من (م ط ر) تصغير مَطْران.
من (م ط ر) تصغير مَطْران.
طير: الــطَّيَرانُ: حركةُ ذي الجَناج في الهواء بِجَنَاحِهِ، طارَ
الطائرُ يَطِيرُ طَيْراً وطَيرانــاً وطَيْرورة؛ عن اللحياني وكراع وابن قتيبة،
وأَطارَه وطيَّره وطارَ بِه، يُعَدى بالهمزة وبالتضعيف وبحرف الجر.
الصحاح: وأَطارَه غيرُه وطيَّره وطايَرَه بمعنى.
والطَّيرُ: معروف اسم لِجَماعةِ ما يَطِيرُ، مؤنث، والواحد طائِرٌ
والأُنثى طائرةٌ، وهي قليلة؛ التهذيب: وقَلَّما يقولون طائرة للأُنثى؛ فاَّما
قوله أَنشده الفارسي:
هُمُ أَنْشَبُوا صُمَّ القَنا في نُحورِهمْ،
وبِيضاً تقِيضُ البَيْضَ من حيثُ طائرُ
فإِنه عَنى بالطائرِ الدِّماغَ وذلك من حيثُ قيل له فرخٌ؛ قال:
ونحنُ كَشَفْنا، عن مُعاوِيةَ، التي
هي الأُمُّ تَغْشَى كُلَّ فَرْخٍ مُنَقْنِق
عَنى بالفرْخ الدماغَ كما قلنا. وقوله مُْنَقْنِق إِقراطاً من القول:
ومثله قولُ ابن مقبل:
كأَنَّ نَزْوَ فِراخِ الهَامِ، بَيْنهُمُ،
نَزْوُ القُلاتِ، زَهاها قالُ قالِينا
وأَرضٌ مَطَارةٌ: كَثيرةُ الطَّيْرِ. فأَما قوله تعالى: إِنِّي أَخْلُقُ
لكم من الطِّينِ كهَيْئَةِ الطَّيْرِ فأَنْفُخُ فيه فيكون طائراً بإِذن
الله؛ فإِن معناه أَخلُق خَلْقاً أَو جِرْماً؛ وقوله: فأَنفخ فيه، الهاء
عائدة إِلى الطَّيْرِ، ولا يكون منصرفاً إِلى الهيئة لوجهين: أَحدهما أَن
الهَيْةَ أُنثى والضمير مذكر، والآخر أَنَّ النَّفْخَ لا يقع في
الهَيْئَةَ لأَنها نوْعٌ من أَنواع العَرَضِ، والعَرَضُ لا يُنْفَخُ فيه، وإِنما
يقع النَّفْخُ في الجَوْهَر؛ قال: وجميع هذا قول الفارسي، قال: وقد يجوز
أَن يكون الطائرُ اسماً للجَمْع كالجامل والباقر، وجمعُ الطائر
أَطْيارٌ، وهو أَحدُ ما كُسِّرَ على ما يُكَسَّرُ عليه مثلُه؛ فأَما الطُّيُورُ
فقد تكون جمعَ طائر كساجِدِ وسُجُودٍ، وقد تكون جَمْعَ طَيْرٍ الذي هو
اسمٌ للجَمع، وزعم قطرب أَن الطَّيْرَ يقَعُ للواحد؛ قال ابن سيده: ولا
أَدري كيف ذلك إِلا أَن يَعْني به المصدرَ، وقرئ: فيكون طَيْراً بإِذْنِ
الله، وقال ثعلب: الناسُ كلُّهم يقولون للواحد طائرٌ وأَبو عبيدة معَهم، ثم
انْفَرد فأَجازَ أَن يقال طَيْر للواحد وجمعه على طُيُور، قال الأَزهري:
وهو ثِقَةٌ. الجوهري: الطائرُ جمعُه طَيرٌ مثل صاحبٍ وصَحْبٍ وجمع
الطَّيْر طُيُورٌ وأَطْيارٌ مثل فَرْخ وأَفْراخ. وفي الحديث: الرُّؤْيا
لأَوَّلِ عابِرٍ وهي على رِجْلِ طائرٍ؛ قال: كلُّ حَرَكَةٍ من كلمة أَو جارٍ
يَجْرِي، فهو طائرٌ مَجازاً، أَرادَ: على رِجْل قَدَرٍ جار، وقضاءٍ ماضٍ، من
خيرٍ أَو شرٍّ، وهي لأَوَّلِ عابِرٍ يُعَبّرُها، أَي أَنها إِذا
احْتَمَلَتْ تأْوِيلَين أَو أَكثر فعبّرها مَنْ يَعْرِفُ عَباراتها، وقَعَتْ على
ما أَوّلَها وانْتَفَى عنها غيرُه من التأْويل؛ وفي رواية أُخرى:
الرُّؤْيا على رِجْل طائرٍ ما لم تُعَبَّرْ أَي لا يستقِرُّ تأْوِيلُها حتى
تُعَبِّر؛ يُرِيد أَنها سَرِيعةُ السقُوط إِذا عُبِّرت كما أَن الطيرَ لا
يستَقِرُّ في أَكثر أَحوالِه، فكيف ما يكون على رِجْلِه؟ وفي حديث أَبي بكر
والنسّابة: فمنكم شَيْبةُ الحمدِ مُطْعِم طَيْر السماءِ لأَنه لَمَّا
نَحَرَ فِدَاءَ ابنهِ عبدِاللهِ أَبي سيِّدِنا رسول الله، «صلى الله عليه
وسلم » مائةَ بعير فَرّقَها على رُؤُوس الجِبالِ فأَكَلَتْها الطيرُ. وفي
حديث أَبي ذَرٍّ: تَرَكَنَا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وما طائر
يَطِيرُ بِجَناحَيْه إِلاَّ عِنْدَنا منه عِلْمٌ، يعني أَنه استوفى بَيانَ
الشَّرِيعةِ وما يُحتاج إِليه في الدِّين حتى لم يَبْقَ مُشْكِلٌ،
فضَرَبَ ذلك مَثَلاً، وقيل: أَراد أَنه لم يَتْرك شيئاً إِلا بَيَّنه حتى
بَيَّن لهم أَحكامَ الطَّيْرِ وما يَحِلّ منه وما يَحْرُم وكيف يُذْبَحُ، وما
الذي يفْدِي منه المُحْرِمُ إِذا أَصابه، وأَشْباه ذلك، ولم يُرِدْ أَن
في الطيرِ عِلْماً سِوى ذلك عَلَّمهم إِيّاه ورَخّصَ لهم أَن يَتَعاطَوا
زَجْرَ الطَّيْرِ كما كان يفعله أَهلُ الجاهلية. وقوله عز وجل: ولا طائرٍ
يَطِيرُ بِجَناحَيْه؛ قال ابن جني: هو من التطوع المُشَامِ للتوكيد لأَنه
قد عُلِم أَن الــطَّيَرانَ لا يكون إِلا بالجَناحَيْنِ، وقد يجوز أَن
يكون قوله بِجناحَيْه مُفِيداً، وذلك أَنه قد قالوا:
طارُوا عَلاهُنَّ فَشُكْ عَلاها
وقال العنبري:
طارُوا إِليه زَرَافاتٍ ووُحْدانا
ومن أَبيات الكتاب:
وطِرْتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ
فاستعملوا الــطَّيَرانَ في غير ذي الجناح. فقوله تعالى: ولا طائرٍ
يَطِيرُ بِجَناحَيْه؛ على هذا مُفِيدٌ، أَي ليس الغرَضُ تَشْبِيهَه بالطائر ذي
الجناحَيْنِ بل هو الطائرُ بِجَناحَيْه البَتَّةَ.
والتَّطايُرُ: التَّفَرُّقُ والذهابُ، ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها:
سَمِعَتْ مَنْ يَقُول إِن الشؤْم في الدار والمرأَةِ فطارَتْ شِقَّةٌ
منها في السماء وشِقَّةٌ في الأَرض أَي كأَنها تفَرَّقَتْ وتقَطَّعَتْ
قِطَعاً من شِدّة الغَضَبِ. وفي حديث عُرْوة: حتى تَطَايرتْ شُؤُون رَأْسه أَي
تَفَرَّقَتْ فصارت قِطَعاً. وفي حديث ابن مسعود: فَقَدْنا رسولَ الله،
صلى الله عليه وسلم، فقُلْنا اغْتِيلَ أَو اسْتُطِيرَ أَي ذُهِبَ به
بسُرْعَةٍ كأَنَّ الطيرَ حَمَلَتْه أَو اغْتالَهُ أَحَدٌ. والاسْتِطارَةُ
والتَّطايُرُ: التفرُّقُ والذهابُ. وفي حديث علي، كرّم الله تعالى وجهه:
فأَطَرْتُ الحُلَّةَ بَيْنَ نِسَائي أَي فَرَّقْتُها بَيْنهن وقَسّمتها فيهن.
قال ابن الأَثير: وقيل الهمزة أَصلية، وقد تقدم. وتطايَرَ الشيءُ: طارَ
وتفرَّقَ.
ويقال للقوم إِذا كانوا هادئينَ ساكِنينَ: كأَنما على رؤوسهم الطَّيْرُ؛
وأَصله أَن الطَّيرَ لا يَقَع إِلا على شيء ساكن من المَوَاتِ فضُرِبَ
مثَلاً للإِنسان ووَقارِه وسكُونِه. وقال الجوهري: كأَنَّ على رؤوسِهم
الطَّيرَ، إِذا سَكَنُوا من هَيْبةٍ، وأَصله أَن الغُراب يقَعُ على رأْسِ
البَعيرِ فيلتقط منه الحَلَمَةَ والحَمْنانة، فلا يُحَرِّكُ البعيرُ رأْسَه
لئلاَّ يَنْفِر عنه الغُرابُ. ومن أَمثالهم في الخصْب وكثرةِ الخير
قولهم: هو في شيء لا يَطِيرُ غُرَابُه. ويقال: أُطِيرَ الغُرابُ، فهو مُطارٌ؛
قال النابغة:
ولِرَهْطِ حَرَّابٍ وقِدٍّ سَوْرةٌ
في المَجْدِ، ليس غرابُها بمُطارِ
وفلان ساكنُ الطائِر أَي أَنه وَقُورٌ لا حركة له من وَقارِه، حتى كأَنه
لو وَقَعَ عليه طائرٌ لَسَكَنَ ذلك الطائرُ، وذلك أَن الإِنسان لو وقع
عليه طائرٌ فتحرك أَدْنى حركةٍ لفَرَّ ذلك الطائرُ ولم يسْكُن؛ ومنه قول
بعض أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم: إِنّا كنا مع النبي، صلى الله عليه
وسلم، وكأَنَّ الطير فوقَ رؤوسِنا أَي كأَنَّ الطيرَ وقَعَتْ فوق
رؤوسِنا فنحْن نَسْكُن ولا نتحرّك خَشْيةً من نِفارِ ذلك الطَّيْرِ.
والطَّيْرُ: الاسمُ من التَّطَيّر، ومنه قولهم: لا طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُ اللهِ، كما
يقال: لا أَمْرَ إِلاَّ أَمْرُ الله؛ وأَنشد الأَصمعي، قال: أَنشدناه
الأَحْمر:
تَعَلَّمْ أَنه لا طَيرَ إِلاَّ
على مُتَطيِّرٍ، وهو الثُّبورُ
بلى شَيءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شيءٍ،
أَحايِيناً، وباطلُه كَثِيرُ
وفي صفة الصحابة، رضوان الله عليهم: كأَن على رؤوسهم الطَّيْرَ؛ وصَفَهم
بالسُّكون والوقار وأَنهم لم يكن فيهم طَيْشٌ ولا خِفَّةٌ. وفي فلان
طِيْرةٌ وطَيْرُورةٌ أَي خِفَّةٌ وطَيْشٌ؛ قال الكميت:
وحِلْمُك عِزٌّ، إِذا ما حَلُمْت،
وطَيْرتُك الصابُ والحَنْظَلُ
ومنه قولهم: ازجُرْ أَحْناءَ طَيْرِك أَي جوانبَ خِفّتِك وطَيْشِك.
والطائرُ: ما تيمَّنْتَ به أَو تَشاءَمْت، وأَصله في ذي الجناح. وقالوا للشيء
يُتَطَيَّرُ به من الإِنسان وغيرِه. طائرُ اللهِ لا طائرُك، فرَفَعُوه
على إِرادة: هذا طائرُ الله، وفيه معنى الدعاء، وإِن شئت نَصَبْتَ أَيضاً؛
وقال ابن الأَنباري: معناه فِعْلُ اللهِ وحُكْمُه لا فِعْلُك وما
تَتخوّفُه؛ وقال اللحياني: يقال طَيْرُ اللهِ لا طَيْرُك وطَيْرَ الله لا
طَيرَك وطائرَ الله لا طائرَك وصباحَ اللهِ لا صَباحَك، قال: يقولون هذا كلَّه
إِذا تَطَيَّرُوا من الإِنسانِ، النصبُ على معنى نُحِبّ طائرَ الله،
وقيل بنصبهما على معنى أَسْأَلُ اللهَ طائرَ اللهِ لا طائِرَك؛ قال:
والمصدرُ منه الطِّيَرَة؛ وجَرَى له الطائرُ بأَمرِ كذا؛ وجاء في الشر؛ قال الله
عز وجل: أَلا إِنَّما طائرُهم عند الله؛ المعنى أَلا إِنَّما الشُّؤْم
الذي يَلْحَقُهم هو الذي وُعِدُوا به في الآخرة لا ما يَنالُهم في
الدُّنْيا، وقال بعضهم: طائرُهم حَظُّهم قال الأَعشى:
جَرَتْ لَهُمْ طَيرُ النُّحوسِ بأَشْأَم
وقال أَبو ذؤيب:
زَجَرْت لهم طَيْرَ الشمالِ، فإِن تَكُن
هَواكَ الذي تَهْوى، يُصِبْك اجْتِنابُها
وقد تَطَيَّر به، والاسم الطيَرَةُ والطِّيْرَةُ والطُّورةُ. وقال أَبو
عبيد: الطائرُ عند العرب الحَظُّ، وهو الذي تسميه العرب البَخْتَ. وقال
الفراء: الطائرُ معناه عندهم العمَلُ، وطائرُ الإِنسانِ عَمَلُه الذي
قُلِّدَه، وقيل رِزْقُه، والطائرُ الحَظُّ من الخير والشر. وفي حديث أُمّ
العَلاء الأَنصارية: اقْتَسَمْنا المهاجرين فطارَ لنا عثمانُ بن مَظْعُون
أَي حَصَل نَصِيبنا منهم عثمانُ؛ ومنه حديث رُوَيْفِعٍ: إِنْ كان أَحَدُنا
في زمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لَيَطِير له النَّصْلُ وللآخَر
القِدْح؛ معناه أَن الرجُلين كانا يَقْتَسِمانِ السَّهْمَ فيقع لأَحدهما
نَصْلُه وللآخر قِدْحُه. وطائرُ الإِنسانِ: ما حصَلَ له في علْمِ الله مما
قُدّرَ له. ومنه الحديث: بالمَيْمونِ طائِرُه؛ أَي بالمُبارَكِ حَظُّه؛
ويجوز أَن يكون أَصله من الطَّيْرِ السانحِ والبارِحِ. وقوله عز وجل:
وكلَّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناه طائرَه في عُنُقِه؛ قيل حَظُّه، وقيل عَمَلُه،
وقال المفسرون: ما عَمِل من خير أَو شرّ أَلْزَمْناه عُنُقَه إِنْ خيراً
فخيراً وإِن شرّاً فشرّاً، والمعنى فيما يَرَى أَهلُ النّظر: أَن لكل
امرئ الخيرَ والشرَّ قد قَضاه الله فهو لازمٌ عُنُقَه، وإِنما قيل للحظِّ من
الخير والشرّ طائرٌ لقول العرب: جَرَى له الطائرُ بكذا من الشر، على
طريق الفَأْلِ والطِّيَرَةِ على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سبباً،
فخاطَبَهُم اللهُ بما يستعملون وأَعْلَمَهم أَن ذلك الأَمرَ الذي يُسَمّونه
بالطائر يَلْزَمُه؛ وقرئ طائرَه وطَيْرَه، والمعنى فيهما قيل: عملُه
خيرُه وشرُّه، وقيل: شَقاؤه وسَعادتُه؛ قال أَبو منصور: والأَصل في هذا كله
أَن الله تبارك وتعالى لما خَلَقَ آدمَ عَلِم قبْل خَلْقِه ذُرِّيَّتَه
أَنه يأْمرهم بتوحيده وطاعتِه وينهاهم عن معْصيته، وعَلِم المُطِيعَ منهم
والعاصيَ الظالمَ لِنفْسه، فكتَبَ ما علِمَه منهم أَجمعين وقضى بسعادة
من عَلِمَه مُطِيعاً، وشَقاوةِ من عَلِمَه عاصياً، فصار لكلِّ مَنْ عَلِمه
ما هو صائرٌ إِليه عند حِسَابِه، فذلك قولُه عز وجل: وكلَّ إِنسان
أَلْزَمْناه طائرَه؛ أَي ما طار له بَدْأً في عِلْم الله من الخير والشر
وعِلْمُ الشَّهادةِ عند كَوْنِهم يُوافقُ علْمَ الغيب، والحجةُ تَلْزَمهُم
بالذي يعملون، وهو غيرُ مُخالف لما عَلِمَه اللهُ منهم قبل كَوْنِهم. والعرب
تقول: أَطَرْتُ المال وطَيَّرْتُه بينَ القومِ فطارَ لكلٍّ منهم سَهْمُه
أَي صارَ له وخرج لَدَيْه سَهْمُه؛ ومنه قول لبيد يذكرُ ميراثَ أَخيه
بين ورَثَتِه وحِيازةَ كل ذي سهمٍ منه سَهْمَه:
تَطيرُ عَدائِد الأَشْراكِ شَفْعاً
ووَتْراً، والزَّعامةُ لِلْغُلام
والأَشْرَاكُ: الأَنْصباءُ، واحدُها شِرْكٌ. وقوله شفعاً ووتراً أَي
قُسِم لهم للذكر مثلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وخَلَصَت الرِّياسةُ والسِّلاحُ
للذكور من أَولاده.
وقوله عز وجل في قصة ثمود وتَشاؤُمهم بِنَبِيّهم المبعوث إِليهم صالحٍ،
عليه السلام: قالوا اطَّيَّرنا بك وبِمَنْ معك، قال طائركم عند الله؛
معناه ما أَصابَكم من خير وشر فمن الله، وقيل: معنى قولهم اطَّيَّرْنا
تَشَاءَمْنا، وهو في الأَصل تَطَيَّرنا، فأَجابَهم الله تعالى فقال: طائرُكُم
مَعَكم؛ أَي شُؤْمُكم معَكم، وهو كُفْرُهم، وقيل للشُؤْم طائرٌ وطَيْرٌ
وطِيَرَة لأَن العرب كان من شأْنها عِيافةُ الطَّيْرِ وزَجْرُها،
والتَّطَيُّرُ بِبَارِحها ونَعِيقِ غُرابِها وأَخْذِها ذَاتَ اليَسارِ إِذا
أَثارُوها، فسمّوا الشُّؤْمَ طَيْراً وطائراً وطِيرَةً لتشَاؤُمهم بها، ثم
أَعْلَم الله جل ثناؤه على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم أَن طِيَرَتَهم
بها باطِلَةٌ. وقال: لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هامةَ؛ وكان النبي، صلى
الله عليه وسلم، يَتفاءَلُ ولا يَتَطَيَّرُ، وأَصْلُ الفَأْلِ الكلمةُ
الحسَنةُ يَسْمعُها عَلِيلٌ فَيَتأَوَّلُ منها ما يَدُلّ على بُرْئِه كأَن
سَمِع منادياً نادى رجلاً اسمه سالم، وهو عَليل، فأَوْهَمَه سلامَتَه من
عِلّته، وكذلك المُضِلّ يَسْمع رجلاً يقول يا واجدُ فيَجِدُ ضالّته؛
والطِّيَرَةُ مُضادّةٌ للفَأْلِ، وكانت العربُ مَذهبُها في الفَأْلِ
والطِّيَرَةِ واحدٌ فأَثبت النبي، صلى الله عليه وسلم، الفَأْلَ واسْتَحْسَنه
وأَبْطَلَ الطِّيَرَةَ ونَهَى عنها. والطِّيَرَةُ من اطَّيَّرْت وتطَيَّرت،
ومثل الطِّيَرة الخِيَرَةُ. الجوهري تطَيَّرْت من الشيء وبالشيء، والاسم
منه الطِّيَرَةُ، بكسر الطاء وفتح الياء، مثال العِنَبةِ، وقد تُسَكَّنُ
الياءُ، وهو ما يُتَشاءمُ به من الفَأْل الردِيء. وفي الحديث: أَنه كان
يُحِبُّ الفأَلَ ويَكْرَهُ الطِّيَرَةَ؛ قال ابن الأَثير: وهو مصدرُ
تطَيَّر طِيَرَةً وتخَيَّر خِيَرَةً، قال: ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما،
قال: وأَصله فيما يقال التطَيُّرُ بالسوانح والبوارِح من الظبَاءِ
والطَّيْرِ وغيرهما، وكان ذلك يَصُدُّهم عن مقاصِدِهم فنَفاه الشْرعُ وأَبْطَلَه
ونهى عنه وأَخْبَر أَنه ليس له تأْثيرٌ في جَلْب نَفْع ولا دَفْع ضَرَرٍ؛
ومنه الحديث: ثلاثة لا يَسْلَم منها أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ والحَسَدُ:
والظنُّ، قيل: فما نصْنعُ؟ قال: إِذا تَطَيَّرْتَ فامْضِ، وإِذا حَسَدْتَ
فلا تَبْغِ، وإِذا ظَنَنْتَ فلا تُصَحِّحْ. وقوله تعالى: قالوا اطَّيّرْنا
بِك وبِمَنْ معَك؛ أَصله تَطَيّرنا فأُدْغمَتِ التاء في الطاء
واجْتُلِبَت الأَلفُ لِيصحَّ الابتداءُ بها. وفي الحديث: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وما
مِنّا إِلاَّ... ولكن اللهَ يُذْهِبُه بالتَّوَكُّل؛ قال ابن الأَثير: هكذا
جاء الحديث مقطوعاً ولم يذكر المستثنى أَي إِلا قد يَعْتَرِيه
التَّطيُّرُ ويَسْبِقُ إِلى قَلْبه الكراهةُ، فحذف اختصاراً واعتماداً على فهم
السامع؛ وهذا كحديثه الآخر: ما فينا إِلا مَنْ هَمَّ أَوْ لَمَّ إِلا يحيى
بن زكَرِيّا، فأَظْهَر المستثنى، وقيل: إِن قولَه وما منّا إِلا من قول
ابن مسعود أَدْرَجَه في الحديث، وإِنما جَعَل الطِّيَرَة من الشِّرك لأَنهم
كانوا يعتقدون أَن الطَّيْرَ تجْلُب لهم نفعاً أَو تدفع عنهم ضرَراً
إِذا عَمِلُوا بِمُوجَبه، فكأَنهم أَشركوه مع الله في ذلك، وقولُه: ولكن
الله يُذْهبُه بالتوكل معناه أَنه إِذا خَطَرَ له عارضُ التَّطيُّرِ فتوكل
على الله وسلم إِليه ولم يعمل بذلك الخاطرِ غفَره الله له ولم يُؤاخِذْه
به. وفي الحديث: أَباكَ وطِيراتِ الشَّباب؛ أَي زلاَّتهم وعَثَراتهِم؛ جمع
طِيرَة. ويقال للرجل الحَدِيد السريع الفَيْئَةِ: إِنه لَطَيُّورٌ
فَيُّورٌ. وفرس مُطارٌ: حديدُ الفُؤاد ماضٍ.
والتَّطايُر والاسْتِطارةُ: التفرُّق. واسْتَطارَ الغُبارُ إِذا انْتَشر
في الهواء. وغُبار طيّار ومُسْتَطِير: مُنْتَشر. وصُبْحٌ مُسْتَطِير.
ساطِعٌ منتشر، وكذلك البَرْق والشَّيْب والشرُّ. وفي التنزيل العزيز:
ويَخافُون يوماً كان شَرُّه مُسْتَطِيراً. واسْتَطارَ الفجرُ وغيره إِذا انتشر
في الأُفُق ضَوءَهُ، فهو مُسْتَطِير، وهو الصُّبْح الصادق البيّنُ الذي
يُحَرِّم على الصائم الأَكلَ والشربَ والجماعَ، وبه تحلّ صلاة الفجر، وهو
الخيط الأَبيض الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز، وأَما الفجر
المستطيل، باللام، فهو المُسْتَدقّ الذي يُشَبَّه بذَنب السِّرْحان، وهو
الخيط الأَسود ولا يُحَرِّم على الصائم شيئاً، وهو الصبح الكاذب عند العرب.
وفي حديث السجود والصلاة ذكرُ الفجر المُسْتَطِير، هو الذي انتشر ضوءه
واعْتَرض في الأُفُقِ خلاف المستطيل؛ وفي حديث بني قريظة:
وهانَ على سَراةِ بني لُؤَيٍّ
حَرِيقٌ، بالبُوَيْرةِ، مُسْتَطِيرُ
أَي منتشر متفرّق كأَنه طارَ في نواحيها. ويقال للرجل إِذا ثارَ غضبُه:
ثارَ ثائِرُه وطارَ طائِرُه وفارَ فائِرُه. وقد اسْتطارَ البِلى في الثوب
والصَّدْعُ في الزُّجاجة: تَبَيّن في أَجزائهما. واسْتَطارَت
الزُّجاجةُ: تبيّن فيها الانصداعُ من أَوّلها إِلى آخرها. واسْتطارَ الحائطُ:
انْصدَع من أَوله إِلى آخره؛ واسْتطارَ فيه الشَّقّ: ارتفع. ويقال: اسْتطارَ
فلانٌ سَيْفَه إذا انْتَزَعه من غِمْدِه مُسْرعاً؛ وأَنشد:
إِذا اسْتُطِيرَتْ من جُفون الأَغْمادْ،
فَقَأْنَ بالصَّقْع يَرابِيعَ الصادْ
واسْتطارَ الصَّدْعُ في الحائط إِذا انتشر فيه. واسْتطارَ البَرْقُ إِذا
انتشر في أُفُقِ السماء. يقال: اسْتُطِيرَ فلانٌ يُسْتَطارُ اسْتِطارةً،
فهو مُسْتَطار إِذا ذُغِرَ؛ وقال عنترة:
متى ما تَلْقَني، فَرْدَينِ، تَرْجُفْ
رَوانِفُ أَلْيَتَيكَ وتُسْتطارا
واسْتُطِير الفرسُ، فهو مُسْتَطارٌ إِذا أَسْرَع الجَرْيَ؛ وقول عدي:
كأَنَّ رَيِّقَه شُؤْبُوبُ غادِيةٍ،
لما تَقَفَّى رَقِيبَ النَّقْعِ مُسْطارا
قيل: أَراد مُسْتَطاراً فحذف التاء، كما قالوا اسْطَعْت واسْتَطَعْت.
وتَطايَرَ الشيءُ: طال. وفي الحديث: خُذْ ما تَطايَرَ من شَعرِك؛ وفي
رواية: من شَعرِ رأْسِك؛ أَي طال وتفرق. واسْتُطِير الشيءُ أَي طُيِّر؛ قال
الراجز:
إِذا الغُبارُ المُسْتطارُ انْعَقّا
وكلبٌ مُسْتَطِير كما يقال فَحْلٌ هائِجٌ. ويقال أَجْعَلَت الكلبةُ
واسْتطارت إِذا أَرادت الفحلَ. وبئر مَطارةٌ: واسعةُ الغَمِ؛ قال
الشاعر:كأَنّ حَفِيفَها، إِذ بَرّكوها،
هُوِيّ الرِّيحِ في جَفْرٍ مَطارِ
وطَيّر الفحلُ الإِبلَ: أَلْقَحها كلَّها، وقيل: إِنما ذلك إِذا
أَعْجَلت اللَّقَحَ؛ وقد طَيَّرَت هي لَقَحاً ولَقاحاً كذلك أَي عَجِلت
باللِّقاح، وقد طارَتْ بآذانها إِذا لَقِحَتْ، وإِذا كان في بطن الناقة حَمْل،
فهي ضامِنٌ ومِضْمان وضَوامِنُ ومَضامِينُ، والذي في بطنها ملقوحةٌ وملقوح؛
وأَنشد:
طَيّرها تعَلُّقُ الإِلْقاح،
في الهَيْجِ، قبل كلَبِ الرِّياحِ
وطارُوا سِراعاً أَي ذهبوا. ومَطارِ ومُطارٌ، كلاهما: موضع؛ واختار ابن
حمزة مُطاراً، بضم الميم، وهكذا أَنشد، هذا البيت:
حتى إِذا كان على مُطار
والروايتان جائزتان مَطارِ ومُطار، وسنذكر ذلك في مطر. وقال أَبو حنيفة:
مُطار واد فيما بين السَّراة وبين الطائف. والمُسْطارُ من الخمر: أَصله
مُسْتَطار في قول بعضهم. وتَطايَرَ السحابُ في السماء إِذا عَمّها.
والمُطَيَّرُ: ضَرْبٌ من البُرود؛ وقول العُجَير السلولي:
إِذا ما مَشَتْ، نادى بما في ثِيابها،
ذَكِيٌّ الشَّذا، والمَنْدَليُّ المُطيَّرُ
قال أَبو حنيفة: المُطَيَّر هنا ضربٌ من صنعته، وذهب ابن جني إِلى أَن
المُطَيَّر العود، فإِذا كان كذلك كان بدلاً من المَنْدليِّ لأَن المندلي
العُود الهندي أَيضاً، وقيل: هو مقلوب عن المُطَرَّى؛ قال ابن سيده: ولا
يُعْجِبني؛ وقيل: المُطَيَّر المشقَّق المكسَّر، قال ابن بري:
المَنْدَليّ منسوب إِلى مَنْدَل بلد بالهند يجلب منه العود؛ قال ابن
هَرْمَة:أُحِبُّ الليلَ أَنّ خَيالَ سَلْمى،
إِذا نِمْنا، أَلمَّ بنا فَزارا
كأَنّ الرَّكْبَ، إِذ طَرَقَتْكَ، باتوا بمَنْدَلَ أَو بِقارِعَتَيْ
قِمَارا
وقِمار أَيضاً: موضع بالهند يجلب منه العُود. وطارَ الشعر: طالَ؛ وقول
الشاعر أَنشده ابن الأَعرابي:
طِيرِي بِمِخْراقٍ أَشَمَّ كأَنه
سَلِيمُ رِماحٍ، لم تَنَلْه الزَّعانِفُ
طِيرِي أَي اعْلَقي به. ومِخْراق: كريم لم تنله الزعانف أَي النساء
الزعانف، أَي لم يَتزوّج لئيمةً قط. سَلِيم رِماح أَي قد أَصابته رماحٌ مثل
سَلِيم الحيّة. والطائرُ: فرس قتادة بن جرير. وذو المَطارة: جبل. وقوله في
الحديث: رجل مُمْسِكٌ بَعِنانِ فَرسه في سبيل الله يَطِير على مَتْنِه؛
أَي يُجْرِيه في الجهاد فاستعار له الــطَيرانَ.
وفي حديث وابِصَة: فلما قُتل عثمان طارَ قَلْبي مَطارَه أَي مال إِلى
جهة يَهواها وتعلّق بها. والمَطارُ: موضع الــطيَرانِ.
دفف: الدَّفُّ والدَّفَّةُ: الجَنْبُ من كل شيء، بالفتح لا غير؛ وأَنشد
الليث في الدفّة:
ووانِية زَجَرْتُ، عل وَجاها،
قَريح الدَّفَّتَيْنِ مِنَ البِطانِ
وقيل: الدَّفُّ صَفْحةُ الجنب؛ أَنشد ثعلب في صفة إنسان:
يَحُكُّ كُدوحَ القَمْلِ تَحْتَ لَبانِه
ودَفَّيهِ منها دامِياتٌ وحالِبُ
وأَنشد أَيضاً في صفة ناقة:
تَرى ظِلَّها عند الرَّواحِ كأَنه،
إلى دَفِّها، رَأْلٌ يَخُبُّ خَبِيبُ
ورواية ابن العلاء: يَحُكُّ جَنِيب، يريد أَن ظلها من سرْعتها يضطرب
اضطراب الرأْل وذلك عند الرَّواح، يقول إنها وقت كلال الإبل نَشِيطَةٌ
منْبَسِطةٌ؛ وقول ذي الرمة:
أَخو تَنائِفَ أَغْفَى عندَ ساهِمةٍ،
بأَخْلَقِ الدَّفِّ من تَصْديرها جُلَبُ
وروى بعضهم: أَخا تنائف، فهو على هذا
(* قوله «فهو على هذا إلخ» كذا
بالأصل، وعبارة الصحاح في مادة سهم: والساهمة الناقة الضامرة. قال ذو الرمة:
أخا تنائف البيت؛ يقول: زار الخيال أخا تنائف نام عند ناقة ضامرة مهزولة
بجنبها قروح من آثار الحبال. والاخلق: الأملس.) مضمر لأَن قبله زار
الخيال؛ فأَما قول عنترة:
وكأَنما تَنْأَى بِجانِبِ دَفِّها الـ
ـوحْشيِّ من هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ
فإنما هو من إضافة الشيء إلى نفسه، والجمع دُفوف. ودفَّتا الرَّحْل
والسرج والمُصْحَف: جانباه وضمامتاه
(* قوله «وضمامتاه» كذا في الأصل بضاد
معجمة، وفي القاموس بمهملة. وعبارة الاساس: ضماماه بالاعجام والتذكير.
والضمام، بالكسر، كما في الصحاح: ما تضم به شيئاً إلى شيء.) من جانبيه. وفي
الحديث: لعله يكون أَوْقَرَ دَفَّ رَحْلِهِ ذهباً ووَرِقاً؛ دَفُّ
الرحْلِ: جانِبُ كُورِ البعير وهو سَرْجُه. ودفَّتا الطبلِ: الذي على رأْسه.
ودَفّا البعير: جَنْباه. وسَنامٌ مُدَفِّفٌ إذا سَقَطَ على دَفَّي
البعير.ودَفَّ الطائرُ يَدُفُّ دَفّاً ودَفِيفاً وأَدَفَّ: ضَرَب جَنْبَيْه
بجناحيه، وقيل: هو الذي إذا حرّك جناحيه ورجلاه في الأَرض. وفي بعض
التَّنْزيه: ويسمع حركَةَ الطير صافِّها ودافِّها؛ الصافُّ: الباسِطُ جناحيه لا
يحركهما. ودَفِيفُ الطائِر: مَرُّه فُوَيْقَ الأَرض. والدَّفِيفُ أَن
يَدُفَّ الطائرُ على وجه الأَرض يحرّك جَناحيه ورجلاه بالأَرض وهو يطير ثم
يستقل. وفي الحديث: كلْ ما دَفَّ ولا تأْكلْ ما صَفَّ أَي كلْ ما حرَّك
جَناحَيْهِ في الــطيران كالحمام ونحوه، ولا تأْكل ما صَفَّ جناحيه كالنُّسور
والصُّقُور. ودَفَّ العُقابُ يَدُفُّ إذا دنا من الأَرض في طيَرانِــه.
وعُقابٌ دَفُوفٌ: للذي يَدْنُو من الأَرض في طيرانــه إذا انْقَضَّ؛ قال امرؤ
القيس يصف فرساً ويشبهها بالعُقاب:
كأَني بفَتْخاء الجَناحَيْن لَقْوَةٍ
دَفُوفٍ من العِقْبانِ طأْطأْتُ شِمْلالي
وقوله شِمْلالي أَي شِمالي، ويروى شِمْلال دون ياء، وهي الناقة الخفيفة؛
وأَنشد ابن سيده لأَبي ذؤيب:
فَبَيْنا يَمْشِيان جَرَتْ عُقابٌ،
من العِقْبانِ، خائِتة دَفُوفُ
وأَما قول الراجز:
والنَّسْرُ قد يَنْهَضُ وهو دافي
فعلى محوّل التضعيف فَخَفَّفَ، وإنما أَراد وهو دافِفٌ، فقَلب الفاء
الأَخيرة ياء كراهيةَ التضعيف، وكَسَره على كَسْرة دافِفٍ، وحذف إحدى
الفاءين.
ودُفُوفُ الأَرض: أَسْنادُها وهي دَفادِفُها، الواحدة دَفْدَفَةٌ.
والدَّفِيفُ: العَدْوُ. الصحاح: الدَّفِيفُ الدَّبيبُ وهو السَّير
اللَّيِّن؛ واستعاره ذو الرمة في الدَّبَران فقال يصف الثُرَيَّا:
يَدِفُّ على آثارِها دَبَرانُها،
فلا هو مَسْبُوقٌ ولا هو يَلْحَقُ
ودَفَّ الماشي: خَفَّ على وجهِ الأَرض؛ وقوله:
إلَيْك أَشْكُو مَشْيَها تَدافِيا،
مَشْيَ العَجُوزِ تَنْقُلُ الأَثافِيا
إنما أراد تَدافُفاً فقلَبَ كما قدَّمْنا.
والدَّافَّةُ والدفَّافةُ: القوم يُجْدِبُون فيُمْطَرُون، دَفُّوا
يَدِفُّونَ. وقال: دَفَّتْ دافّةٌ أَي أَتى قَوْمٌ من أَهلِ البادِيةِ قد
أُقْحِمُوا. وقال ابن دريد: هي الجَماعةُ من الناس تُقْبِلُ من بلد إلى بلد.
ويقال: دَفَّتْ علينا من بني فلان دافَّةٌ. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه،
أَنه قال لمالك بن أَوْس: يا مالِ، إنه دَفَّتْ علينا من قومك دافَّةٌ
وقد أَمَرْنا لهم برَضْخٍ فاقْسِمْه فيهم؛ قال أَبو عمرو: الدافَّةُ القوم
يسيرون جماعةً، ليس بالشّديد
(* أراد: سيراً ليس بالشديد.). وفي حديث
لُحُومِ الأَضاحي: إنما نَهَيْتُكم عنها من أَجلِ الدَّافَّةِ؛ هم قوم
يَسِيرون جماعةً سَيْراً ليس بالشَّديد. يقال: هم قوم يَدِفُّونَ دَفِيفاً.
والدافَّةُ: قوم من الأَعْراب يريدون المِصْر؛ يريد أَنهم قَدِمُوا
المدينة عند الأَضحى فنهاهم عن ادِّخارِ لُحُوم اللأَضاحي ليُفَرِّقُوها
ويَتَصَدَّقُوا بها فيَنْتَفعَ أُولئك القادِمون بها. وفي حديث سالم: أَنه كان
يَلي صَدَقةَ عمر، رضي اللّه عنه، فإذا دَفَتْ دافَّةٌ من الأَعْراب
وجَّهَها فيهم. وفي حديث الأحنف قال لمعاوِيةَ: لولا عَزْمةُ أَمِيرِ
المؤمنين لأَخبرته أَن دافّةً دفَّتْ. وفي الحديث أَن أَعرابيّاً قال: يا رسولَ
اللّه، هل في الجنة إبل؟ فقال: نعم، إنَّ فيها النجائِبَ تَدِفُّ
برُكْبانها أَي تسير بهم سَيْراً لَيِّناً، وفي الحديث الآخر: طَفِقَ القومُ
يَدِفُّونَ حَوْلَه. والدَّافَّةُ: الجيش يَدِفُّون نحو العدوِّ أَي
يَدِبُّون. وتَدافَّ القومُ إذا ركِبَ بعضهُم بعضاً.
ودَفَّفَ على الجَريح كَذَفَّفَ: أَجْهَزَ عليه، وكذلك دافَّه مُدافَّةً
ودِفافاً ودافاه؛ الأَخيرة جُهَنِيَّةٌ. وفي حديث ابن مسعود: أَنه دافَّ
أَبا جهل يوم بَدْرٍ أَي أَجْهَزَ عليه وحَرَّرَ قَتْلَه. يقال:
دافَفْتُ عليه ودافَيْتُه ودَفَّفْت عليه تَدْفِيفاً، وفي رواية: أَقْعَصَ ابنا
عفراء أَبا جهل ودفَّف عليه ابن مسعود، ويروى بالذال المعجمة بمعناه. وفي
حديث خالد: أَنه أَسَرَ من بني جَذيمة قوماً فلما كان الليلُ نادى
مناديه: أَلا من كان معه أَسير فليدافِّه، معناه ليجهزْ عليه. يقال: دافَفْتُ
الرجل دِفافاً ومُدافَّة وهو إجْهازُك عليه؛ قال رؤْبة:
لما رآني أُرْعِشَتْ أَطْرافي،
كان مع الشَّيْبِ منَ الدِّفافِ
قال أَبو عبيد: وفيه لغة أُخرى: فَلْيُدافِه، بتخفيف الفاء، من
دافَيْتُه، وهي لغة لجُهَينة؛ ومنه الحديث المرفوع: أَنه أُتِيَ بأَسيرٍ فقال:
أَدْفُوه؛ يريد الدِّفْءَ من البَرْد، فقتلوه، فَوَداه رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم؛ قال أَبو عبيد: وفيه لغة ثالثة: فَلْيُذافِّه، بالذال
المعجمة. يقال: ذَفَّفْتُ عليه تذْفيفاً إِذا أَجْهَزْتَ عليه. وذافَفْتُ
الرَّجُلَ مُذافَّةً: أَجْهَزْتُ عليه. وفي الحديث: أَنَّ خُبَيباً قال وهو
أَسيرٌ بمكة: ابْغُوني حَديدةً أَسْتَطِيبُ بها، فأُعْطِيَ مُوسَى
فاسْتَدَفَّ بها أَي حلَق عانته واسْتَأْصَلَ حَلْقها، وهو من دَفَّفْتُ على
الأَسير. ودافَفْتُه ودافَيْتُه، على التحويل: دافَعْتُه.
ودفَّ الأَمْرُ يَدِفُّ واسْتَدَفَّ: تَهَيّأَ وأَمكن. يقال: خذ ما دفَّ
لك واسْتَدَفَّ أَي خذ ما تهيّأَ وأَمكن وتَسَهَّلَ مثل اسْتَطفَّ،
والدال مبدلة من الطاء. واسْتَدَفَّ أَمْرُهم أَي اسْتَتَبّ واستقام؛ وحكى
ابن بري عن ابن القطَّاع قال: يقال استدف واستذف، بالدال والذال
المعجمة.والدَّفُّ والدُّفُّ، بالضم: الذي يَضرب به النساء، وفي المحكم: الذي
يُضْرَب به، والجمع دُفُوفٌ، والدفَّافُ صاحبُها، والمُدَفِّفُ صانِعُها،
والمُدفدِفُ ضارِبُها. وفي الحديث: فَصْلُ ما بين الحرام والحلال الصوتُ
والدفُّ؛ المراد به إعلان النِّكاح، والدفْدفةُ استعجال ضربها. وفي حديث
الحسن: وإن دَفْدَفتْ بهم الهَماليجُ أَي أَسْرَعَتْ، وهو من الدَّفيف
السير اللَّيِّن بتكرار الفاء.
حبر: الحِبْرُ: الذي يكتب به وموضعه المِحْبَرَةُ، بالكسر
(* قوله: «وموضعه المحبرة بالكسر» عبارة المصباح: وفيها ثلاث لغات أجودها فتح الميم والباء، والثانية ضم الباء، والثالثة كسر الميم لأنها آلة مع فتح الباء).
في الجَمالِ والبَهاء. وسأَل عبدالله بن سلام كعباً عن الحِبْرِ فقال: هو الرجل الصالح، وجمعه أَحْبَارٌ وحُبُورٌ؛ قال كعب بن مالك:
لَقَدْ جُزِيَتْ بِغَدْرَتِها الحُبُورُ،
كذاكَ الدَّهْرُ ذو صَرْفٍ يَدُورُ
وكل ما حَسُنَ من خَطٍّ أَو كلام أَو شعر أَو غير ذلك، فقد حُبِرَ حَبْراً وحُبِّرَ. وكان يقال لطُفَيْلٍ الغَنَوِيِّ في الجاهلية: مُحَبِّرٌ، لتحسينه الشِّعْرَ، وهو مأْخوذ من التَّحْبِيرِ وحُسْنِ الخَطِّ والمَنْطِقِ. وتحبير الخط والشِّعرِ وغيرهما: تحسينه. الليث: حَبَّرْتُ الشِّعْر والكلامَ حَسَّنْتُه، وفي حديث أَبي موسى: لو علمت أَنك تسمع لقراءتي لحَبَّرْتُها لك تَحْبِيراً؛ يريد تحسين الصوت. وحَبَّرتُ الشيء تَحْبِيراً
إِذا حَسَّنْتَه. قال أَبو عبيد: وأَما الأَحْبارُ والرُّهْبان فإِن
الفقهاء قد اختلفوا فيهم، فبعضهم يقول حَبْرٌ وبعضهم يقول حِبْرٌ، وقال
الفراء: إِنما هو حِبْرٌ، بالكسر، وهو أَفصح، لأَنه يجمع على أَفْعالٍ دون
فَعْلٍ، ويقال ذلك للعالم، وإِنما قيل كعب الحِبْرِ لمكان هذا الحِبْرِ الذي
يكتب به، وذلك أَنه كان صاحب كتب. قال: وقال الأَصمعي لا أَدري أَهو
الحِبْرُ أَو الحَبْر للرجل العالم؛ قال أَبو عبيد: والذي عندي أَنه الحَبر،
بالفتح، ومعناه العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه. قال: وهكذا يرويه
المحدّثون كلهم، بالفتح. وكان أَبو الهيثم يقول: واحد الأَحْبَارِ حَبْرٌ
لا غير، وينكر الحِبْرَ. وقال ابن الأَعرابي: حِبْرٌ وحَبْرٌ للعالم،
ومثله بِزرٌ وبَزْرٌ وسِجْفٌ وسَجْفٌ. الجوهري: الحِبْرُ والحَبْرُ واحد
أَحبار اليهود، وبالكسر أَفصح؛ ورجل حِبْرٌ نِبْرٌ؛ وقال الشماخ:
كما خَطَّ عِبْرانِيَّةً بيمينه
بِتَيْماءَ حَبْرٌ، ثم عَرِّضَ أَسْطُرَا
رواه الرواة بالفتح لا غير؛ قال أَبو عبيد: هو الحبر، بالفتح، ومعناه
العالم بتحبير الكلام. وفي الحديث: سميت سُورةَ المائدة وسُورَةَ الأَحبار
لقوله تعالى فيها: يحكم بها النبيون الذي أَسلموا للذين هادوا والربانيون
والأَحْبَارُ؛ وهم العلماء، جمع حِبْرٍ وحَبْر، بالكسر والفتح، وكان
يقال لابن عباس الحَبْرُ والبَحْرُ لعلمه؛ وفي شعر جرير:
إِنَّ البَعِيثَ وعَبْدَ آلِ مُقَاعِسٍ
لا يَقْرآنِ بِسُورَةِ الأَحْبَارِ
أَي لا يَفِيانِ بالعهود، يعني قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا
أَوْفُوا بالعُقُودِ. والتَّحْبِيرُ: حُسْنُ الخط؛ وأَنشد الفرّاء فيما روى
سلمة عنه:
كَتَحْبِيرِ الكتابِ بِخَطِّ، يَوْماً،
يَهُودِيٍّ يقارِبُ أَوْ يَزِيلُ
ابن سيده: وكعب الحِبْرِ كأَنه من تحبير العلم وتحسينه. وسَهْمٌ
مُحَبَّر: حَسَنُ البَرْي. والحَبْرُ والسَّبْرُ والحِبْرُ والسِّبْرُ، كل ذلك:
الحُسْنُ والبهاء. وفي الحديث: يخرج رجل من أَهل البهاء قد ذهب حِبْرُه
وسِبْرُه؛ أَي لونه وهيئته، وقيل: هيئته وسَحْنَاؤُه، من قولهم جاءت
الإِبل حَسَنَةَ الأَحْبَارِ والأَسْبَارِ، وقيل: هو الجمال والبهاء وأَثَرُ
النِّعْمَةِ. ويقال: فلان حَسَنُ الحِبْر والسَّبْرِ والسِّبْرِ إِذا كان
جيملاً حسن الهيئة؛ قال ابن أَحمر وذكر زماناً:
لَبِسْنا حِبْرَه، حتى اقْتُضِينَا
لأَعْمَالٍ وآجالٍ قُضِينَا
أَي لبسنا جماله وهيئته. ويقال: فلان حسن الحَبْر والسَّبْرِ، بالفتح
أَيضاً؛ قال أَبو عبيد: وهو عندي بالحَبْرِ أَشْبَهُ لأَنه مصدر حَبَرْتُه
حَبْراً إِذا حسنته، والأَوّل اسم. وقال ابن الأَعرابي: رجل حَسَنُ
الحِبْر والسِّبْر أَي حسن البشرة. أَبو عمرو: الحِبْرُ من الناس الداهية
وكذلك السِّبْرُ.
والحَبْرُ والحَبَرُ والحَبْرَة والحُبُور، كله: السُّرور؛ قال العجاج:
الحمدُ للهِ الذي أَعْطى الحَبَرْ
ويروى الشَّبَرْ مِن قولهم حَبَرَني هذا الأَمْرُ حَبْراً أَي سرني، وقد
حرك الباء فيهما وأَصله التسكين؛ ومنه الحَابُورُ: وهو مجلس الفُسَّاق.
وأَحْبَرَني الأَمرُ: سَرَّني. والحَبْرُ والحَبْرَةُ: النِّعْمَةُ، وقد
حُبِرَ حَبْراً. ورجل يَحْبُورٌ يَفْعُولٌ من الحُبُورِ. أَبو عمرو:
اليَحْبُورُ الناعم من الرجال، وجمعه اليَحابِيرُ مأْخوذ من الحَبْرَةِ وهي
النعمة؛ وحَبَرَه يَحْبُره، بالضم، حَبْراً وحَبْرَةً، فهو مَحْبُور. وفي
التنزيل العزيز: فهم في رَوْضَةٍ يُحْبَرُون؛ أَي يُسَرُّونَ، وقال
الليث: يُحْبَرُونَ يُنَعَّمُونَ ويكرمون؛ قال الزجاج: قيل إِن الحَبْرَةَ
ههنا السماع في الجنة. وقال: الحَبْرَةُ في اللغة كل نَغْمَةٍ حَسَنَةٍ
مُحَسَّنَةٍ. وقال الأَزهري: الحَبْرَةُ في اللغة النَّعمَةُ التامة. وفي
الحديث في ذكر أَهل الجنة: فرأَى ما فيها من الحَبْرَة والسرور؛ الحَبْرَةُ،
بالفتح: النِّعْمَةُ وسعَةُ العَيْشِ، وكذلك الحُبُورُ؛ ومنه حديث
عبدالله: آل عِمْرَانَ غِنًى والنِّساءُ مَحْبَرَةَ أَي مَظِنَّةٌ للحُبُورِ
والسرور. وقال الزجاج في قوله تعالى: أَنتم وأَزواجكم تُحْبَرُون؛ معناه
تكرمون إِكراماً يبالغ فيه. والحَبْرَة: المبالغة فيما وُصِفَ بجميل، هذا
نص قوله. وشَيْءٌ حِبرٌ: ناعمٌ؛ قال المَرَّارُ العَدَوِيُّ:
قَدْ لَبِسْتُ الدَّهْرَ من أَفْنَانِهِ،
كُلَّ فَنٍّ ناعِمٍ منه حَبِرْ
وثوب حَبِيرٌ: جديد ناعم؛ قال الشماخ يصف قوساً كريمة على أَهلها:
إِذا سَقَطَ الأَنْدَاءُ صِينَت وأُشْعِرَتْ
حَبِيراً، وَلَمْ تُدْرَجْ عليها المَعَاوِزُ
والجمع كالواحد. والحَبِيرُ: السحاب، وقيل: الحَبِيرُ من السحاب الذي
ترى فيه كالتَّثْمِيرِ من كثرة مائه. قال الرِّياشي: وأَما الحَبِيرُ بمعنى
السحاب فلا أَعرفه؛ قال فإِن كان أَخذه من قول الهذلي:
تَغَذَّمْنَ في جَانِبَيْهِ الخَبِيـ
رَلَمَّا وَهَى مُزْنُه واسْتُبيحَا
فهو بالخاء، وسيأْتي ذكره في مكانه.
والحِبَرَةُ، والحَبَرَةُ: ضَرْبٌ من برود اليمن مُنَمَّر، والجمع
حِبَرٌ وحِبَرات. الليث: بُرُودٌ حِبَرةٌ ضرب من البرود اليمانية. يقال:
بُرْدٌ حَبِيرٌ وبُرْدُ حِبَرَة، مثل عِنَبَةٍ، على الوصف والإِضافة؛ وبُرُود
حِبَرَةٌ. قال: وليس حِبَرَةٌ موضعاً أَو شيئاً معلوماً إِنما هو وَشْيٌ
كقولك قَوْب قِرْمِزٌ، والقِرْمِزُ صِبْغُهُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، لما خَطَبَ خديجة، رضي الله عنها، وأَجابته استأْذنت
أَباها في أَن تتزوجه، وهو ثَمِلٌ، فأَذن لها في ذلك وقال: هو الفحْلُ لا
يُقْرَعُ أَنفُهُ، فنحرت بعيراً وخَلَّقَتْ أَباها بالعَبيرِ وكَسَتْهُ
بُرْداً أَحْمَرَ، فلما صحا من سكره قال: ما هذا الحَبِيرُ وهذا العَبِيرُ
وهذا العَقِيرُ؟ أَراد بالحبير البرد الذي كسته، وبالعبير الخَلُوقَ الذي
خَلَّقَتْهُ، وبالعقير البعيرَ المَنْحُورَ وكان عُقِرَ ساقُه. والحبير
من البرود: ما كان مَوْشِيّاً مُخَطَّطاً. وفي حديث أَبي ذر: الحمد لله
الذي أَطعمنا الحَمِير وأَلبسنا الحبير. وفي حديث أَبي هريرة: حين لا
أَلْبَسُ الحَبيرَ. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الحواميم في
القرآن كَمَثَلِ الحِبَرَاتِ في الثياب.
والحِبْرُ: بالكسر: الوَشْيُ؛ عن ابن الأَعرابي. والحِبْرُ والحَبَرُ:
الأَثَرُ من الضِّرْبَة إِذا لم يدم، والجمع أَحْبَارٌ وحُبُورٌ، وهو
الحَبَارُ والحِبار. الجوهري: والحَبارُ الأَثَرُ؛ قال الراجز:
لا تَمْلإِ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فيها،
أَلا تَرى حِبَارَ مَنْ يَسْقِيها؟
وقال حميد الأَرقط:
لم يُقَلِّبْ أَرْضَها البَيْطَارُ،
ولا لِحَبْلَيْهِ بها حَبَارُ
والجمعُ حَبَاراتٌ ولا يُكَسِّرُ.
وأَحْبَرَتِ الضَّرْبَةُ جلده وبجلده: أَثرت فيه. وحُبِرَ جِلْدُه
حَبْراً إِذا بقيت للجرح آثار بعد البُرْء. والحِبَارُ والحِبْرُ: أَثر الشيء.
الأَزهري: رجل مُحَبَّرٌ إِذا أَكلت البراغيث جِلْدَه فصار له آثار في
جلده؛ ويقال: به حُبُورٌ أَي آثار. وقد أَحْبَرَ به أَي ترك به أَثراً؛
وأَنشد لمُصَبِّحِ بن منظور الأَسَدِي، وكان قد حلق شعر رأْس امرأَته،
فرفعته إِلى الوالي فجلده واعتقله، وكان له حمار وجُبَّة فدفعهما للوالي
فَسَرَّحَهُ:
لَقَدْ أَشْمَتَتْ بي أَهْلَ فَيْدٍ، وغادَرَتْ
بِجِسْمِيَ حِبْراً، بِنْتُ مَصَّانَ، بادِيَا
وما فَعَلتْ بي ذاك، حَتَّى تَرَكْتُها
تُقَلِّبُ رَأْساً، مِثْلَ جُمْعِيَ، عَارِيَا
وأَفْلَتَني منها حِماري وَجُبَّتي،
جَزَى اللهُ خَيْراً جُبَّتي وحِمارِيَا
وثوبٌ حَبِيرٌ أَي جديد.
والحِبْرُ والحَبْرُ والحَبْرَةُ والحُبْرَةُ والحِبِرُ والحِبِرَةُ، كل
ذلك: صُفْرة تَشُوبُ بياضَ الأَسْنَان؛ قال الشاعر:
تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ نَعْمَانَ ذا أُشُرٍ،
كَعارِضِ البَرْق لم يَسْتَشْرِبِ الحِبِرَا
قال شمر: أَوّله الحَبْرُ وهي صفرة، فإِذا اخْضَرَّ، فهو القَلَحُ،
فإِذا أَلَحَّ على اللِّثَةِ حتى تظهر الأَسْناخ، فهو الحَفَرُ والحَفْرُ.
الجوهري: الحِبِرَة، بكسر الحاء والباء، القَلَح في الأَسنان، والجمع بطرح
الهاء في القياس، وأَما اسم البلد فهو حِبِرٌّ، بتشديد الراء. وقد
حَبِرتْ أَسنانه تَحْبَرُ حَبَراً مثال تَعِبَ تَعَباً أَي قَلِحَتْ، وقيل:
الحبْرُ الوسخ على الأَسنان. وحُبِرَ الجُرْحُ حَبْراً أَي نُكسَ وغَفَرَ،
وقيل: أَي برئ وبقيت له آثار.
والحَبِيرُ: اللُّغام إِذا صار على رأْس البعير، والخاء أَعلى؛ هذا قول
ابن سيده. الجوهري: الحَبِيرُ لُغامُ البعير. وقال الأَزهري عن الليث:
الحَبِيرُ من زَبَدِ اللُّغامِ إِذا صار على رأْس البعير، ثم قال الأَزهري:
صحف الليث هذا الحرف، قال: وصوابه الخبير، بالخاء، لِزَبَدِ أَفواه
الإِبل، وقال: هكذا قال أَبو عبيد. وروى الأَزهري بسنده عن الرِّياشِي قال:
الخبير الزَّبَدُ، بالخاء.
وأَرض مِحْبَارٌ: سريعة النبات حَسَنَتُهُ كثيرة الكلإِ؛ قال:
لَنَا جِبَالٌ وحِمًى مِحْبَارُ،
وطُرُقٌ يُبْنَى بِهَا المَنارُ
ابن شميل: الأَرض السريعةُ النباتِ السهلةُ الدَّفِئَةُ التي ببطون
الأَرض وسَرَارتِها وأَراضَتِها، فتلك المَحابِيرُ. وقد حَبِرَت الأَرض، بكسر
الباء، وأَحْبَرَتْ؛ والحَبَارُ: هيئة الرجل؛ عن اللحياني، حكاه عن أَبي
صَفْوانَ؛ وبه فسر قوله:
أَلا تَرى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها
قال ابن سيده: وقيل حَبَارُ هنا اسم ناقة، قال: ولا يعجبني.
والحُبْرَةُ: السِّلْعَةُ تخرج في الشجر أَي العُقْدَةُ تقطع ويُخْرَطُ
منها الآنية.
والحُبَارَى: ذكر الخَرَبِ؛ وقال ابن سيده: الحُبَارَى طائر، والجمع
حُبَارَيات
(* عبارة المصباح: الحبارى طائر معروف، وهو على شكل الأوزة،
برأسه وبطنه غبرة ولون ظهره وجناحيه كلون السماني غالباً، والجمع حبابير
وحباريات على لفظه أَيضاً). وأَنشد بعض البغداديين في صفة صَقْرٍ:
حَتْف الحُبَارَياتِ والكَراوين
قال سيبويه: ولم يكسر على حَِبَارِيَّ ولا حَبَائِرَ ليَفْرُقُوا بينها
وبين فَعْلاء وفَعَالَةٍ وأَخواتها. الجوهري: الحُبَارَى طائر يقع على
الذكر والأُنثى، واحدها وجمعها سواء. وفي المثل: كُلُّ شيء يُحِبُّ ولَدَهُ
حتى الحُبَارَى، لأَنها يضرب بها المَثلُ في المُوقِ فهي على مُوقها تحب
ولدها وتعلمه الــطيران، وأَلفه ليست للتأْنيث
(* قوله: «وألفه ليست
للتأنيث» قال الدميري في حياة الحيوان بعد أَن ساق عبارة الجوهري هذه، قلت:
وهذا سهو منه بل ألفها للتأنيث كسماني، ولو لم تكن له لانصرفت اهـ. ومثله
في القاموس. قال شارحه: ودعواه أنها صارت من الكلمة من غرائب التعبير،
والجواب عنه عسير). ولا للإِلحاق، وإِنما بني الاسم عليها فصارت كأَنها من
نفس الكلمة لا تنصرف في معرفة ولا نكرة أَي لا تنوّن. والحبْرِيرُ
والحُبْرور والحَبَرْبَرُ والحُبُرْبُورُ واليَحْبُورُ: وَلَدُ الحُبَارَى؛ وقول
أَبي بردة:
بازٌ جَرِيءٌ على الخَزَّانِ مُقْتَدِرٌ،
ومن حَبَابِيرِ ذي مَاوَانَ يَرْتَزِقُهْ
قال ابن سيده: قيل في تفسيره: هو جمع الحُبَارَى، والقياس يردّه، إِلا
أَن يكون اسماً للجمع. الأَزهري: وللعرب فيها أَمثال جمة، منها قولهم:
أَذْرَقُ من حُبَارَى، وأَسْلَحُ من حُبَارَى، لأَنها ترمي الصقر بسَلْحها
إِذا أَراغها ليصيدها فتلوث ريشه بِلَثَقِ سَلْحِها، ويقال: إِن ذلك يشتد
على الصقر لمنعه إِياه من الــطيران؛ ومن أَمثالهم في الحبارى: أَمْوَقُ من
الحُبَارَى؛ ذلك انها تأْخذ فرخها قبل نبات جناحه فتطير معارضة له
ليتعلم منها الــطيران، ومنه المثل السائر في العرب: كل شيء يحب ولده حتى
الحبارى ويَذِفُّ عَنَدَهُ. وورد ذلك في حديث عثمان، رضي الله عنه، ومعنى قولهم
يذف عَنَدَهُ أَي تطير عَنَدَهُ أَي تعارضه بالــطيران، ولا طيران له لضعف
خوافيه وقوائمه. وقال ابن الأَثير: خص الحبارى بالذكر في قوله حتى
الحبارى لأَنها يضرب بها المثل في الحُمْق، فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه
وتعلمه الــطيران كغيرها من الحيوان. وقال الأَصمعي: فلان يعاند فلاناً أَي
يفعل فعله ويباريه؛ ومن أَمثالهم في الحبارى: فلانٌ ميت كَمَدَ الحُبارَى،
وذلك أَنها تَحْسِرُ مع الطير أَيام التَّحْسير، وذلك أَن تلقي الريش ثم
يبطئ نبات ريشها، فإِذا طار سائر الطير عجزت عن الــطيران فتموت كمداً؛
ومنه قول أَبي الأَسود الدُّؤَلي:
يَزِيدٌ مَيّتٌ كَمَدَ الحُبَارَى،
إِذا طُعِنَتْ أُمَيَّةُ أَوْ يُلِمُّ
أَي يموت أَو يقرب من الموت. قال الأَزهري: والحبارى لا يشرب الماء
ويبيض في الرمال النائية؛ قال: وكنا إِذا ظعنا نسير في جبال الدهناء فربما
التقطنا في يوم واحد من بيضها ما بين الأَربع إِلى الثماني، وهي تبيض أَربع
بيضات، ويضرب لونها إِلى الزرقة، وطعمها أَلذ من طعم بيض الدجاج وبيض
النعام، قال: والنعام أَيضاً لا ترد الماء ولا تشربه إِذا وجدته. وفي حديث
أَنس: إِن الحبارى لتموت هُزالاً بذنب بني آدم؛ يعني أَن الله تعالى يحبس
عنها القطر بشؤم ذنوبهم، وإِنما خصها بالذكر لأَنها أَبعد الطير
نُجْعَةً، فربما تذبح بالبصرة فتوجد في حوصلتها الحبة الخضراء، وبين البصرة وبين
منابتها مسيرة أَيام كثيرة. واليَحبُورُ: طائر.
ويُحابِرُ: أَبو مُرَاد ثم سميت القبيلة يحابر؛ قال:
وقد أَمَّنَتْني، بَعْدَ ذاك، يُحابِرٌ
بما كنتُ أُغْشي المُنْدِيات يُحابِرا
وحِبِرٌّ، بتشديد الراء: اسم بلد، وكذلك حِبْرٌ. وحِبْرِيرٌ: جبل معروف.
وما أَصبت منه حَبَرْبَراً أَي شيئاً، لا يستعمل إِلا في النفي؛ التمثيل
لسيبويه والتفسير للسيرافي. وما أَغنى فلانٌ عني حَبَرْبَراً أَي شيئاً؛
وقال ابن أَحمر الباهلي:
أَمانِيُّ لا يُغْنِينَ عَنِّي حَبَرْبَرا
وما على رأْسه حَبَرْبَرَةٌ أَي ما على رأْسه شعرة. وحكى سيبويه: ما
أَصاب منه حَبَرْبَراً ولا تَبَرْبَراً ولا حَوَرْوَراً أَي ما أَصاب منه
شيئاً. ويقال: ما في الذي تحدّثنا به حَبَرْبَرٌ أَي شيء. أَبو سعيد: يقال
ما له حَبَرْبَرٌ ولا حَوَرْوَرٌ. وقال الأَصمعي: ما أَصبت منه
حَبَرْبَراً ولا حَبَنْبَراً أَي ما أَصبت منه شيئاً. وقال أَبو عمرو: ما فيه
حَبَرْبَرٌ ولا حَبَنْبَرٌ، وهو أَن يخبرك بشيء فتقول: ما فيه
حَبَنْبَرٌ.ويقال للآنية التي يجعل فيها الحِبْرُ من خَزَفٍ كان أَو من قَوارِير:
مَحْبَرَةٌ ومَحْبُرَةٌ كما يقال مَزْرَعَة ومَزْرُعَة ومَقْبَرَة
ومَقْبُرَة ومَخْبَزَة ومَخْبُزَةٌ. الجوهري: موضع الحِبْرِ الذي يكتب به
المِحْبَرَة، بالكسر.
وحِبِرٌّ: موضع معروف في البادية. وأَنشد شمر عجز بيت: فَقَفا حِبِرّ.
الأَزهري: في الخماسي الحَبَرْبَرَةُ القَمِيئَةُ المُنافِرَةُ، وقال:
هذه ثلاثية الأَصل أُلحقت بالخماسي لتكرير بعض حروفها.
والمُحَبَّرُ: فرس ضرار بن الأَزوَرِ الأَسَدِيِّ. أَبو عمرو:
الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ الجمل الصغير.
ركض: رَكَضَ الدابةَ يَرْكُضُها رَكْضاً: ضرَب جَنْبَيْها برجله.
ومِرْكَضةُ القَوْس: معروفة وهما مِرْكَضَتانِ؛ قال ابن بري: ومِرْكَضا القَوْس
جانباها؛ وأَنشد لأَبي الهيثم التَّغْلَبِيّ:
لنا مَسائِحُ زُورٌ، في مَراكِضِها
لِينٌ، وليس بها وهْيٌ ولا رَقَقُ
ورَكَضَتِ الدابةُ نفسُها، وأَباها بعضُهم. وفلان يَرْكُضُ دابّتَه: وهو
ضَرْبُه مَرْكَلَيْها برِجْليْه، فلما كثر هذا على أَلسنتِهِم استعملوه
في الدوابِّ فقالوا: هي تَرْكُضُ، كأَنّ الرَّكْضَ منها. والمَرْكَضانِ:
هما موضع عَقِبَي الفارس من مَعَدَّي الدابّة.
وقال أَبو عبيد: أَرْكَضَتِ الفَرسُ، فهي مُرْكِضةٌ ومُرْكِضٌ إِذا
اضطَرَبَ جَنِينُها في بطنها؛ وأَنشد:
ومُرْكِضةٌ صَرِيحيٌّ أَبُوها،
يُهانُ له الغُلامةُ والغُلامُ
(* قوله «ومركضة إلخ» هو كمحسنة، كما ضبطه الصاغاني. قال ابن بري: صواب
انشاده الرفع لان قبله: أْعان على مراس الحرب زغف * مضاعفة لها حلق تؤام.)
ويروى ومِرْكَضةٌ، بكسر الميم، نَعَت الفرس أَنها رَكّاضةٌ تركُض الأَرض
بقوائمها إِذا عَدَت وأَحضَرَت. الأَصمعي: رُكِضَتِ الدابةُ، بغير أَلف،
ولا يقال رَكَضَ هو، إِنما هو تحريكك إِياه، سار أَو لم يَسِرْ؛ وقال
شمر: قد وجدنا في كلامهم رَكَضتِ الدابةُ في سيرها ورَكَضَ الطائرُ في
طَيَرانــه؛ قال الشاعر:
جَوانِح يَخْلِجْنَ خَلْجَ الظّبا
ءِ، يَرْكُضْنَ مِيلاً ويَنْزِعْنَ مِيلا
وقال رؤبة:
والنَّسْرُ قد يَرْكُضُ وهْو هافي
أَي يضرب بجناحيه. والهافي: الذي يَهْفُو بين السماء والأَرض. ابن شميل:
إِذا ركب الرجل البعير فضرب بعقبيه مَرْكَلَيْه فهو الرَّكْضُ
والرَّكْلُ. وقد رَكَضَ الرجلُ إِذا فَرَّ وعَدا. وقال الفراء في قوله تعالى: إِذا
هم منها يَرْكُضون لا تَرْكُضوا وارجِعُوا؛ قال: يَرْكُضون يَهْرُبون
ويَنْهَزِمُون ويَفِرُّون، وقال الزجاج: يَهْرُبون من العذاب. قال أََبو
منصور: ويقال رَكَضَ البعيرُ برجله كما يقال رَمَحَ ذو الحافِرِ برجله،
وأَصل الرَّكْضِ الضرْبُ. ابن سيده: رَكَضَ البعير برجله ولا يقال رَمَح.
الجوهري: ركضَه البعير إِذا ضربَه برجله ولا يقال رَمَحه؛ عن يعقوب. وفي
حديث ابن عمرو بن العاص: لَنَفْسُ المؤْمِن أَشدُّ ارْتِكاضاً على
الذَّنْبِ من العُصْفور حين يُغْدَفُ أَي أَشدُّ اضطِراباً وحركةً على الخطيئة
حِذارَ العذاب من العصفور إِذا أُغْدِف عليه الشّبَكةُ فاضطَرَب تحتها.
ورَكَضَ الطائرُ يَرْكُضُ رَكْضاً: أَسرَعَ في طَيَرانِــه؛ قال:
كأَنّ تَحْتِي بازِياً رَكّاضا
فأَما قول سلامة بن جندل:
وَلَّى حَثِيثاً، وهذا الشَّيْبُ يَتْبَعُه،
لو كانَ يُدرِكُه رَكْض اليعاقِيبِ
فقد يجوز أَنْ يَعْني باليَعاقِيبِ ذكور القَبَج فيكون الرَّكْضُ من
الــطَّيران، ويجوز أَن يعني بها جِيادَ الخيل فيكون من المشي؛ قال الأَصمعي:
لم يقل أَحد في هذا المعنى مثل هذا البيت. ورَكَضَ الأَرضَ والثوبَ:
ضرَبَهما برجله. والرَّكْضُ: مشي الإِنسان برجليه معاً. والمرأَة تَرْكُضُ
ذُيُولَها برجليها إِذا مشت؛ قال النابغة:
والرَّاكِضاتِ ذُيُولَ الرَّيط، فَنَّقَها
بَرْدُ الهَواجِرِ كالغِزْلانِ بالجَرِدِ
الجوهري: الرَّكْضُ تحريك الرجل؛ ومنه قوله تعالى: ارْكُضْ برجلك هذا
مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَراب. ورَكَضْتُ الفَرَس برجلي إِذا استحثثته
لِيَعْدُوَ، ثم كثر حتى قيل رَكَضَ الفَرَسُ إِذا عَدا وليس بالأَصل، والصواب
رُكِضَ الفرَسُ، على ما لم يُسمَّ فاعله، فهو مركوضٌ. وراكَضْتَ فلاناً إِذا
أَعْدَى كل واحد منكما فَرَسَه. وتَراكَضُوا إِليه خَيْلَهم. وحكى
سيبويه: أَتَيْتُه رَكْضاً، جاؤوا بالمصدر على غير فعل وليس في كل شيء، قيل:
مثل هذا إِنما يحكى منه ما سُمِعَ.
وقَوْسٌ رَكُوضٌ ومُرْكِضةٌ أَي سريعةُ السهْم، وقيل: شديدة الدَّفْع
والحَفْزِ للسّهم؛ عن أَبي حنيفة تَحْفِزُه حَفْزاً؛ قال كعب بن زهير:
شَرِقاتٍ بالسمِّ مِنْ صُلَّبِيٍّ،
ورَكُوضاً من السِّراءِ طَحُورا
ومُرْتَكضُ الماء: موضع مَجَمِّه. وفي حديث ابن عباس في دم المستحاضة:
إِنما هو عِرْقٌ عانِدٌ أَو رَكْضةٌ من الشيطان؛ قال: الرَّكْضةُ
الدَّفْعةُ والحركة؛ وقال زهير يصف صقراً انقضّ على قطاة:
يَرْكُضْنَ عند الزُّنابى، وهْيَ جاهِدةٌ،
يكاد يَخْطَفُها طَوْراً وتَهْتَلِكُ
(* وروي هذا البيت في ديوان زهير على هذه الصورة:
عندَ الذُّنابى، لها صوتٌ وأزمَلةٌ، * يكادُ يخطفها طوراً
وتهتلِكُ.)
قال: رَكْضُها طَيَرانُــها؛ وقال آخر:
ولَّى حَثِيثاً، وهذا الشَّيْبُ يَطْلُبُه،
لو كانَ يُدْرِكُه رَكْضُ اليَعاقِيبِ
جعل تصفيقها بجناحَيْها في طَيَرانــها رَكْضاً لاضطرابها. قال ابن
الأَثير
(* قوله «قال ابن إلخ» هو تفسير لحديث ابن عباس المتقدم فلعل بمسودة
المؤلف تخريجاً اشتبه على الناقل منه فقدّم وأخر.): أَصل الرَّكْضِ الضرْبُ
بالرجل والإِصابة بها كما تُرْكَضُ الدابةُ وتُصاب بالرجل، أَراد
الإِضْرار بها والأَذى، المعنى أَن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إِلى التلبيس
عليها في أَمر دينها وطُهْرها وصلاتها حتى أَنساها ذلك عادتها، وصار في
التقدير كأَنه يَرْكُض بآلة من رَكَضاته. وفي حديث ابن عبد العزيز قال: إِنا
لما دَفَنّا الوليد رَكَضَ في لحده أَي ضرب برجله الأَرض.
والتَّرْكَضَى والتِّرْكِضاءُ: ضَرْبٌ من المَشْي على شكل تلك
المِشْيةِ، وقيل: مِشْية التَّرْكَضَى مِشْية فيها تَرَقُّلٌ وتَبَخْتُر، إِذا
فتحت التاء والكاف قَصَرْتَ، وإِذا كسرتهما مَدَدْتَ.
وارتَكَضَ الشيء: اضطَرَب؛ ومنه قول بعض الخطباء: انتقضت مِرَّتُه
وارتَكَضَتْ جِرَّتُه. وارتكَضَ فلان في أَمره: اضطَرَب، وربما قالوا رَكَضَ
الطائِرُ إِذا حرك جناحيه في الــطَّيَران؛ قال رؤبة:
أَرَّقَنِي طارقُ هَمٍّ أَرَّقَا،
ورَكْضُ غِرْبانٍ غَدَوْنَ نُعَّقا
وأَركَضَتِ الفرس: تحرّك ولدها في بطنها وعَظُم؛ وأَنشد ابن بري لأَوس
بن غَلْفاءَ الهُجَيْمِي:
ومُرْكِضةٌ صرِيحيٌّ أَبُوها،
نُهانُ لها الغُلامةُ والغُلامُ
وفلان لا يَرْكُضُ المِحْجَنَ؛ عن ابن الأَعرابي، أَي لا يَمْتَعِضُ من
شيء ولا يَدْفَعُ عن نفسه.
والمِرْكَضُ: مِحْراثُ النار ومِسْعَرُها؛ قال عامر ابن العَجْلانِ
الهذلي:
تَرَمَّضَ من حَرّ نَفّاحةٍ،
كما سُطِحَ الجَمْرُ بالمِرْكَضِ
ورَكّاضٌ: اسم، واللّه أَعلم.
هذب: التَّهْذيبُ: كالتَّنْقِـيةِ. هَذَبَ الشيءَ يَهْذِبُه هَذْباً،
وهَذَّبه: نَقَّاه وأَخْلصه، وقيل: أَصْلَحه. وقال أَبو حنيفة: التَّهْذيبُ
في القِدْحِ العَملُ الثاني، والتَّشْذيبُ الأَوَّل، وهو مذكور في موضعه.والـمُهَذَّبُ من الرجال: الـمُخَلَّصُ النَّقِـيُّ من العُيوب؛ ورجل مُهَذَّبٌ أَي مُطَهَّرُ الأَخْلاقِ.
وأَصلُ التهذيبِ: تَنْقِـيةُ الـحَنْظَل من شَحْمِه، ومُعالجَةُ حَبِّه،
حتى تَذْهَبَ مَرَارَتُه، ويَطيبَ لآكله؛ ومنه قول أَوْسٍ:
أَلم تَرَيا، إِذ جئْتُما، أَنَّ لَـحْمَها * به طَعْمُ شَرْيٍ، لم يُهَذَّبْ، وحَنْظَلِ
ويقال: ما في مَوَدَّته هَذَبٌ أَي صَفاءٌ وخُلُوصٌ؛ قال الكميت:
مَعْدِنُك الجَوهَرُ الـمُهَذَّبُ، ذو * الإِبْرِيزِ، بَخٍّ ما فَوْقَ ذا هَذَبُ
وهَذَبَ النَّخْلَةَ: نَقَّى عنها اللِّيفَ. وهَذَبَ الشيءُ يَهْذِبُ هَذْباً: سالَ؛ وقول ذي الرمة:
دِيارٌ عَفَتْها، بَعْدَنا، كلُّ ديمةٍ * دَرُورٍ، وأُخْرى، تُهْذِبُ الماءَ، ساجِرُ
قال الأَزهري: يقال أَهْذَبَتِ السحابةُ ماءَها إِذا أَسالته بسُرْعة.
والإِهذابُ والتَّهذيبُ: الإِسراعُ في الــطَّيَران، والعَدْوِ، والكلام؛
قال امرؤُ القيس:
وللزَّجْرِ منه وَقْعُ أَخْرَجَ مُهْذِبِ
وأَهْذَبَ الإِنسانُ في مَشْيِهِ، والفَرسُ في عَدْوِه، والطائرُ في
طَيَرانِــه: أَسْرَعَ؛ وقولُ أَبي العِـيالِ:
ويَحْمِلُه حَمِـيمٌ أَرْ * يَحِـيٌّ، صادِقٌ هَذِبُ
هو على النَّسَب أَي ذو هَذْبٍ؛ وقد قيل فيه: هَذَبَ وأَهْذَبَ
وهَذَّبَ، كلُّ ذلك من الإِسراع. وفي حديث سَرِيَّةِ عبداللّه بن جَحْشٍ: إِني أَخْشَى عليكم الطَّلَبَ، فَهَذِّبُوا أَي أَسْرِعوا السَّيْرَ؛ والاسمُ: الـهَيْذَبَـى: وقال ابن الأَنباري: الـهَيْذَبى أَن يَعْدُوَ في شِقّ؛ وأَنشد:
مَشَى الـهَيْذَبى في دَفِّه ثم فَرْفَرَا
ورواه بعضهم: مَشَى الـهِرْبِذا، وهو بمنزلة الـهَيْذَبى.
وفي حديث أَبي ذر: فجَعَل يُهْذِبُ الرُّكوعَ أَي يُسْرِعُ فيه
ويُتابعه.والـهَيْذَبى: ضَرْبٌ من مَشْيِ الخيل.
الفراءُ: الـمُهْذِبُ السريعُ، وهو من أَسماءِ الشَّيْطانِ؛ ويقال له:
الـمُذْهِبُ أَي الـمُحَسِّنُ للـمَعاصي.
وإِبل مَهاذيبُ: سِراعٌ؛ وقال رؤْبة:
ضَرْحاً، وقد أَنْجَدْنَ من ذاتِ الطُّوَقْ،
صَوادِقَ العَقْبِ، مَهاذيبَ الوَلَقْ
والطائرُ يُهاذِبُ في طَيَرانِــه: يَمُرُّ مَرّاً سَريعاً؛ حكاه يعقوب،
وأَنشد بيتَ أَبي خِراشٍ:
يُبادِرُ جُنْحَ اللَّيلِ، فهو مُهاذِبٌ، * يَحُثُّ الجَناحَ بالتَّبَسُّطِ والقَبْضِ
وقال أَبو خراش أَيضاً:
فهَذَّبَ عَنْها ما يَلي البَطْنَ، وانْتَحَى * طَريدةَ مَتْنٍ بَيْنَ عَجْبٍ وكاهِلِ
قال السُّكَّرِيُّ: هَذَّبَ عنها فَرَّقَ.
صفف: الصَّفُّ: السَّطْرُ المُسْتَوي من كل شيء معروفٌ، وجمعه صُفُوفٌ.
وصَفَفْتُ القوم فاصْطَفُّوا إذا أَقمتهم في الحرب صَفّاً. وفي حديث صلاة
الخَوْفِ: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، كان مُصافَّ العَدُوِّ
بعُسْفانَ أَي مُقابِلهم. يقال: صَفَّ الجيشَ يَصُفُّه صَفّاً وصافَّهُ، فهو
مُصافٌّ إذا رَتَّبَ صُفُوفَه في مُقابِل صُفُوفِ العدوّ، والمَصافُّ،
بالفتح وتشديد الفاء: جمع مَصَفٍّ وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصُّفُوفُ.
وصَفَّ القوم يَصُفُّونَ صَفّاً واصْطَفُّوا وتَصافُّوا: صاروا صَفّاً.
وتَصافُّوا عليه: اجتمعوا صَفّاً. اللحياني: تَصافُّوا على الماء
وتَضافُّوا عليه بمعنى واحد إذا اجتمعوا عليه، ومثله تَضَوَّكَ في خُرْئِهِ،
وتَصَوَّكَ إذا تَلَطَّخَ به، وصلاصِلُ الماء وضَلاضِلُه. وقوله عز وجل:
والصافَّاتِ صَفّاً؛ قيل: الصافَّاتُ الملائكةُ مُصْطَفُّونَ في السماء
يسبحون اللّه تعالى؛ ومثله: وإنا لنحن الصَّافُّون؛ قال: وذلك لأَنَّ لهم
مَراتِبَ يقومون عليها صُفُوفاً كما يَصْطَفُّ المُصَلُّون. وقول الأَعرابية
لبنيها: إذا لَقِيتُمُ العَدُوَّ فدَغَرى ولا صَفّاً أَي لا تَصُفُّوا
صَفّاً. والصَّف: موقف الصُّفوفِ. والمَصَفُّ: الموْقفُ في الحرب، والجمع
المَصافُّ، وصافُّوهم القِتالَ. والصَّفُّ في القرآن المُصَلَّى وهو من
ذلك لأَن الناس يَصْطَفُّون هنالك. قال اللّه تعالى: ثم ائْتُوا صَفّاً؛
مُصْطَفّين فهو على هذا حال. قال الأزهري: معناه ثم ائْتُوا الموضع الذي
تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتِكم. يقال: ائْتِ الصفَّ أَي ائْتِ المُصَلَّى،
قال: ويجوز ثم ائْتُوا صفّاً أَي مصطفين ليكون أَنْظَم لكمْ وأَشدّ
لهَيْبَتِكم. الليث: الصفُّ واحد الصُّفوف معروف. والطير الصَّوافُّ: التي
تَصُفُّ أَجْنِحتَها فلا تحركها. وقوله تعالى: وعُرِضُوا على ربك صَفّاً؛ قال
ابن عرفة: يجوز أَن يكونوا كلهم صَفّاً واحداً ويجوز أَن يقال في مثل
هذا صَفَّاً يراد به الصُّفُوفُ فيؤدي الواحدُ عن الجميع.
وفي حديث البقرة وآل عمران: كأَنهما حِزْقانِ من طَيْر صَوافَّ باسِطاتٍ
أَجْنِحَتَها في الــطيران، والصوافُّ: جمع صافّةٍ. وناقة صَفُوفٌ:
تَصُفُّ يديها عند الحَلَبِ. وصفَّت الناقة تَصُفُّ، وهي صَفوفٌ: جمعت بين
مِحْلَبَيْن أَو ثلاثة في حَلْبة. والصف: أَن تَحْلُبَ الناقةَ في مِحْلبين
أَو ثلاثة تَصُفُّ بينها؛ وأَنشد أَبو زيد:
ناقةُ شَيْخٍ للإلهِ راهِبِ
تصُفُّ في ثلاثةِ المَحالِب:
في اللَّهْجَمَيْنِ والهَنِ المُقارِب
اللَّهْجَمُ: العُسُّ الكبير، وعَنى بالهَنِ المُقارِبِ العُسَّ بين
العُسَّيْنِ. الأَصمعي: الصَّفُوفُ الناقةُ التي تجمع بين مِحْلَبَيْنِ في
حَلْبة واحدة، والشَّفُوع والقَرُون مثلها. الجوهري: يقال ناقة صَفُوفٌ
للتي تَصُفُّ أَقْداحاً من لبنها إذا حُلِبتْ، وذلك من كثرة لبنها، كما
يقال قَرُونٌ وشَفُوعٌ؛ قال الراجز:
حَلْبانَةٍ رَكْبانَةٍ صَفُوفِ،
تَخْلِطُ بَينَ وَبَرٍ وصُوفِ
وقول الراجز:
تَرْفِدُ بَعْدَ الصَّفِّ في فُرْقانِ
هو جمع فَرْقٍ. والفَرْقُ: مِكْيالٌ لأَهل المدينة يسَعُ ستة عشر
رِطلاً. والصفُّ: القَدحانِ لإقرانِهما. وصَفَّها: حَلَبَها. وصَفَّتِ الطيرُ
في السماء تَصُفُّ: صَفَّتْ أَجنحتها ولم تحركها . وقوله تعالى: والطيرُ
صافَّاتٍ؛ باسِطاتٍ أَجْنِحَتها. والبُدْنُ الصَّوافُّ: المصفوفة للنحر
التي تُصَفَّفُ ثم تُنحر. وفي قوله عز وجل: فاذكروا اسم اللّه عليها
صَوافَّ؛ منصوبة على الحال أَي قد صَفَّتْ قَوائمها فاذكروا اللّه عليها في
حالِ نحْرها صوافَّ، قال: ويحتمل أَن يكون معناها أَنها مُصْطَفّةٌ في
مَنْحَرِها. وعن ابن عباس في قوله تعالى صوافّ، قال: قياماً. وعن ابن عمر في
قوله صوافّ قال: تُعْقَلُ وتقوم على ثلاث، وقرأَها ابن عباس صَوافِنَ
وقال: معقولة، يقول: بسم اللّه واللّه أكبر اللهم منك ولك. الجوهري: صَفّتِ
الإبلُ قَوائِمها، فهي صافَّةٌ وصَوافُّ. وصَفَّ اللحمَ يَصُفُّه صَفّاً،
فهو صَفِيفٌ: شَرَّحَه عِراضاً، وقيل: الصَّفِيفُ الذي يُغْلى إغْلاءَةً
ثم يُرْفَعُ، وقيل: الذي يُصَفُّ على الحصى ثم يُشْوَى، وقيل: القَدِيدُ
إذا شُرِّرَ في الشمس يقال صَفَفْتُه أَصُفُّه صَفّاً؛ قال امرؤ القيس:
فَظَلَّ طُهاةُ اللَّحْمِ منْ بَينِ مُنْضِجٍ
صَفِيفَ شِواء، أَو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ
ابن شميل: التَّصْفِيف نحو التَّشْريحِ وهو أَن تُعرِّض البَضْعةَ حتى
تَرِقّ فتراها تَشِفُّ شَفِيفاً . وقال خالد بن جَنْبة: الصفِيفُ أَن
يُشَرَّحَ اللحمُ غير تشريح القَدِيدِ، ولكن يُوَسَّعُ مثل الرُّغْفان، فإذا
دُقَّ الصفِيفُ ليؤكل، فهو قَدِيرٌ، فإذا تُرِك ولم يُدَقَّ، فهو صَفيفٌ.
الجوهري: الصَّفِيفُ ما صُفَّ من اللحم على الجمر لِيَنْشَويَ، تقول
منه: صَفَفْتُ اللحمَ صَفّاً. وفي حديث الزبير: كان يَتَزَوَّدُ صَفِيف
الوَحْشِ وهو مُحْرِم أَي قَدِيدَها. يقال: صَففتُ اللحمَ أَصُفُّه صفّاً إذا
تركته في الشمس حتى يجِفَّ.
وصُفّةُ الرَّحْلِ والسَّرْجِ: التي تَضُمّ العَرْقُوَتَينِ
والبِدادَينِ من أَعْلاهما وأَسفلهما، والجمع صُفَفٌ على القياس. وحكى سيبويه:
وصَفَّ الدابةَ وصفَّ لها عمل لها صُفَّةً. وصَفَفْتُ لها صُفَّة أَي
عَمِلْتُها لها. وصَفَفْت السرْجَ: جعلت له صُفَّة. وفي الحديث: نَهَى عن صُفَفِ
النُّمُورِ؛ هي جمع صُفّة وهي للسرج بمنزلة المِيثرَة من الرَّحْل؛ قال
ابن الأَثير: وهذا كحديثه الآخر: نَهى عن رُكوبِ جلود النُّمُورِ. وصُفّةُ
الدارِ: واحدة الصُّفَفِ؛ الليث: الصُّفّةُ من البُنْيانِ شبه البَهْو
الواسِع الطويلِ السَّمْكِ. وفي الحديث ذكر أَهْلِ الصُّفّة، قال: هم
فُقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يَأْوُون إلى موضع
مُظَلَّل في مسجد المدينة يسكنونه وفي الحديث: مات رجلٌ من أَهل الصُّفّة؛
هو موضع مظلَّل من المسجد كان يأْوي إليه المساكينُ وصُفّةُ البُنْيانِ:
طُرَّته. والصُّفَّةُ: الظُّلَّةُ. ابن سيده: وعذاب يوم الصُّفَّة كعذاب
يوم الظُّلَّة. التهذيب: الليث وعذاب يوم الصفة كان قومٌ عَصَوْا
رسُولَهم فأَرسل اللّه عليهم حَرّاً وغَمّاً غَشِيَهم من فوقهم حتى هلكوا. قال
أَبو منصور: الذي ذكره اللّه في كتابه عَذابُ يوم الظلة لا عذابُ يوم
الصفة، وعُذِّبَ قوم شُعَيب به، قال: ولا أَدْري ما عذابُ يوم الصفَّة. وأَرض
صَفْصَفٌ: مَلْساء مُسْتَوِية. وفي التنزيل: فََيَذَرُها فاعاً
صَفْصفاً؛ الفراء الصَّفْصَفُ الذي لا نبات فيه، وقال ابن الأَعرابي: الصفصف
القَرْعاء، وقال مجاهد: قاعاً صفصفاً، مستوياً. أَبو عمرو: الصفصف المستوي من
الأَرض، وجمعه صَفاصِفُ؛ قال الشاعر:
إذا رَكِبَتْ داوِيَّةً مُدْلَهِمّةً،
وغَرَّدَ حادِيها لها بالصَّفاصِفِ
والصَّفْصَفَةُ كالصَّفْصَفِ؛ عن ابن جني، والصفصَفُ: الفَلاةُ.
والصُّفْصُفُ: العُصْفور، في بعض اللغات.
والصَّفْصافُ: الخِلافُ، واحدته صَفْصافةٌ، وقيل: شجر الخِلاف شامِيّة.
والصَّفْصَفةُ دُوَيْبّة، وهي دخيل في العربية؛ قال الليث: هي الدويبة
التي تسميها العجم السيسك، وروي أَن الحجاج قال لِطبّاخِه: اعْمَلْ لنا
صفصافةً وأَكْثِرْ فَيْجَنَها، قال: الصَّفْصافةُ لغة ثَقِيفِيّةٌ، وهي
السِّكْباجة. أَبو عمرو: الصَّفْصفةُ السِّكباجة والفَيْجَنُ السَّدابُ. وفي
حديث أَبي الدرداء، رضي اللّه عنه: أَصْبَحْتُ لا أَملِك صُفَّةً ولا
لُفَّةً؛ الصفَّةُ: ما يجعل على الرَّاحة من الحُبُوبِ، واللُّفّةُ
اللُّقْمَة. وصَفْصَفةُ الغَضَا: موضع، وذكر ابن بري في هذه الترجمة صِفُّونَ،
قال: وهو موضع كانت فيه حَرْب بين عليّ، عليه السلام، وبين معاوية؛ وأَنشد
لمُدْرِكِ بن حُصَيْنٍ الأَسدي:
وصِفُّونَ والنَّهْرُ الهَنِيُّ ولُجَّةٌ،
من البَحْرِ، مَوقُوفٌ عليها سَفِينُها
قال: وتقول في النصب والجر رأَيت صِفِّينَ ومررت بِصِفِّين، ومن أَعرب
النون قال هذه صفينُ ورأَيت صفينَ، وقال في ترجمة صفن عند كلام الجوهري
على صِفِّين، قال: حقه أَن يذكر في فصل صفف لأَن نونه زائدة بدليل قولهم
صِفُّونَ فيمن أعربه بالحروف.
زفف: الزَّفيفُ: سُرْعةُ المشي مع تقارب خَطْو وسكون، وقيل: هو أَوّل
عَدْو النعام، وقيل: هو كالذَّمِيل. وقال اللحياني: الزَّفِيفُ الإسْراعُ
ومقاربةُ الخَطْوِ، زَفَّ يَزِفُّ زَفّاً وزَفِيفاً وزُفُوفاً وأَزَفَّ؛
الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، وقال اللحياني: يكون ذلك في الناس وغيرهم،
قال: وأَزَفَّ أَبْعَد اللغتين. وزَفَّ القومُ في مشيهم: أَسْرَعوا. وفي
التنزيل العزيز: فأَقبلوا إليه يَزِفُّون؛ قال الفراء: والناس يَزِفُّونَ،
بفتح الياء، أَي يُسرعُونَ، وقرأَها الأَعمش يُزَفُّونَ أَي يجيئون على
هيئة الزَّفيف بمنزلة المَزْفُوفةِ على هذه الحال، وقال الزجاج: يَزِفُّون
يُسْرِعُون، وأَصله من زَفِيف النَّعامةِ وهو ابتداء عَدْوِها،
والنَّعامةُ يقال لها زَفُوفٌ؛ قال ابن حِلِّزَةَ:
بِزَفُوفٍ كَأَنها هِقْلَةٌ أُمْـ
ـمُ رِئالٍ، دَوِّيَّةٌ سَقْفاء
والزَّفيفُ: السريعُ مثل الذَّفِيف. وزَفَّ الظليمُ والبعيرُ يَزِفُّ،
بالكسر، زَفِيفاً أَي أَسْرَعَ، وأَزَفَّه صاحبُه. وأَزَفَّ البعيرَ:
حَمَله أَن يَزِفَّ. وزَفْزَفَ النعامُ في مَشْيه: حَرَّك جناحيه.
والزَّفَّانُ: السريعُ الخفيف.
وما جاء في حديث تزويج فاطمةَ، عليها السلام: أَنه، صلى اللّه عليه
وسلم، صَنَع طعاماً وقال لبلال: أَدْخلْ عليَّ الناس زُفَّةً زُفَّةً؛ حكاه
الهروي في الغريبين فقال: فَوْجاً بعد فوج وطائفةً بعد طائفة وزُمْرة بعد
زُمْرة، قال: سميت بذلك لزَفِيفها في مشيها أَي إسْراعها.
وزَفَّت الريحُ زَفِيفاً وزَفْزَفَتْ: هَبَّتْ هُبُوباً ليِّناً ودامت،
وقيل: زَفْزَفَتُها شدّة هُبوبها. التهذيب: الريح تَزِفُّ زُفُوفاً، وهو
هبوب ليس بالشديد ولكنه في ذلك ماضٍ.
والزَّفْزفةُ: تحريك الريح يَبيسَ الحشيش؛ وأَنشد:
زَفْزَفةَ الرِّيحِ الحَصادَ اليَبَسا
وزَفزَفتِ الرِّيحُ الحَشِيشَ: حَرَّكَته. ويقال للطائِش الحِلْمِ: قد
زَفَّ رَأْلُه. والزَّفزفةُ: حنين الريحِ وصوتها في الشجر، وهي ريح
زَفْزافَةٌ وريح زَفزَفٌ؛ وأَنشد ابن بَريّ لِمُزاحِم:
ثَوْباتِ الجَنُوبِ الزَّفازِفِ
وريح زَفْزَفَةٌ وزَفْزافةٌ وزَفْزافٌ: شديدة لها زَفْزفة، وهي الصوتُ؛
وجعله الأَخطل زَفزَفاً قال:
أَعاصيرُ رِيحٍ زَفزَفٍ زَفَيانِ
وفي حديث أُم السائب: أَنه مرَّ بها وهي تُزَفْزِفُ من الحُمَّى أَي
ترْتَعِدُ من البرد، ويروى بالراء، وقد تقدَّم.
والزَفِيفُ: البريقُ؛ قال حميد بن ثور:
دَجَا الليلُ، واسْتَنَّ اسْتِناناً زَفِيفُه،
كما اسْتَنَّ في الغابِ الحَرِيقُ المُشَعْشَعُ
وزَفْزَفَةُ المَوكِبِ: هَزِيزُه. وزَفْزَفَ إذا مَشى مِشْيَةً حَسَنةً.
والزَّفْزَفَةُ من سير الإبل، وقيل: الزفزفة من سير الإبل فوق الخَبَبِ؛
قال امرؤ القَيس:
لمَّا رَكِبنا رَفَعْناهُنَّ زَفْزَفَةً،
حتى احْتَوَيْنا سَواماً ثَمَّ أَرْبابُهْ
وزفَّ الطائر في طيرانــه يَزِفُّ زَفّاً وزَفِيفاً وزَفزف: ترامَى بنفسه،
وقيل: هو بَسْطُه جناحَيه؛ وأَنشد:
زَفِيفَ الذُّنابى بالعجاج القواصِفِ
والزَّفزافُ: النَّعام الذي يُزَفْزِفُ في طيَرانــه يحرك جناحيه إذا عدا.
وقَوْسٌ زَفُوفٌ: مُرِنّةٌ. والزَّفْزَفةُ: صوتُ القِدْحِ حين يُدارُ
على الظُّفُر؛ قال الهذلي:
كَساها رَطِيبَ الرِّيشِ، فاعْتَدَلَتْ لها
قِداحٌ، كأَعْناقِ الظِّباء، زَفازِفُ
أَراد ذواتُ زَفازِفَ، شبَّه السِّهامَ بأَعْناقِ الظِّباء في اللين
والانْثِناء.
والزِّفُّ: صغير الرِّيشِ، وخصّ بعضهم به رِيشَ النعامِ. وهَيْقٌ
أَزَفُّ بيِّن الزَّفَفِ أَي ذُو زِفٍّ مُلْتَفٍّ. وظلِيم أَزَفُّ: كثير
الزِّفِّ. الجوهري: الزِّفّ، بالكسر، صغار رِيشِ النعامِ والطائر.
وزَفَفْتُ العَرُوسَ وزَفَّ العروسَ يَزُفُّها، بالضم، زَفّاً وزِفافاً
وهو الوجه وأَزْفَفْتُها وازْدَفَفْتُها بمعنى وأَزَفَّها وازْدَفَّها،
كل ذلك: هداها، وحكى اللحياني: زَحَفَتْ زَوافُّها أَي اللَّواتي
زَفَفْنَها. والمِزَفَّةُ: المُحَفَّةُ، وقيل: المحفة التي تُزَفُّ فيها العروس.
الليث: زُفَّتِ العروسُ إلى زوجها زَفّاً. وفي الحديث: يُزَِفُّ عليّ
بيني وبين إبراهيمَ، صلى اللّه عليهما وسلم، إلى الجنة؛ قال ابن الأَثير: إن
كسرت الزاي فمعناه يُسْرِعُ من زَفَّ في مِشْيَتِهِ وأَزَفَّ إذا أَسرع،
وإن فتحت فهو من زَفَفْتُ العَروسَ أَزُفُّها إذا أَهْدَيْتَها إلى
زوجها. وفي الحديث: إذا ولَدت الجاريةُ بَعَث اللّه إليها مَلَكاً يَزُفُّ
البركة زَفّاً. وفي حديث المغيرة: فما تَفرَّقُوا حتى نظروا إليه وقد
تَكَتَّبَ يُزَفُّ في قومه. وجئتك زَفَّةً أَو زَفَّتَينِ أَي مرَّة أَو
مرتين.
كفت: الكَفْتُ: صَرْفُكَ الشيءَ عن وَجْهه.
كَفَته يَكْفِتُه كَفْتاً فانْكَفَتَ أَي رَجَعَ راجعاً. وكَفَتَه عن
وَجْهه أَي صَرَفه. وفي حديث عبد الله بن عمر: صلاةُ الأَوَّابين ما بين
أَن يَنْكَفِتَ أَهلُ المَغْرب إِلى أَن يَثُوبَ أَهلُ العُشَراء أَي
يَنْصرِفوا إِلى مَنازلهم. وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكَفَتاناً وكِفاتاً:
أَسْرَع في العَدْوِ والــطَّيَرانِ وتَقَبَّضَ فيه. والكَفَتانُ من العَدْوِ
والــطيران: كالحَيَدانِ في شِدَّة. وفرسٌ كَفْتٌ: سريع؛ وفَرَسٌ كَفِيتٌ
وقَبيضٌ؛ وعَدْوٌ كَفيتٌ أَي سَريع؛ قال رؤْبة:
تَكادُ أَيْديها تَهاوى في الزَّهَقْ،
من كَفْتِها شَدًّا، كإِضْرامِ الحَرَقْ
قال الأَزهري: والكَفْتُ في عَدْوِ ذي الحافر سُرْعةُ قَبْضِ اليَدِ.
الجوهري: الكَفْتُ السَّوْقُ الشَّديد. ورجل كَفْتٌ وكَفِيتٌ: سريع خفيفٌ
دَقيقٌ، مثلُ كَمْشٍ وكَمِيشٍ. وعَدْوٌ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: سريعٌ. ومَرُّ
كَفِيتٌ وكِفاتٌ: سريعٌ؛ قال زهير:
مَرًّا كِفاتاً، إِذا ما الماءُ أَسْهَلَها،
حتى إِذا ضُرِبَتْ بالسَّوْطِ تَبْتَرِكُ
وكافَتَهُ: سابَقَهُ.
والكَفِيتُ: الصاحب الذي يُكافِتُكَ أَي يُسابِقُك. والكَفِيتُ: القُوتُ
من العَيْش؛ وقيل: ما يُقِيمُ العَيْشَ. والكَفِيتُ: القُوَّةُ على
النكاح. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: حُبِّبَ إِليّ
النساءُ والطِّيبُ، ورُزِقْتُ الكَفِيتَ أَي ما أَكْفِتُ به مَعِيشَتي أَي
أَضُمُّها وأُصْلِحُها؛ وقيل في تفسير رُزِقْتُ الكَفِيتَ أَي القُوَّة على
الجماع؛ وقال بعضهم في قوله رُزِقْتُ الكَفِيتَ: إِنها قِدْرٌ أُنزلت له
من السماء، فأَكل منها وقَوِيَ على الجماع، كما يروى في الحديث الآخر
الذي يروي أَنه قال: أَتاني جبريلُ بقِدْرٍ يقالُ لها الكَفِيتُ، فوَجَدْتُ
قوَّة أَرْبَعِينَ رجلاً في الجماع.
والكِفْتُ، بالكسر: القِدْرُ الصغيرة، على ما سنذكره في هذا الفصل؛ ومنه
حديث جابر: أُعْطِيَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، الكَفِيتَ؛ قيل
للحَسَنِ: وما الكَفِيتُ؟ قال: البِضَاعُ. الأَصمعي: إِنه ليَكْفِتُني عن
حاجَتي ويَعْفِتُني عنها أَي يَحْبِسُني عنها. وكَفَتَ الشيءَ يَكْفِتُه
كَفْتاً، وكَفَّتَه: ضَمَّه وقَبَضَه؛ قال أَبو ذؤَيب:
أَتَوْها بِريحٍ حاوَلَتْهُ، فأَصْبَحَتْ
تُكَفَّتُ قد حَلَّتْ، وساغَ شَرابُها
ويقال: كَفَتَه اللهُ أَي قَبَضه اللهُ.
والكِفاتُ: الموضعُ الذي يُضَمُّ فيه الشيءُ ويُقْبَضُ. وفي التنزيل
العزيز: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرضَ كِفاتاً أَحْياءَ وأَمواتاً. قال ابن سيده:
هذا قول أَهل اللغة، قال: وعندي أَن الكِفاتَ هنا مصدر من كَفَتَ إِذا
ضَمَّ وقَبَضَ، وأَنَّ أَحْياءً وأَمواتاً مُنْتَّصَبٌ به أَي ذاتَ كِفاتٍ
للأَحياء والأَموات. وكِفاتُ الأَرضِ: ظَهْرُها للأَحْياءِ، وبَطْنُها
للأَمْواتِ، ومنه قولهم للمنازل: كِفاتُ الأَحياء، وللمقابر: كِفاتُ
الأَمْواتِ. التهذيب: يُريد تَكْفِتُهم أَحياءً على ظَهْرها في دُورهم
ومَنازلهم، وتَكْفِتُهم أَمواتاً في بَطْنها أَي تَحْفَظُهم وتُحْرِزهم، ونَصَبَ
أَحياءً وأَمواتاً بوُقُوع الكِفاتِ عليه، كأَنك قلت: أَلم نجعل الأَرضَ
كِفاتَ أَحياءٍ وأَمواتٍ؟ فإِذا نَوَّنْتَ، نَصَبْتَ. وفي الحديث: يقول
الله، عز وجل، للكرام الكاتبين: إِذا مَرِضَ عَبْدي فاكْتُبوا له مِثْل
ما كان يَعْمَلُ في صِحَّتهِ، حتى أُعافِيَه أَو أَكْفِتَه أَي أَضُمَّه
إِلى القبر؛ ومنه الحديث الآخر: حتى أُطْلِقَه من وَثاقي، أَو أَكْفِتَه
إِليّ. وفي حديث الشعبي: أَنه كان بظَهْر الكُوفةِ فالْتَفَتَ إِلى
بُيوتها، فقال: هذه كِفاتُ الأَحْياء، ثم الْتَفَتَ إِلى المَقْبُرة، فقال:
وهذه كِفاتُ الأَموات؛ يريد تأْويلَ قوله، عز وجل: أَلم نَجْعل الأَرضَ
كِفاتاً أَحياءً وأَمواتاً.
وبَقِيعُ الغَرْقَد يسمى: كَفْتة، لأَنه يُدْفَنُ فيه، فيَقْبِضُ
ويَضُمُّ.
وكافِتٌ: غارٌ كان في جبل يَأْوِي إِليه اللُّصوصُ، يَكْفِتُون فيه
المتاعَ أَي يَضُمُّونه، عن ثعلب، صفةٌ غالبة. وقال: جاءَ رجالٌ إِلى
إِبراهيم بن المُهاجِرِ العَرَبيّ، فقالوا: إِننا نَشْكو إِليك كافِتاً؛
يَعْنُونَ هذا الغارَ.
وكَفَتُّ الشيءَ أَكْفِتُه كَفْتاً إِذا ضَمَمْته إِلى نفسك. وفي
الحديث: نُهِينا أَن نَكْفِتَ الثِّيابَ في الصلاة أَي نَضُمَّها ونَجْمَعَها
من الانتشار، يريد جمعَ الثَّوْب باليدين، عند الركوع والسجود.
وهذا جِرابٌ كَفِيتٌ إِذا كان لا يُضَيِّعُ شيئاً مما يُجْعَل فيه؛
وجِرابٌ كِفْتٌ، مثله.
وتَكَفَّتَ ثوبي إِذا تَشَمَّر وقَلَصَ. وفي حديث النبي، صلى الله عليه
وسلم، أَنه قال: اكْفِتُوا صبيانَكم، فإِن للشيطان خَطْفةً؛ قال أَبو
عبيد: يعني ضُمُّوهم إِليكم،واحْبِسُوهم في البيوت؛ يريد عند انْتِشار
الظلام.
وكَفَتَ الدِّرْعَ بالسيف يَكْفِتُها، وكَفَّتها: عَلَّقَها به،
فضَّمَها إِليه؛ قال زهير:
خَدْباءُ يَكْفِتُها نِجادُ مُهَنَّدِ
وكلُّ شيء ضَمَمْتَه إِليكَ، فقد كَفَتَّه؛ قال زهير:
ومُقاضةٍ، كالنِّهْيِ تَنْسُجُه الصَّبا،
بَيْضاءَ، كُفِّتَ فَضْلُها بمُهَنَّدِ
يَّصِفُ دِرْعاً عَلَّق لابسُها، بالسيف، فُضُولَ أَسافِلها، فضَمَّها
إِليه؛ وشَدَّده للمبالغة.
قال الأَزهري: المُكْفِتُ الذي يَلْبَسُ دِرْعاً طويلة، فيَضُمُّ
ذَيْلَها بمعاليقَ إِلى عُرًى في وَسَطها، لتَشَمَّرَ عن لابسها. والمُكْفِتُ:
الذي يَلْبَسُ دِرْعَين، بينهما ثوبٌ.
والكَفْتُ: تَقَلُّبُ الشيء ظَهْراً لبَطْنٍ، وبَطْناً لظَهْر.
وانْكَفَتُوا إِلى منازلهم: انْقَلَبُوا.
والكَفْتُ: المَوْتُ؛ يقال: وقَعَ في الناس كَفْتٌ شديد أَي موت.
والكِفْتُ، بالكسر: القِدْر الصغيرة. أَبو الهيثم في الأَمثال لأَبي
عبيد، قال أَبو عبيدة: من أَمثالهم فيمن يظلم إِنساناً ويُحَمِّلُه مكروهاً
ثم يَزيدُه: كِفْتٌ إِلى وَئِيَّةٍ أَي بَلِيَّةٌ إِلى جَنْبِها أُخْرَى؛
قال: والكِفْتُ في الأَصل هي القِدْر الصغيرة، والوَئِيَّةُ هي الكبيرة
من القُدور؛ قال الأَزهري: هكذا رواه كِفْتٌ، بكسر الكاف، وقاله الفراء
كَفْتٌ، بفتح الكاف، للقِدْر؛ قال أَبو منصور: وهما لغتان، كَفْتٌ
وكِفْتٌ.والكَفِيتُ: فرسُ حَسَّانَ بن قَتادة.
خطط: الخَطُّ: الطريقةُ المُسْتَطِيلةُ في الشيء، والجمع خُطُوطٌ؛ وقد
جمعه العجّاج على أَخْطاطٍ فقال:
وشِمْنَ في الغُبارِ كالأَخْطاطِ
ويقال: الكَلأُ خُطوطٌ في الأَرض أَي طَرائقُ لم يَعُمَّ الغَيْثُ
البلادَ كُلَّها. وفي حديث عبد اللّه بن عَمرو في صفة الأَرض الخامسةِ: فيها
حيّاتٌ كسلاسِلِ الرَّمْلِ وكالخطائط بين الشَّقائِق؛ واحدتها خَطِيطةٌ،
وهي طرائقُ تُفارِقُ الشَّقائق في غِلَظِها ولِينِها. والخَطُّ: الطريق،
يقال: الزَمْ ذلك الخَطَّ ولا تَظْلِمْ عنه شيئاً؛ قال أَبو صخر الهذلي:
صُدُود القِلاصِ الأُدْمِ في ليلةِ الدُّجَى،
عن الخَطِّ لم يَسْرُبْ لها الخَطِّ سارِبُ
وخَطَّ القلَمُ أَي كتب. وخَطَّ الشيءَ يَخُطُّه خَطّاً: كتبه بقلم أَو
غيره؛ وقوله:
فأَصْبَحَتْ بَعْدَ، خَطَّ، بَهْجَتِها
كأَنَّ، قَفْراً، رُسُومَها، قَلَما
أَراد فأَصبحت بعد بهجتها قفراً كأَنَّ قلماً خَطَّ رُسومَها.
والتَّخْطِيطُ: التَّسْطِيرُ، التهذيب: التخْطيطُ كالتَّسْطِير، تقول:
خُطِّطَت عليه ذنوبُه أَي سُطِّرت.
وفي حديث معاوية بن الحكم: أَنه سأَل النبيَّ، صلّى اللّه عليه وسلّم،
عن الخَطِّ فقال: كان نبيٌّ من الأَنبياء يَخُطُّ فمن وافَقَ خَطَّه
عَلِمَ مثل عِلْمِه، وفي رواية: فمن وافَق خطَّه فذاكَ. والخَطُّ: الكتابة
ونحوها مما يُخَطُّ. وروى أَبو العباس عن ابن الأَعرابي أَنه قال في
الطَّرْقِ: قال ابن عباس هو الخَطُّ الذي يَخُطُّه الحازِي، وهو عِلْم قديم تركه
الناس، قال: يأْتي صاحِبُ الحاجةِ إِلى الحازِي فيُعْطِيه حُلْواناً
فيقول له: اقْعُدْ حتى أَخُطَّ لك، وبين يدي الحازي غُلام له معَه مِيلٌ له،
ثم يأْتي إِلى أَرْضٍ رخْوَةٍ فيَخُطُّ الأُسْتاذ خُطوطاً كثيرة بالعجلة
لئلا يَلْحَقها العدَدُ، ثم يرجِعُ فيمحو منها على مَهَلٍ خَطَّيْنِ
خطين، فإِن بقي من الخُطوط خَطَّانِ فهما علامة قضاء الحاجة والنُّجْح، قال:
والحازِي يمحو وغلامه يقول للتفاؤل: ابْنَيْ عِيان، أَسْرِعا البَيان؛
قال ابن عباس: فإِذا مَحا الحازِي الخُطوطَ فبقي منها خَطٌّ واحد فهي
علامة الخَيْبةِ في قضاء الحاجة؛ قال: وكانت العرب تسمي ذلك الخطّ الذي يبقى
من خطوط الحازي الأَسْحَم، وكان هذا الخط عندهم مشْؤُوماً. وقال
الحَرْبيُّ: الخطُّ هو أَن يخُطّ ثلاثة خُطوط ثم يَضْرِب عليهن بشعِير أَو نَوىً
ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضَرْبٌ من الكَهانة؛ قال ابن الأَثير: الخَطُّ
المشار إِليه علم معروف وللناس فيه تَصانِيفُ كثيرة وهو معمول به إِلى
الآن، ولهم فيه أَوْضاعٌ واصْطلاحٌ وأَسامٍ، ويستخرجون به الضمير وغيره،
وكثيراً ما يُصِيبُون فيه. وفي حديث ابن أُنَيْسٍ: ذهَب بي رسول اللّه،
صلّى اللّه عليه وسلّم، إِلى منزله فدَعا بطعام قليل فجعلت أُخَطِّطُ حتى
يَشْبَعَ رسولُ اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، أَي أَخُطُّ في الطعام
أُرِيهِ أَني آكُل ولست بآكِلٍ. وأَتانا بطعام فخَطَطْنا فيه أَي أَكَلْناه،
وقيل: فحطَطْنا، بالحاء المهملة غير معجمة، عَذَّرْنا. ووصف أَبو
المَكارم مَدْعاةً دُعِيَ إِليها قال: فحَطَطْنا ثم خَطَطْنا أَي اعتمدنا على
الأَكل فأَخذنا، قال: وأَما حَطَطْنا فمعناه التَّعْذِيرُ في الأَكل.
والحَطُّ: ضِدُّ الخَطِّ، والماشي يَخُطُّ برجله الأَرضَ على التشبيه بذلك؛
قال أَبو النجم:
أَقْبَلْتُ مِنْ عندِ زِيادٍ كالخَرِفْ،
تَخطُّ رِجْلايَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ،
تُكَتِّبانِ في الطَّرِيقِ لامَ أَلِفْ
والخَطُوط، بفتح الخاء، من بقر الوحش: التي تخُطُّ الأَرض بأَظْلافِها،
وكذلك كل دابّة. ويقال: فلان يخُطّ في الأَرض إِذا كان يفكِّر في أَمره
ويدبّره. والخَطُّ: خَطُّ الزاجر، وهو أَن يخُطّ بإِصْبَعِه في الرمل
ويَزْجُر. وخَطَّ الزاجِرُ في الأَرض يخُطُّ خطّاً: عَمِلَ فيها خَطّاً
بإِصْبَعِه ثم زَجَر؛ قال ذو الرمة:
عَشِيّةَ ما لي حِيلةٌ غَيْرَ أَنَّنِي،
بَلَقْطِ الحصى والخَطِّ في التُّرْبِ، مولَعُ
وثوب مُخَطَّطٌ وكِساء مُخَطَّط: فيه خُطوط، وكذلك تمر مُخَطَّط ووَحْشٌ
مُخَطَّطٌ. وخَطَّ وجْهُه واخْتَطَّ: صارَتْ فيه خُطوط. واخْتَطَّ
الغلامُ أَي نبتَ عِذارُه.
والخُطَّةُ: كالخَطِّ كأَنها اسم للطريقة.
والمِخَطُّ، بالكسر: العود الذي يَخُطّ به الحائكُ الثوبَ. والمِخْطاطُ:
عُود تُسَوَّى عليه الخُطوطُ. والخَطُّ: الطَّرِيقُ؛ عن ثعلب؛ قال
سلامةُ بن جَنْدل:
حتى تركْنا وما تُثْنَى ظَعائننا،
يأْخُذْنَ بينَ سَوادِ الخَطِّ فاللُّوبِ
والخَطُّ: ضَربٌ من البَضْعِ
(* قوله «البضع» بالفتح والضم بمعنى
الجماع.)، خَطَّها يَخُطُّها خَطّاً. وفي التهذيب: ويقال خَطَّ بها قُساحاً.
والخِطُّ والخِطَّةُ: الأَرض تُنْزَلُ من غير أَن ينزِلها نازِلٌ قبل ذلك.
وقد خَطَّها لنَفْسِه خَطّاً واخْتَطَّها: وهو أَن يُعَلِّم عليها
عَلامةً بالخَطِّ ليُعلم أَنه قد احْتازَها
(* قوله «احتازها» في النهاية:
اختارها.) ليَبْنِيَها داراً، ومنه خِطَطُ الكوفةِ والبصرةِ. واخْتَطَّ فلان
خِطَّةً إِذا تحَجَّر موضعاً وخَطَّ عليه بِجِدار، وجمعها الخِطَطُ.
وكلُّ ما حَظَرْتَه، فقد خطَطْتَ عليه. والخِطّةُ، بالكسر: الأَرضُ. والدار
يَخْتَطُّها الرَّجل في أَرض غير مملوكةٍ ليَتَحجَّرها ويَبْنيَ فيها،
وذلك إِذا أَذِن السلطان لجماعة من المسلمين أَنْ يَخْتَطُّوا الدُّورَ في
موضع بعينه ويتخذوا فيه مَساكِنَ لهم كما فعلوا بالكوفة والبصرة وبغداد،
وإِنما كسرت الخاء من الخِطَّة لأَنها أُخرجت على مصدر بُني على فعله
(*
قوله «على فعله» كذا في الأصل وشرح القاموس بدون نقط لما بعد اللام،
وعبارة المصباح: وإنما كسرت الخاء لأَنها أُخرجت على مصدر افتعل مثل اختطب
خطبة وارتد ردّة وافترى فرية.) ، وجمع الخِطَّةِ خِطَطٌ. وسئل إِبراهيمُ
الحَربيّ عن حديث النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: أَنه وَرَّث النساء
خِطَطَهُنَّ دون الرِّجال، فقال: نَعَم كان النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم،
أَعْطَى نِساء خِطَطاً يَسْكُنَّها في المدينة شبْه القَطائِع، منهنَّ أُمُّ
عبد، فجعلها لهنَّ دون الرِّجال لا حَظَّ فيها للرجال. وحكى ابن بري عن
ابن دريد أَنه يقال خِطٌّ للمكَان الذي يَخْتَطُّه لنفسه، من غير هاء،
يقال: هذا خِطُّ بني فلان. قال: والخُطُّ الطريق، يقال: الزَمْ هذا الخُطَّ،
قال: ورأَيته في نسخة بفتح الخاء.
ابن شميل: الأَرضُ الخَطيطةُ التي يُمْطَرُ ما حَوْلَها ولا تُمْطَر هي،
وقيل: الخَطِيطةُ الأَرض التي لم تمطر بين أَرْضَين مَمْطورَتَين، وقيل:
هي التي مُطِر بعضُها. وروي عن ابن عباس أَنه سئل عن رجل جعل أَمْرَ
امْرأَتِه بيدِها فقالت له: أَنتَ طالق ثلاثاً، فقال ابن عباس: خطَّ اللّه
نَوْءَها أَلاَّ طَلَّقَتْ نفسَها ثلاثاً وروي: خَطَّأَ اللّهُ نَوْءَها،
بالهمز، أَي أَخْطأَها المطر؛ قال أَبو عبيد: من رواه خَطَّ اللّه
نوْءَها جعله من الخَطِيطةِ، وهي الأَرض التي لم تمطر بين أَرضين ممطورتين،
وجمعها خَطائطُ. وفي حديث أَبي ذرّ في الخَطائطِ: تَرْعَى الخَطائطَ
ونَرِدُ المَطائطَ؛ وأَنشد أَبو عبيدة لهميان بن قُحافةَ:
على قِلاصٍ تَخْتَطِي الخَطائطَا،
يَتْبَعْنَ مَوَّارَ المِلاطِ مائطا
وقال البَعِيثُ:
أَلا إِنَّما أَزْرَى بحَارَك عامِداً
سُوَيْعٌ، كخطَّافِ الخَطِيطةِ، أَسْحَمُ
وقال الكميت:
قِلاتٌ بالخَطِيطةِ جاوَرَتْها،
فَنَضَّ سِمالُها، العَيْنُ الذَّرُورُ
القِلاتُ: جمع قَلْتِ للنُّقْرة في الجبل، والسِّمالُ: جمع سَمَلةٍ وهي
البقِيَّةُ من الماء، وكذلك النَّضِيضةُ البقيةُ من الماء، وسمالُها
مرتفع بنَضَّ، والعينُ مرتفع بجاورَتْها، قال ابن سيده: وأَما ما حكاه ابن
الأَعرابي من قول بعض العرب لابنه: يا يُنَيَّ الزم خَطِيطةَ الذُّلِّ
مَخافةَ ما هو أَشدُّ منه، فإِنَّ أَصل الخَطِيطةِ الأَرضُ التي لم تمطر،
فاستعارها للذلِّ لأَن الخطيطة من الأَرضين ذليلة بما بُخِسَتْه من حقّها.
وقال أَبو حنيفة: أَرض خِطٌّ لم تُمْطَر وقد مُطر ما حولَها.
والخُطَّةُ، بالضم: شِبْه القِصَّة والأَمْرُ. يقال: سُمْتُه خُطَّةَ
خَسْفٍ وخُطَّة سَوْء؛ قال تأَبَّط شَرّاً:
هُما خُطَّتا: إِمَّا إِسارٌ ومِنَّةٌ،
وإِمَّا دَمٌ، والقَتْلُ بالحُرِّ أَجْدَرُ
أَراد خُطَّتانِ فحذف النون اسْتِخْفافاً. وفي حديث الحديبية: لا
يَسْأَلوني خُطَّةً يُعَظّمون فيها حُرُماتِ اللّه إِلاَّ أَعطَيتهم إِيَّاها،
وفي حديثها أَيضاً: إِنه قد عرَض عليكم خُطَّة رُشْدٍ فاقبلوها أَي
أَمراً واضحاً في الهُدَى والاسْتِقامةِ. وفي رأْسِه خُطَّةٌ أَي أَمْرٌ مّا،
وقيل: في رأْسه خُطَّةٌ أَي جَهْلٌ وإِقدامٌ على الأُمور. وفي حديث
قيْلةَ: أَيُلامُ ابن هذه أَن يَفْصِلَ الخُطَّةَ ويَنْتَصِرَ من وراء
الحَجَزة؟ أَي أَنه إِذا نزل به أَمْرٌ مُلْتَبِسٌ مُشْكِلٌ لا يُهْتَدى له إِنه
لا يَعْيا به ولكنه يَفْصِلُه حتى يُبْرِمَه ويخرُجَ منه برأْيِه.
والخُطَّةُ: الحالُ والأَمْرُ والخَطْبُ. الأَصمعي: من أَمْثالهم في الاعْتزام
على الحاجة: جاءَ فلان وفي رأْسه خُطَّةٌ إِذا جاءَ وفي نفسه حاجةٌ وقد
عزَم عليها، والعامَّةُ تقول: في رأْسه خُطْيَةٌ، وكلام العرب هو
الأَول.وخَطَّ وجهُ فلان واخْتَطَّ. ابن الأَعرابي: الأَخَطُّ الدَّقِيقُ
المَحاسِنِ. واخْتَطَّ الغُلامُ أَي نبتَ عِذارُه. ورجل مُخطَّطٌ: جَمِيلٌ.
وخَطَطْتُ بالسيفِ وسطَه، ويقال: خَطَّه بالسيف نِصفين.
وخُطَّةُ: اسم عَنْز، وفي المثل: قَبَّحَ اللّه عَنْزاً خَيْرُها
خُطَّةُ. قال الأَصمعي: إِذا كان لبعض القوم على بعض فَضِيلةٌ إِلاَّ أَنها
خَسيسةٌ قيل: قَبَّحَ اللّهُ مِعْزَى خيْرُها خُطَّةُ، وخُطةُ اسم عنز كانت
عَنز سَوْء؛ وأَنشد:
يا قَومِ، مَنْ يَحْلُبُ شاةً مَيِّتهْ؟
قد حُلِبَت خُطَّةُ جَنْباً مُسْفَتهْ
ميتة ساكنةٌ عند الحَلب، وجَنْباً عُلْبةٌ، ومُسْفَتةٌ مَدْبوغة. يقال:
أَسْفَت الزقّ دَبَغَه.
الليث: الخَطُّ أَرض ينسب إِليها الرِّماحُ الخَطِّيَّةُ، فإِذا جعلت
النسبةَ اسماً لازماً قلت خَطِّيَّة، ولم تذكر الرماحَ، وهو خَطُّ عُمانَ.
قال أَبو منصور: وذلك السِّيفُ كلُّه يسمى الخَطَّ، ومن قُرى الخَطِّ
القَطِيفُ والعُقَيْرُ وقَطَرُ. قال ابن سيده: والخَطُّ سِيفُ البَحْرَينِ
وعُمانَ، وقيل: بل كلُّ سِيفٍ خَطٌّ، وقيل: الخَطُّ مَرْفَأُ السفُن
بالبحرين تُنْسب إِليه الرماح. يقال: رُمْح خَطِّيٌّ، ورِماح خَطِّيَّة
وخِطِّيَّةٌ، على القياس وعلى غير القياس، وليست الخطّ بمنْبِتٍ للرِّماح،
ولكنها مَرْفَأُ السفُن التي تحْمِلُ القَنا من الهِنْدِ كما قالوا مِسْكُ
دارِينَ وليس هنالك مسك ولكنها مرفأُ السفن التي تحمل المِسك من الهِند.
وقال أَبو حنيفة: الخَطِّيُّ الرِّماح، وهو نِسْبةٌ قد جرَى مَجْرى الاسم
العلم، ونِسْبته إِلى الخَطّ خَطِّ البحرين وإِليه ترفأُ الشفن إِذا جاءَت
من أََرض الهند، وليس الخَطِّيّ الذي هو الرماح من نبات أَرض العرب، وقد
كثر مجيئه في أَشْعارها؛ قال الشاعر في نباته:
وهَل يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إِلاّ وشِيجهُ،
وتُغْرَسُ، إلاَّ في مَنابِتِها، النَّخْلُ؟
وفي حديث أُمِّ زَرْع: فأَخذ خَطِّيّاً؛ الخَطِّيّ، بالفتح: الرمح
المنسوب إِلى الخَطّ. الجوهري: الخَط موضع باليمامة، وهو خَطُّ هَجَرَ تُنْسب
إِليه الرِّماحُ الخَطِّيَّةُ لأَنها تحمل من بلاد الهند فتُقوّم به.
وقوله في الحديث: إِنه نام حتى تُسمع غَطِيطُه أَو خَطِيطُه؛ الخَطِيطُ:
قريب من الغَطِيطِ وهو صوت النائم، والغين والخاء متقاربتان.
وحِلْسُ الخِطاط: اسم رجل زاجر. ومُخَطِّطٌ: موضع؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
إِلاَّ أَكُنْ لاقَيْتُ يَوْمَ مُخَطِّطٍ،
فقد خَبَّرَ الرُّكْبانُ ما أَتَوَدَّدُ
وفي النوادر: يقال أَقم على هذا الأَمْرِ بخُطَّةٍ وبحُجَّةٍ معناهما
واحد. وقولهم: خُطَّةٌ نائيةٌ أَي مَقْصِدٌ بعيد. وقولهم: خذ خُطّةً أَي خذ
خُطة الانْتِصاف، ومعناه انتصف. والخُطَّةُ أَيضاً من الخَطِّ:
كالنُّقْطة من النَّقْطِ اسم ذلك. وقولهم: ما خَطَّ غُبارَه أَي ما
شَقَّه.
نهض: النُّهوضُ: البَراحُ من الموضع والقيامُ عنه، نهَضَ يَنْهَضُ
نَهْضاً ونُهوضاً وانْتَهَضَ أَي قامَ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لرُوَيْشد:
ودون حدر وانْتِهاضٍ وربوة،
كأَنَّكما بالرِّيقِ مُخْتَنِقانِ
وأَنشد الأَصمعي لبَعْضِ الأَغْفال:
تَنْتَهِضُ الرِّعْدةُ في ظُهَيْري،
من لَدُنِ الظُّهْر إِلى العُصَيْرِ
وأَنْهَضْتُه أَنا فانْتَهَضَ، وانتهض القومُ وتناهَضوا: نهَضُوا
للقتال. وأَنْهَضَه: حَرَّكه للنُّهوض. واسْتَنْهَضْته لأَمر كذا إِذا أَمرته
بالنُّهوض له. وناهَضْتُه أَي قاوَمْتُه. وقال أَبو الجَهْم الجعفريّ:
نَهَضْنا إِلى القوم ونَغَضْنا إِليهم بمعنىً. وتناهَضَ القومُ في الحرب
إِذا نَهض كلُّ فريق إِلى صاحبه. ونَهض النَّبْتُ إِذا استوى؛ قال أَبو
نخيلة:
وقد عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي،
ورَثْيةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ
قال ابن بري: صوابه: تنهَض في تشدُّد. وأَنْهَضَت الرِّيحُ السَّحابَ:
ساقَتْه وحملَتْه؛ قال:
باتَتْ تُنادِيهِ الصَّبا فأَقْبَلا،
تُنْهِضُه صُعْداً ويأْبَى ثِقَلا
والنَّهْضةُ: الطَّاقةُ والقوَّةُ. وأَنهضه بالشيء: قوَّاه على
النُّهوضِ به.
والناهِضُ: الفرْخُ الذي استَقَلَّ للنُّهوضِ، وقيل: هو الذي وفُرَ
جَناحاه ونَهضَ للــطَّيَران، وقيل: هو الذي نَشر جناحَيْه ليَطِيرَ، والجمع
نَواهِضُ. ونهَض الطائرُ: بسَط جناحيه ليطير. والناهِضُ: فرْخُ العُقاب
الذي وفُرَ جناحاه ونَهضَ للــطيران؛ قال امرؤُ القيس:
راشَه مِنْ رِيشِ ناهِضةٍ،
ثم أَمْهاهُ على حَجَرِهْ
وقول لبيد يصف النَّبْل:
رقَمِيَّاتٌ عليها ناهِضٌ،
تُكْلِحُ الأَرْوَقَ منهم والأَيَلّْ
إِنما أَراد رِيشَ من فرْخٍ من فِراخِ النَّسْرِ ناهِضٍ لأَن السِّهامَ
لا تُراشُ بالناهِضِ كلّه هذا ما لا يجوز إِنما تُراش برِيشِ الناهض،
ومثله كثير. والنَّواهِضُ: عِظامُ الإِبل وشِدادُها؛ قال الراجز:
الغَرْبُ غَرْبٌ بَقَرِيٌّ فارضُ،
لا يَسْتَطِيعُ جَرَّه الغَوامِضُ،
إِلاَّ المُعيداتُ به النَّواهِضُ
والغامِضُ: العاجز الضَّعيف. وناهِضةُ الرجل: قومه الذين ينهَضُ بهم
فيما يُحْزِنُه من الأُمور، وقيل: ناهِضةُ الرجل بنو أَبيه الذين يَغْضَبُون
بغَضَبه فيَنْهَضُون لنَصْره. وما لفلان ناهِضةٌ، وهم الذين يَقُومون
بأَمرِه. وتَناهَضَ القومُ في الحرب: نهَضُوا. والناهِضُ: رأْس المنكب،
وقيل: هو اللحم المجتمع في ظاهر العضد من أَعْلاها إِلى أَسفلها، وكذلك هو
من الفرس، وقد يكون من البعير، وهما ناهِضانِ، والجمع نَواهِضُ. أَبو
عبيدة: ناهِضُ الفرس خُصَيْلةُ عضُدِه المُنْتَبِرَةُ، ويُستحب عِظَمُ ناهِضِ
الفَرس؛ وقال أَبو دواد:
نَبِيل النَّواهِضِ والمَنْكِبَيْن،
حَدِيد المَحازِم ناتِي المَعَدْ
الجوهري: والناهِضُ اللحم الذي يلي عضُد الفرس من أَعلاها. ونَهْضُ
البعيرِ: ما بين الكتف والمَنْكِبِ، وجمعه أَنْهُضٌ مثل فَلْسِ وأَفْلُس؛ قال
هِمْيانُ ابن قحافة:
وقَرَّبُوا كلّ جُمالِيٍّ عَضِهْ،
أَبْقَى السِّنافُ أَثَراً بأَنْهُضِهْ
وقال النضر: نَواهِضُ البعير صدره وما أَقَلَّتْ يده إِلى كاهِلِه وهو
ما بين كِرْكِرته إِلى ثُغْرةِ نَحْرِه إِلى كاهِلِه، الواحد ناهِضٌ.
وطريق ناهِضٌ أَي صاعِدٌ في جبل، وهو النَّهْضُ وجمعه نِهاضٌ؛ وقال
الهذلي:يتابع نَقْباً ذا نِهاضٍ، فوَقْعُه
به صُعُدٌ، لولا المَخافةُ قاصِد
(* قوله «يتابع نقباً إلخ» كذا في الأَصل، وفي شرح القاموس: يتائم.)
ومكانٌ ناهِضٌ: مرتفِعٌ.
والنَّهْضةُ، بسكون الهاء: العَتَبةُ من الأَرض تُبْهَرُ فيها الدابةُ
أَو الإِنسان يَصْعَدُ فيها من غَمْضٍ، والجمع نِهاضٌ؛ قال حاتم بن
مُدْرِك يهجو أَبا العَيُوفِ:
أَقولُ لصاحِبَيَّ وقد هَبَطْنا،
وخَلَّفْنا المَعارِضَ والنِّهاضا
يقال: طريق ذو مَعارِضَ أَي مَراعٍ تُغْنِيهم أَن يَتَكَلَّفُوا العَلَف
لمواشيهم. الأَزهريُّ: النَّهْضُ العَتَبُ. ابن الأَعرابي: النِّهاضُ
العَتَبُ، والنهاض السرْعةُ، والنَّهْضُ الضَّيْمُ والقَسْرُ، وقيل هو
الظُّلْم؛ قال:
أَما تَرى الحَجّاجَ يأْبى النَّهْضا
وإِناء نَهْضان: وهو دون الشلثان
(* قوله «الشلثان» كذا بالأَصل بمثلثة
بعد اللام، وفي شرح القاموس بتاء مثناة بعدها.) ؛ هذه عن أَبي حنيفة.
وناهِضٌ ومُناهِضٌ ونَهّاضٌ: أَسماء.
هدب: الـهُدْبة والـهُدُبةُ: الشَّعَرةُ النَّابِتةُ على شُفْر العَيْن،
والجمع هُدْبٌ وهُدُبٌ؛ قال سيبويه: ولا يُكسَّرُ لقلة فُعُلة في
كلامهم، وجمع الـهُدْبِ والـهُدُبِ: أَهْدابٌ. والـهَدَبُ: كالـهُدْب، واحدته هَدَبَةٌ.
الليث: ورجل أَهْدَبُ طويلُ أَشْفارِ العين، النابت كثيرُها. قال
الأَزهري: كأَنه أَراد بأَشفار العين الشعرَ النابتَ على حروف الأَجْفانِ، وهو غَلَط؛ إِنما شُفْرُ العين مَنْبِتُ الـهُدْبِ من حَرْفَي الجَفْنِ، وجمعه أَشْفارٌ. الصحاح: الأَهْدَبُ الكثير أَشْفار العين. وفي صفته، صلى اللّه عليه وسلم: كان أَهْدَبَ الأَشْفار؛ وفي رواية: هَدِبَ الأَشفار أَي طَويلَ شَعَر الأَجْفان. وفي حديث زياد: طَويلُ العُنُق أَهْدَبُ. وهَدِبَتِ العَيْنُ هَدَباً، وهي هَدْباءُ: طالَ هُدْبُها؛ وكذلك أُذُنٌ هَدْباءُ، ولِـحْيةٌ هَدْباءُ. ونَسْرٌ أَهْدَبُ: سابِـغُ الرِّيشِ. وفي الحديث: ما من مُؤْمن يَمْرَضُ، إِلا حَطَّ اللّهُ هُدْبةً من خَطاياه أَي قِطْعةً وطائفةً؛ ومنه هُدْبةُ الثوبِ. وهُدْبُ الثوب: خَمْلُه، والواحدُ كالواحدِ في اللغتين. وهَيْدَبُه كذلك، واحدتُه هَيْدَبةٌ.
وفي الحديث: كأَني أَنْظُرُ إِلى هُدَّابِها؛ هُدْبُ الثوب، وهُدْبَتُه،
وهُدَّابُه: طَرَفُ الثوبِ، مما يَلي طُرَّتَه. وفي حديث امرأَةِ
رِفاعةَ: أَنَّ ما معه مثلُ هُدْبةِ الثوب؛ أَرادت مَتاعَه، وأَنه رِخْوٌ مثل طَرَفِ الثَّوبِ، لا يُغْني عنها شيئاً. الجوهري: والـهُدْبة الخَمْلَة، وضم الدال لغة.
والـهَيْدَبُ: السحاب الذي يَتَدَلَّى ويدنو مِثلَ هُدْب القَطِـيفةِ.
وقيل: هَيْدَبُ السحابِ ذَيْلُه؛ وقيل: هو أَن تَراه يَتَسَلْسَلُ في
وَجْهه للوَدْقِ، يَنْصَبُّ كأَنه خُيُوطٌ مُتَّصِلة؛ الجوهري: هَيْدَبُ
السَّحابِ ما تَهَدَّبَ منه إِذا أَرادَ الوَدْقَ كأَنه خُيُوطٌ؛ وقال عَبيدُ
بنُ الأَبْرَص:
دَانٍ مُسِفٌّ، فُوَيْقَ الأَرْضِ هَيْدَبُه، * يَكادُ يَدْفَعُه، مَن قام، بالرَّاحِ
قال ابن بري: البيتُ يُروى لعَبيد بن الأَبْرص، ويُروى لأَوْسِ بن حَجَر يَصِفُ سَحاباً كَثيرَ الـمَطَر. والـمُسِفُّ: الذي قد أَسَفَّ على
الأَرْضِ أَي دَنا منها. والـهَيْدَبُ: سَحابٌ يَقْرُبُ من الأَرض، كأَنه
مُتَدَلٍّ، يكادُ يُمْسِكُه، من قام، براحته. الليث: وكذلك هَيْدَبُ
الدَّمْعِ؛ وأَنشد:
بِدَمْعٍ ذي حَزازاتٍ، * على الخَدَّيْنِ، ذي هَيْدَبْ
وقوله:
أَرَيْتَ إِنْ أُعْطِـيتَ نَهْداً كَعْثَبا، * أَذاكَ، أَمْ أُعْطِـيتَ هَيْداً هَيدَبا؟
قال ابن سيده: لم يُفَسِّرْ ثعلب هَيْدَباً، إِنما فَسَّرَ هَيداً،
فقال: هو الكثِـيرُ.
ولِبْدٌ أَهْدَبُ: طالَ زِئْبِرُهُ؛ الليث: يقال للِّبْد ونحوه إِذا طال
زِئْبرُه: أَهْدَبُ؛ وأَنشد:
عن ذِي دَرانِـيكَ ولِبْدٍ أَهْدَبا
الدُّرْنُوكُ: الـمِنْديلُ.
وفرس هَدِبٌ: طَويلُ شَعَر النَّاصِـيَةِ. وهَدَبُ الشَّجَرةِ: طُولُ
أَغْصانِها، وتَدَلِّيها، وقد هَدِبَتْ هَدَباً، فهي هَدْباءُ.
والـهُدَّابُ والـهَدَبُ: أَغْصانُ الأَرْطَى ونحوه مما لا وَرَقَ له، واحدَتُه هَدَبَةٌ، والجمع أَهْدابٌ.
والـهَدَبُ من وَرَقِ الشجَر: ما لم يكنْ له عَيْرٌ، نحوُ الأَثْلِ،
والطَّرْفاءِ، والسَّرْو، والسَّمُر. قال الأَزهري: يقال هُدْبٌ وهَدَبٌ
لوَرَقِ السَّرْو والأَرْطَى وما لا عَيرَ له. الجوهري: الـهَدَبُ،
بالتحريك، كلُّ وَرَق ليس له عَرْضٌ، كَوَرَق الأَثْلِ، والسَّرْوِ، والأَرْطَى، والطَّرْفاءِ، وكذلك الـهُدَّابُ؛ قال عُبَيْدُ بن زَيْدٍ العَبَّادي يصف ظَبْياً في كناسه:
في كِناسٍ ظاهِرٍ يَسْتُرُه * من عَلُ، الشَّفَّانَ، هُدَّابُ الفَنَنْ
الشَّفَّان: البَرَدُ، وهو منصوب بإِسقاط حرف الجرِّ أَي يَسْتُرُه
هُدَّابُ الفَنَن من الشَّفَّان. وفي حديث وَفْدِ مَذْحِـج: إِن لنا
هُدَّابَها.
الـهُدَّابُ: وَرَقُ الأَرْطَى، وكلُّ ما لم يَنْبَسِطْ وَرَقُه.
وهُدَّابُ النَّخْل: سَعَفُه. ابن سيده: الـهُدَّابُ اسم يَجْمَعُ هُدْبَ الثَّوْبِ. وهَدَبَ الأَرْطَى؛ قال العجاج يصف ثوراً وَحْشِـيّاً:
وشَجَرَ الـهُدَّابَ عَنه، فَجَفا * بسَلْهَبَيْنِ، فوقَ أَنْفٍ أَذْلَفا
والواحدةُ: هُدَّابةٌ وهُدْبةٌ؛ قال الشاعر:
مَناكِـبُه أَمثالُ هُدْبِ الدَّرانِكِ
ويقال: هُدْبةُ الثوبِ والأَرْطَى، وهُدْبُه؛ قال ذو الرمة:
أَعْلى ثَوْبِه هُدَبُ
وقال أَبو حنيفة: الـهَدَبُ من النبات ما ليس بورق، إِلا أَنه يقوم مقام الوَرَق.
وأَهْدَبَتْ أَغْصانُ الشَّجرة، وهَدِبَتْ، فهي هَدْباءُ: تَهَدَّلَتْ من نَعْمَتِها، واسْتَرْسَلَتْ؛ قال أَبو حنيفة: وليس هذا من هَدَبِ
الأَرْطَى ونحوه؛ والـهَدَبُ: مصدر الأَهْدَب والـهَدْباءِ؛ وقد هَدِبَتْ
هَدَباً إِذا تَدَلَّتْ أَغْصانُها من حَوالَيْها. وفي حديث الـمُغِـيرة: له
أُذُنٌ هَدْباءُ أَي مُتَدَلِّية مُسْتَرْخِـيَة. وهَدَبَ الشيءَ إِذا قَطَعَه.
وهَدَّبَ الثمرةَ تَهْديباً، واهْتَدَبَها: جَناها. وفي حديث خَبَّابٍ:
ومنَّا مَن أَيْنَعَتْ له ثَمَرتُه، فهو يَهْدِبُها؛ معنى يَهْدِبُها أَي
يَجْنِـيها ويَقْطِفُها، كما يَهْدِبُ الرجلُ هَدَبَ الغَضا والأَرْطى.
قال الأَزهري: والعَبَلُ مثلُ الـهَدَب سواءً. وهَدَبَ الناقةَ
يَهْدِبُها هَدْباً: احْتَلَبَها، والـهَدْبُ، جَزْمٌ: ضَرْبٌ من الـحَلَبِ؛ يقال:
هَدَبَ الحالبُ الناقةَ يَهْدِبُها هَدْباً إِذا حَلَبَها؛ روى الأَزهري
ذلك عن ابن السكيت؛ وقول أَبي ذؤَيب:
يَسْتَنُّ في عُرُضِ الصَّحْراءِ فائِرُه، * كأَنـَّه سَبِـطُ الأَهْدابِ، مَمْلُوحُ
قال ابن سيده، قيل فيه: الأَهْدابُ الأَكْتافُ، قال: ولا أَعْرِفُه.
الأَزهري: أَهْدَبَ الشجرُ إِذا خَرَجَ هُدْبُهُ، وقد هَدَبَ الـهَدَبَ
يَهْدِبُه إِذا أَخَذَه من شَجره؛ قال ذو الرمة:
على جَوانِـبه الأَسْباطُ والـهَدَبُ
والـهَيْدَبُ: ثَدْيُ المرأَة ورَكَبُها إِذا كان مُسْتَرْخِـياً، لا انْتِصابَ له، شُبِّهَ بهَيْدَبِ السَّحابِ، وهو ما تَدَلى من أَسافله إِلى الأَرض. قال: ولم أَسمع الـهَيْدَبَ في صفة الودْق الـمُتَّصِل،
ولا في نَعْتِ الدَّمْعِ، والبيتُ، الذي احْتَجَّ به الليث، مَصْنُوع لا حُجَّة به. وبيتُ عَبيدٍ يَدُلُّ على أَنَّ الـهَيْدَبَ من نَعْتِ السَّحابِ؛ وهو قوله:
دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأَرضِ هَيْدَبُه
والـهَيْدَبُ والـهُدُبُّ من الرجال: العَيِـيُّ الثَّقيلُ، وقيل: الأَحْمَقُ؛ وقيل: الـهَيْدَبُ الضعيف. الأَزهري: الـهَيْدَبُ العَبامُ من الأَقْوام، الفَدْمُ الثَّقِـيلُ؛ وأَنشد لأَوْسِ بنِ حَجَر شاهداً على العَبامِ العَيِـيِّ الثَّقيل:
وشُبِّهَ الـهَيْدَبُ العَبامُ من * الأَقْوامِ، سَقْباً مُجَلِّلاً فَرَعا
قال: الـهَيْدَبُ من الرجال الجافي الثقيلُ، الكثير الشَّعَر؛ وقيل:
الـهَيْدَبُ الذي عليه أَهْدابٌ تَذَبْذَبُ من بِجادٍ أَو غيره، كأَنها
هَيْدَبٌ من سَحاب.
والـهَيْدَبى: ضَرْبٌ من مَشْي الخَيْل.
والـهُدْبةُ والـهُدَبةُ، الأَخيرَةُ عن كراع: طُوَيئِرٌ أَغْبَرٌ يُشْبِه الهامَة، إِلا أَنه أَصْغَرُ منها. وهُدْبَةُ: اسم رَجُل. وابنُ الـهَيْدَبى: من شُعَراء العرب.
وهَيْدَبٌ: فرسُ عَبْدِ عَمْرو بنِ راشِدٍ.
وهِنْدَبٌ، وهِنْدَبا، وهِنْدَباة: بَقْلَةٌ؛ وقال أَبو زيد: الـهِنْدِبا، بكسر الدال، يمدّ ويقصر.
دوم: دامَ الشيءُ يَدُومُ ويَدامُ؛ قال:
يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا
في الحُبِّ، إن الحُبَّ لن يَدامَا
قال كراع: دامَ يَدُومُ فَعِلَ يَفْعُلُ، وليس بقَوِيٍّ، دَوْماً
ودَواماً ودَيْمومَةً؛ قال أَبو الحسن: في هذه الكلمة نظر، ذهب أهل اللغة في
قولهم دِمْتَ تَدُومُ إلى أنها نادرة كمِتَّ تَموتُ، وفَضِلَ يَفْضُلُ،
وحَضِرَ يَحْضُرُ، وذهب أبو بكر إلى أنها متركبة فقال: دُمْتَ تَدُومُ
كقُلْتَ تَقُولُ، ودِمْتَ تَدامُ كخِفْتَ تَخافُ، ثم تركبت اللغتان فظنّ قوم
أن تَدُومُ على دِمْتَ، وتَدامُ على دُمْتَ، ذهاباً إلى الشذوذ وإيثاراً
له، والوَجْه ما تقدم من أَن تَدامُ على دِمْتَ، وتَدُومُ على دُمْتَ، وما
ذهبوا إليه من تَشْذيذ دِمْتَ تَدومُ أخف مما ذهبوا إليه من تَسَوُّغِ
دُمْتَ تَدامُ، إذ الأُولى ذات نظائر، ولم يُعْرَفْ من هذه الأخيرة إلاَّ
كُدْتَ تَكادُ، وتركيب اللغتين باب واسع كَقَنَطَ يَقْنَطُ ورَكَنَ
يَرْكَنُ، فيحمله جُهَّالُ أهل اللغة على الشذوذ. وأَدامَهُ واسْتَدامَهُ:
تأَنَّى فيه، وقيل: طلب دوَامَهُ، وأَدْومَهُ كذلك. واسْتَدَمْتُ الأمر إذا
تأَنَّيْت فيه؛ وأنشد الجوهري للمَجْنون واسمه قَيسُ بن مُعاذٍ:
وإنِّي على لَيْلى لَزارٍ، وإنَّني،
على ذاكَ فيما بَيْنَنا، مُسْتَدِيمُها
أي منتظر أن تُعْتِبَني بخير؛ قال ابن بري: وأَنشد ابن خالويه في
مُسْتَديم بمعنى مُنْتَظِر:
تَرَى الشُّعراءَ من صَعِقٍ مُصابٍ
بصَكَّتِه، وآخر مُسْتَدِيمِ
وأَنشد أَيضاً:
إذا أَوقَعْتُ صاعِقةً عَلَيْهِمْ،
رأَوْا أُخْرَى تُحَرِّقُ فاسْتَدامُوا
الليث: اسْتِدامَةُ الأَمرِ الأَناةُ؛ وأَنشد لقَيْسِ ابن زُهَيرٍ:
فلا تَعْجَلْ بأَمرِكَ واسْتَدِمْهُ،
فما صَلَّى عَصاكَ كَمُسْتَدِيمِ
وتَصْلِيةُ العصا: إدارتها على النار لتستقيم، واسْتدامتها: التَّأَنِّي
فيها، أي ما أَحْكَمَ أَمْرَها كالتَّأَنِّي. وقال شمر: المُسْتَدِيمُ
المُبالِغُ في الأمر. واسْتَدِمْ ما عند فلان أي انتظره وارْقُبْهُ؛ قال:
ومعنى البيت ما قام بحاجتك مثلُ من يُعْنى بها ويحب قضاءها. وأَدامه
غيرهُ، والمُداومَةُ على الأمر: المواظبة عليه. والدَّيُّومُ: الدائِمُ منه
كما قالوا قَيُّوم.
والدِّيمةُ: مطر يكون مع سكون، وقيل: يكون خمسة أَيَّامٍ أو ستة وقيل:
يوماً وليلة أو أكثر، وقال خالد بن جَنْبَةَ: الدِّيمةُ من المطر الذ لا
رَعْدَ فيه ولا بَرْقَ تَدُومُ يَوْمَها، والجمع دِيَمٌ، غُيِّرَت الواو
في الجمع لتَغَيُّرِها في الواحد. وما زالت السماءُ دَوْماً دَوماً
ودَيْماً دَيْماً، الياء على المعاقبة، أي دائمة المطر؛ وحكى بعضهم: دامَتِ
السماءُ تَدِيمُُ دَيْماً ودَوَّمَتْ وديَّمَتْ؛ وقال ابن جني: هو من الواو
لاجتماع العرب طُرّاً على الدَّوامِ، وهو أَدْوَمُ من كذا، وقال أيضاً:
من التدريج في اللغة قولهم دِيمةٌ ودِيَمٌ، واستمرار القلب في العين إلى
الكسرة قبلها
(* قوله «إلى الكسرة قبلها» هكذا في الأصل)، ثم تجاوزوا ذلك
لما كثر وشاع إلى أن قالوا دَوَّمَتِ السماءُ ودَيَّمَتْ، فأَما
دَوَّمَتْ فعلى القياس، وأما دَيَّمَتْ فلاستمرار القلب في دِيمَةٍ ودِيَمٍ؛
أَنشد أبو زيد:
هو الجَوادُ ابنُ الجَوادِ ابنِ سَبَل،
إنْ دَيَّمُوا جادَ، وإنْ جادُوا وَبَلْ
ويروى: دَوَّمُوا. شمر: يقال دِيمةٌ ودِيْمٌ؛ قال الأَغْلَبُ:
فَوارِسٌ وحَرْشَفٌ كالدِّيْمِ،
لا تَتَأَنَّى حَذَرَ الكُلُومِ
روي عن أبي العَمَيْثَلِ أنه قال: دِيمَة وجمعها دُيومٌ بمعنى
الدِّيمةِ. وأَرض مَدِيمَةٌ ومُدَيَّمَةٌ: أصابتها الدِّيَمُ، وأَصلها الواو؛ قال
ابن سيده: وأَرى الياء معاقبة؛ قال ابن مقبل:
عَقِيلَةُ رَمْلٍ دافعَتْ في حُقوفِهِ
رَخاخَ الثَّرَى، والأُقْحُوانَ المُدَيَّمَا
وسنذكر ذلك في ديم. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، أنها سئلت: هل كان
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يُفَضِّلُ بعض الأَيام على بعض؟ وفي
رواية: أنها ذكرَتْ عَمَل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان عَمَلُهُ
دِيمَةً؛ شبهتْه بالدِّيمَةِ من المطر في الدَّوامِ والاقتصاد. وروي عن
حُذَيْقَة أنه ذكر الفتن فقال: إنها لآتِيَتُكُمْ دِيَماً، يعني أنها
تملأ الأرض مع دَوامٍ؛ وأَنشد:
دِيمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ،
طَبَّقَ الأَرْضَ، تَحَرَّى وتَدُرّ
والمُدامُ: المَطر الدائم؛ عن ابن جني.
والمُدامُ والمُدامَةُ: الخمر، سميت مُدامَةً لأنه ليس شيء تُستطاع
إدامَةُ شربه إلا هي، وقيل: لإدامتها في الدَّنِّ زماناً حتى سكنتْ بعدما
فارَتْ، وقيل: سُمِّيَتْ مُدامَةً إذا كانت لا تَنْزِفُ من كثرتها، فهي
مُدامَةٌ ومُدامٌ، وقيل: سميت مُدامَةً لِعتْقها.
وكل شيء سكن فقد دامَ؛ ومنه قيل للماء الذي يَسْكن فلا يجري: دائِمٌ.
ونهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يُبالَ في الماء الدائم ثم يُتَوضَّأَ
منه، وهو الماء الراكد الساكنُ، من دامَ يَدُومُ إذا طال زمانه. ودامَ
الشيءُ: سكن. وكل شيء سكَّنته فقد أَدَمْتَه. وظلٌّ دَوْمٌ وماء دَوْمٌ:
دائم، وصَفُوهُما بالمصدر.
والدَّأْماءُ: البحر لدَوامِ مائه، وقد قيل: أصله دَوْماء، فإعْلاله على
هذا شاذ. ودامَ البحرُ يَدُومُ: سكن؛ قال أَبو ذؤيب:
فجاء بها ما شِئْتَ من لَطَمِيَّةٍ،
تَدُومُ البحارُ فوقها وتَمُوجُ
ورواه بعضهم: يَدُومُ الفُراتُ، قال: وهذا غلط لأن الدُّرَّ لا يكون في
الماء العذب.
والدَّيْمومُ والدَّيْمومَةُ: الفلاة يَدُومُ السير فيها لبعدها؛ قال
ابن سيده: وقد ذكرت قول أبي عليّ أنها من الدَّوامِ الذي هو السخ
(* قوله:
السخَّ، هكذا في الأصل). والدَّيْمُومةُ: الأرض المستوية التي لا أَعلام
بها ولا طريق ولا ماء ولا أنيس وإن كانت مُكْلِئَةً، وهنَّ الدَّيامِيمُ.
يقال: عَلَوْنا دَيْمومةً بعيدة الغَوْرِ، وعَلَوْنا أرضاً دَيْمومة
مُنكَرةً. وقال أبو عمرو: الدَّيامِيمُ الصَّحاري المُلْسُ المتباعدة
الأَطرافِ.
ودَوَّمَتِ الكلابُ: أمعنت في السير؛ قال ذو الرمة:
حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض راجَعَهُ
كِبْرٌ، ولو شاء نَجّى نفسَه الهَرَبُ
أي أمعنت فيه؛ وقال ابن الأعرابي: أدامَتْهُ، والمعنيان مقتربان؛ قال
ابن بري: قال الأصمعي دَوَّمَتْ خطأٌ منه، لا يكون التَّدْويم إلا في
السماء دون الأرض؛ وقا الأخفش وابن الأعرابي: دَوَّمَتْ أبعدت، وأصله من دامَ
يَدُومُ، والضمير في دَوَّمَ يعود على الكلاب؛ وقال عليُّ بن حمزة: لو
كان التَّدْويمُ لا يكون إلا في السماء لم يجز أَن يقال: به دُوامٌ كما
يقال به دُوارٌ، وما قالوا دُومَةُ الجَنْدَلِ وهي مجتمعة مستديرة. وفي حديث
الجارية المفقودة: فَحَمَلني على خافيةٍ ثم دَوَّمَ بي في السُّكاك أي
أدارني في الجوّ. وفي حديث قُسٍّ والجارُود: قد دَوَّمُوا العمائم أي
أَداروها حول رؤوسهم. وفي التهذيب في بيت ذي الرمة: حتى إذا دَوَّمَتْ، قال
يصف ثوراً وحشيّاً ويريد به الشمس، قال: وكان ينبغي له أن يقول دَوَّتْ
فدَوَّمَتْ استكراه منه. وقال أبو الهيثم: ذكر الأصمعي أن التَّدْويمَ لا
يكون إِلا من الطائر في السماء، وعاب على ذي الرمة موضعه؛ وقد قال رؤبة:
تَيْماء لا يَنْجو بها من دَوَّما،
إذا عَلاها ذو انْقِباضٍ أَجْذَما
أي أَسرع. ودَوَّمَتِ الشمس في كَبِد السماء. ودَوَّمَت الشمس: دارت في
السماء. التهذيب: والشمس لها تَدْويمٌ كأنها تدور، ومنه اشْتُقَّتْ
دُوّامَةُ الصبي التي تدور كدَوَرانها؛ قال ذو الرمة يصف جُنْدَباً:
مُعْرَوْرِياً رَمَضَ الرَّضْراض يَرْكُضُهُ،
والشَّمْسُ حَيْرى لها في الجَوّ تَدْوِيمُ
كأَنها لا تمضي أي قد رَكِبَ حَرَّ الرَّضْراض، والرَّمَضُ: شدة الحر،
مصدر رَمِضَ يَرمَضُ رَمَضاً، ويركُضُهُ: يضربه برجله، وكذا يفعل
الجُندَبُ. قال أبو الهيثم: معنى قوله والشمس حَيْرى تقف الشمس بالهاجِرَةِ على
المَسير مقدار ستين فرسخاً
(* قوله مقدار ستين فرسخاً» عبارة التهذيب
مقدار ما تسير ستين فرسخاً). تدور على مكانها. ويقال: تَحَيَّرَ الماء في
الروضة إذا لم يكن له جهة يمضي فيها فيقول كأنها مُتَحَيِّرَة لدَوَرانها،
قال: والتَّدْويمُ الدَّوَرانُ، قال أبو بكر: الدائم من حروف الأضداد،
يقال للساكن دائم، وللمتحرِّك دائم. والظل الدَّوْمُ: الدائم؛ وأَنشد ابن
بري للَقِيط بن زُرارَةَ في يوم جَبَلَة:
يا قَوْمِ، قدْ أحْرَقْتُموني باللَّوْمْ،
ولم أُقاتِلْ عامِراً قبلَ اليَوْمْ
شَتَّانَ هذا والعِناقُ والنَّوْم،
والمَشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْم
ويروى: في الظل الدَّوْم. ودَوَّمَ الطائر إذا تحرك في طَيَرانــه، وقيل:
دَوَّمَ الطائر إذا سَكَّنَ جناحيه كَــطَيَرَانِ الحِدَإِ والرَّخَم.
ودَوَّمَ الطائرُ واستدامَ: حَلَّقَ في السماء، وقيل: هو أن يُدَوِّمَ في
السماء فلا يحرك جناحيه، وقيل: أن يُدَوِّمَ ويحوم؛ قال الفارسي: وقد
اختلفوا في الفرق بين التَّدوِيمِ والتَّدْوِيَةِ فقال بعضهم: التَّدْويمُ في
السماء، والتَّدْوِيَةُ في الأَرض، وقيل بعكس ذلك، قال: وهو الصحيح، قال
جَوَّاسٌ، وقيل هو لعمرو بن مِخْلاةِ الحمارِ:
بيَوْمٍ ترى الرايات فيه، كأَنها
عَوافي طيورٍ مُسْتَديم وواقِع
ويقال: دَوَّم الطائرُ في السماء إذا جعل يَدُور، ودَوَّى في الأرض، وهو
مثل التَّدْويمِ في السماء. الجوهري: تَدْويمُ الطائر تَحْلِيقُهُ في
طَيَرانِــهِ ليرتفع في السماء، قال: وجعل ذو الرمة التَّدْوِيمَ في الأَرض
بقوله في صفة الثور: حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض (البيت) وأَنكر الأصمعي
ذلك وقال: إنما يقال دَوَّى في الأَرض ودَوَّمَ في السماء، كما قدمنا
ذكره، قال: وكان بعضهم يُصَوِّبُ التَّدْويم في الأرض ويقول: منه اشتقت
الدُّوَّامَةُ، بالضم والتشديد، وهي فَلْكَةٌ يرميها الصبي بخيط فتُدَوِّمُ
على الأرض أي تدور، وغيره يقول: إنما سُمِّيَت الدُّوَّامَةَ من قولهم
دَوَّمْتُ القِدْرَ إذا سكَّنْتَ غليانها بالماء لأنها من سرعة دَورَانها قد
سكنتْ وهَدَأَتْ.
والتَّدْوامُ: مثل التَّدْويمِ؛ وأنشد الأحمر في نعت الخيل:
فَهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائِداتِها،
جُنْحَ النَّواصِي نحْوَ أَلْوِياتها،
كالطير تَبْقي مُتَداوِماتِها
قوله تَبْقي أي تنظر إِليها أنت وتَرْقُبُها، وقوله مُتَداوِمات أي
مُدَوِّمات دائرات عائفات على شيء. وقال بعضهم: تَدْويمُ الكلب إمعانُهُ في
الهَرَبِ، وقد تقدم. ويقال للطائ إذا صَفّ جناحيه في الهواء وسَكَّنهما
فلم يحركهما كما تفعل الحِدَأُ والرَّخَمُ: قد دَوَّمَ الطائر تَدْوِيماً،
وسُمِّي تدويماً لسكونه وتركه الخَفَقان بجناحيه. الليث: التَّدْويمُ
تَحْلِيقُ الطائر في الهواء ودَوَرانه.
ودُوَّامة الغلام، برفع الدال وتشديد الواو: وهي التي تلعب بها الصبيان
فَتُدار، والجمع دُوَّامٌ، وقد دَوَّمْتُها. وقال شمر: دُوَّامةٌ الصبي،
بالفارسية، دوابه وهي التي تلعب بها الصبيان تُلَفُّ بسير أو خيط ثم
تُرْمى على الأرض فتَدور؛ قال المُتَلَمِّسُ في عمرو بن هند:
ألَك السَّدِيرُ وبارِقٌ،
ومَرابِضٌ، ولَكَ الخَوَرْنَقْ،
والقَصْرُ ذو الشُّرُفاتِ من
سِنْدادَ، والنَّخْلُ المُنَبَّقْ،
والقادِسِيَّةُ كلُّها،
والبَدْوُ من عانٍ ومُطْلَقْ؟
وتَظَلُّ، في دُوَّامةِ الـ
ـمولودِ يُظْلَمُها، تَحَرَّقْ
فَلَئِنْ بَقيت، لَتَبْلُغَنْ
أرْماحُنا منك المُخَنَّقْ
ابن الأعرابي: دامَ الشيءُ إذا دار، ودام إذا وقَف، ودام إذا تَعِبَ.
ودَوَّمَتْ عينُه: دارت حدقتها كأنها في فَلْكةٍ، وأَنشد بيت رؤبة:
تَيْماء لا يَنْجُو بها من دَوَّمَا
والدُّوامُ: شبه الدُّوارِ في الرأْس، وقد دِيمَ به وأُدِيمَ إذا أخذه
دُوارٌ. الأَصمعي: أخذه دُوَامٌ في رأْسه مثل الدُّوارِ، وهو دُوارُ
الرأْس. الأَصمعي: دَوّمَتِ الخمر شاربها إذا سكر فدارَ. وفي حديث عائشة: أنها
كانت تَصِفُ من الدُّوامِ سبع تمرات من عَجْوَةٍ في سبع غَدَواتٍ على
الريق؛ الدُّوامُ، بالضم والتخفيف: الدُّوارُ الذي يَعْرِضُ في الرأْس.
ودَوَّمَ المرقةَ إذا أَكثر فيها الإهالة حتى تَدُور فوقها، ومرقة داوِمة
نادر، لأن حق الواو في هذا أن تقلب همزة. ودَوَّمَ الشيء: بَلَّةُ، قال ابن
أحمر:
هذا الثَّناءُ، وأَجْدِرْ أَن أُصاحِبَهُ
وقد يُدَوِّمُ ريقَ الطامِعِ الأَمَلُ
أي يبلُّه؛ قال ابن بري: يقول هذا ثنائي على النُّعْمان ابن بشير،
وأجْدر أن أُصاحبه ولا أُفارقه، وأَملي له يُبْقي ثنائي عليه ويُدَوِّمُ ريقي
في فمي بالثناء عليه. قال الفراء: والتَّدْويمُ أن يَلُوكَ لسانَه لئلا
ييبس ريقُه؛ قال ذو الرُّمَّةِ يصف بعيراً يَهْدِرُ في شِقْشِقتِه:
في ذات شامٍ تَضْرِبُ المُقَلَّدَا،
رَقْشَاءَ تَنْتاخُ اللُّغامَ المُزْبِدَا،
دَوَّمَ فيها رِزُّه وأَرْعَدَا
قال ابن بري: وقوله في ذات شامٍ يعني في شِقْشِقَةٍ، وشامٌ: جمع شامةٍ،
تَضْرب المُقَلَّدَا أي يخرجها حتى تبلغ صفحة عنقه؛ قال: وتَنْتاخُ عندي
مثل قول الراجز:
يَنْباعُ من ذِفْرَى غَضُوبٍ حُرَّةٍ
على إشباع الفتحة، وأَصله تَنْتَخ وتَنْبَعُ، يقال: نَتَخَ الشوكة من
رجله إذا أَخرجها، والمِنْتاخُ: المِنْقاش، وفي شعره تَمْتاخ أي تخرج،
والماتِخُ: الذي يخرج الماء من البئر. ودَوَّمَ الزعفرانَ: دافَهُ؛ قال
الليث: تَدْوِيمُ الزعفران دَوْفُه وإدارَتُه في دَوْفِه؛ وأَنشد:
وهُنَّ يَدُفْنَ الزَّعفران المُدَوَّمَا
وأدامَ القِدْرَ ودَوَّمَها إذا غَلَت فنضحها بالماء البارد ليسكن
غَلَيانها؛ وقيل: كَسَرَ غليانها بشيء وسكَّنَهُ؛ قال:
تَفُورُ علينا قِدْرُهُمْ فنُدِيمُها،
ونَفْثَؤُها عَنَّا إذا حَمْيها غلى
قوله نُدِيمُها: نُسَكِّنها، ونَفْثَؤُها: نكسرها بالماء؛ وقال جرير:
سَعَرْتُ عليكَ الحَربَ تَغلي قُدورُها،
فهَلأَّ غَداةَ الصِّمَّتَيْنِ تُدِيمُها
يقال: أَدام القِدْرَ إذا سكَّن غَلَيانها بأن لا يُوقدَ تحتها ولا
يُنزِلَها، وكذلك دَوَّمَها. ويقال للذي تُسَكَّنُ به القدر: مِدْوامٌ. وقال
اللحياني: الإدامةُ أن تترك القدر على الأثافيِّ بعد الفراغ، لا ينزلها
ولا يوقدها. والمِدْوَمُ والمِدْوامُ: عود أو غيره يُسَكَّنُ به غليانها؛
عن اللحياني.
واسْتَدامَ الرجلُ غريمه: رفَق به، واسْتَدْماهُ كذلك مقلوب منه؛ قال
ابن سيده: وإنما قضينا بأَنه مقلوب لأَنَّا لم نجد له مصدراً؛ واسْتَدْمَى
مَوَدَّته: ترقبها من ذلك، وإن لم يقولوا فيه اسْتَدام؛ قال كُثَيِّرٌ:
وما زِلْتُ أَسْتَدْمِي، وما طَرَّ شارِبي،
وِصالَكِ، حتى ضَرَّ نفسي ضَمِيرُها
قوله وما طَرَّ شارِبي جملة في موضع الحال. وقال ابن كَيْسانَ في باب
كان وأخواتها: أما ما دامَ فما وَقتٌ، تقول: قُمْ ما دام زيدٌ قائماً، تريد
قُمْ مُدَّةَ قيامه؛ وأَنشد:
لَتَقْرَبَنَّ قَرَباً جُلْذِيَّا،
ما دام فيهِنَّ فَصِيل حَيَّا
أي مدَّة حياة فُصْلانها، قال: وأما صار في هذا الباب فإنها على
ضَرْبين: بلوغ في الحال، وبلوغ في المكان، كقولك صار زيد إلى عمرو، وصار زيد
رجلاً، فإذا كانت في الحال فهي مثل كان في بابه، فأَما قولهم ما دام فمعناه
الدَّوامُ لأن ما اسم موصول بدامَ ولا يُسْتَعْمَلُ إلا ظَرْفاً كما
تستعمل المصادر ظروفاً، تقول: لا أَجلس ما دُمْتَ قائماً أي دَوامَ قيامِكَ،
كما تقول: ورَدْتُ مَقْدَمَ الحاجّ.
والدَّوْمُ: شجر المُقْلِ، واحدته دَوْمَةٌ، وقيل: الدَّوْمُ شجر معروف
ثَمَرُهُ المُقْلُ. وفي الحديث: رأَيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو في
ظل دَوْمة؛ قال ابن الأثير: هي وادة الدَّوْمِ وهو ضخام الشجر، وقيل:
شجر المُقْلِ. قال أَبو حنيفة: الدَّوْمَةُ تَعْبُلُ وتَسْمُو ولها خُوصٌ
كخُوصِ النحل وتُخرِجُ أَقْناءً كأَقْناء النخلة. قال: وذكر أبو زياد
الأعرابي أن من العرب من يسمي النَّبْقَ دَوْماً. قال: وقال عُمَارَةُ
الدَّوْمُ العظامُ من السِّدْرِ. وقال ابن الأَعرابي: الدَّوْمُ ضِخام الشجر
ما كان؛ وقال الشاعر:
زَجَرْنَ الهِرَّ تحت ظلال دَوْمٍ،
ونَقَّبْنَ العَوارِضَ بالعُيونِ
وقال طُفَيْلٌ:
أَظُعْنٌ بِصَحْراء الغَبيطَينِ أم نَخْلُ
بَدَتْ لك، أمْ دَومٌ بأَكمامِها حَمْلُ؟
قال ابو منصور: والدَّوْمُ شجر يشبه النخل إلاَّ أنه يُثْمِر المُقْلَ،
وله لِيفٌ وخُوص مثل ليف النخل. ودُومَةُ الجَنْدَلِ: موضع، وفي الصحاح:
حِصْنٌ، بضم الدال، ويسميه أهل الحديث دَوْمَة، بالفتح، وهو خطأٌ، وكذلك
دُوماء الجَنْدَلِ. قال أَبو سعيد الضرير: دَوْمَةُ الجَنْدَلِ في غائط
من الأرض خمسة فراسِخَ، ومن قِبَلِ مغربه عين تَثُجُّ فتسقي ما به من
النخل والزرع، قال: ودَوْمَةُ ضاحِيَةٌ بين غائطها هذا، واسم حصنها مارِدٌ،
وسميت دَوْمَةَ الجَنْدَلِ لأن حصنها مبني بالجندل، قال: والضاحِيةُ من
الضَّحْل ما كان بارزاً من هذا الغَوْطِ والعينِ التي فيه، وهذه العين لا
تسقي الضاحية، وقيل: هو دُومة، بضم الدال، قال ابن الأثير: وقد وردت في
الحديث، وتضم دالها وتفتح، وهي موضع؛ وقول لبيد يصف بنات الدهر:
وأَعْصَفْنَ بالدُّومِيِّ من رأْس حِصْنِهِ،
وأَنْزَلْنَ بالأَسباب ربَّ المُشَقَّرِ
يعني أُكَيْدِر، صاحب دُومَةِ الجَنْدَلِ. وفي حديث قصر الصلاة: وذكر
دَوْمِين؛ قال ابن الأَثير: هي بفتح الدال وكسر الميم، قرية قريبة من
حِمْص.والإدامَةُ: تَنْقيرُ السهم على الإبْهام. ودُوِّمَ السهم: فُتِل
بالأَصابع؛ وأنشد أبو الهيثم للكميت:
فاسْتَلَّ أَهْزَعَ حَنَّاناً يُعَلِّلُهُ،
عند الإدامَةِ، حتى يَرْنُوَ الطَّرِبُ
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: قالت لليَهُود عليكم السامُ الدامُ أَي
الموت الدائم، فحذفت الياء لأجل السام.
ودَوْمانُ: اسم رجل. ودَوْمانُ: اسم قبيلة. ويَدُومُ: جبل؛ قال الراعي:
وفي يَدُومَ، إذا اغْبَرَّتْ مَناكِبُهُ،
وذِرْوة الكَوْر عن مَرْوانَ مُعْتزل
وذو يَدُومَ: نهر من بلاد مُزَيْنَة يدفع بالعقيق؛ قال كُثَيِّرُ
عَزَّةَ:
عَرَفْتُ الدار قد أَقْوَتْ بِرِئْمٍ
إلى لأْيٍ، فمَدْفَعِ ذي يَدُومِ
وأَدام: موضع؛ قال أَبو المُثَلَّمِ:
لقد أُجْرِي لمصْرَعِهِ تَلِيدٌ،
وساقَتْهُ المَنِيَّةُ من أَداما
قال ابن جني: يكون أَفْعَلَ من دامَ يَدُومُ فلا يصرف كما لا يصرف
أَخْزَمُ وأَحمر، وأصله على هذا أدْوَم، قال: وقد يكون من د م ي، وهو مذكور في
موضعه، والله أعلم.
قضض: قَضَّ عليهم الخيلَ يَقُضُّها قَضّاً: أَرْسَلها. وانْقَضَّتْ
عليهم الخيلُ: انْتَشَرَتْ، وقَضَضْناها عليهم فانْقَضَّتْ عليهم؛
وأَنشد:قَضُّوا غِضاباً عليكَ الخيلَ من كَثَب
وانْقَضَّ الطائرُ وتَقَضَّضَ وتَقَضَّى على التحويل: اخْتاتَ وهَوَى في
طَيَرانــه يريد الوقوع، وقيل: هو إِذا هوَى من طيرانــه ليَسْقُط على شيء.
ويقال: انْقَضَّ البازي على الصيْدِ وتَقَضَّضَ إِذا أَسْرَعَ في طيرانــه
مُنْكَدِراً على الصيْدِ، قال: وربما قالوا تَقَضَّى يَتَقَضَّى، وكان في
الأَصل تَقَضَّضَ، ولما اجتمعت ثلاثُ ضادات قلبت إِحداهن ياء كما قالوا
تَمَطَّى وأَصله تَمَطَّط أَي تمدَّد. وفي التنزيل العزيز: ثم ذهَب إِلى
أَهله يَتَمَطَّى؛ وفيه: وقد خابَ من دَسّاها؛ وقال العجاج:
إِذا الكِرامُ ابْتَدَرُوا الباعَ بَدَرْ،
تَقَضِّيَ البازِي إِذا البازِي كَسَرْ
أَي كسَر جَناحَيْه لِشدَّة طَيرانِــه.
وانْقَضَّ الجِدار: تَصَدَّعَ من غير أَن يسقط، وقيل: انْقَضَّ سقَط.
وفي التنزيل العزيز: فوجَدا فيها جِداراً يُريد أَن ينقضّ؛ هكذا عدَّه أَبو
عبيد وغيره ثنائيّاً وجعله أَبو علي ثلاثياً من نقض فهو عنده افْعَلَّ.
وفي التهذيب في قوله تعالى: يُريد أَنْ يَنْقَضَّ؛ أَي يَنْكَسِرَ. يقال:
قَضَضْتُ الشيءَ إِذا دَقَقْتَه، ومنه قيل للحَصى الصِّغار قَضَضٌ.
وانْقَضَّ الجدارُ انْقِضاضاً وانْقاضَ انْقِياضاً إِذا تَصَدَّعَ من غير أَن
يَسْقُط، فإِذا سقَط قيل: تَقَيَّض تَقَيُّضاً.
وفي حديث ابن الزبير وهَدْم الكَعْبةِ: فأَخذَ ابنُ مُطِيعٍ العَتَلَةَ
فَعَتَلَ ناحِيةً من الرُّبْضِ فأَقَضَّه أَي جعله قَضَضاً. والقَضَضُ:
الحصَى الصِّغار جمع قضّة، بالكسر والفتح. وقَضَّ الشيءَ يَقُضُّه قَضّاً:
كسره. وقَضَّ اللُّؤْلؤة يَقُضُّها، بالضم، قَضّاً: ثقَبها؛ ومنه قِضّةُ
العَذْراء إِذا فُرِغَ منها.
واقْتَضَّ المرأَة افْتَرَعَها وهو من ذلك، والاسم القِضَّةُ، بالكسر.
وأَخذ قِضَّتَها أَي عُذْرَتها؛ عن اللحياني. والقِضّةُ، بالكسر: عُذْرة
الجارية. وفي حديث هوازن: فاقْتَضَّ الإِداوةَ أَي فتَح رأْسَها، من
اقْتِضاضِ البِكْر، ويروى بالفاء، وقد تقدم؛ ومنه قولهم: انْقَضَّ الطائر أَي
هَوَى انْقِضاضَ الكَواكِب، قال: ولم يستعملوا منه تَفَعَّلَ إِلا
مُبْدَلاً، قالوا تَقَضَّى. وانْقَضَّ الحائِطُ: وقَع؛ وقال ذو الرمة:
جدا قضّة الآساد وارْتَجَزَتْ له،
بِنَوْءِ السّماكَينِ، الغُيُوثُ الرَّوائحُ
(* قوله «جدا قضة إلخ» وقوله «ويروى حدا قضة إلى قوله الاسد» هكذا فيما
بيدنا من النسخ.)
ويروى حدا قضة الآساد أَي تبع هذا الجداير الأَسد. ويقال: جئته عند قضّة
النجم أَي عند نَوْئِه، ومُطِرْنا بقضّة الأَسَد. والقَضَضُ: الترابُ
يَعْلُو الفِراشَ، قَضَّ يَقَضُّ قَضَضاً، فهو قَضٌّ وقَضِضٌ، وأَقَضَّ:
صار فيه القَضَضُ. قال أَبو حنيفة: قيل لأَعرابي: كيف رأَيت المطر؟ قال: لو
أَلْقَيْتَ بَضْعةً ما قَضَّتْ أَي لم تَتْرَبْ، يعني من كَثْرَةِ
العُشْبِ. واسْتَقَضَّ المكانُ: أَقَضَّ عليه، ومكانٌ قَضٌّ وأَرض قَضَّةٌ:
ذاتُ حَصىً؛ وأَنشد:
تُثِيرُ الدَّواجِنَ في قَضَّة
عِراقِيّة وسطها للفَدُورْ
وقضَّ الطعامُ يَقَضُّ قَضَضاً، فهو قَضِضٌ، وأَقَضَّ إِذا كان فيه
حَصىً أَو تراب فوَقع بين أَضراسِ الآكِل. ابن الأَعرابي: قَضَّ اللحمُ إِذا
كان فيه قَضَضٌ يَقَعُ في أَضْراسِ آكِلِه شِبْه الحصَى الصِّغار. ويقال:
اتَّقِ القِضَّةَ والقَضَّةَ والقَضَضَ في طَعامِك؛ يريد الحصى والتراب.
وقد قَضِضْت الطعام قَضَضاً إِذا أَكلْتَ منه فوقع بين أَضْراسِكَ
حَصىً. وأَرض قِضّةٌ وقَضَّة: كثيرة الحجارة والتراب. وطعامٌ قَضٌّ ولحم قَضٌّ
إِذا وقع في حصى أَو تراب فوُجِد ذلك في طَعْمِه؛ قال:
وأَنتم أَكلتم لحمه تراباً قَضّا
والفعلُ كالفعل والمصدر كالمصدر. والقِضّة والقَضّةُ: الحصى الصغار:
والقِضّة والقَضّة أَيضاً: أَرض ذاتُ حَصى؛ قال الراجز يصف دلواً:
قد وَقَعَتْ في قِضّةٍ مِن شَرْجِ،
ثم اسْتَقَلَّتْ مِثْلَ شِدْقِ العِلْجِ
وأَقَضَّتِ البَضْعةُ بالتُّراب وقَضَّتْ: أَصابَها منه شيء. وقال
أَعرابي يصف خِصْباً مَلأَ الأَرض عُشْباً: فالأَرضُ اليومَ لو تُقْذَفُ بها
بَضْعةٌ لم تَقَضَّ بتُرْب أَي لم تَقَع إِلا على عشب. وكلُّ ما نالَه
ترابٌ من طعام أَو ثوب أَو غيرهما قَضٌّ.
ودِرْعٌ قَضَّاء: خَشِنةُ المَسّ من جِدَّتِها لم تَنْسَحِقْ بَعْدُ،
مشتق من ذلك؛ وقال أَبو عمرو: هي التي فُرِغَ من عَمَلِها وأُحْكِمَ وقد
قَضَيْتُها؛ قال النابغة:
ونَسْجُ سُلَيْمٍ كلّ قَضَّاء ذائل
قال بعضهم: هو مشتق من قَضَيْتُها أَي أَحكمتُها، قال ابن سيده: وهذا
خطأٌ في التصريف لأَنه لو كان كذلك لقال قَضْياء؛ وأَنشد أَبو عمرو بيت
الهذلي:
وتَعاوَرا مَسْرُودَتَيْن قَضاهُما
داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
قال الأَزهري: جعل أَبو عمرو القَضَّاء فَعّالاً من قَضى أَي حكَمٍ
وفَرغَ، قال: والقَضَّاء فَعْلاء غير منصرف. وقال شمر: القَضَّاء من
الدُّرُوع الحَدِيثةُ العَهْدِ بالجِدّةِ الخَشِنةُ المَسِّ من قولك أَقَضَّ عليه
الفِراشُ؛ وقال ابن السكيت في قوله:
كلّ قَضَّاء ذائل
كلُّ دِرْع حديثة العمل. قال: ويقال القضَّاء الصُّلْبةُ التي امْلاس في
مَجَسَّتها قضة
(* قوله «ويقال القضاء إلخ» كذا بالأصل وشرح القاموس».).
وقال ابن السكيت: القَضَّاء المَسْمُورةُ من قولهم قض الجَوْهرة إِذا
ثَقَبَها؛ وأَنشد:
كأَنَّ حصاناً، قَضَّها القَيْنُ، حُرَّةٌ،
لدى حيْثُ يُلْقى بالفِناء حَصِيرُها
شَبَّهها على حَصِيرها، وهو بِساطُها، بدُرّة في صَدَفٍ قَضَّها أَي
قَضَّ القينُ عنها صدَفها فاستخرجها، ومنه قِضَّةُ العَذْراء. وقَضَّ عليه
المَضْجَعُ وأَقَضَّ: نَبا؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
أَمْ ما لِجَنْبِكَ لا يُلائِمُ مَضْجَعاً،
إِلا أَقَضَّ عليكَ ذَاكَ المَضْجَعُ
وأَقَضَّ عليه المَضْجَعُ أَي تَتَرَّبَ وخَشُنَ. وأَقضَّ اللّهُ عليه
المضجعَ، يتعدَّى ولا يتعدَّى. واستَقَضَّ مضجَعُه أَي وجدَه خَشِناً.
ويقال: قَضَّ وأَقَضَّ إِذا لم ينَمْ نَوْمةً وكان في مضجَعِه خُشْنةٌ.
وأَقَضَّ على فلان مضجَعُه إِذا لم يَطْمَئِنَّ به النومُ. وأَقَضَّ الرجلُ:
تَتَبَّع مَداقَّ الأُمور والمَطامعَ الدَّنِيئةَ وأَسَفَّ على خِساسِها؛
قال:
ما كُنْتَ مِنْ تَكَرُّمِ الأَعْراضِ
والخُلُقِ العَفّ عن الإِقْضاضِ
وجاؤوا قَضَّهم بقَضِيضِهم أَي بأَجْمَعهم؛ وأَنشد سيبويه للشماخ:
أَتَتْني سُلَيْمٌ قَضَّها بِقَضِيضِها،
تُمَسِّحُ حَوْلي بالبَقِيعِ سِبالَها
وكذلك: جاؤوا قَضَّهم وقَضِيضَهم أَي بجمْعهم، لم يدَعُوا وراءهم شيئاً
ولا أَحَداً، وهو اسم منصوب موضوع موضع المصدر كأَنه قال جاؤوا
انْقِضاضاً؛ قال سيبويه: كأَنه يقول انْقَضَّ آخِرُهم على أَوَّلهم وهو من
المَصادِر الموْضُوعةِ موضِع الأَحْوالِ، ومن العرب من يُعْرِبه ويُجريه على ما
قبله، وفي الصحاح: ويُجْرِيه مُجْرى كلِّهم. وجاء القومُ بقَضِّهم
وقَضِيضِهم؛ عن ثعلب وأَبي عبيد. وحكى أَبو عبيد في الحديث: يؤْتى بقَضِّها
وقِضِّها وقَضِيضِها، وحكى كراع: أَتَوْني قَضُّهم بقَضِيضِهم ورأَيتهم
قَضَّهم بقَضِيضِهم ومررت بهم قَضَّهم وقَضِيضِهم. أَبو طالب: قولهم جاء
بالقَضِّ والقَضِيض، فالقَضُّ الحَصى، والقَضِيضُ ما تكسَّر منه ودَقَّ. وقال
أَبو الهيثم: القَضُّ الحصى والقَضِيضُ جمع مثلُ كَلْب وكَليب؛ وقال
الأَصمعي في قوله:
جاءتْ فَزارةُ قَضُّها بقَضِيضِها
لم أَسمعهم يُنْشدون قَضُّها إِلا بالرفع؛ قال ابن بري: شاهد قوله جاؤوا
قضَّهم بقضيضهم أَي بأَجمعهم قولُ أَوْس بن حَجَر:
وجاءتْ جِحاشٌ قَضَّها بقَضِيضِها،
بأَكثَر ما كانوا عَدِيداً وأَوْكَعُوا
(* قوله «وأَوكعوا» في شرح القاموس: أي سمنوا ابلهم وقووها ليغيروا
علينا.)
وفي الحديث: يُؤْتى بالدنيا بقَضَّها وقَضِيضِها أَي بكل ما فيها، من
قولهم جاؤوا بقَضِّهم وقَضِيضِهم إِذا جاؤوا مجتمعين يَنْقَضُّ آخِرُهم على
أَوَّلهم من قولهم قَضَضْنا عليهم الخيلَ ونحن نقُضُّها قَضّاً. قال ابن
الأَثير: وتلخيصه أَن القَضَّ وُضِع موضع القاضِّ كزَوْرٍ وصَوْمٍ بمعنى
زائر وصائم، والقَضِيض موضعَ المَقْضُوضِ لأَن الأَوّل لتقدمه وحمله
الآخِر على اللِّحاق به كأَنه يقُضُّه على نفسه، فحقيقتُه جاؤوا
بمُسْتَلْحَقِهم ولاحقِهِم أَي بأَوّلِهم وآخِرهم. قال: وأَلْخَصُ من هذا كلّه قولُ
ابن الأَعرابي إِنَّ القَضِّ الحصى الكِبارُ، والقَضِيض الحصى الصِّغارُ،
أَي جاؤوا بالكبير والصغير. ومنه الحديث: دخلت الجنةَ أُمّةٌ بقَضِّها
وقَضِيضِها. وفي حديث أَبي الدحداح: وارْتَحِلي بالقَضِّ والأَوْلادِ أَي
بالأَتْباع ومَن يَتَّصِلُ بكِ. وفي حديث صَفْوانَ بن مُحْرِز: كان إِذا
قرأَ هذه الآية: وسَيعْلَمُ الذين ظلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون،
بكى حتى يُرى لقدِ انْقدّ
(* قوله «انقد» كذا بالنهاية أَيضاً، وبهامش
نسخة منها: اندق أي بدل انقد وهو الموجود في مادة قصص منها.) قَضِيضُ
زَوْرِه؛ هكذا رُوي، قال القتيبي: هو عندي خطأ من بعض النقَلةِ وأَراه قَصَص
زَوْرِه، وهو وسَطُ صَدْرِه، وقد تقدم؛ قال: ويحتمل إنْ صحت الرواية أَن
يُراد بالقَضِيضِ صِغارُ العِظام تشبيهاً بصِغارِ الحَصى.
وفي الحديث: لو أَنَّ أَحدَكم انْقَضَّ مما صُنِعَ بابن عَفَّانَ
لَحَقَّ له أَن يَنْفَضَّ؛ قال شمر: أَي يتقطَّع، وقد روي بالقاف يكاد
يَنْقَضُّ.
الليث: القضَّةُ أَرْضٌ مُنْخَفِضةٌ ترابها رَمْل وإِلى جانِبِها متن
مُرْتَفِعٌ، وجمعها القِضُونَ
(* قوله «القضون» كذا بالأَصل، والذي في شرح
القاموس عن الليث: وجمعها القضض ا هـ. يعني بكسر ففتح كما هو مشهور في
فعل جمع فعلة.) ؛ وقول أَبي النجم:
بلْ مَنْهل ناءٍ عن الغياضِ،
هامي العَشِيّ، مُشْرِف القَضْقاضِ
(* قوله «هامي» بالميم وفي شرح القاموس بالباء.)
قيل: القِضْقاضُ والقَضْقاضُ ما اسْتَوى من الأَرض؛ يقول: يسْتَبينُ
القِضْقاضُ في رأْي العين مُشْرِفاً لبعده. والقَضِيضُ: صوت تسمعه من
النِّسْعِ والوتَر عند الإِنْباضِ كأَنه قُطِعَ، وقد قَضَّ يَقِضُّ قَضِيضاً.
والقِضاضُ: صَخْر يركَب بعضُه بعضاً كالرِّضام؛ وقال شمر: القضّانةُ الجبل
يكون أَطباقاً؛ وأَنشد:
كأَنَّما قَرْعُ أَلْحِيها، إِذا وَجَفَتْ،
قَرْعُ المَعاوِلِ في قضَّانة قلَع
قال: القَلَعُ المُشْرِفُ منه كالقَلَعة، قال الأَزهري: كأَنه من
قَضَضْتُ الشيءَ أَي دَقَقْتُه، وهو فُعْلانة
(* قوله «فعلانة» ضبط في الأَصل
بضم الفاء، ومنه يعلم ضم قاف قضانة، واستدركه شارح القاموس عليه ولم يتعرض
لضبطه.) منه. وفي نوادر الأَعراب: القِضّةُ الوَسْمُ؛ قال الراجز:
مَعْروفة قِضَّتها رُعْن الهامْ
والقَضّةُ، بفتح القاف: الفَضَّةُ وهي الحجارة المُجْتَمِعةُ
المُتَشَقِّقةُ.
والقَضْقَضَة: كسْرُ العِظام والأَعْضاء. وقَضْقَضَ الشيءَ
فَتَقَضْقَضَ: كسَّره فتكسَّر ودقَّه. والقَضْقَضَةُ: صوتُ كسْرِ العظام. وقَضَضْتُ
السويقَ وأَقْضَضْتُه إِذا أَلقيتَ فيه سكَّراً يابساً. وأَسد قَضْقاضٌ
وقُضاقِضٌ: يحْطِم كلّ شيءٍ ويُقَضْقِضُ فَرِيسَتَه؛ قال رؤْبة بن
العجاج:كمْ جاوَزَتْ من حَيَّةٍ نَضْناضِ،
وأَسَدٍ في غِيلِه قَضْقاضِ
وفي حديث مانِع الزكاة: يُمَثَّلُ له كَنْزُه شُجاعاً فيُلْقِمُه يدَه
فيُقَضْقِضُها أَي يُكَسِّرُها. وفي حديث صَفِيَّةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِب:
فأَطَلَّ علينا يَهُودِيٌّ فقمت إِليه فضرَبْتُ رأْسَه بالسيف ثم رميت
به عليهم فتَقَضْقَضُوا أَي انْكَسَرُوا وتفرَّقُوا. شمر: يقال قَضْقَضْتُ
جنبه من صُلْبِه أَي قَطَعْتُه، والذئبُ يُقَضْقِضُ العِظام؛ قال أَبو
زيد:
قَضْقَضَ بالتَّأْبِينِ قُلَّةَ رأْسِه،
ودَقَّ صَلِيفَ العُنْقِ، والعُنْقُ أَصْعَرُ
وفي الحديث: أَنَّ بعضهم قال: لو أَن رجلاً انْفَضَّ انْفِضاضاً مما
صُنِعَ بابن عَفَّان لَحَقَّ له أَن يَنْفَضَّ؛ قال شمر: ينفض، بالفاء، يريد
يَتَقَطَّع. وقد انْقَضَّتْ أَوْصالُه إِذا تفرَّقَت وتقطَّعَت. قال:
ويقال قَضَّ فا الأَبْعَدِ وفَضَّه؛ والفَضُّ: أَن يَكْسِر أَسنانَه؛ قال:
ويُرْوى بيتُ الكُمَيْت:
يَقُضُّ أُصولَ النخلِ من نَخَواتِه
بالفاء والقاف أَي يقْطَعُ ويرْمي به.
والقَضَّاء من الإِبل: ما بين الثلاثين إِلى الأَربعين. والقَضَّاء من
الناس: الجِلَّةُ وإِن كان لا حسَب لهم بعد أَن يكونوا جِلَّةً في
أَبْدانٍ وأَسنان. ابن بري: والقَضَّاء من الإِبل ليس من هذا الباب لأَنها من
قضى يَقْضي أَي يُقْضى بها الحُقوقُ. والقَضَّاء من الناس: الجِلَّةُ في
أَسنانهم.
الأَزهري: القِضَةُ، بتخفيف الضاد، ليست من حدّ المُضاعَف وهي شجرة من
شجر الحَمْضُ معروفة، وروي عن ابن السكيت قال: القضة نبت يُجْمع القِضِينَ
والقِضُونَ، قال: وإِذا جمعته على مثل البُرى قلت القِضى؛ وأَنشد:
بِساقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِينَ تَحُشُّه
بأَعْوادِ رَنْدٍ، أَو أَلاوِيةً شُقْرا
قال: وأَما الأَرضُ التي ترابُها رمل فهي قِضَّةٌ، بتشديد الضاد، وجمعها
قِضَّاتٌ.
قال: وأَما القَضْقاضُ فهو من شجر الحَمْضِ أَيضاً، ويقال: إِنه
أُشْنانُ أَهل الشام.
ابن دريد: قِضَّةُ موضع معروف كانت فيه وَقْعة بين بَكْر وتَغْلِب سمي
يوم قِضَّة، شَدَّد الضادَ فيه.
أَبو زيد: قِضْ، خفيفةً، حكايةُ صوتِ الرُّكْبة إِذا صاتَتْ، يقال: قالت
رُكْبَته قِضْ؛ وأَنشد:
وقَوْل رُكْبَتِها قِضْ حين تَثْنِيها
هفف: الهَفِيف: سُرْعة السير. هَفَّ يَهِفُّ هَفِيفاً: أَسرع في السير؛
قال ذو الرمة:
إذا ما نعَسْنا نَعْسةً قُلْتُ غَنِّنا
بَخَرْقاء، وارْفَعْ من هَفِيف الرَّواحِل
وهَفَّت هافَّةٌ من الناس أَي طَرأَت عن جَدْب. وغيمٌ هِفٌّ: لا ماء
فيه. والهِفُّ، بالكسر: السحاب الرقيق لا ماء فيه؛ قال ابن بري: ومنه قول
أُميّة:
وشَوَّذتْ شَمْسُهم، إذا طَلَعَتْ
بالجُلْب، هِفّاً كأَنه كَتَمُ
(*
قوله «بالجلب» بالجيم هو الصواب وقد تقدم في شوذ بالخاء المعجمة في
البيت وتفسيره وهو خطأ. راجع مادتي جلب وخلب.)
شوَّذت: ارتفعت، أَراد أَن الشمس طلعت في قُتْمة فكأَنما عَمَّمَتْها.
وفي حديث أَبي ذر، رضي اللّه عنه: واللّه ما في بيتك هُفَّة ولا سُفّة؛
الهُفَّة: السحاب لا ماء فيه، والسُّفّة: ما يُنْسَج من الخوص كالزَّبيل،
أَي لا مَشروب في بيتك ولا مأْكول. وشُهْدة هِفُّ: لا عسَل فيها. وفي
التهذيب: شُهدة هِفّة. وعسل هفٌّ: رقيق؛ قال ساعدة:
لتَكَشَّفَتْ عن ذِي مُتُونٍ نَيِّرٍ،
كالرَّيْطِ لا هِفٍّ، ولا هو مُخْرَبُ
مُخْرَبٌ: تُرك لم يُعَسَّلْ فيه. وقال أَبو حنيفة: الهف، بغير هاء،
الشهدة الرقيقة الخفيفة القليلة العسل. قال يعقوب: يقال شُهدة هِفٌّ ليس
فيها عسل، فوصف به.
والهَفَّاف: البرّاق. وجاءنا على هَفّانِ ذاك أَي وقته وحِينه.
وثوب هَفّاف وهَفْهاف: يَخِفُّ مع الريح، وفي الصحاح: أَي رقيق شَفّاف.
وريح هَفّافة وهفهافة: سريعة المَرّ. وهَفَّت تَهِفُّ هَفّاً وهَفِيفاً
إذا سمعت صوت هُبوبها. وفي حديث علي، كرم اللّه وجهه، في تفسير
السَّكِينة: هي ريح هَفّافة أَي سريعة المُرور في هُبوبها. والريحُ الهَفّافة:
الساكنة الطَّيِّبةُ. الأَزهري في حديث علي، رضي اللّه عنه، أنه قال في تفسير
قوله تعالى: أَن يأَتِيَكم التابوتُ فيه سَكِينة من ربكم، قال: لها وجه
كوجه الإنسان، وهي بعدَ ريح أَحمر. ورجل هَفّاف القميص إذا نُعِت
بالخِفّة؛ وقال ذو الرمة في الغازنته
(* قوله «الغازنته» كذا في الأصل.):
وأَبْيَضَ هَفّافِ القَمِيصِ أَخَذْتُه،
فجئْتُ به للقَوم مُغْتَصباً قَسْرا
أَراد بالأَبيض قَلْباً عليه شحم أَبيض، وقَمِيص القلب: غِشاؤه من
الشحم، وجعله هفّافاً لرقَّته؛ وأَما قول ابن أَحمر:
كبَيْضةِ أُدْحِيٍّ بوَعْثِ خَميلةٍ،
يُهَفْهِفُها هَيْقٌ بجُؤْشُوشِه صَعْلُ
فمعنى يُهفْهفها أَي يُحرِّكها ويَدْفَعها لتُفْرِخ عن الرَّأْل.
والهَفْهافان: الجَناحان لخِفَّتِهما؛ قال ابن أَحمر يصف ظَليماً
وبيضَه:يَبِيت يَحُفُّهن بقَفْقَفَيْهِ،
ويَلْحَفُهُنّ هَفْهافاً ثَخِينا
أَي يُلْبِسُهن جَناحاً، وجعله ثخيناً لتراكب الرِّيش. وظِلٌّ هَفْهَفٌ:
بارد تَهِفّ فيه الريح؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
أَبطَحَ حَيَّاشاً وظِلاًّ هَفْهَفا
وغُرْفة هَفّافة وهَفْهافة: مُظِلّة باردة. ويقال للجارية الهَيْفاء:
مُهَفَّفةٌ ومُهَفْهَفةٌ وهي الخَمِيصةُ البطنِ الدقيقة الخَصْر، ورجل
هَفْهاف ومُهَفْهَف كذلك؛ وأَنشد:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاء غيرُ مُفاضةٍ
وامرأَة مُهَفْهَفة لأَي ضامرة البطن. ابن الأَعرابي: هَفْهَفَ الرَّجل
إذا مُشِقَ بدنه فصار كأَنه غُصْن يَميد مَلاحة. والهِفُّ: الزرْع الذي
يؤخّر حَصاده فيَنْتَثِر حبه والهَفّاف: الخفيف، وقد هَفَّ هَفِيفاً. وريش
هَفّاف.
واليَهْفُوف: الجَبان. ابن سيده: اليَهْفُوف الحديدُ القلب، وزاد غيره
من الرجال، وهو أَيضاً الأَحمق. واليَهْفُوف: القَفْر من الأَرض. ابن بري:
أَبو عمرو اليَهْفُوف: القلب الحديد؛ وأَنشد:
طائره حدا بقَلْبٍ يَهْفُوف
ورجل هِفٌّ: خفيفٌ. وفي حديث الحسن وذكَر الحَجاج: هل كان إلاَّ حماراً
هِفّاً؟ أَي طيّاشاً خفيفاً. وفي حديث كعب: كانت الأَرضُ هِفّاً على
الماء أَي قَلِقةً لا تَستقِرُّ، من قولهم رجل هِفٌّ أَي خفيف. وفي النوادر:
تقول العرب: ما أَحسَنَ هِفّة الورَق ورِقَّته، وهي إبْرِدَتُه. وظِلٌّ
هَفْهافٌ: بارد، والظلُّ الهَفّافُ.
وزُقاقُ الهَفّةِ: موضع من البَطِيحة كثير القَصْباء فيه مُخْتَرَق
للسُّفُن.
والهِفُّ، بالكسر: جنس من السمك صغار. ابن الأَعرابي: الهِفُّ
الهازِبَى، مقصور، وهو السمك، واحدته هُفَّة. وقال عُمارة: يقال للهفّ الحُساسُ،
قال: والهازِبى جنس من السمك معروف. وفي بعض الحديث: كان بعضُ العُبّادِ
يُفْطِر كل ليلة على هِفّة يَشْوِيها؛ هو بالكسر والفتح، نوع من السمك،
وقيل: هو الدُّعْمُوص وهي دُويبة تكون في مُسْتَنْقَع الماء.
كتف: الكَتِفُ والكِتْفُ مثل كَذِبٍ وكِذْبٍ: عظم عريض خلف المَنْكِب،
أُنثى وهي تكون للناس وغيرهم. وفي الحديث: ائتُوني بكَتِف ودَواة أَكْتُب
لكم كتاباً، قال: الكتف عظم عريض يكون في أَصل كتف الحيوان من الناس
والدوابّ كانوا يكتُبون فيه لقِلة القَراطِيس عندهم. وفي حديث أَبي هريرة،
رضي اللّه عنه: ما لي أَراكم عنها مُعْرِضين؟ واللّه لأَرْمِيَنَّها بين
أَكتافكم يروى بالتاء والنون، فمعنى التاء أَنها كانت على ظهورهم وبين
أَكتافهم لا يقدِرون أَن يُعْرِضوا عنها لأَنهم حاملوها فهي معهم لا
تُفارِقهم، ومعنى النون أَنه يرميها في أَفْنِيتهم ونواحِيهم فكلما مروا فيها
رأَوها فلا يَقْدِرون أَن يَنْسَوْها. والكَتِفُ من الإبل والخيل والبغال
والحمير وغيرها: ما فوق العَضُد، وقيل: الكتفان أَعلى اليدين، والجمع
أَكتاف؛ سيبويه: لم يجاوزوا به هذا البناء، وحكى اللحياني في جمعه كِتَفةً.
والأَكْتف من الرجال: الذي يشتكي كتفه. ورجل أَكتف بيّنُ الكَتَفِ أَي
عريض الكَتِف، وفي المحكم: عظيم الكتف. ورجل أَكتف: عظيم الكتف كما يقال
أَرْأَسُ وأَعْنَقُ، وما كان أَكْتَفَ ولقد كَتِف كَتَفاً: عظُمت كَتِفُه.
وإني لأَعلم من أَين تؤكل الكَتِفُ؛ تضربه كل شيء علمته. والكُتاف: وجع في
الكتِف. وقال اللحياني: بالدابة كُتافٌ شديد أَي داء في ذلك الموضع.
والكَتَفُ: عَيْب يكون في الكَتِف. والكتَف: انْفِراجٌ في أَعالي كتف
الإنسان وغيره مما يلي الكاهِل، وقيل: الكَتَفُ في الخيل انفراج أَعالي
الكَتِفَين من غَراضِيفها مما يلي الكاهل، وهو من العيوب التي تكون خِلْقة.
أَبو عبيدة: فرس أَكتف وهو الذي في فُروع كَتِفيه انفراج في غراضيفها مما
يلي الكاهل. الجوهري: الأَكْتَفُ من الخيل الذي في أَعالي غَراضِيف
كتفيه انفراج. والكَتَفُ، بالتحريك: نقصان في الكتف، وقيل: هو ظَلَع يأْخذ من
وجع الكَتِفِ، كَتِفَ كَتَفاً وهو أَكْتَف. وكَتِفَ البعير كتَفاً وهو
أَكتفُ إذا اشتكى كَتِفه وظَلع منها. اللحياني: بالبعير كتَفٌ شديد إذا
اشتكى كَتِفه. يقال جمل أَكتَف وناقة كَتْفاء. وكَتفه يَكْتِفه كتْفاً:
أَصاب كَتِفه أَو ضربه عليها. والكَتَف: مصدر الأَكْتف وهو الذي انضمت
كَتِفاه على وسط كاهله خِلْقة قبيحة. وكتَفَت الخيلُ تَكْتِف كتْفاً وكَتَّفَت
وتكَتَّفَت: ارتفعت فُروع أَكتافها في المشي، وعُرِضَت على ابن
أُقَيْصِرٍ أَحد بني أَسد بن خزيمة خيل فأَوْمأَ إلى بعضها وقال: تجيء هذه سابقة،
فسأَلوه: ما الذي رأَيت فيها؟ فقال: رأَيتها مشت فكتَفتْ، وخبَّت
فوجَفَت، وعدَت فنَسَفَت فجاءت سابقة. والكَتِفان: اسم فرس من ذلك؛ قالت بنت
مالك ابن زيد ترثيه:
إذا سَجَعَتْ، بالرَّقْمَتَيْنِ، حَمامةٌ،
أَو الرَّسِّ تَبْكي فارِسَ الكَتِفانِ
وكتَفتِ المرأَة تَكتِف: مشت فحرَّكت كتفيها. قال الأَزهري: وقولهم مشت
فكتَفَت أَي حركت كتِفيْها يعني الفرس.
والكِتافُ: مصدرُ المِكْتاف من الدوابّ، والمِكْتاف من الدوابّ: الذي
يَعقِر السرجُ كتفَه، والاسم الكِتاف، والكَتَّافُ: الذي ينظر في الأَكتاف
فيُكَهِّنُ فيها.
والكَتْف: المشي الرُّوَيْد؛ قال الأَعشى:
فأَفْحَمْته حتى اسْتَكان كأَنَّه
قريحُ سِلاح، يَكتِف المشي، فاترُ
أَنشده ابن بري. ابن سيده: كتَف يَكْتِف كَتْفاً وكَتِيفاً مشى مَشْياً
رُوَيْداً؛ قال لبيد:
وسُقْت رَبيعاً بالقَناة كأَنه
قريح سلاح، يكتف المشي، فاتر
والكُتْفان والكِتْفان: الجراد بعد الغَوْغاء، وقيل: هو كُتْفان
وكِتْفان إذا بدا حَجْم أَجنحته ورأَيت موضعَه شاخِصاً، وإن مسَسْتَه وجدت
حَجْمه، واحدته كتفانة، وقيل: واحده كاتِف والأُنثى كاتفة. أَبو عبيدة: يكون
الجراد بعد الغوفاء كتفاناً؛ قال أَبو منصور: سماعي من العرب في الكتفان
من الجراد التي ظهرت أَجنحتها ولمّا تَطِرْ بعد، فهي تَنْقُزُ في الأَرض
نَقَزاناً مثل المَكْتُوف الذي لا يَستعين بيديه إذا مشى. ويقال للشيء إذا
كثر: مثلُ الدَّبى والكُِتفان. والغَوْغاء من الجراد: ما قد طار ونبتت
أَجنحته. الأَصمعي: إذا استبان حجم أَجنحة الجراد فهو كتفان، وإذا احمرّ
الجراد فانسلخ من الأَلوان كلها فهي الغَوْغاء. الجوهري: الكُتفان الجراد
أَوّل ما يطير منه، ويقال: هي الجراد بعد الغوغاء أَولها السِّرْو ثم
الدَّبى ثم الغوغاء ثم الكتفان؛ قال ابن بري: وقد يثقل في الشعر؛ قال صخر
أَخو الخَنْساء:
وحَيّ حريد قد صَبَحْتُ بِغارةٍ،
كرِجْل الجَرادِ أَو دَبًى كُتُفانِ
والكَتْفُ والكَتَفانُ: ضرب من الــطيَران كأَنه يردّ جناحيه ويضمهما إلى
ما وراءه.
والكَتْفُ: شدّك اليدين من خلف. وكتَف الرجلَ يَكْتِفه كتْفاً وكتّفه:
شدَّ يديه من خلفه بالكِتاف. والكِتافُ: ما شُدَّ به؛ قالت بعض نساء
الأَعراب تصف سحاباً:
أَناخَ بذي بَقَرٍ بَرْكَه،
كأَنَّ على عضُدَيْه كِتافا
وجاء به في كِتاف أَي في وِثاق. والكِتافُ: الحَبل الذي يُكتف به
الإنسان. وفي الحديث: الذي يصلّي وقد عقَص شعره كالذي يصلّي وهو مكْتوف؛ هو
الذي شدّت يداه من خلفه يشبه به الذي يَعْقِد شعره من خلفه. والكِتافُ: وثاق
في الرحْل والقَتَب وهو إسارُ عُودين أَو حِنْوين يُشدّ أَحدهما إلى
الآخر. والكتْف: أَن يشدَّ حِنْوا الرَّحل أَحدهما على الآخر.
وكتّف اللحم تَكْتِيفاً: قطَّعه صغاراً، وكذلك الثوب، وكتَّفه بالسيف
كذلك.
الجوهري: والكَتِيفةُ ضبَّة الباب وهي حديدة عريضة. ابن سيده:
والكَتِيفُ والكَتيفة حديدة عريضة طويلة وربما كانت كأَنها صحيفة، وقيل: الكتيف
الضبة؛ قال الأَعشى:
بيْنما المَرْء كالرُّديْني ذي الجُبْـ
ـبَةِ سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ
أَو كَقِدْحِ النُّضار لاَّمَه القَيـ
ـن، ودانى صُدوعه بالكتيفِ
رَدَّه دَهْرُه المُضَلَّل، حتى
عادَ من بعدِ مَشْيِه للدَّلِيفِ
قوله بالكتِيف يعني كتائفَ رِقاقاً من الشَبه؛ وقيل: الكتِيفة الضبَّة،
وقيل: الضبة من الحديد، وجمعها كتِيف وكُتُفٌ. وكَتف الإناء يكْتِفُه
كتْفاً وكتَّفه: لأَمَه بالكتِيف؛ قال جرير:
ويُنْكِرُ كفَّيْه الحُسامُ وحَدُّه،
ويَعْرِفُ كفَّيْه الإناءُ المُكَتَّفُ
شمر: ويقال للسيف الصفيح كَتِيف؛ قال أَبو دُواد:
فَوَدِدْتُ لو أَني لَقِيتُك خالِياً،
أَمْشِي، بكَفِّي صَعْدَةٌ وكَتِيفُ
أَراد سيفاً صَفِيحاً فسماه كَتِيفاً. قال خالد بن جَنْبَة: كَتِيفةُ
الرحْل واحدة الكتائف، وهي حديدة يُكْتَفُ بها الرحْل. وقال ابن الأَعرابي:
أُخذ المَكْتوف من هذا لأَنه جَمع يديه. والكتيفة: كلْبَة الحدَّاد.
والكَتِيفةُ: السَّخِيمةُ والحِقْد والعداوة وتجمع على الكتائف؛ قال
القطامي:أَخُوك الذي لا يَمْلِكُ الحِسَّ نفسُه،
وتَرْفضُّ عند المُخْطِفاتِ الكتائفُ
ويروى المُحْفِظات. وكِتافُ القَوْس: ما بين الطائف والسِّيةِ، والجمع
أَكْتِفةٌ وكُتُفٌ.