Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فجا

قِنَّسْرين

قِنَّسْرين:
بكسر أوله، وفتح ثانيه وتشديده وقد كسره قوم ثم سين مهملة، قال بطليموس: مدينة قنسرين طولها تسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، في الإقليم الرابع، ارتفاعه ثمان وسبعون درجة، وأفقها إحدى وتسعون درجة وخمس عشرة دقيقة، طالعها العذراء، بيت حياتها الذراع تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول قنسرين ثلاث وثلاثون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث، وفي جبلها مشهد يقال إنه قبر صالح النبي، عليه السّلام، وفيه آثار أقدام الناقة، والصحيح أن قبره باليمن بشبوة، وقيل بمكة، والله أعلم، وكان فتح قنسرين على يد أبي عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه، في سنة 17، وكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا، قال أحمد بن يحيى: سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فراغه من اليرموك إلى حمص فاستقراها ثم أتى قنسرين وعلى مقدمته خالد بن الوليد فقاتله أهل مدينة قنسرين ثم لجؤوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم وغلب المسلمون على أرضها وقراها، وقال أبو بكر بن الأنباري: أخذت من قول العرب قنسريّ أي مسنّ، وأنشد للعجاج:
أطربا وأنت قنسريّ، ... والدهر بالإنسان دوّاريّ؟
وأنشد غيره:
وقنسرته أمور فاقسأنّ لها، ... وقد حنى ظهره دهر وقد كبرا
وقال أبو المنذر: سميت قنسرين لأن ميسرة بن مسروق العبسي مرّ عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنّها قنّ نسر، فسميت قنسرين، وقال الزمخشري: نقل من القنّسر بمعنى القنسري وهو الشيخ المسن وجمع هو، وأمثاله كثيرة، قال أبو بكر بن الأنباري: وفي إعرابها وجهان، يجوز أن تجريها مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرفع بالواو فتقول هذه قنّسرون، وفي النصب والخفض بالياء فتقول مررت بقنسرين ورأيت قنسرين، والوجه الآخر أن تجعلها بالياء على كل حال وتجعل الإعراب في النون ولا تصرفها، قال أبو القاسم:
هذا الذي ذكره من طريق اللغة ولم يسمّ البلد بذلك لما ذكره، ولكن روي أنها سميت برجل من عبس يقال له ميسرة وذلك أنه نزلها فمر به رجل فقال له:
ما أشبه هذا الموضع بقنّ سيرين! فبني منه اسم للمكان، وقال آخرون: دعا أبو عبيدة بن الجراح ميسرة بن مسروق العبسي فوجهه في ألف فارس في أثر العدوّ فمر على قنسرين فجعل ينظر إليها فقال: ما هذه؟
فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنها قنّسرون، فسميت قنسرين، ثم مضى حتى بلغ الدرب فكان أول من جاوز الدرب من المسلمين، فهذا الخبر يدل على أن قنسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة العبسي فشبهه به، وقد روي في خبر مشهور عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أوحى الله تعالى إليّ أيّ هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك، المدينة أو البحرين أو قنسرين، وهي كورة بالشام منها حلب، وكانت قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص بقرب العواصم، وبعض يدخل قنسرين في العواصم، وما زالت عامرة آهلة إلى أن كانت سنة 351، وغلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع ما كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد، فطائفة عبرت الفرات وطائفة نقلها سيف الدولة بن حمدان إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها فليس بها اليوم إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان وفريضة صغيرة، وقال بعضهم: كان خراب قنسرين في سنة 355 قبل موت سيف الدولة بأشهر، كان قد خرج إليها ملك الروم وعجز سيف الدولة عن لقائه فأمال عنه فجاء إلى قنسرين وخرّبها وأحرق مساجدها ولم تعمر بعد ذلك، وحاضر قنسرين بلدة باقية إلى الآن، ذكرت في موضعها، وقال المدائني: خرج أعرابي من طيّء إلى الشام إلى بني عمّ له يطلب صلتهم فلم يعطوه طائلا وعرضوا عليه الفرض فأبى ثم قدم قنسرين فأعطوه شيئا قليلا وقالوا تفترض، فقال:
أقمنا بقنسرين ستة أشهر ... ونصفا من الشهر الذي هو سابع
فقال ابن هيفاء: دع البدو وافترض، ... فقلت له: إني إلى الله راجع
يؤمّون بي موقان أو يفرضون بي ... إلى الرّيّ لا يسمع بذلك سامع
ألا حبّذا مبدى هشام إذا بدا ... لارفاق زيد أو دعته البرادع
وحلّت جنوب الأبرقين إلى اللوى ... إلى حيث سارت بالهبير الدوافع
ثم خرج من الشام إلى العراق فركب الفرات فخاف أهوالها فقال:
وما زال صرف الدهر حتى رأيتني ... على سفن وسط الفرات بنا تجري
يصير بنا صار ويجذف جاذف، ... وما منهما إلّا مخوف على غدري
ثم أتى الكوفة وطلب من قومه فلم يصل إلى ما يريد فرجع إلى البادية فقالوا: أطلت الغيبة فما أفدت؟
فقال:
رجعنا سالمين كما بدأنا، ... وما خابت غنيمة سالمينا
وينسب إلى قنسرين جماعة، أثبتهم في الحديث الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم بن الفرداج الحميري اليحصبي القنسريني المعروف ببرداعس، سكن حلب ثم قدم دمشق وحدث بها عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي ويوسف بن سعيد ابن مسلم وهلال بن أبي العلاء الرّقّي وأبي زرعة الدمشقي وخلق كثير سواهم، روى عنه عثمان بن خرزاذ، وهو من شيوخه، وعبد الله بن عمر بن أيوب بن الحبّال وعبد الوهاب الكلابي وأبو الخير أحمد بن علي الحافظ وأبو بكر بن المقري وغيرهم، سئل عنه الدارقطني فقال ضعيف، وقال ابن زيد:
مات سنة 328.

فَيْفٌ

فَيْفٌ:
غير مضاف: من منازل مزينة، قال معن ابن أوس المزني:
أعاذل! من يحتلّ فيفا وفيحة ... وثورا ومن يحمي الأكاحل بعدنا؟
فَيْفُ الرِّيح:
بفتح أوله، وقد ذكرنا ما الفيف في الذي قبله، وفيف الريح: معروف بأعالي نجد، عن أبي هفّان، قال:
أخبر المخبر عنكم أنكم ... يوم فيف الريح أبتم بالفلج
وهو يوم من أيامهم فقئت فيه عين عامر بن الطّفيل، فقأها مسهر الحارثي بالرمح، وفيه يقول عامر:
لعمري، وما عمري عليّ بهيّن، ... لقد شان حرّ الوجه طعنة مسهر
فبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذري لدى كلّ محضر؟
وقد علموا أنّي أكرّ عليهم ... عشيّة فيف الريح كرّ المدوّر
فلو كان جمع مثلنا لم نبالهم، ولكن أتتنا أسرة ذات مفخر فجاؤوا بشهران العريضة كلها وأكلب طرّا في لباس السّنوّر

القَاطُولُ

القَاطُولُ:
فاعول من القطل وهو القطع، وقد قطلته أي قطعته، والقطيل المقطول أي المقطوع: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة وهو نهر كان في موضع سامرّا قبل أن تعمّر وكان الرشيد أو من حفر هذا النهر وبنى على فوهته قصرا سماه أبا الجند لكثرة ما كان يسقي من الأرضين وجعله لأرزاق جنده، وقيل: بسامرّا بنى عليه بناء دفعه إلى أشناس التركي مولاه ثم انتقل إلى سامرّا ونقل إليها الناس، كما ذكرنا في سامرّا، وفوق هذا القاطول القاطول الكسروي حفره كسرى أنوشروان العادل يأخذ من جانب دجلة في الجانب الشرقي أيضا وعليه شاذروان فوقه يسقي رستاقا بين النهرين من طسّوج بزرجسابور وحفر بعده الرشيد هذا القاطول الذي قدّمنا ذكره تحته مما يلي بغداد وهو أيضا يصبّ في النهروان تحت الشاذروان، وقال جحظة البرمكي يذكر القاطول والقادسية المجاورة له:
ألا هل إلى الغدران، والشمس طلقة، ... سبيل ونور الخير مجتمع الشّمل
ومستشرف للعين تغدو ظباؤه ... صوائد ألباب الرجال بلا نبل
إلى شاطئ القاطول بالجانب الذي ... به القصر بين القادسية والنّخل
إلى مجمع للطير فيه رطانة ... يطيف به القنّاص بالخيل والرّجل
فجاءته من عند اليهوديّ انها ... مشهّرة بالراح معشوقة الأهل
وكم راكب ظهر الظلام مغلّس ... إلى قهوة صفراء معدومة المثل
إذا نفذ الخمّار دنّا بمبزل ... تبيّنت وجه السكر في ذلك البزل
وكم من صريع لا يدير لسانه، ... ومن ناطق بالجهل ليس بذي جهل
نرى شرس الأخلاق، من بعد شربها، ... جديرا ببذل المال والخلق السهل
جمعت بها شمل الخلاعة برهة، ... وفرّقت مالا غير مصغ إلى عذل
لقد غنيت دهرا بقربي نفيسة، ... فكيف تراها حين فارقها مثلي؟

قُسَيَّانُ

قُسَيَّانُ:
بضم أوله، وفتح ثانيه، وياء مشددة مثناة من تحت، وألف، وآخره نون: اسم واد، وقيل صحراء، وهو في شعر ابن مقبل قال:
ثم استمرّوا وألقوا بيننا لبسا ... كما تلبّس أخرى النوم بالوسن
شقّت قسيّان وازورّت وما علمت ... من أهل تربان من سوء ومن حسن
كذا ضبطه الأزدي بخطه، قال: قسيّان واد، ووجدت في العقيق موضعا قيل في شعر فجاء بالتخفيف، وهو:
ألا ربّ يوم قد لهوت بقسيان ... ولم يك بالزّمّيلة الورع الواني
فلعلّه غيره أو يكون خفّفه ضرورة أو يكون الأول غلطا.

قُطَيَّاتُ

قُطَيَّاتُ:
جمع تصغير قطاة، وهو من القطو مشية أو حكاية صوت: هضاب لبني جعفر بن كلاب بالحمى حمى ضرية، قال مطير بن أشيم الأسدي:
فجال جأب كسفّود الحديد له ... وسط الأماعز من نقع جنابان
تهوي سنابك رجليه مجنّبة ... في مكرة من صفيح القفّ كذّان
ينتاب ماء قطيّات فأخلفه، ... وكان منهله ماء بحوران
تظلّ فيه بنات الماء طافية ... كأنّ أعينها أشباه خيلان
وقال الأصمعي: قال العامري وقطيّات هضاب لنا وهنّ هضاب حمر ملس بالوضح وضح الحمى متجاورات ينظر بعضهن إلى بعض وهي قلات مياه كعب بن كلاب ومياه بني أبي بكر بن كلاب.

السُّلّانُ

السُّلّانُ:
بضم أوّله، وتشديد ثانيه، وهو فعلان من السّلّ، والنون زائدة، قال اللّيث: السلّان
الأودية، وفي الصحاح: السالّ المسيل الضيق في الوادي، وجمعه سلّان مثل حائر وحوران، وقال الأصمعي: والسّلّان والفلّان بطون من الأرض غامضة ذات شجر، واحدها سالّ، وفي كتاب الجامع: السلّان منابت الطلح، والسليل: بطن من الوادي فيه شجر، قال أبو أحمد العسكري:
يوم السلام، السين مضمومة، يوم بين بني ضبة وبني عامر بن صعصعة طعن فيه ضرار بن عمرو الضبي وأسر حبيش بن دلف، فعل ذلك بهما عامر بن مالك، وفي هذا اليوم سمي ملاعب الأسنّة. ويوم السلان أيضا: قبل هذا بين معدّ ومذحج، وكلب يومئذ معدّيون، وشدها زهير بن جناب الكلبي فقال:
شهدت الموقدين على خزاز ... وفي السّلّان جمعا ذا زهاء
وقال غير أبي أحمد: قيل السلان هي أرض تهامة ممّا يلي اليمن كانت بها وقعة لربيعة على مذحج، قال عمرو بن معدي كرب:
لمن الدّيار بروضة السّلّان ... فالرّقمتين فجانب الصّمّان؟
وقال في الجامع: السلان واد فيه ماء وحلفاء وكان فيه يوم بين حمير ومذحج وهمدان وبين ربيعة ومضر وكانت هذه القبائل من اليمن بالسلّان، وكانت نزار على خزاز، وهو جبل بإزاء السلّان، وهو ممّا بين الحجاز واليمن، والله أعلم.

قُمُّ

قُمُّ:
بالضم، وتشديد الميم، وهي كلمة فارسية:
مدينة تذكر مع قاشان، وطول قم أربع وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلثان، وهي مدينة مستحدثة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها، وأول من مصّرها طلحة بن الأحوص الأشعري، وبها آبار ليس في الأرض مثلها عذوبة وبردا، ويقال إن الثلج ربما خرج منها في الصيف، وأبنيتها بالآجرّ، وفيها سراديب في نهاية الطيب، ومنها إلى الرّي مفازة سبخة فيها رباطات ومناظر ومسالح، وفي وسط هذه المفازة حصن عظيم عاديّ يقال له دير كردشير، ذكر في الديرة، قال الإصطخري: قم مدينة ليس عليها سور وهي خصبة وماؤهم من الآبار وهي ملحة في الأصل فإذا حفروها صيروها واسعة مرتفعة ثم تبنى من قعرها حتى تبلغ ذروة البئر فإذا جاء الشتاء أجروا مياه أوديتهم إلى هذه الآبار وماء الأمطار طول الشتاء فإذا استقوه في الصيف كان عذبا طيبا، وماؤهم للبساتين على السواني، فيها فواكه وأشجار وفستق وبندق، وقال البلاذري: لما انصرف أبو موسى الأشعري من نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثم أتى قم فأقام عليها أياما وافتتحها، وقيل: وجّه الأحنف ابن قيس فافتتحها عنوة، وذلك في سنة 23 للهجرة، وذكر بعضهم أن قمّ بين أصبهان وساوة، وهي كبيرة حسنة طيبة وأهلها كلهم شيعة إمامية، وكان بدء تمصيرها في أيام الحجاج بن يوسف سنة 83، وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس كان أمير سجستان من جهة الحجاج ثم خرج عليه وكان في عسكره سبعة عشر نفسا من علماء التابعين من العراقيين فلما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزما كان في جملته إخوة يقال لهم عبد الله والأحوص وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم وهم بنو سعد بن مالك ابن عامر الأشعري وقعوا إلى ناحية قم وكان هناك سبع قرى اسم إحداها كمندان، فنزل هؤلاء الإخوة على هذه القرى حتى افتتحوها وقتلوا أهلها واستولوا عليها وانتقلوا إليها واستوطنوها واجتمع إليهم بنو عمّهم وصارت السبع قرى سبع محال بها وسميت باسم إحداها وهي كمندان فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قمّا، وكان متقدم هؤلاء الإخوة عبد الله بن سعد وكان له ولد قد ربّي بالكوفة
فانتقل منها إلى قمّ وكان إماميّا فهو الذي نقل التّشيع إلى أهلها فلا يوجد بها سنّيّ قط، ومن ظريف ما يحكى: أنه ولّي عليهم وال وكان سنّيّا متشدّدا فبلغه عنهم أنهم لبغضهم الصحابة الكرام لا يوجد فيهم من اسمه أبو بكر قط ولا عمر، فجمعهم يوما وقال لرؤسائهم: بلغني أنكم تبغضون صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنكم لبغضكم إياهم لا تسمون أولادكم بأسمائهم، وأنا أقسم بالله العظيم لئن لم تجيئوني برجل منكم اسمه أبو بكر أو عمر ويثبت عندي أنه اسمه لأفعلنّ بكم ولأصنعنّ، فاستمهلوه ثلاثة أيام وفتشوا مدينتهم واجتهدوا فلم يروا إلا رجلا صعلوكا حافيا عاريا أحول أقبح خلق الله منظرا اسمه أبو بكر لأن أباه كان غريبا استوطنها فسمّاه بذلك، فجاؤوا به فشتمهم وقال: جئتموني بأقبح خلق الله تتنادرون عليّ! وأمر بصفعهم، فقال له بعض ظرفائهم: أيها الأمير اصنع ما شئت فإن هواء قمّ لا يجيء منه من اسمه أبو بكر أحسن صورة من هذا، فغلبه الضحك وعفا عنهم، وبين قم وساوة اثنا عشر فرسخا ومثله بينها وبين قاشان، ولقاضي قم قال الصاحب بن عبّاد:
أيها القاضي بقم ... قد عزلناك فقم
فكان القاضي يقول إذا سئل عن سبب عزله: أنا معزول السّجع من غير جرم ولا سبب، وقال دعبل بن علي يهجو أهل قمّ:
تلاشى أهل قمّ واضمحلّوا، ... تحلّ المخزيات بحيث حلّوا
وكانوا شيّدوا في الفقر مجدا، ... فلما جاءت الأموال ملّوا
وقال أيضا فيهم:
ظلّت بقمّ مطيّتي يعتادها ... همّان غربتها وبعد المدلج
ما بين علج قد تعرّب فانتمى، ... أو بين آخر معرب مستعلج
وقد نسبوا إليها جماعة من أهل العلم، منهم: أبو الحسن يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي ابن عم الأشعث بن إسحاق بن سعد، روى عن عيسى بن جابر، روى عنه أبو الربيع الزهراني وغيره، وتوفي بقزوين سنة 74، ومنهم أبو الحسن علي بن موسى بن داود، وقيل ابن يزيد القمي صاحب أحكام القرآن وإمام الحنفية في عصره، سمع محمد بن حميد الرازي وغيره، روى عنه أبو الفضل أحمد بن أحيد الكاغدي وغيره، وتوفي سنة 305.

القَيْرَوَان

القَيْرَوَان:
قال الأزهري: القيروان معرّب وهو بالفارسية كاروان، وقد تكلمت به العرب قديما، قال امرؤ القيس:
وغارة ذات قيروان ... كأنّ أسرابها الرّعال
والقيروان في الإقليم الثالث، طولها إحدى وثلاثون درجة، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة: وهذه مدينة عظيمة بإفريقية غبرت دهرا وليس بالغرب مدينة أجلّ منها إلى أن قدمت العرب إفريقية وأخربت البلاد فانتقل أهلها عنها فليس بها اليوم إلا صعلوك لا يطمع فيه، وهي مدينة مصرّت في الإسلام في أيام معاوية، رضي الله عنه، وكان من حديث تمصيرها ما ذكره جماعة كثيرة من أهل السير، قالوا:
عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج الكندي عن إفريقية واقتصر به على ولاية مصر وولى إفريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة، وكان مولده في أيام النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الكلبي: هو عبد الرحمن بن عدي ابن نافع بن قيس القرشي سنة 48، وكان مقيما بنواحي برقة وزويلة منذ ولاية عمرو بن العاص له فجمع إليه من أسلم من البربر وضمهم إلى الجيش الوارد من قبل معاوية، وكان جيش معاوية عشرة آلاف، وسار إلى إفريقية ونازل مدنها فافتتحها عنوة ووضع السيف في أهلها وأسلم على يده خلق من البربر وفشا فيهم دين الله حتى اتّصل ببلاد السودان فجمع عقبة حينئذ أصحابه وقال: إن أهل هذه البلاد قوم لا خلاق لهم، إذا عضّهم السيف أسلموا وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى عادتهم ودينهم، ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأيا، وقد رأيت أن أبني ههنا مدينة يسكنها المسلمون، فاستصوبوا رأيه فجاؤوا إلى موضع القيروان وهي في طرف البرّ وهي أجمة عظيمة وغيضة لا يشقها الحيّات من تشابك أشجارها، وقال: إنما اخترت هذا الموضع لبعده من البحر لئلا تطرقها مراكب الروم فتهلكها وهي في وسط البلاد، ثم أمر أصحابه بالبناء فقالوا: هذه غياض كثيرة السباع والهوام فنخاف على أنفسنا هنا، وكان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان في عسكره من الصحابة وكانوا ثمانية عشر ونادى: أيتها الحشرات والسباع نحن أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فارحلوا عنّا فإنّا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه، فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل، كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل أجراءه والحيّة تحمل أولادها وهم خارجون أسرابا أسرابا فحمل ذلك كثيرا من البربر على الإسلام، ثم اختطّ دارا للإمارة واختطّ الناس حوله وأقاموا بعد ذلك أربعين عاما لا يرون فيها حيّة ولا عقربا، واختطّ جامعها فتحير في قبلته فبقي مهموما فبات ليلة فسمع قائلا يقول: في غد ادخل الجامع فإنك تسمع تكبيرا فاتبعه فأيّ موضع انقطع الصوت فهناك القبلة التي رضيها الله للمسلمين بهذه الأرض، فلما أصبح سمع الصوت ووضع القبلة واقتدى بها بقية المساجد وعمّر الناس المدينة فاستقامت في سنة 55 للهجرة، وقد ذكرت بقية خبر عقبة ومقتله في كتابي المسمّى بالمبدإ والمآل، وكان مقتله في سنة 63 بعد أن فتح جميع بلاد المغرب، وينسب إلى القيروان قيروانيّ وقيرويّ، فمن جملة من ينسب إليها قيروانيّ:
محمد بن أبي بكر عتيق محمد بن أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبيد الله التميمي القيرواني المتكلم الثغري المعروف بابن أبي كدية، درس علم الأصول بالقيروان على أبي عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني وعلى غيره، وكان يذكر أنه سمع أبا عبد الله القضاعي بمصر، قرأ عليه نصر الله بن محمد بصور وكان يقرئ الكلام في النظامية ببغداد وأقام بالعراق إلى أن مات، وكان صلبا في الاعتقاد، ومات ببغداد في ثامن عشر ذي الحجّة سنة 512 ودفن مع أبي الحسن الأشعري في تربته بمشرعة الروايا خارج الكرخ.

دَيرُ مِيمَاسَ

دَيرُ مِيمَاسَ:
بين دمشق وحمص على نهر يقال له ميماس، وإليه نسب، وهو في موضع نزه، وبه شاهد على زعمهم من حواريّي عيسى، عليه السلام، زعم رهبانه أنه يشفي المرضى، وكان البطين الشاعر قد مرض فجاؤوا به إليه يستشفي فيه فقيل إنّ أهله غفلوا عنه فبال قدّام قبر الشاهد، واتفق أن مات عقيب ذلك، فشاع بين أهل حمص أنّ الشاهد قتله وقصدوا الدير ليهدموه وقالوا: نصرانيّ يقتل مسلما لا نرضى! أو تسلموا إلينا عظام الشاهد حتى نحرقها، فرشا النصارى أمير حمص حتى رفع عنهم العامة، فقال شاعر يذكر ذلك:
يا رحمتا لبطين الشعر إذ لعبت ... به شياطينه في دير ميماس
وافاه وهو عليل يرتجي فرجا، ... فردّه ذاك في ظلمات أرماس
وقيل شاهد هذا الدير أتلفه ... حقّا مقالة وسواس وخنّاس
أأعظم باليات ذات مقدرة ... على مضرّة ذي بطش وذي باس!
لكنهم أهل حمص لا عقول لهم، ... بهائم غير معدودين في الناس

سُقَامٌ

سُقَامٌ:
يروى بالضم: اسم واد بالحجاز في شعر أبي خراش الهذلي:
أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلّا السّباع ومرّ الرّيح بالغرف
وقال أبو المنذر: وكانت قريش قد حمت للعزّى شعبا من وادي حراض يقال له سقام يضاهون به حرم الكعبة فجاء به بضم السين، وأنشد لأبي جندب الهذلي ثمّ القردي في امرأة كان يهواها فذكر حلفها له بها:
لقد حلفت جهدا يمينا غليظة ... بفرع التي أحمت فروع سقام
لئن أنت لم ترسل ثيابي فانطلق ... أناديك أخرى عيشنا بكلام
يعزّ عليه صرم أمّ حويرث ... فأمسى يروم الأمر كلّ مرام

كَابُلُ

كَابُلُ:
بضم الباء الموحدة، ولام، وكابل في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب مائة درجة، وعرضها من جهة الجنوب ثمان وعشرون درجة، وقال الإصطخري: الخلج صنف من الأتراك وقعوا في قديم الزمان إلى أرض كابل التي بين الهند ونواحي سجستان في ظهر الغور وهم أصحاب نعم على خلق الأتراك في زيّهم ولسانهم، وكابل: اسم يشمل الناحية ومدينتها العظمى او هند، واجتمعت برجل من عقلاء سجستان ممن دوّخ تلك البلاد وطرقها فذكر لي بالمشاهدة أن كابل ولاية ذات مروج كبيرة بين هند وغزنة، قال: ونسبتها إلى الهند أولى فصحّ عندي، وأما قول ابن الفقيه إنه من ثغور طخارستان فليس ببعيد من الصواب، ولعلّ طخارستان تكون في المثلثة الشرقية منها، قال ابن الفقيه: كابل من ثغور طخارستان، ولها من المدن: وأذان وخواش وخشّك وجزه، قال: وبكابل عود ونارجيل وزعفران وإهليلج لأنها متاخمة للهند، وكان خراجها ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ومن الوصائف ألفا رأس قيمتها ستمائة ألف درهم، غزاها المسلمون في أيام بني مروان وافتتحوها وأهلها مسلمون، قلت: فإن كانت غير الساحلية فجائز، وقال عبيد الله بن قيس الرقيّات:
ولقد غالني شبيب وكانت ... في شبيب مغيلة ومغاله
غلبت أمّه عليه أباه، ... فهو كالكابليّ أشبه خاله
وقال فرعون بن عبد الرحمن يعرف بابن سلكة من بني تميم بن مرّ:
وددت، مخافة الحجاج، أني ... بكابل في اسّت شيطان رجيم
وقال الأعشى وسمّى أهل كابل كابلا:
ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل
كدم الذبيح غريبة ... مما يعتّق أهل بابل
باكرتها حولي ذوو ال ... آكال من بكر بن وائل
ونسب إليها أبو مجاهد علي بن مجاهد الكابلي الرازي، قال البخاري: هو من سبي كابل، حدث عن موسى بن عبيدة الرّبذي ومحمد بن إسحاق وعنبسة، حدث عنه أحمد بن حنبل والصّلت بن مسعود الجحدري وزياد بن أيوب وغيرهم، وأبو الحسن محمد بن الحسين الكابلي، روى عن يزيد بن هارون وابن عيينة وغيرهما، ومات في حدود سنة 205، وأبو عبد الله محمد بن العباس الكابلي، حدث عن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن المعقب وأحمد بن حنبل، روى عنه أبو عبد الله محمد بن مخلد الدّوري وقال: توفي في رجب سنة 271.

كُرَاش

كُرَاش:
بالضم، وآخره شين معجمة، أظنه مأخوذا من الكرش وهو من نبات الرياض والقيعان أنجع مربع وأمرؤه تسمن عليه الإبل وتغزر: وهو اسم جبل لهذيل، وقيل ماء بنجد لبني دهمان، قال أبو بثينة بن أبي زنيم يخاطب سارية بن زنيم فقال:
أسارية الذي تهدى إلينا ... قصائده ولم يعلم خليلي
فهل تأوي إلى المنحاة؟ إنّي ... أخاف عليك معتلج السيول
متى ما تبلهم يوما تجدهم ... على ما ناب شرّ بني الذبيل
وأوفى وسط قرن كراش داع ... فجاؤوا مثل أفواج الحسيل

سَرِفٌ

سَرِفٌ:
بفتح أوّله، وكسر ثانيه، وآخره فاء، قال أبو عبيد: السّرف الجاهل، وأنشد لطرفة بن العبد:
إنّ امرأ سرف الفؤاد يرى، ... عسلا بماء سحابة، شتمي
وهو موضع على ستّة أميال من مكّة، وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر، تزوّج به رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها وهناك توفّيت، وفيه قال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
لم تكلّم، بالجلهتين، الرّسوم! ... حادث عهد أهلها أم قديم؟
سرف منزل لسلمة، فالظّه ... ران منّا منازل، فالقصيم
قال القاضي عياض: وأمّا الذي حمى فيه عمر، رضي الله عنه، فجاء فيه أنّه حمى السرف والربذة، كذا عند البخاري بالسين المهملة، وفي موطّإ ابن وهب الشرف، بالشين المعجمة وفتح الراء، وكذا رواه بعض رواة البخاري وأصلحه وهذا الصواب، وأمّا سرف فلا يدخله الألف واللام، وقال الحربي في تفسير الحديث: ما أحبّ أن أنفخ في الصلاة وإن لي ممر الشرف، بالشين المعجمة، كذا ضبطه وقال: خصّه بجودة نعمه، والله أعلم.

كِرْمَانُ

كِرْمَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، وربما كسرت والفتح أشهر بالصحة، وكرمان في الإقليم الرابع، طولها تسعون درجة، وعرضها ثلاثون درجة:
وهي ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقيّها مكران ومفازة ما بين مكران والبحر من وراء البلوص، وغربيّها أرض فارس، وشماليّها مفازة خراسان، وجنوبيّها بحر فارس، ولها في حدّ السيرجان دخلة في حد فارس مثل الكمّ وفيما يلي البحر تقويس، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي والضرع تشبّه بالبصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات، قال محمد بن أحمد البنّاء البشاري: كرمان إقليم يشاكل فارس في أوصاف ويشابه البصرة في أسباب ويقارب خراسان في أنواع لأنه قد تاخم البحر واجتمع فيه البرد والحرّ والجوز والنخل وكثرت فيه التمور والأرطاب والأشجار والثمار، ومن مدنه المشهورة جيرفت وموقان وخبيص وبمّ والسيرجان ونرماسير وبردسير وغير ذلك، وبها يكون التوتيا ويحمل إلى جميع البلاد، وأهلها أخيار أهل سنّة وجماعة وخير وصلاح إلا أنها قد تشعثت بقاعها واستوحشت معاملها وخربت أكثر بلادها لاختلاف الأيدي عليها وجور السلطان بها لأنها منذ زمن طويل خلت من سلطان يقيم بها إنما يتولّاها الولاة فيجمعون أموالها ويحملونها إلى خراسان، وكل ناحية أنفقت أموالها في غيرها خربت إنما تعمر البلدان بسكنى السلطان، وقد كانت في أيام السلجوقية والملوك القارونية من أعمر البلدان وأطيبها ينتابها الركبان ويقصدها كل بكر وعوان، قال ابن الكلبي:
سميت كرمان بكرمان بن فلوج بن لنطي بن يافث ابن نوح، عليه السّلام، وقال غيره: إنما سميت بكرمان بن فارك بن سام بن نوح، عليه السّلام، لأنه نزلها لما تبلبلت الألسن واستوطنها فسميت به، وقال ابن الفقيه: يقال إن بعض ملوك الفرس أخذ قوما فلاسفة فحبسهم وقال: لا يدخل عليهم إلا الخبز وحده، وخيروهم في أدم واحد فاختاروا الأترج، فقيل لهم: كيف اخترتموه دون غيره؟ فقالوا: لأن قشره الظاهر مشموم وداخله فاكهة وحمّاضه أدم وحبه دهن، فأمر بهم فأسكنوا كرمان، وكان ماؤها في آبار لا يخرج إلا من خمسين ذراعا، فهندسوه حتى أظهروه على وجه الأرض ثم غرسوا بها الأشجار فالتفّت كرمان كلها بالشجر فعرف الملك ذلك فقال: أسكنوهم الجبال، فأسكنوها فعملوا الفوّارات وأظهروا الماء على رؤوس الجبال، فقال الملك: اسجنوهم، فعملوا في السجن الكيمياء وقالوا: هذا علم لا نخرجه إلى أحد، وعملوا منه ما علموا أنه يكفيهم مدة أعمارهم ثم أحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيمياء، وقد ذكر في بعض كتب الخراج عن بعض كتّاب الفرس أن الأكاسرة كانت تجبي السواد مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم سوى ثلاثين ألف ألف من الوضائع لموائد الملوك، وكانوا يجبون فارس أربعين ألف ألف، وكانوا يجبون كرمان ستين ألف ألف درهم لسعتها وهي مائة وثمانون فرسخا في مثلها، وكانت كلها عامرة وبلغ من عمارتها
أن القناة كانت تجري من مسيرة خمس ليال، وكانت ذات أشجار وعيون وقنيّ وأنهار، ومن شيراز إلى السيرجان مدينة كرمان أربعة وستون فرسخا وهي خمسة وأربعون منبرا كبار وصغار، وأما في أيامنا هذه فقصبتها وأشهر مدنها جواشير، ويقال كواشير، وهي بردسير، وأما فتحها فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولّى عثمان بن العاص البحرين فعبر البحر إلى أرض فارس ففتحها ولقي مرزبان كرمان في جزيرة بركاوان فقتله فوهى أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم، فلما سار ابن عامر إلى فارس في أيام عثمان بن عفّان أنفذ مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد، فهلك جيشه بميمند من مدن كرمان، وقيل من رساتيق فارس، ثم لما توجه ابن عامر إلى خراسان ولّى مجاشعا كرمان ففتح ميمند واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا بذلك، وله بها قصر يعرف بقصر مجاشع، ثم فتح مجاشع بروخروه ثم أتي السيرجان مدينة كرمان فتحصن أهلها منه ففتحها عنوة، وقد كان أبو موسى الأشعري وجّه الربيع ابن زياد الحارثي ففتح ما حول السيرجان وصالح أهل بمّ والأندغان ثم نكث أهلها فافتتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوّخها وأتى القفص وقد اجتمع إليه خلق ممن جلا من الأعاجم فواقعهم وظفر عليهم فهربت جماعة من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بسجستان ومكران فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم فعمّروها وأدّوا العشر فيها واحتفروا القنيّ في مواضعها، فعند ذلك قال حمير السعدي:
أيا شجرات الكرم لا زال وابل ... عليكنّ منهلّ الغمام مطير
سقيتنّ ما دامت بنجد وشيجة، ... ولا زال يسعى بينكنّ غدير
ألا حبّذا الماء الذي قابل الحمى ... ومرتبع من أهلنا ومصير
وأيامنا بالمالكية، إنّني ... لهنّ على العهد القديم ذكور
ويا نخلات الكرخ لا زال ماطر ... عليكنّ مستنّ السحاب درور
سقيتنّ ما دامت بكرمان نخلة ... عوامر تجري بينهنّ نهور
لقد كنت ذا قرب فأصبحت نازحا ... بكرمان ملقى بينهنّ أدور
وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق بن عبد الله بن شدّاد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال الهلالي فارس وكرمان، وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على عبوره فقال: من جازه فله ألف درهم، فجازوه فوفى لهم، وكان ذلك أوّل يوم سميت الجائزة جائزة، وقال الجحّاف بن حكيم:
فدى للأكرمين بني هلال ... على علّاتهم أهلي ومالي
هم سنّوا الجوائز في معدّ ... فصارت سنّة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر حين تختلف العوالي
وكرمان أيضا: مدينة بين غزنة وبلاد الهند وهي من أعمال غزنة: بينهما أربعة أيام أو نحوها، وبنيسابور محلة يقال لها مربّعة الكرمانية، ينسب إليها أبو يوسف يعقوب بن يوسف الكرماني النيسابوري الشيباني الفقيه
الحافظ المعروف بابن الأخرم، أطال المقام بمصر وكان بينه وبين المزني مكاتبة، سمع إسحاق بن راهويه وقتيبة ابن سعيد ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم، وسمع بالعراق والشام وخراسان والجزيرة ومصر، روى عنه أبو حامد ابن الشرقي وعلي بن جمشاد العدل، توفي سنة 287.

سَاوَهْ

سَاوَهْ:
بعد الألف واو مفتوحة بعدها هاء ساكنة:
مدينة حسنة بين الري وهمذان في وسط، بينها وبين كل واحد من همذان والري ثلاثون فرسخا، وبقربها مدينة يقال لها آوه، فساوه سنّيّة شافعية، وآوه أهلها شيعة إمامية، وبينهما نحو فرسخين، ولا يزال يقع بينهما عصبية، وما زالتا معمورتين إلى سنة 617 فجاءها التتر الكفار الترك فخبّرت أنهم خربوها وقتلوا كل من فيها ولم يتركوا أحدا البتة، وكان بها دار كتب لم يكن في الدنيا أعظم منها بلغني أنهم أحرقوها، وأمّا طول ساوه فسبع وسبعون درجة ونصف وثلث وعرضها خمس وثلاثون درجة، وفي حديث سطيح في أعلام النبوة: وخمدت نار فارس وغارت بحيرة ساوه وفاض وادي سماوة فليست الشام لسطيح شاما، في كلام طويل، وقد ذكرها أبو عبد الله محمد بن خليفة السّنبسي شاعر سيف الدولة بن مزيد فقال:
ألا يا حمام الدّوح دوح نجارة، ... أفق عن أذى النّجوى فقد هجت لي ذكرا
علام يندّيك الحنين ولم تضع ... فراخا ولم تفقد، على بعد، وكرا
ودوحك ميّال الفروع كأنّما ... يقلّ على أعواده خيما خضرا
ولم تدر ما أعلام مرو وساوة، ... ولم تمس في جيحون تلتمس العبرا
والنسبة إلى ساوه ساويّ وساوجيّ، وقد نسب إليها طائفة من أهل العلم، منهم: أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل بن يوسف الساوي، رحل وسمع بدمشق وغيرها، سكن مرو وسمع أبا علي الحظائري وإسماعيل بن محمد أبا علي الصفار وأبا جعفر محمد بن عمرو بن البحتري وأبا عمرو الزاهد وأبا العباس المحبوبي الرّزّاز وخيثمة بن سليمان، سمع منه الحاكم أبو عبد الله، ومات سنة 346، وأبو طاهر عبد الرحمن ابن أحمد بن علك الساوي أحد الأئمة الشافعية، صحب أبا محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي وأخذ عنه علم الحديث وسمع جماعة طاهرة وافرة ببغداد وروى عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل
الحافظ وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي ابن محمد الأسفراييني، وتوفي ببغداد سنة 484 أو 485، وعبد الله بن محمد بن عبد الجليل القاضي، وكان أبوه وجدّه من الأعلام.

رَوْضَةُ السُّلّانِ

رَوْضَةُ السُّلّانِ:
بالضم: جبل بإزاء خزاز كانت فيه وقائع للعرب، وقد ذكر في السّلّان بأتمّ من هذا، قال عمرو بن معذي كرب الزبيدي، ويروى للنجاشي الحارثي:
لمن الدّيار بروضة السّلّان، ... فالرقمتين فجانب الصّمّان؟
وقال الأفوه:
وبروضة السّلّان منها مشهد، ... والخيل شاحية وقد عظم الثّبى

الكَعْبَةُ

الكَعْبَةُ:
بيت الله الحرام، قال ابن عباس: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات بعث ريحا فصفقت الماء فأبرزت عن خسفة في موضع البيت كأنها قبّة فدحا الأرض من تحتها فمادت فأوتدها بالجبال، الخسفة واحدة الخسف: تنبت في البحر نباتا، وقد جاء في الأخبار: أن أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرّة الأرض ووسط الدنيا وأمّ القرى أولها الكعبة وبكّة حول مكة وحول مكة الحرم وحول الحرم الدنيا، وحدث أبو العباس القاضي أحمد ابن أبي أحمد الطبري حدثني المفضّل بن محمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين ابن إبراهيم ومحمد بن جبير الهاشمي قال: حدثني حمزة بن عتبة عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: إن أول خلق هذا البيت أن الله عز وجل قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، ثم غضب عليهم فأعرض عنهم فطافوا بعرش الله سبعا كما يطوف الناس بالبيت الحرام وبقوا يسترضونه من غضبه يقولون: لبيك اللهم لبيك ربنا معذرة إليك نستغفرك ونتوب إليك، فرضي عنهم وأوحى إليهم أن ابنوا لي في الأرض بيتا يطوف به من عبادي من
أغضب عليه فأرضى عنه كما رضيت عنكم، قال أبو الحسين: ثم أقبل عليّ حمزة بن عتبة الهاشمي فقال:
يا ابن أخي لقد حدثتك والله حديثا لو ركبت فيه إلى العراق لكنت قد اعتفت، وأما صفته فذكر البشّاري وقال: هو في وسط المسجد الحرام مربع الشكل بابه مرتفع عن الأرض نحو قامة عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة قد طليت بالذهب مقابلا للمشرق، وطول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعا، وعرضه ثلاثمائة وخمسة عشر ذراعا، وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعا وشبر، وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعا وشبر، وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعا، وذرع الطواف مائة ذراع وسبعة أذرع، وسمكها في السماء سبعة وعشرون ذراعا، والحجر من قبل الشام فيه يقلب الميزاب شبه الأندر قد ألبست حيطانه بالرخام مع أرضه ارتفاعها حقو ويسمونه الحطيم، والطواف من ورائه ولا يجوز الصلاة إليه، والحجر الأسود على الركن الشرقي عند الباب على لسان الزاوية في مقدار رأس الإنسان ينحني إليه من قبّله يسيرا، وقبة زمزم تقابل الباب والطواف بينهما ومن ورائهما قبة الشراب فيها حوض كان يسقى فيه السويق والسكر قديما، ومقام إبراهيم، عليه السلام، بإزاء وسط البيت الذي فيه الباب وهو أقرب إلى البيت من زمزم يدخل في الطواف أيام الموسم، عليه صندوق حديد طوله أكثر من قامة مكسوّ ويرفع المقام في كل موسم إلى البيت فإذا ردّ جعل عليه صندوق خشب له باب يفتح أوقات الصلاة فإذا سلّم الإمام استلمه ثم أغلق الباب، وفيه أثر قدم إبراهيم، عليه السّلام، مخالفة، وهو أسود وأكبر من الحجر الأسود، وقد فرش الطواف بالرمل والمسجد بالحصى وأدير على صحنه أروقة ثلاثة على أعمدة رخام حملها المهدي من الإسكندرية في البحر إلى جدّة، قال وهب بن منبّه: لما أهبط الله عز وجل آدم، عليه السّلام، من الجنة إلى الأرض حزن واشتدّ بكاؤه عليها فعزّاه الله بخيمة من خيامها فجعلها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وكانت ياقوتة حمراء، وقيل درّة مجوّفة من جوهر الجنة فيها قناديل من ذهب، ونزل معها الركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء وكان كرسيّا لآدم، فلما كان في زمن الطوفان رفع ومكثت الأرض خرابا ألفي سنة أعني موضع البيت حتى أمر الله نبيّه إبراهيم أن يبنيه فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم فبنى هو وإسماعيل البيت على ما ظلّلته ولم يجعلا له سقفا وحرس الله آدم والبيت بالملائكة، فالحرم مقام الملائكة يومئذ، وقد روي أن خيمة آدم لم تزل منصوبة في مكان البيت إلى أن قبض فلما قبض رفعت فبنى بنوه في موضعها بيتا من الطين والحجارة ثم نسفه الغرق فغيّر مكانه حتى بعث الله إبراهيم، عليه السّلام، فحفر قواعده وبناه على ظل الغمامة، فهو أول بيت وضع للناس كما قال الله عز وجل، وكان الناس قبله يحجون إلى مكة وإلى موضع البيت حتى بوّأ الله مكانه لإبراهيم لما أراد الله من عمارته وإظهاره دينه وشعائره فلم يزل البيت منذ أهبط آدم إلى الأرض معظّما محرّما تناسخه الأمم والملل أمّة بعد أمّة وملة بعد ملة، وكانت الملائكة تحجه قبل آدم، فلما أراد إبراهيم بناءه عرج به إلى السماء فنظر إلى مشارق الأرض ومغاربها وقيل له اختر، فاختار موضع مكة، فقالت الملائكة: يا خليل الله اخترت موضع مكة وحرم الله في الأرض، فبناه وجعل أساسه من سبعة أجبل، ويقال من خمسة أو من أربعة، وكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم
من تلك الجبال، وروي عن مجاهد أنّه قال: أسّس إبراهيم زوايا البيت من أربعة أحجار: حجر من حراء وحجر من ثبير وحجر من طور وحجر من الجودي الذي بأرض الموصل وهو الذي استقرّت عليه سفينة نوح، وروي أن قواعده خلقت قبل الأرض بألفي سنة ثمّ بسطت الأرض من تحت الكعبة، وعن قتادة: بنيت الكعبة من خمسة جبال من طور سيناء وطور زيتا وأحد ولبنان وثبير وجعلت قواعدها من حراء وجعل إبراهيم طولها في السماء سبعة أذرع وعرضها في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا من الركن الأسود إلى الركن الشمالي الذي عنده الحجر، وجعل ما بين الركن الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر اثنين وثلاثين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن العراقي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا، وجعل عرض شقّها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، ولذلك سميت الكعبة لأنّها مكعبة على خلق الكعب، وقيل: التكعيب التربيع، وكلّ بناء مربع كعبة، وقيل: سميت لارتفاع بنائها، وكلّ بناء مرتفع فهو كعبة، ومنه كعب ثدي الجارية إذا علا في صدرها وارتفع، وجعل بابها في الأرض غير مبوّب حتى كان تبّع الحميري هو الذي بوّبها وجعل عليها غلقا فارسيّا وكساها كسوة تامة، ولما فرغ إبراهيم من البناء أتاه جبرائيل، عليه السّلام، فقال له: طف، فطاف هو وإسماعيل سبعا يستلمان الأركان، فلمّا أكملا صلّيا خلف المقام ركعتين وقام معه جبرائيل وأراه المناسك كلّها الصّفا والمروة ومنى ومزدلفة، فلمّا دخل منى وهبط من العقبة مثل له إبليس عند جمرة العقبة فقال له جبرائيل: ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه ثمّ برز له عند الجمرة الوسطى، فقال له جبرائيل: ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه ثمّ برز له عند الجمرة السفلى، فقال له جبرائيل:
ارمه، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الخذف ثم مضى وجبرائيل يعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفات، فقال له: أعرفت مناسكك؟ فقال له إبراهيم: نعم، فسميت عرفات لذلك، ثمّ أمره أن يؤذن في المسلمين بالحج، فقال: يا ربّ وما يبلغ من صوتي! فقال الله عزّ وجل: أذّن وعليّ البلاغ، فعلا على المقام فأشرف به حتى صار أعلى الجبال وأشرفها وجمعت له الأرض يومئذ سهلها وجبلها وبرّها وبحرها وجنها وإنسها حتى أسمعهم جميعا وقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى بيت الله الحرام فأجيبوا ربكم فمن أجابه ولبّاه فلا بدّ له من أن يحجّ ومن لم يجبه لا سبيل له إلى ذلك، وخصائص الكعبة كثيرة وفضائلها لا تحصى ولا يسع كتابنا إحصاء الفضائل، وليست أمّة في الأرض إلّا وهم يعظّمون ذلك البيت ويعترفون بقدمه وفضله وأنّه من بناء إبراهيم حتى اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وقد قيل إن زمزم سميت بزمزمة اليهود والمجوس، فأما الصابئون فهو بيت عبادتهم لا يفخرون إلّا به ولا يتعبّدون إلّا بفضله، قالوا: وبقيت الكعبة على ما هي عليه غير مسقفة فكان أوّل من كساها تبّع لما أتى به مالك بن العجلان إلى يثرب وقتل اليهود، في قصة ذكرتها في كتابي المسمى بالمبدإ والمآل في التاريخ، فمرّ بمكّة فأخبر بفضلها وشرفها فكساها الخصف، وهي حصر من خوص النخل، ثم رأى في المنام أن اكسها أحسن من هذا، فكساها الأنطاع، فرأى في المنام أن اكسها أحسن من ذلك، فكساها المعافر والوصائل، والمعافر: ثياب يمانية تنسب إلى قبيلة من همدان يقال لهم المعافر، اسم الثياب والقبيلة والموضع الذي تعمل فيه واحد، وربّما قيل لها المعافرية، وثوب
معافري يتصرّف في النسبة ولا يتصرّف في المفرد لأنّه على زنة الجمع ثالثة ألف، ونسب إلى الجمع لأنّه صار بمنزلة المفرد سمي به مفرد، وكان أوّل من حلّى البيت عبد المطّلب لما حفر بئر زمزم وأصاب فيه من دفن جرهم غزالين من ذهب فضربهما في باب الكعبة، فلمّا قام الإسلام كساها عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، القباطي ثم كساها الحجاج الديباج الخسرواني، ويقال يزيد بن معاوية، وبقيت على هيئتها من عمارة إبراهيم، عليه السّلام، إلى أن بلغ نبينا، صلّى الله عليه وسلّم، خمسا وثلاثين سنة من عمره جاء سيل عظيم فهدمها وكان في جوفها بئر تحرز فيها أموالها وما يهدى إليها من النذور والقربان فسرق رجل يقال له دويك ما كان فيها أو بعضه فقطعت قريش يده واجتمعوا وتشاوروا وأجمعوا على عمارتها، وكان البحر رمى بسفينة بجدّة فتحطّمت فأخذوا خشبها فاستعانوا به على عمارتها، وكان بمكّة رجل قبطيّ نجار فسوّى لهم ذلك وبنوها ثمانية عشر ذراعا، فلمّا انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كلّ قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه، وتفاقم الأمر بينهم حتى تواعدوا للقتال، ثمّ تحاجزوا وتناصفوا على أن يجعلوا بينهم أول طالع يطلع من باب المسجد يقضي، فخرج عليهم النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فاحتكموا إليه فقال: هلمّوا ثوبا، فأتي به فوضع الركن فيه ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثمّ ليرفعوا، حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، الحجر بيده فوضعه في الركن، فرضوا بذلك وانتهوا عن الشرور، ورفعوا بابها عن الأرض مخافة السيل وأن لا يدخل فيها إلّا من أحبّوا، وبقوا على ذلك إلى أيّام عبد الله بن الزبير فحدّثته عائشة، رضي الله عنها، قالت: سألت النبيّ، صلى الله عليه وسلّم، عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قالت: قلت فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال:
إنّ قومك قصّرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا قومك حديثو عهد في الإسلام فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض، فأدخل ابن الزبير عشرة مشايخ من الصحابة حتى سمعوا ذلك منها ثمّ أمر بهدم الكعبة، فاجتمع إليه الناس وأبوا ذلك فأبى إلّا هدمها، فخرج الناس إلى فرسخ خوفا من نزول عذاب وعظم ذلك عليهم ولم يجر إلّا الخير، وذكر ابن القاضي عن مجاهد قال: لما أراد ابن الزبير أن يهدم البيت ويبنيه قال للناس: اهدموا، فأبوا وخافوا أن ينزل العذاب عليهم، قال مجاهد:
فخرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم البيت، فلمّا رأوا أنّه لم يصبه شيء اجترؤوا على هدمه وبناها على ما حكت عائشة وتراجع الناس، فلمّا قدم الحجّاج تحرّم ابن الزبير بالكعبة فأمر بوضع المنجنيق على أبي قبيس وقال: ارموا الزيادة التي ابتدعها هذا المتكلّف، فرموا موضع الحطيم، فلمّا قتل ابن الزبير وملك الحجاج ردّ الحائط كما كان قديما وأخذ بقية الأحجار فسدّ منها الباب الغربي ورصف بقيتها في البيت حتى لا تضيع، فهي إلى الآن على ذلك، وقال تبّع لما كسا البيت:
وكسونا البيت الذي حرّم اللّ ... هـ ملاء معضّدا وبرودا
وأقمنا به من الشهر عشرا، ... وجعلنا لبابه إقليدا
وخرجنا منه نؤمّ سهيلا ... قد رفعنا لواءنا المعقودا
ويقال إنّ أوّل من كساه الديباج يزيد بن معاوية، ويقال عبد الله بن الزبير، ويقال عبد الملك بن مروان، وأوّل من خلّق الكعبة عبد الله بن الزبير، وقال ابن جريج: معاوية أوّل من طيّب الكعبة بالخلوق والمجمر وإحراق الزيت بقناديل المسجد من بيت مال المسلمين، ويروى عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنّه قال: خلق الله البيت قبل الأرض بأربعين عاما وكان غثاءة على الماء، وقال مجاهد في قوله تعالى:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً 2: 125، قال: يثوبون إليه ويرجعون ولا يقضون منه وطرا، وفي قوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ 14: 37، قال:
لو قال أفئدة الناس لازدحمت فارس والروم عليه.

فَدَكُ

فَدَكُ:
بالتحريك، وآخره كاف، قال ابن دريد:
فدّكت القطن تفديكا إذا نفشته، وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيها عين فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة، رضي الله عنها: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نحلنيها، فقال أبو بكر، رضي الله عنه:
أريد لذلك شهودا، ولها قصة، ثم أدى اجتهاد عمر ابن الخطاب بعده لما ولي الخلافة وفتحت الفتوح واتسعت على المسلمين أن يردّها إلى ورثة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فكان علي بن أبي طالب، رضي
الله عنه، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها، فكان عليّ يقول: إن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول:
هي ملك لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى عمر، رضي الله عنه، فيأبى أن يحكم بينهما ويقول: أنتما أعرف بشأنكما أما أنا فقد سلمتها إليكما فاقتصدا فيما يؤتى واحد منكما من قلة معرفة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة، رضي الله عنها، فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفّاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فكان هو القيّم عليها يفرّقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها فأمر أن يسجّل لهم بها، فكتب السجلّ وقرئ على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا ... بردّ مأمون هاشم فدكا
وفي فدك اختلاف كثير في أمره بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وآل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن رواة خبرها من رواه بحسب الأهواء وشدة المراء، وأصح ما ورد عندي في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذري في كتاب الفتوح له فانه قال: بعث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بعد منصرفه من خيبر إلى أرض فدك محيّصة بن مسعود ورئيس فدك يومئذ يوشع بن نون اليهودي يدعوهم إلى الإسلام فوجدهم مرعوبين خائفين لما بلغهم من أخذ خيبر فصالحوه على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم وأمضاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصار خالصا له، صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكان يصرف ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ولم يزل أهلها بها حتى أجلى عمر، رضي الله عنه، اليهود فوجّه إليهم من قوّم نصف التربة بقيمة عدل فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام، وكان لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت فاطمة، رضي الله عنها، لأبي بكر، رضي الله عنه: إن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، جعل لي فدك فأعطني إياها، وشهد لها علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن مولاة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت، وروي عن أمّ هانئ أن فاطمة أتت أبا بكر، رضي الله عنه، فقالت له: من يرثك؟ فقال: ولدي وأهلي، فقالت له: فما بالك ورثت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، دوننا؟ فقال: يا بنت رسول الله ما ورثت ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا ولا كذا، فقالت: سهمنا بخيبر وصدقتنا بفدك! فقال: يا بنت رسول الله سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: إنما هي طعمة أطعمنيها الله تعالى حياتي فإذا متّ فهي بين المسلمين. وعن عروة بن الزبير: أن أزواج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألن مواريثهن من سهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما هذا المال لآل
محمد لنائبتهم وضيفهم فإذا متّ فهو إلى والي الأمر من بعدي، فأمسكن، فلما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وقصّ قصة فدك وخلوصها لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه كان ينفق منها ويضع فضلها في أبناء السبيل، وذكر أن فاطمة سألته أن يهبها لها فأبى وقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك، وكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل، وإنه، عليه الصلاة والسلام، لما قبض فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ مثله، فلما ولي معاوية أقطعها مروان بن الحكم، وإن مروان وهبها لعبد العزيز ولعبد الملك ابنيه ثم إنها صارت لي وللوليد وسليمان، وإنه لما ولي الوليد سألته فوهبها لي وسألت سليمان حصته فوهبها لي أيضا فاستجمعتها، وإنه ما كان لي مال أحبّ إليّ منها، وإنني أشهدكم أنني رددتها على ما كانت عليه في أيام النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فكان يأخذ مالها هو ومن بعده فيخرجه في أبناء السبيل، فلما كانت سنة 210 أمر المأمون بدفعها إلى ولد فاطمة وكتب إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة أنه كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أعطى ابنته فاطمة، رضي الله عنها، فدك وتصدّق عليها بها وأن ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عند آله، عليه الصلاة والسلام، ثم لم تزل فاطمة تدعي منه بما هي أولى من صدّق عليه، وأنه قد رأى ردّها إلى ورثتها وتسليمها إلى محمد بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، ليقوما بها لأهلهما، فلما استخلف جعفر المتوكل ردّها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز ومن بعده من الخلفاء، وقال الزجاجي: سميت بفدك ابن حام وكان أول من نزلها، وقد ذكر غير ذلك وهو في ترجمة أجإ، وينسب إليها أبو عبد الله محمد بن صدقة الفدكي، سمع مالك بن أنس، روى عنه إبراهيم بن المنذر الحزامي وكان مدنّسا، وقال زهير:
لئن حللت بجوّ في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
ليأتينّك منّي منطق قذع ... باق كما دنّس القبطيّة الودك

فَجُّ حَيْوَةَ

فَجُّ حَيْوَةَ:
فجّ، بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وحيوة، بفتح الحاء، وسكون الياء، وفتح الواو، والفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين، وجمعه فجاج ثم كلّ طريق فجّ، والفجّ: الذي لم يبلغ من
البطيخ والفواكه وغيرها، وأما حيوة فشاذ في بابه لأن الياء والواو إذا التقتا وسبقت إحداهما بالسكون وجب إدغامها وأظهرت ههنا لئلا يلتبس بالحية، وحيوة: اسم رجل، وفجّ حيوة: موضع بالأندلس من أعمال طليطلة.

سَلْعٌ

سَلْعٌ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، السّلوع: شقوق في الجبال، واحدها سلع وسلع، وقال أبو زياد:
الأسلاع طرق في الجبال يسمّى الواحد منها سلعا، وهو أن يصعد الإنسان في الشعب وهو بين الجبلين يبلغ أعلى الوادي ثمّ يمضي فيسند في الجبل حتى يطلع فيشرف على واد آخر يفصل بينهما هذا المسند الذي سند فيه ثمّ ينحدر حينئذ في الوادي الآخر حتى يخرج من الجبل منحدرا في فضاء الأرض فذاك الرأس الذي أشرف من الواديين السلع ولا يعلوه إلّا راجل.
وسلع: جبل بسوق المدينة، قال الأزهري:
سلع موضع بقرب المدينة. وسلع أيضا: حصن بوادي موسى، عليه السلام، بقرب البيت المقدس،
حدث أبو بكر بن دريد عن الثوري عن الأصمعي قال: غنّت حبّابة جارية يزيد بن عبد الملك وكانت من أحسن الناس وجها ومسموعا وكان شديد الكلف بها وكان منشؤها المدينة:
لعمرك إنّني لأحبّ سلعا ... لرؤيته ومن أكناف سلع
تقرّ بقربه عيني، وإنّي ... لأخشى أن يكون يريد فجعي
حلفت بربّ مكّة والمصلّى ... وأيدي السابحات غداة جمع
لأنت على التنائي، فاعلميه، ... أحبّ إليّ من بصري وسمعي
والشعر لقيس بن ذريح، ثمّ تنفّست الصّعداء، فقال لها: لم تتنفّسين؟ والله لو أردته لقلعته إليك حجرا حجرا، فقالت: وما أصنع به إنّما أردت ساكنيه، وقال ابن السلماني: وكان إبراهيم بن عربي والي اليمامة قبض عليه وحمل إلى المدينة مأسورا فلمّا مرّ بسلع قال:
لعمرك إنّي يوم سلع للائم ... لنفسي، ولكن ما يردّ التلوّم؟
أأمكنت من نفسي عدوّي ضلّة ... ألهفا على ما فات لو كنت أعلم
لو انّ صدور الأمر يبدون للفتى ... كأعقابه لم تلفه يتندّم
لعمري لقد كانت فجاج عريضة، ... وليل سخاميّ الجناحين مظلم
إذ الأرض لم تجهل عليّ فروجها ... وإذ لي من دار المذلّة مرغم

وسَلْعٌ:
جبل في ديار هذيل، قال البريق الهذلي:
سقى الرّحمن حزم ينابعات ... من الجوزاء أنواء غزارا
بمرتجز كأنّ على ذراه ... ركاب الشام يحملن البهارا
يحطّ العصم من أكناف شعر، ... ولم يترك بذي سلع حمارا
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.