Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: صناع

علم الفقه

علم الفقه
قال في كشاف اصطلاحات الفنون:
علم الفقه ويسمى هو وعلم أصول الفقه بعلم الدراية أيضا على ما في مجمع السلوك وهو معرفة النفس ما لها وما عليها هكذا نقل عن أبي حنيفة والمراد بالمعرفة: إدراك الجزئيات عن دليل فخرج التقليد.
قال التفتازاني: القيد الأخير في تفسير المعرفة مما لا دلالة عليه أصلا لا لغة ولا اصطلاحاً.
وقوله: وما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة والمشعر بهذا شهرة أن علم الفقه من العلوم الدينية ويمكن أن يراد به ما يجوز لها وما يجب عليها أو ما يجوز لها وما يحرم عليها.
ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات كوجوب الإيمان ونحوه.
والوجدانيات أي: الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية. والعمليات: كالصوم والصلاة والبيع ونحوها.
فالأول: علم الكلام.
والثاني: علم الأخلاق والتصوف.
والثالث: هي الفقه المصطلح.
وذكر الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على دلائلها وعللها واسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا.
قال أصحاب الشافعي: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور.
فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا وهي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه.
ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدنيا وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدينة وهي العقوبات وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح.
وموضوعه فعل المكلف من حيث الوجوب والندوب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد وقيل موضوعه أعم من الفعل لأن قولنا: الوقت سبب أو وجوب الصلاة من مسائله وليس موضوعه الفعل وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل إن الصلاة تجب لسبب الوقت كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة في قوة أن الوضوء يندب فيه النية.
وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد ففي كل مسئلة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع موضوعها إليه كمسئلة المجنون والصبي فإنه راجع إلى فعل الولي هكذا في الخيالي وحواشيه ومسائله الأحكام الشرعية العملية كقولنا: الصلاة فرض.
وغرضه النجاة من عذاب النار ونيل الثواب في الجنة وشرفه مما لا يخفى لكونه من العلوم الدينية انتهى كلام الكشاف.
قال صاحب مفتاح السعادة: وهو علم باحث عن الأحكام الشرعية الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية.
ومباديه مسائل أصول الفقه.
وله استمداد من سائر العلوم الشرعية والعربية.
وفائدته: حصول العمل به على الوجه المشروع. والغرض منه: تحصيل ملكة الاقتدار على الأعمال الشرعية ولما كان الغاية والغرض في العلوم العملية يحصلان بالظن دون اليقين بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة وإنه وإن كان علم الفقه قطعي الثبوت لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد وجاز الأخذ فيه أولا بمذهب أي مجتهد أراد المقلد والمذاهب المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول وقبلها أهل الإسلام بالصحة هي المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ثم الأحق والأولى من بينها مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه المتميز من بينهم بالإتقان والإحكام وجودة القريحة وقوة الرأي في استبناط الأحكام وكثرة المعرفة بالكتاب والسنة وصحة الرأي في علم الأحكام إلى غير ذلك لكن ينبغي لمن يقلد مذهبا معينا في الفروع أن يحكم بأن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب المخالف خطأ يحتمل الصواب.
ويحكم في الاعتقاديات بأن مذهبه حق جزما ومذهب المخالف خطأ قطعا انتهى ونحوه في مدينة العلوم.
أقول أحق المذاهب إتقانا وأحسنها اتباعا وأحكمها وأحراها بالتمسك به ما ذهب إليه أهل الحديث والقرآن والترجيح لمذهب دون مذهب تحكم لا دليل عليه بل المذاهب الأربعة كلها سواسية في الحقيقة والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء والأخذ باجتهاداتهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف.
وقد حققنا هذا البحث في كتابنا الجنة1 في الأسوة الحسنة بالسنة وذكر الغزالي في بيان تبديل أسامي العلوم ما تقدم ذكره وتمام هذا البحث ذكرناه في كتابنا قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل.
والكتب المؤلفة على المذاهب الأربعة كثيرة جدا لا تكاد تحصى. ودواوين الإسلام من كتب الحديث وشروحه تغني الناس كلهم قرويهم وبدويهم عالمهم وجاهلهم ودانيهم وقاصيهم عن كتب الرأي والاجتهاد.
والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة وأئمتها وسلفها فضلا عن المجتهدين وآحاد أهل العلم بل الواجب على الكل اتباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة وإنما احتيج إلى تقليد المجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لم تدون ولكن الآن بحمد الله تعالى قد دون أهل المعرفة بالسنن علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغنوا الناس عن غيره فلا حيا الله عبدا قلد ولم يتبع ولم يعرف قدر السنة وحمد على التقليد.
ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم لأن التقليد من صنيع الجاهل والمقلد ليس معدودا في العلماء انظر في الكتب التي الفت لرد التقليد كأعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جدا ذكرناها في كتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفة في أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضا والمستند كل الاستناد من بينها هو مثل منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار وبلوغ المرام وشرحه مسك الختام وسبل السلام والعمدة وشرحه العدة وغير ذلك مما ألف في ضبط الأحكام الثابتة بالسنة وما يليها مثل السيل الجرار ووبل الغمام ومنح الغفار حاشية ضوء النهار والهدي النبوي وسفر السعادة وكذا مؤلفات شيوخنا اليمانيين فإن فيها ما يكفي والمقلد المسكين يظن الخرافات في الكتاب والسنة.
وقد أطال الأرنيقي في مدينة العلوم في ذكر تراجم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفقهاء الحنفية كأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وابن المبارك وداود الطائي الكوفي ووكيع بن الجراح ويحيى بن زكريا وإسماعيل بن حماد ويوسف بن خالد وعافية بن يزيد وحبان ومندل ابني علي الغزي وعلي بن مسهرق القاسم بن معن وأسد بن عامر وأحمد بن حفص وخلف ابن أيوب وشداد بن حكم وموسى بن نصر وموسى بن سليمان الجوزجاني وهلال بن يحيى ومحمد بن سماعة وحكم بن عبد الله وأطال في ترجمة هؤلاء.
وقال: اعلم أن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل إن للإمام أبي حنيفة سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف أكثر من ذلك لكنا اكتفينا منهم ههنا بما سمح به الوقت والآن فلنذكر من الكتب المعتبرة في الفقه ما هو المشهور في الزمان انتهى.
ثم ذكر كتبا سماها قال: وإن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر ولنذكر بعد ذلك نبذا من أئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي والآخر: من تلاهم من الأئمة انتهى.
ثم ذكر هذين الصنفين وأطال في بيانهما وفضائلها إطالة حسنة والكتب التي ألفت في بيان طبقات أهل المذاهب الأربعة تغني عن ذكر جماعة خاصة من المقلدة المذهب واحد وإن كانوا أئمة أصحاب التصانيف ولا عبرة بكثرة المقلدة الذين قلدوا مذهبا واحدا من المذاهب الأربعة بل الاعتبار باختيار الحق والصواب وهو ترك التقليد لآراء الرجال وإيثار الحق على الحق والتمسك بالسنة.
وقد ألف جماعة كتبا كثيرة في طبقات المتبعين وتراجم الحفاظ والمحدثين وهم ألوف لا يحصيهم كتاب وإن طال الفصل والباب وهم أكثر وأطيب إن شاء الله تعالى بالنسبة إلى المقلدة.
وقد تعصب أصحاب الطبقات المذهبية في تعداد أهل نحلتهم حيث أدخلوا فيها من ليس منهم وغالب أئمة المذاهب ليسوا بمقلدين وإن انتسبوا إلى بعضهم بل هم مجتهدون مختارون لهم أحسن الأقوال وأحق الأحكام وبعد النظر والاجتهاد فعدهم في زمرة المقلدة بأدنى شركة في العلم ليس من الإنصاف في شيء وإنما خافوا فتنة العوام في ادعاء الاجتهاد أو عدم الاعتداد بالتقليد فصبروا على نسبتهم إلى مذهب من تلك المذاهب كما يعرف ذلك من له إلمام بتصانيف هؤلاء الكرام وليس هذا موضع بسط الكلام على هذا المرام وإلا أريتك عجائب المقام وأتيتك بما لم يقرع سمعك من الأمور العظام.
واعلم أن أصول الدين اثنان لا ثالث لهما: الكتاب والسنة وما ذكروه من أن الأدلة أربعة: القرآن والحديث والإجماع والقياس فليس عليه إثارة من علم وقد أنكر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه الإجماع الذي اصطلحوا عليه اليوم وأعرض سيد الطائفة المتبعة داود الظاهري عن كون القياس حجة شرعية وخلاف هذين الإمامين نص في محل الخلاف ولهذا قال بقولهما عصابة عظيمة من أهل الإسلام قديما وحديثا إلى زماننا هذا ولم يروا الإجماع والقياس شيئا مما ينبغي التمسك به سيما عند المصادمة بنصوص التنزيل وأدلة السنة الصحيحة وهذه المسئلة من معارك المسائل بين المقلدة والمتبعة وأكثر الناس خلافا فيها الحنفية لأنهم أشد الناس تعصبا للمذهب وتقرير ذلك مبسوط في المبسوطات المؤلفة في هذا الباب.
ومن له نظر في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الواحد المتكلم الحافظ ابن القيم ومن حذا حذوهما من علماء الحديث والقرآن خصوصا أئمة اليمن الميمون وتلامذتهم فهو يعلم بأن هذا القول هو الحق المنصور والمذهب المختار والكلام المعتمد عليه ما سواه سراب وتباب ولولا مخافة الإطالة وخشية الملالة لذكرت ههنالك ما تذعن له من الأدلة على ذلك ومفاسد ما هنالك وبالله التوفيق وهو العاصم عن التنكيب عن سواء الطريق اللهم أرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة.
فصل
قال ابن خلدون رحمه الله تعالى: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والإباحة والندب والكراهة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة على اختلاف فيها بينهم ولا بد من وقوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف أيضاً.
فالسنة1 مختلفة الطرق في الثبوت وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح وهو مختلف أيضا فالأدلة من غير النصوص مختلف فيها وأيضا فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص وما كان منها غير ظاهر في النصوص فحمل على منصوص لمشابهة بينهما وهذه كلها إشارات للخلاف ضرورية الوقوع ومن هنا وقع الخلاف بين السلف والأئمة من بعدهم.
ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهة ومحكمة وسائر دلالته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم سمعه منهم من عليتهم وكانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة ثم عظمت أمصار الإسلام وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعــة وعلما فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء.
وانقسم الفقه إلى طريقتين: طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق.
وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز.
وكان الحديث قليلا في أهل العراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرأي ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس والشافعي من بعده.
ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها وكان إمام هذا المذهب داود بن علي وابنه وأصحابه.
وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح على قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منهم إلا في مواطنهم فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة.
ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة وربما يعكف كثير من الطالبين ممن تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يحلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه وربما عد بهذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين. وقد فعل ذلك ابن حزم1 بالأندلس على علو رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم وخالف إمامهم داود وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم الناس ذلك عليه وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك حتى إنها ليحظر بيعها بالأسواق وربما تمزق في بعض الأحيان ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز.
فأما أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان ابن ثابت ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشافعي.
وأما أهل الحجاز فكان إمامهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختص بزيارة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنه رأى أنهم فيما يتفقون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم وهكذا إلى الجيل المباشرين لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآخذين ذلك عنه وصار ذلك عنده من أصول الأدلة الشرعية ظن كثير أن ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأن دليل الإجماع لا يخص أهل المدينة ممن سواهم بل هو شامل للأمة.
واعلم أن الإجماع إنما هو الاتفاق على الأمر الديني عن اجتهاد مالك رحمه الله لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى وإنما اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعم الملة ذكرت في باب الإجماع الأبواب بها من حيث ما فيها من الاتفاق الجامع بينها وبين الإجماع إلا أن اتفاق أهل الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلة واتفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم ولو ذكرت المسئلة في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق.
ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختص بمذهب وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه.
وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من علية المحدثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصوا بمذهب آخر ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرحوا بالعجز والأعواز وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة1.
فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلون لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية للأخبار بعضها ببعض وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث.
وأما أبو حنيفة: فمقلدوه اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم كلها لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام وكانت تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية وحسن مباحثهم في الخلافيات وجاؤوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي ابن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما.
وأما الشافعي رحمه الله فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه.
ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام أيضا ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعد هما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر.
وأما مالك رحمه الله فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج العراق ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك رحمه الله وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب.
ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير أو التفرقة واتباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد وأهل المغرب جميعا مقلدون لمالك رحمه الله.
وقد كان تلامذته افترقوا بمصر والعراق فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد وابن اللبان والقاضي أبو بكر الأبهري والقاضي أبو الحسين بن القصار والقاضي عبد الوهاب من بعدهم وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكيم والحارث بن مسكين وطبقتهم ورحل من الأندلس عبد الملك بن حبيب فأخذ عن ابن القاسم وطبقته وبث مذهب مالك في الأندلس ودون فيه كتاب الواضحة ثم دون العتبي من تلامذته كتاب العتبية ورحل من إفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولا ثم انتقل إلى مذهب مالك وكتب علي بن القاسم في سائر أبواب الفقه وجاء إلى القيروان بكتابه وسمى الأسدية نسبة إلى أسد بن الفرات فقرا بها سحنون على أسد ثم ارتحل إلى المشرق ولقي ابن القاسم وأخذ عنه وعارضه بمسائل الأسدية فرجع عن كثير منها وكتب سحنون مسائلها ودونها وأثبت ما رجع عنه وكتب لأسد أن يأخذ بكتاب سحنون فأنف من ذلك فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب فكانت تسمى المدونة والمختلطة وعكف أهل القيروان على هذه المدونة وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية.
ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابة المسمى بالمختصر ولخصه أيضا أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب واعتمده المشيخة من أهل إفريقية وأخذوا به وتركوا ما سواه وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع.
فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن يونس واللخمي وابن محرز التونسي وابن بشير وأمثالهم.
وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن رشد وأمثاله وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب وفرع الأمهات كلها في هذا الكتاب ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة وزخرت بحار المذهب المالكي في الأفقين إلى انقراض دولة قرطبة والقيروان ثم تمسك بهما أهل المغرب بعد ذلك إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب وكانت الطريقة المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسكين وابن المبشر وابن اللهيث وابن رشيق وابن شاس وكانت بالإسكندرية في بني عوف وبني سند وابن عطاء الله ولم أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الحاجب لكنه جاء بعدا نقراض دولة العبيديين وذهاب فقه أهل البيت وظهور فقهاء السنة من الشافعية والمالكية.
ولما جاء كتابه إلى المغرب آخر المائة السابعة عكف عليه الكثير من طلبة المغرب وخصوصا أهل بجاية لما كان كبير مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلى المغرب فإنه كان قرأ على أصحابه بمصر ونسخ مختصره ذلك فجاء به وانتشر بقطر بجاية في تلاميذه ومنهم انتقل إلى سائر الأمصار المغربية وطلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون قراءته ويتدارسونه لما يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه وقد شرحه جماعة من شيوخهم كابن عبد السلام وابن رشد وابن هارون وكلهم من مشيخة أهل تونس وسابق حلبتهم في الإجادة في ذلك ابن عبد السلام وهم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

دقرون

دقرون
عن العبرية بمعنى ثقب وخرق.
دقرون
عن العبرية بمعنى نسيج وخيوط صناعــية شديدة المرونة. يستخدم للذكور.

علم الشعبذة

علم الشعبذة
قد تقدم الكلام عليه في ذيل علم السحر.
قال في مدينة العلوم: علم الشعبذة والتخيلات والأخذ بالعيون المخيلة لسرعة فعل صناعــها برؤية الشيء على خلاف ما هو عليه.
والشعبذة: وقد يقال: الشعوذة معرب شعبادة وهي اسم رجل ينسب إليه هذا العلم.
وهو: علم مبني على خفة اليد بأن يرى الناس الأمر المكرر واحدا والواحد مكرر بسرعة التحريك ويرى الجماد حيا ويخفي المحسوس عن أعين الناس بلا أخذ من عندهم باليد إلى غير ذلك من الأحوال التي تعارفها الناس بالآنية دون اللمية وهذا ليس من السحر في شيء لكن لشبهه به في رأي العين جعلناه من فروعه انتهى.

علم الأطعمة والمزورات

ذكره أبو الخير من فروع علم الطب وقال: هو علم باحث عن كيفية تركيب الأطعمة اللذيذة والنافعة بحسب الأمزجة ورأيت فيه تصنيفا. انتهى
علم الأطعمة والمزورات
ذكره: المولى أبو الخير.
من فروع علم الطب.
وقال: هو علم باحث عن: كيفية تركيب الأطعمة اللذيذة والنافعة، بحسب الأمزجة، ورأيت فيه تصنيفا. انتهى.
ولا يخفى أنه: صناعــة الطبخ.
وفيه: (الدبيخ، في الطبيخ).

علم الهيئة

علم الهيئة
ذكره في كشف الظنون ولم يزد على ذلك. وقال في مدينة العلوم: هو علم يعرف منه أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها ومقاديرها وأبعادها.
وموضوعه الأجرام المذكورة من الحيثية المذكورة وقد يذكر هذا العلم تارة مع براهينها الهندسية كما هو الأصل وهذا هو المذكور في المجسطي لبطليموس ولخصه الأبهري وعربه.
ومن الكتب المختصرة: فيه هيئة ابن أفلح.
ومن المبسوطة: القانون المسعودي لأبي ريحان البيروتي وشرح المجسطي للنيروزي وقد تجرد عن البراهين ويقتصر على التصور والتخيل دون اليقين ويسمى هيئة بسيطة.
ومن المختصر فيه: التذكرة لنصير الدين الطوسي.
ومن المتوسط: هيئة العرضي ومن المبسوطة: أيضا التحفة ونهاية الإدراك كلاهما للعلامة قطب الدين الشيرازي.
ومن المختصرة: الملخص المشهور لمحمود الجغميني وعليه شروح منها: شرح لفضل الله العبيدي وكمال الدين الزاكاني والشريف الجرجاني.
وأحسن الشروح شرح الفاضل قاضي زادة الرومي.
ومن المختصرة النافعة فيه: غاية النفع كتاب النخبة لعلي بن محمد القوشجي وعليه شرح لمولانا سنان الدين وشرحه أستاذي محمود بن محمد بن قاضي زاده الرومي وهو ابن بنت المصنف علي بن محمد القوشجي كتبه عند قراءتي عليه الكتاب المذكور وهذا الشرح من أحسن المؤلفات في هذا الفن وكانت القدماء قد اقتصروا في هيئة الأفلاك على الدوائر المجردة وتسمى: هيئة مسطحة وفيه كتاب لأبي علي بن الهيثم انتهى كلامه.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: علم الهيئة: هو من أصول الرياضي وهو علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية من حيث الكمية والكيفية والوضع والحركة اللازمة لها وما يلزم منها.
فالكمية إما منفصلة: كأعداد الأفلاك وبعض الكواكب دون أعداد العناصر فإنها مأخوذة من الطبعيات وأما متصلة: كمقادير الأجرام والأبعاد واليوم وأجزاءه وما يتركب منها.
وأما الكيفية: فكالشكل إذ تتبين فيه استدارة هذه الأجسام وكلون الكواكب وضوئها.
وأما الوضع: فكقرب الكواكب وبعدها عن دائرة معينة وانتصاب دائرة وميلانها بالنسبة إلى سمت رؤوس سكان الأقاليم وحيلولة الأرض بين النيرين والقمر بين الشمس والأبصار ونحو ذلك.
وأما الحركة فالمبحوث عنه في هذا الفن منها هو قدرها وجهتها.
وأما البحث عن أصل الحركة وإثباتها للأفلاك فمن الطبعيات والمراد باللازمة الدائمة على زعمهم وهي حركات الأفلاك والكواكب واحترز بها عن حركات العناصر كالرياح والأمواج والزلازل فإن البحث عنها من الطبعيات.
وأما حركة الأرض من المغرب إلى المشرق وحركة الهواء بمشايعتها وحركة النار بمشايعة الفلك فمما لم يثبت ولو ثبت فلا يبعد أن يجعل البحث عنها من حيث القدر والجهة من مسائل الهيئة والمراد بما يلزم من الحركة الرجوع والاستقامة التذكرة هذا القيد - أعني قيد ما يلزم منها - والظاهر أنه لا حاجة إليه.
والغرض من قيد الحيثية: الاحتراز عن علم السماء والعالم فإن موضوعه البسائط المذكورة أيضا لكن يبحث فيه عنها لا عن الحيثية المذكورة بل من حيث طبائعها ومواضعها والحكمة في ترتيبها ونضدها وحركاتها إلا باعتبار القدر والجهة.
وبالجملة فموضوع الهيئة الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات المخصوصة ونحوها وموضوع علم السماء والعالم الذي هو من أقسام الطبعي الجسم البسيط أيضا لكن من حيث إمكان عروض التغير والثبات وإنما زيد لفظ الإمكان إشارة إلى أن ما هو من جزء الموضوع ينبغي أن يكون مسلم الثبوت وهو إمكان العروض لا العروض بالفعل.
وقيل: موضوع كل من العلمين الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات والتمايز بينهما إنما هو بالبرهان فإن أثبت المطلوب بالبرهان الآني يكون من الهيئة وإن أثبت بالبرهان اللمي يكون من علم السماء والعالم فإن تمايز العلوم كما يكون بتمايز الموضوعات كذلك قد يقع بالمحمولات والقول بأن التمايز في العلوم إنما هو بالموضوع فأمر لم يثبت بالدليل بل هو مجرد رعاية مناسبة.
واعلم أن الناظر في حركات الكواكب وضبطها وإقامة البراهين على أحوالها يكفيه الاقتصار على اعتبار الدوائر ويسمى ذلك هيئة غير مجسمة ومن أراد تصور مبادئ تلك الحركات على الوجه المطابق لقاعد الحكمة فعليه تصور الكرات على وجه تظهر حركات مراكز الكواكب وما يجري مجراها في مناطقها ويسمى ذلك هيئة مجسمة وإطلاق العام على المجسمة مجاز ولهذا قال صاحب التذكرة:
إنها ليست بعلم تام لأن العلوم هو التصديق بالمسائل على وجه البرهان فإذا لم يورد بالبرهان يكون حكاية للمسائل المثبتة بالبرهان في موضع آخر هذا كله خلاصة ما ذكره عبد العلي البرجندي في حواشي شرح الملخص.
والمذكور في علم الهيئة ليس مبينا على المقدمات الطبعية والإلهية وما جرت به العادة من تصدير المصنفين كتبهم بها إنما هو بطريق المتابعة للفلاسفة وليس ذلك أمرا واجبا بل يمكن إثباته من غير ملاحظة الابتناء عليها فإن المذكور فيه بعضه مقدمات هندسية لا يتطرق إليها شبهة مثلا: مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بان نور القمر مستفاد من نور الشمس وبعضه مقدمات يحكم بها العقل بحسب الأخذ لما هو الأليق والأحرى كما يقولون: إن محدب الحامل يماس محدب الممثل على نقطة مشتركة وكذا مقعره بمقعره ولا مستند لهم غير أن الأولى أن لا يكون في الفلكيات فضل لا يحتاج إليه وكذا الحال في أعداد الأفلاك من أنها تسعة وبعضه مقدمات يذكرونها على سبيل التردد دن الجزم كما يقولون أن اختلاف حركة الشمس بالسرعة والبطء إما بناء على أصل الخارج أو على أصل التدوير من غير جزم بأحدهما فظهر أن ما قيل: من أن إثبات مسائل هذا الفن مبني على أصول فاسدة مأخوذة من الفلاسفة من نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك وغير ذلك ليس بشيء ومنشأه عدم الاطلاع على مسائل هذا الفن ودلائله. وذلك لأن مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بأن نور القمر حاصل من نور الشمس وإن الخسوف إنما هو بسبب حيلولة الأرض بين النيرين والكسوف إنما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والبصر مع القول بثبوت القادر المختار ونفي تلك الأصول المذكور فإن ثبوت القادر المختار وانتفاء تلك الأصول لا ينفيان أن يكون الحال ما ذكر غاية الأمر أنهما يجوزان الاحتمالات الآخر مثلا: على تقدير ثبوت القادر المختار يجوز أن يسود القادر بحسب أرادته وينور وجه القمر على ما يشاهد من التشكلات البدرية والهلالية وأيضا يجوز على تقدير الاختلاف في حركات الفلكيات وسائر أحوالها أن يكون أحد نصفي كل من النيرين مضيئا والآخر مظلما ويتحرك النيران على مركزيهما بحيث يصير وجهاهما المظلمان مواجهين لنا في حالتي الخسوف والكسوف إما بالتمام إذا كانا تامين أو بالبعض إن كانا ناقصين وعلى هذا القياس حال التشكلات البدرية والهلالية لكنا نجزم مع قيام الاحتمالات المذكور أن الحال على ما ذكر من استفادة القمر النور من الشمس وأن الخسوف والكسوف بسبب الحيلولة ومثل هذا الاحتمال قائم في العلوم العادية والتجريبية أيضا بل في جميع الضروريات مع أن القادر المختار يجوز أن يجعلها كذلك بحسب إرادته بل على تقدير أن يكون المبدأ موجبا يجوز أن يتحقق وضع غريب من الأوضاع الفلكية فيقتضي ظهور ذلك الأمر الغريب على مذهب القائلين بالإيجاب من استناد الحوادث إلى الأوضاع الفلكية وغير ذلك مما هو مذكور في شبه القادحين في الضروريات.
ولو سلم أن إثبات مسائل هذا الفن يتوقف على تلك الأصول الفاسدة فلا شك أنه إنما يكون ذلك إذا ادعى أصحاب هذا الفن أنه لا يمكن إلا على الوجه الذي ذكرنا.
أما إذا كان دعواهم أنه يمكن أن يكون على ذلك الوجه ويمكن أن يكون على الوجوه الآخر فلا يتصور التوقف حينئذ وكفى بهم فضلا أنهم تخيلوا من الوجوه الممكنة ما تنضبط به أحوال تلك الكواكب مع كثرة اختلافاتها على وجه تيسر لهم أن يعينوا مواضع تلك الكواكب واتصالات بعضها ببعض في كل وقت وأرادوا بحيث يطابق الحس والعيان مطابقة تتحير فيها العقول والأذهان كذا في شرح التجريد وهكذا يستفاد من شرح المواقف في موقف الجواهر في آخر بيان محدد الجهات.
وفي إرشاد القاصد الهيئة: وهو علم تعرف به أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها وأبعاد ما بينها وحركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها.
وموضوعه: الأجسام المذكورة من حيث كميتها وأوضاعها وحركاتها اللازمة لها.
وأما العلوم المتفرعة عليه فهي خمسة وذلك لأنه إما أن يبحث عن إيجاد ما تبرهن بالفعل أولا.
الثاني: كيفية.
الأرصاد والأول: إما حساب الأعمال أو التوصل إلى معرفتها بالآلات.
فالأول منهما: إن اختص بالكواكب المجردة فهو علم الزيجات والتقاويم وإلا فهو علم المواقيت.
والآلات: إما شعاعية أو ظلية فإن كانت شعاعية فهو علم تسطيح الكرة وإن كانت ظلية فعلم الآلات الظلية وقد ذكرنا هذه العلوم في هذا الكتاب على نهج الترتيب المختار فيه.
وقال ابن خلدون: هو علم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيرة ويتسدل بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق هندسة كما يبرهن على أن مركز الأرض مبائن لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال والأدبار وكما يستدل بالرجوع والاستقامة للكواكب على وجود أفلاك صغيرة حاملة لها متحركة داخل فلكها الأعظم وكما يبرهن على وجود الفلك الثامن بحركة الكواكب الثابتة وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكوكب الواحد بتعدد الميلول له وأمثال ذلك وإدراك الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها إنما هو بالرصد فإنا إنما علمنا حركة الإقبال والأدبار به وكذا ترتيب الأفلاك في طبقاتها وكذا الرجوع والاستقامة وأمثال ذلك.
وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين وكانت تسمى عندهم: ذات الحلق وصناعــة عملها والبراهين عليه في مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس.
وأما في الإسلام: فلم تقع به عناية إلا في القليل وكان في أيام المأمون شيء منه وصنع الآلة المعروفة للرصد المسماة: ذات الحلق وشرع في ذلك فلم يتم ولما مات ذهب رسمه وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال الأحقاب.
وإن مطابقة حركة الآلة في الرصد بحركة الأفلاك والكواكب إنما هو بالتقريب ولا يعطى التحقيق فإذا طال الزمان ظهر تفاوت ذلك بالتقريب.
وهذه الهيئة صناعــة شريفة وليست على ما يفهم في المشهور إنها تعطي صورة السموات وترتيب الأفلاك والكواكب بالحقيقة بل إنما تعطي أن هذه الصور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت تعلم أنه لا يبعد أن يكون الشيء الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا:
إن الحركات لازمة فهو استدلال باللازم على وجود الملزوم ولا يعطي الحقيقة بوجه على أنه علم جليل وهو أحد أركان التعاليم.
ومن أحسن التآليف فيه: كتاب المجسطي منسوب لبطليموس وليس من ملوك اليونان الذين أسماهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشفاء ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن السمح وابن الصلت في كتاب الاقتصار ولابن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله علم الإنسان ما لم يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العلمين انتهى كلام ابن خلدون. وقد بسطنا القول في الهيئة في كتابنا لقطة العجلان فمن شاء أن يطلع عليه فعليه به والله الموفق. 

علم النحو

علم النحو
علم باحث عن أحوال المركبات الموضوعة وضعا نوعيا لنوع نوع من المعاني التركيبية النسبية من حيث دلالتها عليها.
وغرضه: تحصيل ملكة يقتدر بها على إيراد تركيب وضع وضعا نوعيا لما أراده المتكلم من المعاني وعلى فهم معنى أي مركب كان بحسب الوضع المذكور.
وغايته: الاحتراز عن الخطأ في تطبيق التراكيب العربية على المعاني الوضعية الأصلية.
ومباديه: المقدمات الحاصلة من تتبع الألفاظ المركبة في موارد الاستعمالات.
وموضوعه: المركبات والمفردات من حيث وقوعها في التراكيب والأدوات لكونها روابط التراكيب وإنما يبحث عنها في النحو على وجه المبدئية لأنها من مسائل اللغة حقيقة كذا في مدينة العلوم.
وقال في كشف الظنون: وتعريفه وموضوعه مستغن عن التعريف فأنه مشهور والكتب المؤلفة فيه كثيرة معروفة.
قال في مدينة العلوم: علم النحو من فروض الكفايات إذ يحتاج إليه الاستدلال بالكتاب والسنة.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون علم النحو ويسمى: علم الإعراب أيضا على ما في شرح اللب وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما وكيفية ما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها فيه من حيث هو هو أولا وقوعها فيه كذا في الإرشاد.
وموضوعه: اللفظ الموضوع مفردا كان أو مركبا وهو الصواب كذا قيل.
يعني موضوع النحو: اللفظ الموضوع باعتبار هيئته التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية لا مطلقا فإنه موضوع العلوم العربية.
وقيل: الكلمة والكلام.
وقيل: هو المركب بإسناد أصلي.
ومباديه: حدود ما تبتني عليه مسائله كحد المبتدأ والخبر مقدمات حججها أي أجزاء علل المسائل كقولهم في حجة رفع الفاعل أنه أقوى الأركان والرفع أقوى الحركات ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم. الكلمة: إما معرب أو مبني أو جزئه كقولهم آخر الكلمة محل الأعراب أو جزئية كقولهم: الاسم بالسببين يمتنع عن الصرف أو عرضه كقولهم: الخبر.
إما مفردا وجملة أو خاصته كقولهم الإضافة تزاحم التنوين ولو بواسطة أو وسائط أي ولو كان تعلق الأحكام بأحد هذه الأمور ثابتا بواسطة أو وسائط كقولهم الأمر يجاب بالفاء فالأمر جزئي من الإنشاء والإنشاء جزئي من الكلام.
والغرض منه: الاحتراز عن الخطأ في التأليف والاقتدار على فهمه والإفهام به هكذا في الإرشاد وحواشيه وغيرها انتهى حاصله.
قال ابن خلدون رحمه الله: اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل الساني فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم وكانت الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني مثل: الحركات التي تعين الفاعل من المفعول ومن المجرور أعني المضاف ومثل: الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة ولذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً". فصار للحروف في لغتهم والحركات والهيئات أي: الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لــصناعــة يستفيدون ذلك منها إنما ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا فلما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقي إليه السمع من المخالفات التي للمتعربين والسمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على الفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل: أن الفاعل مرفوع المفعول منصوب والمبتدأ مرفوع.
ثم رأوا تغير الدلالة بتغيير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعــة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو.
وأول من كتب فيها: أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة ويقال: بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكة فأشار عليه بحفظها ففرغ إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة.
ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب فهذب الــصناعــة وكمل أبوابها.
وأخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها واستكثر من أدلتها وشواهدها ووضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماما لكل ما كتب فيها من بعده. ثم وضع أبو علي الفارسي وأبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه.
ثم طال الكلام في هذه الــصناعــة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصرين القديمين للعرب وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في أعراب كثير من أي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين.
وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل. كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل وأمثاله.
أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلمين كما فعله الزمخشري في المفصل وابن الحاجب في المقدمة له وربما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفية.
وبالجملة فالتأليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو تحاط بها وطرق التعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدمين غايرة لطريقة المتأخرين والكوفيون والبصريون والبغداديون والأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك وقد كادت هذه الــصناعــة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم والصنائع بتناقص العمران ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الأعراب مجملة ومفصلة وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الــصناعــة من المتكرر في أكثر أبوابها وسماه بالمغني في الإعراب وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها وضبطها بأبواب ومفصول وقواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الــصناعــة ووفور بضاعته منها وكأنه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه والله يزيد في الخلق ما يشاء انتهى.
قال في مدينة العلوم: ومن الكتب المشهورة في علم النحو مقدمة لابن الحاجب المسماة بالكافية والناس قد اعتنوا بالكافية أشد الاعتناء بحيث لا يمكن إحصاء شروحها وأجلها الذي سار ذكره في الأمصار والأقطار مسير الصبا والأمطار شرح العرمة نجم الأئمة رضي الدين الإسترآبادي وهو شرح عظيم الشأن جامع لكل بيان وبرهان تضمن من المسائل أفضلها وأعلاها ولم يغادر من الفوائد صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
قال السيوطي في طبقات النحاة: لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ العصر في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب ينفرد بها وله شرح على الشافية انتهى.
ويروى: أن رضي الدين كان على مذهب الرفض يحكى أنه: كان يقول العدل في عمر ليس بتحقيقي موضع قوله العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل.
ومن شروح الكافية شرح السيد ركن الدين كبير ومتوسط صغير وهذا المتوسط متداول بين الناس على أيدي المبتدئين. وشرح الفاضل السامي الشيخ عبد الرحمن الجامي بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله في بلادنا أغنتنا عن التعرض لترجمته.
وشرح جلال الدين الغجدواني أحمد بن علي قال السيوطي هذا الشرح مشهور بأيدي الناس
وشرح النجم السعيدي.
وشرح تقي الدين النيلي وشرح المصنف للمتن وفيه أبحاث حسنة.
ومن المختصرات لب الألباب وعليه شروح أحسنها شرح السيد عبد الله العجمي نقره كار ومعناه: صانع الفضة ولب الإعراب لتاج الدين الإسفرائيني وله شروح منها شرح قطب الدين الفالي وشرح الإمام الزوزني محمد بن عثمان وزوزن بلدين هراة ونيسابور.
وشرح الشيخ علي الشهير بمصنفك كان من أولاد الإمام فخر الدين الرازي والرازي يصرح في مصنفاته بأنه من أولاد عمر بن الخطاب وذكر أهل التاريخ أنه من أولاد أبي بكر الصديق.
ومن المختصرات أيضا: المصباح للإمام المطرزي وشرحه ضوء المصباح للإسفرايئني.
والعمدة لابن مالك وعليه شروح منها: شرح ابن جابر الأندلسي.
وألفية جلال الدين السيوطي ومن المنظومات ملحة الإعراب لأبي القاسم الحريري.
وأرجوزة الشيخ ابن الحاجب نظم الكافية على أحسن وجه خاليا عن تكلف النظم.
ومن المبسوطات: شروح المفصل منها: الإيضاح لابن الحاجب وشرح ابن يعيش والإقليد للجندي وكتاب مغنى اللبيب عن كتب الأعازيب لابن هشام وله مختصر سماه قواعد الإعراب وعليهما شروح نافعة.
قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه قال السيوطي: وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده انتهى حاصل ما في مدينة العلوم وقد أطال في بيان تراجم النحاة المذكورين.

علم الميزان

علم الميزان
ويسمى علم المنطق تقدم وإنما سمي بالميزان إذ به توزن الحجج والبراهين.
وكان أبو علي يسميه: خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه بل هو وسيلة إلى العلوم فهو كخادم لها.
وأبو نصر يسميه: رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها فيكون رئيسا حاكما عليها وإنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة.
ولما كان هذا الفن يقوي الأول ويسلك بالثاني مسلك السداد ويحصل بسببه كمالات الثالث اشتق له اسم منه وهو المنطق.
وهو: علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر.
والمعلومات: تتناول الضرورية والنظرية.
والمجهولات: تتناول التصورية والتصديقية وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلى النظريات لأنه يوهم بالانتقال الذاتي علم ما يتبادر من العبارة والمراد الأعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة.
وأما احترازاته: فقد ذكرها صاحب كشاف اصطلاحات الفنون وليس إيرادها ههنا من غرضنا في هذا الكتاب.
والمنطق من العلوم الآلية لأن المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ولذا قيل: الغرض من تدوينه العلوم الحكمية فهو في نفسه غير مقصود ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
وموضوعه: التصورات والتصديقات أي: المعلومات التصورية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية فإنه يبحث عن التصورات من حيث إنها توصل إلى تصور مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحد والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلى التصور ما لم ينضم إليه آخر يحصل منها حد أو رسم.
ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل أو بعيد ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها فإنها ما لم تنضم إليه ضميمة لا توصل إلى التصديق.
ويبحث عن التصورات من حيث أنها توصل إلى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات ولا خفاء في أن إيصال التصورات والتصديقات إلى المطالب قريبا أو بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هي موضوع المنطق.
وذهب أهل التحقيق إلى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث إنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلى المجهول أو يكون لها نفع في الإيصال.
فإن المفهوم الكلي إذا وجد في الذهن وقيس إلى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية وباعتبار خروجه عنها العرضية وباعتبار كونه نفس ماهياتها النوعية وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر وكذلك ما عرض له العرضية إما خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين.
وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إما منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركب الحدية والرسمية ولا شك أن هذه المعاني أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية إذا وجدت في الأذهان وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية وكون الحجة قياسا أو استقراء أو تمثيلا فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق.
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب فإنها عوارض ذاتية للمعقولات الثانية فقط.
فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركبت بعضها مع بعض فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة في الدرجة الثالثة من التعقل وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الدرجة الرابعة من التعقل وعلى هذا القياس.
وقيل: موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلا في المعاني ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض.
والغرض من المنطق: التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير والشر في الأفعال والحق والباطل في الاعتقادات.
ومنفعته: القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية.
وأما شرفه: فهو أن بعضه فرض وهو البرهان لأنه لتكميل الذات وبعضه نقل وهو ماسوى البرهان من أقسام القياس، لأنه للخطاب مع الغير ومن أتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم، ومن طلب العلوم الغير المتسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق، فهو كحاطب ليل وكرامد العين لا يقدر على النظر إلى الضوء لا البخل من الموجد بل لنقصان في الأستعداد والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام، وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمات لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية. ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية مع الهندسة والحساب.
وأما الأول: فلما قال أبقراط: البدن ليس بنقي كلما غذوته إنما يزيد شرا ووبالا ألا ترى أن الذين لم يهذبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال وانخرطوا في سلك الجهال وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ويتقلدوا ذل الطاعة فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر آذانهم والحق تحت أقدامهم وأما الثاني: فلتستأنس طبائعهم إلى البرهان كذا في شرح إشراق الحكمة ومؤلف المنطق ومدونه أرسطو انتهى. ما في كشاف اصطلاحات الفنون.
ولشيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني رسالة في هذا الباب سماه أمنية المتشوق في حكم المنطق قال فيها:
الخلاصة في ذلك أنه ذهب إلى لزوم تعلم المنطق الغزالي وجماعة.
وذهب إلى تكريهه قوم.
وقال بإباحته جمع جم وصرح بتحريمه جماعة.
قال السيوطي في الحاوي: المنطق هو: فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به مبني بعض ما فيه على القول بالهيولي الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة. وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على جميع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة.
فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ونص عليه من أصحابه إمام المحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفيده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوي والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف المقري قال: وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي.
ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوسي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي حمزة وعامة أهل المغرب.
ونص عليه من الأئمة الحنفية: أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بعلم المنطق.
ونصل عليه من أئمة الحنابلة: ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقض قواعده مجلدا كبيرا اسمه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان انتهى كلامه.
ومن عرف معنى الهيولي الذي جعله سببا لتحريم هذا الفن لابتناء بعضه عليه. علم أن السيوطي رحمه الله تعالى في هذا الفن ناقة ولا جمل ورجل ولا حمل فهو معذور. وقد قال بقول هؤلاء جماعة من أهل البيت وابن حزم الظاهري قال في الجوهرة: وقد فرط الغزالي وأفرط. وأما تفريطه: فكونه زعم أنه لا حاجة إلى علم الكلام.
وأما إفراطه: فلأنه شرط للمجتهد ما لم يشترط أحد من علماء الإسلام معرفة صناعــة المنطق ولهذا قال المهدي في أوائل البحر: وأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان البرهان دونه يعني لا يعدونه من علوم الاجتهاد.
وفي منهاج القرشي: أن الفلاسفة وضعوا علم المنطق خديعة وتوصلا إلى إبطال مسائل التوحيد لأنهم جعلوا قياس الغائب على الشاهد ظنيا وجميع مسائل التوحيد مبنية عليه فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع وصفاته ظني لا يمكن العلم به وتوصلا إلى إبطال مسائل العدل لأنهم جعلوا الحكم بقبح المظلم والكذب ونحو ذلك والحكم بحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم ونحو ذلك أمورا مشهورات مسلمات ليس فيها إلا ظن ضعيف فلا يحكم الإنسان بقبح الظلم إلا لرقة قلبه أو الحمية أو لمحبة التعاون على المعاش ونحو ذلك
فتوصلوا بذلك إلى إبطال العدل والوعيد والشرائع وتكلفوا للتوصل إلى هذه الخديعة فنا من أدق الفنون والبراهين الحاصلة عن أشكالهم نوع واحد من أنواع العلوم وهو إلحاق التفصيل بالجملة وهو أقل العلوم كلفة وإن لم يكن ضروريا كمن يعلم أن كل ظلم قبيح ثم يعلم في وقت معين أنه ظلم فإنه يعلم أن هذا المعين قبيح إلحاقا للتفصيل بالجملة ولا يحتاج إلى إيراد مقدمتين في شكل مخصوص انتهى.
قال القاضي علي بن عبد الله بن رادع: ولقد عرفت صحة ما ذكره في المنهاج بسماعي لمعظم كتب المنطق كالرسالة الشمسية وشرحها وغيرهما ووجدت ما يذكرونه في أشكالهم لا فائدة فيه إلى آخر ما قال في شرحه للأثمار ولقد عجبت من قول هذا القاضي حيث قال: بسماعي لمعظم كتب المنطق ثم تكلم بعد ذلك بكلام يشعر بعدم معرفته لأول بحث من مباحث الرسالة الشمسية وكثيرا من يظن أنه قد عرف علم المنطق وهو لا يعرفه لأنه علم دقيق لا يفتح هذه الإشكالات الباردة.
قال ابن رادع في شرح الأثمار: روي عن المؤلف أيده الله أنه قال: إن العلماء المتقدمين كانوا إذا اطلعوا على شيء من ألفاظ الفلاسفة في أي كلام يرد عليهم اكتفوا في رده وإبطاله بكون فيه شيء من عبارة الفلاسفة ولم يتشاغلوا ببيان بطلانه وإن كثيرا من العلماء المتقدمين وكثيرا من المتأخرين نهوا عن الخوض فيه أشد النهي.
وصنف الشيخ جلال الدين السيوطي كتابا سماه القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ولم يشتغل من اشتغل من المتأخرين إلا لما كثر التعبير بقواعده من المخالفين واستعانوا بالخوض فيه على تيسير الرد عليهم بالطريق التي سلكوها وكان الأولى السلوك في طريقة المتقدمين لأن قواعد التعبير بعبارة المنطق كثيرة الغلط وخارجة عن عبارة الكتاب والسنة واللسان العربي مع أنه مفسدة في كل من الأديان وقد روي أن بعض الخلفاء العباسيين لما طلب الفلاسفة ترجم علم المنطق باللغة العربية شاور كبيرا لهم فقال: ترجموه لهم فإن علمنا هذا لا يدخل في دين إلا أفسده.
قال المؤلف رحمه الله: وقد وجد ذلك الكلام صحيحا فإن كثيراً من المتعمقين في علم المنطق من المسلمين قد مال في كثير من الأصول إلى ما يفكر به قطعاً.
وأما غير المسلمين من أهل الكتاب فقد تفلسف أكثرهم ولهذا إن كل من خرج عن الأصول الشرعية والعقلية لا يعتمد غيره مثل الباطنية والصوفية وغيرهم انتهى.
وقال جماعة من العلماء: القول الفصل فيه أنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله ويقطع به آخر الطريق.
قال الإمام يحيى بن حمزة: إن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب على علماء الإسلام.
وإن كان لغرض غير ذلك كالاقتفاء لآثارهم والتدين بدينهم فهو الكفر والفرية التي لا شبهة فيها ولا مرية وفي هذا القدر من أقوال العلماء كفاية وإن كان المجال يتسع لأضعاف أضعاف ذلك وليس مرادنا إلا الإشارة إلى الاختلاف في هذا العلم.
وأما ما هو الحق من هذه الأقوال فاعلم أنه لا يشك من له مسكة في صحة أطراف ثلاثة نذكرها هاهنا نجعلها كالمقدمة لما نرجحه.
الطرف الأول: إن علم المنطق علم كفري واضعه الحكيم أرسطاطاليس اليوناني وليس من العلوم الإسلامية بإجماع المسلمين والمنكر لهذا منكر للضرورة وليس للمشتهرين بمعرفته المكبين على تحقيق مطالبه من المسلمين كالفارابي وابن سينا ومن نحا نحوهم إلا التفهم لدقائقه والتعريف بحقائقه ولهذا قال الفارابي وهو أعلم المسلمين بهذا الفن لما قال له قائل: أيما أعلم أنت أم أرسطاطايس؟ فقال: لو أدركته لكنت من أكبر تلامذته.
الطرف الثاني: إن المتأخرين من علماء الإسلام ولا سيما أئمة الأصول والبيان والنحو والكلام والجدل من أهل البيت وغيرهم قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها وبالغ المحقق ابن الإمام الحسين بن القاسم في شرح غاية السول فقال:
وهاهنا أبحاث يحتاج إليها.
أما الأول: فلان هذا العلم لما كان علما بكيفية الاستنباط وطريقة الاستدلال عن دلائل وكان المنطق علما بكيفية مطلق الاستدلال والاستنباط شارك المنطق وشابهه من هذه الجهة حتى كأنه جزئي من جزئيات المنطق وفرع من فروعه ولا ريب في أن إتقان الأصل وتدبره أدخل لإتقان الفرع والتبصر فيه انتهى بلفظه.
فانظر كيف جعل علم الأصول جزئيا من جزئيات المنطق وجعله فرعاً والمنطق أصلاً.
وعلى الجملة فاستعمال المتأخرين لفن المنطق في كتبهم معلوم لكل باحث ومن أنكر هذا بحث أي كتاب شاء من الكتب المتداولة بين الطلبة التي هي مدارس أهل العصر في هذه العلوم فإنه يجد معرفة ذلك متعسرة إن لم تكن متعذرة بدون علم المنطق خصوصا علم الأصول. فإنها قد جرت عادة مؤلفيه باستفتاح كتبهم بهذا العلم كابن الحاجب في مختصر المنتهى وشرحه وابن الإمام في غاية السول وشرحها وغيرهما دع عنك المطولات والمتوسطات هذه المختصرات التي هي مدرس المبتدئ في زماننا كالمعيار للإمام المهدي وشروحه والكافل لابن بهران وشروحه قد اشتمل كل واحد منها على مباحث من هذا العلم لا يعرفها إلا أربابه ومن ادعى معرفتها بدون هذا العلم فهو يعرف كذب نفسه.
الطرف الثالث: إن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا كرسالة إيساغوجي للأبهري وشروحها التهذيب للسعد وشروحه والرسالة الشمسية وشروحها وما يشابه هذه الكتب قد هذبها أئمة الإسلام تهذيبا صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين فلا ترى فيها إلا مباحث نفيسة ولطائف شريفة تستعين بها على دقائق العلوم وتحل بها إيجازات المائلين إلى تدقيق العبارات فإن حرمت نفسك معرفتها فلاحظ لك بين أرباب التحقيق ولا صحة لنظرك بين أهل التدقيق فاصطبر على ما تسمعه من وصفك بالبلة والبلادة وقلة الفطنة وقصور الباع.
فإن قلت: السلف أعظم قدوة وفي التشبه بهم فضيلة قلت: لا أشك في قولك ولكنه قد حال بينك وبينهم مئات من السنين وكيف لك بواحدة من أهل القرن الأول والثاني أو الثالث تأخذ عنه المعارف الصافية عن كدر المنطق هيهات هيهات حال بينك وبينهم عصور ودهور فليس في زمانك رجل يسبح في لجج مقدمات علم الكتاب والسنة إلا وعلم المنطق من أول محفوظاته ولا كتاب من على علماء الإسلام فنون هذه المقدمات إلا وقد اشتمل على أبحاث منه فأنت بخير النظرين:
أما الجهل بالعلوم التي لا سبيل إلى معرفة الكتاب والسنة إلا بها.
أو الدخول فيما دخل فيه أبناء عصرك والكون في أعدادهم ولا أقول لك: لا سبيل لك إلى كتب المتقدمين التي لم تشب بهذا لعلم بل ربما وجده منها ما يكفيك عن كتب المتأخرين ولكنك لا تجد أحدا من أبناء عصرك تأخذها عنه بسنده المتصل بطريق السماع كما تجد كتب المتأخرين كذلك ولا أقول لك أيضا: إن علم الكتاب والسنة متوقف لذاته على معرفة علم المنطق فإن دين الله أيسر من أن يستعان على معرفته بعلم كفري ولكن معرفة علم الأصول والبيان والنحو والكلام على التمام والكمال متوقفة على معرفته في عصرنا لما أخبرناك به ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه متوقفة على معرفتها على نزاع والمتوقف على المتوقف متوقف.
وسبب التوقف بهذه الواسطة محبة المتأخرين للتدقيق والإغراب في العبارات واستعمال قواعد المناطقة واصطلاحاتهم وليتهم لم يفعلوه فإنه قد تسبب عن ذلك بعد الوصول إلى المطلوب على طالبه وطول المسافة وكثرة المشقة حتى إن طالب الكتاب والسنة بما لا يبلغ حد الكفاءة لقراءتهما إلا بعد تفويت أعوام عديدة ومعاناة معارف شديد فيذهب في تحصيل الآلات معظم مدة الرغبة واشتغال القريحة وجودة الذكاء فيقطعه ذلك عن الوصول إلى المطلوب وقد يصل إليهما بذهن كليل وفهم عليل فيأخذ منه بأنزر نصيب وأحقر حظ وهذا هو السبب الأعظم في إهمال علمي الكتاب والسنة في المتأخرين لأنهم قد أذهبوا رواء الطلب وبهاء الرغبة في غيرهما ولو أنفقوا فيهما بعض ما أنفقوا في آلاتهما لوجدت فيهم الحفاظ المهرة والأئمة الكملة1 والله المستعان. وحاصل البحث: أنه لم يأت من قال بتحريم علم المنطق بحجة مرضية إلا قوله أنه علم كفري ونحن نسلم ذلك ولكنا نقول: قد صار في هذه الأعصار بذلك السبب من أهم آلات العلوم حلال أو حرام بل يتوقف كثير من المعارف عليه فاشتغل به اشتغالك بفن من فنون الآلات ولا تعبأ بتشغيبات المتقدمين وبتشنيعات المقصرين وعليك بمختصرات الفن كالتهذيب والشمسية واحذر من مطولاته المستخرجة على قواعد اليونان كشفاء ابن سينا وما يشابهه من كتبه وكتاب الشفاء والإشارات وما يليهما من المطولات والمتوسطات التي خلط فيها أهلها المنطق بالحكمة اليونانية والفلسفة الكفرية يضل أكثر المشتغلين بها ويبعدهم عن الصراط السوي والهدي النبوي الذي أمرنا باتباعه بنصوص الكتاب والسنة والله تعالى أعلم بالصواب.

علم الزائرجة

علم الزائرجة
هو: من القوانين الــصناعــية لاستخراج الغيوب المنسوبة إلى العالم المعروف: بأبي العباس أحمد السبتي وهو من أعلام المتصوفة بالمغرب كان في آخر المائة السادسة بمراكش وبعهد يعقوب بن منصور من ملوك الموحدين وهي كثيرة الخواص يولعون باستفادة الغيب منها بعملها وصورتها التي يقع العمل عندهم فيها دائرة عظيمة في داخلها دوائر متوازنها للأفلاك والعناصر وللمكونات والروحانيات إلى غير ذلك من أصناف الكائنات الموجودات والعلوم
وكل دائرة منها مقسومة بانقسام فلكها إلى البروج والعناصر وغيرهما وخطوط كل منها مارة إلى المركز ويسمونها: الأوتار وعلى كل وتر حروف متتابعة موضوعة فمنها أعداد مرسومة برسوم الزمام التي هي من أشكل الأعداد عند أهل الدواوين والحساب بالمغرب.
ومنها برسوم قلم الغبار متناسقة كلها مع تلك الحروف وفي داخل الزايرجة وبين الدوائر أسماء العلوم ومواضع الأكوان وعلى ظهور الدوائر جدول مستكفي البيوت المتقاطعة طولا وعرضا يشتمل على خمسة وخمسين بيتا في العرض ومائة وإحدى وثلاثين في الطول جوانب منه معمورة البيوت تارة بالعدد وأخرى بالحروف ومن جوانب أخرى منه خالية البيوت ولا يعلم نسبة تلك الأعداد في أوضاعها نسبة البيوت العامرة من الخالية وجانبي الزائرجة أبيات من عروض بحر الطويل الكامل على روي اللام المنصوبة تتضمن صورة العمل في استخراج المطلوب من تلك الزائرجة إلا أنها من قبيل اللغز في عدم الوضوح ومستعجمة غير جلية.
فإذا أرادوا استخراج الجواب عما يسألون عنه أحضروا آلة الاصطرلاب لأخذ الارتفاع واستخراج الطالع فإذا علموا درجة من البرج أحصوه وأخذوا أس ذلك البرج في تلك الزائرجة وسموه: سلطان الطالع.
ثم يعملون بعضا من الأعمال المتداولة بينهم المعروفة عندهم حتى يخرجون حروفا مقطعة إذا ركبت يخرج منها بيت منظومة على الوزن والروي الذي لأبيات القصيدة المرسومة مع الجدول.
وقد يزعم بعضهم أنه يخرج منها أبيات أكثر من واحد وعلى أعاريض أخرى ولا بد عندهم لمن أحكم العمل بهذا القانون أن يخرج له الجواب عن سؤاله منظوما مفهوما وقد يكون مستغلقا على الفهم لقصور الملكة في العمل بذلك القانون وهي من الأعمال الغريبة في استخراج الأجوبة.
قال في الكشف: وفي بعض جوانب الزائرجة بيت من الشعر منسوب إلى بعض أكابر أهل الحذاقة بالمغرب وهو مالك بن وهيب الذي كان من علماء إشبيلية في الدولة اللمتونية والبيت هذا:
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذا ... غرائب شك ضبطه الجد مثلا
وفيه استخراج الجواب لما سئل عنه من المسائل على قانونه.
وذلك إنما وقع من مطابقة الجواب للسؤال لأن الغيب لا يدرك بأمر صناعــي البتة.
وإنما المطابقة فيها بين الجواب والسؤال من حيث الإفهام ووقوع ذلك بهذه الــصناعــة في تكسير الحروف المجتمعة من السؤال والأوتار غير مستنكر وقد وقع اطلاع بعض الأذكياء على التناسب فحصل به معرفة المجهول منها بالتناسب بين الأشياء وهو سر الحضور على المجهول من المعلوم الحاصل للنفس بطريق حصوله سيما الرياضة فإنها تفيد العقل زيادة ولذلك ينسبون الزائرجة إلى أهل الرياضة في الغالب.
وزائرجة منسوبة إلى سهل بن عبد الله أيضا وهي من الأعمال الغريبة.
في تاريخ ابن خلدون وهي غريبة العمل وصنعة عجيبة وكثير من الخواص يعملون بها بإفادة الغيب وحلها صعب على الجاهل انتهى.
وعبارة مدينة العلوم: مبنى هذا العلم هو أنهم يدعون أن العالم كله بما فيه من كلي وجزئي علوا وسفلا أفلاكا وعناصر ذواتا ومعاني ألفاظا وحروفا وأسماء وأفعالا متناسبة كلها على مقادير مقدرة ومرتبط بعضها ببعض ارتباطا غير منفصل.
ومن ذلك السؤال والجواب في ألفاظها وحروفها ومعانيها.
قال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المسمى بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر:
إن الناس افترقوا في هذا العلم فرقتين.
لأن منهم: المولعون به منها لكون في أحكام العمل بقانونه يعتقدون استخراج الغيوب بذلك القانون وعمله.
وآخرون: مذعنون بإنكاره ويزعمون أن العمل بقانونه غير صحيح في نفسه وأنه من الحيل ظنا منهم أن صاحب ذلك العمل يعد البيت منظوما ويخبر به جوابا عن السؤال فيطير به الغراب كل مطار ثم قال:
والحق أن مبنى هذا العلم كما مر على مراعاة التناسب بين الأمور المذكورة فيمكن أن يرفع الله - سبحانه وتعالى - الحجاب عن عقول بعض عباده فيطلع على وجه التناسب بينها فيقف على بعض الأمور الكائنة في عالم الملك ومع ذلك لا يمكن للبشر أن يطلع على علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه إذ التناسب بين العلم الرباني الذي من عالم الملكوت وبين عالم الملك بعيد فكيف يندرج تحت هذا القانون الذي مبناه على التناسب بين الكائنات في عالم الملك
فالقوانين والــصناعــة لا توصل إلى معرفة الغيب بوجه من الوجوه والله يعلم وأنتم لا تعلمون انتهى.

علم الموسيقى

علم الموسيقى
قال صاحب الفتحية الموسيقى: علم رياضي يبحث فيه عن أحوال النغم من حيث الاتفاق والتنافر وأحوال الأزمنة المتخللة بين النقرات من حيث الوزن وعدمه ليحصل معرفة كيفية تأليف اللحن هذا ما قاله الشيخ في شفاءه إلا إن لفظه بين النقرات زيدت على كلامه. وعبارته بعينها أي: معرفة النغم الحاصل من النقرات ليعم البحث عن الأزمنة التي تكون نقراتها منغمة أو ساذجة وكلامه يشعر بكون البحث عن الأزمنة التي تكون نقراها منغمة فقط.
وعرفها الشيخ أبو نصر: بأنها صوت واحد لابث لزمان فإذا قدر محسوسا في الجسم الذي فيه يوجد والزمان قد يكون غير محسوس القدر لصغره فلا مدخل للبحث والصوت اللابث فيه لا يسمى نغمة والقوم قدروا أقل المرتبة المحسوسة في زمان يقع بين حرفين متحركين ملفوظين على سبيل الاعتدال فظهر لنا أنه يشتمل على بحثين البحث: الأول: عن أحوال النغم والبحث الثاني: عن الأزمنة فالأول يسمى: علم التأليف. والثاني: علم الإيقاع.
والغاية والغرض منه حصول معرفة كيفية تأليف الألحان وهو في عرفهم أنغام مختلفة الحدة والثقل رتبت ترتيبا ملائما وقد يقال: وقرنت بها ألفاظ دالة على معان محركة للنفس تحريكا ملذا وعلى هذا فما يترنم به الخطباء والقراء يكون لحنا بخلاف التعريف الثالث: وهو وقرنت بها ألفاظ منظومة مظروفة الأزمنة بالأول أعم من الثاني والثالث وبين الثاني والثالث عموم من وجه.
وقال في مدينة العلوم: وهو علم تعرف منه أحوال النغم والإيقاعات وكيفية تأليف اللحون وإيجاد الآلات الموسيقائية وإنما وضعوا هذه الآلات لما ليس فيه الطبيعة فلم يرخصوا الإخلال به.
وموضوعه: الصوت من جهة تأثيره في النفس إما بالبسط أو بالقبض لأن الصوت إما أن يحرك النفس عن المبدأ فيحدث البسط من السرور واللذة وما يناسبها وإما إلى مبدئها فيحدث القبض والفكر في العواقب وما يناسب ذلك ومن الكتب المصنفة فيه كتاب الفارابي وهو أشهرها وأحسنها وكذا كتاب الموسيقي من أبواب الشفاء لابن سينا ولصفي الدين عبد المؤمن مختصر لطيف ولثابت بن قرة تصنيف نافع ولأبي الوفاء الجوزجاني مختصر نافع في فن الإيقاع والكتب في هذا الفن كثيرة وفيما ذكرناه كفاية انتهى كلامه.
وقد اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن أولا: فيثاغورس من تلامذة سليمان عليه السلام وكان رأى في المنام ثلاثة أيام متوالية أن شخصا يقول له: قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني وحصل هناك علما غريبا فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحدا فيه وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جدا فانعكس وكان هناك جمع من الحدادين يضربون بالمطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي صنع آلة وشد عليها إبريسما وأنشد شعرا في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء وبعد مدة قليلة صار حكيما محققا بالغا في الرياضة بصفاء جوهره وأصلا إلى مأوى الأرواح وسعة السماوات وكان يقول: إني أسمع نغمات شهية وألحانات بهية من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري فوضع قواعد هذا العلم.
وأضاف بعده الحكماء مخترعاتهم إلى ما وضعه إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس فتفكر أرسطو فوضع الأغنون وهو آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على حسب استعمال المستعمل وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرد اللهو والطرب فإن النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حسن التأليف وتناسب النغمات بسط فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي وتسمع هذا النداء وهو:
ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى العقول الروحانية والذخائر التوراتية والأماكن القدسية في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ومن رجال هذا الفن من صار له يد طولى كعبد المؤمن فإن له فيه شرفية وخواجه عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي له فيه كتب عديدة وقد أطال ابن خلدون في بيان صناعــة الغناء فمن شاء ليرجع إليه فأنه بحث نفيس.

بُقَيْلِيَّان

بُقَيْلِيَّان
من (ب ق ل) مثنى بقيلي نسبة إلى بُقَيْل تصغير بقل بمعنى نبات عشبي يتغذى الإنسان به أو بجزء منه دون تحويله صناعــيا.

علم مبادئ الإنشاء وأدواته

علم مبادئ الإنشاء وأدواته
هو علم باحث عما يحتاج إليه المنشي من الخط والعربية والعلوم الشرعية والتواريخ وما يناسب ذلك.
وموضوعه وغايته وغرضه ظاهرة للمتدبر ومن المصنفات في هذا العلم بحيث لا يغادر قليلا ولا كثيرا إلا أحصاه ولا يدع شيئا من المهمات إلا كشف عنها واستقصاها كتاب صبح الأعشى في صناعــة الإنشاء للشيخ الإمام العلامة جامع أشتات الفنون أبي العباس أحمد بن علي القلقشيدي الشافعي وهو كتاب نافع في بابه في الغاية.
قال في مدينة العلوم: ولقد طالعت بعضا منه وانتفعت به لكن لم أقف على ترجمة مصنفه إلا أنه مصري الدار مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عن خمس وستين سنة كذا في تاريخ السخاوي.
ومن الكتب النافعة المختصرة فيه كتاب مناظر الإنشاء لمحمود الشهير بخواجه جهان إلا أنه وقع باللسان الفارسي وصاحبه من مشاهير الدنيا كان ذا ثروة ومال عظيم وكان يصل إحسانه من الهند إلى علماء الروم وفضلاء العجم ويقال أنه كان وزيرا في بلاد الهند انتهى.

علم القراءة

علم القراءة
هو: علم يبحث فيه عن صور ونظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلاف المتواترة ومباديه مقدمات وتواترية وله أيضا استمداد من العلوم العربية.
والغرض: منه تحصيل ملكة ضبطا الاختلافات المتواترة.
وفائدته: صون كلام الله تعالى عن تطريق التحريف والتغيير وقد يبحث أيضا عن صور نظم الكلام من حيث اختلافات الغير المتواترة الواصلة إلى حد الشهرة.
ومباديه مقدمات مشهورة أو مروية عن الآحاد الموثوق بهم ذكره صاحب مفتاح السعادة ومثله في مدينة العلوم.
وقال: وأشهر الكتب في هذا الفن القصيدة اللامية للشيخ أبي القاسم بن فيرة1 الشاطبي ومعناه بلغة عجم الأندلس الجديد.
وشاطبة: قرية قريبة من أندلس.
ولد رحمه الله أعمى وله قصيدة رائية ضمنها رسوم المصحف وهي أخت القصيدة المذكورة في الشهرة ونباهة الشأن ولها شروح منها لأبي الحسن السخاوي وسماه بفتح الوصيد في شرح القصيد ولأبي إسحاق الجعبري سماه بكنز المعاني وله شرح القصيدة الرائية.
ومنها شرح الإمام محمد بن محمد الجزري ولها شروح كثيرة غير هذا بحيث لا يمكن تعدادها ومن أتقن الشروح المذكورة فله غنى عن غيرها.
وفي هذا الفن مصنفات غير القصيدة المذكورة منها التيسير.
ومنها: النشر في القراءات العشر للجزري وغير ذلك من المختصرات والمطولات انتهى.
قال في كشف الظنون: قال الجعبري في شرح الشاطبية: واعلم أن القراء اصطلحوا على أن يسموا القراءة باسم الإمام والرواية للأخذ عنه مطلقا والطريق للأخذ عن الرواية فيقال: قراءة نافع رواية قالون طريق أبي نشيط ليعلم منشأ الخلاف فكما أن لكل إمام راو فلكل راو طريق انتهى.
قال ابن الجزري في نشره: كان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام وجعلها فيما أحسب خمسة وعشرين قراءة مع السبعة مات سنة أربع وعشرين ومائتين انتهى.
وقال ابن خلدون: القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه المكتوب بين دفتي المصحف وهو متواتر بين الأمة إلا أن الصحابة رووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرق مختلفة في بعض ألفاظه وكيفيات الحروف في أدائها وتنوقل ذلك واشتهر إلى أن استقرت منها سبع طرق معينة تواتر نقلها أيضا بأدائها واختصت بالانتساب إلى من اشتهر بروايتها من الجم الغفير فصارت هذه القراءات السبع أصولا للقراءة وربما زيد بعد ذلك قراءات أخر لحقت بالسبع إلا أنها عند أئمة القراءة لا تقوى قوتها في النقل وهذه القراءات السبع معروفة في كتبها وقد خالف بعض الناس في تواتر طرقها لأنها عندهم كيفيات للأداء وهو غير منضبط وليس ذلك عندهم بقادح في تواتر القرآن وأباه الأكثر وقالوا بتواترها وقال آخرون بتواتر غير الأداء منها كالمد والتسهيل لعدم الوقوف على كيفيته بالسمع دونت فكتبت فيما كتب من العلوم وصارت صناعــة مخصوصة وعلما منفردا وتناقله الناس بالمشرق والأندلس في جيل بعد جيل إلى أن ملك بشرق الأندلس مجاهد من موالي العامريين واجتهد في تعليمه وعرضه على من كان أئمة القراء بحضرته فكان سهمه في ذلك وافرا واختص مجاهد بعد ذلك بإمارة دانية والجزائر الشرقية فنفقت بها سوق القراء خصوصا فظهر لعهده أبو عمرو الداني وبلغ الغاية فيها وعول الناس عليها وعدلوا عن غيرها واعتمدوا من بينها كتاب التيسير له.
ثم ظهر بعد ذلك فيما يليه من العصور والأجيال أبو القاسم ابن فيرة من أهل شاطبة فعمد إلى تهذيب ما دونه أبو عمرو وتلخيصه فنظم ذلك كله في قصيدة لغز فيها أسماء القراء بحروف اب ج د ترتيبا أحكمه ليتيسر عليه ما قصده من الاختصار وليكون أسهل للحفظ الأجل نظمها فاستوعب فيها الفن استيعابا حسنا وعنى الناس بحفظها وتلقينها للولدان المتعلمين وجرى العمل على ذلك في أمصار المغرب والأندلس وربما أضيف إلى فن القراءات فن الرسم أيضا وهي أوضاع حروف القرآن في المصحف ورسومه الخطية لأن فيه حروفا كثيرة وقع رسمها على غير المعروف من قياس الخط كزيادة الياء في بأييد وزيادة الألف في لا أذبحنه ولا أوضعوا والواو في جزاؤ الظلمين وحذف الألفات في مواضع دون أخرى وما رسم فيه من التاءات ممدودا والأصل فيه مربوط على شكل الهاء وغير ذلك.
وقد مر تعليل هذا الرسم المصحفي عند الكلام في الخط فلما جاءت هذه المخالفة لأوضاع الخط وقانونه احتيج إلى حصرها فكتب الناس فيها أيضا عند كتبهم في العلوم وانتهت بالمغرب إلى أبي عمرو الداني المذكور فكتب فيها كتاب من أشهرها كتاب المقنع وأخذ به الناس وعولوا فيه ونظمه أبو القاسم الشاطبي في قصيدته المشهورة على روي الراء وولع الناس بحفظها.
ثم كثر الخلاف في الرسم في كلمات وحروف أخرى ذكرها أبو داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد في كتبه وهو من تلاميذ أبي عمرو الداني والمشتهر بحمل علومه ورواية كتبه.
ثم نقل بعده خلاف آخر فنظم الخراز من المتأخرين بالمغرب أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا وعزاه لناقليه واشتهرت بالمغرب واقتصر الناس على حفظها وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم والله أعلم.

علم السحر

علم السحر
هو: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأشياء خفية قاله في كشاف اصطلاحات الفنون.
وفي كشف الظنون: هو ما خفي سببه وصعب استنابطه لأكثر العقول.
وحقيقته: كل ما سحر العقول وانقادت إليه النفوس بخدعة وتعجب واستحسان فتميل إلى إصغاء الأقوال والأفعال الصادرة عن الساحر.
فعلى هذا التقدير هو: علم باحث عن معرفة الأحوال الفلكية وأوضاع الكواكب وعن ارتباط كل منها مع الأمور الأرضية من المواليد الثلاثة على وجه خاص ليظهر من ذلك الارتباط والامتزاج عللها وأسبابها وتركيب الساحر في أوقات المناسبة من الأوضاع الفلكية والأنظار الكوكبية بعض المواليد ببعض فيظهر ما جل أثره وخفي سببه من أوضاع عجيبة وأفعال غريبة تحيرت فيها العقول وعجزت عن حل خفاها أفكار الفحول.
أما منفعة هذا: العلم فالاحتراز عن عمله لأنه محرم شرعا إلا أن يكون لدفع ساحر يدعي النبوة فعند ذلك يفترض وجود شخص قادر لدفعه بالعمل ولذلك قال بعض العلماء:
إن تعلم السحر فرض كفاية وإباحة الأكثرون دون عمله إلا إذا تعين لدفع المتنبي.
واختلف الحكماء في طرق السحر:
فطريق الهند: بتصفية النفس وطريق النبط: بعمل العزائم في بعض الأوقات المناسبة.
وطريق اليونان: بتسخير روحانية الأفلاك والكواكب.
وطريق العبرانيين والقبط والعرب: بذكر بعض الأسماء المجهولة المعاني فكأنه قسم من العزائم زعموا أنهم سخروا الملائكة القاهرة للجن. فمن الكتب المؤلفة في هذا الفن: الإيضاح للأندلسي والبساطين لاستخدام الأنس وأرواح الجن والشياطين وبغية الناشد ومطلب القاصد على طريقة العبرانيين والجمهرة أيضا ورسائل أرسطو إلى الإسكندر وغاية الحكيم للمجريطي وكتاب طيماؤس وكتاب الوقوفات للكواكب على طريقة اليونانيين وكتاب سحر النبط لابن وحشية وكتاب العمي على طريقة العبرانيين ومرآة المعاني في إدراك العالم الإنساني على طريقة الهند انتهى ما في كشف الظنون
وفي تاريخ ابن خلدون علم السحر والطلسمات هو: علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو: السحر والثاني: هو الطلسمات.
ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقود بين الناس إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام مثل: النبط والكلدانيين فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاؤوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ توحيد الله وتذكير بالجنة والنار وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم وكان لهم فيها التأليف والآثار ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل:
الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل: مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرهم.
ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم واستخرج الــصناعــة وغاص على زبدتها واستخرجها ووضع فيها غيرها من التآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعــة السيمياء لأنها من توابعها لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالــصناعــة العملية فهو من قبيل السحر ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها.
فنفوس الأنبياء عليهم السلام لها خاصية تستعد بها للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله - سبحانه وتعالى - كما مر وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية.
فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر.
والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها:
فأولها: المؤثرة بالهمة فقط من غير إله ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة: السحر.
والثاني: بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه: الطلسمات وهو أضعف رتبة من الأول. والثالث: تأثير في القوى المتخيلة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكات وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحسن من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يحكي عن بعضهم أنه يرى البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة: الشعوذة أو الشعبذة هذا تفصيل مراتبه.
ثم هذه الخاصية تكون في الساحرة بالقوة شأن القوى البشرية كلها وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل فهي لذلك وجهه إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر فلهذا كان السحر كفرا والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه.
ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لهما حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل؟
فالقائلون بأن له حقيقة: نظروا إلى المرتبتين الأوليين.
والقائلون بأن لا حقيقة له: نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب والله أعلم.
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} .
وسحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان فأنزل الله عز وجل عليه في المعوذتين {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} .
قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت.
وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار
وكان للسحر في بابل ومصر زمان بعثه موسى عليه السلام أسواق نافقة ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحلوله موجودة بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق
ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة ولتلك البنية والأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر.
وشاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر عمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع مترف ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض.
وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتا وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء.
وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة.
وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة وهي رك رف د أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان وأربعة وثمانون.
ومعنى المتحابة: أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساويا للعدد الآخر صاحبه فيسمى لأجل ذلك: المتحابة.
ونقل أصحاب الطلسمات: أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول ويجعل طالع الثاني سابع الأول ويضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التأليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر قاله صاحب الغاية وغيره من أئمة هذا الشأن وشهدت له التجربة.
وكذا طابع الأسد ويسمى أيضا: طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب هذا الطابع صورة أسد شائلا ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها إلى فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدب ويتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس فإذا وجد ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب وغمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر عنه وكذلك السلاطين فيه من القوة والعز على من تحت أيديهم ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في الغاية وغيرها وشهدت له التجرية.
وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه يوضع عند حلول الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس وسلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة ويرفع خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب فزعموا أنه له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم ومعاشرتهم وأمثال ذلك كثيرة.
وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدون هذه الــصناعــة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها. وذكر لنا1 أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسماه: بالسر المكتوم وإنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه والإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن ولعل الأمر بخلاف ذلك وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين وهم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم: البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرتب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم متسترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك روحانيات الجن والكواكب سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها وإن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وإن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق يعبرون عن ذلك بقولهم: إنما انفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي: ما يملك ويباع ويشترى من سائر الممتلكات هذا ما زعموه وسألت بعضهم فأخبرني به.
وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم
فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم فإن الماشي على حرف حائط أو على حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك ولهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام.
وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات فهو: أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون.
ويقولون: السحر اتحاد روح بروح. والطلسم: اتحاد روح بجسم.
ومعناه عندهم: ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية.
والطبائع العلوية هي: روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة.
والساحر عندهم: غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير.
والفرق عندهم بين المعجزة والسحر أن المعجزة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه وبقوته النفسانية وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال.
فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي: وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنفوس المتمحضة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك وللنفوس المتمحضة للشر
هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم وليس معدودا من جنس السحر وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها ولهم في المدد الإلهي حظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله.
ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا يأفكون وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن وكذلك لما أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعوذتين {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت فالسحر لا يثبت مع اسم الله وذكره.
وقد نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيه الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم وهو الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وإن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون.
وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات وجعلتهما بابا واحدا محظورا لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع يلحق به الطلسمات لأن أثرهما واحد وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من أن تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم.
وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر: فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه قالوا: والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه وقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا وهو محال فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق.
وأما الحكماء: فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر فكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهم والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لا رب سواه.
ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين.
والفرق بينها وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب أن صدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدروها لا نفس صدروها ولهذا قالوا: القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر انتهى كلام ابن خلدون ومن عينه نقلت هنا وفي كل موضع من هذا الكتاب والله تعالى الموفق للحق والصواب.

شِلْجُ

شِلْجُ:
بكسر أوله، وسكون ثانيه: قرية قرب عكبراء، قرأت في كتاب أخبار القاضي أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة الذي ألفه أبو الفرج محمد بن محمد بن سهل الشلجي من هذه القرية قال:
قال لي القاضي يوما يا أبا الفرج الشّلجيّ بودّي أنك من الصلح المشتق اسمها من الصلاح فإن الشلج على ما عرفناه مشتق من أسماء رهبان يلحدون وأعراب يفسدون، قال: وكان عزّ الدولة قد خرج والقاضي معه إلى سرّ من رأى للتصيّد، واتفق أن نزل بقرب الشلج، وهي على شاطئ دجلة، وكان فيها مما يتصل بكروم قرداباذ حانات كثيرة، فلما ورد لقيني وجرى حديث فقال: كنت أمشي مع أبي علي الضّحاك في الدار المعزّيّة، وبختيار ينزلها، بابن أبي جعفر الشلجي فقلت: حفظكما الله قد رأيت قريتك بئس الموطن لقاطنيه والمنزل لوارديه، ولقد رأيت بها دورا ظننتها لسعة الذرع أقرحة الزرع فقدرتها دور قوم جلّة من أهل الملة، فسألت عنها فقيل إنها موطن قوم من أهل الذمّة صنّاع الخبث جعلوها خزائن للمسكر، فصرفت وجهي كالمنكر، قاتلها الله من قرية! لقد كان الأمير عزّ الدولة جالسا في دار تخيّلتها عرصة من عراص السور وقد نفخ في الصور فقامت ظروف الخبث بدل الأموات من القبور، ولقد أصاب أبو جعفر شيخك تولاه الله في الانتقال عنها وإبعادك منها، ولقد ذكرها المعتمد على الله في شعر له فقال:
يا طول ليلي بغية الصبح ... أتبعت حسراتي بالربج
لهفي على دهر لنا قد مضى ... بالعلث والقاطول والشلج
فالدير بالعلث فرهبانه ... من الشعانين إلى الدبج
هكذا أكثر شعر المعتمد فلا نعتني في إصلاحه، وقد نسب إلى الشلج غير أبي الفرج ابنه أبو القاسم آدم ابن محمد بن الهيثم بن نوبة الشلجي العكبري المعدل، سمع أحمد بن سليمان النجاد وابن قانع وغيرهما، روى عنه أبو طاهر أحمد بن محمد بن الحسين الخفّاف وغيره، توفي بعكبراء سنة 401.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.