Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: وردي

حديثة الموصل

حديثة الموصل:
وهي بليدة كانت على دجلة بالجانب الشرقي قرب الزاب الأعلى، وفي بعض الآثار أن حديثة الموصل كانت هي قصبة كورة الموصل الموجودة الآن وإنما أحدثها مروان بن محمد الحمار، وقال حمزة بن الحميد: الحديثة تعريب نوكرد، وكانت مدينة قديمة فخربت وبقي آثارها فأعادها مروان بن محمد بن مروان إلى العمارة وسأل عن اسمها فأخبر بمعناه فقال: سموها الحديثة، وقال ابن الكلبي: أول من مصّر الموصل هرثمة بن عرفجة البارقي في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأسكنها العرب ثم أتى الحديثة، وكانت قرية فيها بيعتان، ويقال: إن هرثمة نزل المدينة أولا فمصّرها واختطها قبل الموصل، وإنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار لما ولي ابن الرّفيل صاحب النهر ببادوريا أيام الحجاج بن يوسف فعسّفهم، وكان فيهم قوم من أهل الحديثة التي بالأنبار فبنوا بها مسجدا وسموا المدينة الحديثة، وينسب إلى هذه الحديثة جماعة، منهم: أبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن ابن محمد بن بابويه السّمنجاني الفقيه، نزل أصبهان ومات بها، قال أبو الفضل المقدسي: سمعت أبا المظفر الأبيــوردي يقول: سمعته يقول نحن من حديثة الموصل، وكان إذا روى عنه نسبه الحديثي، قلت:
وسمنجان بلد من أعمال طخارستان من وراء بلخ.

زَنْدَوَرْد

زَنْدَوَرْد:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، ودال مهملة، وواو مفتوحة، وراء ساكنة، ودال مهملة:
مدينة كانت قرب واسط مما يلي البصرة خربت بعمارة واسط، وينسب إليها طسّوج عمل بكسكر، وله ذكر في الفتوح، ويقال: إن سميّة أمّ زياد وأبي بكرة أصلها منه، عن ابن الكلبي، قال: كان النوشجاني قد جذم فعالجه أطبّاء الفرس فلم يصنعوا شيئا فقيل له إن بالطائف طبيبا للعرب، فحمل إليه هدايا منها سميّة أمّ زياد وأتى إليه، فداواه فبرأ فوهبها له مع الهدايا، وكانت سميّة من أهل زندورد، وإليها ينسب الحسن بن حيدرة بن عمر الزندوردي الفقيه، سمع أبا بكر محمد بن داود بن علي الأصبهاني وغيره، سمع منه الحاكم بمكّة، توفي سنة 353 في جمادى الأولى، وكان المنصور لما عمر بغداد نقل أبواب الزندورد فنصبها على مدينته، ودير الزندورد ببغداد مشهور، قد ذكر في الديرة، وقيل: إن الزندورد من بناء الشياطين لسليمان بن داود، عليه السلام، وأبوابها من صنعتهم، وكانت أربعة أبواب.

رُصافَةُ البَصْرَة

رُصافَةُ البَصْرَة:
مدينة صغيرة، ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الرصافي، روى عن محمد بن عبد العزيز الدراوردي، روى عنه أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدوس النسوي، وأبو القاسم الحسن بن عليّ بن إبراهيم المقري الرصافي، روى عن إبراهيم بن الحجّاج بن هارون الموصلي الكاتب، سمع منه بالموصل.

دِيمَس

دِيمَس:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وآخره سين مهملة: من قرى بخارى، منها الحاكم أبو طاهر محمد بن يعقوب الديسمي البخاري، يروي عن أبي بكر محمد بن عليّ الأبيــوردي، روى عنه أبو الحسن عليّ بن محمد بن الحسين بن جذام البخاري الجذامي، مات في حدود سنة 430.

دَرَاوَرْد

دَرَاوَرْد:
قال أبو سعد: قولهم في نسب عبد العزيز ابن محمد بن عبيد بن أبي عبيد من أهل المدينة الدّراوردي فأصله درابجرد فاستثقلوه فقلبوه إلى هذا، وقيل: إنه نسب إلى اندرابة، وقيل: إنه أقام بالمدينة فكانوا يقولون للرجل إذا أراد أن يدخل إليه أندرون فقلب إلى هذا، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وعمرو بن أبي عمرو، روى عنه أحمد ابن حنبل وابن معين، ومات في صفر سنة 186، وقال أبو بكر أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني يعرف بابن فنجويه في كتاب شيوخ مسلمة من تصنيفه يقال: إن دراورد قرية بخراسان، ويقال هي درابجرد، ويقال: دراورد موضع بفارس.

دَرابْجِرْد

دَرابْجِرْد:
كورة بفارس نفيسة عمّرها دراب بن فارس، معناه دراب كرد، دراب: اسم رجل، وكرد: معناه عمل، فعرّب بنقل الكاف إلى الجيم، قال الإصطخري: ومن مدن كورة درابجرد فسا، وهي أكبر من درابجرد وأعمر غير أن الكورة منسوبة إلى دار الملك ومدينته التي ابتناها لهذه الكورة درابجرد فلذلك تنسب الكورة إليها، وبها كان المصر في القديم وكان ينزلها الملوك، قال الزجاجي: النسبة إليها على غير قياس، يقال في النسبة إلى درابجرد دراوردي، وقال أبو البهاء الإيادي إياد الأزد وكان من أصحاب المهلّب في قتال الخوارج:
نقاتل عن قصور درابجرد، ... ونحمي للمغيرة والرّقاد
المغيرة بن المهلّب، والرقاد بن عبيد العلي صاحب شرطة المهلب، وكان من أعيان الفرس، وهي كثيرة المعادن جليلة الخصائص طيبة الهواء قصبتها على اسمها، ومن مدنها طمستان والكردبان كرم يزد خواست إيك، ومن شيراز إلى دارابجرد قال الإصطخري:
خمسون فرسخا، وقال البشاري والإصطخري: بها قنّة الموميا وعليها باب حديد وقد وكل به رجل يحفظه، فإذا كان شهر تير ماه صعد العامل والقاضي وصاحب البريد والعدول وأحضرت المفاتيح وفتح الباب ثم يدخل رجل عريان فيجمع ما ترقّى في تلك السنة، ولا يبلغ رطلا على ما سمعته من بعض العدول، ثم يجعل في شيء ويختم عليه ويبعث مع عدّة من المشايخ إلى شيراز ثم يغسل الموضع، فكل ما يرى في أيدي الناس إنما هو معجون بذلك الماء، ولا يوجد الخالص إلا في خزائن الملك، وذكر ابن الفقيه أن هذا الكهف بأرّجان، وقد ذكرته هناك، وقال الإصطخري: وبناحية درابجرد جبال من الملح الأبيض والأسود والأخضر والأصفر والأحمر، ينحت من هذه الجبال موائد وصحون وزبادي وغير ذلك وتهدى إلى سائر البلدان، والملح الذي في سائر البلدان إنما هو باطن الأرض وماء يجمد وهذا جبل ملح ظاهر، وقد نسب إلى درابجرد هذه جماعة من العلماء.
ودرابجرد أيضا: محلة من محالّ نيسابور بالصحراء من أعلى البلد، منها علي بن الحسن بن موسى بن ميسرة النيسابوري الدرابجردي، روى عن سفيان بن عيينة، روى عنه أبو حامد الشرقي ومن ولده الحسن بن علي ابن أبي عيسى المحدث ابن المحدث ابن المحدّث.

دَبُوسِيَةُ

دَبُوسِيَةُ:
بليد من أعمال الصّغد من ما وراء النهر، منها أبو زيد الدّبوسي، وهو عبيد الله بن عمر بن عيسى صاحب كتاب الأسرار وتقويم الأدلة، وكان من كبار فقهاء أبي حنيفة وممن يضرب به المثل،
مات ببخارى سنة 403، ومنها أبو الفتح ميمون بن محمد بن عبد الله بن بكر مجّ الدّبوسي، سكن مرو، كان شيخا صالحا من فقهاء الشافعية، تفقه على أبي المظفر السمعاني، وتوفي سنة نيف وثلاثين وخمسمائة بمرو، وابنه أبو القاسم محمود بن ميمون، تفقه هو وأبو زيد السمعاني مشتركين في الدرس، وسمع الحديث من أبي عبد الله الفراوي وأبي المظفر عبد المنعم بن أبي القاسم القشيري، ومنها أبو القاسم علي ابن أبي يعلى بن زيد بن حمزة بن محمد بن عبد الله الحسيني العلوي الدبوسي الفقيه الشافعي، ولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد، وكان إماما في الفقه والأصول والأدب، وكان من فحول المناظرين، سمع أبا عمرو القنطري وأبا سهل أحمد بن علي الأبيــوردي وغيرهما، روى عنه أبو الفضل محمد بن أبي الفضل المسعودي وعبد الوهاب الأنماطي وغيرهما، توفي ببغداد سنة 432، وأما أحمد بن عمر بن نصير ابن حامد بن أحيد بن دبوسة الدّبوسي فمنسوب إلى جده، أسلم دبوسة على يد قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 93.

حَلْيٌ

حَلْيٌ:
بالفتح ثم السكون، بوزن ظبي، قال عمارة اليمني: حلي مدينة باليمن على ساحل البحر، بينها وبين السرّين يوم واحد، وبينها وبين مكة ثمانية أيام، وهي حلية المقدّم ذكرها، قال أعرابيّ:
خليليّ حبّي سدر حلية مــوردي ... حياض المنايا، أو مقيدي الأعاديا
خليليّ، إن أسعدتما، فهممتما ... بأنّى ظلال السّدر فاستتبعانيا
فو الله ما أحببت سدرا ببلدة ... من الأرض، حتى سدر حلي اليمانيا

جَنْزَةُ

جَنْزَةُ:
بالفتح: اسم أعظم مدينة بأرّان، وهي بين شروان وأذربيجان، وهي التي تسمّيها العامة كنجه، بينها وبين برذعة ستة عشر فرسخا خرج منها جماعة من أهل العلم، منهم: أبو حفص عمر بن عثمان ابن شعيب الجنزي، أديب فاضل متديّن، قرأ الأدب
على الأديب أبي المظفر الأبيــوردي ببغداد وهمذان، وسمع الحديث على أبي محمد الدّوني، وسمع منه الناس بخراسان وغيرها، وتوفي بمرو سنة 550، ويقول بعضهم في النسبة إليها جنزوي، ونسب هكذا أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجنزوي المعدّل الدمشقي، قدم بغداد في صباه وسمع بها أبا البركات هبة الله بن محمد بن عليّ البخاري وأبا نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي وغيرهما، وتوفي سنة 588 وأحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله الجنزي أبو مسعود من أهل أصبهان، شيخ صالح من أولاد المحدثين، أحضره والده مجلس أبي عمرو بن مندويه فسمع منه ومن أبي القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، قال أبو سعد: كتبت عنه، قال: وأما يزيد بن عمرو بن جنزة الجنزي فنسب إلى جده، روى عنه عباس الدوري.

سُقْيَا

سُقْيَا:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، يقال: سقيت فلانا وأسقيته أي قلت له سقيا، بالفتح، وسقاه الله الغيث وأسقاه، والاسم السّقيا، بالضم، وسئل كثيّر لم سميت السقيا سقيا؟ فقال: لأنّهم سقوا بها عذبا، حدّثنا عبد العزيز بن الأخضر أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: حدّثنا البرقاني قال: حدثني أبو بكر بن جميل الهروي أنبأنا عبد الله بن عروة أنبأنا صالح بن جزرة قال: قال أحمد بن حنبل عبد العزيز ابن محمد الدراوردي ضعيف الحديث روى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، كان يستقي الماء العذب من بيوت السقيا، وفي حديث آخر: كان يستعذب الماء العذب من بيوت السقيا، والسقيا:
قرية جامعة من عمل الفرع، بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلا، وفي كتاب الخوارزمي: تسعة وعشرون ميلا، وقال ابن الفقيه: السقيا من أسافل أودية تهامة، وقال ابن الكلبي: لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة فنزل السقيا وقد عطش فأصابه بها مطر فسماها السقيا، وقال الخوارزمي:
هي قرية عظيمة قريبة من البحر على مسيرة يوم وليلة، وقال الأصمعي في كتاب جزيرة العرب وذكر مكّة وما حولها فقال: السقيا المسيل الذي يفرغ في عرفة ومسجد إبراهيم، وفي كتاب أبي عبيد السكوني:
السقيا بركة وأحساء غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة، وبين السقيا وسميراء أربعة أميال. والسقيا:
قرية على باب منبج ذات بساتين كثيرة ومياه جارية، وهي وقف على ولد أبي عبادة البحتري إلى الآن، وقد ذكرها أبو فراس بن حمدان فقال:
قف في رسوم المستجاب، ... وحيّ أكناف المصلّى
فالجرس فالميمون فالسّق ... يا بها فالنّهر الأعلى
وقال أبو بكر بن موسى: السقيا بئر بالمدينة، يقال:
منها كان يستقى لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وسقيا الجزل: موضع آخر مات فيه طويس المخنّث المغني، قال يعقوب: سقيا الجزل من بلاد عذرة قريب من وادي القرى.

جَرْجَرَايا

جَرْجَرَايا:
بفتح الجيم، وسكون الراء الأولى:
بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي، كانت مدينة وخربت مع ما خرب من النهروانات وقد خرج منها جماعة من العلماء والشعراء والكتّاب والوزراء، ولها ذكر في الشعر كثير قال ابزون العمّاني:
ألا يا حبّذا يوما جررنا ... ذيول اللهو فيه بجرجرايا
وممن ينسب إليها محمد بن الفضل الجرجراي وزير المتوكل على الله بعد ابن الزيّات، ثم وزر للمستعين بالله، ثم مات سنة 251، وكان من أهل الفضل والأدب والشعر ومنها أيضا جعفر بن محمد بن الصباح بن سفيان الجرجراي مولى عمر بن عبد العزيز، نزل بغداد وروى عن الدّراوردي وهشيم، روى عنه عبد الله بن قحطبة الصلحي وغيره وعصابة الجرجراي واسمه إبراهيم بن باذام، له حكايات وأخبار وديوان شعر، روى عنه عون بن محمد الكندي.

جَبَلَةُ

جَبَلَةُ:
بالتحريك، مرتجل، اسم لعدة مواضع:
منها جبلة ويقال: شعب جبلة الموضع الذي كانت فيه الوقعة المشهورة بين بني عامر وتميم وعبس وذبيان وفزارة، وجبلة هذه: هضبة حمراء بنجد بين الشّريف والشرف والشريف: ماء لبني نمير، والشرف: ماء لبني كلاب. وجبلة: جبل طويل له شعب عظيم واسع، لا يرقى الجبل إلا من قبل الشعب، والشعب متقارب وداخله متسع، وبه عرينة بطن من بجيلة وقال أبو زياد: جبلة هضبة طولها مسيرة يوم، وعرضها مسيرة نصف يوم، وليس فيها طريق إلا طريقان، فطريق من قبل مطلع الشمس، وهو أسفل الوادي الذي يجيء من جبلة وبه ماءة لعرينة يقال لها سلعة، وعرينة: حيّ من بجيلة حلفاء في بني كلاب، وطريق آخر من قبل مغرب الشمس يسمّى الخليف، وليس إلى جبلة طريق غير هذين وقال أبو أحمد: يوم شعب جبلة وهو يوم بين بني تميم وبين بني عامر بن صعصعة، فانهزمت تميم ومن ضامّها، وهذا اليوم الذي قتل فيه لقيط بن زرارة، وهو المشهور بيوم تعطيش النوق برأي قيس بن زهير العبسي، وكان قد قتل لقيطا جعدة بن مرداس، وجعدة هو فارس خيبر وفيه يقول معقّر البارقي:
تقدّم خبيرا بأقل عضب، ... له ظبة، لما لاقى، قطوف
وزعم بعضهم أن شريح بن الأحوص قتله واستشهد بقول دختنوس بنت لقيط وجعل بنو عبس يضربونه وهو ميت:
ألا يا لها الويلات، ويلة من هوى ... بضرب بني عبس لقيطا، وقد قضى
له عفروا وجها عليه مهابة، ... ولا تحفل الصمّ الجنادل من ثوى
وما ثأره فيكم، ولكنّ ثأره ... شريح أرادته الأسنّة والقنا
وكان يوم جبلة من أعظم أيام العرب وأذكرها وأشدها، وكان قبل الإسلام بسبع وخمسين سنة، وقبل مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، بسبع عشرة سنة وقال رجل من بني عامر:
لم أر يوما مثل يوم جبله، ... لمّا أتتنا أسد وحنظله
وغطفان والملوك أزفله، ... نضربهم بقضب منتحلة
وجبلة أيضا: موضع بالحجاز قال أبو بكر في الفيصل: منها أبو القاسم سليمان بن علي الجبلي الحجازي المقيم بمكة، حدث عن ابن عبد المؤمن وغيره
قال: والحسن بن علي بن أحمد أبو علي الجبلي أظنه من جبلة الحجاز، كان بالبصرة، روى عن أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ومحمد بن عزرة والجوهري وبكر بن أحمد بن مقبل ومحمد بن يوسف العصفري ومحمد بن علي الناقد البصريين، روى عنه القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي وغيره.
وجبلة أيضا: قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية قال أحمد بن يحيى بن جابر: لما فرغ عبادة بن الصامت من اللاذقية في سنة 17 وكان قد سيّره إليها أبو عبيدة ابن الجراح، ورد فيمن معه على مدينة تعرف ببلدة على فرسخين من جبلة، ففتحها عنوة ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها، فأنشأ معاوية جبلة وكانت حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص، وشحنها بالرجال، وبنى معاوية بجبلة حصنا خارجا من الحصن الرومي القديم، وكان سكان الحصن القديم قوما من الرهبان يتعبدون فيه على دينهم، فلم تزل جبلة بأيدي المسلمين على أحسن حال حتى قوي الروم وافتتحوا ثغور المسلمين، فكان فيما أخذوا جبلة في سنة 357 بعد وفاة سيف الدولة بسنة، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 473، فإن القاضي أبا محمد عبد الله بن منصور ابن الحسين التنوخي المعروف بابن ضليعة قاضي جبلة وثب عليها واستعان بالقاضي جلال الدين بن عمّار صاحب طرابلس فتقوّى به على من بها من الروم فأخرجهم منها ونادى بشعار المسلمين، وانتقل من كان بها من الروم إلى طرابلس فأحسن ابن عمار إليهم، وصار إلى ابن ضليعة منها مال عظيم القدر، وبقيت بأيدي المسلمين ثم ملكها الفرنج في سنة 52 في الثاني والعشرين من ذي القعدة من يد فخر الملك إلى أن استردّها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 584، تسلمها بالأمان في تاسع عشر جمادى الآخرة، وهي الآن بأيدي المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو الفضل محمد بن طاهر: من جبلة هذه أبو القاسم سليمان بن علي الجبلي المقيم بمكة، وهو من أهل جبلة الشام، حدّث عن ابن عبد المؤمن وغيره، كذا ذكره عبد الغني الحافظ، فهذا كما ترى نسبه الحازمي إلى جبلة الحجاز، ولم أر غيره ذكر بالحجاز موضعا ينسب إليه يقال له جبلة، والله أعلم، ونسبه ابن طاهر عن عبد الغني إلى جبلة الشام، وهو الصحيح إن شاء الله عز وجل ومن جبلة الشام يوسف بن بحر الجبلي، سمع سليم بن ميمون الخوّاص وغيره، روى عنه أبو المعافى أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الجبلي شيخ أبي حاتم بن حبّان وعثمان بن أيوب الجبلي، حدث عن إبراهيم بن مخلد الذهبي، روى عنه أبو الفتح الأزدي وعبد الواحد بن شعيب الجبلي، حدث عن أحمد بن المؤمل ومحمد بن الحسين الأزدي الجبلي، يروي عن محمد الأزرق وأبي إسماعيل الترمذي وعلي بن عبد العزيز البغوي ومحمد ابن المغيرة السكري الهمداني ومحمد بن عبد الرحمن ابن يحيى المصري ومحمد بن عبدة المروزي ومحمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي المعروف بمطمئن، روى عنه القاضي أبو القاسم عليّ بن محمد بن أبي الفهم التنوخي وغيره هذا كله من الفيصل، وقال في كتاب دمشق: عبد الواحد بن شعيب الجبلي قاضيها، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن ويحيى بن يزيد الخوّاص وأبا الحباب خالد بن الحباب وأبا اليمان الحكم ابن رافع، روى عنه أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الحكيم الأصبهاني وأبو الحسن بن جوصا
الدمشقي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن بن مثوبة الأصبهاني وعليّ بن سرّاج الحافظ المصري، وأبو محمد عبد الوهاب بن نجدة الحوطي الجبلي، سمع الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز ومحمد ابن شعيب بن سابور، روى عنه ابنه أبو عبد الله أحمد وأبو داود السجستاني وأبو بكر بن خيثمة، ومات سنة 232 وأبو سهل يزيد بن قيس السليخ الجبلي، سمع بدمشق وغيرها والوليد بن مسلم بن شعيب ابن سابور وجماعة وافرة، روى عنه أبو داود في سننه وجماعة أخرى.
وجبلة أيضا، قال أبو زيد: جبلة حصن في آخر وادي الستارة بتهامة من ناحية ذرة، ووادي الستارة بين وادي بطن مرّ وعسفان عن يسار الذاهب إلى مكة، وطول هذا الوادي نحو من يومين، وبالقرب من هذا الوادي واد مثله يعرف بساية وقال عرّام بن الأصبغ: جبلة قرية بذرة، قالوا: هي أول قرية بنيت بتهامة، وبها حصون منكرة لا يرومها أحد، وقد وصفت في ذرة، ولعلّ الحازمي أراد جبلة هذه، والله أعلم وجبلة أيضا:
قرية لبني عامر بن عبد القيس بالبحرين.

تُونُ

تُونُ:
والتون في لغة العرب البياض في الأظفار:
مدينة من ناحية قهستان قرب قائن ينسب إليها جماعة، منهم: أحمد بن العباس التوني، حدث عن إبراهيم بن إسحاق بن محمد التوني القائني، كان فقيها مدرسا، ورد هراة وسكنها إلى أن توفي في رجب سنة 459 وإسماعيل بن عبد الله بن أبي سعد بن أبي الفضل التوني أبو طاهر خادم مسجد عقيل بنيسابور، وكان يخدم أبا نصر محمد بن عبد الله الإمام، وكان يلازمه سفرا وحضرا، وسمع الحديث منه، سمع أبا علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشناسي وأبا عبد الله إسماعيل بن عبد الغفار الفارسي وأبا بكر عبد الغفار ابن الحسين النيسابوري وأبا جعفر محمد بن عبد الحميد الأبيــوردي وأسعد بن أحمد بن حيان النسوي وأبا العلاء عبيد بن محمد بن عبيد القشيري وغيرهم وأبو محمد أحمد بن محمد بن أحمد التوني، روى عن أبي محمد أحمد بن محمد بن عبد الله الشّروطي السجستاني، روى عنه حنبل بن علي بن الحسين أبو جعفر الصوفي السجستاني وغيره.

بَغْدَادُ

بَغْدَادُ:
أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم الثالث، قال: طالعها السماك الأعزل، بيت حياتها القوس، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت أنا: ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث، وظلّ الظهر بها درجتان، وظل العصر أربع عشرة درجة، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة، في الوجود ثلاثمائة درجة، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد ابن حنبل: بغداد من الصّراة إلى باب التبن، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، يقال لها بغداد، وكذا كانت إذ ذاك، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار، فتحصّن فيها أهلها منه، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان، فعبر المرزبان إليه، فخلا به المثنى وقال له: أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء، فسار حتى وافى السوق صحوة، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار، ووافى معسكره غانما موفورا، وذلك في سنة 13 للهجرة، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور، لم يبلغني غير ذلك.

فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر، وذلك في صيف وحرّ شديد، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال: هذا موضع صالح للبناء، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء، فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد، فإنك تصير بين أربعة طساسيج: طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام، وكان أول العمل في سنة 145، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب، فلما بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
أعاينت في طول من الأرض أو عرض، ... كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، ... وعيش سواها غير خفض ولا غضّ
تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها ... مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض
قضى ربّها أن لا يموت خليفة ... بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي
تنام بها عين الغريب، ولا ترى ... غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض
فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، ... فما أسلفت إلّا الجميل من القرض
وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، ... فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها ... عندي، وسكان بغداد هم الناس
وقال آخر:
بغداد يا دار الملوك ومجتنى ... صوف المنى، يا مستقرّ المنابر
ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، ... ومنبسط الآمال عند المتاجر
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، ... على تقلّبها في كلّ ما حين
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة ... تندى، ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، ... وخرّشت بين أوراق الرّياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسيّة العين
تستنّ دجلة فيما بينها، فترى ... دهم السّفين تعالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة، ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، ... قصر من الساج عال ذو أساطين
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
أيا بغداد يا أسفي عليك! ... متى يقضى الرجوع لنا إليك؟
قنعنا سالمين بكلّ خير، ... وينعم عيشنا في جانبيك
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي ... مشوق ويحظى بالزيارة زائر
إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه ... على كشف ما ألقى من الهمّ قادر
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
سلام على بغداد من كلّ منزل، ... وحقّ لها منّي السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها، ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ برحبها، ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
أقول وقد جزنا زرود عشيّة، ... وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا
على أهل بغداد السلام، فإنني ... أزيد بسيري عن ديارهم بعدا
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلّة ... ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر
هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها ... بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحّة، ... وماء له طعم ألذّ من الخمر
ودجلتها شطّان قد نظما لنا ... بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر
ثراها كمسك، والمياه كفضّة، ... وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كلّ طيب، ... ومغنى نزهة المتنزّهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ ... عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا، ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدما إليها، وإن عاقت معاذير
وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت ... طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، ... وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو منّي ... سلام ما سجا للعين طرف
وما فارقتها لقلى، ولكن ... تناولني من الحدثان صرف
ألا روح ألا فرج قريب، ... ألا جار من الحدثان كهف
لعلّ زماننا سيعود يوما، ... فيرجع آلف ويسر إلف
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، ... وأيقنت يا بغداد أني على بعد
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض، حتى خطّتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها، ... وسيّرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، ... وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا
وقائلة: لو كان ودّك صادقا ... لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا:
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسّك في النا ... س وأمسى يعدّ في الزّهّاد:
الزم الثغر والتواضع فيه، ... ليس بغداد منزل العبّاد
إن بغداد للملوك محلّ، ... ومناخ للقارئ الصياد
ومن شائع الشعر في ذلك:
بغداد أرض لأهل المال طيّبة، ... وللمفاليس دار الضّنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، ... كأنني مصحف في بيت زنديق
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
زعم الناس أن ليلك يا بغ ... داد ليل يطيب فيه النسيم
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا ... لفها، بالنهار، منك السّموم
وقليل الرّخاء يتّبع الش ... دة، عند الأنام، خطب عظيم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلّها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، وما لهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغ ... داد، مقيما في أرضها، لا أريم
ببلاد فيها الركايا، علي ... هن أكاليل من بعوض تحوم
جوها في الشتاء والصيف دخّا ... ن كثيف، وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفح المس ... ك، إذا ما جرى عليه النسيم
كيف قد أقفرت وحاربها الدّه ... ر، وعين الحياة فيها البوم
نحن كنا سكانها، فانقضى ذا ... لك عنا، وأي شيء يدوم
وقال أيضا:
أطال الهمّ في بغداد ليلي، ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها، على رغمي، مقيما ... كعنّين تعانقه عجوز
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ودّ أهل الزوراء زور، فلا ... تغترر بالوداد من ساكنيها
هي دار السلام حسب، فلا يط ... مع منها، إلّا بما قيل فيها
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلّا سلح، ... إذا اعتراك مطر أو نفح،
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، ... فأصبح لا تبدو لعيني قصورها
وميدانها المذري علينا ترابها ... إذا شحجت أبغالها وحميرها
وقال آخر:
أذمّ بغداد والمقام بها، ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند سكّانها لمختبط ... خير، ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي المقام بينهم ... إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، ... وعمر نوح وصبر أيوب
قوم مواعيدهم مزخرفة ... بزخرف القول والأكاذيب
خلّوا سبيل العلى لغيرهم، ... ونافسوا في الفسوق والحوب
وقال بعض الأعراب:
لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت ... ببغداد يصبح ليله غير راقد
بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون، كأنها ... بغال بريد أرسلت في مذاود
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
ترحّل فما بغداد دار إقامة، ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، ... فكلهم من حلية المجد عاطل
سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم ... يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل
ولا غروان شلّت يد الجود والندى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول
وقال آخر:
كفى حزنا، والحمد لله أنّني ... ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي
أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، ... وآلف قوما لست فيهم براغب
ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، ... ولا أنّ فيها مستفادا لطالب
سأرحل عنها قاليا لسراتها، ... وأتركها ترك الملول المجانب
فإن ألجأتني الحادثات إليهم ... فأير حمار في حرامّ النوائب
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
سقيا لبغداد ورعيا لها، ... ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم، ... كيف أبيحوا جنّة مثلها
وقال آخر:
اخلع ببغداد العذارا، ... ودع التنسّك والوقارا
فلقد بليت بعصبة ... ما إن يرون العار عارا
لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
ألا يا غراب البين ما لك ثاويا ... ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟
ألا إنما بغداد دار بليّة، ... هل الله من سجن البلاد مريح؟
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقى الله غيثا أرض بغداد
أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها ... قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي
بل كلّ ما شئت من علق وزانية ... ومستحدّ وصفعان وقوّاد
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
بغداد دار، طيبها آخذ ... نسيمه مني بأنفاسي
تصلح للموسر لا لامرئ ... يبيت في فقر وإفلاس
لو حلّها قارون ربّ الغنى، ... أصبح ذا همّ ووسواس
هي التي توعد، لكنها ... عاجلة للطاعم الكاسي
حور وولدان ومن كلّ ما ... تطلبه فيها، سوى الناس

بضَاعَةُ

بضَاعَةُ:
بالضم وقد كسره بعضهم، والأول أكثر:
وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة، فيها أفتى النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن الماء طهور ما لم يتغير، وبها مال لأهل المدينة من أموالهم، وفي كتاب البخاري تفسير القعنبي: لبضاعة نخل بالمدينة، وفي الخبر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أتى بئر بضاعة فتوضأ من الدّلو وردّها إلى البئر وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في أيامه
يقول: اغسلوني من ماء بضاعة، فيغسل فكأنما أنشط من عقال، وقالت أسماء بنت أبي بكر: كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون، وقال أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي من تصنيفه: ومن الدليل على أبي حنيفة ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن سفيط بن أبي أيوب عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قيل له: إنك تتوضّأ من بئر بضاعة وهي تطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينحّي الناس، فقال: الماء لا ينجّسه شيء، فلم يجعل لاختلاط النجاسة بالماء تأثيرا في نجاسته، وهذا نصّ يدفع قول أبي حنيفة، اعترضوا على هذا الحديث بسؤالين، أحدهما: أن بئر بضاعة عين جارية إلى بساتين يشرب منها والماء الجاري لا تثبت فيه النجاسة، والجواب عنه: أن بئر بضاعة أشهر حالا من ان يعترضوا عليها بهذا السؤال، وهي بئر في بني ساعدة، قال أبو داود في سننه: قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضه ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي البستان فأدخلني إليها: هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماء متغيّر اللون، ومعلوم أن الماء الجاري لا يبقى متغير اللون، قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيّم بئر بضاعة عن عمقها فقال:
أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة، قلت: إذا نقص؟ قال: دون العورة، والسؤال الثاني أن قالوا:
لا يجوز أن يضاف إلى الصحابة أن يلقوا في بئر ماء يتوضّأ فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المحائض ولحوم الكلاب، بل ذلك مستحيل عليهم وذلك بصيانة وضوء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أولى، فدلّ على ضعف هذا الحديث ووهائه، والجواب عنه: أن الصحابة لا يصحّ إضافة ذلك إليهم ولا روينا أنهم فعلوا، وإنما كانت بئر بضاعة قرب مواضع الجيف والأنجاس وكانت تحت الريح وكانت الريح تلقي ذلك فيها، قال: ثم الدليل عليه من طريق المعنى أنه ماء كثير فوجب أن لا ينجس بوقوع نجاسة لا تغيّره قياسا على البعرة.

بَاوَرْد

بَاوَرْد:
بفتح الواو، وسكون الراء، وهي أبيورد:
بلد بخراسان بين سرخس ونسا، ينسب إليها بهذا اللفظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل الباوردي، كان معتزليّا غاليا سكن أصبهان وروى بها الحديث، ومات بعد سنة 420.

بَاماوَرْد

بَاماوَرْد:
بفتح الواو: ناحية بفارس، ينسب إليها عبيد الله وعبد الرحيم ابنا المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي، يكنى عبيد الله أبا القاسم بن أبي النجم، ويعرفان بابني القابلة من ساكني قطيعة العجم بباب الأزج من بغداد، سمعا أبا القاسم يحيى بن ثابت بن بندار وغيره، وكان مولد عبيد الله في سنة 539 تقريبا، وتوفي سنة 615.

الزُّهَيرِيّة

الزُّهَيرِيّة:
بلفظ التصغير: وهو ربض ببغداد يقال له ربض زهير بن المسيب في شارع باب الكوفة من بغداد قرب سويقة عبد الواحد بن إبراهيم. والزّهيرية أيضا: ببغداد قطيعة زهير بن محمد الأبيــوردي إلى جانب القطيعة المعروفة بأبي النجم ممّا يلي باب التبن مع حد سور بغداد قديما إلى باب قطربّل، وكان عندها باب يعرف بالباب الصغير، وزهير هذا رجل من الأزد من عرب خراسان من أهل أبيورد، وهذا كلّه الآن خراب لا يعرفه أحد.

طاطَرَى

طاطَرَى:
لا أدري أين هي، قال شيرويه بن شهردار: عبد الملك بن منصور بن أحمد الأديب أبو الفضل الطاطري روى عن الخليل القزويني وأبي بكر أحمد بن محمد بن السري بن سهل الهمذاني نزيل تبريز الأزرق السّمّاع، كان أديبا، وعبد الله بن منصور أبو الفضل الطاطري روى عن أبي بكر أحمد بن سهل بن السري الهمذاني قاضي شروان، سمع منه الأبيــوردي، قاله شيرويه، وفي كتاب الشام: أنبأنا أبو عليّ الحدّاد أنبأنا أبو بكر بن ربذة أنبأنا سليمان بن أحمد: كلّ من يبيع الكرابيس بدمشق يسمّى الطاطري، ذكر ذلك في ترجمة مروان بن محمد الطاطري أحد أعيان المحدّثين، روى عن أنس بن مالك وطبقته، وكان أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه وكان يرمى بالإرجاء، ومات في سنة 210، ومولده سنة أشرق الكوكب، وأما طرطاري وقد وجدته في بعض الكتب فلا أدري إلى أي ذلك ينسب ممن ذكرنا.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.