مشهورة، ويعتمّون بثلاث عمائم وأربع كلّ واحدة لون ما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أذرع أو أربعة وتشبه الميانبندات، وهم فرس وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء إلّا قليل نادر، ولا تخرج لهم امرأة من منزل أبدا وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبسجستان كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ولا يتحاشون منه ويفتخرون به عند المعاملة، حدثني رجل من التجار قال: تقدمت إلى رجل من سجستان لأشتري منه حاجة فماكسته فقال: يا أخي أنا من الخوارج لا تجد عندي إلّا الحق ولست ممن يبخسك حقك، وإن كنت لا تفهم حقيقة ما أقول فسل عنه، فمضيت وسألت عنه متعجبا، وهم يتزيون بغير زيّ الجمهور فهم معروفون مشهورون، وبها بليدة يقال لها كركويه كلّهم خوارج، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة، ولهم فقهاء وعلماء على حدة، قال محمد بن بحر الرّهني: سجستان إحدى بلدان المشرق ولم تزل لقاحا على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصح منهم معاملة ولا أقل منهم مخاتلة، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من
أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف، وهم بخلاف هذه الصفة، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر، رضي الله عنه، ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه أنّه لعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبرها إلّا مرّة، وامتنعوا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخا، ولها من المدن زالق وكركويه وهيسوم وزرنج وبست، وبها أثر مربط فرس رستم الشديد ونهرها المعروف بالهندمند، يقول أهل سجستان: إنّه ينصب إليه مياه ألف نهر فلا تظهر فيه زيادة وينشقّ منه ألف نهر فلا يرى فيه نقصان، وفي شرط أهل سجستان على المسلمين لما فتحوها أن لا يقتل في بلدهم قنفذ ولا يصطاد لأنّهم كثير والأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي، فما من بيت إلّا وفيه قنفذ، قال ابن الفقيه: ومن مدنها الرّخّج وبلاد الداور، وهي مملكة رستم الشديد، ملّكه إيّاها كيقاوس، وبينها وبين بست خمسة أيّام، وقال ابن الفقيه: بسجستان نخل كثير حول المدينة في رساتيقها وليس في جبالها منه شيء لأجل الثلج وليس بمدينة زرنج وهي قصبة سجستان لوقوع الثلج بها، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
كان لا يحرم الخليل ولا يع ... تلّ بالنّجل طيّب العذرات
وقال بعضهم يذمّ سجستان:
يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك
أنت لولا الأمير فيك لقلنا: ... لعن الله من يصير إليك!
وقال آخر:
يا سجستان لا سقتك السحاب، ... وعلاك الخراب ثمّ اليباب
أنت في القرّ غصّة واكتئاب، ... أنت في الصيف حيّة وذباب
وبلاء موكّل ورياح ... ورمال كأنّهنّ سقاب
صاغك الله للأنام عذابا، ... وقضى أن يكون فيك عذاب
وقال القاضي أبو علي المسبحي:
حلولي سجستان إحدى النّوب، ... وكوني بها من عجيب العجب
وما بسجستان من طائل ... سوى حسن مسجدها والرّطب
وذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت محمد بن أبي نصر قل هو الله أحد، خوان [1] ، يقول أبو داود السجستاني الإمام: هو من قرية بالبصرة يقال لها سجستان وليس من سجستان خراسان، وكذلك ذكر لي بعض الهرويين في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة قوله: قل هو الله أحد خوان، هو لقب محمد بن أبي نصر، ومعناه قارئ هذه السورة.
قال: سمعت محمد بن يوسف يقول أبو حاتم السجستاني من كورة بالبصرة يقال لها سجستانة وليس من سجستان خراسان. وذكر ابن أبي نصر المذكور أنّه تتبع البصريين فلم يعرفوا بالبصرة قرية يقال لها سجستان غير أن بعضهم قال: إن بقرب الأهواز قرية تسمّى بشيء من نحو ما ذكره، ودرس من كتابي هذا لا أعرف له حقيقة لأنّه ورد أن ابن أبي داود كان بنيسابور في المكتب مع ولد إسحاق بن راهويه وأنّه أوّل ما كتب كتب عند محمد بن أسلم الطوسي وله دون عشر سنين، ولم يذكر أحد من الحفاظ أنّه من غير سجستان المعروف، وينسب إليها السجزي، منهم: أبو أحمد خلف بن أحمد بن خلف ابن الليث بن فرقد السجزي، كان ملكا بسجستان وكان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك وسمع الحديث بخراسان والعراق، روى عن أبي عبد الله محمد بن علي الماليسي وأبي بكر الشافعي، سمع منه الحاكم أبو عبد الله وغيره، توفي في بلاد الهند محبوسا، وسلب ملكه في سنة 399 في رجب، ومولده في نصف محرم سنة 326، ودعلج بن علي السجزي، ومنها إمام أهل الحديث عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود أصله من سجستان، كتب من تاريخ الخطيب هو وأبوه وزاد ابن عساكر في تاريخه بإسناد إلى أبي عليّ الحسن بن بندار الزنجاني الشيخ الصالح قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعفّفا وتنزها ونفيا للمظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمع حديثه وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم أنّه ملتح ثمّ أحضره المجلس وأسمعه جزءا، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال له: أيّها الشيخ لا تنكر عليّ ما فعلته واجمع أمردي هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع عليك، قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الأمرد مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له الشيخ مع ذلك من حديثه شيئا وحصل له ذلك الجزء الأوّل وكان ليس إلّا أمرد يفتخر بروايته الجزء الأوّل.

حَضِيريّ

حَضِيريّ
من (ح ض ر) نسبة إلى حَضِير: الذي يتواجد في المكان والقرب والبيان وحضور طعام القوم دون دعوة؛ أو نسبة إلى حضير: مذكر حضيرة والذين يحضرون المياه ومقدمة العسكر.

الشّاذِياخُ

الشّاذِياخُ:
بعد الذال المكسورة ياء مثناة من تحت، وآخره خاء معجمة: قرية من قرى بلخ يقال لها الشاذياخ. وشاذياخ أيضا: مدينة نيسابور أمّ بلاد خراسان في عصرنا، وكانت قديما بستانا لعبد الله بن طاهر بن الحسين ملاصق مدينة نيسابور، فذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيّع في آخر كتابه في تاريخ نيسابور:
أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور واليا على خراسان ونزل بها ضاقت مساكنها من جنده فنزلوا على الناس في دورهم غصبا فلقي الناس منهم شدة فاتفق أن بعض أجناده نزل في دار رجل ولصاحب الدار زوجة حسنة وكان غيورا فلزم البيت لا يفارقه غيرة على زوجته، فقال له الجندي يوما: اذهب واسق فرسي ماء، فلم يجسر على خلافه ولا استطاع مفارقة أهله فقال لزوجته: اذهبي أنت واسقي فرسه لأحفظ أنا أمتعتنا في المنزل، فمضت المرأة وكانت وضيئة حسنة، واتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة فاستحسنها وعجب من تبذلها فاستدعى بها وقال لها: صورتك وهيئتك لا يليق بهما أن تقودي فرسا وتسقيه فما خبرك؟ فقالت: هذا فعل عبد الله بن طاهر بنا قاتله الله! ثمّ أخبرته الخبر، فغضب وحوقل وقال: لقد لقي منك يا عبد الله أهل نيسابور شرّا، ثمّ أمر العرفاء أن ينادوا في عسكره من بات بنيسابور حلّ ماله ودمه، وسار إلى الشاذياخ وبنى فيه دارا له وأمر الجند ببناء الدور حوله، فعمّرت وصارت محلّة كبيرة واتصلت بالمدينة فصارت من جملة محالّها ثمّ بنى أهلها بها دورا وقصورا، هذا معنى قول الحاكم، فإنّني كتبت من حفظي إذ لم يحضرني أصله، ولذلك قال الشاعر يخاطب عبد الله بن طاهر:
فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... بالشاذياخ ودع غمدان لليمن
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من ابن هوذة يوما وابن ذي يزن
ثمّ انقضت دولة آل طاهر وخربت تلك القصور فمرّ بها بعض الشعراء فقال:
وكان الشاذياخ مناخ ملك، ... فزال الملك عن ذاك المناخ
وكانت دورهم للهو وقفا، ... فصارت للنّوائح والصّراخ
فعين الشّرق باكية عليهم، ... وعين الغرب تسعد بانتضاخ
وقال آخر:
فتلك قصور الشاذياخ بلاقع، ... خراب يباب والميان مزارع
وأضحت خلاء شاذمهر وأصبحت ... معطّلة في الأرض تلك المصانع
وغنّى مغنّي الدّهر في آل طاهر ... بما هو رأي العين في الناس شائع
عفا الملك من أولاد طاهر بعد ما ... عفا جشم من أهله والفوارع
وقال عوف بن محلّم في قطعة طويلة أذكرها بتمامها في الميان، إن شاء الله:
سقى قصور الشّاذياخ الحيا ... من بعد عهدي وقصور الميان
فكم وكم من دعوة لي بها ... ما إن تخطّاها صروف الزّمان
وكنت قدمت نيسابور في سنة 613، وهي الشاذياخ، فاستطبتها وصادفت بها من الدّهر غفلة خرج بها عن عادته واشتريت بها جارية تركية لا أرى أن الله تعالى خلق أحسن منها خلقا وخلقا وصادفت من نفسي محلّا كريما، ثمّ أبطرتني النعمة فاحتججت بضيق اليد فبعتها فامتنع عليّ القرار وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار، فأشار عليّ بعض النصحاء باسترجاعها، فعمدت لذلك واجتهدت بكلّ ما أمكن فلم يكن إلى ذلك سبيل لأن الذي اشتراها كان متموّلا وصادفت من قلبه أضعاف ما صادفت مني، وكان لها إليّ ميل يضاعف ميلي إليها، فخاطبت مولاها في ردّها عليّ بما أوجبت به على نفسها عقوبة، فقلت في ذلك:
ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب؟ ... فإنّي إليها، ما حييت، طروب
بلاد بها تصبي الصّبا ويشوقنا ال ... شمال ويقتاد القلوب جنوب
لذاك فؤادي لا يزال مروّعا، ... ودمعي لفقدان الحبيب سكوب
ويوم فراق لم يرده ملالة ... محبّ ولم يجمع عليه حبيب
ولم يحد حاد بالرّحيل، ولم يزع ... عن الإلف حزن أو يحول كثيب
أئنّ ومن أهواه يسمع أنّتي، ... ويدعو غرامي وجده فيجيب
وأبكي فيبكي مسعدا لي فيلتقي ... شهيق وأنفاس له ونحيب
على أن دهري لم يزل مذ عرفته ... يشتّت خلّان الصّفا ويريب
ألا يا حبيبا حال دون بهائه ... على القرب باب محكم ورقيب
فمن يصح من داء الخمار فليس من ... خمار خمار للمحبّ طبيب
بنفسي أفدي من أحبّ وصاله، ... ويهوى وصالي ميله ويثيب
ونبذل جهدينا لشمل يضمّنا، ... ويأبى زماني، إنّ ذا لعجيب!
وقد زعموا أن كل من جدّ واجد، ... وما كلّ أقوال الرجال تصيب
ثمّ لما ورد الغزّ إلى خراسان وفعلوا بها الأفاعيل في سنة 548 قدموا نيسابور فخرّبوها وأحرقوها فتركوها تلالا فانتقل من بقي منهم إلى الشاذياخ فعمّروها، فهي المدينة المعروفة بنيسابور في عصرنا هذا، ثمّ خرّبها التتر، لعنهم الله، في سنة 617 فلم يتركوا بها جدارا قائما، فهي الآن فيما بلغني تلول تبكي العيون الجامدة وتذكي في القلوب النيران الخامدة.

شالُوسُ

شالُوسُ:
بضم اللام، وسكون الواو، وسين مهملة:
مدينة بجبال طبرستان وهي أحد ثغورهم، بينها وبين الري ثمانية فراسخ فيما زعم ابن الفقيه، قال: وبإزائها مدينة يقال لها الكبيرة مقابل كجّة كانت منزل الوالي أعني كجّة، وبين شالوس وآمل من ناحية الجبال الديلميّة عشرون فرسخا، ينسب إلى شالوس أبو بكر محمد بن الحسين بن القاسم بن الحسين الطبري الشالوسي، وقيل: يكنى أبا جعفر الصوفي الواعظ من أهل شالوس، كان فقيها صالحا عفيفا مكثرا من الحديث حريصا على جمعه وكتابته، سمع بنيسابور أبا علي نصر الله بن أحمد الخشنامي وأبا سعد علي بن عبد الله بن صادق وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، وكان يحضر مجالس الحديث ويسمع ويكتب على كبر سنه، وكانت ولادته بشالوس سنة 477، وتوفي بآمل في محرم سنة 543.

العَنَاقَةُ

العَنَاقَةُ:
بالفتح، هكذا جاء في اسم هذا الموضع، فإن كان من عناق المعز فلا يؤنّث لأنه لا يقال للذكر: وهو ماء لغني، قال أبو زياد: وإذا خرج عامل بني كلاب مصدّقا من المدينة فان أول منزل ينزله ويصدّق عليه أريكة ثم يرحل من أريكة إلى العناقة وهي لغني فيصدّق عليه غنيّا كلها وبطونا من الضباب وبطونا من بني جعفر بن كلاب ويصدّق إلى مدعى، وفيه شعر في الربع الأول من كتاب اللصوص لم يحضرني الآن، وقال ابن هرمة:
وأروع قد دقّ الكري عظم ساقه ... كضغث الخلا أو طائر المتنسّر
وقلت له: قم فارتحل ثم صل بها ... غدوّا وملطا بالغدوّ وهجّر
فإنك لاق بالعناقة فارتحل ... بسعد أبي مروان أو بالمخصّر
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.