برهَان التطبيق: من أشهر براهين إبِْطَال التسلسل. وَهُوَ أَن يفْرض من الْمَعْلُول الْأَخير أَو من الْعلَّة الأولى إِلَى غير النِّهَايَة جملَة وَمِمَّا قبله بِوَاحِد مثلا إِلَى غير النِّهَايَة جملَة أُخْرَى ثمَّ نطبق الجملتين بِأَن نجْعَل الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الثَّانِيَة والجزء الثَّانِي من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الثَّانِي من الْجُمْلَة الثَّانِيَة وهلم جرا. فَإِن كَانَ بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْجُمْلَة الأولى وَاحِد من الْجُمْلَة الثَّانِيَة كَانَ النَّاقِص كالزائد وَهُوَ محَال. وَإِن لم يكن فقد وجد فِي الْجُمْلَة الأولى مَا لَا يُوجد بإزائه شَيْء فِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة فتنقطع الْجُمْلَة الثَّانِيَة وتتناهى وَيلْزم مِنْهُ تناهي الْجُمْلَة الأولى لِأَنَّهَا لَا تزيد على الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِلَّا بِقدر متناه وَالزَّائِد على المتناهي بِقدر متناه يكون متناهيا بِالضَّرُورَةِ. وَلَا يخفى عَلَيْك وَجه تَسْمِيَة هَذَا الْبُرْهَان من هَذَا الْبَيَان وَإِن هَذَا الْبُرْهَان يبطل التسلسل فِي جَانِبي الْعِلَل والمعلولات المجتمعة أَو المتعاقبة أَي غير المجتمعة فِي الْوُجُود كالحركات الفلكية.
وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين مَا اشترطوا فِي جَرَيَان برهَان التطبيق اجْتِمَاع الْأُمُور فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب بَينهَا بِأَن يكون بَينهَا علية ومعلولية بل لَا بُد عِنْدهم فِيهِ من الْأُمُور الْمَوْجُودَة فِي الْجُمْلَة سَوَاء كَانَت متعاقبة أَو مجتمعة مترتبة أَو غير مترتبة. وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي الموجودات المجتمعة المترتبة لاشتراطهم الِاجْتِمَاع فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب كَمَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْحُكَمَاء قَالُوا إِذا كَانَ الْآحَاد مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر مَعًا وَكَانَ بَينهَا ترَتّب فَإِذا جعل الأول من إِحْدَى الجملتين بِإِزَاءِ الأول من الْأُخْرَى كَانَ الثَّانِي بِإِزَاءِ الثَّانِي وَهَكَذَا وَيتم التطبيق وَإِذا لم تكن مَوْجُودَة مَعًا لم يتم لِأَن الْأُمُور المتعاقبة مَعْدُومَة لَا تُوجد مِنْهَا فِي كل زمَان إِلَّا وَاحِد فَفِي كل زمَان نفرض التطابق لَا يُمكن إِلَّا بِاعْتِبَار فرض وجود الْآحَاد فَلَا تطابق فِيهَا بِحَسب نفس الْأَمر فَيَنْقَطِع بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار. وَكَذَا الْأُمُور الْمَوْجُودَة المجتمعة الْغَيْر المترتبة إِذْ لَا يلْزم من كَون الأول بِإِزَاءِ الأول كَون الثَّانِي بِإِزَاءِ الثَّانِي. وَهَكَذَا إِذا لوحظ كل وَاحِد من الأولى وَاعْتبر بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْأُخْرَى لَكِن استحضار النَّفس مَا لَا نِهَايَة لَهُ مفصلة محَال فَيَنْقَطِع بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار. واستوضح لَك بتوهم التطبيق الْفرق بَين الجملتين الممتدتين على الاسْتوَاء وَبَين إعداد الْحَصَى فَإِن فِي الأولى إِذا طبق أول إِحْدَاهمَا بِأول الْأُخْرَى كَانَ كَافِيا فِي وُقُوع أَجزَاء كل مِنْهُمَا بِمُقَابلَة أَجزَاء الْأُخْرَى بِخِلَاف الْحَصَى فَإِنَّهُ لَا بُد فِي تطبيقها من اعْتِبَار التَّفْصِيل.
وَاعْترض عَلَيْهِ المتكلمون: بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يتَوَقَّف التطبيق على مُلَاحظَة الْآحَاد مفصلا وَجعل كل جُزْء من أَحدهمَا بِإِزَاءِ أَجزَاء الْأُخْرَى أَو يَكْفِي مُلَاحظَة وُقُوع أَجزَاء أَحدهمَا بِإِزَاءِ أَجزَاء الْأُخْرَى على سَبِيل الْإِجْمَال. فَإِن كَانَ الأول يلْزم أَن لَا يجْرِي فِي الْأُمُور المترتبة لِأَن الذِّهْن لَا يقدر على مُلَاحظَة الْأُمُور الْغَيْر المتناهية مفصلا سَوَاء كَانَت مجتمعة أَو لَا. وَأَيْضًا التطبيق بِهَذَا الْوَجْه يعم الْمَوْجُود والمعدوم فَلَا وَجه لتخصيص الْمَوْجُودَة. وَإِن كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُتَحَقق فِي الْأُمُور المتعاقبة أَيْضا إِذْ يحكم الْعقل بعد مُلَاحظَة الجملتين مُجملا حكما إجماليا بِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَقع بِإِزَاءِ كل جُزْء من إِحْدَاهمَا جُزْء من الآخر أَو لَا يَقع فعلى الأول يلْزم التَّسَاوِي وعَلى الثَّانِي التناهي انْتهى.