Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: عانة

حامِرٌ

حامِرٌ:
آخره راء: ناحية بين منبج والرّقّة على شط الفرات، قال الأخطل:
وما مزبد يعلو جلاميد حامر، ... يشقّ إليها خيزرانا وغرقدا
تحرّز منه أهل عانة، بعد ما ... كساسورها الأعلى غثاء منضّدا
بأجود سيبا من يزيد، إذا بدت ... لنا بخته يحملن ملكا وسوددا
وحامر أيضا: واد بالسّماوة من ناحية الشام لبني
زهير بن جناب من كلب وفيه حيّات كثيرة، قال النابغة:
فأهلي فداء لامرئ، إن أتيته ... تقبّل معروفي وسدّ المفاقرا
سأكعم كلبي أن يريبك نبحه، ... وإن كنت أرعى مسحلان وحامرا
قال ابن السكيت في شرحه: مسحلان وحامر واديان بالشام. وحامر أيضا: واد من وراء يبرين في رمال بني سعد زعموا أنه لا يوصل إليه. وحامر أيضا: موضع في ديار غطفان عند أرل من الشّربّة، ولا أدري أيهما أراد امرؤ القيس بقوله:
أحار ترى برقا أريك وميضه، ... كلمع اليدين في حبيّ مكلّل
قعدت له وصحبتي بين حامر ... وبين إكام بعد ما متأمّل

بضَاعَةُ

بضَاعَةُ:
بالضم وقد كسره بعضهم، والأول أكثر:
وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة، فيها أفتى النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن الماء طهور ما لم يتغير، وبها مال لأهل المدينة من أموالهم، وفي كتاب البخاري تفسير القعنبي: لبضاعة نخل بالمدينة، وفي الخبر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أتى بئر بضاعة فتوضأ من الدّلو وردّها إلى البئر وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في أيامه
يقول: اغسلوني من ماء بضاعة، فيغسل فكأنما أنشط من عقال، وقالت أسماء بنت أبي بكر: كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون، وقال أبو الحسن الماوردي في كتاب الحاوي من تصنيفه: ومن الدليل على أبي حنيفة ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن سفيط بن أبي أيوب عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قيل له: إنك تتوضّأ من بئر بضاعة وهي تطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينحّي الناس، فقال: الماء لا ينجّسه شيء، فلم يجعل لاختلاط النجاسة بالماء تأثيرا في نجاسته، وهذا نصّ يدفع قول أبي حنيفة، اعترضوا على هذا الحديث بسؤالين، أحدهما: أن بئر بضاعة عين جارية إلى بساتين يشرب منها والماء الجاري لا تثبت فيه النجاسة، والجواب عنه: أن بئر بضاعة أشهر حالا من ان يعترضوا عليها بهذا السؤال، وهي بئر في بني ساعدة، قال أبو داود في سننه: قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضه ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي البستان فأدخلني إليها: هل غيّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماء متغيّر اللون، ومعلوم أن الماء الجاري لا يبقى متغير اللون، قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيّم بئر بضاعة عن عمقها فقال:
أكثر ما يكون الماء فيها إلى الــعانة، قلت: إذا نقص؟ قال: دون العورة، والسؤال الثاني أن قالوا:
لا يجوز أن يضاف إلى الصحابة أن يلقوا في بئر ماء يتوضّأ فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المحائض ولحوم الكلاب، بل ذلك مستحيل عليهم وذلك بصيانة وضوء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أولى، فدلّ على ضعف هذا الحديث ووهائه، والجواب عنه: أن الصحابة لا يصحّ إضافة ذلك إليهم ولا روينا أنهم فعلوا، وإنما كانت بئر بضاعة قرب مواضع الجيف والأنجاس وكانت تحت الريح وكانت الريح تلقي ذلك فيها، قال: ثم الدليل عليه من طريق المعنى أنه ماء كثير فوجب أن لا ينجس بوقوع نجاسة لا تغيّره قياسا على البعرة.

أُعَامِقُ

أُعَامِقُ:
بضم الهمزة: اسم واد في قول الأخطل:
وقد كان منها منزل نستلذّه، ... أعامق برقاواته وأجاوله
أجاوله: ساحاته، وقال عدي بن الرقاع:
كمطرّد طحل يقلّب عانة، ... فيها لواقح كالقسيّ وحول
نفشت رياض أعامق، حتى إذا ... لم يبق من شمل النهار ثميل،
بسطت هواديها بها، فتكمّشت، ... وله على أكسائهنّ صليل

أَخْثَالُ

أَخْثَالُ:
بالثاء المثلثة كأنه جمع خثلة البطن: وهي ما بين السّرّة والــعانة، وقال عرّام: الخثلة، بالتحريك، مستقرّ الطعام، تكون للإنسان كالكرش للشاة.
وقال الزمخشري: هو واد لبني أسد يقال له ذو أخثال، يزرع فيه على طريق السافرة إلى البصرة، ومن أقبل منها إلى الثعلبية، وذكر في شعر عنترة العبسي، وضبطه أبو أحمد العسكري بالحاء المهملة، وقد ذكرته قبل.

آلُوسَةُ

آلُوسَةُ:
بضمّ اللام وسكون الواو والسين مهملة:
بلد على الفرات قرب عانة وقيل فيه ألوس بغير مدّ، إلا أن أبا علي حكم بتعريبه، وجاء به بالهمزة بعدها ألف، وقال: هي فاعولة، ألا ترى أنه ليس في كلامهم شيء على أفعولة، فهو مثل قولهم آجور، ومثل ذلك في العربي قولهم: الآجور، والآخي، والآري، فاعول. وكذلك الآخيّة، وإنما انقلبت واو فاعول فيه ياء، لوقوعها ساكنة قبل الياء التي هي لام الفعل، واللام ياء بدلالة أن أبا زيد حكى أنهم يقولون: أرت القدر تأري أريا، إذا احترق ما في أسفلها، فالتصق به، وإنما قيل لمواثق الخيالة الآريّ، لتعلّقها بها، وكذلك آريّ الدابّة فقد قيل:
كأنّ الظّباء العفر يعلمن أنه ... وثيق عرى الآريّ في العثرات
وقد ذكرناه في ألوس غير ممدود أيضا.

الإقليم الرابع

الإقليم الرابع:
وهو حيث يكون الظلّ إذا استوى الليل والنهار في أذار نصف النهار أربعة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم، وآخره حيث يكون الظل نصف النهار في الاستواء خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم، ويبتدئ من أرض الصين والتّبّت والختن، وما بينهما من المدن، ويمرّ على جبال كشمير، وبلوّر، وبرجان، وبذخشان، وكابل، وغور، وهراة، وبلخ، وطخارستان، ومرو، وقوهستان، ونيسابور، وقومس، وجرجان، وطبرستان، والري، وقمّ، وقاشان، وهمذان، واذربيجان، والموصل، وحرّان، وعزاز، والثغور، وجزيرة قبرس، ورودس، وصقلية، إلى البحر المحيط على الزقاق بين الأندلس وبلاد المغرب، فوقع طرف هذا الإقليم الأدنى الذي يلي العراق، بالقرب من بغداد وما كان على سمتها شرقا وغربا، ووقع طرفه الأدنى الذي يلي الشمال، بالقرب من قاليقلا وساحل طبرستان إلى أردبيل وجرجان، وما كان في هذا السّمت،
وفيه من مشاهير المدن غير ما ذكر: نصيبين، ودارا، والرّقّتان، ورأس عين، وسميساط، والرهاء، ومنبج، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، وحمص في رواية، والمصّيصة، وأذنة، وطرسوس، وسرّ من رأى، وحلوان، وشهر زور، وماسبذان، والدينور، ونهاوند، وأصفهان، ومراغة، وزنجان، وقزوين، والكرخ، وسرخس، وإصطخر، وطوس، ومرو الروذ، وصيدا، والكنيسة السوداء، وعمّورية، واللاذقية، وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم، أربع عشرة ساعة وربع، وأوسطه أربع عشرة ساعة ونصف، وآخره أربع عشرة ساعة ونصف وربع، وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف ومائتان وأربعة عشر ميلا وأربع عشرة دقيقة، وعرضه مائتان وتسعة وتسعون ميلا وأربع دقائق، وتكسيره ألف ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفا واثنان وسبعون ميلا واثنتان وعشرون دقيقة، وهو للشمس على رأي الفرس، وللمشتري على رأي الروم، واسمه بالفارسية «خرشاذ وله من البروج الأسد، والله ولي الإعانة.

عِوَلِيّ

عِوَلِيّ
نسبة إلى العِوَل: الإيكال والاستــعانة: أو جمع العولة: رفع الصوت بالبكاء والصياح وحرارة الحزن، والحب من غير نداء ولا بكاء.

العقائد والعبادات

العقائد والعبادات
من أهم العقائد التى وردت في القرآن عقيدة الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، وقد بينا كيف عرض القرآن هذه العقائد.
أما العبادات فمنها الصلاة، وقد أكثر القرآن من الحديث عنها، وعدها ركنا مؤكدا من أركان الدين، حددت له أوقاته، وليس ثمة ما يبيح تركها، حتى أشد ألوان الخوف في الحرب، ذلك لأن الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (النساء 103).
والقرآن يجعل الصلاة سمة من سمات المؤمنين، ومظهرا من مظاهر التقوى ودليلا على تمام الخضوع لله، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ (البقرة 2، 3). إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ (فاطر 18). وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ (البينة 5). ولذا كان من تمامها الخشوع في أدائها، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون 1، 2).
وإذا كان للصلاة هذه المنزلة الرفيعة من الدين، فقد أكثر القرآن من الأمر بها، والحث عليها، فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة 43).
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة 238). قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ (إبراهيم 31). وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه 132). وأثنى على هؤلاء الذين لا يصرفهم شاغل من الحياة عن أدائها، إذ قال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ (النور 37). وجعل الكسل في أدائها والنهوض إليها مظهرا من مظاهر النفاق، إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء 142). وجعل الهزء بها كفرا، كالهزء بالدين نفسه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (المائدة 57، 58).
ويقرر القرآن أن الصلاة عبادة شاقة على النفس، وهو من أجل ذلك يضع الخاشعين مثالا يقتدى به، فهؤلاء لا يجدونها ثقيلة ولا شاقة، كما وضع إلى جانب ذلك اليوم الآخر وما فيه من نعيم أو عذاب، يدفع المرء إلى الصلاة رغبة أو رهبة فقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (البقرة 45 - 46). وأمر رسوله بالصبر على الصلاة إذ قال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه 132). ووعد القرآن وعدا كريما من يؤديها على وجهها بأن أجره عنده، ويعيش يوم القيامة في سلامة وأمن، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 277). وقد فرضت الصلاة ليتذكر الإنسان في الحين بعد الحين خالقه ورب نعمته، أو ليس الخالق المنعم جديرا بأن يذكر ويشكر، فهذه الصلاة وسيلة الذكر والشكران، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه 14).
ولذا كان من أكبر أمانى الشيطان أن يصد عن إقامة الصلاة لذلك المعنى الذى أشرت إليه، ويتخذ الشيطان الخمر والميسر وسيلة إلى نسيان الصلاة وذكر الله، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة 91).
وكانت الصلاة بأشكالها المختلفة مظهر ذلك في الأديان التى سبقت الإسلام، وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس 87). وإبراهيم يدعو ربه قائلا: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (إبراهيم 40). وعيسى يقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (مريم 30، 31). وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (مريم 54، 55). وذكر الله في الصلاة عدة مرات في الليل والنهار تدفع إلى تقواه، والوقوف عند حدود ما أمر به ونهى عنه، ولذلك قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت 45). وفي ذكر الله في الصلاة تذكر لقدرته الباهرة، فيلجأ إليه المرء مستعينا بهذه القدرة على تحقيق ما يصبو إليه من أمان وآمال، ولذلك قرنها بالصبر، فقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. والاستــعانة بقدرة الله توحى إلى النفس بأن المرء ليس وحيدا في جهاده في تلك الحياة، فيقوى ذلك من روحه المعنوية، وتقوية هذه الروح أساس النجاح والظفر، فإذا انضم إليها الصبر، زال اليأس، وامتلأ القلب بالأمل.
تلك هى الدوافع التى وضعها القرآن إلى جانب الصلاة، لتحث عليها، وتدفع إلى إقامتها. وعد كريم من الله بالثواب على أدائها، وهى مظهر لشكر الله على نعمه وأفضاله، والشكر على النعمة تدفع إليه الإنسانية المهذبة ويدفع إليه العقل السليم، ثم إنها بصورها المتعددة مظهر هذا الشكر عند الأمم السابقة، ولا يقف فضل الصلاة عند هذا الحد، بل هى ينبوع لطهارة النفس، وبعدها عن الشرور والمآثم، وفيها تقوية للمرء على مجابهة الحياة مزودا بقوة معنوية، ينجح بها فى الحياة، أولا يستحق هذا الينبوع العذب لتهذيب النفس ونجاحها أن يحافظ المرء عليها، وأن يؤديها موفيا أركانها في تؤدة واطمئنان، ولعل هذا هو السر في أن القرآن يستخدم كلمة «يقيم» فالمادة تدل على الدوام والاستمرار، كما تدلّ على معنى التقويم والتهذيب.
ولم يتعرض القرآن لتفصيل هيئة الصلاة، تاركا ذلك لفعل رسول الله، ولكنه عرض بعض أحكامها في إجمال، كقصر الصلاة، وصلاة الخوف، والوضوء.
وتقترن إقامة الصلاة في القرآن غالبا بإيتاء الزكاة، وقد جعلهما القرآن معا مظهرين من مظاهر الإسلام، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (التوبة 5). ولا سبيل لكم عليهم، لأنهم «إخوانكم في الدين».
ويقرر القرآن غريزة الملكية، ويعرف ما لها من آثار في تصرفات الإنسان وهو من أجل ذلك دعا هذه الأموال التى يبذلها المرء على سبيل الصدقة، دعاها قرضا يقرضه المتصدق لله، إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ (التغابن 17)، كما أضاف الأموال إلى أصحابها في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (التغابن 15).
وقرر كسبنا لها في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ (البقرة 267). وفي ذلك تقرير لملكية الإنسان لما تحت يده؛ وليست غريزة الملكية بالضعيفة ولا الواهنة في نفس الإنسان، بل هى قوية عنيفة يقرر القرآن عنفها في قوله:
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (الإسراء 100). وقوله: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ (النساء 128). ولذلك عالج القرآن هذه الناحية النفسية علاجا مستفيضا، كى تسمح النفس بما تملك، وتجود عن رضا ورغبة.
وإذا كانت غريزة الملكية هى التى تدفع إلى الشح، فقد أثارها القرآن إلى الصدقة مؤكدا أن ما سينفقه المرء في الصدقة اليوم، سيخلفه الله عليه غدا وكأنه يوحى إلى الإنسان بأنه إذا تصدق وزكى فلن يخسر شيئا، فلا داعى إلى الشح والإمساك، فضلا عما في الصدقة من استجابة إلى داعى الإنسانية، واتصاف بصفة الكرم وهو من صفات المروءة، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ 39). بل إنه يخلفه مضاعفا، إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد 18).
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 265). مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 261). وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (الروم 39). وفي ذلك تحريك لغريزة حب الذات التى تعمل على جلب الخير للنفس، فلا جرم كان وعدها بمضاعفة الجزاء مغريا لها بالصدقة والزكاة، بل إن الجزاء لا يقف عند حد العوض المضاعف، ولكن الله سيوفى المتصدقين أجرهم، ويتولى هو مكافأتهم، وحسبك جزاء الله جزاء يرضى النفس ويكفيها، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 262).
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 274). مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد 11). وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (الأعراف 156). وإذا كان الأمر كذلك فليست هذه الصدقة في حقيقة الأمر سوى خير يعود نفعه على المرء نفسه، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (البقرة 272). وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 110)، وإذا كانت الزكاة والصدقة خيرا يجب اكتسابه، فمن الخير أن يستكثر الإنسان منه في هذه الحياة وأن يبادر إليه قبل أن تضيع الفرصة ولا تعود وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (المنافقون 10)، قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (إبراهيم 31)، وفي ذلك إثارة لغريزة الخوف، أن يضيع على المرء خير مأمول.
ويمضى القرآن مخففا من آثار غريزة التملك، فيذكر هؤلاء الذين بأيديهم المال أن الذى أعطاهم ذلك المال إنما هو الله، وهو الذى يطالبهم بأن يعطوا عباده الفقراء بعض ما أعطاهم هو من المال، فيقول: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ (النور 33). ثم يصل إلى الحقيقة، فيبين لهم أن هذا المال الذى تحت أيديهم إنما هو في الواقع مال الله، وأنهم ليسوا بأكثر من مستخلفين فيه، أعطاه إياهم لينفقوه حيث يرشدهم إلى مواضع إنفاقه، آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (الحديد 7). وليس ما أعطيناه من مال سوى أحد الاختبارات التى اختبرنا الله بها، ليرى أنشكر أم نكفر، وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (الأنفال 28). وإذا كان المال في الواقع مال الله، فإن الشح به ليس من سمات الخير، ولا مؤذنا بفلاح صاحبه، أما ... مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر 5).
ويجعل القرآن من صفات المؤمن المثالى أداء الزكاة، ويعده عليها بخير ما يعد به من يعمل صالحا، فيقول: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات 15 - 19). وفي اختيار كلمة الْمَحْرُومِ هنا ما يحرك في النفس الشفقة والرحمة والحنان.
واقترن طلب إيتاء الصدقة في القرآن بصفات إنسانية سامية، فنهى عن الرياء فى أدائها، أو اتباعها بالمن والأذى، أو اختيار أردأ المال للتصدق به، وجعل أداءها في السر خيرا، حتى تخلص من الرياء، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (البقرة 267). لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران 92). قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا (البقرة 263 - 264). أرأيت تخير القرآن لكلمة صفوان، يدل بها على قسوة قلب هذا المتصدق الذى يتبع صدقته بالمن والأذى، أو ينفق رياء، فهو لا ينبعث إلى الصدقة بعامل الشفقة والرحمة، ولكن بعامل الغرور والزهو، ولا أريد أن أسرف فى
الحديث عن أسواء المن والأذى والرياء، فهى من الوضوح بمكان، ويقول في الحديث عن كتمان الصدقة: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (البقرة 271).
هذا وقد توعد القرآن أولئك الذين لا ترق قلوبهم للإنسانية، ولا يعطفون على البائسين والمحرومين، وقرنهم بهؤلاء الذين لا يؤمنون بالله، وكأنما الكفر بالله قرين الكفر بالإنسانية، قال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (الحاقة 25 - 34).
أما الصوم فلم يطل القرآن الحديث عنه، واقتصر على الحديث عن بعض أحكامه، ولكنه لم يترك بيان ما يحفزنا إلى الصوم، فأثارنا إليه بأننا لم ننفرد بأدائه، بل كان مفروضا على من سبقنا، وهو ينبوع من ينابيع تقوى الله بما فيه من إمساك النفس عما تشتهى، والتمكين للضمير كى يقوى ويشتد، كما أن اختصاص شهر رمضان بهذه العبادة، لما اختص به من ميزة نزول القرآن فيه: هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (البقرة 185)، فكان هذا الشهر جديرا أن يتقرب فيه إلى الله.
وتحدث القرآن عن الحج، فقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (آل عمران 97). وانتثر في القرآن الأسباب الباعثة على أداء هذه الفريضة، فقال:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج 27 - 34). فالحج مفروض لهذه المنافع التى يحصل عليها من يشهدونه في الأشهر الحرم، وأى منافع أكبر من انعقاد هذا المؤتمر الإسلامى الجامع يعرف فيه كل بلد ما يحتاج إليه البلد الآخر، وينعقد بين المسلمين في أرجاء الأرض أعظم الصلات السياسية والثقافية والاقتصادية، فإذا انعقد هذا المؤتمر كل عام، تم الربط بين قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكونوا قوة لها قيمتها وقدرها، ومن الميسور الانتفاع بأيام الحج في تحقيق هذا الهدف، إذا أحسن استغلال وقت الحج على وجه يحقق هذه المنافع التى أشار إليها القرآن، وفي الحج كذلك منافع اقتصادية واضحة لسكان البيت الحرام.
وفضلا عن هذه المنافع الدنيوية، ذات الأثر البالغ في حياة الإسلام- تخلص النفوس في أيام الحج لذكر اسم الله فتخلع عن نفسها مظاهر هذه الحياة الدنيا، ويقف الحاج أمام الله عبدا قد تجرد من زخرف الدنيا وزينتها، ويومئذ يحاسب كلّ نفسه على ما قدم، وما يجب أن يفعل، وفي الحج تعظيم لحرمات الله وشعائره، يدفع إلى التقوى، ويحفز إلى تطهير القلوب، وهو الهدف المقصود من الحج، وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ (الحج 36، 37).
وتحدث القرآن في مواضع عن الكعبة، فقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (آل عمران 96 - 97)، وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (آل عمران 26). وإن بيتا هذا شأنه جدير بأن يزوره المسلمون، ويعبدوا ربهم عنده.

الصبر والشكر

الصبر والشكر
الصبرُ كالأساسِ للشكر، فهو بالقوّة موجودٌ قبله. والشكرُ قبلَ كلِّ عملٍ صالحٍ. قال تعالى:
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} .
وقال تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .
وقال تعالى:
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ... إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .
وقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} . أي صبروا على الإيمان ولم تزعزعهم المصائب.
والدليلُ على كونِ الشكر قبلَ الأعمالِ الصالحةِ في الوجوب والوجود أنَّ جميعَ الأعمالِ الصالحةِ تنشأ مِن استعمالِ القَوى في طاعةِ الرب وحسبَ رضاه. وذلك هو الشكرُ، كما قال تعالى:
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} إلى قوله: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.
ومن جهة أخرى أن العدلَ أساسُ الحقوقِ. وأوَّلُ الحقّ العبودية والإسلامُ لِلرَّبّ. وهذا بحسب وجوب الحقّ. وأما بحسبِ الوجود فأوّلُ الحقوقِ الشكرُ، فإن أوّلَ الفيضِ رحمةٌ، ويَلزمها الشكرُ مِنّا. ولزومُ الشكرِ للرحمة مبنيٌّ على العدلِ والقِسطِ، وهو الحقّ بمعنى ضد الباطل. ولكنّ الشكرَ يحتاجُ إلى الصّبرِ، لأن العبدَ يُبتلَى ويَنتظِر الجزاءَ الذي هو وجودُ الحقّ والعدلِ في الآخرة، فالضَّجور أبعدُ عَن الشكرِ، فكان الصبرُ بناءً للشكر. ولذلك قال تعالى: {صَبَّارٍ شَكورٍ}.
فالصبرُ متقدمٌ على الشكرِ تقدُّمَ الجزءِ على الكلِّ، والشكرُ متقدمٌ على الصبرِ تقدُّمَ الأفضلِ الجامعِ.
وأيضاً الشكرُ متقدمٌ تقدُّمَ الإيمانِ عَلى العملِ، فإنَّ الشكرَ كيفيةٌ تَنشأ مِن معرفةِ النِّعم. فأوّلُ العبوديةِ هو الشكرُ وجوباً وزماناً.
وأيضاً الشكرُ دائمٌ متّصلٌ لدوَام النعمة، والصبرُ عندَ الشدائد.
وأيضاً الشكرُ إثباتٌ، وأمّا الصبرُ فهو كفُّ النفسِ عن الضجَر.
وأيضاً الشكرُ هو العَونُ على الصبر. فإنَّ مَن رَسَخَ في قلبه معرفةُ النعم، وآمنَ بربِّه، صَبَرَ علَى المكارِه لرضاه.
والآن تأمَّلْ في قوله تعالى:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فاتحة الصلاة، وفي قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فهذا يدُلّ على جامِعيةِ الشكر.
أيضاً في قوله تعالى:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
فالعبودية الخالصة لله هي الشكر، والاستــعانة به أمسُّ بالصبر.
أيضاً في قوله تعالى حكاية عن قول إبليس:
{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي التوحيد {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} أي مُوَحِّدين.
فَدَلَّ على أنَّ الشكرَ هو الإيمان .

الصّلاة

الصّلاة:
[في الانكليزية] Prayer
[ في الفرنسية] Priere
هي فعلة من صلى وإنّما كتب بالواو التي أبدل منها الألف لأنّ العرب تفخّم أي تميلها إلى مخرج الواو، ولم تكتب بها أي بالواو في غير القرآن. ثم هي اسم لمصدر غير مستعمل وهو التّصلية يقال صلّيت صلاة ولا يقال تصلية، مأخوذة من الصّلا وهو العظم الذي عليه الأليتان. وذكر الجوهري أنّ الصلاة اسم من التّصلية، وكلاهما مستعملان، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإنّ مصدرها لم يستعمل انتهى. وقيل أصل الصلاة صلاة بالتحريك قلبت واوها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وتلفظ بالألف وتكتب بالواو إشارة إلى الأصل، مثل الزكاة والحياة والرّبا، كذا في كليات أبي البقاء. فقيل الصلاة حقيقية لغوية في تحريك الصّلوين أي الأليتين، مجاز لغوي في الأركان المخصوصة لتحريك الصّلوين فيها، استعارة في الدعاء تشبيها للداعي بالراكع والساجد في التخشّع وفي المغرب إنّما سمّي الدعاء صلاة لأنّه منها. والمشهور أنّ الصلاة حقيقة في الدّعاء لغة مجاز في الرحمة لأنّها مسبّبة من الدّعاء، وكذا في الأركان المخصوصة لاشتمالها على الدّعاء، وربّما رجّح لورود الصلاة بمعنى الدّعاء قبل شرعية الصلاة المشتملة على الركوع والسجود، ولورودها في كلام من لا يعرف الصلاة بالهيئة المخصوصة. وقيل الصلاة مشتركة لفظية بين الدّعاء والرّحمة [فيكون] والاستغفار، وقيل بين الدّعاء والرّحمة فيكون الاستغفار داخلا في الدّعاء. وبعض المحقّقين على أنّ الصلاة لغة هو العطف مطلقا. لكنّ العطف بالنسبة إلى الله سبحانه تعالى الرّحمة وبالنسبة إلى الملائكة الاستغفار وبالنسبة إلى المؤمنين دعاء بعضهم لبعض فعلى هذا تكون مشتركة معنوية، واندفع الإشكال من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ، ولا يحتاج في دفعه إلى أن يراد به معنى مجازي أعمّ من الحقيقي وهو إيصال النفع. فالإيصال واحد والاختلاف في طريقه.
وفي التاج الصلاة من الله الرّحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدّعاء ومن الطّير والهوام التسبيح انتهى.
اعلم أنّ معنى قولنا صلّ على محمد عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف أجره وتشفيعه في أمّته كما قال ابن الأثير. ولذا لا يجوز أن يطلق بالنسبة إلى غيره إلّا تبعا. وقيل الرحمة. وقيل معنى الصلاة على النبي الثّناء الكامل إلّا أنّ ذلك ليس في وسع العباد فأمرنا أن نوكّل ذلك إلى الله تعالى كما في شرح التأويلات. وفي المغني معناه العطف كما مر.
فائدة:
الصلاة على النبي واجب شرعا وعقلا.

أمّا شرعا فلقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ. وأمّا عقلا فلأنّ استفادة القابل من المبدأ تتوقّف على مناسبة بينهما، وهذه المقدّمة ضرورية مذكورة في براهين العلوم الحقيقية التي لا تتغيّر بتبدّل الملل والأديان وإن وقع فيها نوع خفاء بالنسبة إلى الأذهان القاصرة. ألا ترى أنّه كلما كانت المناسبة بين المعلّم والمتعلّم أقوى كانت استفادة المتعلّم منه أكثر، وكلّما كان الحطب أيبس كان أقبل للاحتراق من النار بسبب المناسبة في اليبوسة. ولذا كان الأدوية أشدّ تأثيرا في الأبدان المتسخّنة. ولهذه المقدمة أمثلة لا تكاد تنحصر. ولا شك أنّ النّفس الناطقة في الأغلب منغمسة في العلائق البدنية أي متوجّهة إلى تدبير البدن وتكميله بالكلية مكدّرة بالكدورات الطبيعية الناشئة من القوة الشهوية، وذات المفيض عزّ اسمه في غاية التّنزّه عنها فليست بينهما بسبب ذلك مناسبة يترتّب عليها فيضان كمال. فلا جرم وجب عليها الاستــعانة في استفاضة الكمالات من تلك الحضرة المنزّهة بمتوسّط يكون ذا جهتين:
التجرّد والتعلّق، ويناسب بذلك كلّ واحد من طرفيه باعتبار حتى يقبل ذلك المتوسّط الفيض عن المبدأ الفيّاض بتلك الجهة الروحانية التجرّدية، وتقبل النفس منه أي من ذلك المتوسّط الفيض بهذه الجهة الجسمانية التعلّقية؛ فوجب لنا التوسّل في استحصال الكمالات العلمية والعملية إلى المؤيّد بالرئاستين الدينية والدنيوية، مالك أزمّة الأمور في الجهتين التجرّدية والتعلّقية، وإلى أتباعه الذين قاموا مقامه في ذلك بأفضل الفضائل، أعني الصلاة عليه أصالة وعليهم تبعا، والثناء عليه بما هو أهله ومستحقّه من كونه سيّد المرسلين وخاتم النبيين، وعليهم بكونهم طيّبين طاهرين عن رجس البشرية وأدناسها. فإن قيل هذا التوسّل إنّما يتصوّر إذا كانوا متعلّقين بالأبدان، وأمّا إذا تجرّدوا عنها فلا، إذ لا جهة مقتضية للمناسبة.
قلنا يكفيه أنّهم كانوا متعلّقين بها متوجّهين إلى تكميل النفوس الناطقة بهمة عالية، فإنّ أثر ذلك باق فيهم. ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدّة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده أصحاب البصائر ويشهدون به.
وقد قال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي رحمة الله عليه في كتاب: «مدراج النبوّة» في بيان وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمته: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أحسن إلينا بهدايتنا، ومنحنا الأمل بشفاعته في الآخرة. ولهذا أمرنا سبحانه وتعالى بقضاء حقّه علينا في إحسانه إلينا في الدنيا كما أمرنا بالتقرّب منه والارتباط الباطني به بسبب رجاء شفاعته في الآخرة، وقد علم الله منّا سبحانه العجز عن أداء حقّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لهدايتنا في الدنيا، وكذلك عدم قدرتنا على تحصيل وسائل القرب من النبي صلّى الله عليه وسلّم من أجل نوال شفاعته في الآخرة.
لذلك فإنّه أمرنا بالدّعاء له والاتّكال على الله والطلب إليه أن يبلّغ عنا نبيه ذلك الدّعاء، وطلب الرحمة كما هو لائق بجنابه ومقامه. وثمة اختلاف حول حكم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم. والمختار أنّه فرض مرة واحدة في العمر بدليل أنّ صيغة الأمر التي هي للوجوب لا تقتضي التكرار.

وقال بعضهم: بل هي واجبة. والإكثار منها بلا تحديد وقت ولا تعيين عدد. وذلك لأنّه سبحانه أمر بذلك ولم يعيّن لذلك وقتا ولا عددا. وعليه فيجب علينا ما وسعنا ذلك في أيّ وقت وبأيّ قدر أن نؤدّي ذلك الأمر.

وقال بعضهم: إنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تجب كلّما ذكر اسمه الشريف. وقال بعضهم:
هذا هو المختار.

وقال في المواهب (اللدنية): وممن يقول بهذا الطحاوي وجماعة من الحنفية وبعض الشافعية والمالكية واستدلّوا بحديث: «رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي وصحّحه الحاكم وإنّ حديث: «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». أخرجه الطبراني. وعن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي. لأنّ الوعيد على الترك من علامات الوجوب، وأيضا: إنّ فائدة الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو نوع من المكافأة على إحسانه، وإحسانه مستمر ودائم. إذن فيجب كلما ذكر. كما أنّ الصلاة شكر لله على نعمه، والنعم الإلهية هي دائمة في كلّ زمان، فعليه وجبت الصلاة في الأوقات الشريفة.
ولكن جمهور العلماء رجّحوا القول الأول وقالوا: إنّ وجوب الإكثار ووجوب التكرار للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينقل عن أحد من الصحابة، فيكون هذا القول إذن مخترعا. وأمّا من حيث النصّ الذي يعتمد عليه في هذا الباب فهو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فهو وإنّ كان بصيغة الأمر إلا أنها لا تقتضي ولا توجب التكرار، ولا تحتمل أيضا التكرار كما هو مصرّح به في كتب الأصول. وأيضا: لا توجد عبادة في الشرع واجبة بدون تعيين وقتها وعددها ومقدارها، أضف إلى ذلك أن تكون مستمرة ودائمة مع هذه الجهالة. ولو كانت الصلاة على النبي واجبة في كلّ وقت يذكر فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم للزم من ذلك وجوبها على كل مؤذّن وسامع للأذان ومقيم للصلاة وسامع للإقامة. وكذلك على كلّ قارئ للقرآن متى ورد ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيها. ويدخل في ضمن ذلك من قال كلمات الشهادتين أو ممن سمعها وكذلك على وجه الخصوص من يدخل في الاسلام الذي لا بدّ له من النطق بالشهادتين وأمثال ذلك، بينما الواقع المنقول عن السلف والخلف خلاف ذلك. ويؤيّده أنّ الحمد والثناء على الله سبحانه ليس واجبا كلما ذكر اسم الله. فإذن كيف يصير واجبا الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ وقت يذكر فيه؟
وأجابوا عن تلك الأحاديث المشار إليها بأنّها على سبيل المبالغة والتأكيد، وهي إنّما ترد بحق من لم يصلّ أبدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقال بعضهم: تجب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كلّ مجلس مرة واحدة ولو تكرر ذكر اسمه الشريف.

وقال بعض آخر: هو واجب في الدعاء.

وقال غيرهم: هو واجب في أثناء الصلاة.
وهذا القول منسوب لأبي جعفر محمد الباقر.

وقال آخرون: هو واجب في التشهّد.
وهذا قول الشعبي وإسحاق.

وقال بعضهم: هو واجب في آخر الصلاة قبل السلام، وهذا قول الشافعي. وقال بعض آخرون: هو واجب حينما تتلى الآية الكريمة:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، أو عند ما تسمع وخاصة عند ما يتلوها الخطيب يوم الجمعة، فتجب على السامعين أن يقولوها بقلوبهم وذلك أنّ الصمت أثناء الخطبة واجب فلا أقلّ من أن تقال سرا بالقلب.
ولكن جمهور العلماء متفقون على أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي سنّة مؤكّدة وواجبة في العمر مرة واحدة. وأمّا في المقامات المشار إليها فليست بواجبة بل هي حينا سنّة مؤكّدة وحينا مستحبة.
والثابت المحقق أنّه بعد ذكر اسم الله تعالى وحمده والثناء عليه وتلاوة القرآن فإنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي أفضل الأذكار. ولا يمكن حصر الفوائد والفضائل والنتائج والعوائد لتلك الصلاة، وهي وراء العد والبيان وخارجة عن الحدّ. وهي تشتمل خيرات وبركات وحسنات ومثوبات الدنيا والآخرة. والدليل والحجة لهذا هو قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. فهو سبحانه وتعالى بذاته الشريفة يهتم بهذا الأمر ثم الملائكة يتابعون، وعلى سبيل الاستمرار والدوام على ذلك العمل هم قائمون، كما أنّ لفظة «يصلّون» تدلّ على ذلك إلى أن يأمر ربّ العالمين كلّ مؤمن بذلك اتّباعا واقتداء، أي كلما صلّى الإله وملائكته على النبي فعليكم أيضا أيها المؤمنون أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبما أنّ حقّ النبي عليكم ثابت فواجب عليكم زيادة على الصلاة المفروضة أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتأكيد، وذلك هو السلام. وكيف لا يكون ذلك أفضل طالما أنّ ربّ العزّة يضاعف ثواب من يفعل ذلك عشر رحمات (مرات). أي كما روي في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه (بها) عشرا». وعن أنس رضي الله تعالى عنه: «من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيات ورفعت له عشر درجات». رواه النسائي.
كما روي عن أبي طلحة ما معناه: طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ويرى عليه أثر السرور في وجهه المبارك، فقالوا: يا رسول الله: ما السّبب في ظهور السرور على وجهك المملوء بالنور؟ فقال: أتاني جبريل وقال: أما يرضيك يا محمد بأنّ ربّك يقول: ما من أحد من أمتّك يصلّي عليك إلّا صلّيت عليه عشر صلوات وتسليمات.
وجاء في حديث آخر بما معناه كلّ من صلّى عليّ صلاة، صلّى الله عليه ما دام يصلّي علي. فليقل أحدكم أو يكثر. وفي رواية أخرى: فإنّ ملائكة الله يصلّون عليه سبعين صلاة. فليقل العبد أو يكثر.

ويقول المؤلّف: السبعون في الحديث ليست للحصر بل هي أكثر من ذلك بحسب التقوى والمحبة والإخلاص. وفي التخيير بين القلة والكثرة نوع من التهديد لأنّ التخيير بعد الإعلام بوجود الخير في الأمر المخبر به يتضمن التحذير من التفريط والتقصير فيه.
وجاء عن عبد الله بن مسعود ما ترجمته:
أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أقربكم مني يوم القيامة أكثركم صلاة علي. وجاء في حديث آخر ما معناه: أنجاكم من أحوال وشرور يوم القيامة أكثركم صلاة علي.
ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما معناه: أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تخفّف الذنوب وتزيلها أكثر مما يطفئ الماء البارد النار. وبالإجمال: فإنّ الصلاة على تلك الذات الشريفة هي منبع الأنوار والبركات ومفتاح كلّ الخيرات ومصدر كمال الحسنات ومظهر السعادة. وهي لأهل السلوك مدخل لفتح الأبواب. وكثير من المشايخ قالوا: في حال فقدان الشيخ الكامل الذي يرشد ويربّي السّالكين فإنّ الالتزام بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي الطريق الموصل للطالب الصادق والمريد الواثق. وكلّ من أكثر من الصلاة عليه فإنّه يراه في المنام وفي اليقظة.
وقال مشايخ الشاذلية التي هي شعبة من الطريقة القادرية: إنّ طريق السلوك لتحصيل المعرفة والقرب الإلهي في زمان فقدان الولي الكامل والمرشد الهادي إنما يكون بالتزام ظاهر الشريعة وإدامة الذّكر والتفكّر وكثرة الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه يظهر نور من كثرة الصلاة في باطن المريد، وبه يتضح له الطريق، وتصله الإمدادات من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدون واسطة. ورجّح بعضهم وفضّلوا الصلاة على الذّكر من حيث التوسّل والاستمداد، ولو أنّ الذّكر في حدّ ذاته أشرف وأفضل.
هذا خلاصة ما في مدارج النبوة وشرح المشكاة وسفر السعادة. وفي كليات أبي البقاء وكتابة الصلاة في أوائل الكتاب قد حدثت في أثناء الدولة العباسية، ولهذا وقع كتاب البخاري وغيره من القدماء عاريا عنها. ثم الصلاة عند الفقهاء عبارة عن الأركان المخصوصة من التحريمة والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعود.
والصلاة المطلقة هي التي إذا أطلقت لفظة الصلاة ولم تقيّد شملتها، فصلاة الجنازة والصلاة الفاسدة كصلاة التطوع راكبا في المصر ليستا بصلاة مطلقة إذ لو حلف لا يصلّي لا يحنث بها. وقيل هي صلاة ذات ركوع وسجود وهذا بظاهره لا يتناول صلاة المومئ المريض والراكب في السفر كذا في البرجندي. والصلاة عند الصوفية عبارة عن واحدية الحق تعالى وإقامة الصلاة إشارة إلى إقامة ناموس الواحدية بالاتصاف بسائر الأسماء والصفات. فالوضوء عبارة عن إزالة النقائص الكونية، وكونه مشروطا بالماء إشارة إلى أنّها لا تزول إلّا بظهور آثار الصفات الإلهية التي هي حياة الوجود، لأنّ الماء سرّ الحياة وكون التيمم يقوم مقام الطهارة للضرورة إشارة إلى التزكّي بالمخالفات والمجاهدات والرياضات. فهذا ولو تزكّى عسى أن يكون فإنّه أنزل درجة ممّن جذب عن نفسه فتطّهر من نقائصها بماء حياة الأزل الإلهي وإليه أشار عليه السلام بقوله (آت نفسي تقوها وزكّها أنت خير من زكّاها)، أي الجذب الإلهي لأنّه خير من التّزكّي بالأعمال والمجاهدات. ثم استقبال القبلة إشارة إلى التوجّه في طلب الحقّ.
ثم النية إشارة إلى انعقاد القلب في ذلك التوجّه. ثم تكبيرة الإحرام إشارة إلى أنّ الجناب الإلهي أكبر وأوسع ممّا عسى أن يتجلّى به عليه فلا تعبده بمشهد بل هو أكبر من كلّ مشهد ومنظر ظهر به على عبده فلا انتهاء له.
وقراءة الفاتحة إشارة إلى وجود كماله في الإنسان لأنّ الإنسان هو فاتحة الوجود، فتح الله به أقفال الموجودات، فقراءتها إشارة إلى ظهور الأسرار الربانية تحت الأستار الإنسانية. ثم الركوع إشارة إلى شهود انعدام الموجودات الكونية تحت وجود التجلّيات الإلهية. ثم القيام عبارة عن مقام البقاء، ولذا تقول فيه سمع الله لمن حمده. وهذه كلمة لا يستحقّها العبد لأنّه أخبر عن حال إلهي. فالعبد في القيام الذي هو إشارة إلى البقاء خليفة الحقّ تعالى. وإن شئت قلت عينه ليرتفع الإشكال. فلهذا أخبر عن حال نفسه بنفسه أعني ترجم عن سماع حقّه ثناء خلقه وهو في الحالين واحد غير متعدّد. ثم السجود عبارة عن سحق آثار البشرية ومحقها باستمرار ظهور الذات المقدّسة، ثم الجلوس بين السجدتين إشارة إلى التحقّق بحقائق الأسماء والصفات لأنّ الجلوس استواء في القعدة وذلك إشارة [إلى] قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. ثم السجدة الثانية إشارة إلى مقام العبودية وهو الرجوع من الحق إلى الخلق، ثم التحيّات فيها إشارة إلى الكمال الحقيّ والخلقي لأنّه عبارة عن ثناء على الله تعالى وسلام على نبيّه وعلى عباده الصالحين، وذلك هو مقام الكمال. فلا يكمل الولي إلّا بتحققه بالحقائق الإلهية وباتّباعه لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وبتأدّبه بسائر عباد الله الصالحين، كذا في الإنسان الكامل.

تَشَاءَم من

تَشَاءَم من
الجذر: ش أ م

مثال: تَشَاءَم منه النّاس
الرأي: مرفوضة
السبب: لتعدية الفعل بـ «من»، والوارد تعديته بـ «الباء».

الصواب والرتبة: -تَشَاءَم به النّاس [فصيحة]-تَشَاءَم منه النّاس [صحيحة]
التعليق: أجاز اللغويون نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، كما أجازوا تضمين فعل معنى فعل آخر فيتعدى تعديته، وفي المصباح (طرح): «الفعل إذا تضمَّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله». وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري هذا وذاك، ومجيء «من» محل «الباء» كثير في الاستعمال الفصيح، كما في قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الرعد/11. أي، بأمر الله، وقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} نوح/25، وقول الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
واشتراك الحرفين في بعض المعاني، كالتبعيض والاستــعانة والتعليل يمكن معه اعتبارهما مترادفين. ويؤكد صحة النيابة هنا وقوعها في بعض الأفعال في المعاجم القديمة. وقد سجلّت بعض المعاجم الحديثة هذا الاستخدام كالمنجد، والأساسي، ومعجم تعدي الأفعال.

تَأَثَّر من

تَأَثَّر من
الجذر: أ ث ر

مثال: تَأَثَّرَ من كذا
الرأي: مرفوضة
السبب: لتعدية الفعل بـ «من»، والوارد تعديته بـ «الباء».

الصواب والرتبة: -تَأَثَّرَ بكذا [فصيحة]-تَأَثَّرَ من كذا [صحيحة]
التعليق: أجاز اللغويون نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، كما أجازوا تضمين فعل معنى فعل آخر فيتعدى تعديته، وفي المصباح (طرح): «الفعل إذا تضمَّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله». وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري هذا وذاك. ومجيء «من» محل «الباء» كثير في الاستعمال الفصيح، كما في قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الرعد/11. أي، بأمر الله، وقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} نوح/25، وقول الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
واشتراك الحرفين في بعض المعاني، كالتبعيض والاستــعانة والتعليل يمكن معه اعتبارهما مترادفين. ويؤكد صحة النيابة هنا وقوعها في بعض الأفعال في المعاجم القديمة.

بَرِمَ من

بَرِمَ من
الجذر: ب ر م

مثال: بَرِمَ من حياته
الرأي: مرفوضة
السبب: لتعدية الفعل بـ «من»، والوارد تعديته بـ «الباء».

الصواب والرتبة: -بَرِمَ بحياته [فصيحة]-بَرِمَ من حياته [صحيحة]
التعليق: أجاز اللغويون نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، كما أجازوا تضمين فعل معنى فعل آخر فيتعدى تعديته، وفي المصباح (طرح): «الفعل إذا تضمَّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله». وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري هذا وذاك. ومجيء «من» محل «الباء» كثير في الاستعمال الفصيح، كما في قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الرعد/11. أي، بأمر الله، وقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} نوح/25، وقول الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
واشتراك الحرفين في بعض المعاني، كالتبعيض والاستــعانة والتعليل يمكن معه اعتبارهما مترادفين. ويؤكد صحة النيابة هنا وقوعها في بعض الأفعال في المعاجم القديمة، كما يمكن تضمين هذا الفعل معنى الفعل «سئم».

أَيْقَنَ من

أَيْقَنَ من
الجذر: ي ق ن

مثال: أَيْقَنَ من الأمر
الرأي: مرفوضة
السبب: لتعدية الفعل بـ «من»، والوارد تعديته بنفسه أو بـ «الباء».

الصواب والرتبة: -أَيْقَنَ الأمرَ [فصيحة]-أَيْقَنَ بالأمر [فصيحة]-أَيْقَنَ من الأمر [صحيحة]
التعليق: الفعل «أيقن» يتعدى بنفسه أو بالباء في المعاجم، ولكن أجاز اللغويون نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، كما أجازوا تضمين فعل معنى فعل آخر فيتعدى تعديته، وفي المصباح (طرح): «الفعل إذا تضمَّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله». وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري هذا وذاك. ومجيء «من» محل «الباء» كثير في الاستعمال الفصيح، كما في قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} الرعد/11. أي، بأمر الله، وقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} نوح/25، وقول الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجل
واشتراك الحرفين في بعض المعاني، كالتبعيض والاستــعانة والتعليل يمكن معه اعتبارهما مترادفين. ويؤكد صحة النيابة هنا وقوعها في بعض الأفعال في المعاجم القديمة، كما يمكن تصحيح تعديته بـ «من» على تضمينه معنى «تحقَّق».
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.