Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: سبعون

التّصوّف

التّصوّف:
[في الانكليزية] Soufism (mysticism)
[ في الفرنسية] Soufisme (mysticisme)
هو التخلّق بالأخلاق الإلهية. وخرقة التصوف هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته ويتوب على يده لأمور منها:
التزيي بزيّ المراد ليتلبّس باطنه بصفاته كما يتلبّس ظاهره بلباسه وهو لباس التقوى ظاهرا وباطنا. قال الله تعالى قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ومنها وصول بركة الشيخ الذي ألبسه من يده المباركة إليه. ومنها نيل ما يغلب على الشيخ في وقت الإلباس من الحال الذي يرى الشيخ ببصيرته النافذة المنوّرة بنور القدس وأنه يحتاج إليه لرفع حجبه العائقة وتصفية استعداده فإنّه إذا وقف على حال من يتوب على يده علم بنور الحق ما يحتاج إليه، فيستنزل من الله ذلك حتى يتصف قلبه به فيسري من باطنه إلى باطن المريد. ومنها المواصلة بينه وبين الشيخ به فيبقى بينهما الاتصال القلبي والمحبة دائما ويذكّره الاتباع على الأوقات في طريقته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يبلغ مبلغ الرجال، فإنّه أب حقيقي كما قال عليه الصلاة والسلام «الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علّمك وأب ربّاك»، هكذا في الاصطلاحات الصوفية.
قيل التصوّف الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدّب بالحكمين كمال. وقيل التصوّف مذهب كلّه جدّ فلا يخلطوه بشيء من الهزل. وقيل هو تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدّعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلّق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة، واتّباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الشريعة. وقيل ترك الاختيار وقيل بذل المجهود والأنس بالمعبود. وقيل حفظ حواشيك من مراعاة أنفاسك. وقيل الإعراض عن الاعتراض. وقيل هو صفاء المعاملة مع الله تعالى، وأصله التفرّغ عن الدنيا. وقيل الصبر تحت الأمر والنهي.
وقيل خدمة التشرّف وترك التكلّف واستعمال التطرّف. وقيل الأخذ بالحقائق والكلام بالدقائق والإياس بما في أيدي الخلائق، كذا في الجرجاني.
اعلم أنّه قيل إنّ التصوّف مأخوذ من الصّفاء وهو محمود في كل لسان، وضدّه الكدورة وهو مذموم في كل لسان. وفي الخبر ورد أنّ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذهب صفاء الدنيا ولم يبق إلا كدرها».

إذن: الموت يعتبر اليوم تحفة لكلّ مسلم.
وقد اشتق ذلك الاسم من الصّفاء حتى صار غالبا على رجال هذه الطائفة؛ أمّا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فكان اسم الصحابة هو ما يطلق على أكابر الأمّة، ثم كانت الطبقة التالية طبقة التابعين، ثم كانت الطبقة الثالثة أتباع التابعين، ثم صار يطلق على من يعتنون بأمر الدين أكثر من غيرهم اسم الزّهاد والعبّاد، ثم بعد ظهور أهل البدع وادعائهم الزهد والعبادة انفرد أهل السّنّة بتسمية الخواصّ منهم ممن يراعون الأنفاس باسم الصوفية. وقد اشتهروا بهذا الاسم، حتى إنهم قالوا: إنّ اطلاق هذا الاسم على الأعلام إنّما عرف قبل انقضاء القرن الثاني للهجرة.

وجاء في توضيح المذاهب: أمّا التصوّف في اللغة فهو ارتداء الصوف وهو من أثر الزّهد في الدنيا وترك التنعّم. وفي اصطلاح أهل العرفان: تطهير القلب من محبة ما سوى الله، وتزيين الظاهر من حيث العمل والاعتقاد بالأوامر والابتعاد عن النواهي، والمواظبة على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء الصوفية هم أهل الحق، ولكن يوجد قسم منهم على الباطل ممّن يعدّون أنفسهم صوفية وليسوا في الحقيقة منهم، وهؤلاء عدّة من الفرق إليك بعض أسمائها: الجبية والأوليائية والشمراخية والإباحية والحالية والحلولية والحورية والواقفية والمتجاهلية والمتكاسلية والإلهامية.
وما تسمية هؤلاء بالصوفية إلا من قبيل إطلاق السّيد على غير السّيد. وأمّا مراتب الناس على اختلاف درجاتهم فعلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الواصلون الكمّل وهم الطبقة العليا.

القسم الثاني: السالكون في طريق الكمال، وهؤلاء هم الطبقة الوسطى.

والقسم الثالث: سكان الأرض والحفر (أهل المادة) «اللاصقون بالتراب» وهؤلاء هم الطبقة السفلى التي غايتها تربية البدن بتحصيل الحظوظ المادّية كالشهوات النّفسانية والمتع الشّهوانية وزينة اللباس، وليس لهم من العبادات سوى حركة الجوارح الظاهرية.
وأما القسم الأول الواصلون فهم أيضا قسمان:

الأول: وهم مشايخ الصوفية الذين حصّلوا مرتبة الوصول بسبب كمال متابعتهم واقتدائهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. ثم بعد ذلك أذن لهم بدعوة الناس إلى سلوك طريق اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء هم الكاملون والمكمّلون الذين وصلوا بالعناية الإلهية إلى ميدان البقاء بعد ما فنوا عن ذواتهم واستغرقوا في عين الجمع.
وأمّا القسم الثاني من الفئة الأولى فهم الذين بعد وصولهم إلى درجة الكمال لم يؤذن لهم بإرشاد عامّة النّاس، وصاروا غرقى في بحر الجمع، وفنوا في بطن حوت الفناء ولم يصلوا إلى ساحل البقاء.

وأمّا السالكون فهم أيضا قسمان:
1 - الطالبون لوجه الله. 2 - والطالبون للجنّة والآخرة.

فأمّا الطالبون لوجه الحقّ فهم طائفتان:
المتصوّفة الحقيقيون والملامتيّة. والمتصوفة الحقيقيون هم جماعة تنزّهوا عن نقص الصفات البشرية. واتصفوا ببعض أحوال الصوفية، واقتربوا من نهايات مقاماتهم، إلّا أنّهم ما زالوا متشبّثين ببعض أهواء النفوس، ولهذا لم يدركوا تماما نهاية الطريق كأهل القرب من الصوفية.
وأمّا الملامتية فهم قوم يسعون بكلّ جدّ في رعاية معنى الإخلاص ودون ضرورة كتم طاعاتهم وعباداتهم عن عامة النّاس. كما يكتم العاصي معصيته، فهم خوفا من شبهة الرّياء يتحرّزون عن إظهار عباداتهم وطاعاتهم. ولا يتركون شيئا من أعمال البرّ والصّلاح، ومذهبهم المبالغة في تحقيق معنى الإخلاص.

وقال بعضهم: الملامتيّة لا يظهرون فضائلهم ولا يسترون سيئاتهم، وهذه الطائفة نادرة الوجود. ومع ذلك لم يزل حجاب الوجود البشري عن قلوبهم تماما، ولهذا فهم محجوبون عن مشاهدة جمال التوحيد. لأنّهم حين يخفون أعمالهم فهم ما زالوا ينظرون إلى قلوبهم. بينما درجة الكمال أن لا يروا أنفسهم ولا يبالوا بها وأن يستغرقوا في الوحدة. قال الشاعر:
ما هو الغير؟ وأين الغير؟ واين صورة الغير؟ فلا والله ما ثمّة في الوجود سوى الله.
والفرق بين الملامتيّة والصوفية هو أنّ الصوفية جذبتهم العناية الإلهية عن وجودهم فألقوا حجاب الخلقة البشرية والأنانية عن بصيرة شهودهم فوصلوا إلى درجة غابوا منها عن أنفسهم وعن الخلق. فإذن الملامتية مخلصون بكسر اللام، والصوفية مخلصون بفتح اللام. أي أنّ الملامتيّة يخلّصون أعمالهم من شائبة الرّياء بينما الصوفية يستخلصهم الله تعالى.

وأمّا طلّاب الآخرة فهم أربعة طوائف:

الزّهاد والفقراء والخدام والعبّاد. أمّا الزهاد:
فهم الذين يشاهدون بنور الإيمان حقيقة الآخرة وجمال العقبى، ويعدّون الدنيا قبيحة ويعرضون عن مقتضيات النفس بالكلية، ويقصدون الجمال الأخروي.
والفرق بينهم وبين الصوفية هو أنّ الزاهد بسبب ميله لحظّ نفسه فهو محجوب عن الحق، وذلك لأنّ الجنة دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. بينما الصوفية لا يتعلّق نظرهم بشيء سوى الله.
وأمّا الفقراء منهم طائفة لا يميلون إلى تملّك أيّ شيء من حطام الدنيا. وذلك بسبب رغبتهم فيما عند الله. وعلّة ذلك واحد من ثلاثة أشياء: الأمل بفضل الله، أو تخفيفا للحساب أو خوفا من العقاب، لأنّ حلالها حساب وحرامها عقاب، والأمل بفضل الله ثواب ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام. ورغبة في جمع همتهم في طلب العبادة مع حضور القلب فيها. والفرق بين الملامتيّة والفقراء هو أنّ الفقراء طلاب للجنة وفيها حظّ للنفس، بينما الملامتية طلاب الحق. وهذا الفقر رسم أي عادة تأتي بعد درجة الفقر وهو مقام فوق مقام الملامتية والمتصوّفة، وهو وصف خاص بالصوفي لأنّه وإن تكن مرتبته وراء مرتبة الفقر لكن خلاصة مقام الفقر مندرجة فيه ذلك أنّ أي مقام يرتقي الصوفي فوقه فإنّه يحتفظ بصفاء ذلك المقام. فإذن صفة الفقر في مقام الصوفي وصف زائد. وذلك هو السبب في كون نسبة جميع الأحوال والأعمال والمقامات لغير نفسه وعدم تملّكها، بحيث لا يرى لنفسه عملا ولا حالا ولا مقاما. ولا يخصّص نفسه بشيء. بل ليس عنده خبر عن ذاته. وهذه حقيقة الفقر.
والفرق بين الفقر والزهد هو أنّ الفقر بدون وجود الزهد ممكن، وذلك مثل شخص يترك الدنيا بعزم ثابت، ولكنّه ما زال باطنا راغبا فيها. وكذلك الزّهد بدون فقر ممكن أيضا.
ومثاله شخص يملك الأسباب الدنيوية ولكنه غير راغب فيها.
أمّا الخدّام فهم طائفة اختارت خدمة الفقراء وطلاب الحق، ويشغلون أوقاتهم بعد القيام بالفرائض بمحاولة تفريغ خواطرهم من الاهتمام بأمور المعاش، والتعاون على الاستعداد للقيام بأمر المعاد. ويقدّمون هذا على النوافل سواء بالكسب أو بالسؤال.
أمّا العبّاد فهم طائفة تواظب على أداء الفرائض والنوافل والأوراد طلبا للثواب الأخروي. وهذا الوصف أيضا موجود في الصوفي ولكنّه يتنزّه عن طلب الثّواب والأغراض، لأنّ الصوفي الحق يعبد الحق لذاته.
والفرق بين العباد والزهاد هو أنّهم مع قيامهم بالعبادات فإنّ الرغبة بالدنيا يمكن أن تظل موجودة.
والفرق بين العباد والفقراء هو أنّ الغنيّ يستطيع أن يكون من العبّاد. فإذن صار معلوما أنّ الواصلين طائفتان فقط بينما السالكون هم ست طوائف ولكلّ واحد من هذه الطوائف الثماني اثنان متشبهان به، أحدهما محقّ والثاني مبطل.
أمّا المشبّه بالصوفية بحقّ فهم الصوفية الذين اطلعوا وتشوّقوا إلى نهايات أحوال الصوفية، ولكنهم بسبب القلق ببعض الصّفات منعوا من بلوغ مقصدهم وأمّا المتشبّه بالصوفية بالباطل منهم جماعة يتظاهرون بأحوال الصوفية، ولكنهم لا يعملون بأعمالهم، وهؤلاء هم الباطنيّة والإباحية والصاحبية، ويسمّون أنفسهم متصوّفة، ويقولون: إنّ التقيّد بأحكام الشرع إنما هو للعوام الذين يرون ظاهر الأمور. أمّا الخواص فليسوا مضطرّين للتقيّد برسوم الظاهر، وإنما عليهم مراعاة أحوالهم الباطنية.
وأمّا المتشبّه المحقّ بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة من أهل السلوك الذين ما زالوا يجاهدون في قطع منازل السلوك وتصفية النفوس، وما زالوا مضطربين في حرارة الطّلب وقبل ظهور كشف الذات، والاستقرار في مقام الفناء، فأحيانا تلمع ذواتهم بالكشف، ولا زال باطنهم يتشوّق لبلوغ هذا المقام.
وأمّا المتشبّه المبطل بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة تدّعي الاستغراق في بحر الفناء، ويتنصّلون من حركاتهم وسكناتهم ويقولون: إنّ تحريك الباب بدون محرّك غير ممكن. وهذا المعنى على صحته لكنه ليس موجودا عند تلك الطائفة لأنّ هدفهم هو التمهيد للاعتذار عن المعاصي والإحالة بذلك على إرادة الحقّ، ودفع اللّوم عنهم. وهؤلاء هم الزنادقة. ويقول الشيخ عبد الله التّستري: إذا قال هذا الكلام أحد وكان ممن يراعي أحكام الشريعة ويقوم بواجبات العبودية فهو صديق وأما إذا كان لا يبالي بالمحافظة على حدود الشرع فهو زنديق.
وأمّا المتشبّه المحق بالملامتيّة فهم طائفة لا يبالون بتشويش نظر الناس ومعظم سعيهم في إبطال رسوم العادات والانطلاق من قيود المجتمع، وكلّ رأسمالهم هو فراغ البال وطيب القلب، ولا يبالون برسوم وأشكال الزّهاد والعبّاد ولا يكثرون من النوافل والطاعات، ويحرصون فقط على أداء الفرائض، وينسب إليهم حبّ الاستكثار من أسباب الدنيا ويقنعون بطيب القلب ولا يطلبون على ذلك زيادة وهؤلاء هم القلندرية. وهذه الطائفة تشبه الملامتيّة بسبب اشتراكهما في صفة البعد عن الرّياء.

والفرق بين هؤلاء وبين الملامتيّة هو: أنّ الملامتيّة يؤدّون الفرائض والنوافل دون إظهارها للناس. أمّا القلندرية فلا يتجاوزون الفرائض، ولا يبالون بالناس سواء اطلعوا على أحوالهم أم لا.
وأمّا الطّائفة التي في زماننا وتحمل اسم القلندريّة وقد خلعوا الإسلام من ربقتهم، وليس لهم شيء من الأوصاف السابقة، وهذا الاسم إنّما يطلق عليهم من باب الاستعارة، والأجدر أن يسمّوا بالحشويّة. وأمّا المتشبّهون باطلا بالملامتيّة فهم طائفة من الزنادقة يدعون الإسلام والإخلاص، ولكنّهم يبالغون في إظهار فسقهم وفجورهم ومعاصيهم، ويدّعون أنّ غرضهم من ذلك هو لوم الناس لهم، وأنّ الله سبحانه غني عن طاعتهم، ولا تضرّه معصية العباد. وإنّما المعصية تضرّ الخلق فقط والطاعة هي في الإحسان إلى الناس.
وأمّا المتشبّهون بالزّهاد بحق فهم طائفة لا تزال رغبتها في الدنيا قائمة يحاولون الخلاص من هذه الآفة دفعة واحدة، وهؤلاء هم المتزهدون. وأمّا المتشبّهون باطلا بالزّهاد فهم طائفة يتركون زينة الدنيا من أجل الناس لينالوا بذلك الجاه والصّيت لديهم، وتجوز هذه الخدعة على بعضهم فيظنونهم معرضين عن الدنيا.
وحتّى إنّهم يخدعون أنفسهم بأنّ خواطرهم غير مشغولة بطلب الدنيا، بدليل إعراضهم عنها وهؤلاء هم المراءون.
وأمّا المتشبّهون بالفقراء بحقّ فهم الذين يبدو عليهم ظاهر وسيماء أهل الفقر، وفي باطنهم يطلبون حقيقة الفقر، إلّا أنّهم لم يتخلّصوا تماما من الميل للدنيا وزينتها ويتحمّلون مرارة الفقر بتكلّف، بينما الفقير الحقيقي يرى الفقر نعمة إلهية، لذلك فهو يشكر هذه النعمة على الدوام.
وأمّا المتشبّه بالباطل بالفقراء فهو ذلك الذي ظاهره ظاهر أهل الفقر وأمّا باطنه فغير مدرك لحقيقة الفقر، وغرضه القبول لدى الناس لكي ينتفع منهم بشيء من الدنيا، وهذه الطائفة هي مرائية أيضا وأمّا المتشبّهون بالخدام بحق فهم الذين يقومون دائما بخدمة الخلق، ويأملون أن ينالوا بذلك سببا في النجاة يوم القيامة. وفي تخليصهم من شوائب الميل والهوى والرّياء.
ولكنّهم لمّا يصلوا بعد إلى حقيقة ذلك. فحين تقع بعض خدماتهم في مكانها فبسبب غلبة نور الإيمان وإخفاء النفس فإنّهم يتوقّعون المحمدة والثّناء مع ذلك، وقد يمتنعون عن أداء بعض الخدمات لبعض المستحقّين، ويقال لمثل هذا الشخص متخادم.
وأمّا المتشبّهون بالخدام باطلا فهم الذين لا يخدمون بنيّة الثّواب الأخروي، بل إنّ خدمتهم من أجل الدنيا فقط، لكي يستجلبوا الأقوات والأسباب، فإن لم تنفعهم الخدمة في تحصيل مرادهم تركوها.
إذن فخدمة أحدهم مقصورة على طلب الجاه والجلال وكثرة الأتباع، وإنّما نظره في الخدمة العامّة فمن أجل حظّ نفسه، ومثل هذا يسمّى مستخدما.
وأمّا المتشبّه بالعابد حقيقة فهو الرجل الذي ملأ أوقاته بالعبادة حتى استغرق فيها، ولكنه بسبب عدم تزكية نفسه فإنّ طبيعته البشرية تغلبه أحيانا، فيقع بعض الفتور في أعماله وطاعاته، ويقال لمن لم يجد بعد لذّة العبادة وما زال يجاهد نفسه في أدائها إنّه متعبّد.
وأمّا المتشبّه المبطل بالعابد فهو من جمل المرائين، لأنّ هدفه من العبادة هو السّمعة بين الناس، وليس في قلبه إيمان بالآخرة، وما لم ير الناس منه أعماله فلا يؤدّي منها شيئا. ويقال أيضا لهذا وأمثاله متعبّد. انتهى ما في توضيح المذاهب.

ويقول في مرآة الأسرار: إنّ طبقات الصوفية سبعة: الطالبون والمريدون والسالكون والسائرون والطائرون والواصلون، وسابعهم القطب الذي قلبه على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو وارث العلم اللّدني من النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وهو صاحب لطيفة الحق الصحيحة ما عدا النبي الأمّي.
والواصل هو الشخص الذي أصبحت قواه اللطيفة مزكّاة على لطيفة الحق.
والطائر هو الذي وصل إلى اللطيفة الروحية.
والسائر هو الذي يكون صاحب قوى مزكية للّطيفة السرية.
والسالك هو من يكون صاحب قوى مزكية للطيفة القلبية.
والمريد هو صاحب قوى مزكية للطيفته النفسية.
والطالب هو صاحب قوى مزكية للطيفته الخفية الجسمية.
وتبلغ عدّة أفراد هذه الطائفة 360 شخصا مثل أيام السنة الشمسية.

ويقولون: إنّ رجال الله هم الأقطاب والغوث والإمامان اللذان هما وزيرا القطب والأوتاد والأبدال والأخيار والأبرار والنّقباء والنّجباء والعمدة والمكتومون والأفراد أي المحبوبون.
والنّقباء ثلاثمائة شخص واسم كلّ منهم علي.
والنّجباء سبعون واسم كل واحد منهم حسن.
والأخيار سبعة واسم كلّ منهم حسين.
والعمدة أربعة واسم كلّ منهم محمد.
والواحد هو الغوث واسمه عبد الله. وإذا مات الغوث حلّ محله أحد العمدة الأربعة، ثم يحلّ محلّ العمدة واحد من الأخيار، وهكذا يحلّ واحد من النجباء محلّ واحد من الأخيار ويحلّ محلّ أحد النقباء الذي يحلّ محله واحد من الناس.
وأمّا مكان إقامة النّقباء في أرض المغرب أي السويداء واليوم هناك من الصبح إلى الضحى وبقية اليوم ليل. أمّا صلاتهم فحين يصل الوقت فإنّهم يرون الشمس بعد طي الأرض لهم فيؤدّون الصلاة لوقتها.
وأمّا النجباء فمسكنهم مصر. وأمّا الأخيار فهم سيّاحون دائما ولا يقرون في مكان. وأمّا العمدة الأربعة ففي زوايا الأرض. وأمّا الغوث فمسكنه مكة، هذا غير صحيح. ذلك لأنّ حضرة السيّد عبد القادر الجيلاني رحمه الله وكان غوثا إنّما أقام في بغداد. هذا وتفصيل أحوال الباقي فسيأتي في مواضعه. ويقول في توضيح المذاهب، المكتومون أربعة آلاف رجل ويبقون مستورين وليسوا من أهل التصرّف. أمّا الذين هم من أهل الحلّ والعقد والتصرّف وتصدر عنهم الأمور وهم مقرّبون من الله فهم ثلاثمائة. وفي رواية خلاصة المناقب سبعة. ويقال لهم أيضا أخيار وسيّاح ومقامهم في مصر. وقد أمرهم الحقّ سبحانه بالسّياحة لإرشاد الطالبين والعابدين. وثمّة سبعون آخرون يقال لهم النّجباء، وهؤلاء في المغرب، وأربعون آخرون هم الأبدال ومقرّهم في الشام، وثمّة سبعة هم الأبرار وهم في الحجاز. وثمّة خمسة رجال يقال لهم العمدة لأنّهم كالأعمدة للبناء والعالم يقوم عليهم كما يقوم المنزل على الأعمدة. وهؤلاء في أطراف العالم. وثمّة أربعون آخرون هم الأوتاد الذين مدار استحكام العالم بهم. كما الطناب بالوتد.
وثلاثة آخرون يقال لهم النّقباء أي نقباء هذه الأمّة. وثمة رجل واحد هو القطب والغوث الذي يغيث كلّ العالم. ومتى انتقل القطب إلى الآخرة حلّ مكانه آخر من المرتبة التي قبله بالتسلسل إلى أن يحلّ رجل من الصلحاء والأولياء محل أحد الأربعة.

وفي كشف اللغات يقول: الأولياء عدة أقسام: ثلاثمائة منهم يقال لهم أخيار وأبرار، وأربعون: يقال لهم الأبدال وأربعة يسمّون بالأوتاد، وثلاثة يسمّون النقباء، وواحد هو المسمّى بالقطب انتهى.

ويقول أيضا في كشف اللغات: النّجباء أربعون رجلا من رجال الغيب القائمون بإصلاح أعمال الناس. ويتحمّلون مشاكل الناس ويتصرّفون في أعمالهم. ويقول في شرح الفصوص: النّجباء سبعة رجال، يقال لهم رجال الغيب، والنقباء ثلاثمائة ويقال لهم الأبرار.
وأقلّ مراتب الأولياء هي مرتبة النقباء.
وأورد في مجمع السلوك أنّ الأولياء أربعون رجلا هم الأبدال، وأربعون هم النقباء، وأربعون هم النجباء، وأربعة هم الأوتاد، وسبعة هم الأمناء، وثلاثة هم الخلفاء.
سادات الخلق). وقال أبو عثمان المغربي: البدلاء أربعون والأمناء سبعة والخلفاء من الأئمة ثلاثة، والواحد هو القطب: فالقطب عارف بهم جميعا ومشرق عليهم ولم يعرفه أحد ولا يتشرق عليه، وهو إمام الأولياء والثلاثة الذين هم الخلفاء من الأئمة يعرفون السبعة ويعرفون الأربعين وهم البدلاء، والأربعون يعرفون سائر الأولياء من الأئمة ولا يعرفهم من الأولياء أحد، فإذا نقص واحد من الأربعين أبدل مكانه من الأولياء، وكذا في السبع والثلاث والواحد إلّا أن يأتي بقيام الساعة انتهى.
وفي الإنسان الكامل أمّا أجناس رجال الغيب فمنهم من بني آدم ومنهم من هو من أرواح العالم وهم ستة أقسام مختلفون في المقام. القسم الأول هم الصنف الأفضل والقوم الكمّل أفراد الأولياء المقتفون آثار الأولياء غابوا من عالم الأكوان في الغيب المسمّى بمستوى الرحمن فلا يعرفون ولا يوصفون وهم آدميون.
والقسم الثاني هم أهل المعاني وأرواح الأداني يتنوّر الولي بصورهم فيكلّم الناس في الظاهر والباطن ويخبرهم فهم أرواح كأنّهم أشباح للقوة الممكنة في التصوير في الذين سافروا من عالم الشهود ووصلوا إلى فضاء غيب الوجود فصار عينهم شهادة وأنفاسهم عبادة، هؤلاء هم أوتاد الأرض القائمون لله بالسّنة والفرض. القسم الثالث ملائكة الإلهام والبواعث يطرقون الأولياء ويكلّمون الأصفياء لا يبرزون إلى عالم الأجسام ولا يعرفون بعوام الناس. القسم الرابع رجال المفاجأة في المواقع وإنّما يخرجون عن عالمهم ولا يوجدون في غير عالمهم، ولا يوجدون في غير معالمهم يتصوّرون بسائر الناس في عالم الأجسام، وقد يدخل أجل الصفا إلى ذلك الكوى فيخبرونهم بالمغيبات والمكتومات.
القسم الخامس رجال البسابس هم أهل الخطوة في العالم وهم من أجناس بني آدم يظهرون ويكلمونهم فيجيبون أكثرهم، وسكنى هؤلاء في الجبال والقفار والأودية وأطراف الأنهار إلّا من كان منهم متمكنا فإنّه يأخذ من المدن مسكنا غير متشوّق إليه ولا معوّل عليه. القسم السادس يشبهون الخواطر لا الوساوس هم المولّدون من أب التفكّر وأم التصوّر لا يعبأ بأقوالهم ولا يتشوّق إلى أمثالهم فهم بين الخطأ والصواب وهم أهل الكشف والحجاب.

حِمْصُ

حِمْصُ:
بالكسر ثم السكون، والصاد مهملة: بلد مشهور قديم كبير مسوّر، وفي طرفه القبلي قلعة حصينة على تلّ عال كبيرة، وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق، يذكر ويؤنث، بناه رجل يقال له حمص بن المهر بن جان بن مكنف، وقيل:
حمص بن مكنف العمليقي، وقال أهل الاشتقاق:
حمص الجرح يحمص حموصا وانحمص ينحمص انحماصا إذا ذهب ورمه، وقال أبو عون في زيجه:
طول حمص إحدى وستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلثان، وهي في الإقليم الرابع، وفي كتاب الملحمة: مدينة حمص طولها تسع وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة، من الإقليم الرابع، ارتفاعها ثمان وسبعون درجة، تحت ثماني درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، قال أهل السير: حمص بناها اليونانيون وزيتون فلسطين من غرسهم.
وأما فتحها فذكر أبو المنذر عن أبي مخنف أن أبا عبيدة ابن الجرّاح لما فرغ من دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيّار الطائي ثم اتبعهما فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجؤوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح، فصالحوه على مائة ألف وسبعين ألف دينار، وقال الواقدي وغيره: بينما المسلمون على أبواب دمشق إذ أقبلت خيل للعدوّ كثيفة فخرج إليهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين بيت لهيا والثنيّة فولّوا منهزمين
نحو حمص على طريق قارا حتى وافوا حمص وكانوا متخوفين لهرب هرقل عنهم فأعطوا ما بأيديهم وطلبوا الأمان، فأمنهم المسلمون فأخرجوا لهم النّزل فأقاموا على الأرنط، وهو النهر المسمى بالعاصي، وكان على المسلمين السّمط بن الأسود الكندي، فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبكّ فنزل بباب الرّستن فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج على من أقام منهم، وقيل: بل السمط صالحهم فلما قدم أبو عبيدة أمضى الصلح، وإن السمط قسم حمص خططا بين المسلمين وسكنوها في كل موضع جلا أهله أو ساحة متروكة، وقال أبو مخنف: أول راية وافت للعرب حمص ونزلت حول مدينتها راية ميسرة بن مسرور العبسي، وأول مولود ولد في الإسلام بحمص أدهم بن محرز، وكان أدهم يقول: إن أمّه شهدت صفين وقاتلت مع معاوية وطلبت دم عثمان، رضي الله عنه، وما أحبّ أن لي بذلك حمر النّعم، قالوا: ومن عجائب حمص صورة على باب مسجدها إلى جانب البيعة على حجر أبيض أعلاه صورة إنسان وأسفله صورة العقرب، إذ أخذ من طين أرضها وختم على تلك الصورة نفع من لدغ العقرب منفعة بينة، وهو أن يشرب الملسوع منه بماء فيبرأ لوقته، وقال عبد الرحمن:
خليليّ، إن حانت بحمص منيّتي، ... فلا تدفناني وارفعاني إلى نجد
ومرّا على أهل الجناب بأعظمي، ... وإن لم يكن أهل الجناب على القصد
وإن أنتما لم ترفعاني، فسلّما ... على صارة فالقور فالأبلق الفرد
لكيما أرى البرق الذي أومضت له ... ذرى المزن، علويّا، وماذا لنا يبدي
وبحمص من المزارات والمشاهد مشهد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فيه عمود فيه موضع إصبعه، رآه بعضهم في المنام، وبها دار خالد بن الوليد، رضي الله عنه، وقبره فيما يقال، وبعضهم يقول إنه مات بالمدينة ودفن بها وهو الأصحّ، وعند قبر خالد قبر عياض بن غنم القرشي، رضي الله عنه، الذي فتح بلاد الجزيرة، وفيه قبر زوجة خالد بن الوليد وقبر ابنه عبد الرحمن، وقيل: بها قبر عبيد الله بن عمر بن الخطاب، والصحيح أن عبيد الله قتل بصفين، فإن كان نقلت جثته إلى حمص فالله أعلم، ويقال: إن خالد بن الوليد مات بقرية على نحو ميل من حمص، وإن هذا الذي يزار بحمص إنما هو قبر خالد بن يزيد ابن معاوية، وهو الذي بنى القصر بحمص، وآثار هذا القصر في غربي الطريق باقية، وبحمص قبر سفينة مولى رسول الله، واسم سفينة مهران، وبها قبر قنبر مولى عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ويقال:
إن قنبر قتله الحجاج وقتل ابنه وقتل ميثما التّمّار بالكوفة، وبها قبور لأولاد جعفر بن أبي طالب، وهو جعفر الطّيّار، وبها مقام كعب الأحبار ومشهد لأبي الدّرداء وأبي ذرّ، وبها قبر يونان والحارث بن عطيف الكندي وخالد الأزرق الغاضري والحجاج بن عامر وكعب وغيرهم، وينسب إليها جماعة من العلماء، ومن أعيانهم: محمد بن عوف ابن سفيان أبو جعفر الطائي الحمصي الحافظ، قال الإمام أبو القاسم الدمشقي: قدم دمشق فى سنة 217 وروى
عن أبيه وعن محمد بن يوسف القبرياني وأحمد بن يونس وآدم بن أبي إياس وأبي المغيرة الحمصي وعبد السلام ابن عبد الحميد السّكوني وعليّ بن قادم وخلق كثير من هذه الطبقة، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرزاياني وأبو داود السجستاني وابنه أبو بكر وعبد الرحمن بن أبي حاتم ويحيى بن محمد بن صاعد وأبو زرعة الدمشقي وخلق كثير من هذه الطبقة، قال عبد الصمد بن سعيد القاضي: سمعت محمد بن عوف بن سفيان يقول:
كنت ألعب في الكنيسة بالكرة وأنا حدث فدخلت الكرة المسجد حتى وقعت بالقرب من المعافى بن عمران فدخلت لآخذها فقال لي: يا فتى ابن من أنت؟ قلت: أنا ابن عوف، قال: ابن سفيان؟ قلت:
نعم، فقال: أما إنّ أباك كان من إخواننا وكان ممن يكتب معنا الحديث والعلم والذي يشبهك أن تتبع ما كان عليه والدك، فصرت إلى أمي فأخبرتها فقالت: صدق يا بنيّ هو صديق لأبيك، فألبستني ثوبا من ثيابه وإزارا من أزره ثم جئت إلى المعافى ابن عمران ومعي محبرة وورق فقال لي: اكتب حدثنا إسماعيل بن عبد ربه بن سليمان، قال: كتبت إليّ أم الدرداء في لوحي فيما تعلمني اطلبوا العلم صغارا تعلموه كبارا، قال: فإن لكل حاصد ما زرع خيرا كان أو شرّا، فكان أول حديث سمعته، وذكر عند يحيى بن معين حديث من حديث الشام فردّه وقال: ليس هو كذا، قال: فقال له رجل في الحلقة: يا أبا زكرياء إن ابن عوف يذكره كما ذكرناه، قال: فإن كان ابن عوف ذكره فإن ابن عوف أعرف بحديث بلده، وذكر ابن عوف عند عبد الله بن أحمد بن حنبل في سنة 273 فقال: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثل محمد بن عوف، ذكر ابن قانع أنه توفي سنة 269، وقال ابن المنادي:
مات في وسط سنة 272، ومحمد بن عبيد الله بن الفضل يعرف بابن أبي الفضل أبو الحسن الكلاعي الحمصي، حدث عن مصيفي وجماعة كثيرة من طبقته، وروى عنه القاضي أبو بكر الميانجي وأبو حاتم محمد ابن حبّان البستي وجماعة كثيرة من طبقتهما، وكان من الزّهاد، ومات في أول يوم رمضان سنة 309، ومات ابنه أبو علي الحسن لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة 351.
ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل، إنّ أشدّ الناس على علي، رضي الله عنه، بصفين مع معاوية كان أهل حمص وأكثرهم تحريضا عليه وجدّا في حربه، فلما انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة حتى إن في أهلها كثيرا ممن رأى مذهب النّصيرية وأصلهم الإمامية الذين يسبون السلف، فقد التزموا الضلال أولا وأخيرا فليس لهم زمان كانوا فيه على الصواب.

وحِمْصُ أَيضاً:
بالأندلس، وهم يسمون مدينة إشبيلية حمص، وذلك أن بني أمية لما حصلوا بالأندلس وملكوها سمّوا عدة مدن بها بأسماء مدن الشام، وقال ابن بسّام: دخل جند من جنود حمص إلى الأندلس فسكنوا إشبيلية فسمّيت بهم، وقال محمد بن عبدون يذكرها:
هل تذكر العهد الذي لم أنسه، ... ومودة مخدومة بصفاء
ومبيتنا في أرض حمص، والحجى ... قد حلّ عقد حباه بالصهباء
ودموع طلّ الليل تخلق أعينا ... ترنو إلينا من عيون الماء

تِبْريزُ

تِبْريزُ:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وكسر الراء، وياء ساكنة، وزاي، كذا ضبطه أبو سعد، وهو أشهر مدن أذربيجان: وهي مدينة عامرة حسناء ذات أسوار محكمة بالآجر والجصّ، وفي وسطها عدة أنهار جارية، والبساتين محيطة بها، والفواكه بها رخيصة، ولم أر فيما رأيت أطيب من مشمشها المسمّى بالموصول، وشريته بها في سنة 610 كل ثمانية أمنان بالبغدادي بنصف حبة ذهب، وعمارتها بالآجرّ الأحمر المنقوش والجصّ على غاية الإحكام، وطولها ثلاث وسبعون درجة وسدس، وعرضها سبع وثلاثون درجة ونصف درجة، وكانت تبريز قرية حتى نزلها الرّواد الأزدي المتغلّب على أذربيجان في أيام المتوكل، ثم إن الوجناء بن الرواد بنى بها هو وإخوته قصورا وحصنها بسور، فنزلها الناس معه، ويعمل فيها من الثياب العبائي والسقلاطون والخطائي والأطلس والنسج ما يحمل إلى سائر البلاد شرقا وغربا، ومرّ بها التّتر لما خربوا البلاد في سنة 618، فصالحهم أهلها ببذول بذلوها لهم فنجت من أيديهم وعصمها الله منهم، وقد خرج منها جماعة وافرة من أهل العلم، منهم: إمام أهل الأدب أبو زكرياء يحيى بن علي الخطيب التبريزي، قرأ على أبي العلاء المعرّي بالشام وسمع الحديث عن أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي وغيرهما، روى عنه أبو بكر الخطيب ومحمد ابن ناصر السلامي، قال: وسمعته يقول: تبريز بكسر التاء، وأبو منصور موهوب بن أحمد بن الخضر الجواليقي، صنف التصانيف المفيدة، وتوفي ببغداد في جمادى الآخرة سنة 502 والقاضي أبو صالح شعيب بن صالح بن شعيب التبريزي، حدث عن أبي عمران موسى بن عمران بن هلال، روى عنه حدّاد ابن عاصم بن بكران النّشوي وغيرهما.

تَوَّزُ

تَوَّزُ:
بالفتح، وتشديد ثانيه وفتحه أيضا، وزاي:
بلدة بفارس، وهي توّج، وقد ذكرت قبل هذا، وهي في الإقليم الرابع، طولها سبع وسبعون درجة وثلثان، وعرضها أربع وثلاثون درجة ونصف وربع وينسب إليها بهذا اللفظ جماعة، منهم: عبد الله بن محمد بن هارون التوزي اللغوي، أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد وقرأ على أبي عمر الجرمي كتاب سيبويه، وكان في طبقته، ومات في سنة 238 وأبو حفص عمر بن موسى البغدادي التوزي، روى عن عفان وعاصم بن عليّ، روى عنه ابن مخلد وأبو بكر الشافعي وغيرهما وأبو الحسين أحمد بن عليّ بن الحسن التوزي القاضي، سمع أبا الحسين بن المظفر الحافظ وخلقا كثيرا، وهو ثقة ومحمد بن داود التوزي، حدث عن محمد بن سليمان، روى عنه الطبراني وأبو يعلى محمد بن الصلت التوزي وغيرهم.

جَنَّابَةُ

جَنَّابَةُ:
بالفتح ثم التشديد، وألف، وباء موحدة:
بلدة صغيرة من سواحل فارس قال المنجمون هي في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب سبع وسبعون درجة، وعرضها من جهة الجنوب ثلاثون درجة، رأيتها غير مرّة وليست على ساحل البحر الأعظم إنما يدخل إليها في المراكب في خليج من البحر الملح يكون بين المدينة والبحر نحو ثلاثة أميال أو أقل، وقبالتها في وسط البحر جزيرة خارك، وفي شمالها من جهة البصرة مهروبان، ومن جنوبها سينيز، وهي فرضة ليست بالطويلة، ترسى فيها مراكب من يريد فارس، وقد ذكر بعض أهل السير إنما سمّيت بجنّابة بن طهمورث الملك، وسنذكر ذلك في فارس، وشرب أهلها من الآبار الملحة قال الحازمي: جنّابة
ناحية بالبحرين بين مهروبان وسيراف، وهذا غلط عجيب لأن مهروبان وسيراف من سواحل برّ فارس وكذلك جنّابة، وأما البحرين فهي في ساحل برّ العرب قبالة برّ فارس من الجانب الغربي، وكذلك قال الأمير أبو نصر وعنه نقل الحازمي، وهو غلط منهما معا، وبين جنّابة وسيراف أربعة وخمسون فرسخا قرأت في الكتاب المتنازع بين أبي زيد البلخي وأبي إسحاق الإصطخري في صفة البلدان فقال وهو يذكر فارس: ومنها أبو سعيد الحسن الجنّابي القرمطي الذي أظهر مذهب القرامطة، وكان من جنّابة بلدة بساحل بحر فارس، وكان دقّاقا فنفي عن جنّابة فخرج إلى البحرين فأقام بها تاجرا وجعل يستميل العرب بها ويدعوهم إلى نحلته حتى استجاب له أهل البحرين وما والاها، وكان من كسره عساكر السلطان ورعيته وعداوته من أهل عمان وجمع ما يصاقبه من بلدان العرب ما قد انتشر حتى قتل على فراشه وكفى الله أمره، ثم قام ابنه سليمان بن الحسن فكان من قتله حجّاج بيت الله الحرام، وانقطاع طريق مكة في أيامه بسببه والتعدّي في الحرم وانتهاب الكعبة، ونقله الحجر الأسود إلى القطيف والأحساء من أرض البحرين وبقي عندهم إحدى وعشرين سنة ثم رد ببذول بذلت لهم، وقتله المعتكفين بمكة ما قد اشتهر ذكره، ولما اعترض الحاجّ وكان منه ما كان أخذ عمه أخو أبي سعيد وقرائبه وحبسوا بشيراز، وكانوا مخالفين له في الطريقة يرجعون إلى صلاح وسداد، وشهد لهم بالبراءة من القرامطة فانطلقوا، آخر كلامه. ومن الملح: أعطى رجل أبا سليمان القاصّ فلسا وقال: ادع الله لا نبي يردّه عليّ، فقال: وأين ابنك؟ قال: بالصين، قال:
أيردّه من الصين بفلس؟ هذا مما لا يكون، إنما لو كان بجنّابة أو بسيراف كان نعم وقد نسبوا إلى جنّابة بعض الرواة، منهم: محمد بن علي بن عمران الجنّابي، يروي عن يحيى بن يونس، روى عنه أبو سعيد بن عبدويه وغيره وأبو عبد الرحمن جعفر بن خداكار الجنابي المقري، حدث عن علي بن محمد المعين البصري وإبراهيم بن عطية، قال ابن نقطة: ذكر لي عبد السلام بن جعفر القيسي أنه سمع منه وابنه عبد الرحمن حدث.

جُورُ

جُورُ:
مدينة بفارس بينها وبين شيراز عشرون فرسخا، وهي في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة ونصف، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وجور: مدينة نزهة طيبة، والعجم تسميها كور، وكور اسم القبر بالفارسية، وكان عضد الدولة ابن بويه يكثر الخروج إليها للتنزه فيقولون ملك بكور رفت، معناه الملك ذهب إلى القبر، فكره عضد الدولة ذلك فسماه فيروزاباذ ومعناه أتم دولته قال ابن الفقيه: بنى أردشير بن بابك ملك ساسان مدينة جور بفارس وكان موضعها صحراء، فمرّ بها أردشير فأمر ببناء مدينة هناك وسماها أردشير خرّه، وسمتها العرب جور، وهي مبنية على صورة دارابجرد، ونصب فيها بيت نار، وبنى غير ذلك من المدن تذكر في مواضعها إن شاء الله تعالى، وقال الإصطخري:
وأما جور فمن بناء أردشير، ويقال:
إن ماءها كان واقفا كالبحيرة فنذر أردشير أن يبني مدينة وبيت نار في المكان الذي يظفر فيه بعدوّ له عيّنه، فظفر به في موضع جور فاحتال في إزالة مياه ذلك المكان بما فتح له من المجاري وبنى في ذلك المكان مدينة سماها جور، وهي قريبة في السعة من إصطخر، ولها سور وأربعة أبواب، وفي وسط المدينة بناء مثل الدّكّة تسميه العرب الطّربال وتسميه الفرس بإيوان وكياخرّه، وهو من بناء أردشير، وكان عاليا جدّا بحيث يشرف الإنسان منه على المدينة جميعها ورساتيقها، وبنى في أعلاه بيت نار واستنبط بحذائه في جبل ماء حتى أصعد به إلى رأس الطربال، وأما الآن فقد خرب واستعمل الناس أكثره، قال: وجور مدينة نزهة جدّا، يسير الرجل من كل باب نحو فرسخ في بساتين وقصور، وبين جور وشيراز عشرون فرسخا، وإليها ينسب الورد الجوري، وهو أجود أصناف الورد، وهو الأحمر الصافي قال السري الرفاء يهجو الخالدي ويدعي عليه أنه سرق شعره:
قد أنسّت العالم غاراته، ... في الشعر، غارات المغاوير
أثكلني غيد قواف غدت ... أبهى من الغيد المعاطير
أطيب ريحا من نسيم الصّبا، ... جاءت بريّا الورد من جور
وأما خبر فتحها فذكر أحمد بن يحيى بن جابر قال:
حدثني جماعة من أهل العلم أن جور غزيت عدّة سنين فلم يقدر على فتحها أحد حتى فتحها عبد الله بن عامر، وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام ليلة يصلي وإلى جانبه جراب فيه خبز ولحم، فجاء كلب وجره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل لها خفيّ، فألظّ المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوها منه وفتحوها عنوة، ولما فتح عبد الله بن عامر جور كرّ إلى إصطخر ففتحها عنوة، وبعضهم يقول بل فتحت جور بعد إصطخر وينسب إليها جماعة، منهم: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عمران بن موسى الجوري الأديب، كان من الأدباء المتّقين، علّامة في معرفة الأنساب وفي علوم القرآن، سمع حمّاد بن مدرك وجعفر بن درستويه الفارسيّين وأبا بكر محمد بن الحسن بن دريد وعبد الله بن محمد العامري وغيرهم، ومات سنة 359 وأحمد بن الفرج الجشمي الجوري المقري، حدث عن زكرياء بن يحيى بن عمارة الأنصاري وحفص بن أبي داود الغاضري، حدّث عنه أبو حنيفة الواسطي ومحمد بن يزداد الجوري،
حدث عنه أبو بكر بن عبدان ومحمد بن الخطاب الجوري، روى عن عباد بن الوليد العنبري، روى عنه أبو شاكر عثمان بن محمد بن حجّاج البزاز المعروف بالشافعي ومحمد بن الحسن بن أحمد الجوري، سمع سهل بن عبد الله التّستري قراءة، روى عنه طاهر بن عبد الله الهمذاني. وجور أيضا: محلة بنيسابور ينسب إليها أبو طاهر أحمد بن محمد بن الحسين الطاهري الجوري، كان من العبّاد المجتهدين، سمع بنيسابور أبا عبد الله البوشنجي وأقرانه، وكان أقام بجرجان الكثير وأكثر بها عن عمران بن موسى والفضل بن عبد الله، روى عنه محمد بن عبد الله الحافظ وغيره، ومات سنة 353 ومحمد بن إسكاب ابن خالد أبو عبد الله الجوري النيسابوري، سمع الحسين بن الوليد القرشي وحفص بن عبد الرحمن ويحيى ابن يحيى وبشر بن القاسم، سمع منه أبو عمرو المستملي ومحمد بن سليمان بن خالد العبدي، مات سنة 268 والحسين بن علي بن الحسين الجوري النيسابوري، سمع أبا زكرياء العنبري وغيره من العلماء وتردّد إلى الصالحين، مات يوم الخميس السادس من شوّال سنة 394 وأبو سعيد أحمد بن محمد بن جبرائيل الجوري النيسابوري، ذكره أبو موسى الحافظ ومحمد بن يزيد الجوري النيسابوري، حدث عنه أبو سعد الماليني وغيره ومحمد بن أحمد بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأصبهاني الجوري أبو صالح، نزل نيسابور وسكن محلة جور فنسب إليها، روى عنه أبو سعد أحمد بن محمد بن إبراهيم الفقيه، ولد سنة 341 قاله يحيى بن مندة وعمر بن أحمد بن محمد بن موسى ابن منصور الجوري، روى عن أبي حامد بن الشرقي النيسابوري وأبي الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى الزاهد، حدث عنه أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله النيسابوري الخير وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن.

حُلْوانُ

حُلْوانُ:
بالضم ثم السكون، والحلوان في اللغة الهبة، يقال: حلوت فلانا كذا مالا أحلوه حلوا وحلوانا إذا وهبت له شيئا على شيء يفعله غير الأجر، وفي الحديث: نهي عن حلوان الكاهن، والحلوان: أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه. وحلوان في عدة مواضع: حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد، وقيل: إنها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به.
وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: حلوان
طولها إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة، بيت حياتها أول درجة من الأسد، طالعها الذراع اليماني تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وهي في الإقليم الرابع، وكانت مدينة كبيرة عامرة، قال أبو زيد: أما حلوان فإنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرّ من رأى أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما، وهي وبئة ردية الماء وكبريتيته، ينبت الدفلى على مياهها، وبها رمان ليس في الدنيا مثله وتين في غاية من الجودة ويسمونه لجودته شاه انجير أي ملك التين، وحواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء.
وأما فتحها فإن المسلمين لما فرغوا من جلولاء ضمّ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عمه سعد قد سيّره على مقدمته إلى جرير بن عبد الله في خيل ورتبه بجلولاء، فنهض إلى حلوان فهرب يزدجرد إلى أصبهان وفتح جرير حلوان صلحا على أن كفّ عنهم وآمنهم على ديارهم وأموالهم ثم مضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرميسين على مثل ما فتح عليه حلوان وعاد إلى حلوان فأقام بها واليا إلى أن قدم عمار بن ياسر، فكتب إليه من الكوفة أن عمر قد أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري بالأهواز، فسار حتى لحق بأبي موسى في سنة 19، قال الواقدي: بحلوان عقب لجرير بن عبد الله البجلي، وكان قد فتح حلوان في سنة 19، وفي كتاب سيف: في سنة 16، وقال القعقاع بن عمرو التميمي:
وهل تذكرون، إذ نزلنا وأنتم ... منازل كسرى، والأمور حوائل
فصرنا لكم ردءا بحلوان بعد ما ... نزلنا جميعا، والجميع نوازل
فنحن الأولى فزنا بحلوان بعد ما ... أرنّت، على كسرى، الإما والحلائل
وقال بعض المتأخرين يذم أهل حلوان:
ما إن رأيت جواميسا مقرّنة، ... إلا ذكرت ثناء عند حلوان
قوم، إذا ما أتى الأضياف دارهم ... لم ينزلوهم ودلوهم على الخان
وينسب إلى حلوان هذه خلق كثير من أهل العلم، منهم: أبو محمد الحسن بن عليّ الخلّال الحلواني، يروي عن يزيد بن هرون وعبد الرزاق وغيرهما، روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما، توفي سنة 242، وقال أعرابيّ:
تلفّتّ من حلوان، والدمع غالب، ... إلى روض نجد، أين حلوان من نجد؟
لحصباء نجد، حين يضربها الندى، ... ألذّ وأشفى للعليل من الورد
ألا ليت شعري! هل أناس بكيتهم ... لفقدهم هل يبكينّهم فقدي؟
أداوي ببرد الماء حرّ صبابة، ... وما للحشا والقلب غيرك من برد
وأما نخلتا حلوان فأول من ذكرهما في شعره فيما علمنا مطيع بن إياس الليثي، وكان من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف، ذكر أبو الفرج عن أبي الحسن الأسدي حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه
عن سعيد بن سلم قال: أخبرني مطيع بن إياس أنه كان مع سلم بن قتيبة بالرّيّ، فلما خرج إبراهيم بن الحسن كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد، قال مطيع ابن إياس: وكانت لي جارية يقال لها جوذابة كنت أحبّها، فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجارية فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتتبعتها نفسي، فنزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية واشتقت إليها فأنشدت أقول:
أسعداني يا نخلتي حلوان، ... وابكياني من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يف ... رق بين الألّاف والجيران
ولعمري، لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني، وأيقنا أن نحسا ... سوف يأتيكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي ... بفراق الأحباب والخلّان
غير أني لم تلق نفسي كما لا ... قيت من فرقة ابنة الدهقان
جارة لي بالريّ تذهب همّي، ... ويسلّي دنوّها أحزاني
فجعتني الأيام، أغبط ما كن ... ت، بصدع للبين غير مدان
وبزعمي أن أصبحت لا تراها ال ... عين مني، وأصبحت لا تراني
وعن سعيد بن سلم عن مطيع قال: كانت لي بالرّيّ، جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة، فكنت أتستر بها وأتعشق امرأة من بنات الدهاقين، وكنت نازلا إلى جنبها في دار لها، فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة، فلما نزلنا بعقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة وقلت، وذكر الأبيات، فقال لي سلم: فيمن هذه الأبيات، أفي جاريتك؟ فاستحييت أن أصدقه فقلت:
نعم، فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي، فلم يلبث أن ورد كتابه بأني قد وجدتها وقد تداولها الرجال وقد بلغت خمسة آلاف درهم فإن أمرت أن أشتريها، فأخبرني بذلك سلم وقال: أيما أحب إليك هي أم خمسة آلاف درهم؟ فقلت: أما إن كانت قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها، فأمر لي بخمسة آلاف درهم، فقلت: والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولا أبالي لو ناكها أهل منى كلهم، وذكر المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق وكانت تضيّقه وتزدحم الأثقال عليه فأمر بقطعها، فأنشد قول مطيع:
واعلما إن بقيتما أن نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
فقال: لا والله لا كنت ذلك النحس الذي يفرق بينهما! فانصرف وتركهما، وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسمعيل بن داود أن المهدي قال:
أكثر الشعراء في ذكر نخلتي حلوان ولهممت بقطعهما فبلغ قولي المنصور فكتب إليّ: بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان ولا فائدة لك في قطعهما ولا ضرر عليك في بقائهما وأنا أعيذك بالله أن تكون النحس الذي يلقاهما فيفرق بينهما، يريد بيت مطيع، وعن أبي نمير عبد الله بن أيوب قال: لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدّى به ودعا بحسنة فقال لها: ما ترين طيب هذا الموضع! غنيني بحياتي حتى أشرب ههنا أقداحا، فأخذت محكّة كانت في يده فأوقعت على فخذه وغنته فقالت:
أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا، ... إذا نام حرّاس النخيل، جناكما
فقال: أحسنت! لقد هممت بقطع هاتين النخلتين، يعني نخلتي حلوان، فمنعني منهما هذا الصوت، فقالت له حسنة: أعيذك بالله أن تكون النحس المفرق بينهما! وأنشدته بيت مطيع، فقال: أحسنت والله فيما فعلت إذ نبّهتني على هذا، والله لا أقطعهما أبدا ولأوكلن بهما من يحفظهما ويسقيهما أينما حييت! ثم أمر بأن يفعل ذلك، فلم تزالا في حياته على ما رسمه إلى أن مات، وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله ابن أبي سعد عن محمد بن المفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال: لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب بأكل جمّار، فأحضر دهقان حلوان وطلب منه، فأعلمه أن بلادهم ليس بها نخل ولكن على العقبة نخلتان، فأمر بقطع إحداهما، فلما نظر إلى النخلتين بعد أن انتهى إليهما فوجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعلى القائمة مكتوب، وذكر البيت، فأعلم الرشيد وقال: لقد عز عليّ أن كنت نحسكما ولو كنت سمعت هذا البيت ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم، ومما قيل في نخلتي حلوان من الشعر قول حمّاد عجرد:
جعل الله سدرتي قصر شي ... رين فداء لنخلتي حلوان
جئت مستسعدا فلم تسع داني، ... ومطيع بكت له النخلتان
وروى حماد عن أبيه لبعض الشعراء في نخلتي حلوان:
أيها العاذلان لا تعذلاني، ... ودعاني من الملام دعاني
وابكيا لي، فإنني مستحقّ ... منكما بالبكاء أن تسعداني
إنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من هواه، وأنتما تعلمان
وقال فيهما أحمد بن إبراهيم الكاتب من قصيدة:
وكذاك الزمان ليس، وإن أل ... لف، يبقى عليه مؤتلفان
سلبت كفّه العزيز أخاه، ... ثم ثنّى بنخلتي حلوان
فكأنّ العزيز مذ كان فردا، ... وكأن لم تجاور النخلتان

وحلوان أَيضاً:
قرية من أعمال مصر، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين من جهة الصعيد مشرفة على النيل، وبها دير ذكر في الديرة، وكان أول من اختطها عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر، وضرب بها الدنانير، وكان له كل يوم ألف جفنة للناس حول داره، ولذلك قال الشاعر:
كلّ يوم كأنه عيد أضحى ... عند عبد العزيز، أو يوم فطر
وله ألف جفنة مترعات، ... كلّ يوم، يمدّها ألف قدر
وكان قد وقع بمصر طاعون في سنة 70 وواليها عبد العزيز فخرج هاربا من مصر، فلما وصل حلوان هذه استحسن موضعها فبنى بها دورا وقصورا واستوطنها وزرع بها بساتين وغرس كروما ونخلا، فلذلك يقول عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
سقيا لحلوان ذي الكروم، وما ... صنّف من تينه ومن عنبه
نخل مواقير بالقناء من ال ... برنيّ، يهتز ثم في سربه
أسود، سكانه الحمام، فما ... تنفكّ غربانه على رطبه
وقال سعد بن شريح مولى نجيب يهجو حفص بن الوليد الحضرمي والي مصر ويمدح زبّان بن عبد العزيز ابن مروان:
يا باعث الخيل، تردي في أعنّتها، ... من المقطّم في أكناف حلوان
لا زال بغضي ينمّى في صدوركم، ... إن كان ذلك من حيّ لزبّان

وحلوان أيضا:
بليدة بقوهستان نيسابور، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان.

الرَّيّ

الرَّيّ:
بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، فإن كان عربيّا فأصله من رويت على الراوية أروي ريّا فأنا راو إذا شددت عليها الرّواء، قال أبو منصور:
أنشدني أعرابي وهو يعاكمني:
ريّا تميميّا على المزايد
وحكى الجوهري: رويت من الماء، بالكسر، أروى ريّا وريّا وروى مثل رضى: وهي مدينة مشهورة من أمّهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة الريّ طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وست وثلاثون دقيقة، وارتفاعها سبع وسبعون تحت ثماني عشرة درجة من السرطان خارجة من الإقليم الرابع داخلة في الإقليم الخامس، يقابلها مثلها من الجدي في قسمة النسر الطائر ولها شركة في الشعرى والغميصاء رأس الغول من قسمة سعد بلع، ووجدت في بعض تواريخ الفرس أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ثمّ ألقته فوقع في بحر جرجان، فلمّا قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلمّا وصل إلى موضع الريّ قال الناس: بريّ آمد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسيّة ريّ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسميت الريّ بذلك، قال العمراني: الرّي بلد بناه فيروز ابن يزدجرد وسمّاه رام فيروز، ثمّ ذكر الرّي المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، ولا أعرف الأخرى، فأمّا الرّي المشهورة فإنّي رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة
مدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات ولولا ذلك لما بقي فيها أحد، وقال الشاعر يهجو أهلها:
الرّيّ دار فارغه ... لها ظلال سابغة
على تيوس ما لهم ... في المكرمات بازغه
لا ينفق الشّعر بها ... ولو أتاها النّابغه
وقال إسماعيل الشاشي يذمّ أهل الرّيّ:
تنكّب حدّة الأحد ... ولا تركن إلى أحد
فما بالرّيّ من أحد ... يؤهل لاسم الأحد
وقد حكى الاصطخري أنّها كانت أكبر من أصبهان لأنّه قال: وليس بالجبال بعد الريّ أكبر من أصبهان، ثمّ قال: والرّيّ مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وإن كانت نيسابور أكبر عوصة منها، وأمّا اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي أعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، قال: وللرّيّ قرى كبار كلّ واحدة أكبر من مدينة، وعدّد منها قوهذ والسّدّ ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، قال: ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسن وبشاويه ودنباوند، وقال ابن الكلبي: سميت الريّ بريّ رجل من بني شيلان ابن أصبهان بن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ريّ يوما إليه فإذا هي بدرّاجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير يعني أن الدّرّاجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم بورانجير ويغيره أهل الرّيّ فيقولون بهورند، وقال لوط بن يحيى:
كتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من فتح
نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الرّيّ ودستبى في ثمانية آلاف، ففعل وسار عروة لذلك فجمعت له الديلم وأمدوا أهل الرّيّ وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واستباحهم، وذلك في سنة 20 وقيل في سنة 19، وقال أبو نجيد وكان مع المسلمين في هذه الوقائع:
دعانا إلى جرجان والرّيّ دونها ... سواد فأرضت من بها من عشائر
رضينا بريف الرّيّ والرّيّ بلدة ... لها زينة في عيشها المتواتر
لها نشز في كلّ آخر ليلة ... تذكّر أعراس الملوك الأكابر
قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهديّ الرّيّ في خلافة المنصور بنى مدينة الرّيّ التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطها، وتمّ عملها سنة 158، وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين: الخندق، وسمّاها المحمديّة، فأهل الرّيّ يدعون المدينة الداخلة المدينة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية، وقد كان المهدي أمر بمرمّته ونزله أيّام مقامه بالرّيّ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة، ويقال: الذي تولّى مرمّته وإصلاحه ميسرة التغلبي أحد وجوه قواد المهدي، ثمّ جعل بعد ذلك سجنا ثمّ خرب فعمره رافع بن هرثمة في سنة 278 ثمّ خرّبه أهل الرّيّ بعد خروج رافع عنها، قال:
وكانت الرّيّ تدعى في الجاهليّة أزارى فيقال إنّه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الرّيّ اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الرّيّ، وفيها أبنية قائمة تدل على أنّها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الرّيّ يقال له البهزان، بينه وبين الرّيّ ستة فراسخ يقال إن الرّيّ كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب وربّما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت وغير ذلك من هذا النوع، وبالرّيّ قلعة الفرّخان، تذكر في موضعها، ولم تزل قطيعة الرّيّ اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون عند منصرفه من خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ قطيعتهم فأسقط عنهم منها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها، وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: في التوراة مكتوب الرّيّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق، وقال الأصمعي: الرّيّ عروس الدنيا وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الأرض، وكان عبيد الله ابن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الرّيّ إن خرج على الجيش الذي توجّه لقتال الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الرّيّ والقعود، وقال:
أأترك ملك الرّيّ والرّيّ رغبة، ... أم ارجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الرّيّ قرّة عين
فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج فكان من قتل الحسين، رضي الله عنه، ما كان. وروي عن جعفر الصادق، رضي الله عنه، أنّه قال: الرّيّ وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات، وقال إسحاق بن سليمان: ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الرّيّ،
وفي أخبارهم: الريّ ملعونة وتربتها تربة ملعونة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقبل الحق، والرّيّ سبعة عشر رستاقا منها دنباوند وويمة وشلمبة، حدث أبو عبد الله بن خالويه عن نفطويه قال: قال رجل من بني ضبّة وقال المدائني:
فرض لأعرابي من جديلة فضرب عليه البعث إلى الري وكانوا في حرب وحصار، فلمّا طال المقام واشتدّ الحصار قال الأعرابي: ما كان أغناني عن هذا! وأنشأ يقول:
لعمري لجوّ من جواء سويقة ... أسافله ميث وأعلاه أجرع
به العفر والظّلمان والعين ترتعي ... وأمّ رئال والظّليم الهجنّع
وأسفع ذو رمحين يضحي كأنّه ... إذا ما علا نشزا، حصان مبرقع
أحبّ إلينا أن نجاور أهلنا ... ويصبح منّا وهو مرأى ومسمع
من الجوسق الملعون بالرّيّ كلّما ... رأيت به داعي المنيّة يلمع
يقولون: صبرا واحتسب! قلت: طالما ... صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع
فليت عطائي كان قسّم بينهم ... وظلّت بي الوجناء بالدّوّ تضبع
كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... يدا سابح في غمرة يتبوّع
أأجعل نفسي وزن علج كأنّما ... يموت به كلب إذا مات أجمع؟
والجوسق الملعون الذي ذكره ههنا هو قلعة الفرّخان، وحدث أبو المحلّم عوف بن المحلم الشيباني قال: كانت لي وفادة على عبد الله بن طاهر إلى خراسان فصادفته يريد المسير إلى الحجّ فعادلته في العماريّة من مرو إلى الريّ، فلمّا قاربنا الرّيّ سمع عبد الله بن طاهر ورشانا في بعض الأغصان يصيح، فأنشد عبد الله بن طاهر متمثلا بقول أبي كبير الهذلي:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر، ... وغصنك ميّاد، ففيم تنوح؟
أفق لا تنح من غير شيء، فإنّني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطّت غربة دار زينب، ... فها أنا أبكي والفؤاد جريح
ثمّ قال: يا عوف أجز هذا، فقلت في الحال:
أفي كلّ عام غربة ونزوح؟ ... أما للنّوى من ونية فنريح؟
لقد طلّح البين المشتّ ركائبي، ... فهل أرينّ البين وهو طليح؟
وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة، ... فنحت وذو الشجو القديم ينوح
على أنّها ناحت ولم تذر دمعة، ... ونحت وأسراب الدّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما، ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتضحي عصا الأسفار وهي طريح
فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه، ... وعدم الغنى بالمقترين نزوح
فأخرج رأسه من العمارية وقال: يا سائق ألق زمام البعير، فألقاه فوقف ووقف الخارج ثمّ دعا بصاحب
بيت ماله فقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟
فقال: ستين ألف دينار، فقال: ادفعها إلى عوف، ثمّ قال: يا عوف لقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث جئت، قال: فأقبل خاصة عبد الله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيّها الأمير شاعرا في مثل هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها! قال: إليكم عني فإنّي قد استحييت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبد الله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به، ورجع عوف إلى وطنه فسئل عن حاله فقال: رجعت من عند عبد الله بالغنى والراحة من النوى، وقال معن بن زائدة الشيباني:
تمطّى بنيسابور ليلي وربّما ... يرى بجنوب الرّيّ وهو قصير
ليالي إذ كلّ الأحبّة حاضر، ... وما كحضور من تحب سرور
فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح ... وأمّا الألى أقليهم فحضور
أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني ... بأيدي عداة سائرين أسير
لعلّ الذي لا يجمع الشمل غيره ... يدير رحى جمع الهوى فتدور
فتسكن أشجان ونلقى أحبّة، ... ويورق غصن للشّباب نضير
ومن أعيان من ينسب إليها أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم صاحب الكتب المصنفة، مات بالرّيّ بعد منصرفه من بغداد في سنة 311، عن ابن شيراز، ومحمد بن عمر بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري، سمع وروى وجمع، قال أبو بكر الإسماعيلي: حدّثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي الحافظ الصدوق بجرجان، وربّما قال الثقة المأمون، سكن مرو ومات بها في سنة نيف وتسعين ومائتين، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد ابن أبي حاتم الرازي أحد الحفّاظ، صنف الجرح والتعديل فأكثر فائدته، رحل في طلب العلم والحديث فسمع بالعراق ومصر ودمشق، فسمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة وأبيه أبي حاتم وأبي زرعة الرازي وعبد الله وصالح ابني أحمد بن حنبل وخلق سواهم، وروى عنه جماعة أخرى كثيرة، وعن أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد ابن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ يقول: كنت بالرّيّ فرأيتهم يوما يقرؤون على محمد بن أبي حاتم كتاب الجرح والتعديل، فلمّا فرغوا قلت لابن عبدويه الورّاق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري عن شيخكم على هذا الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم! فقال: يا أبا محمد اعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب قالا هذا علم حسن لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن الرازي حتى سألهما عن رجل معه رجل وزادا فيه ونقصا منه، ونسبه عبد الرحمن الرازي، وقال أحمد بن يعقوب الرازي: سمعت عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي في الشام في الرحلة فدخلنا مدينة فرأيت رجلا واقفا على الطريق يلعب بحيّة ويقول: من يهب لي درهما حتى أبلع هذه الحيّة؟ فالتفت إليّ أبي وقال: يا بني احفظ دراهمك فمن أجلها تبلع الحيّات! وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ القزويني: أخذ عبد الرحمن بن أبي حاتم علم أبيه وعلم أبي زرعة وصنّف
منه التصانيف المشهورة في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان من الأبدال ولد سنة 240، ومات سنة 327، وقد ذكرته في حنظلة وذكرت من خبره هناك زيادة عمّا ههنا، وإسماعيل بن عليّ بن الحسين بن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي المعروف بالسمّان الحافظ، كان من المكثرين الجوّالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، سمع ببغداد أبا طاهر المخلص ومحمد بن بكران بن عمران، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد الأصبهاني وغيرهما، مات في الرابع والعشرين من شعبان سنة 445، وكان معتزليّا، وصنف كتبا كثيرة ولم يتأهّل قط، وكان فيه دين وورع، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد الرازي الحافظان ويعرف في الرّيّ بأبي الرستاقي، سمع ببلده وغيره وأقام بدمشق وصنف، وكان حافظا ثقة مكثرا، مات سنة 347، وابنه تمام بن محمد الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها من أبيه ومن خلق كثير وروى عنه خلق، وقال أبو محمد بن الأكفاني: أنبأنا عبد العزيز الكناني قال: توفي شيخنا وأستاذنا تمام الرازي لثلاث خلون من المحرم سنة 414، وكان ثقة مأمونا حافظا لم أر أحفظ منه لحديث الشاميّين، ذكر أن مولده سنة 303، وقال أبو بكر الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبر، وقال أبو علي الأهوازي:
كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال ما رأيت مثله في معناه، وأبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله الحافظ الرازي، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق سنة 347 فسمع بها أبا الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي والد تمام، وبنيسابور أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال وأبا الحسن علي بن أحمد الفارسي ببلخ وأبا عبد الله بن مخلد ببغداد وأبا الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني بمصر وعمر بن إبراهيم بن الحدّاد بتنّيس وأبا عبد الله المحاملي وأبا العباس الأصمّ، وحدث بدمشق في تلك السنة فروى عنه تمام وعبد الرحمن بن عمر بن نصر والقاضيان أبو عبد الله الحسين بن محمد الفلّاكي الزّنجاني وأبو القاسم التنوخي وأبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الحافظ وحمزة بن يوسف الخرقاني وأبو محمد إبراهيم بن محمد بن عبد الله الزنجاني الهمداني وعبد الغني بن سعيد والحاكم أبو عبد الله وأبو العلاء عمر بن علي الواسطي وأبو زرعة روح بن محمد الرازي ورضوان بن محمد الدّينوري، وفقد بطريق مكّة سنة 375، وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقرّبهم فتقرّب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت وغيره، وكان ذلك في أيّام المعتمد وتغلبه عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خدمة كوتكين ابن ساتكين التركي، وتغلب على الرّيّ وأظهر التشيع بها واستمرّ إلى الآن، وكان أحمد بن هارون قد عصى على أحمد بن إسماعيل الساماني بعد أن كان من أعيان قواده وهو الذي قتل محمد بن زيد الراعي فتبعه أحمد بن إسماعيل إلى قزوين فدخل أحمد بن هارون بلاد الديلم وأيس منه أحمد بن إسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يتولّى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الرّيّ، فامتنع وقال: لا أريدها لأنّها
مشؤومة قتل بسببها الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتربتها ديلمية تأبى قبول الحقّ وطالعها العقرب، وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289، ثمّ جاء عهده بولاية الرّيّ من المكتفي وهو بخراسان، فاستعمل على الرّيّ من قبله ابن أخيه أبا صالح منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد فوليها ستّ سنين، وهو الذي صنف له أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم كتاب المنصوري في الطبّ، وهو الكنّاشة، وكان قدوم منصور إليها في سنة 290، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

زَاغُول

زَاغُول:
بعد الألف غين معجمة، وآخره لام: من قرى مرو الروذ، بها قبر المهلّب بن أبي صفرة العتكي أمير خراسان، وكان المهلب بعد فراغه من قتل الأزارقة ولّاه عبد الملك خراسان فقدّم ابنه حبيبا بعد عشرة أشهر خليفة وعزل عنها أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد ثمّ قدمها المهلب في صفر سنة 76 فأقام بها إلى أن توفي بقرية زاغول من قرى مرو الروذ، وقد خرج غازيا في ذي الحجة سنة 82 وله ست وسبعون سنة، وكانت مدة ولايته على خراسان مع ولاية ابنه حبيب سبع سنين.

خالِدآباذ

خالِدآباذ:
من قرى سرخس أيضا منسوبة إلى خالد، وهذه اياذ معناه عمارة خالد، والمشهور منها إمام الدّنيا في عصره أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الخالداباذي المروزي، صنّف الأصول وشرح المختصر للمزني، وقصده الناس من البلاد، وانتشر عنه علم الفقه، وخرج من عنده سبعون من مشاهير العلماء، وكان يدرّس ببغداد ثم انتقل عنها إلى مصر فأجلس مجلس الشافعي في حلقته واجتمع الناس عليه، ومات بمصر سنة 340. وخالدآباذ: من قرى الري مشهورة.

خُراسَانُ

خُراسَانُ:
بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمّهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو، وهي كانت قصبتها، وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون، ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها ويعدّ ما وراء النهر منها وليس الأمر كذلك، وقد فتحت أكثر هذه البلاد عنوة وصلحا، ونذكر ما يعرف من ذلك في مواضعها، وذلك في سنة 31 في أيام عثمان، رضي الله عنه، بإمارة عبد الله بن عامر ابن كريز، وقد اختلف في تسميتها بذلك فقال دغفل النسابة: خرج خراسان وهيطل ابنا عالم بن سام بن نوح، عليهما السلام، لما تبلبلت الألسن ببابل فنزل كل واحد منهما في البلد المنسوب إليه، يريد أن هيطل نزل في البلد المعروف بالهياطلة، وهو ما وراء نهر جيحون، ونزل خراسان في هذه البلاد التي ذكرناها دون النهر فسمّيت كل بقعة بالذي نزلها، وقيل: خر اسم للشمس بالفارسية الدّريّة وأسان كأنه أصل الشيء ومكانه، وقيل: معناه كل سهلا لأن معنى خر كل وأسان سهل، والله أعلم، وأما النسبة إليها ففيها لغات، في كتاب العين: الخرسي منسوب إلى خراسان، ومثله الخراسي والخراساني ويجمع على الخراسين بتخفيف ياء النسبة كقولك الأشعرين، وأنشد:
لا تكرمن من بعدها خرسيّا
ويقال: هم خرسان كما يقال سودان وبيضان، ومنه قول بشار في البيت:
من خرسان لا تعاب
يعني بناته، وقال البلاذري: خراسان أربعة أرباع، فالربع الأول إيران شهر وهي نيسابور وقهستان والطّبسان وهراة ويوشنج وباذغيس وطوس واسمها طابران، والربع الثاني مرو الشاهجان وسرخس ونسا وأبيورد ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وآمل وهما على نهر جيحون، والربع الثالث، وهو غربي النهر وبينه وبين النهر ثمانية فراسخ، الفارياب والجوزجان وطخارستان العليا وخست واندرابة والباميان وبغلان ووالج، وهي مدينة مزاحم بن بسطام، ورستاق بيل وبذخشان، وهو مدخل الناس إلى تبّت، ومن اندرابة مدخل الناس إلى كابل، والترمذ، وهو في شرقي بلخ، والصغانيان وطخارستان السّفلى وخلم وسمنجان، والربع الرابع ما وراء النهر بخارى والشاش والطّراربند والصّغد، وهو كسّ، ونسف والروبستان وأشروسنة وسنام، قلعة المقنع، وفرغانة وسمرقند، قال المؤلف: فالصحيح في تحديد خراسان ما ذهبنا إليه أوّلا وإنما ذكر البلاذري هذا لأن جميع ما ذكره من البلاد كان مضموما إلى والي خراسان وكان اسم خراسان يجمعها، فأما ما وراء النهر فهي بلاد الهياطلة ولاية برأسها وكذلك سجستان ولاية برأسها ذات نخيل، لا عمل بينها وبين خراسان، وقد روي عن شريك بن عبد الله أنه قال:
خراسان كنانة الله إذا غضب على قوم رماهم بهم، وفي حديث آخر: ما خرجت من خراسان راية في جاهلية وإسلام فردّت حتى تبلغ منتهاها، وقال ابن قتيبة: أهل خراسان أهل الدعوة وأنصار الدولة ولم يزالوا في أكثر ملك العجم لقاحا لا يؤدّون إلى أحد إتاوة ولا خراجا، وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ حتى نزلوا بابل ثم نزل أردشير بن بابك فارس فصارت دار ملكهم وصار بخراسان ملوك الهياطلة، وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بهرام ملك فارس، وكان غزاهم فكادوه بمكيدة في طريقه حتى سلك سبيلا معطشة يعني مهلكة، ثم خرجوا إليه فأسروه وأكثر أصحابه معه، فسألهم أن يمنّوا عليه وعلى من أسر معه من أصحابه وأعطاهم موثقا من الله وعهدا مؤكّدا لا يغزوهم أبدا ولا يجوز حدودهم، ونصب حجرا بينه وبينهم صيره الحدّ الذي حلف عليه وأشهد الله عز وجل على ذلك ومن حضره من أهله وخاصة أساورته، فمنّوا عليه وأطلقوه ومن أراد ممن أسر معه، فلما عاد إلى مملكته دخلته الأنفة والحميّة مما أصابه وعاد لغزوهم ناكثا لأيمانه غادرا بذمته وجعل الحجر الذي كان نصبه وجعله الحدّ الذي حلف أنه لا يجوزه محمولا أمامه في مسيره يتأول به أنه لا يتقدّمه ولا يجوزه، فلما صار إلى بلدهم ناشدوه الله وأذكروه به فأبى إلا لجاجا ونكثا فواقعوه وقتلوه وحماته وكماته واستباحوا أكثرهم فلم يفلت منهم إلّا الشريد، وهم قتلوا كسرى بن قباذ، ثم أتى الإسلام فكانوا فيه أحسن الأمم رغبة وأشدّهم إليه مسارعة منّا من الله عليهم وتفضّلا لهم، فأسلموا طوعا ودخلوا فيه سلما وصالحوا عن بلادهم صلحا، فخفّ خراجهم وقلّت نوائبهم ولم يجر عليهم سباء ولم تسفك فيما بينهم دماء، وبقوا على ذلك طول أيام بني أميّة إلى أن أساعوا السيرة واشتغلوا باللّذات عن الواجبات، فانبعث عليهم جنود من أهل خراسان مع أبي مسلم الخراساني ونزع عن قلوبهم الرحمة وباعد عنهم الرأفة حتى أزالوا ملكهم عن آخرهم رأيا وأحنكهم سنّا وأطولهم باعا فسلّموه إلى بني العباس، وأنفذ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الأحنف بن
قيس في سنة 18 فدخلها وتملّك مدنها فبدأ بالطّبسين ثم هراة ومرو الشاهجان ونيسابور في مدّة يسيرة، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، فقال ربعي بن عامر في ذلك:
ونحن وردنا، من هراة، مناهلا ... رواء من المروين، إن كنت جاهلا
وبلخ ونيسابور قد شقيت بنا، ... وطوس ومرو قد أزرنا القنابلا
أنخنا عليها، كورة بعد كورة، ... نفضّهم حتى احتوينا المناهلا
فلله عينا من رأى مثلنا معا، ... غداة أزرنا الخيل تركا وكابلا
وبقي المسلمون على ذلك إلى أن مات عمر، رضي الله عنه، وولي عثمان، فلما كان لسنتين من ولايته ثرا بنو كنازا، وهم أخوال كسرى، بنيسابور وألجئوا عبد الرحمن بن سمرة وعمّاله إلى مرو الروذ وثنّى أهل مرو الشاهجان وثلّث نيزك التركي فاستولى على بلخ وألجأ من بها من المسلمين إلى مرو الروذ وعليها عبد الرحمن بن سمرة، فكتب ابن سمرة إلى عثمان بخلع أهل خراسان فقال أسيد بن المتشمّس المرّيّ:
ألا أبلغا عثمان عني رسالة، ... فقد لقيت عنّا خراسان بالغدر
فأذك، هداك الله، حربا مقيمة ... بمروي خراسان العريضة في الدّهر
ولا تفترز عنّا، فإن عدوّنا ... لآل كنازاء الممدّين بالجسر
فأرسل إلى ابن عامر عبد الله بن بشر في جند أهل البصرة، فخرج ابن عامر في الجنود حتى تولّج خراسان من جهة يزد والطّبسين وبثّ الجنود في كورها وساروا نحو هراة فافتتح البلاد في مدّة يسيرة وأعاد عمال المسلمين عليها، وقال أسيد بن المتشمّس بعد استرداد خراسان:
ألا أبلغا عثمان عنّي رسالة، ... لقد لقيت منّا خراسان ناطحا
رميناهم بالخيل من كلّ جانب، ... فولّوا سراعا واستقادوا النوائحا
غداة رأوا خيل العراب مغيرة، ... تقرّب منهم أسدهنّ الكوالحا
تنادوا إلينا واستجاروا بعهدنا، ... وعادوا كلابا في الديار نوابحا
وكان محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس قال لدعاته حين أراد توجيههم إلى الأمصار: أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة عليّ وولده والبصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكفّ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى، وأما الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة بني مروان عداوة راسخة وجهل متراكم، وأما مكة والمدينة فغلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بأهل خراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسّمها الأهواء ولم تتوزعها النّحل ولم يقدم عليهم فساد، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة، فلما بلغ الله إرادته من بني أمية وبني العباس أقام أهل خراسان مع خلفائهم على أحسن حال وهم أشدّ طاعة وأكثر تعظيما للسلطان وهو أحمد سيرة في رعيته
يتزين عندهم بالجميل ويستتر منهم بالقبيح إلى أن كان ما كان من قضاء الله ورأي الخلفاء الراشدين في الاستبدال بهم وتصيير التدبير لغيرهم فاختلّت الدولة وكان من أمرها ما هو مشهور من قبل الخلفاء في زمن المتوكل وهلمّ جرّا ما جرى من أمر الديلم والسلجوقية وغير ذلك، وقال قحطبة بن شبيب لأهل خراسان: قال لي محمد ابن عليّ بن عبد الله أبى الله أن تكون شيعتنا إلا أهل خراسان لا ننصر إلا بهم ولا ينصرون إلّا بنا، إنه يخرج من خراسان سبعون ألف سيف مشهور، قلوبهم كزبر الحديد، أسماؤهم الكنى وأنسابهم القرى، يطيلون شعورهم كالغيلان، جعابهم تضرب كعابهم، يطوون ملك بني أمية طيّا ويزفّون الملك إلينا زفّا، وأنشد لعصابة الجرجاني:
الدار داران: إيوان وغمدان، ... والملك ملكان: ساسان وقحطان
والناس فارس والإقليم بابل وال ... إسلام مكة والدنيا خراسان
والجانبان العلندان، اللذا خشنا ... منها، بخارى وبلخ الشاه داران
قد ميز الناس أفواجا ورتّبهم، ... فمرزبان وبطريق ودهقان
وقال العباس بن الأحنف:
قالوا خراسان أدنى ما يراد بكم ... ثم القفول، فها جئنا خراسانا
ما أقدر الله أن يدني على شحط ... سكان دجلة من سكان سيحانا
عين الزمان أصابتنا، فلا نظرت، ... وعذّبت بفنون الهجر ألوانا
وقال مالك بن الرّيب بعد ما ذكرناه في ابرشهر:
لعمري لئن غالت خراسان هامتي، ... لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة ... بجنب الغضا أزجي القلاص النّواجيا؟
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه، ... وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى، ... وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا؟
وما بعد هذه الأبيات في الطّبسين قال عكرمة وقد خرج من خراسان: الحمد لله الذي أخرجنا منها ليطوي خراسان طيّ الأديم حتى يقوّم الحمار الذي كان فيها بخمسة دراهم بخمسين بل بخمسمائة.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الدّجّال يخرج من المشرق من أرض يقال لها خراسان يتبعه قوم كأنّ وجوههم المجان المطرقة، وقد طعن قوم في أهل خراسان وزعموا أنهم بخلاء، وهو بهت لهم ومن أين لغيرهم مثل البرامكة والقحاطبة والطاهرية والسامانية وعلي بن هشام وغيرهم ممن لا نظير لهم في جميع الأمم، وقد نذكر عنهم شيئا مما ادعي عليهم والردّ في ترجمة مرو الشاهجان إن شاء الله. فأما العلم فهم فرسانه وساداته وأعيانه، ومن أين لغيرهم مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومثل مسلم بن الحجاج القشيري وأبي عيسى الترمذي وإسحاق ابن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي حامد الغزّالي والجويني إمام الحرمين والحاكم أبي عبد الله النيسابوري وغيرهم من أهل الحديث والفقه، ومثل الأزهري والجوهري وعبد الله بن المبارك، وكان يعدّ من أجواد الزّهاد والأدباء، والفارابي صاحب ديوان
الأدب والهروي وعبد القاهر الجرجاني وأبي القاسم الزمخشري، هؤلاء من أهل الأدب والنظم والنثر الذين يفوت حصرهم ويعجز البليغ عن عدّهم، وممن ينسب إلى خراسان عطاء الخراساني، وهو عطاء بن أبي مسلم، واسم أبي مسلم ميسرة، ويقال عبد الله ابن أيوب أبو ذؤيب، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال أبو صالح من أهل سمرقند، ويقال من أهل بلخ مولى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي، سكن الشام، وروى عن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن مسعود وكعب بن عجرة ومعاذ بن جبل مرسلا، وروى عن أنس وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير وأبي مسلم الخولاني وعكرمة مولى ابن عباس وأبي إدريس الخولاني ونافع مولى ابن عمر وعروة بن الزبير وسعيد العقبري والزّهري ونعيم بن سلامة الفلسطيني وعطاء بن أبي رباح وأبي نصرة المنذر بن مالك العبدي وجماعة يطول ذكرهم، روى عنه ابنه عثمان والضحاك بن مزاحم الهلالي وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي ومالك بن أنس ومعمر وشعبة وحماد بن سلمة وسفيان الثوري والوضين وكثير غير هؤلاء، وقال ابنه عثمان: ولد أبي سنة خمسين من التاريخ، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فصار فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح وفقيه أهل اليمن طاووس وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه أهل البصرة الحسن البصري وفقيه أهل الكوفة النخعي وفقيه أهل الشام مكحول وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشيّ، فكان فقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيّب، وقال أحمد ابن حنبل: عطاء الخراساني ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: عطاء الخراساني مشهور، له فضل وعلم، معروف بالفتوى والجهاد، روى عنه مالك بن أنس، وكان مالك ممن ينتقي الرجال، وابن جريج وحماد ابن سلمة والمشيخة، وهو ثقة ثبت.

دُنْباوَنْد

دُنْباوَنْد:
بضم أوله، وسكون ثانيه، وبعده باء موحدة، وبعد الألف واو ثم نون ساكنة، وآخره دال، لغة في دباوند: وهو جبل من نواحي الرّيّ، وقد ذكر في دباوند، ودنباوند في الإقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة ونصف، وعرضها سبع وثلاثون درجة وربع. ودنباوند أيضا:
جبل بكرمان ذكرته في بلد يقال له دمندان، فأما الذي في الريّ فقال ابن الكلبي: إنما سمي دنباوند لأن أفريدون بن اثفيان الأصبهاني لما أخذ الضحّاك بيوراسف قال لأرمائيل وكان نبطيّا من أهل الزاب اتخذه الضحاك على مطابخه فكان يذبح غلاما ويستحيي غلاما ويسم على عنقه ثم يأمره فيأتي المغارة فيما بين قصران وخويّ ويذبح كبشا فيخلطه بلحم الغلام، فلما أراد أفريدون قتله قال:
أيها الملك إن لي عذرا، وأتى به المغارة وأراه صنيعه فاستحسن أفريدون ذلك منه وأراد قتله بحجة فقال: اجعل لي غذاء لا تجعل لي فيه بقلا ولا لحما، فجعل فيه أذناب الضأن وأحضر له وهو بدنباوند لحبس الضحّاك به، فاستحسن أفريدون ذلك منه وقال له: دنباوندى أي وجدت الأذناب فتخلّصت بها مني، ثم قال أفريدون: يا أرمائيل قد أقطعتك صداء الخيل ووهبت لك هؤلاء الذين وسمت، فأنت وسمان، وسمى الأرض التي وجد
فيها القوم دشت پي أي سمة وعقب، فسميت دست پي الكورة المعروفة بين الري وهمذان وقزوين، وقرأت في رسالة ألّفها مسعر بن مهلهل الشاعر ووصف فيها ما عاينه في أسفاره فقال: دنباوند جبل عال مشرف شاهق شامخ لا يفارق أعلاه الثلج شتاء ولا صيفا ولا يقدر أحد من الناس أن يعلو ذروته ولا يقاربها، ويعرف بجبل البيوراسف، يراه الناس من مرج القلعة ومن عقبة همذان، والناظر إليه من الرّيّ يظن أنه مشرف عليه، وأن المسافة بينهما ثلاثة فراسخ أو اثنان، وزعم العامّة أن سليمان بن داود، عليه السلام، حبس فيه ماردا من مردة الشياطين يقال له صخر المارد، وزعم آخرون أن أفريدون الملك حبس فيه البيوراسف، وأن دخانا يخرج من كهف في الجبل يقول العامة إنه نفسه، ولذلك أيضا يرون نارا في ذلك الكهف يقولون إنها عيناه وإن همهمته تسمع من ذلك الكهف، فاعتبرت ذلك وارتصدته وصعدت في ذلك الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقّة شديدة ومخاطرة بالنفس وما أظن أن أحدا تجاوز الموضع الذي بلغت إليه بل ما وصل إنسان إليه فيما أظن، وتأملت الحال فرأيت عينا كبريتية وحولها كبريت مستحجر، فإذا طلعت عليه الشمس والتهبت ظهرت فيه نار، وإلى جانبه مجرى يمر تحت الجبل تخترقه رياح مختلفة فتحدث بينها أصوات متضادّة على إيقاعات متناسبة فمرّة مثل صهيل الخيل ومرّة مثل نهيق الحمير ومرّة مثل كلام الناس، ويظهر للمصغي إليه مثل الكلام الجمهوريّ دون المفهوم وفوق المجهول يتخيل إلى السامع أنه كلام بدويّ ولغة إنسيّ، وذلك الدخان الذي يزعمون أنه نفسه بخار تلك العين الكبريتية، وهذه حال تحتمل على ظاهر صورة ما تدعيه العامة، ووجدت في بعض شعاب هذا الجبل آثار بناء قديم، وحولها مشاهد تدل على أنها مصايف بعض الأكاسرة، وإذا نظر أهل هذه الناحية إلى النّمل يدّخر الحبّ ويكثر من ذلك علموا أنها سنة قحط وجدب، وإذا دامت عليهم الأمطار وتأذّوا بها وأرادوا قطعها صبّوا لبن المعز على النار فانقطعت، وقد امتحنت هذا من دعواهم دفعات فوجدتهم فيه صادقين، وما رأى أحد رأس هذا الجبل في وقت من الأوقات منحسرا عن الثلج إلّا وقعت الفتنة وهريقت الدماء من الجانب الذي يرى منحسرا، وهذه العلامة أيضا صحيحة بإجماع أهل البلد، وبالقرب من هذا الجبل معدن الكحل الرازي والمرتك والأسرب والزاج، هذا كله قول مسعر، وقد حكي قريبا من هذا علي بن زين كاتب المازيار الطبري، كان حكيما محصّلا وله تصانيف في فنون عدّة، قريبا من حكاية مسعر قال: وجّهنا جماعة من أهل طبرستان إلى جبل دنباوند وهو جبل عظيم شاهق في الهواء يرى من مائة فرسخ وعلى رأسه أبدا مثل السحاب المتراكم لا ينحسر في الصيف ولا في الشتاء ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي زعم جهال العجم أنه بول البيوراسف، فذكر الذين وجهناهم أنهم صعدوا إلى رأسه في خمسة أيام وخمس ليال فوجدوا نفس قلّته نحو مائة جريب مساحة، على أن الناظر ينظر إليها من أسفل الجبل مثل رأس القبة المخروطة، قالوا: ووجدنا عليها رملا تغيب فيه الأقدام، وإنهم لم يروا عليها دابة ولا أثر شيء من الحيوان، وإنّ جميع ما يطير في الجوّ لا يبلغها، وإنّ البرد فيها شديد والريح عظيمة الهبوب والعصوف، وإنهم عدّوا في كوّاتها سبعين كوّة يخرج منها الدخان الكبريتي، وإنه كان معهم رجل من أهل تلك الناحية فعرّفهم أنّ ذلك الدخان تنفس البيوراسف، ورأوا
حول كل نقب من تلك الكوى كبريتا أصفر كأنه الذهب، وحملوا منه شيئا معهم حتى نظرنا إليه، وزعموا أنهم رأوا الجبال حوله مثل التلال وأنهم رأوا البحر مثل النهر الصغير، وبين البحر وبين هذا الجبل نحو عشرين فرسخا.
ودنباوند من فتوح سعيد بن العاصي في أيام عثمان لما ولي الكوفة سار إليها فافتتحها وافتتح الرّويان، وذلك في سنة 29 أو 30 للهجرة، وبلغ عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، أنّ ابن ذي الحبكة النّهدي يعالج تبريحا فأرسل إلى الوليد بن عقبة وهو وال على الكوفة ليسأله عن ذلك فإن أقرّ به فأوجعه ضربا وغرّبه إلى دنباوند، ففعل الوليد ذلك فأقرّ فغرّبه إلى دنباوند، فلما ولي سعيد ردّه وأكرمه فكان من رؤوس أهل الفتن في قتل عثمان، فقال ابن ذي الحبكة:
لعمري! إن أطردتني، ما إلى الذي ... طمعت به من سقطتيّ سبيل
رجوت رجوعي يا ابن أروى، ورجعتي ... إلى الحق دهرا، غال حلمك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل
وإن دعائي، كلّ يوم وليلة، ... عليك بدنباوند كم لطويل
وقال البحتري يمدح المعتزّ بالله:
فما زلت حتى أذعن الشّرق عنوة، ... ودانت على ضغن أعالي المغارب
جيوش ملأن الأرض، حتى تركنها ... وما في أقاصيها مفرّ لهارب
مددن وراء الكوكبيّ عجاجة ... أرته، نهارا، طالعات الكواكب
وزعزعن دنباوند من كل وجهة، ... وكان وقورا مطمئنّ الجوانب

دَيرُ قِنِّسْري

دَيرُ قِنِّسْري:
على شاطئ الفرات من الجانب الشرقي في نواحي الجزيرة وديار مضر مقابل جرباس، وجرباس شامية، وبين هذا الدير ومنبج أربعة فراسخ، وبينه وبين سروج سبعة فراسخ، فهو دير كبير كان فيه أيام عمارته ثلاثمائة وسبعون راهبا، ووجد في هيكله مكتوبا:
أيا دير قنسري كفى بك نزهة ... لمن كان بالدنيا يلذّ ويطرب
فلا زلت معمورا ولا زلت آهلا، ... ولا زلت مخضرّا تزار وتعجب

البَصْرَةُ

البَصْرَةُ:
وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:
البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدوابّ، قال:
ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:
البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيّدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:
إن تك جلمود بصر لا أؤبّسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
مؤلّفة تهوي جميعا كما هوى، ... من النّيق فوق البصرة، المتطحطح
وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس راه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذّان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سمّيت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاءوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:
«إن كنت جلمود بصر» ، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصريّ، بكسر الباء لإسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غيّر في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الرّيّ رازيّ وما أشبه ذلك من المغيّر، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثّقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توّج ونوبندجان وطاسان، فلما فتحوها كتبوا إليه:
إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:
إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحريّ فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذّهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان
المثنّى بن حارثة يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خالد ابن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازا إلى الكوفة بالحيرة، سنة اثنتي عشرة، أعانه على حرب من هنالك وخلّف سويدا، ويقال: إن خالدا لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للأعاجم، وقتل وسبى، وخلّف بها رجلا من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر، ويقال: إنه أتى نهر المراة ففتح القصر صلحا. وكان الواقدي ينكر أن خالدا مرّ بالبصرة ويقول: إنه حين فرغ من أمر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله اعلم. ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يولّيها رجلا من قبله، فولّاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب، أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين، أقبل في أربعين رجلا، منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وأبو بكرة وزياد ابن أبيه وأخت لهم، وقال له عمر: إن الحيرة قد فتحت فأت أنت ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل فارس والأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم.
فأتاها عتبة وانضمّ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم.
قال نافع بن الحارث: فلما أبصرتنا الديادبة خرجوا هرّابا وجئنا القصر فنزلناه، فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله. قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرزّ بقشره، فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما، فقال عتبة: هذا سمّ أعدّه لكم العدوّ، يعني الأرز، فلا تقربنّه، فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه، فإننا لكذلك إذا بفرس قد قطع قياده وأتى ذلك الأرز يأكل منه، فلقد رأينا أن نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت، فقال صاحبه: أمسكوا عنه، أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلما أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه، فقالت أختي: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السمّ لا يضرّ إذا نضج، فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادت: الا انه يتفصّى من حبيبة حمراء، ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء، فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة، فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه، فأكلوا منه فإذا هو طيب، قال: فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه، فلقد رأيتني بعد ذلك وأنا أعدّه لولدي، ثم قال: إنا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهنّ أختي. وأمدّ عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة، وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل، قال: وبنى المسلمون بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن: في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، ففرّق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة. قال نافع: ولما بلغنا ستمائة قلنا: ألا نسير إلى الأبلّة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز، وهي جمع عنزة وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زجّ، وسيوفنا، وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهن أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنا قد دنونا من المدينة، فلما دنونا منها صففنا أصحابنا، قال:
وفيها ديادبتهم وقد أعدّوا السّفن في دجلة، فخرجوا إلينا في الحديد مسوّمين لا نرى منهم إلا الحدق، قال: فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى
بعض قتلا، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم: ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا: عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه، يريدون النساء في إثارتهن التراب. وذكر البلاذري: لما دخل المسلمون الأبلّة وجدوا خبز الحوّارى فقالوا: هذا الذي كانوا يقولون إنه يسمّن، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون:
ما نرى سمنا، وقال عوانة بن الحكم: كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد، فلما قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال، وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين، وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال:
إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته، فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف: الحجارة المجتمعة المتشقّقة، وقيل: ارض قضّة ذات حصّى، وأما القضة، بالكسر والتخفيف: ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري:
الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، وأما القضة، بالتخفيف:، فهو شجر من شجر الحمض، ويجمع على قضين، وليس من المضاعف، وقد يجمع على القضى مثل البرى، وقال أبو نصر الجوهري: القضّة، بكسر القاف والتشديد، الحصى الصغار، والقضة أيضا أرض ذات حصّى، قال: ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب، فكتب إليه أن أنزلها، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم، وكانت تسمّى الدهناء، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول مولود ولد بالبصرة، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال: هذه أرض نخل، ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر:
أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة، فلما افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم، وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال
فلما كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه، فأذن له، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده، وكان عتبة قد سيّره في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها، فأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى أن يرجع، قال: ولما أراد عتبة الانصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاما في آخره: وستجرّبون الأمراء من بعدي، قال الحسن:
فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم، قال: وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه، فقال له: وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه، فسقط عن راحلته في الطريق فمات، وذلك في سنة ست عشرة، قال: ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة، وكان عتبة قد غزاها وفتحها، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه، فدعا عمر عتبة وقال له: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.
نعم، قال: فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا، فقال:
إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع، فقال عمر: لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف، وهي مدينة، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية، وأقرّ المغيرة على البصرة، فلما كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه، وقيل: كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن، وكذلك دار الإمارة، وكان المنبر في وسطه، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز، وهو أمير لعثمان على البصرة، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء، فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلد دبّ، فلما استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج، فلما فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين، قال: ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني:
بنى زياد، لذكر الله، مصنعه ... بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين
لولا تعاون أيدي الرافعين له، ... إذا ظنناه أعمال الشياطين
وجاء بسواريه من الأهواز، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل، ففيه قيل:
يا حبّذا الإماره ... ولو على الحجاره
وقيل: إن أرض المسجد كانت تربة فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب، فلما رأى زياد ذلك قال: لا آمن أن يظنّ الناس على طول الأيام أن نفض اليد في الصلاة سنّة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع، ووظّف ذلك على الناس، فاشتد الموكّلون بذلك على الناس وأروهم حصى انتقوه فقالوا: ائتونا بمثله على قدره وألوانه، وارتشوا على ذلك فقال:
يا حبذا الإماره ... ولو على الحجاره
فذهبت مثلا، وكان جانب الجامع الشمالي منزويا لأنه كان دارا لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعها، فلم يزل على تلك الحال حتى ولّى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة، فقال عبيد الله بن زياد:
إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعة فاعلمني.
فشخص إلى قصر الأبيض، فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به تربيع المسجد، وقدم عبد الله بن نافع فضجّ، فقال له: إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك، فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلّها في المسجد، ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد، وقد أمر بذلك الرشيد، ولما قدم الحجّاج خبّر أن زيادا بنى دار الإمارة فأراد أن يذهب ذكر زياد منها فقال: أريد أن أبنيها بالآجرّ، فهدمها، فقيل له: إنما غرضك أن تذهب ذكر زياد منها، فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها، فتركها مهدومة، فلم يكن للأمراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين، فقال له صالح إنه ليس بالبصرة دار إمارة وخبّره خبر الحجاج، فقال له سليمان: أعدها، فأعادها بالجصّ والآجرّ على أساسها الذي كان ورفع سمكها، فلما أعاد أبوابها عليها قصرت، فلما مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة، فبنى فوقها غرفا فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه:
هبلتك أمك يا ابن عمّ عدي! أتعجز عنك مساكن وسعت زيادا وابنه؟ فأمسك عدي عن بنائها، فلما قدم سليمان بن علي البصرة عاملا للسفّاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعديّ بناء بالطين ثمّ تحوّل إلى المربد، فلما ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة، وقال يزيد الرّشك: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلّا دانقا، وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال:
نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عيّل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالاتهم ثمانين ألفا.

دَيْلَمٌ

دَيْلَمٌ:
الديلم: الموت، والديلم: الأعداء، والديلم:
النمل الأسود، والديلم: جيل سمّوا بأرضهم في قول بعض أهل الأثر وليس باسم لأب لهم، قال المنجمون: الديلم في الإقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة وعشر دقائق. وديلم: اسم ماء لبني عبس، فقال عنترة:
زوراء تنفر من حياض الديلم
وقال الحفصي: في العرمة من أرض اليمامة ماء يقال له الديلم وثم الدّحرضان، وهما ماءان لبني حدّان ابن قريع، وأنشد قول عنترة، وفي كتاب التصحيف والتحريف لحمزة: حدثني ابن الأنباري قال: حدثني أحمد بن يحيى ثعلب قال: لقيني أبو محلم على باب أحمد بن سعيد ومعه أعرابيّ فقال:
جئتكم بهذا الأعرابي لتعرفوا كذب الأصمعي، أليس يقول في عنترة:
زوراء تنفر من حياض الديلم
إن الديلم الأعداء فسلوا هذا الأعرابي، فسألناه فقال: هي حياض بالغور قد أوردتها إبلي غير مرّة.

رُويَانُ

رُويَانُ:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وياء مثناة من تحت، وآخره نون: مدينة كبيرة من جبال طبرستان وكورة واسعة، وهي أكبر مدينة في الجبال هناك، قالوا: أكبر مدن سهل طبرستان آمل وأكبر مدن جبالها رويان، ورويان في الإقليم الرابع، طولها ست وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق، وبين جيلان ورويان اثنا عشر فرسخا، وقد ذكر بعضهم أن رويان ليست من طبرستان وإنّما هي ولاية برأسها مفردة واسعة محيط بها جبال عظيمة وممالك كثيرة وأنهار مطّردة وبساتين متّسعة وعمارات متصلة، وكانت فيما مضى من مملكة الديلم فافتتحها عمرو بن العلاء صاحب الجوسق بالرّي وبنى فيها مدينة وجعل لها منبرا، وفيما بين جبال الرويان والديلم رساتيق وقرى، يخرج من القرية ما بين الأربعمائة رجل إلى الألف ويخرج من جميعها أكثر من خمسين ألف مقاتل، وخراجها على ما وظف عليها الرشيد أربعمائة ألف وخمسون ألف درهم، وفي بلاد الرويان مدينة يقال لها كجّة بها مستقر الوالي، وجبال الرويان متصلة بجبال الريّ وضياعها ومدخلها ممّا يلي الري، وأوّل من افتتحها سعيد بن العاصي في سنة 29 أو 30 وهو والي الكوفة لعثمان سار إليها فافتتحها، وقد نسب إلى هذا الموضع طائفة من العلماء، منهم:
أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الروياني الطبري القاضي الإمام أحد أئمة الشافعية ووجوه أهل عصره ورؤوس الفقهاء في أيّامه بيانا وإتقانا، وكان نظام الملك عليّ بن إسحاق يكرمه، تفقه على أبي عبد الله محمد بن بيان الفقيه الكازروني وصنف كتبا كثيرة، منها: كتاب التجربة وكتاب الشافي، وصنف في الفقه كتابا كبيرا عظيما سماه البحر، رأيت جماعة من فقهاء خراسان يفضلونه على كل ما صنف في مذهب الشافعي، وسمع الحديث من أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ومن شيخه ابن بيان الكازروني، روى عنه زاهر بن طاهر الشحامي وإسمعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني وغيرهما، وقتل بسبب التعصب شهيدا في مسجد الجامع بآمل طبرستان في محرم سنة 501 وقيل سنة 502، عن السلفي، ومولده سنة 415، وعبد الكريم بن شريح بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد الروياني الطبري أبو معمر قاضي آمل طبرستان، إمام فاضل مناظر فقيه حسن الكلام، ورد نيسابور فأقام بها مدة وسمع ببسطام أبا الفضل محمد بن عليّ بن أحمد السهلكي، وبطبرستان الفضل بن أحمد بن محمد البصري وأبا جعفر محمد بن عليّ بن محمد المناديلي وأبا الحسين أحمد بن الحسين بن أبي خداش الطبري، وبساوة أبا عبد الله محمد بن أحمد ابن الحسن الكامخي، وبأصبهان أبا المظفر محمود بن جعفر الكوسج، وبنيسابور أبا بكر محمد بن إسماعيل التفليسي وفاطمة بنت أبي عثمان الصابوني وأبا نصر محمد بن أحمد الرامش إجازة ... [1] ، وفوّض إليه القضاء بآمل في رمضان سنة 531، وبندار بن عمر بن محمد ابن أحمد أبو سعيد التميمي الروياني، قدم دمشق وحدث بها وبغيرها عن أبي مطيع مكحول بن علي ابن موسى الخراساني وأبي منصور المظفر بن محمد النحوي الدينوري وأبي محمد عبد الله بن جعفر الجباري الحافظ وعلي بن شجاع بن محمد الصيقلي وأبي صالح شعيب بن صالح، روى عنه الفقيه نصر بن سهل بن بشر وأبو غالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الشيرازي ومكي بن عبد السلام المقدسي وأبو الحسن عليّ بن طاهر النحوي، قال عبد العزيز النخشبي وسئل عنه فقال: لا تسمع منه فإنّه كذاب. ورويان أيضا: من قرى حلب قرب سبعين عندها مقتل آق سنقر جدّ بني زنكي أصحاب الموصل، وقال العمراني: بالريّ محلة تسمى رويان أيضا.

الرُّهاء

الرُّهاء:
بضم أوّله، والمدّ، والقصر: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذي استحدثها، وهو الرهاء بن البلندى بن مالك ابن دعر، وقال الكلبي في كتاب أنساب البلاد بخط حجحج: الرهاء بن سبند بن مالك بن دعر بن حجر ابن جزيلة بن لخم، وقال قوم: إنّها سمّيت بالرّها ابن الروم بن لنطي بن سام بن نوح، عليه السلام، قال بطليموس: مدينة الرها طولها اثنتان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، طالعها سعد الذابح لها شركة في النسر الطائر تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان، بيت ملكها مثلها من الحمل في الإقليم الرابع، وقال يحيى ابن جرير النصراني: الرها اسمها بالرومية أذاسا، بنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر، بناها الملك سلوقس كما ذكرنا في أذاسا، والنسبة إليها رهاويّ، وكذلك النسبة إلى رهاء قبيلة من مذحج، وقد نسب إليها جماعة من المتقدمين والمتأخرين، فمن المتقدمين يحيى بن أبي أسد الرهاويّ أخو زيد، يروي عن الزهري وعمرو بن شعيب وغيرهما، كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به، روى عنه أهل بلده وغيرهم، ومات سنة 146، ومن المتأخرين الحافظ عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرهاوي أبو محمد، ولد بالرها ونشأ بالموصل وكان مولى لبعض أهل الموصل وطلب العلم وسمع الكثير، رحل في طلب الحديث من الجزيرة إلى الشام ومصر، وسمع بالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر السلفي ودخل العراق وسمع من ابن الخشّاب وخلق كثير من تلك الطبقة ومضى إلى أصبهان ونيسابور ومرو وهراة وسمع من مشايخها وقدم واسطا وسمع بها وعاد إلى الموصل وأقام بها بدار الحديث المظفرية مدة يحدث وسكن بآخره بحرّان، ومات في جمادى الأولى سنة 612، وكان يقول إن مولده سنة 536، وكان ثقة صالحا، وأكثر سفره في طلب الحديث والعلم كان على رجله، وخلف كتبا وقفها بمسجد كان سكنه بحرّان، وقال أبو الفرج الأصبهاني:
حدثني أبو محمد حمزة بن القاسم الشامي قال: اجتزت بكنيسة الرها عند مسيري إلى العراق فدخلتها لأشاهد ما كنت أسمعه عنها، فبينما أنا أطوف إذ رأيت على ركن من أركانها مكتوبا فقرأته فإذا هو بحمرة:
حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل الإقتار، وأنا القائل:
ولي همّة أدنى منازلها السّها، ... ونفس تعالت بالمكارم والنّهى
وقد كنت ذا آل بمرو سريّة ... فبلّغت الأيّام بي بيعة الرّها
ولو كنت معروفا بها لم أقم بها، ... ولكنّني أصبحت ذا غربة بها
ومن عادة الأيّام إبعاد مصطفى، ... وتفريق مجموع وتبغيض مشتهى
قال: فاستحسنت النظم والنثر وحفظتهما، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
فلو ما كنت أروع أبطحيّا، ... أبيّ الضّيم مطّرح الدّناء
لودّعت الجزيرة قبل يوم ... ينسّي القوم أطهار النّساء
فذلك أم مقامك وسط قيس ... ويغلب بينها سفك الدّماء
وقد ملأت كنانة وسط مصر ... إلى عليا تهامة فالرّهاء
وقد نسب ابن مقبل إليها الخمر فقال:
سقتني بصهباء درياقة ... متى ما تليّن عظامي تلن
رهاويّة مترع دنّها ... ترجّع من عود وعس مرنّ

سابورُ

سابورُ:
بلفظ اسم سابور أحد الأكاسرة، وأصله شاه بور أي ملك بور، وبور: الابن بلسان الفرس، قاله الأزهري، وقال الأعشى:
وساق له شاه بور الجنو ... د عامين يضرب فيه القدم
ومن سابور إلى شيراز خمسة وعشرون فرسخا، وسابور في الإقليم الثالث، وطولها ثمان وسبعون درجة وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة: كورة مشهورة بأرض فارس ومدينتها النّوبندجان في قول ابن الفقيه، وقال البشّاري: مدينتها شهرستان، وقال الإصطخري: مدينتها سابور، وبهذه الكورة مدن أكبر منها مثل النوبندجان وكازرون، ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور الملك لأنّه هو الذي بنى مدينة سابور، وهي في السعة نحو إصطخر إلّا
أنّها أعمر وأجمع للبناء وأيسر أهلا، وبناؤها بالطين والحجارة والجصّ، ومن مدن هذه الكورة: كازرون وجره ودشت بارين وخمايجان السفلى والعليا وكندران والنوبندجان وتوّز ورموم الأكراد وجنبذ وخشت وغير ذلك، وبسابور الأدهان الكثيرة، ومن دخلها لم يزل يشم روائح طيبة حتى يخرج منها، وذلك لكثرة رياحينها وأنوارها وبساتينها، وقال البشاري:
سابور كورة نزهة قد اجتمع في بساتينها النخل والزيتون والأترج والخرّوب والجوز واللوز والتين والعنب والسدر وقصب السكر والبنفسج والياسمين، أنهارها جارية وثمارها دانية والقرى متصلة تمشي أياما تحت ظل الأشجار مثل صغد سمرقند، وعلى كلّ فرسخ بقّال وخبّاز، وهي قريبة من الجبال، وقال العمراني: سابور نهر، وأنشد:
أبيت بجسر سابور مقيما ... يؤرّقني أنينك يا معين
وقد نسبوا إلى سابور فارس جماعة من العلماء، منهم: محمد بن عبد الواحد بن محمد بن الحسن بن حمدان الفقيه أبو عبد الله السابوري، حدث بشيراز عن أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الملك، روى عنه أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وغيره، وكان للمهلّب وقائع بسابور مع قطريّ ابن الفجاءة والخوارج طويلة ذكرها الشعراء، قال كعب الأشقري:
تساقوا بكأس الموت يوما وليلة ... بسابور حتى كادت الشمس تطلع
بمعترك رضراضه من رحالهم، ... وعفر يرى فيه القنا المتجزّع
وسابور أيضا: موضع بالبحرين فتح على يد العلاء بن الحضرمي في أيّام أبي بكر، رضي الله عنه، عنوة في سنة 12، وقال البلاذري: فتح في أيّام عمر، رضي الله عنه.

حِيزَانُ

حِيزَانُ:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وزاي، وألف، ونون، يجوز أن يكون جمع الحوز، وهو الشيء يحوزه ويحصله، نحو رأل ورئلان: وهو بلد فيه شجر وبساتين كثيرة ومياه غزيرة، وهي قرب إسعرت من ديار بكر، فيها الشاه بلوط والبندق، وليس الشاه بلوط في شيء من بلاد العراق والجزيرة والشام إلّا فيها، وقال نصر: إنّ حيزان، بفتح الحاء، من مدن أرمينية قريبة من شروان، فطول حيزان اثنتان وسبعون درجة وربع، وعرضها أربع وثلاثون درجة، من فتوح سلمان بن ربيعة، ينسب إليها أبو الحسن حمدون بن علي الحيزاني، روى عن سليم بن أيوب الفقيه الشافعي، وروى عنه أبو بكر الشاشي الفقيه، قلت: والصواب الأول.

بَاجُنَيْسُ

بَاجُنَيْسُ:
بفتح النون، والسين مهملة، كذا وجدته بخط أبي الفضل العباس بن علي الصولي المعروف بابن برد الخيار مضبوطا: وهو بلد قديم يذكر مع أرجيش من أعمال خلاط وهو من أرمينية الرابعة، فتحها عياض بن غنم، وهي في الإقليم الخامس، طولها سبعون درجة ونصف، وعرضها أربعون درجة وسدس. وقال مسعر بن مهلهل: باجنيس بلد بني سليم، بها معدن الملح الأندراني ومعدن مغنيسيا ومعدن نحاس، وبها منبت الشيخ الذي يستخرج الدود والحيّات من الجوف، إلّا أن التركي خير منه، وبها أبسنتين وأستوخودوس.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.