(س) في حديث بيع الثمر «إمّا لا فَلَا تَبايَعوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ» هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَرِدُ فِي المحاوَرات كَثِيرًا، وَقَدْ جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وَأَصْلُهَا إنْ وَمَا وَلاَ، فأدْغِمَت النُّونُ فِي الْمِيمِ، وَما زَائِدَةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكْم لَهَا. وَقَدْ أمَالَت الْعَرَبُ لاَ إمَالَةً خَفِيفَةً، وَالْعَوَامُّ يُشْبِعُون إمَالتَها فتصِير ألِفُها يَاءً وَهُوَ خَطَأٌ. وَمَعْنَاهَا إن لم تفعل هذا فَلْيَكُن هذا.
إما لا: في حديث بَيْعِ الثَّمَرِ: إما لا فلا تَبايَعُوا حتى يَبدُوَ
صلاح الثَّمَرِ؛ قال ابن الأثير: هذه كلمة تَرد في المُحاوَرات كثيراً،
وقد جاءت في غير موضع من الحديث، وأَصلها إن وما ولا، فأدُغمت النون في
الميم وما زائدة في اللفظ لا حُكم لها. قال الجوهري: قولهم إِمَّا لا
فافْعَلْ كذا بالإمالة، قال: أَصله إنْ لا وما صِلةٌ، قال: معناه إلاَّ يَكُنْ
ذلك الأَمر فافعل كذا، قال: وقد أَمالت العرب لا إمالةً خَفِيفةً،
والعوام يُشْبِعون إِمالَتها فتصير أَلفها ياء، وهو خطأٌ، ومعناها إن لمْ
تَفْعَلْ هذا فليَكُنْ هذا ، قال الليث: قولهم إمَّا لا فافعل كذا إنما هي على
معنى إِنْ لا تَفْعَلْ ذلك فافْعَلْ ذا، ولكنهم لَمَّا جمعوا هؤلاء
الأَحْرفَ فَصِرْن في مَجْرى اللفظ مُثقلة فصار لا في آخرها كأَنه عَجُز كلمة
فيها ضمير ما ذكرت لك في كلام طَلَبْتَ فيه شيئاً فرُدَّ عليك أَمْرُكَ
فقلت إَمَّا لا فافْعَلْ ذا، قال: وتقولُ الْقَ زيداً وإلاَّ فلا، معناه
وإلا تَلْقَ زيداً فدَعْ؛ وأَنشد:
فطَلِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ،
وإِلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ
فأَضمر فيه وإِلاَّ تُطلَّقْها يَعْلُ، وغير البيانِ أَحسن. وروى أَبو
الزبير عن جابر: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم ، رأَى جملاً نادّاً فقال
لِمَنْ هذا الجملُ؟ فإِذا فِتْيةٌ من الأَنْصارِ قالوا اسْتَقَيْنا عليه
عشرين سنة وبه سَخِيمةٌ فأَرَدْنا أَن نَنْحَره فانفَلَتَ منا، فقال:
أَتَبِيعُونه؟ قالوا: لا بل هو لَكَ، فقال: إِما لا فأَحْسِنُوا إِليه حتى
يَأْتيَ أَجَلُه؛ قال أَبو منصور: أَراد إلاَّ تَبِيعُوه فأَحْسِنوا
إِليه، وما صِلةٌ، والمعنى إِنْ لا فوُكِّدَت بما، وإِنْ حرف جزاء ههنا، قال
أَبو حاتم: العامة رُبَّما قالوا في مَوْضِعِ افْعَلْ ذلك إما لا افْعَلْ
ذلك...... ارى
(* كتب بهامش الأصل بازاء السطر: كذا.) ، وهو فارسي مردود،
والعامة تقول أَيضاً: أُمَّا لي فيَضُمُّون الأَلف وهو خطأٌ أَيضاً،
قال: والصواب إِما لا غير مُمال لأَن الأَدوات لا تُمالُ. ويقال: خُذْ هذا
إِما لا، والمعنى إِن لم تأْخُذْ ذلك فخُذْ هذا، وهو مِثلُ المَثَل، وقد
تجيء ليس بمعنى لا ولا بمعنى ليس؛ ومن ذلك قول لبيد:
إِنما يُجْزى الفَتى ليس الجَمَلْ
أَراد لا الجمل. وسئل سيدنا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، عن
العَزْلِ عن النساء فقال: لا عليكم أَن لا تَفْعَلُوا فإِنما هو القَدَرُ، معناه
ليس عليكم أَن لا تَفْعَلُوا يعني العَزْلَ، كأَنه أَراد ليسَ عليكم
الإِمْساكُ عنه من جهة التحريم، وإِنما هو القَدَرُ إن قدَّرَ اللهُ أَن
يكون وَلدٌ كان. ابن الأَعرابي: لاوَى فلان فلاناً إذا خالفَه. وقال الفراء:
لاوَيْت أَي قُلت لا، وابن الأَعرابي: يقال لَوْلَيْت بهذا المعنى. ابن
سيده: لَوْ حَرْفٌ يدل على امْتِناع الشيء لامْتِناع غيره، فإن سميت به
الكلمة شدّدت؛ قال:
وقِدْماً أَهْلَكَتْ لَوٌّ كَثِيراً،
وقَبْعلَ اليَوْمِ عالجَها قُدارُ
وأَما الخليل فإِنه يَهمز هذا النحو إذا سُمي به كما يُهْمَزُ
النَّؤُورُ. وقال الليث: حَرْفُ أُمْنِيَّةٍ كقولك لَوْ قَدِمَ زيد، لَوْ أَن لنا
كَرَّةً، فهذا قد يُكْتَفى به عن الجواب، قال: وقد تكون لَوْ مَوْقُوفةً
بين نفي وأُمْنِيَّة إِذا وُصِلت بلا؛ وقال المبرد: لَوْ تُوجِب الشيء من
أَجْلِ وُقوع غيره، ولولا تَمْنَع الشيءَ من أَجْلِ وُقوع غيره. وقال
الفراء فيما رَوى عنه سَلمة: تكون لَوْ ساكنة الواو إذا جعلتها أَداةً،
فإِذا أَخرجتها إِلى الأَسماء شدّدت واوها وأَعربتها؛ ومنه قوله:
عَلِقَتْ لَوٌّا تُكَرِّرُه،
إنَّ لَوًّا ذاكَ أَعْيانا
وقال الفراء: لولا إذا كانت مع الأَسماء فهي شَرْط، وإذا كانت مع
الأَفعال فهي بمعنى هَلاّ، لَوْمٌ على ما مضَى وتَحْضِيضٌ لما يأْتي، قال: ولو
تكون جَحداً وتَمَنِّياً وشَرْطاً، وإِذا كانت شرطاً كانت تخويفاً
وتَشْوِيقاً وتمْثيلاً وشَرْطاً لا يتم. قال الزجاج: لو يَمْتَنِعُ بها الشيء
لامْتِناع غيره، تقول: لو جاءني زيد لجئته، المعنى بأَنَّ مَجِيئِي
امْتَنَع لامْتِناع مَجيء زيد. وروى ثعلب عن الفراء قال: لاوَيْتُ أَي قلت
لَوْلا، قال: وابن الأَعرابي قال لَولَيتُ، قال أَبو منصور: وهو أَقيس. وقال
الفرَّاء في قوله تعالى: فلولا كانَ من القُرون من قَبْلِكم أُولُو بقية
يَنْهَوْن؛ يقول لم يكن منكم أَحد كذلك إِلا قليلاً فإن هؤلاء كانوا
يَنْهَوْنَ فَنَجَوْا، وهو اسِّتثناء على الانقطاع مما قبله كما قال عز وجل:
إِلاَّ قَومَ يُونُس؛ ولو كان رفعاً كان صواباً. وروى المنذري عن ثعلب
قال: لَوْلا ولَوْما إِذا وَلِيَتِ الأَسماء كانت جزاء وأُجِيبَتْ، وإذا
وَلِيت الأفعال كانت استفهاماً. ولَوْلاكَ ولَوْلايَ بمعنى لَوْلا أَنتَ
ولولا أَنا اسْتُعْمِلَتْ؛ وأَنشد الفراء:
أَيَطْمَعُ فِينا مَنْ أَراقَ دِماءَنا،
ولَوْلاهُ لَمْ يَعْرِضْ لأَحْسابِنا حَسَنْ
قال: والاستفهام مثل قوله: لَوْما تَأْتِينا بالملائكة، وقوله: لَوْلا
أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؛ المعنى هلاّ أَخَّرْتَني إِلى أَجل
قريب، وقد استَعْلَمَتِ العرب لَوْلا في الخبر؛ قال الله تعالى: لَوْلا أَنتم
لَكُنَّا مُؤْمِنين؛ وأَنشد:
لَوْما هَوَى عِرْسٍ كُمَيْتٍ لَمْ أُبَلْ
قال ابن كَيْسانَ: المَكْنِيُّ بَعْدَ لَوْلا له وجهان:
إن شئت جئت بِمَكْني المرفوع فقلت لَوْلا هُو ولولاهُمْ ولولا هِيَ
ولولا أَنْتَ، وإن شئت وَصَلْتَ المَكْنيَّ بها فكان كَمَكْنِيَّ الخَفْضِ،
والبصريون يقولون هو خفض، والفراء يقول: وإن كان في لفظ الخفض فهو في
مَوْضِع رَفْع، قال: وهو أَقْيَسُ القولين، تقول: لَوْلاكَ ما قُمْتُ
ولَولايَ ولولاهُ ولولاهُم ولولاها، والأَجود لولا أَنتَ كما قال عز وجل: لَوْلا
أَنتُم لَكُنَّا مُؤْمِنين؛ وقال:
ومَنْزِلةٍ لَوْلايَ طِحْتَ كما هَوَى،
بأَجْرامِه مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوي
وقال رؤبة:
وهْيَ تَرَي لَوْلا تَرضي التَّحْرِيما
يصف العانة يقول: هي تَرَي رَوْضاً لولا أَنْها تَرَى مَنْ يُحَرِّمُها
ذلك؛ وقال في موضع آخر:
ورامِياً مُبتَرِكاً مَزْكُوما
في القَبْرِ لَوْلا يَفْهَمُ التَّفْهِيما
قال: معناه هو في القبر لولا يَفْهم، يقول: هو كالمَقْبُورِ إِلا أَنه
يَفْهَمُ كأَنه قال لولا أَنه يَفْهَمُ التَّفْهيم، قال الجوهري: لو حرف
تمنٍّ وهو لامْتِناعِ الثاني مِن أَجْل امْتِناعِ الأَوَّل، تقول لَوْ
جِئْتَني لأَكْرَمْتُكَ، وهو خلاف إن التي للجزاء لأَنها تُوقعُ الثاني من
أَجْل وُقُوعِ الأَوَّل، قال: وأَما لَوْلا فمركبة من معنى إِنْ ولَوْ،
وذلك أَنَّ لولا تمنع الثاني من أَجل وجود الأَوَّل؛ قال ابن بري: ظاهر
كلام الجوهري يقضي بأَن لولا مركبة من أَن المفتوحة
(*قوله «من أن المفتوحة»
كذا بالأصل، ولعل الصواب من إن المكسورة.) ولو، لأَن لو للامتناع وان
للوجود، فجعل لولا حرف امتناع لوجود. قال الجوهري: تقول لولا زيد لهلكنا أي
امتنع وقوع الهلاك من أَجل وجود زيد هناك؛ قال: وقد تكون بمعنى هَلاَّ
كقول جرير:
تَعُّدُونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم
بَنِي ضَوْطَرَى، لَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا
وإن جعلت لو اسماً شددته فقلت: قد أَكثرت من اللَّوَّ،لأَن حروف
المَعاني والأَسماءَ الناقصةَ إذا صُيِّرَتْ أَسْماء تامة بإدخال الأَلف واللام
عليها أَو بِإِعْرابِها شُدِّدَ ما هو منها على حرفين، لأَنه يزاد في
آخره حرف من جنسه فَتُدغمُ وتُصْرَِفُ، إلا الأَلف فإِنك تَزيد عليها مثلها
فتمدُّها لأَنها تَنْقَلِبُ عند التحريك لاجتماع الساكنين همزةً فتقول في
لا كتبت لاءً حَسَنةً؛ قال أَبو زُبَيْدٍ:
لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّيَ لَيْت؟ * إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَناء
وقال ابن سيده: حكى ابن جني عن الفارسي سأَلتك حاجة فَلأْيَلْتَ لِي أَي
قُلْتَ لِي لا، اشْتَقُّوا من الحرف فعلاً، وكذلك أَيضاً اشْتَقَّوا منه
المَصْدَر وهو اسم فقالوا الَّلأْلأَة، وحكي أَيضاً عن قطرب أَن بعضهم
قال: لا أَفْعلُ، فأَمالَ لا، قال: وإنما أَمالَها لمَّا كانت جواباً
قائمة بنفسها وقَوِيَتْ بذلك فلَحِقَتْ باللَّوَّة بالأَسماء والأفعال
فأُمِيلَت كما أُميلا، فهذا وجه إمالتها. وحكى أَبو بكر في لا وما من بين
أَخواتهما: لَوْيْتُ لاء حَسَنةً ، بالمدّ، ومَوَّيْتُ ماء حَسَنةً، بالمدّ،
لمكان الفتحة من لا وما؛ قال ابن جني: القول في ذلك أَنهم لَمَّا
أَرادوا اشْتِقاق فَعَّلْتُ مِن لا وما لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين،
فزادوا على الأَلف أَلفاً أُخرى ثم هَمَزُوا الثانيةَ كما تقدَّم فصارت لاء
وماء، فَجَرَتْ بعد ذلك مجرى باء وحاء بعد المدّ، وعلى هذا قالوا في النسب
إِلى ما لَمَّا احْتاجُوا إلى تكميلها اسماً مُحْتَمِلاً للإعراب: قد
عَرَفْت مائِيَّةَ الشيء، فالهمزةُ الآن إنما هي بدلٌ من أَلفٍ لَحِقَت
أَلِفَ ما، وقَضَوْا بأَنَّ أَلف ما ولا مُبْدلةٌ من واو كما ذكرناه من قول
ابي علي ومَذْهَبِه في باب الراء، وأَنَّ الرَّاء منها ياء حملاً على
طوَيْت ورَوَيْت، قال: وقول أبي بكر لمكان الفتحة فيهما أَي لأَنك لا
تُمِيلُ ما ولا فتقول ما ولا مُمالَتَيْنِ، فذهب إلى أَنَّ الأَلف فيهما من
واو كما قَدَّمْناه من قول أَبي علي ومذهبه. وتكون زائدة كقوله تعالى:
لئَلاَّ يَعْلَم أَهلُ الكتابِ. وقالوا: نابَلْ، يُريدون لا بَلْ، وهذا على
البَدَل.
ولولا: كَلمة مُرَكَّبةٌ من لو ولا،ومعناها امْتناعُ الشيء لوجود غيره
كقولك لَوْلا زيد لَفَعَلْتُ، وسأَلتك حاجة فَلَوْلَيْتَ لي أي قُلْتَ
لَوْلا كذا؛ كأَنه أَراد لَوْلَوْتُ فقلب الواو الأَخيرة ياء للمُجاورة،
واشتقوا أَيضاً من الحرف مَصْدراً كما اشتقوا منه فِعْلاً فقالوا
اللَّوْلاة؛ قال ابن سيده: وإِنما ذكرنا ههنا لايَيْت ولَوْلَيْتُ لأَن هاتين
الكلمتين المُغَيَّرَتَيْنِ بالتركيب إِنما مادَّتهما لا ولَوْ، ولَوْلا أَن
القِياسَ شيء بَرِيءٌ من التُّهَمة لقلت إنهما غير عربيتين؛ فأَما قول
الشاعر:
لَلَوْلا حُصَيْنٌ عَيْبَهُ أَن أَسُوءَه،
وأَنَّ بَني سَعدٌ صَديقٌ ووَالِدُ
(*قوله «عيبه» كذا في الأصل .)
فإِنه أَكد الحرف باللام. وقوله في الحديث: إِيَّاكَ واللَّوَّ فإِنَّ
اللَّوَّ مِن الشَّيطانِ؛ يريد قول المُتَنَدِّم على الفائت: لو كان كذا
لَقلتُ ولَفَعَلْتُ، وكذلك قول المُتَمَنِّي لأَنَّ ذلك مِن الاعْتراض على
الأَقدار، والأَصلُ فيه لَوْ ساكِنة الواو، وهي حرف من حروف المَعاني
يَمتنع بها الشيء، لامْتناع غيره، فإِذا سُمِّي بها زِيدَ فيها واو أُخرى،
ثم أُدغمت وشُدِّدت حَملاً على نظائرها من حروف المعاني، والله أَعلم.