الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم
بسم الله الرحمن الرحيم
بسملة باب الوجود حمد من اسمه الأقدس فاتحة كل كتاب وفهرسة نسخة الشهود ثناء من باكورة حمده في رياض الخير مطلع كل باب ونسائم التصلية والتسليم سارية إلى حمى النبي الكريم وأزهار التحية باسمة على عريش الأصحاب والآل ما برق ذكاء ولمع آل.
وبعد فهذا هو القسم الثالث من كتاب "أبجد العلوم" وكنا قد قسمناه على قسمين من قبل ولكن لما انتهى بنا الكلام إلى آخر القسم الآخر عن لنا أن نجعل له قسما ثالثا في تراجم أكابر أئمة العلوم المتداولة ليكون له كالمسك على الختام ويبلغ به الناظر فيه إلى غاية المرام وسميت هذا الثالث من الأقسام: الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم وبالله التوفيق وإليه مصير كل موجود معدوم"
فؤادي داع واللسان مترجم ... ويا رب يا رحمن فضلك أكرم
وإني لمضطر وصنعي عاقني ... وهل غير رب العبد للعبد يرحم
قال في كتاب الجواهر المضيئة: إن ذكر فضائل العلماء تعرض لنفحات الوهب من الله تعالى فإن ذكرهم بالفضائل ذكر الله بالإنعام والإفضال وثمرة ذكر الله طمأنينة القلب كما نطق به الكتاب المبين ومن الحديث الدائر على الألسنة عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة رحمنا الله برحمته التي وسعت كل شيء.
وفي رسالة الشيخ المسند حسن العجيمي ما معناه: من ورخ أحدا من أهل الفضل والكمال فهو في شفاعته
قال الشاعر:
أرخهم تظفر بأجر وافر ... فبذكرهم يجلى عن القلب الصدأ
وفي كتاب تحقيق الصفا لمحب الدين الطبري: أن من ورخ مؤمنا فضلا عن عالم عامل فكأنما أحياه ومن أحيى مؤمنا فكأنما أحيى الناس جميعا. انتهى
أرخت أحبابي لكي ألقاهم ... ما دمت في الأحياء نصيب نواظري
وينال سمعي من لذيذ حديثهم ... خيرا وإن لم يبرحوا عن خاطري
ولبعضهم:
إن كان قد رحلوا عني وقد بعدوا ... فليس عن حبهم قلبي بمرتحل
في حبهم أنا موقوف على رشد ... ميل الغصون وميل الشارب الثمل
خليل بن أحمد البصري: صاحب كتاب العين في اللغة أستاذ سيبويه وهو أول من استخرج العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر الأشعار بها في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا ثم زاد فيه الأخفش بحرا واحد وسماه الخبب وله معرفة بالإيقاع والنغم وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض فإنهما متقاربان في المآخذ. وكان دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علما لم يسبق إليه ولا يؤخذ إلا عنه فرجع من حجه وفتح عليه بالعروض.
وكان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم.
قال تلميذه نضر بن شميل: أقام الخليل في خص بالبصرة لا يقدر على فلسين وتلامذته يكتسبون بعلمه الأموال وكان الناس يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى منه
وكان يحج سنة ويفرد سنة وأبوه: أول من سمي أحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يقول: أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة وهي السن التي بعث الله فيها محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثا وستين سنة وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر. ومن شعره:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
وأنشد:
يقولون لي: دار الأحبة قد دنت ... وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت: وما تغني الديار وقربها ... إذا لم يكن بين القلوب قريب
ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في وفيات الأعيان
توفي الخليل سنة خمس وستين أو سبعين ومائة وله أربع وسبعون
وسبب موته أنه قال: أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى البقال فلا يمكن أن يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكره فصدمته سارية وهو غافل فانصدع ومات ورئي في النوم فقيل له: ما صنع الله بك؟ فقال: أرأيت ما كنا فيه لم يكن شيئا أو ما وجدت أفضل من: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.
علي بن حسن الهناني: المعروف بكراع النمل بضم الكاف. أبو الحسن النحوي اللغوي قال ياقوت: هو من أهل مصر أخذ عن البصريين وكان نحويا كوفيا كتب المنضد في لغة المجرد سنة سبع وثلاثمائة.
أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين اللغوي الرازي القزويني كان نحويا على طريقة الكوفي سمع أباه وعلي بن إبراهيم بن سلمة وقرأ عليه الأديب الهمذاني وكان إماما في علوم شتى خصوصا باللغة فإنه أتقنها وألف كتابه المجمل في اللغة وهو على اختصاره جمع شيئا كثيرا وله مسائل في اللغة وكان مقيما بهمذان فحمل منها إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة فسكنها وعليه اشتغل بديع الزمان صاحب المقامات وكان شافعيا فتحول مالكيا وقال: أخذتني الحمية لهذا الإمام أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه وكان الصاحب بن عباد تلمذ له ويقول: شيخنا ممن رزق حسن التصنيف وكان كريما جودا ربما سئل فيهب ثيابه وفرش بيته قال الذهبي: مات سنة 395 وهو أصح ما قيل في وفاته. ومن شعره:
مرت بنا هيفاء مجدولة ... تركية تنمي لتركي
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي
إسحاق بن إبراهيم الفارابي: أبو إبراهيم صاحب ديوان الأدب في اللغة خال أبي نصر الجوهري ترامى به الاغتراب إلى أرض اليمن وسكن زبيد وبها صنف كتاب المجمل ومات قبل أن يروى عنه قريبا من سنة 350، وقيل: في حدود السبعين وقال ياقوت: رأيت نسخة من هذا الكتاب بخط الجوهري وقد ذكر فيها: أنه قرأه إلى إبراهيم بقاراب وله رحمه الله تعالى أيضا: شرح أدب الكتاب وبيان الأعراب.
أحمد بن أبان بن سيد: اللغوي الأندلسي صاحب المعلم في اللغة أخذ عن أبي علي القالي وغيره وكان عالما إماما في اللغة والعربية حاذقا أديبا سريع الكتابة.
روى عنه الأفليطي صنف المعلم مائة مجلد مرتبا على الأجناس بدأ فيه بالفلك وختم بالذرة وشرح كتاب الأخفش وغير ذلك مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
محمد بن أحمد بن الأزهر: طلحة بن نوح الهروي اللغوي الشافعي أبو منصور الأزهري ولد سنة 282 وأخذ عن ربيع بن سليمان ونفطويه وابن السراج وأدرك ابن دريد ولم يرو عنه وورد بغداد وأسرته القرامطة فبقي فيهم دهرا طويلا وكان رأسا في اللغة واشتهر بها.
أخذ عنه الهروي صاحب الغريبين وكان قد رحل وطاف في أرض العرب في طلب اللغة وكان جامعا لشتات اللغة مطلعا على أسرارها ودقائقها وصنف في اللغة كتاب التهذيب وهو من الكتب المختارة يكون أكثر من عشر مجلدات وله تصنيف في غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء في مجلد واحد وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه وكان عارفا بالحديث عالي الإسناد ثخين الورع.
ولد في سنة 282، ومات في ربيع الآخر سنة 370، وقيل سنة 371 بمدينة هراة وله أيضا تفسير ألفاظ مختصر المزني والتقريب في التفسير وغير ذلك ورأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج وأبا بكر بن الأنباري ولم ينقل أنه رحمه الله تعالى أخذ عنهما شيئاً.
علي بن إسماعيل بن سيده: اللغوي النحوي المرسي الأندلسي أبو الحسن الضرير صاحب المحكم في اللغة وله كتاب المخصص في اللغة أيضا قيل: اسم أبيه: محمد وقيل: إسماعيل وكان أبوه ضريرا أيضا قيما بعلم اللغة اشتغل ولده كان حافظا لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بها متوفرا على علوم الحكمة.
روى عن أبيه وأبي العلاء صاعد بن الحسن البغدادي وله شرح إصلاح المنطق وشرح الحماسة وشرح كتاب الأخفش مات سنة 358، عن نحو ستين سنة أو نحوها وكان له في الشعر حظ وتصرف.
إسماعيل بن حماد الإمام: أبو نصر الفارابي الجوهري صاحب الصحاح.
قال ياقوت: كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما أصله من فاراب الترك وكان إماما في اللغة والأدب وخطه يضرب به المثل وكان يؤثر السفر على الحضر ويطوف الآفاق لأجل العلم صنف كتاباً في العروض ومقدمة في النحو قبل تغير عقله في آخر عمره فعمل لنفسه جناحين فصعد مكانا عليا فأراد أن يطير فوقع ميتا وبقي الصحاح في المسودة فبيضه تلميذه إبراهيم بن صلاح الوراق فغلط فيه في مواضع.
قال ياقوت: وقد رأيت كتاب الصحاح بخطه عند الملك الأعظم وقد كتبه في سنة 392هـ
قال ابن فضل الله في المسالك: مات سنة 396هـ.
عبد الله بن بري ابن عبد الجبار: أبو محمد المقدسي المصري النحوي اللغوي علق نكتا مفيدة على صحاح الجوهري وشاع ذكره واشتهر ولم يكن في الديار المصرية مثله كان قيما في النحو واللغة والشواهد.
صنف اللباب للرد على ابن الخشاب في رده على درة الغواص للحريري قال الصفدي: لم يكمل هو حواشي الصحاح وإنما وصل إلى وقس وهو ربع الكتاب فأكملها الشيخ عبد الله بن محمد البطي.
مات ابن بري سنة 582هـ، وللصحاح تكملة وحواش للصغاني رحمه الله تعالى وجمع بينها وبين الصحاح مجمع البحرين.
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم: الشيرازي الفيروزآبادي صاحب المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب والقاموس المحيط والقاموس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط والعباب وقد بلغ تمامه ستين مجلدة والقاموس معظم البحر.
والقابوس الرجل الجميل الحسن الوجه الحسن اللون يقال: رجل وسيط فيهم أي: أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا ويقال: قوم شماطيط أي: متفرقة وجاءت الخيل شماطيط أي: أرسالاً.
وهو العلامة مجد الدين أبو الطاهر إمام عصره في اللغة.
قال الحافظ ابن حجر: كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ثم ارتقى وادعى بعد أن ولي قضاء اليمن أنه من ذرية أبي بكر الصديق وكتب بخطه الصديقي ولد سنة 729هـ بكازرون وتفقه ببلاده وسمع بها من محمد بن يوسف الزرندي المدني ونظر في اللغة إلى أن مهر وفاق واشتهر اسمه وهو شاب في الآفاق وطلب الحديث وسمع من الشيوخ منهم: الحافظ الإمام الواحد المتكلم الحجة ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني رحمهم الله تعالى وسمع بالشام من الشيخ تقي الدين أبي الحسن السبكي الكبير وولده أبي النصر تاج الدين السبكي الصغير وابن نباتة وابن جماعة وغيرهم وجال في البلاد الشمالية والشرقية ولقي جماعة من الفضلاء وأخذ عنهم وأخذوا عنه وظهرت فضائله وكتب الناس تصانيفه ودخل الهند ثم زبيد فتلقاه ملكها الأشرف إسماعيل بالقبول وقرره في قضائها وبالغ في إكرامه ولم يدخل بلدة إلا وكرمه متوليها وكان معظما عند الملوك أعطاه تيمورلنك خمسة آلاف دينار ودخل الروم فأكرمه ملكها ابن عثمان وحصل له مال جزيل ومع ذلك فإنه كان قليل المال لسعة نفقاته وكان يدفعه إلى من يمحقه بالإسراف ولا يسافر إلا وصحبته عدة أجمال من الكتب يخرج أكثرها في منزل ينظر إليه ويعيده إذا رحل وكان إذا أملق باعها وكان سريع الحفظ.
يحكى عنه أنه كان يقول: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر ومصنفاته كثيرة وقد عد منها بضع وأربعون مصنفا من اللغة والتفسير والحديث توفي بزبيد سنة ست أو سبع عشرة وثمانمائة وهو متمتع بحواسه ودفن بتربة الشيخ إسماعيل الجبرتي.
قلت: ومن مؤلفاته: كتاب سفر السعادة وهو بالعربية وبالفارسية وما أجمعه وأصحه وأوعاه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وما أليقه للعمل لمريد السنة.
محمد بن مكرم بن علي: وقيل: رضوان بن أحمد بن أبي القاسم بن حنفية بن منظور
الأنصاري الأفريقي المصري جمال الدين أبو الفضل صاحب كتاب لسان العرب في اللغة الذي جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح وحواشيه والجمهرة والنهاية.
ولد في محرم سنة 63هـ، وسمع من أبي المعز وغيره وجمع وعمر وحدث واختصر كثيرا من كتب الأدب المطولة كالأغاني والعقد والذخيرة ومفردات ابن البيطار.
يقال: أن مختصراته خمسمائة مجلد وخدم في ديوان الإنشاء مدة عمره وولي قضاء طرابلس وكان صدرا رئيسا فاضلا في الأدب مليح الإنشاء.
روى عنه السبكي والذهبي تفرد بالعوالي وكان عارفا بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة واختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه وعنده تشيع بلا رفض مات في شعبان سنة إحدى عشر وسبعمائة.
أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني: النيسابوري أبو الفضل الأديب النحوي اللغوي صاحب كتاب السامي في الأسامي.
قال ياقوت: قرأ على الواحدي صاحب التفسير وغيره وأتقن اللغة والعربية وصنف كتاب الأمثال ولم يعلم مثله في بابه والأنموذج في النحو والمصادر ونزهة الطرف في علم الصرف وكان قد سمع الحديث ورواه وكان ينشد كثيرا وأظنهما له:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي ... فقلت: عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني ... ألا هل ترى صبحا بغير نهار
وقرأ عليه ابنه مات في رمضان سنة 518هـ. والميداني: نسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمن وهي محلة بنيسابور قلت: وقد طبع كتابه الأمثال بمصر القاهرة لهذا العهد وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد كان أيضا فاضلا دينا وله كتاب الأسماء في الأسماء وتوفي رحمه الله سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرزي الحنفي: أبو الفتح النحوي الأديب من أهل خوارزم قرأ على الزمخشري والموفق وبرع في النحو واللغة والشعر وأنواع الأدب والفقه على مذهب الحنفية ويقال: أنه كان خليفة الزمخشري وكان معتزليا تام المعرفة بفنه رأسا في الاعتزال داعيا إليه ينتحل مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع فصيحا فاضلا في الفقه صنف شرح المقامات للحريري وهو على وجازته مفيد محصل للمقصود وله كتاب المغرب تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب وهو للحنفية بمثابة كتاب الأزهري للشافعية وما قصر فيه فإنه أتى جامعا للمقاصد وله مختصر الإقناع في اللغة والمصباح في النحو ومختصر الإصلاح لابن السكيت وغير ذلك وانتفع الناس بكتبه ودخل بغداد حاجا سنة 601هـ، وكان سائر الذكر مشهور السمعة بعيد الصيت له شعر كثير يستعمل فيه التجانس. والمطرزي: نسبة إلى من يطرز الثياب ويرقمها ولا أعلم هل كان يتعاطى ذلك بنفسه أم كان في آبائه من يتعاطى ذلك فنسب إليه؟ قاله ابن خلكان.
ولد في رجب سنة 538 هـ ومات بخوارزم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى سنة 610، ورثي بأكثر من ثلاثمائة قصيدة.
عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل: أبو حفص نجم الدين الإمام الزاهد قال السمعاني كان إماما فاضلا مبرزا متقنا لغوياً.
سمع أبا مجد محمد التنوخي وأبا الحسين محمد البزدوي وغيرهما.
وصنف في كل نوع من العلم في التفسير والحديث واللغة والشروط صنف قريبا من مائة مصنف.
ولد بنسف في شهور سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وفي هذه السنة توفي أيضا الزمخشري صاحب الكشاف.
مبارك بن محمد بن محمد: مجد الدين أبو السعادات الجزري الإرملي المشهور بابن الأثير
أشهر العلماء ذكرا وأكبر النبلاء قدرا أحد الأفاضل المشار إليهم وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم كان نائب المملكة ولد سنة 544 هـ بالجزيرة وانتقل إلى الموصل وأخذ النحو عن ابن دهان ويحيى بن سعدون القرطبي وسمع الحديث متأخرا وتنقل في الولايات وكتب في الإنشاء.
وله النهاية في غريب الحديث وجامع الأصول في أحاديث الرسول والبديع في النحو وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في التفسير وكتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب في صفة الكتابة صنف هذه الكتب وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة وله شعر يسير مات سنة 606هـ رحمه الله تعالى.
أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني: صاحب تاج العروس شرح القاموس
السيد الواسطي البلجرامي نزيل مصر شريف النجار عظيم المقدار كريم الشمائل غزير الفواضل والفضائل.
أخذ العلوم النقلية والعقلية في مدينة زبيد على جماعة أعلام منهم: السيد العلامة أحمد بن محمد مقبول الأهدل ومن في طبقته: كالشيخ عبد الخالق ابن أبي بكر المزجاجي والشيخ محمد بن علاء الدين المزجاجي قال في النفس1 اليماني والروح الريحاني: وأخذ عمن أخذ عنهم: كشيخنا الوالد رحمه الله ثم توجه إلى إقليم مصر واستكمل فيها العلوم النقلية والعقلية وبرع في جميع العلوم سيما علمي الحديث واللغة وأدرك شيوخنا من أهل الأسانيد العالية وألف التآليف النافعة الواسعة واستجاز لي منه شيخنا الوالد وأجاز وكذلك استجاز لي منه السيد العلامة عبد الله السعدي مقبول الأهدل وأجاز واستجاز منه لنفسه ولأولاد شيخنا الوالد القاضي العلامة محمد بن إسماعيل الربعي. وأجاز وكتب هذه الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز على العمل الصحيح المقبول أحسن إجازة ووعد بوجادة ذلك يوم مناولة الكتاب باليمين وعدا لا يخلف سبحانه إنجازه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يسندها عن القلب اللسان ويرفع إسنادها على متن مسندها راية روايتها التي هي علم الإيمان والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرفوع قدره على كل نبي مرسل المطهر نسبه الزكي المسلسل وعلى آله وصحبه الذين قامت لهم بمتابعته شواهد التفضيل وأضحى مدرجا في إجمال ما شهد به كل تفصيل.
وبعد فلما أشرق سبحانه على من أسعده شمس العناية وجلى قلبه بنور التوفيق بكمال الرعاية ووالى عليه طول إمداده عند بزوغ هلاله ولم يزل يعرج في منازل العز إلى أن بلغ أوج كماله كان من أصدق ما صدقت عليه هذه العبارة وأحرى من تنصرف إليه هذه الإشارة السالك بمقتضى التوفيق أبهج المسالك النبوية الراقي بهمته ذرى التحقيق فظفر منه بالغاية المقبولة المرضية وتحلى بالفضائل ما أوضح شاهده الدليل حيث صرف أوقاته النفيسة في التحصيل وأرق فكره في التفريع والتأصيل إلى أن اكتال من المعارف بالصاع الأوفى وروي من منهلها الأعذب الأصفى وتفيأ بظلال رياض العلوم بالمدد وروى حديث الفضل عالي السند وجاء مجليا في حلبة الفواضل محرزا قصب السبق بأطراف الأنامل ألا وهو النجيب الكامل صفي الإسلام أبو الإمداد محمد نجل شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الإسلام إسماعيل ابن الشهاب أحمد بن المرحوم إبراهيم بن عمر بن عبد القادر الربعي الأشعري وهو زاكي الحسب عريق في النسب إذ أم جده إبراهيم هي: آمنة ابنة الفقيه العلامة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العلوي وقد تولى القضاء من أسلافهم جماعة في مور1 والمهجم2 وبعضهم عند البدر الأهدل3 مترجم نفعنا الله ببركات السلف الصالح وأعز جناب هذا الخلف الفالح وأدام النفع به ووصل أسباب الخيرات بسببه آمين.
وقد دعاه حسن الظن بي أن كتب إلي كتابا يستدعي فيه الإجازة مني حرصا على الانتظام في سلك من تحلى بما خصت به هذه الأمة من الإسناد والتمسك بسلسلته الموصلة لأشرف الرسل إلى العباد ولقد ذكرني - حفظه الله - بشيء كاد أن يكون نسيا منسيا ورعيا له فقد شوقني لما كان أمرا ظاهرا فعاد خفيا فقد كان فيما عبر من الزمان يرحل إلى الإسناد العالي إلى شاسع البلدان وتطلب الإجازة من بعيد تلك الديار وأطراف تلك الأقطار أما الآن فقد زال ذلك الانضباط وطوي ذلك البساط وتقاعدت الهمم عن طلبه وركت عن السعي في تحصيل رتبه وذهب المسدون الخلة ومن كانت تزدهي بوجودهم الملة كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفاء أنيس ول يسمر بمكة سامر ولكن بقي من آثارهم بقايا في زوايا الزمان ممن تحمل عنهم خبايا والعبد بحمد الله ممن تردد إلى مشائخ علم الحديث والإسناد قديما وصبغ بالتحمل عنهم في ساحته أديما وقد قرت عيني به الآن وابتهج خاطري بوجود طالب هذا الشان فلله الحمد على ذلك والشكر له على سلوك هذه المسالك فإنه الموفق لما هنالك المعطي المانع الملك المالك وقد أجبت لسيدنا المشار إليه إلى مطلوبه وسعفته بتحصيل مرغوبه وأجزته أن يروي عني جميع ما تجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع ومجاز ومناولة ووجادة وكتابة ووصية ومراسلة وفروع وأصول ومعقول ومنقول ومنثور منظوم وتأليف وتخريج وكلام وتصوف ولغة ونحو وتصريف ومعاني وبيان وبديع وتاريخ ودواوين وما ألفته وخرجته ونظمته ونثرته بشرطه الذي عليه عند أرباب هذا الشأن يعتمد وقرنت ذلك الاقتصار من الطرق التي رويت بها أعلى السند وكذلك أجزت بكل ما ذكر أولاد شيخنا الإمام العلامة نفيس الإسلام سليمان بن يحيى بن عمر - حفظه الله - وحاطهم بحسن رعايته ولطيف كلاءته ذكورا وإناثا وأنا أسأل من فضله أن لا ينساني من خالص دعواته في خلواته وجلواته وأتوسل إلى الله تعالى بخاتم أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يرزقني وإياهم وجميع المسلمين حسن الختام آمين.
فأقول: أخبرني ما بين قراءة وسماع وإجازة خاصة وعامة مشائخنا الأئمة الأعلام: السيد نجم الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني والشهابان: أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجري الملوي وأحمد بن حسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدي وعبد الله بن محمد الشبراوي والسيد عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين البهنسي خمستهم عن: مسند الحجاز عطاء بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وشيخنا: النجم أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحنفي عن المسند عبد العزيز بن إبراهيم الزيادي وشيخنا المتفنن: أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري عن الشمس محمد بن منصور الأطفيحي وشيخنا: أبو المعالي الحسن بن علي المدابغي عن عبد الجواد بن القاسم المحلي وشيخنا المعمر: السيد محمد بن محمد التليدي عن أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني وشيخنا: الشهاب أحمد بن شعبان بن غرام الرعيلي الشهير بالسابق قال: هو وهو أعلى بدرجة والزرقاني والمحلي والأطفيحي والزيادي والنخلي والبصري.
أخبرنا الحافظ شمس الدين محمد بن علاء الدين البابلي وزاد الزرقاني والأطفيحي والزيادي فقالوا: وأبو الضياء علي بن علي الشبراملسي.
وأخبرنا شيخنا عبد الله بن محمد بن أحمد العشماوي عن أبي العز محمد العجمي عن أبيه محدث القاهرة الشهاب أحمد بن محمد العجمي قال: هو والبابلي أخبرنا المسند نور الدين علي بن يحيى الزيادي عن كل من السندين: يوسف بن زكريا ويوسف بن عبد الله الأرميوني كلاهما عن الحافظ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي وبرواية البابلي والشبراملسي عن الشهاب أحمد بن خليل السبكي وبرواية البابلي خاصة عن خاله سليمان ابن عبد الدائم البابلي وأبي النجا سالم بن محمد السنهوري وعبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي والشهاب أحمد بن محمد بن يونس الحنفي، والمعمر محمد بن محمد بن عبد الله القلقشندي الواعظ خمستهم: عن نجم السنة محمد بن أحمد بن علي الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري.
وبرواية السنهوري عن الشهاب أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي عن شيخ الإسلام وعن عبد الحق بن محمد السنباطي.
وبرواية الواعظ أيضا عن أحمد بن محمد السبكي عن الجمال إبراهيم بن أحمد ابن إسماعيل القلقشندي.
وبرواية شيخ مشائخنا البصري عن علي بن عبد القادر الطبري عن عبد الواحد بن إبراهيم الخطيب عن الشمس محمد بن إبراهيم العمري هو والجمال القلقشندي والسنباطي وشيخ الإسلام والسخاوي عن حافظ الأمة شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشهير بابن حجر - قدس الله سره - بأسانيده المتفرعة إلى أئمة الكتب الستة وغيرهم مما أوردها في كتاب المعجم المفهرس وهو في جزء حافل وبرواية عبد الواحد الخطيب أيضا عن الجلال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي هو والأرميوني وأبو زكريا أيضا عن الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي بأسانيده المذكورة في معجمه.
ومن مشائخي: الإمامان الفقيهان: محمد بن عيسى ابن يوسف الدنجاوي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي أخذت عنهما بثغر دمياط وهما يرويان عن الإمام أبي حامد بن محمد البديري عن الشيخ إبراهيم الكوراني وقريش بنت عبد القادر الطبري ومحمد بن عمر الشوبري ومحمد بن داود العناني والمقري: محمد بن قاسم البقري وأحمد بن عبد اللطيف البشيشي بأسانيدهم.
ومن مشائخي: سالم بن أحمد النفراوي وسليمان ابن مصطفى المنصوري وأبو السعود محمد بن علي الحسني وعبد الله بن عبد الرزاق الحريري ومحمد بن الطيب الفاسي ومحمد بن عبد الله بن أيوب التلمساني الشهير بالمنور وعلي بن العربي السقاط وعمر بن يحيى الطحلاوي وغيرهم.
وممن كتب بالإجازة إلي جماعة أجلهم: الشهاب أحمد بن علي الميني الحنفي من دمشق وعلي بن محمد السلمي من صالحيتها.
وأبو المواهب محمد صالح بن رجب القادري.
ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي النقيب ومحمد بن طه العقاد وأحمد بن محمد الحلوي أربعتهم من حلب.
والمسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي من نابلس وأحمد بن عبد الله السنوسي ومحمد بن علي بن خليفة الفريابي كلاهما من تونس.
ولي غيرهم من الشيوخ ذي الرسوخ الموصوفين بالصلاح المنتظمين في سلك ذوي الفلاح تغمدهم الله بعفوه وزادهم من سلسبيل الجنة بصفوه وأسانيدهم مشهورة وفي صحف السماعات مسطورة أوزعنا الله وإياهم شكر نعمته وجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمته على بساط أنسه وحضرة قدسه.
ومما نسب إليه من التأليف والتخريج: فشرح القاموس المسمى بتاج العروس في عشرة أسفار كبار أتممته في أربع عشرة سنة. وشرح إحياء علوم الدين أعانني الله على إكماله وقد وصلت فيه إلى كتاب الصلاة.
وتكملة القاموس مما فاته من اللغة لم يكمل.
وشرح حديث أم زرع أحد عشر مجلساً.
ورفع الكلل عن العلل.
وتخريج حديث: شيبتني هود.
وتخريج حديث: "نعم الإدام الخل".
والمواهب الجلية فيما يتعلق بحديث الأولية.
والمرقاة العملية في شرح الحديث المسلسل بالأولية.
والعروس المجلية في طرق حديث الأولية.
وشرح الحزب الكبير للشاذلي المسمى: بتنبيه المعارف البصير على أسرار الحزب الكبير وإنالة المنى في سر الكنى.
والقول المبتوت في تحقيق لفظ التابوت.
وحسن المحاضرة في آداب البحث والمناظرة.
ورسالة في أصول الحديث.
ورسالة في أصول المعمى.
وكشف الغطا عن الصلاة الوسطى.
والاحتفال بصوم الست من شوال.
وإيضاح المدارك عن نسب العواتك.
وإقرار العين بذكر من نسب إلى الحسن والحسين والابتهاج بذكر أمر الحاج.
والفيوضات العلية بما في سورة الرحمن من أسرار الصيغة الإلهية.
والتعريف بضروري علم التصريف.
والعقد الثمين في طرق الإلباس والتلقين.
وإتحاف الأصفياء بسلاسل الأولياء.
وإتحاف بني الزمن في حكم قهوة اليمن.
وإتحاف الإخوان في حكم الدخان.
والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية مائة وخمسون بيتاً.
والدرة المضيئة في الوصية المرضية مائتان وعشرون بيتاً.
وإرشاد الإخوان إلى الأخلاق الحسان مائة وعشرون بيتاً.
وألفية السند في ألف وخمسمائة بيت وشرحها في عشرة كراريس.
وشرح صيغة ابن مشيش.
وشرح صيغة السيد البدوي. وشرح ثلاث صيغ لأبي الحسن البكري.
وشرح سبع صيغ المسمى: بدلائل القرب للسيد مصطفى البكري.
والأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
وتحفة العيد في كراس.
وتفسير سورة يونس على لسان القوم.
ولقطة العجلان في ليس في الإمكان أبدع مما كان.
والقول الصحيح في مراتب التعديل والتجريح.
والتحبير في الحديث المسلسل بالتكبير.
والأمالي الحنفية في مجلد.
والأمالي الشيخونية في مجلدين.
وقد بلغت أربعمائة مجلس إلى وقت تاريخ الكتابة إلى غير ذلك من رسائل منظومة ومنثورة مما لست أحصي أسماءها الآن.
وقد أجزت السيد المشار إليه ومن ذكر معه بكل ما ذكر إجمالا وتفصيلا إجازة عامة وخاصة قاله بفمه ورقمه بقلمه: الفقير لمولاه الشاكر لما أولاه أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني نزيل مصر وخادم علم الحديث بها غفر الله زلله وأصلح خلله وتقبل عمله وبلغه أمله في مجلس واحد من ليلة خروج المحمل الشريف وهي ليلة الاثنين تاسع شهر شوال سنة 1195هـ، أحسن الله تمامها وأسعد عامها والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ووصل من السيد المذكور إلى شيخنا الوالد هذا الكتاب المشتمل على شرح بعض أحواله ومن أدركه من أهل الأسانيد العالية وصورته:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أستخدم نسائم الكمائم في إبلاغ تحياتي إلى جناب ذي الفضائل من مناهل المعارف من ندى مسائله.
وأستودع لمعان البوارق أمام الغوادي تسليماتي على حمال أهل الفواضل الناهض بأعباء علوم الشريعة على كاهله من قد كوكب فضله وأشرق وماس غصن شمائله فأورق.
وتساوى في الثناء عليه يومه والأمس وأضاءت به أفلاك المكارم - ولا بدع - فإنه الشمس.
مستوطن سنام المجد الباذخ مقتعد صهوة الشرف الشامخ.
مشكاة العلوم إذا أظلمت سيل الجهالة ضياء العلوم إذا دارت على بدرها المنير هالة
السيد الشريف الجهيد العلامة العفيف شيخنا وأستاذنا: السيد سليمان بن يحيى، لازالت ربوع المكارم بحسن أنظاره تحيى. آمين أما بعد فقد وصل كتابكم أولا وثانيا وكانا مع الفرح توأمين.
وقرأناهما فقرت بمضمونها العين وزال الغين وماذا أصف؟ وحسبي أن أقف فالطوامير بالنسبة إلى شكره قصاصات عصفت بها الرياح والمناشير ولو كانت طلاع ما بين الثرى والأثير نبذت في جوانب فيافي البطاح وأشواقي إلى مشاهدة تلك الربوع الأنيسة ومشاهدة جماله الباهي فيها مع الاستئناس بحضرة الأحباب الكرام في تلك المشاهد الزكية المأهولة لا قدرة على إبراز مجملها فضلاً عن مفصلها كيف وقد ترادفت جيوشها وتلاطمت أمواجها ولمعت بوارقها ولكني أسأل الواهب المنان كثير الجود والإحسان أن يقدر لي الوصول إلى تلك الديار لأجدد عهدي وأنسي بأولئك السادة الأبرار فإن هذا القدر الذي وصلت إليه إنما هو من بركات ملاحظاتهم وأسرار مشاهداتهم.
وقد اتفق أني حررت الجواب الذي ورد علينا سابقا مع الكتاب المرسل إلى حضرة شيخنا المرحوم قطب المكارم السيد الوجيه العيدروس وأرسلناهما وفيه بيان بعض الأخبار وإفشاء نبذ من الأسرار ثم أخبرت فيما بعد أن جواب مكتوبي لم يصل إلى حضرتكم قال ذلك بعض طلبة العلم: الشيخ علي العديني فقلت: لعله خير وإنما يمنعني من إرسال المكاتيب كثرة أشغالي وتضاعيف الهموم والأحزان بالقلب البالي والتي لا يخلو الإنسان منها ولو كان في أجل النعم ثم الذي أخبركم مما من الله تعالى به علي: أني حين وصولي إلى مصر افترصت المدة وانتهزت القعدة فأكببت على تحصيل العلوم وتكميل منطوقها والمفهوم وتشرفت بالسماع والصحيح على مسنديها الموجودين.
فمن الطبقة الأولى - وهم الذين أدركوا البصري والنخلي والبنا والبقري والعجيمي - جماعة وهم: الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجري الملوي ورفيقه في الأخذ: الشهاب أحمد ابن حسن بن عبد الكريم الخالدي الجوهري وعبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي والشمس محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشهاب بن عبد المنعم صائم الدمنهوري وسابق بن رمضان بن غرام الرعيلي الشافعيون والأخير: أدرك الحافظ البابلي وأجازه لأنه ولد سنة 1068هـ، والبابلي وفاته سنة 1078هـ، وتوفي شيخنا المذكور في سنة 1083هـ، بعد وفاة شيخنا الشبراوي فهذا الرجل أعلى من وجدته سندا بالديار المصرية وكان له درس لطيف بالجامع الأزهر يحضر عليه الإفراد ولم يتنبه لعلو سنده إلا القليل لاشتغالهم بأحوالهم.
ثم أدركت الطبقة الثانية وهي مضاهية للأولى ومشاركة لهم فمنهم: الشيخ سليمان بن مصطفى المنصوري الحنفي والشيخ حسن بن علي المدابغي الشافعي والسيد محمد بن محمد التليدي الحسيني المالكي وعمر بن علي بن يحيى الطحلاوي المالكي والقطب عبد الوهاب بن عبد السلام المرزوقي العفيفي المالكي وعبد الحي بن الحسن الحسني البهنسي المالكي وعلي بن موسى الحسني المقدسي الحنفي ومحمد بن سالم الحنفي.
ثم أدركت بعد هؤلاء طبقة أخرى مشاركة لهم وهم كثيرون ورحلت إلى بيت المقدس فحطت بها جماعة مسندين وفي الرملة وثغريا ودمياط ورسد والحلة وسهنود والمنصورة وأبو صير ودمنهور وعدة من قرى مصر سمعت بها الحديث كما هو مذكور في المعجم الكبير الذي ذكرت فيه تفصيل ذلك.
ورحلت إلى أسيوط وجرجان وفرشوط وسمعت في كل منها وأجازني من مدينة حلب جماعة ومن مدينة فاس وتونس وسولا وتلمسان جماعة وأدركت من شيوخ المغاربة جماعة مسندين بمصر وغيرها.
وممن كتب إليه أستجيز منه لي ولحضرتكم ولأخيكم السيد أبكر1 ومحبنا العلامة عثمان الجبيلي خاتمة المحدثين بمدينة نابلس من الشام: الشمس محمد ابن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة وألف فوصلت منه الإجازة وفيها أساميكم مسطرة على التفصيل في نحو كراس أخذها مني الشيخ عبد القادر بن خليل المدني وصل إليكم من مدة ثلاث سنوات وفي ظني الغالب أنه اجتمع بكم وأراكم هذه الإجازة ثم إن المذكور ورد علينا من اليمن وتوجه إلى نابلس وتوفي هناك وبقيت الإجازة في جملة كتبه فإن اطلعتم عليها وكتبتم منها نسخة فيها وإن لم تطلعوا عليها فإن أسانيد الشيخ المشار إليه المجيز لكم محفوظة عندي فإن سمحت نفسكم بالعمل بهذه الإجازة وطلبتم شيوخه أرسلت لكم ذلك.
ومما من الله تعالى علي: أني كتبت على القاموس شرحا غريبا في عشر مجلدات كوامل جملتها خمسمائة كراس مكثت مشتغلا به أربعة عشر عاما وشهرين واشتهر أمره جدا حتى استكتبه ملك الروم نسخة وسلطان دافور نسخة وملك الغرب نسخة ونسخة منها موجودة في وقف أمير اللوا محمد بيك بمصر بذل في تحصيله ألف ريال وإلى الآن الطلب من ملوك الأطراف غير متناه واتفق أنه جاءني كتاب من السيد العلامة فخر السادة الملوك الأشراف مولانا السيد1 عبد القادر الكوكباني صحبة فخر السادة الأشراف السيد علي الفتاوي يطلب نسخة من الكتاب فحصلت له الجزء الأخير منه وهو مشتمل على شرح الواو والياء المسمى: بالإعياء إلى آخر الكتاب وهذا العام قد توجه به السيد المذكور إلى بلاد اليمن فإن سمح خاطركم بإرسال مكتوب إلى السيد عبد القادر المشار إليه بتحصيله بالاستكتاب فلا بأس وإن قدر الله الإرسال إليكم بشيء من أوله فعلت وسأفعل إن شاء الله تعالى.
ثم أذن لي بالقاهرة في درس الحديث فشرعت في إقراء صحيح البخاري في مسجد شيخون بالصليبية مع إملاء حديث عقب الدرس على طريقة الحفاظ بسنده والكلام عليه بمقتضى الصناعة الحديثة فحررت تلك الأمالي إلى الآن فبلغت نحو أربعمائة مجلس في كل جمعة يومان فقط: الاثنين والخميس وقد جمع ذلك في مجلدات ونقلها الناس وأنا إلى الآن مستمر على هذه الطريقة ودرس آخر في الشمائل للترمذي في مقام القطب شمس الدين أبي محمود الحنفي قدس الله سره.
ولما وصلت إلى حديث أم زرع أمليت عليه نحو سبعة كراريس وأكثر في أربعة عشر مجلسا ونقلته الطلبة واشتهر بينهم وكتبت إجازة إلى غزة ودمشق وحلب وعين ناب وأذربيجان وتونس وحرار ونادلا وديار بكر وسناد ودارفور ومدراس وغيرها من البلدان على يد جماعة من أهلها الذين وفدوا علي وسمعوا مني واستجازوا لمن هناك من أفاضل العلماء فأرسلت إليهم مطلوبهم وتلك الأسانيد غالبها ما استفدنا منكم ومن حضرة شيخنا: المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي ولقد حصلت الأسانيد شهرة في الديار المصرية والشامية والرومية والمغربية وأطرافها مما لا أحصي بيانه والحمد لله الذي وفقني لإحياء مراسم أشياخي وإنعاش ذكرهم على ممر الزمان ولم أزل في مجالسي أحييها بذكركم وأشوق الناس إلى زكي محاسنكم وكتبت في هذه المدة عدة رسائل ما بين مختصر ومطول.
فمن ذلك:
جزء في تخريج حديث: شيبتني هود. وجزء في تخريج حديث: "نعم الإدام الخل".
وجزء في تحقيق الصلاة الوسطى.
وجزء في تخريج هذا العلم من كل خلف عدوله.
والأربعين المنتقى من العلل للدارقطني والكلام معه بمقتضى الصناعة.
ومعارف الأبرار فيما للكنى والألقاب من الأسرار.
وجزء في تخريج حديث: اسمح يسمح لك.
والعقد المنظم في أمهات النبي صلى الله عليه وسلم.
والعقد الثمين في رجال الخرقة والذكر والتلقين.
والفوائد الجليلة على مسلسلات ابن عقيلة عشرة كراريس.
والمرقاة العلية في شرح المسلسل بالأولية وضعتها على ترتيب: منتهى الآمال في حديث إنما الأعمال للحافظ السيوطي وغير ذلك مما لم يحضرني حال تسطير الأحرف وهي كثيرة
ومن أعظم ذلك: أني شرعت في شرح كتاب الإحياء للغزالي وأمليته درسا فأتممت شرح كتاب العلم وحده في نحو سبعين كراسا والعام الماضي جاءني كتاب من عالم مكة وصالحها: مولانا الشيخ إبراهيم الزمزمي يطلب ما تيسر منه فنقل له من المسودة نحو عشرين كراسا وأرسلت إليه هذا العام ولكن بعد إرسال ذلك إليه حين التبييض زدت فيه من فوائده المغلقة به شيئا كثيرا حتى إن الكتاب مغائر له وقد عزمت في هذه السنة على إرسال ما بيضته وزدت عليه ليكون الاعتماد على النسخة الأخيرة فإذا أرسلتم إلى مكة من يستكتب لكم منه نسخة فإنه قريب الحصول ومع ذلك فإني نويت على إرسال شرح كتاب العلم منه إلى حضرتكم السعيدة مع شيء من شرح القاموس فإن ساعدت الأقدار بحصول أمنيتي فعلت ذلك وسأفعله إن شاء الله تعالى وهذا الشرح يا مولانا غريب الشكل والوصف فإنه قد حضرت لي المواد المتعلقة به مالا أحصيها لكثرة وغرابة وهي مذكورة في أوله ثم إنه شرح ممزوج متكفل لبيان رموزه ونسخه وإشاراته ومآخذه ونرجو من علو همتكم أن لا تنسوا تلميذكم من صالح الأدعية وبالتوفيق والرضا والتيسير للعمل الصالح خصوصا إتمام هذا الشرح على الوتيرة المرضية وساعة تاريخ الجواب كنت أشرح الرسالة القدسية وهو ثاني كتاب بعد كتاب العلم وقد بقي منه شيء قليل وسنشرع في كتاب أسرار الطهارة إن شاء الله تعالى كل ذلك ببركة نفسكم الطاهر ودعائكم الفاخر فالبعد الظاهر لا عبرة به عند أرباب القلوب والله علام الغيوب.
ونخبر شيخنا - أدام الله فضله علينا -: أن في جواب الكتاب السابق الذي لم يصل إليكم كنت أرسلت أستجيز منكم لي على سبيل التجديد ثم الجماعة من خواص أحبابي الذي يترددون علي للتلقي ولهم بنا صحبة ومحبة واشتياقهم لحضرتكم شديد وإنما منعهم من الوصول إليكم بعد الديار وكثرة الأخطار وأرجو من فضلكم إرسال إجازة لي منكم ولمن يسمى بعد في هذه المحلة وإذا كتبتم الإجازة في كراريس فليكتب عليها كذلك من بقي الآن بمدينة زبيد - حرسها الله - من المسندين المعمرين كل ذلك بهمتكم ويكون إرسالها على يد من يعتمد عليه من الثقات لا زلتم أهلا لإنجاح الحاجات. وهذه أسامي المجازين بعد كاتبه الفقير:
معيد دروسنا: السيد الفاضل أبو الصلاح الحسين بن عبد الرحمن الحسيني الشيخوني.
وأبو العدل موسى بن داود بن سليمان الحنفي خطيب المسجد الذي أنا أقرأ فيه.
والشيخ الصالح: أبو البر أحمد بن يوسف الحسيني الشنواني.
وأبو الصلاح يوسف بن نور الدين الطحلاوي المالكي خطيب جامع توضون.
ورضوان بن عبد الله الدفراوي مولى نعم ولأولاده: أبو البقاء وعثمان ومحمد وأحمد وسلمان ونفيسة وأبو العرفان عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الحلواني الحنفي ولوالده المذكور وفتاي: بلال الحبشي وزوجي: زبيدة بنت المرحوم ذو العفار الدمياطي وفتياتي: سعادة ورحمة الحبشيتان كل ذلك بتصريح أساميهم تفصيلا مع ذكر ما ينبغي ذكره من اللطائف الإسنادية والغرائب الحديثة وذكر بعض الكتب من أسانيد والدكم المرحوم ومشائخكم الذي أخذتم عنهم والله يجزيكم عنا كل خير ويمد في حياتكم وعمركم ويجعلكم ملجأ الوافدين.
ثم المسؤول إبلاغ شريف سلامي وتحياتي إلى حضرة سلالة المشائخ الكرام: العارف بالله سيدنا الوجيه عبد الرحمن المشرع وقد كنت حررت له جوابا في طي جوابكم ولم يتفق وصوله وإلى حضرة أخيكم وصنوكم: السيد أبي بكر ومحبنا الفقيه العلامة عثمان الجبيلي ثم إلى حضرة شيخنا العلامة عبد الله الجوهري ثم إلى حضرة سيدنا الإمام العلامة القاضي إسماعيل الربعي ثم إلى أولاد شيخنا المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر وإلى أولاد شيخنا المرحوم محمد بن علاء الدين ثم كل من يسأل عنا ويحويه مجلسكم السعيد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى ما في النفس اليماني والروح الريحاني.
وأقول: أن السيد أصله من السادة الواسطية من قصبة بلكرام وهي على خمس فراسخ من بلدتنا قنوج ما وراء نهر كنك.
قال السيد العلامة مير غلام علي آزاد البلجرامي - قدس سره السامي - في مآثر الكرام تاريخ بلجرام تحت ترجمة السيد قادري ما تعريبه:
ومن نيائره: السيد محمد مرتضى بن السيد محمد بن السيد قادري حصل الكتب العربية ووفق في حداثة السن لمزيارة الحرمين الشريفين في سنة أربع وستين ومائة وألف الهجرية واكتسب علم الحديث الشريف في أماكن متبركة وهو نزيل زبيد اليمن في هذه الأيام يستند فن الحديث عند الشيخ عبد الخالق الزبيدي - بارك الله في عمره وأولاده - الترقيات الدينية. انتهى.
قلت: وقد أقام رحمه الله بزبيد حتى قيل له: الزبيدي واشتهر بذلك واختفى على كثير من الناس كونه من الهند ومن بلجرامها وقد ذكر في برنامجه الذي كتبه للسيد باسط علي بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد قادري بمصر نحوا من ثلاثمائة شيخ له الذين أخذ عنهم العلم وسمى منهم من علماء الهند ومشائخها: الشيخ المحدث العلامة محمد فاخر بن محمد يحيى الإله آبادي المتخلص بالزائر ومسند الوقت: الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي صاحب كتاب حجة الله البالغة قال: وحضرت بمنزله في دهلي. وقد أجاز له مشائخ المذاهب الأربعة وعلماء البلاد الشاسعة ولقي الشيخ أبا الحسن بن محمد صادق السندي المدني صاحب الشروح على الصحاح الستة والمولوي خير الدين السورتي بن محمد زاهد وغيرهما.
ومؤلفاته المذكورة في البرنامج تزيد على مائة كتاب وذكر مشائخه وكتبه فيه على ترتيب حروف الأعجام وقد طبع كتابه: تاج العروس شرح القاموس لهذا العهد بمصر القاهرة لكن خمس مجلدات منه فقط وهو شاع في الأمصار وبلغ إلى الأقطار يتضح من النظر فيه علو كعبه في علم اللغة وكونه إماما فيه وشرحه هذا يغني عن حمل جملة الدفاتر المؤلفة في فن اللغة.
وقد وقع تأليفه في علم الفقه والحديث وأصولهما والتصوف والسير وكلها نافعة مفيدة على اختصار في أكثرها وعندي منها نحو سبع عشرة رسالة واستجاز منه الملك الأعظم أبو الفتح نظام الدين عبد الحميد خان سلطان الروم لكتب الحديث فكتب له الإجازة وسند الحديث المسلسل المأثور المشهور: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى مع غيره من الإجازات أولها: الحمد الله الذي رفع مقام أهل الحديث مكانا عليا ... الخ وكان ذلك في سنة 1193هـ، وأتحف معها إلى السلطان قصيدة نظمها في مدحه أولها:
سقى الله ربعا كان لي فيه مربعا ... ومغنى به غصن الشبيبة أينعا
وحيا مقاما كان لي فيه جيرة ... بهم كان كأسي بالفضائل مترعا
ألا ورعا دهرا تقضى بأنسهم ... ولولا الهوى ما قلت يوما له: رعا
خليلي ما لي كلما لاح بارق ... تكاد حصاة القلب أن تتصدعا
وإن نسمت ريح الصبا من ديارهم ... بكت أعيني دمعا يساجل أدمعا
إلى آخر الأبيات.
وكتب إجازة أخرى أيضا للدستور الأعظم أبي المظفر محمد باشا صدر الوزارة ونظام الملك أولها: الحمد لله الذي دل على الخيرات والبرنامج المشار إليه عليه خطه بقلمه الشريف مؤرخة لسنة 1300هـ، وكان وفاته رحمه الله بعد تلك السنة.
ولي منه رحمه الله قرابة قريبة من جهة الأخوات يصل نسبنا إلى سيد الساجدين الإمام زين العابدين علي بن حسين بن علي السبط رضي الله عنه وينتهي نسبه إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين السبط فهو شبل ذاك الأسد ونخبة أهل هذا البيت المجد.
وإنما أطلت الكلام في ترجمته هذه لجهل أكثر أهل العلم عن حاله ومآله وقد أفنى - رحمه الله - عمره في اشتغال العلم والتدريس بمصر والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
أبو عبد الله محمد بن زياد: المعروف بابن الأعرابي الكوفي صاحب اللغة وهو من موالي بني هاشم كان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها.
أخذ الأدب عن الكسائي وغيره.
وأخذ عنه ثعلب وابن السكيت وغيرهما وناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيرا من نقلة اللغة وكان رأسا في الكلام الغريب وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يحسنان شيئا وكان يقول: جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء فلا يخطأ من يجعل هذه في موضع هذه وينشد:
إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض بالضاد
ويقول: هكذا سمعته من فصحاء العرب.
وكان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين ويملي عليهم ولد في الليلة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - وذلك في رجب سنة 150هـ، وتوفي سنة 231هـ بسر من رأى.
والأعرابي: نسبة إلى الأعراب يقال: رجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب. ورجل عربي: منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ورجل أعجم وأعجمي: إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي: منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً.
أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد: الأزدي اللغوي البصري إمام عصره في اللغة والأدب والشعر الفائق أورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين.
له كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة وله كتاب الاشتقاق وكتاب اللغات.
وكان يقال: هو أعلم الشعراء وأشعر العلماء.
ولد بالبصرة سنة 223هـ، وتعلم فيها أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي والأصمعي ثم سكن عمان ثم خرج إلى نواحي فارس ثم انتقل إلى فارس ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة توفي رحمه الله سنة 321هـ ببغداد.
أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد: الخوارزمي الزمخشري صاحب الكشاف الذي لم يصنف قبله مثله.
كان إماما في اللغة والنحو وعلم البيان من غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه.
له الفائق في غريب الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الأبرار وضالة الناشد والرائض في الفرائض والمفصل في النحو وشقائق النعمان في حقائق النعمان وشافي العي من كلام الشافعي - رحمه الله - والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة الأدب وغير ذلك.
وكان قد سافر إلى مكة - حرسها الله تعالى - وجاور بها زمانا فصار يقال له: جار الله لذلك وكان هذا الاسم علما عليه قال ابن خلكان: وسمعت من بعض المشائخ: أن إحدى رجليه كانت ساقطة وأنه كان يمشي في جارن خشب ثم ذكر لذلك قصة وكان معتزلي الاعتقاد متظاهراً به ولد سنة 467هـ بزمخشر: قرية كبيرة من قرى خوارزم وتوفي سنة 538هـ بجرجانية: وهي قصبة خوارزم وهي على شاطئ جيحون - رحمه الله تعالى.
أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري: اللغوي النحوي العلامة قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه وكان يبغض العرب وألف في مثالبها كتبا وكان يرى رأي الخوارج وكان أبو نواس يتعلم منه ويصفه ويسب الأصمعي ويهجوه وكان إذا أنشد بيتا لا يقيم وزنه وإذا تحدث أو قرأ ألحن ويقول: النحو محدود ولم يزل يصنف حتى مات وتصانيفه تقارب مائتي مصنف ذكر منها عدد وافر في ابن خلكان وقال: ولولا خوف الإطالة لذكرت جميعها
وكان الأصمعي إذا أراد الدخول إلى المسجد قال: انظروا لا يكون فيه ذاك يعني أبا عبيدة خوفا من لسانه فلما مات لم يحضر جنازته أحد لأنه لم يكن يسلم من لسانه أحد لا شريف ولا غيره وكان وسخا ألثغ مدخول النسب مدخول الدين وأخباره كثيرة ذكر جملة صالحة منها في وفيات الأعيان ولد في سنة 110هـ في الليلة التي توفي بها الحسن البصري وتوفي في سنة 209هـ.
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق: المعروف بابن السكيت صاحب كتاب إصلاح المنطق وغيره ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وكان يؤدب أولاد المتوكل.
روى عن الأصمعي وأبي عبيدة والفراء وكتبه جيدة صحيحة ولم يكن له نفاذ في علم النحو وكان يميل في رأيه واعتقاده إلى مذهب من يرى تقديم علي بن أبي طالب قال ثعلب: كان ابن السكيت يتصرف في أنواع العلوم وكان من أصحاب الكسائي حسن المعرفة بالعربية ولم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة منه وله شعر حسن وكتب كثيرة ذكر جملة منها ابن خلكان.
قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل إصلاح المنطق ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ولا نعرف في حجمه مثله في بابه
قتل بأمر المتوكل في سنة 244هـ، وبلغ عمره ثمانيا وخمسين سنة لأن المتوكل كان كثير التحامل على علي بن أبي طالب وابنيه وكان ابن السكيت من المغالين في محبتهم والتوالي لهم فقال: والله إن قنبرا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك به فمات - رحمه الله.
مازن أبو عثمان بكر المازني بصري.
روى عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد.
وروى عنه المبرد وجماعة وهو أول من دون علم الصرف وكان إماما في العربية متسعا في الرواية يقول بالإرجاء وكان لا يناظره أحد إلا قطعه بقدرته على الكلام وقد ناظر الأخفش في أشياء كثيرة فقطعه قال المبرد: ولم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو منه.
وأخذ عن الأخفش وقيل: عن الجرمي واختلف إليه إلى أن برع وكان يناظره وكان يقول: من أراد أن يصنف كتابا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي مات في سنة 248هـ، كذا قال الخطيب البغدادي وقال غيره: مات سنة 230هـ.
عثمان بن جني أبو الفتح: كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف وعلمه بالصرف أقوى وأكمل من علمه بالنحو.
وسببه: أنه كان يقرأ النحو بجامع الموصل فمر به أبو علي الفارسي فسأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها فقال له أبو علي: تزببت قبل أن تحصرم فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة واعتنى بالتصريف ولما مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه ببغداد وأخذ عنه عبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي. قال في دمية القصر: وليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المخلقات وشرح المشكلات ما له سيما في علم الإعراب وكان يحضر عند المتنبي ويناظره في النحو من غير أن يقرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه وكان المتنبي يقول فيه: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس صنف الخصائص في النحو وغيره مولده قيل: سنة 303هـ، ومات في صفر من سنة 392هـ.
محمد بن عبد الله بن مالك: جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق إمام النحاة وحافظ اللغة.
قال الذهبي: ولد سنة 600هـ، أو سنة 601هـ، وسمع بدمشق من السخاوي والحسن الصباح وجماعة.
وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر بها لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين.
وكان إماما في القراءة وعللها.
وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقد غريبها والاطلاع على وحشيها.
وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وبرا لا يبارى.
وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكان الأئمة الأعلام يتحيرون فيه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان نظم الشعر سهلا عليه رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك هذا ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة.
أقام بدمشق مدة يصنف ويشغل.
روى عنه ابنه الإمام بدر الدين والشمس بن أبي الفتح والبدر بن جماعة والعلاء بن العطاء وخلق. انتهى كلام الذهبي.
قال أبو حيان: لم يكن لابن مالك شيخ مشهور يعتمد عليه إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال: قرأت على ثابت بن حيان وجلست في حلقة أبي علي بن الشلوبين نحوا من ثلاثة عشر يوما ولم يكن ثابت بن حيان من أئمة النحو وإنما كان من أئمة المعربين.
قال السيوطي: وله شيخ جليل هو: ابن يعيش الحلبي.
وأما تصانيفه فكثيرة جدا منها: الألفية في النحو تسمى الخلاصة والعمدة وإكمال العمدة وشرحها والتسهيل وشرحه ولم يتم وقصيدة في الأفعال وأرجوزة في المثلث وقصيدة في المقصور والمدود وشرحها وإعراب بعض أحاديث صحيح البخاري وقصيدة في الضاد والظاء وأخرى فيما هو مهموز وغير مهموز وتعريف في الصرف وشرحه وسبك المنظوم وفلك المحتوم إلى غير ذلك تصدر بالتربة العادلية والجامع المعمور وتخرج به جماعة كثيرة وصنف تصانيف مشهورة وإذا صلى بالعادلية - وكان إمامها - يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له وكان آية في الاطلاع على الحديث وإذا لم يجد شاهدا في القرآن عدل إلى الحديث ثم إلى أشعار العرب وكان كثير العبادة والنوافل حسن السمت كامل العقل. وانفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم ومذهب الشافعية وكان الشيخ زكي الدين القريع يقول: إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة توفي ابن مالك رحمه الله ثاني عشر شعبان سنة 672هـ، اثنتين وسبعين وستمائة.
عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس: العلامة جمال الدين أبو عمر بن الحاجب الكردي الدويني الأصل الأسنائي المولد المقري النحوي المالكي الأصولي الفقيه صاحب التصانيف المنقحة ولد سنة 570هـ، أو سنة 571هـ بأسنا من الصعيد.
قال الذهبي: وكان أبوه جنديا كرديا حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي - قال مازن بن مرشد الصلاحي محقق هذا الكتاب: وهو أحد أجدادنا القدماء - اشتغل في صغره بالقاهرة وحفظ القرآن وأخذ بعض القراءة عن الشاطبي وسمع منه اليسير وقرأ بالسبع على أبي الجود وسمع من البوصيري وجماعة وتفقه على أبي منصور الأنباري وغيره وتأدب على ابن البناء ولزم الاشتغال حتى برع في الأصول والعربية وأتقنها غاية الإتقان وكان من أذكياء العالم.
ثم قدم دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية وأكب الفضلاء على الاشتغال عليه والأخذ عنه وكان الأغلب عليه النحو والعربية وصنف في الفقه مختصرا وفي الأصول مختصرا آخر أكبر منه سماه: المنتهى وفي النحو الكافية وشرحها ونظمها الوافية وشرحها وفي التصريف الشافية وشرحها إلى غير ذلك وكل مصنفاته في غاية الحسن والإفادة ورزقت قبولا تاما لحسنها وجزالتها.
وقد خالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات وإلزامات مفحمة يعسر الجوابات عنها وكان فقيها مناظرا مفتيا مبرزا في عدة علوم متبحرا ثقة دينا ورعا متواضعا مطرحا للتكلف
ثم دخل مصر هو والشيخ عز الدين بن عبد السلام وتصدر هو بالفاضلية ولازمه الطلبة
قال ابن خلكان: وكان من أحسن خلق الله ذهنا وجاءنا مرارا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام. انتهى.
ثم انتقل إلى الإسكندرية ليقيم بها فلم تطل مدته هناك ومات بها في سنة 646هـ، وأسنا: بلدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر
علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور
النحوي الحضرمي الإشبيلي كان لواء العربية في زمانه بالأندلس.
قال ابن الزبير: أخذ عن الرباح والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك.
وقال الصفدي: ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالتاريخ إلى أن مات في رابع عشر ذي القعدة سنة 669هـ، أو سنة 661هـ، ومولده سنة 599هـ، وصنف الممتع في التصريف.
أحمد بن الحسن الشيخ فخر الدين الجاربردي: قال السبكي في طبقات الشافعية: نزيل تبريز كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على العلم وإفادة الطلبة.
أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وصنف شرح منهاجه وشرح الحاوي في الفقه لم يكمل وشرح الشافية لابن الحاجب وشرح الكشاف مات في رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة بتبريز رحمه الله. عبد الوهاب بن إبراهيم بن أبي المعالي الخزرجي الزنجاني: صاحب شرح الهادي المشهور الذي أكثر الجاربردي من النقل عنه في شرح الشافية قال السيوطي: وقفت عليه بخطه وذكر في آخره: أنه فرغ عنه في بغداد سنة 654هـ، ومتن الهادي له أيضا وله التصريف المشهور: بالغربي وله مؤلفات في العروض والقوافي وخطه في غاية الجودة وعلى مختصره في التصريف شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان أفضلها وأحسنها شرحا السعد التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني - رحمهما الله تعالى.
حسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج: شرح الشافية مزجا وهو مشهور متداول
قال السيوطي: لم أقف له على ترجمة.
أحمد بن علي بن مسعود: صاحب مراح الأرواح قال السيوطي: لم أقف له على ترجمة وعليه شروح مفيدة يتداولها المتأدبون من الصبيان والمراح: طبع بالهند مراراً.
ظالم بن عمرو بن ظالم - وقيل: ابن سفيان - أبو الأسود الدؤلي الكوفي المولد البصري المنشأ كان من سادات التابعين ومن أكمل الرجال رأيا وأسدهم عقلا شيعيا سريع الجواب ثقة في حديثه.
روى عن أبي ذر وغيره وصحب علي بن أبي طالب وشهد معه صفين وقدم على معاوية فأكرمه وأعظم جائزته.
وولي قضاء البصرة وهو أول من وضع علم النحو ونقط المصحف.
مات سنة 69هـ للهجرة بطاعون الجارف وعمره خمس وثمانون سنة وقيل: إنه مات قبل الطاعون بعلة الفالج.
وتخرج به: معاذ بن مسلم الهراء وخلف أبو الأسود خمسة نفر أدبوا الناس.
أولهم: عيينة بن معدان الفيل ولم يكن فيمن أخذ عنه النحو أبرع منه.
وثانيهم: ميمون الأقرن.
وثالثهم: يحيى بن يعمر العدواني التابعي.
قال الحاكم: فقيه أديب نحوي مبرز سمع ابن عمر وجابرا وأبا هريرة.
ورابعهم:......
وخامسهم: ابنا أبي الأسود: عطاء وأبو حرب.
ثم خلف هؤلاء رجالا أحدهم: عبد الله الحضرمي أحد الأئمة في القراءة والعربية.
وثانيهم: عيسى الثقفي إمام في النحو وأخذ عنه الأصمعي وصنف في النحو: الإكمال والجامع يقال: إن له نيفا وسبعين مصنفا ذهبت كلها مات سنة 149هـ، أو سنة 150هـ.
ثالثهم: أبو عمرو بن العلاء المازني النحوي المقري أحد القراء السبعة والأصح أن اسمه: ريان
قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالقراءة والعربية وأيام العرب والشعر وكانت دفاتره تملأ بيته إلى السقف ثم تنسك فأحرقها وكان من أشراف العرب مدحه الفرزدق ووثقه يحيى بن معين.
قال الذهبي: قليل الرواية للحديث وهو صدوق حجة في القراءة وكان نقش خاتمه: وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
مات سنة 154هـ، أو سنة 159هـ، ثم خلفهم: خليل بن أحمد وتقدم ترجمته ثم أخذ منه سيبويه وجمع العلوم التي استفاد منها في كتابه فجاء كتابه أحسن من كل كتاب صنف في النحو إلى الآن.
عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه أبو بشر وقيل: أبو الحسن مولى بني الحارث بن كعب.
وسيبويه: لقب فارسي ومعناه: رائحة التفاح كانت أمه ترقصه بذلك في صغره.
وقيل: كان تشم منه رائحة الطيب.
وقيل: كان يعتاد شم التفاح.
وقيل: للطافته لأن التفاح من لطاف الفواكه.
وقيل: لأن وجنتيه كأنهما تفاحتان وكان في غاية الجمال ونظائره: نفطويه وعمرويه وخالويه وغير ذلك.
والعجم يقولون: سيبويه بضم الباء وسكون الواو وفتح الياء لأنهم يكرهون أن يقع في آخر الكلمة: ويه فإنها للندبة قاله ابن خلكان وكان أصله من بيضاء من أرض فارس نشأ بالبصرة وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر وكان في لسانه حبسة وقلمه أبلغ من لسانه وناظر هو والكسائي في قولهم: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو: هو إياها.
فاختار سيبويه الرفع.
وقال الكسائي: النصب.
ورجح العرب جانب الكسائي.
ومات بالبيضاء وقيل: بشيراز سنة 180هـ، وعمره اثنتان وثلاثون سنة.
وقيل: نيف على أربعين وقيل: مات بالبصرة سنة 161هـ، وقيل: سنة 188هـ.
وقال ابن الجوزي: مات بساوة سنة 179هـ، تسع وسبعين ومائة علي بن حمزة الكسائي من ولد: بهمن بن فيروز إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة
وسمي الكسائي: لأنه أحرم في كساء واستوطن بغداد وتعلم النحو على كبر وخدم عمرو بن العلاء سبع عشرة سنة وجلس في حلقة خليل وكان يديم شرب النبيذ ويأتي الغلمان وأدب الأمين: ولد هارون الرشيد ولم يكن له زوجة ولا جارية وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه الحنفي مجالس حكاها في طبقات النحاة وغيرها وله مع سيبويه وأبي محمد اليزيدي مجالس ومناظرات ذكر ابن خلكان بعضها في تراجم أربابها ومات هو ومحمد بن الحسن بالري في يوم واحد وكانا خرجا مع الرشيد فقيل: دفن النحو والفقه في يوم واحد وذلك سنة اثنتين أو ثلاث أو تسع وثمانين ومائة أو اثنتين وتسعين ومائة.
ثم صار الناس فريقين:
كوفيا: وشيخهم الكسائي وتلميذه المبرد.
وبصريا: وشيخهم سيبويه والأخفش تلميذه.
محمد بن يزيد أبو العباس الأزدي البصري المبرد إمام العربية ببغداد في زمانه كان إماما في النحو واللغة. والمبرد: لقب عرف به واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه.
أخذ عن الكسائي والأزدي وأبي حاتم السجستاني.
وروى عنه: إسماعيل الصفار ونفطويه والصولي.
وكان فصيحا بليغا مفوها ثقة إخباريا علامة صاحب نوادر وظرافة.
وكان جميلا لا سيما في صباه.
وكان الناس بالبصرة يقولون: ما رأى المبرد مثل نفسه.
له تصانيف كثيرة منها: الرد على سيبويه والكامل ومعاني القرآن.
وكان بينه وبين ثعلب من المنافرة ما صار مثلا حتى قال الشاعر:
وأبداننا في بلدة والتقاؤنا ... عسير كأنا ثعلب ومبرد
نفطويه الواسطي أبو عبد الله إبراهيم النحوي المتوفى سنة 323هـ - رحمه الله تعالى
إبراهيم الإفليلي القرطبي النحوي اللغوي المتوفى سنة 441هـ - رحمه الله. سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط. تلميذ سيبويه من أهل بلخ وكان أجلع: وهو الذي لا تنضم شفتاه ولا تنطبق على أسنانه والأخفش: الصغير العينين مع سوء بصرهما سكن البصرة وكان أسن من سيبويه وكان معتزليا يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه.
وهذا الأخفش: هو الذي زاد في العروض بحر الخبب.
له كتاب المقاييس في النحو وكتاب الاشتقاق وكتاب العروض والقوافي وغير ذلك.
ودخل بغداد وقام بها مدة وروى بها وصنف وقرأ عليه الكسائي كتاب سيبويه سرا صنف الأوسط في النحو مات سنة عشر أو إحدى وعشرين أو خمس عشرة ومائتين.
والأخافش ثلاثة:
الأكبر: عبد الحميد بن عبد المجيد.
الأوسط: هذا السعيد.
الأصغر: علي بن سليمان.
وقيل: أربعة:
والرابع: أحمد بن عمران.
وقيل: أحد عشر:
الخامس: أحمد بن محمد الموصلي.
السادس: خلف بن عمرو.
والسابع: عبد الله بن محمد.
الثامن: عبد العزيز بن أحمد.
التاسع: علي بن محمد المغربي الشاعر.
العاشر: علي بن إسماعيل الفاطمي. الحادي عشر: هارون بن موسى بن شريك كذا في مدينة العلوم للأرنيقي رحمه الله - محمد بن المستنير بن أحمد أبو علي النحوي المعروف: بقطرب اللغوي البصري مولى سالم بن زياد لازم سيبويه وكان يدلج إليه فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل فلقب به.
وقطرب: اسم دويبة لا تزال تدوب ولا تفتر وكان من أئمة عصره.
وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن وكتاب الاشتقاق وكتاب العلل في النحو وكتاب غريب الحديث.
وهو أول من وضع المثلث في اللغة وكتابه -وإن كان صغيرا- لكن له فضيلة السبق وروى له ابن المنجم في كتاب البارع بيتين وهما:
إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يراك قلبي إذا ما غبت عن بصري
والعين تبصر من تهوى وتفقده ... وباطن القلب لا يخلو عن النظر
وكان يرى رأي المعتزلة النظامية فأخذ عن النظام مذهبه واتصل بأبي دلف العجلي وأدب ولده ولم يكن ثقة وله تصانيف في النحو واللغة وغيرهما مات سنة ست ومائتين رحمه الله.
صالح بن إسحاق أبو عمرو الجرمي البصري مولى جرم بن ربان من قبائل اليمن وقيل: مولى بجيلة وفي بجيلة: جرم بن علقمة بن أنمار والله أعلم بالصواب وكان يلقب: بالكلب وبالنباح: لصياحه حال المناظرة.
قال الخطيب: كان فقيها عالما بالنحو واللغة دينا ورعا حسن المذهب صحيح الاعتقاد روى الحديث قدم بغداد وأخذ عن الأخفش ويونس واللغة عن الأصمعي ولم يلق سيبويه.
وحدث عنه المبرد وناظر الفراء وانتهى علم النحو في زمانه مات سنة خمس وعشرين ومائتين
له من التصانيف: التنبيه وغيره.
وله في النحو: كتاب جيد يعرف: بالفرخ معناه: فرخ كتاب سيبويه.
وكان يقول في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} قال: لا تقل سمعت ولم تسمع ولا رأيت ولم تر ولا علمت ولم تعلم.
وكان عالما باللغة حافظا لها وله كتب انفرد بها وكان جليلا في الحديث والأخبار وله كتاب في السير عجيب وكتاب العروض ومختصر في النحو وكتاب غريب سيبويه.
والجرمي: نسبة إلى عدة قبائل كل واحدة منها يقال لها: جرم ولا أعلم إلى أيهم ينسب هذا الجرمي ولم يكن منهم وإنما نزل فيهم فنسب إليهم قاله ابن خلكان إبراهيم بن محمد بن السري أبو إسحاق الزجاج قال الخطيب: كان من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد جميل المذهب كان يخرط الزجاج مات سنة 311هـ، وسئل عن سنه عند العرفات: فعقد سبعين وسمع منه يقول: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - له كتاب مختصر في النحو وكتاب فعلت وأفعلت وكتاب ما ينصرف ومالا ينصرف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغير ذلك. محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السراج البغدادي النحوي. قال المرزباني: كان أحدث أصحاب المبرد مع ذكاء وفطنة قرأ عليه كتاب سيبويه ثم اشتغل عليه بالموسيقى وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة يقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله.
أخذ عنه السيرافي والفارسي والرماني مات شابا في ذي الحجة سنة 316هـ وكان أحد الأئمة المشاهير المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والأدب.
أخذ عنه جماعة من الأعيان منهم: السيرافي والرماني وغيرهما ونقل عنه الجوهري في كتاب الصحاح في مواضع عديدة.
وله التصانيف المشهورة في النحو.
منها: كتاب الصحاح في مواضع عديدة.
وله التصانيف المشهورة في النحو.
ومنها: كتاب الأصول وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه وشرح كتاب سيبويه وكان يلثغ في الراء فيجعلها غينا والسراج: بفتح السين والراء المشددة وبعد الألف جيم: هذه النسبة إلى عمل السروج.
عبد الله بن جعفر بن درستويه: أبو جعفر النحوي الفارسي أحد من اشتهر وعلا قدره وكثر علمه جيد التصنيف صحب المبرد ولقي ابن قتيبة
وأخذ عنه الدارقطني وغيره
وكان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة
وثقه ابن مندة وغيره
ضعفه هبة الله اللالكائي ولد سنة 258هـ، ومات سنة 347هـ، وصنف الإرشاد في النحو والرد على المفضل في الرد على الخليل وغريب الحديث وغيرها.
ضبطه السمعاني: درستويه: بضم الدال والتاء وقال ابن ماكولا: درستويه: بفتح الثلاث الأول.
محمد بن يزيد الخزاعي: المعروف بابن الأزهر النحوي قال الخطيب: حدث عن المبرد وكان مستمليه وروى عنه أبو الفرج الأصبهاني والدارقطني.
قال: كان ضعيفا يروى المناكير وقال غيره: كان كذا بأقبح الكذب مات سنة 325هـ، عن نيف وتسعين.
محمد بن مرزبان: ولد بطريق رامهرمز.
وأخذ عن المبرد وأكثر بعده عن الزجاج وكان قيما بالنحو.
أخذ عنه الفارسي والسيرافي وكان ضنينا لا يقري كتاب سيبويه إلا بمائة دينار وكان مع علمه ساقط المروءة سخيفا وإذا أراد أن يمضي إلى مكان بعيد طرح نفسه في طريق حمال وشده بحبل وربما كان معه تمر وغيره فيأكل ويرمي الناس بالنوى يتعمد رؤوسهم وربما بال على رأس الحمال فإذا قيل له يعتذر له شرح كتاب سيبويه لم يتم قال الزبيدي: توفي سنة 365هـ رحمه الله.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي: قال الزبيدي: وليس هذا بالقديم الذي له العروض والمعمى. قال الخطيب: كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: كان أنحى منهما.
قال ياقوت: لكنه إلى مذهب البصريين أميل.
وقال ابن الأنباري: خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئاً.
قال أبو حيان التوحيدي: ما رأيت مجلسا أكثر من فائدة وأجمع لأصناف العلوم والتحف من مجلسه وكان يجتمع على بابه نحو من مائة رأس من الدواب للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه وكان إقباله على صاحب الرقعة والخلق كإقباله على صاحب الديباج والدابة والغلام مات رحمه الله سنة 32 هـ.
حسن بن أحمد بن الفارسي أبو علي: ويقال له: الفسوي أيضا لأنه ولد بمدينة فسا من أعمال فارس.
أخذ عنه: السيرافي والرماني ثم تتلمذ له: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وفاق أكثر من تقدمه في التحقيق والتدقيق ولو لم يكن له سوى كتاب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لكفاه شرفا وفخرا كان أوحد زمانه في علم العربية.
أخذ عن الزجاج وابن السراج وطوف بلاد الشام وأقام بحلب عند سيف الدولة وجرت بينه وبين المتنبي مجالس قال تلامذته: إنه أعلم من المبرد وكان متهما بالاعتزال انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة وتقدم عنده وله كتاب الإيضاح والتكملة في النحو وقصته فيه مشهورة والكلمة في التصريف توفي ببغداد سنة 377هـ، ذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة في تاريخه فليرجع إليه.
زيد بن علي بن عبد الله الفارسي: أبو القاسم الفسوي النحوي اللغوي قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن العديم في تاريخ حلب: كان فاضلا يعلم اللغة والنحو عارفا بعلوم كثيرة شرح الإيضاح وسكن دمشق وأقرأ بها ومات بطرابلس سنة سبع وستين وأربعمائة رحمه الله.
حسن بن عبد الله بن المرزبان: المعروف بالقاضي أبو سعيد السيرافي النحوي.
قال ياقوت: كان أبوه مجوسيا اسمه: بهزاد فأسلم فسماه ابنه: أبو سعيد عبد الله وكان بينه وبين أبي الفرج الأصبهاني - صاحب كتاب الأغاني - ما جرت العادة بمثله بين الفضلاء من التنافس وسيراف: بكسر السين: بلدة من بلاد فارس على ساحل المجر مما يلي كرمان خرج منها جماعة من العلماء وكان يدرس ببغداد: علوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض.
أخذ اللغة عن ابن دريد والنحو عن أبي السراج.
قال أبو حيان التوحيدي: السيرافي: شيخ الشيوخ وإمام الأئمة له معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والحديث والكلام والحساب والهندسة أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ ولا عثر له على زلة وقضى ببغداد - مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة - أربعين سنة أو أكثر الدهر وكان نزها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق معتزليا ولم يظهر منه شيء وكان لا يأكل إلا من كسب يده ينسخ ويأكل منه.
وقال في محاضرات العلماء: شيخ الدهر قريع العصر العديم المثل المفقود الشكل ما رأيت أحفظ منه نظما ونثرا وكان دينا ورعا تقيا زاهدا عابدا خاشعا له دأب بالنهار من القراءات والخشوع وورد بالليل من القيام والخضوع ما قرئ عليه شيء قط فيه ذكر الموت والبعث ونحوه إلا بكى وجزع ونغص عليه يومه وليلته وامتنع من الأكل والشرب وما رأيت أحدا من المشائخ كان أذكر لأحيان الشباب وأكثر تأسفا على ذهابه منه.
وكان إذا رأى أحدا من أقرانه عاجله الشيب تسلى به.
قال في الإمتاع: هو أجمع لشمل العلم ونظم مذاهب العرب وأدخل في كل باب وأخرج من طريق وألزم للجادة الوسطى في الخلق والدين وأروى للحديث وأقضى للأحكام وأفقه في الفتوى كتب إليه ملوك عدن كتبا مصدرة بتعظيمه تسأله فيها عن مسائل في الفقه والعربية واللغة وكان حسن الخط طلب أن يقرر في ديوان الإفتاء فامتنع وقال: هذا من يحتاج إلى درية وأنا عار منها وسياسة وأنا غريب فيها.
وقال الخطيب: كان زاهدا ورعا لا يأخذ على الحكم أجرا إنما كان يأكل من كسب يمينه فكان لا يخرج إلى مجلسه حتى ينسخ عشر ورقات بعشرة دراهم تكون قدر مؤونته وكان أبو علي وأصحابه يحسدونه كثيرا مولده بسيراف قبل السبعين ومائتين وفيها ابتدأ طلب العلم وخرج إلى عمان وتفقه بها وأقام بالعسكر مدة ثم ببغداد إلى أن مات بها في خلافة الطائع ثاني رجب يوم الإثنين سنة 368هـ.
وله من التصانيف: شرح كتاب سيبويه لم يسبق إلى مثله وحسده عليه أبو علي الفارسي وغيره من معاصريه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي بن عيسى بن علي أبو الحسن الرماني: كان يعرف أيضا: بالإخشيدي وبالوراق وهو: بالرماني أشهر.
كان إماما في العربية علامة في الأدب في طبقة الفارسي والسيرافي معتزليا ولد في سنة 374هـ.
وأخذ عن: الزجاج وابن السراج وابن دريد.
قال أبو حيان التوحيدي: لم ير مثله قط علما بالنحو وغزارة بالكلام وبصيرة بالمقالات واستخراجا للعويص وإيضاحا للمشكل مع تنزه ودين وفصاحة وعفاف ونظافة وكان يمزج النحو بالمنطق حتى قال الفارسي:
إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء.
وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء.
قال السيوطي: النحو ما يقوله الفارسي وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصريهما ومن بعدهما بدهر لم يعهد فيها شيء من ذلك مات الرماني سنة 384هـ.
وله تصانيف مفيدة منها: شرح أصول ابن السراج وشرح مختصر الجرمي وشرح المقتضب وغير ذلك مما لا يحصى وأصله من سر من رأى.
والرماني: نسبة إلى الرمان وبيعه أو إلى قصر الرمان: وهو قصر بواسط معروف وقد نسب إلى هذا وهذا خلق كثير من الناس.
محمد بن الحسين الفارسي: النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي. قال ياقوت: أخذ عن خاله علم العربية وطوف الآفاق ورجع إلى الوطن وكان خاله أوفده على الصاحب بن عباد إلى الري فارتضاه وأكرم مثواه وورد بخراسان ونزل بنيسابور دفعات وأملى بها من الأدب والنحو ما سارت به الركبان وآل أمره إلى أن اختص بالأمير إسماعيل بن سبكتكين بغزنة ووزره ثم عاد إلى نيسابور ثم جاور مكة ثم عاد إلى غزنة ورجع إلى نيسابور ثم انتقل إلى إسفرائن ثم استوطن جرجان إلى أن مات.
قرأ عليه أهلها منهم: عبد القاهر الجرجاني وليس له أستاذ سواه.
وله تصانيف منها: الهجاء وكتاب مائة الشعر مات - رحمه الله - سنة 421هـ، إحدى وعشرين وأربعمائة.
عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي: الإمام المشهور أخذ النحو عن محمد الفارسي المذكور ولم يأخذ عن غيره لأنه لم يخرج عن بلده وكان من كبار أئمة العربية والبيان شافعيا أشعريا صنف: المغني في شرح الإيضاح والمقتصد في شرح إعجاز القرآن والعوامل المائة والعمدة في التصريف ومن مصنفاته: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة في علمي المعاني والبيان وهما: الآية الكبرى واليد البيضاء في العلمين المذكورين وإليهما ينتهي علم من تأخر في ذينك العلمين وغير ذلك من التصانيف مات سنة 471هـ، أو سنة 476هـ ومن شعره:
كبر على العلم يا خليلي ... ومل إلى الجهل ميل هائم
وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم
وقال أيضا:
لا تأمن النفثة من شاعر ... ما دام حيا سالما ناطقا
فإن من يمدحكم كاذبا ... يحسن أن يهجوكم صادقا
ذكر له الصلاح الكتبي ترجمة مختصرة في فوات الوفيات وهؤلاء الأعلام الذين ذكرتهم كلهم: من تلامذة سيبويه إمام أهل البصرة وأما تلامذة الكسائي إمام أهل الكوفة فأشهر هؤلاء: الفراء وبعده: أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وبعده: القاسم بن محمد الأنباري.
أما الفراء فهو: يحيى بن زياد الديلمي إمام العربية: كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي.
أخذ عنه وعليه اعتمد وأخذ عن يونس وأهل الكوفة يدعون: أنه استكثر عنه وأهل البصرة يدفعون ذلك.
وكان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال وكان متدينا متورعا على تيه وعجب وتعظيم كان زائد العصبية على سيبويه وكان كتابه تحت رأسه وكان يتفلسف في تصانيفه ويسلك ألفاظ الفلاسفة وكان أكثر مقامه ببغداد فإذا كان آخر السنة أتى الكوفة فأقام بها أربعين يوما يفرق في أهله ما جمعه وكان شديد المعاش لا يأكل وجمع مالا خلفه لابن له شاطر.
له تصانيف مفيدة منها: معاني القرآن التي يلحن فيها العامة مات بطريق مكة سنة 207هـ، عن سبع وستين سنة.
قال ثعلب: لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ذكر له ابن خلكان ترجمة طويلة. قال الفراء: إن طباع أهل البدو الإعراب وطباع أهل الحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطباع لحنت وإنما قيل له: الفراء - ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها - لأنه كان يفري الكلام ذكره السمعاني في كتاب الأنساب.
أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني: أبو العباس ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة ولد سنة مائتين وابتدأ النظر في العربية والشعر واللغة سنة ست عشر وحفظ كتب الفراء فلم يشذ منها حرف وعني بالنحو أكثر من غيره فلما أتقنه أكب على الشعر والمعاني ولازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة وسمع من نفطويه وغيره قيل: إنما فضل أهل عصره بالحفظ للعلوم التي تضيق عنها الصدور.
قال أبو الطيب اللغوي: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة بن عاصم في النحو ويوري عن ابن أبي نجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيد وعن أبي فص كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمر كتب أبيه.
وكان ثقة حجة صالحا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدما عند الشيوخ منذ هو حدث متفننا يستغني بشهرته عن نعته وكان ضيق النفقة.
قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا وأصحاب الحديث بالحديث ففازوا وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا واشتغلت أنا بزيد وعمرو فليت شعري ماذا تكون حالي؟ فانصرفت من عنده فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل
وقال أبو عمرو الزاهد: سئل ثعلب عن شيء فقال: لا أدري فقيل له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال: لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت.
صنف: الفصيح وهو صغير الحجم كثير الفائدة.
وثقل سمعه في آخر عمره ثم صم انصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر وإذا بدواب من ورائه فلم يسمع صوت حافرها فصدمته فسقط على رأسه في هوة من الطريق فلم يقدر على القيام فحمل إلى منزله ومات منه سنة 291هـ، وذكره الداني في طبقات القراء
ومن تصانيفه: كتاب المصون وكتاب اختلاف النحويين وكتاب معاني القرآن وكتاب ما تلحن فيه العامة وكتاب ما يجري وما لا يجري إلى غير ذلك.
محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد بن بشار أبو محمد الأنباري النحوي: كان محدثا إخباريا عارفا بالأدب والنحو والغريب ثقة مات في سنة 327هـ.
كان علامة وقته في العربية وأكثر الناس حفظا لها وكان صدوقا دينا ثقة خيرا من أهل السنة صنف كتبا كثيرة في: علوم القرآن وغريب الحديث أثنى عليه الخطيب في تاريخ بغداد سكن بغداد وروى عنه جماعة من العلماء وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد لما في القرآن الكريم وقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا للقرآن بأسانيدها.
وله غريب الحديث خمسة وأربعون ألف ورقة. وكتاب شرح الكافي نحو ألف ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه ورسالة المشكل رد فيها على ابن قتيبة وأبي حاتم.
وكانت ولادته سنة 271هـ هذه مشاهير علماء الأدب وهذه ترجمتهم بالاختصار ولم يخلف من بعدهم مثلهم إلا قليلا وستعرفهم إن شاء الله تعالى.
رضي الدين الإسترابادي: محمد بن الطاهر الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق - عليه السلام - المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة وهو الإمام المشهور شارح الكافية لابن الحاجب الذي لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل ولقبه: نجم الأئمة
قال السيوطي: لم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة 483هـ1، وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة: أن وفاته سنة 684هـ، أو سنة 686هـ - الشك مني - وله شرح على الشافية. انتهى.
قال في مدينة العلوم: يروى أن الرضي كان على مذهب الرفض يحكى عنه أنه كان يقول: العدل في عمر ليس بتحقيق موضع - قوله: العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل - يقال: إنه ليس في المتأخرين من اطلع على تدقيقات كتاب سيبويه مثله. انتهى
وذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وقال: ذاكره شيخه السيرافي يوما وهو صبي فقال: رأيت عمرا ما علامة النصب في عمرو؟ فقال الرضي: بغض علي - أشار إلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي - فعجب الحاضرون من ذهنه مولده سنة 359هـ ببغداد ومات في سنة 406هـ.
قلت: ولو قال بدل قوله: بغض علي: خفض علي لكان أبدع وهو أشعر الطالبيين على كثرة شعرائهم المفلقين. انتهى.
وذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة وأثنى عليه وكان أنجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ولو قيل: إنه أشعر قريش لم يبعد عن الصدق يشهد بذلك شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها وديوانه في أربع مجلدات.
توفي بكرة يوم الأحد سادس المحرم وقيل: صفر ببغداد ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ وقد خربت الدار ودرس القبر ومضى أخوه المرتضى إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه.
حسن بن محمد بن شهنشاه: العلوي الإسترابادي أبو الفضائل السيد ركن الدين شارح الكافية.
قال ابن رافع في تاريخ بغداد: قدم مراغة واشتغل على نصير الدين وكان يتوقد ذكاء وفطنة.
أخذ أصول الفقه عن السيف الآمدي مات سنة 715هـ. وقال الأسنوي: سنة 718هـ.
قال الصفدي: كان شديد التواضع يقوم لكل أحد حتى السقاء شديد الحلم وافر الجلالة عند التتار عاش بضعا وسبعين سنة.
أبو بكر الخبيصي: صاحب شرح الحاجبية سماه: الموشح قال السيوطي: لا أعرف من ترجمته زيادة على هذا قلت: خبيص: قرية من قرى كرمان ونسبته إليها لا إلى بائع الخبيصة - كما توهمه بعض الناس - وعلى هذا الشرح فوائد مهمة للشريف الجرجاني - رحمه الله.
عبد الرحمن الجامي شارح الكافية: بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله أغنتنا عن التعرض لترجمته - قدس سره.
علي مجد الدين بن مسعود ابن محمد البسطامي: من أولاد الإمام فخر الدين الرازي المعروف: بمصنفك لأنه صنف كتبا شريفة في حداثة سنه والكاف: في لغة العجم: للتصغير وكان الفخر الرازي يصرح في مصنفاته: بأنه من أولاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وذكر أهل التاريخ: أنه من أولاد أبي بكر الصديق ولد مصنفك في سنة 803هـ، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلم في سنة 823هـ، ذكر له في مدينة العلوم تصانيف كثيرة يجل وصفها وهي بالعربية والفارسية وفي علم النحو والأدب والمعاني والبيان والفقه والأصول والمنطق والحكمة والتفسير إلى غير ذلك.
أبو البقا يعيش بن علي بن يعيش: النحوي الحلبي موفق الدين المشهور: بابن يعيش وكان يعرف: بابن الصائغ ولد في رمضان في سنة 553هـ بحلب كان من كبار أئمة العربية ماهرا في النحو والتصريف.
سمع الحديث على الخطيب الطوسي بالموصل وقدم دمشق وجالس تاج الدين الكندي وتصدر بحلب للإقراء زمانا وطال عمره وشاع ذكره وغالب فضلاء حلب تلامذته وكان حسن الفهم لطيف الطبع طويل الروح على المبتدي والمنتهي ظريف الشمائل كثير المجون.
حدث عنه جماعة آخرهم: أبو بكر الدشتي مات في سنة 643هـ.
قال ابن خلكان: لما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف - وكان دخولي إليها سنة 628هـ، وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلماء والمشتغلين وكان الشيخ موفق الدين شيخ الجماعة في الأدب لم يكن فيهم مثله - فشرعت في القراءة عليه وكان يقرئ بجامعها في المقصورة الشمالية بعد العصر وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية وكان عنده جماعة قد تنبهوا وتميزوا به وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء وابتدأت بكتاب اللمع لابن جني فقرأت عليه معظمها مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين وله شرح كتاب المفصل للزمخشري شرحه شرحا مستوفيا وليس في جملة الشروح مثله وشرح تصريف الملوكي لابن جني شرحا جيدا وانتفع به خلق كثير من أهل حلب وغيرها حتى أن الرؤساء الذين كانوا بحلب ذلك الزمان كانوا تلامذته - رحمه الله.
عبد الله بن يوسف بن أحمد الشيخ جمال الدين الحنبلي النحوي الأنصاري: أبو محمد الشهير: بابن هشام صاحب كتاب مغني اللبيب.
قال في الدرر الكامنة: ولد سنة 708هـ، ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وسمع على ابن حيان ديوان زهير بن أبي سلمى وحضر دروس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه للشافعي ثم تحنبل وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ.
وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة. انتهى ملخصاً.
قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب واشتهر في حياته وأقبل الناس عليه. انتهى.
قال السيوطي: وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة الهجرية.
أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن يونس النحاس النحوي: كان من الفضلاء وله تصانيف مفيدة وكتاب في النحو اسمه: التفاحة وكتاب الكافي في النحو وكتاب الناسخ والمنسوخ.
روى عن النسائي وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش والزجاج وابن الأنباري ونفطويه وأعيان أدباء العراق وكان قد رحل إليهم من مصر وكانت فيه خساسة وتقتير على نفسه وإذا وهب عمامة قطعها ثلاث عمائم بخلا وشحا وكان يلي شراء حوائجه بنفسه ويتحامل فيها على أهل معرفته مع هذا فكان للناس رغبة كبيرة في الأخذ عنه فنفع وأفاد.
وأخذ عنه خلق كثير توفي بمصر سنة 338هـ.
والنحاس: نسبة إلى من يعمل النحاس وأهل مصر يقولون لمن يعمل الأواني الصفرية: النحاس والله أعلم بالصواب.
يوسف بن أبي بكر محمد بن علي سراح الدين أبو يعقوب.
السكاكي: كان علامة بارعا في علوم شتى خصوصا المعاني والبيان وله كتاب مفتاح العلوم اشتمل على اثني عشر علما من العلوم العربية ونقل عنه أبو حيان في الارتشاف في مواضع وقال فيه: إن السكاكي من خوارزم وذكره الشيخ سراج الدين البلقيني فقال: هو الخوارزمي إمام في النحو والتصريف والمعاني والبيان والاستدلال والعروض والشعر وله النصيب الوافر من علم الكلام وسائر العلوم من رأى مصنفه علم تبحره وفضله ونبله مات بخوارزم في أوائل رجب سنة ست وعشرين وستمائة وكانت ولادته سنة 555هـ الهجرية.
محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشهير: بقطب الدين الشيرازي الشافعي العلامة: ولد بشيراز سنة 634هـ، وكان أبوه طبيبا فقرأ عليه وعلى عمه ثم سافر إلى نصير الطوسي فقرأ عليه وبرع ثم دخل الروم فأكرمه صاحبها وولي قضاء سيواس وملطية وقدم الشام ثم سكن تبريز وأقرأ بها العلوم العقلية وحدث بجامع الأصول عن الصدر القونوي عن يعقوب الهندباني عن المصنف.
وكان ينظر في شرح السنة للبغوي وكان يخالط الملوك ظريفا مزاحا لا يحمل درهما ولا يغير زي الصوفية وكان من بحور العلم ومن أذكياء العالم يخضع للفقهاء ويلازم الصلاة في جماعة وإذا صنف كتابا صام ولازم السهر ومسودته مبيضة ثم انقطع عن أبواب الأمراء والملوك إلى أن مات.
وله شرح كليات القانون لابن سينا وشرح حكمة الإشراق وصنف: كتاب درة التاج على لسان الفرس أدرج فيه جميع أقسام الحكمة النظرية والعملية وصنف في الهيئة: التحفة ونهاية الإدراك وغير ذلك ومصنفاته كثيرة كلها في غاية الحسن والإتقان مات - رحمه الله - في أربع وعشرين من رمضان سنة 716هـ.
مسعود بن القاضي فخر الدين عمر بن برهان الدين الشهير: بسعد الدين التفتازاني: الإمام العلامة عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها شافعي.
قال ابن حجر الحافظ: ولد سنة 712هـ، وأخذ عن القطب والعضد وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه.
وله: شرح العضدي وشرح التلخيص مطول وآخر مختصر وشرح القسم الثالث من المفتاح وله: التلويح شرح التوضيح وشرح العقائد النسفية وشرح الشمسية في المنطق وشرح تصريف الزنجاني والإرشاد في النحو وتهذيب المنطق والكلام وحاشية الكشاف ولم يتم وغير ذلك وتصانيفه كثيرة وكان في لسانه لكنة وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق مات بسمرقند سنة 791هـ، ذكره فتح الله الشرواني في أوائل شرحه للإرشاد وقال: لقد زرت مرقده المقدس بسرخس فوجدت مكتوبا على صندوق مرقده من جانب القدوم: ولد في صفر سنة 722هـ، وتوفي سنة 791هـ بسمرقند ونقل إلى سرخس. انتهى ثم ذكر تاريخ تأليف سائر مؤلفاته - رحمه الله تعالى.
علي بن محمد بن علي الحنفي الشريف الجرجاني: قال العيني في تاريخه: عالم بلاد الشرق كان علامة دهره وفهامة عصره وكان بينه وبين الشيخ سعد الدين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تيمورلنك وله تصانيف مفيدة.
منها: شرح المواقف للعضد وحواشي شرح الأصفهاني على التجريد للطوسي ويقال: إن مصنفاته زادت على خمسين كتابا مات سنة 814هـ. انتهى.
قال السيوطي: ومن مصنفاته: شرح القسم الثالث من المفتاح وحاشية المطول والمختصر وحاشية الكشاف ولم يتم وله: رسالة في تحقيق معاني الحروف وأفادني سيدنا المؤرخ شمس الدين بن عزم: أن مولد الشريف الجرجاني بجرجان من ولاية إستراباد سنة 740هـ، وأنه توفي بشيراز في سادس ربيع الثاني سنة 816هـ. قلت: فمدة عمره - رحمه الله - ست وسبعون سنة نقل السيوطي عن شيخه محمد الكافيجي أنه قال: السيد الشريف وقطب الدين الرازي: لم يرزقا علم العربية بل كانا حكيمين.
قال في مدينة العلوم: قلت: وهذا الكلام خروج عن الإنصاف ولا يلزم من عدم انفرادهما بعلم العربية ومشاركتهما لسائر العلوم عدم معرفتهما بها فانظر بالإنصاف في تصانيفهما مباحث تتعلق بالعربية وقد عجز عنها القدماء من أرباب العلوم العربية.
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا.
انتهى. برهان الدين حيدر الشيرازي ثم الرومي كان علامة بالمعاني والبيان والعربية.
أخذ عن التفتازاني وشرح الإيضاح للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الروم وأقرأ وأفتى على مذهب أبي حنيفة ومات بعد العشرين وثمانمائة.
قال السيوطي: أخذ عنه شيخنا: محيي الدين الكافيجي - رحمه الله.
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الإيجي: العلامة الشافعي المشهور: بالعضد.
قال في الدرر الكامنة: وكان إماما في المعقول قائما بالأصول والمعاني والعربية مشاركا في الفنون كريم النفس كثير المال جدا كثير الإنعام على الطلبة.
ولد بعد السبعمائة وأخذ عن مشائخ عصره ولازم الشيخ زين الدين تلميذ البيضاوي وولي قضاء المماليك ومن تلامذته: الشيخ شمس الدين الكرماني وسيف الدين الأبهري والتفتازاني وجرت له محنة مع صاحب كرمان حبسه في القلعة ومات مسجونا سنة 756هـ وأورد ابن السبكي في الطبقات الشافعية: ما كتبه عضد الدين يستفتي به أهل عصره فيما وقع في الكشاف في قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} حيث قال: من مثله متعلق بسورة صفة لها أي: بسورة كائنة من مثله والضمير: لما نزلنا أو لعبده ويجوز أن يتعلق بقوله: {فَأْتُوا} والضمير: للعبد حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري فما الفرق بين: فأتوا بسورة كائنة من مثله فأنزلناه وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة؟ وكتب الجواب كثير من الفضلاء - سيما فخر الدين الجاربردي - ثم رد جواب عضد الدين إبراهيم ولد الجاربردي وأطالوا الكلام فيه تركنا ذكرها1 لطولها وعدم تعلق غرضنا بها في هذا المقام وله تصانيف جمة كثيرة الفوائد منها: الفوائد الغياثية مختصر المفتاح.
محمد بن يوسف بن علي بن سعيد: شمس الدين الكرماني ثم البغدادي شارح البخاري الإمام العلامة في الحديث والتفسير والأصلين والفقه والمعاني والعربية قال ابنه في ذيل المسالك: ولد يوم الخميس سنة 717هـ، وقرأ على والده بهاء الدين ثم انتقل إلى كرمان وأخذ عن العضد وغيره وبهر وفاق أقرانه وفضل غالب أهل زمانه ثم دخل دمشق ومصر وقرأ بها البخاري على ناصر الدين الفارقي.
وسمع من جماعة وحج ورجع إلى بغداد واستوطنها وكان تام الخلق فيه بشاشة وتواضع للفقراء والعلماء غير مكترث بأهل الدنيا ولا ملتفت إليهم ويأتي إليه السلاطين في بيته ويسألونه: الدعاء والنصيحة.
وله من التصانيف: شرح البخاري أربع مجلدات.
وشرح المواقف وشرح الفوائد الغياثية في المعاني والبيان وحاشية على تفسير البيضاوي ورسالة في مسألة الكحل مات يوم الخميس سنة 786هـ، فنقل إلى بغداد ودفن بقبر أعده لنفسه بقرب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
محمد بن علي بن السيد الشريف الجرجاني: صاحب التصانيف. قرأ على والده وبرع وأكمل حاشية أبيه على المتوسط وشرح الإرشاد في النحو للتفتازاني وشرح هداية الحكمة.
وله: رسالة مختصرة في المنطق أورد فيها ما يحتاج إليه كتبها على أسلوب رسالة والده في المنطق مع زيادات شريفة لكن والده كتبها بالفارسية وشرح الفوائد الغياثية ممزوجا - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
أبو القاسم هبة الله بن الفضل المعروف: بابن القطان الشاعر المشهور البغدادي.
سمع الحديث من جماعة من المشائخ.
وسمع عليه وكان غاية في الخلاعة والمجون كثير المزاح والمداعبة والهجاء مغرى بالولوع بالمتعجرفين ولم يسلم منه أحد لا الخليفة ولا غيره ولهم وله في ذلك نوادر ووقائع وحكايات ظريفة وله ديوان شعر عبث فيه بجماعة من الأعيان وثلبهم وله مع حيص بيص1 ماجريات وله كتاب عروض أكثره جيد.
ولد سنة 477هـ، وتوفي سنة 558هـ ببغداد ودفن بمقبرة معروف الكرخي يوم العيد.
قال ابن خلكان: ولولا إيثار الاختصار لذكرت من أحواله ومضحكاته شيئا كثيرا فإنه كان آية في هذا الباب.
محمد بن علي بن عبد الرحمن الشيخ أمين الدين المحلي: قال الذهبي: أحد أئمة النحو بالقاهرة تصدر لإقرائه وانتفع به الناس وله شعر حسن وتصانيفه حسنة منها: أرجوزة في العروض وشفاء العليل في علم الخليل مات سنة 673هـ، عن ثلاث وسبعين سنة.
يحيى بن علي بن محمد المعروف: بابن الخطيب التبريزي.
قال ياقوت: وربما يقال له: الخطيب وهو وهم صاحب العروض كان أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب حجة صدوقا ثبتا هاجر إلى أبي العلاء المعري.
وأخذ عنه وعن عبيد الله الرقي وابن البرهان وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم.
وسمع الحديث وكتب الأدب على خلق منهم: القاضي أبو الطيب الطبري وأبو القاسم التنوخي والخطيب البغدادي.
وروى عنه السلفي وتخرج عليه خلق كثير وتتلمذوا له ذكره السمعاني في كتاب الذيل وذكر فضائله.
وله: تهذيب غريب الحديث وله في النحو مقدمات حسنة وكتاب في إعراب القرآن سماه: الملخص.
قال ابن خلكان: رأيته في أربع مجلدات وكان قد دخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات وولي تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب بها وانتهت إليه الرياسة في فنه وشاع ذكره في الأقطار وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه. صنف: شرح القصائد العشر والكافي في العروض والقوافي وثلاثة شروح على الحماسة وشرح شعر المتنبي وشعر أبي تمام وغير ذلك ولد سنة 441هـ، ومات فجاءة في سنة 502هـ الهجرية.
علي بن جعفر بن علي السعدي: المعروف بابن القطاع الصيقلي المولد المصري الدار والوفاة كان أحد أئمة الأدب خصوصا اللغة صاحب الكتاب المعروف: الشافي في علم القوافي.
قال ياقوت: كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب قرأ على أبي بكر الصيقلي وروى عنه الصحاح للجوهري وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية صنف: الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجود من الأفعال لابن القوطية وإن كان ذلك قد سبقه إليه وله: كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعى وفيه دلالة على كثرة اطلاعه.
وله حواشي الصحاح والدرة الخطيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة وكتاب لمح الملح جمع فيه خلقا من شعراء الأندلس وغير ذلك وأجاد في النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة 500هـ، وبالغ أهل مصر في إكرامه وله شعر كثير ذكر طرفا صالحا منه ابن خلكان في تاريخه.
ولد سنة 433هـ بصقلية ومات سنة 515هـ، أو سنة 514هـ، ودفن بقرب ضريح الإمام الهمام: محمد بن إدريس الشافعي - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم: محمد بن محمد المعروف: بابن الأثير الجزري الملقب: بضياء الدين.
كان مولده بجزيرة ابن عمرو نشأ بها وانتقل مع والده إلى الموصل وبها اشتغل وحصل العلوم وحفظ: كتاب الله الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية ومن النحو واللغة وعلم البيان وشيئا كثيرا من الأشعار.
وله: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر وهو في مجلدين ولد سنة 558هـ، وتوفي سنة 632 ببغداد وكان له أخوان:
أحدهما: مجد الدين أبو السعادات المبارك تقدم ذكره في اللغة.
والآخر: أبو الحسن علي الملقب: عز الدين يأتي ذكره في التواريخ وكان الإخوة الثلاثة كلهم فضلاء نجباء أصحاب التصانيف المقبولة قلما يتفق إخوة مثل هؤلاء وهم مشهورون بابن الأثير رحمهم الله تعالى.
أبو القاسم علي بن محمد الحريري: صاحب المقامات ولد في حدود سنة 446هـ، وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة تصانيفه تشهد بفضله وكفى له شاهدا على ذلك: المقامات التي فاق بها الأوائل وأعجز الأواخر وكان مولده ببلد قريب من البصرة يقال له: المشان وكان دميما مبتلى بنتف اللحية.
قيل: إنه كتب سبعمائة نسخة من المقامات بخطه وقرئت عليه وله ديوان شعر مات بالبصرة في سادس رجب سنة 515هـ.
ذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وأشعارا له وقال: إمام في النحو واللغة وله عدة مصنفات منها: المقامات طبقت الأرض شهرة أمره بتصنيفها أنوشيروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود وكان خصيصا به قدم بغداد ونزل الحريم.
والحريري: بصري المولد والمنشأ من بني ربيعة الفرس وكان من أهل اليسار يقال: إنه كان له ثماني عشرة ألف نخلة بمشان البصرة وأصله منها وخلف ابنين: الواحد: عبد الله من رواة المقامات والثاني: كان متفقها. انتهى. - رحمهما الله.
أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ: صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بن بويه الديلمي تقلد ديوان الرسائل وله كل شيء حسن من المنظوم والمنثور توفي سنة 384هـ ببغداد وعمره: إحدى وسبعون سنة.
قيل: إن صديقا له دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله: عما يعمل؟ فقال: أباطيل أنمقها وأكاذيب الفقهاء أبو الفضل أحمد بن الحسين المعروف: ببديع الهمداني صاحب الرسائل الرائقة والمقامات الفائقة وعلى منواله نسج الحريري مقاماته واحتذى حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج وهو أحد الفضلاء الفصحاء وله النظم المليح.
روى عن أحمد بن فارس صاحب المجمل في اللغة وسكن هراة من بلاد خراسان وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر.
فمن رسائله: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف: يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام.
ومنها: حضرته التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرم لا مشعر الحرم ومنى الضيف لا منى الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة وكانت وفاته سنة 398هـ، مسموما بمدينة هراة.
ويحكى: أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر - والله أعلم.
أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي الداني: كان فاضلا في علوم الأدب صنف كتابه الذي سماه: الحديقة على أسلوب يتيمة الدهر للثعالبي.
وكان عارفا بفن الحكمة فكان يقال له: الأديب الحكيم سكن الإسكندرية ذكره العماد في الخريدة وأثنى عليه وذكر أشياء من نظمه توفي - رحمه الله - سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
أبو أحمد بن عبد الله بن السعيد العسكري: أحد الأئمة في الآداب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر وله التصانيف المفيدة منها: كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وكتاب الحكم والأمثال توفي سنة 382هـ، والعسكري: نسبة إلى عدة مواضع أشهرها: عسكر مكرم الباهلي: وهي مدينة من كور الأهواز.
أبو علي الحسن بن رشيق: المعروف: بالقيرواني أحد الأفاضل البلغاء له التصانيف المليحة منها: كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد وأبوه: مملوك رومي من موالي الأزد توفي سنة 463هـ رحمه الله تعالى ومن شعره:
يارب لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استعنت على الضعيف المؤذي ما لي بعثت إلي ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمروذ
وله أيضا:
وقائلة: ماذا الشحوب وذا الضنا؟ ... فقلت لها قول المشوق المتيم:
هواك أتاني وهو ضيف أعزه ... فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
ومن تصانيفه أيضا: قراضة الذهب وهو لطيف الجرم كثير الفائدة وله: كتاب الشذوذ في اللغة يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها.
الشيخ المجيد: أبو علي الحسن بن عبد الصمد بن الشحناء العسقلاني: صاحب الخطب المشهورة والرسائل المحبرة كان من فرسان النثر وله فيه اليد الطولى.
ذكره العماد في الخريدة فقال: المجيد: مجيد كنعته قادر على ابتداع الكلام ونحته له الخطب البديعة والملح الصنيعة.
وذكره ابن بسام في الذخيرة وسرد جملة من رسائله توفي مقتولا بخزانة البنود: وهي سجن بمدينة القاهرة المعزية في سنة 482هـ ومن شعره:
حجاب وإعجاب وفرط تصلف ... ومد يد نحو العلا بتكلف
ولو كان هذا من وراء كفاية ... عذرنا ولكن من وراء تخلف
أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الملقب بتاج الدين البغدادي: كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع وكان يبتاع الخليع ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها واستوطن دمشق وقصده الناس وأخذوا عنه توفي - رحمه الله تعالى - سنة 613هـ الهجرية.
أبو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب المشهور: به يضرب المثل في البلاغة حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان في كل فن من العلم والأدب إماما وهو من أهل الشام وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة.
وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التمهيدات في فصول الكتب فاستعمل الناس ذلك بعده وكان كاتب مروان بن الحكم الأموي: آخر ملوك بني أمية المعروف: بالجعدي.
ومن كلامه: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وخير الكلام: ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا ثم إنه قتل مع مروان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الطاهر: كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي.
وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله ديوان شعر كبير.
وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه.
وله: كتاب الغرور والدرر هي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم
ولد في سنة 355هـ، وتوفي في سنة 436هـ ببغداد ودفن في داره عشية ذلك النهار
أبو نصر الفتح بن عبد الله بن خاقان القيسي الإشبيلي: صاحب كتاب قلائد العقيان له: عدة تصانيف منها: القلائد جمع فيه من شعراء المغرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة وكلامه في مؤلفاته تدل على غزارة فضله وسعة مادته.
وكان كثير الأسفار سريع التنقلات توفي في سنة 525هـ، بمدينة مراكش.
قال ابن دحية: كان خليع العذار في دنياه لكن كلامه في تواليفه كالسحر الحلال والماء الزلال قتل ذبحا في مسكنه بفندق من حضرة مراكش في سنة 529هـ. انتهى.
الصاحب: أبو القاسم إسماعيل بن عباد الطالقاني: كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه.
أخذ الأدب عن: ابن فارس اللغوي وابن العميد وغيرهما.
قال الثعلبي في اليتيمة: ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب. انتهى.
نشأ من الوزارة في حجرها ودب ودرج في وكرها وكان وزير ابن بويه الديلمي واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره ومدحوه بغرر المدائح.
صنف في اللغة: كتبا سماها: المحيط وهو في سبع مجلدات اشتمل من اللغة على جزء متوفر وله: رسائل بديعة ونظم جيد فمنه قوله:
وشادن جماله تقصر عنه صفتي ... أهوى لتقبيل يدي فقلت: قبل شفتي
وله في رقة الخمر:
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
ولد سنة 326هـ، وتوفي سنة 385هـ، بالري ثم نقل إلى أصبهان والطالقان: اسم لمدينتين أحدهما: بخراسان والأخرى: من أعمال قزوين والصاحب من الأخرى.
مفضل بن محمد الأصفهاني أبو القاسم الراغب: كان في أوائل المائة الخامسة له: المحاضرات وأفانين البلاغة وغير ذلك والناس يظنون أنه معتزلي لكن نقل السيوطي عن الفخر الرازي: أنه من أئمة السنة وقرنه بالغزالي وهذه فائدة حسنة فلا عبرة بظنون الناس وإن بعض الظن إثم.
أبو المعالي محمد بن أبي سعيد بن الحسن بن حمدون: الكاتب الملقب: كافي الكفاءة بهاء الدين البغدادي صاحب: التذكرة الحمدونية في علم المحاضرات كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة وكتابه: التذكرة من أحسن المجامع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله. ولد في سنة 495هـ، وتوفي سنة 562هـ، وكان موته في الحبس.
أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربه: مولى هشام القرطبي صاحب كتاب العقد الفريد كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس وكتابه: العقد من الكتب الممتعة حوى من كل شيء طبع في هذا الزمان بمصر القاهرة وله ديوان شعر جيد تشمل أشعاره كل معنى مليح وكل لفظ فصيح.
ولد في سنة 246هـ، وتوفي في سنة 328هـ، وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك بأعوام وقرطبة: بالضم: مدينة كبيرة من بلاد الأندلس وهي دار مملكتها.
أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد: الكاتب الأموي الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني الذي طبع بمصر حالاً.
ولد بأصبهان ونشأ ببغداد وكان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها عالما بأيام الناس والأنساب والسير.
روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم.
قال التنوخي: وكان من المتشيعين الذي شاهدناهم وكان يحفظ من اللغة والنحو والمغازي والسير والأغاني والخرافات والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب مالم أر قط يحفظه مثله ويحفظ دون ذلك من علوم أخر ومن آلات المنادمة شيئا كثيرا مثل: البيطرة وعلم الجوارح وطرف من الطب والنجوم والأشربة وغيرها وشعره يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء.
وله من المصنفات المستملحة: كتاب الأغاني في المحاضرات الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال: إنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه.
وحكي: عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها.
ومنها: كتاب القيان وكتاب الديارات وكتاب دعوة الأطباء.
ومنها: كتاب جمهرة النسب وكتاب الغلمان المغنين وكتاب الإماء الشواعر وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح وشعره كثير ومحاسنه شهيرة.
ولد في سنة 284هـ، وتوفي سنة 356هـ ببغداد وكان قد خلط قبل أن يموت وكان من أولاد مروان بن الحكم الأموي آخر خلفاء بني أمية وهو: أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ.
أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني المعروف: بابن أبي حجلة: نزيل دمشق ثم القاهرة.
ولد سنة 725هـ، واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع ومهر في الأدب ونظم الكتب ونثر فأجاد وترسل ففاق وعمل المقامات وغيرها وكان حنفي المذهب حنبلي المعتقد وكان كثير الحط على الاتحادية صنف: كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلها النبوية وكان يحط عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على أهل نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد سراج الهندي وكان يقول الشعر ولا يحسن العروض وجمع مجاميع حسنة منها: ديوان الصبابة ومنطق الطير وسكردان السلطان في علم المحاضرات والأدب الغض وأطيب الطيب والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة وقصيرات الحجال وغير ذلك مات في مستهل ذي الحجة سنة 776هـ، وله إحدى وخمسون سنة.
كمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي: المصري صاحب كتاب حياة الحيوان في علم المحاضرة وله: تصانيف مفيدة في علوم عديدة كان كثير العبادة قائما بالصوم عدم النظير في وقته وكان يكتسب أولا بالخياطة ثم تركه ولم يتقلد القضاء أصلا ولا لبس لبسا فاخراً.
أخذ عن الأسنوي والعراقي وأعيان العلماء ومن تأمل كتابه: حياة الحيوان وما أودعه فيه من الغرائب والفوائد عرف فضله.
ولد سنة 743هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 808هـ، والدميري: بكسر الدال والميم وقيل: بفتحها وكسر الميم قال في مدينة العلوم: ولعل الصواب هو الأخير لأني قد وجدته مضبوطا بخط بعض الثقات.
أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري: صاحب كتاب: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها.
والثعالبي: نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها.
وله: كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة.
قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه: كان في وقته راعي تلعات العلم وجامع أشتات النثر والنظم رأس المؤلفين في زمانه وإمام المصنفين بحكم أقرانه سار ذكره سير المثل وضربت إليه آباط الإبل وتواليفه أشهر مواضع وأبهر مطالع وأكثر راو لها وجامع طلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب.
ولد سنة 350هـ، وتوفي سنة 429هـ، وله كتاب: مؤنس الوحيد في المحاضرات وشيء كثير جمع فيه أشعار الناس ورسائلهم وأخبارهم وأحوالهم وفيها دلالة على كثرة اطلاعه وله أشعار كثيرة ذكر طرفا منها ابن خلكان في تاريخه.
محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي: الطائي الأندلسي يعرف: بابن عربي1 عمدة الواصلين وسند السالكين كان جليل الشأن في العلم والعمل وله المصنفات الوافرة والمؤلفات الزاخرة منها:
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار من كتب علم المحاضرة.
مولده سنة 560هـ.
وعنه أخذ: الشيخ شرف الدين بن الفارض والشيخ صدر الدين القونوي.
وتوفي سنة 638هـ، ودفن بالصالحية بسفح قاسيون بتربة بني الزكي وقبره بها يزار بدمشق وكان أبوه خمّاراً بها.
حبيب بن أوس بن الحارث أبو تمام الطائي
صاحب الحماسة
وكان1 أبو تمام أسمر طويلا فصيحا حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة واشتغل وتنقل إلى أن صار منه ما صار.
وتوفي بالموصل سنة 231هـ، أو سنة 228هـ، أو سنة 229هـ، وقيل: سنة 232هـ، كذا قاله ابن خلكان في تاريخه: وفيات الأعيان.
أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور: المعروف: بالبسام الشاعر المشهور صاحب الذخيرة.
كانت أمه: أمامة: ابنة حمدون النديم وهو من أعيان الشعراء وأفاضل الظرفاء لسنا مطبوعا في الهجاء لم يسلم منه أمير ولا وزير ولا صغير ولا كبير.
توفي سنة 303هـ، أو 302هـ، عن نيف وسبعين سنة.
أحمد بن عبد الله بن سيلمان التنوخي: أبو العلاء المعري من معرة النعمان من الشام بالقرب من حماة غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم عالما باللغة حاذقا بالنحو جيد الشعر جزل الكلام شهرته تغني عن صفته.
وله التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة وله من النظم: لزوم مالا يلزم وهو كبير في خمسة أجزاء أو ما يقاربها وله: سقط الزند وشرحه بنفسه وسماه: ضوء السقط وله: كتاب الأيك والغصون في الأدب يقارب المائة جزء وكان علامة عصره متضلعا من فنون الأدب.
ولد يوم الجمعة عند الغروب لثلاث بقين من ربيع الأول سنة 363هـ، بالمعرة وجدر في السنة الثالثة من عمره فعمي منه وهو مجدر الوجه نحيف الجسم وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوبا مصبوغا بالعصفر قال الشعر وهو ابن إحدى أو اثنتي عشرة سنة.
وأخذ النحو واللغة عن أبيه وعن محمد بن سعد النحوي بحلب وهو من بيت علم ورياسة وكان متهما في دينه يرى رأي البراهمة والحكماء المتقدمين لا يرى أكل اللحم ولا يؤمن بالبعث والنشور وبعث الرسل وشعره المتضمن للإلحاد كثير.
قال ابن العميل في كتابه: وقع التجري على المعري: كان يرميه أهل الحسد بالتعطيل ويعملون على لسانه الأشعار يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه وقد نقل عنه أشعار تتضمن صحة عقيدته وكذب ما ينسب إليه من إسناد الإلحاد إليه.
وقال الذهبي: إنه ملحد وحكم بزندقته وقال السلفي: أظنه تاب وأناب.
وله من التصانيف: ديوان الشعر وشرح شعر المتنبي وسماه: معجز أحمد وشرح شعر البحتري وسماه: عبث الوليد واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه: ذكرى حبيب.
والتنوخي: نسبة إلى تنوخ وهو: اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التناصر وأقاموا هناك فسموا: تنوخا والتنوخ: الإقامة وهذه القبيلة: إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب وهم: بهراء وتنوخ وتغلب.
مات ليلة الجمعة سنة 449هـ، وذكر له ابن الوردي ترجمة حافلة في تاريخه فليعلم.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي أبو الطيب المتنبي:
الشاعر المشهور وقيل: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار وهو من أهل الكوفة قدم إلى الشام في صباه وجال في أقطاره واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر حتى قيل: إن الشيخ أبا علي الفارسي قال له يوما: كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟
فقال في الحال: حجلى وظربى.
قال أبو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثا فلم أجد
قال ابن خلكان: وحسبك أن يقول في حقه أبو علي هذه المقالة وكان شعره بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة والحكمة وسائر المحاسن بحيث لا حاجة إلى مدحه.
والناس في شعره على اختلاف.
منهم: من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده.
ومنهم: من يرجح شعر أبي تمام عليه.
اعتنى العلماء بشرح ديوانه حتى قال بعضهم: وقفت له على أكثر من أربعين شرحا ما بين مطول ومختصر ولم يفعل هذا بديوان غيره ولا شك أنه كان رجلا مسعودا رزق السعادة التامة في شعره وإنما قيل له: المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم حتى حبس ثم تاب وأطلق وهذا أصح وقيل: لقوله: أنا أول نبي بالشعر وقيل: لقوله:
أنا في أمة تداركها اللـ ... ـه غريب كصالح في ثمود
وكان سبب قتله قوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والحرب والضرب والقرطاس والقلم
وذلك في رمضان سنة 354هـ، ومولده بالكوفة سنة 303هـ، بمحلة كندة.
ويقال: إن أباه كان سقاء بالكوفة وبالجملة: فسمو نفسه وعلو همته وأخباره وماجرياته: كثيرة والاختصار أولى.
أبو عبادة وليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري الشاعر المشهور: صاحب الديوان.
مدح كثيرا من الخلفاء أولهم: المتوكل على الله وكثيرا من الأكابر والرؤساء وأقام ببغداد زمانا ثم عاد إلى الشام وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها وكان يتغزل بها.
روى عنه أشياء من شعره: المبرد والمحاملي والحكيمي والصولي.
قيل له: أيهما أشعر أنت أم أبو تمام؟ قال: جيده خير من جيدي ورديي خير من رديه.
وقيل للمعري: أي الثلاثة أشعر أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال: هما حكيمان والشاعر البحتري. قال ابن خلكان: ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله:
والفتى البحتري يسرق مآقا ... مثل ابن أوس في المدح والتشبيب
كل بيت له يجود معنا ... هـ فمعناه لابن أوس حبيب
وشعره سائر وديوانه موجود دائر فلا حاجة إلى الإكثار في مدح شعره.
وجمع شعره على الحروف: أبو بكر الصولي.
وعلى الأنواع: علي بن حمزة.
وللبحتري: كتاب الحماسة على مثال حماسة أبي تمام وله: كتاب معاني الشعر
ولد سنة ست أو سبع أو خمس أو ثلاث أو اثنتين ومائتين والأول: أصح.
وكان يقال لشعره: سلاسل الذهب وهو في الطبقة العليا قال ابن الجوزي - في كتاب أعمار الأعيان -: توفي البحتري وهو ابن ثمانين سنة وكان موته بمنيح - أطال ابن خلكان في ترجمته.
جرير بن عطية بن الخطفي التميمي الشاعر المشهور صاحب ديوان الشعر: كان من فحول شعراء الإسلام وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض وهو أشعر منه عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن.
وأجمعت العلماء على: أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل ويقال: إن بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح ونسيب وهجاء وفي الأربعة: فاق جرير على غيره ويلقب: بابن المراغة وهذا لقب لأمه هجاه ابن الأخطل ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها
ولما مات الفرزدق وبلغ خبره جريرا بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده وقل ما مات ضد أو صديق إلا تبعه صاحبه وكذلك كان فتوفي سنة 110هـ، وفيها مات الفرزدق وكان وفاته باليمامة وعمره نيفا وثمانين سنة ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه: وفيات الأعيان.
أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور بالفرزدق:
صاحب جرير وكان بينهما من المهاجاة والمعاداة ما هو المشهور في كتب المحاضرات وقد جمع لهما كتاب يسمى: النقائض وهو من الكتب المشهورة.
توفي بالبصرة سنة 110هـ، قبل جرير بأربعين أو ثمانين يوماً.
قال ابن الجوزي: إنهما توفيا في سنة 111هـ، قيل: لقي الفرزدق علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد قارب المائة.
والفرزدق: قطع العجين وإنما لقب به: لغلظه وقصره وقيل: لأنه كان جهم الوجه وقد أصابه جدري في وجهه وهذا القول: أصح وقصائده مشهورة موجودة منها: قصيدته في مدح الإمام زين العابدين التي سارت بها الركبان وشرحها جمع جم من الأعيان أولها:
هذا سليل حسين وابن فاطمة ... بنت الرسول الذي انجابت به الظلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
....إلخ وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما والأكثرون على أن جرير أشعر منه وأخبار الفرزدق كثيرة والاختصار أولى.
وذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة وذكر قصيدته المذكورة مع قصتها ولهذه القصيدة ترجمة بالنظم للشيخ عبد الرحمن الجامي ولها شرح للمولوي جميل أحمد البلجرامي بالفارسي.
قال ابن خلكان: وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه وساعده على بلوغ غرضه. انتهى.
أبو نواس حسن بن هاني ابن عبد الأول: الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها.
وقيل: ولد بالأهواز ثم خرج إلى الكوفة ثم إلى بغداد.
وأمه: هوازية اسمها: جلبان وكان أبوه من جند مروان بن محمد - آخر ملوك بني أمية - وكان من أهل دمشق وانتقل إلى الأهواز للرباط فتزوج جلبان وأولدها عدة أولاد منهم: أبو نواس وأبو معاذ.
وروي أن الخصيب - صاحب ديوان الخراج بمصر - سأل أبا نواس: عن نسبه؟ فقال: أغناني أدبي عن نسبي فأمسك عنه.
قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه - مع قلة كتبه - ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطرا فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير.
وكان في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد فيها وقد اعتنى بجمع شعره طائفة من الفضلاء منهم: الصولي وتوزون ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وأخباره كثيرة وأشعاره شهيرة.
ولد في سنة 145هـ، أو سنة 136هـ، وتوفي سنة خمس أو ست وثمانين أو تسعين ومائة ببغداد وإنما قيل له: أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه وما أحسن ظنه بربه عز وجل حيث قال:
تكثر ما استطعت من الخطايا ... فإنك بالغ ربا غفورا
ستبصر إن وردت عليه عفوا ... وتلقى سيدا ملكا كبيرا
تعض ندامة كفيك مما ... تركت مخافة النار السرورا
قال ابن خلكان: وهذا من أحسن المعاني وأغربها وأخباره كثيرة ومن شعره الفائق: قصيدته الميمية أولها:
يا دار ما صنعت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام
أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد الملقب: مؤيد الدين عميد الملك فخر الكتاب الأصبهاني المنشي المعروف: بالطغرائي، كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ذكره السمعاني وأثنى عليه.
له ديوان شعر جيد ومن محاسن شعره: قصيدته المعروفة: بلامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة 505هـ، يصف حاله ويشكو زمانه أولها:
أصالة الرأي ضانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل وهي مذكورة في تاريخ ابن خلكان بتمامها.
وذكره أبو المعالي الخطيري في كتاب زينة الدهر وذكر له مقاطيع.
وذكره أبو البركات في المستوفي في تاريخ إربل وقال: إنه ولي الوزارة في مدينة إربل مدة وذكر العماد الكاتب في نصرة الفترة وعصرة القطرة - وهو تاريخ الدولة السلجوقية -: إن الطغرائي كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل قتل سنة ثلاث أو أربع أو ثماني عشرة وخمسمائة وقد جاوز ستين سنة.
والطغرائي: نسبة إلى من يكتب الطغراء: وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ومضمونها: نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه وهي لفظة أعجمية.
قال ابن الأثير في الكامل: كان الأستاذ يميل إلى صنعة الكيمياء وله فيها تصانيف قد ضيعت من الناس أموالا لاتحصى قيل: وتلك التصانيف معتبرة عند أهلها.
منها: كتاب مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة ومنها: جامع الأسرار وتراكيب النوار وكتاب حقائق الاستشهادات بين فيه إثبات صناعة الكيمياء ورد على ابن سينا في إبطالها بمقدمات من كتاب الشفاء يقال: إنه ألقى مثقالا من الإكسير على ستين ألف وأخرى على ثلاثمائة ألف فصار ذهباً.
وإنما سمى قصيدته: لامية العجم تشبيها بلامية العرب التي مطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
واللاميات كثيرة منها: لامية حسان الهند مير غلام علي آزاد البلجرامي في ديوانه - ولله درها - وما أبلغها وأفصحه؟
أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد وفي ابن خلكان: أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة كان شاعرا مجيدا إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها جمع فيها بين حسن السبك وجودة المعاني وفيها دلالة على غزارة علمه وقوة قريحته وهو من أهل ميافارقين وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي وقالوا: إنه سمع عليه بعض ديوانه طاف البلاد ومدح الملوك والوزارء والرؤساء وله في سيف الدولة بن حمدان غر القصائد ونخب المدائح ومعظم شعره جيد وله ديوان كبير.
وكان سيف الدولة كثير الغزوات فلهذا أكثر الخطيب من خطب الجهاد ليحض الناس عليه ويحثهم على نصرته وكان رجلا صالحا ذكر الشيخ تاج الدين الكندي - بإسناده المتصل إلى الخطيب - أنه قال: لما عملت خطبة المنام وخطبت بها يوم الجمعة رأيت ليلة السبت في منامي كأني بظاهر ميافارقين عند الجبانة فقلت: ما هذا الجمع؟.
فقال لي قائل: هذا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فقصدت إليه لأسلم عليه فلما دنوت منه التفت فرآني فقال: مرحبا يا خطيب الخطباء كيف تقول؟ وأومى إلى القبور قلت: لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا: ... - إلى آخر ما ذكره ابن خلكان - فقال لي: أحسنت ادن فدنوت منه صلى الله عليه وسلم فأخذ وجهي وقبله وتفل في فمي وقال: وفقك الله. قال: فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجل عن الوصف فأخبرت أهلي بما رأيت.
قال الكندي: وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم طعاما ولا يشتهيه وتوجد في فيه رائحة المسك ولم يعش إلا مدة يسيرة ولما استيقظ من منامه كان على وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذلك وقص رؤياه على الناس وقال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وعاش ثمانية عشر يوما لا يستطعم فيها طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها.
قال الوزير أبو القاسم بن المغربي: رأيت ابن نباتة في المنام بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر وهما:
قد كان أمن لك من قبل ذا ... واليوم أضحى لك أمنان
والصفح لا يحسن عن محسن ... وإنما يحسن عن جاني
ولد سنة 335هـ، وتوفي سنة 374هـ، ببغداد.
قال: كنت يوما قائلا في دهليزي فدق علي الباب.
فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل الشرق.
فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت بالسيف مات بعلة ... تنوعت الأسباب والداء واحد
فقلت: نعم فقال: أرويه عنك؟ قلت: نعم فما كان آخر النهار دق علي الباب فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل تاهرت من الغرب.
فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت ... الخ ... ؟
فقلت: نعم فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب؟
قلت: وعدم القدرة على الشعر ونظمه ثلمة في كون العالم من الطبقة الأولى لأهل العلم كما حرره وقدره شيخنا وبركتنا: محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - وتقدم.
أبو العباس عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد الهاشمي: أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغيرهما كان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا في جملتهم شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد رخي البال في عيش رغيد إلى أن خلع المقتدر وبويع ابن المعتز ولقبوه: المرتضي بالله.
وقيل: المنصف بالله.
وقيل: الغالب بالله.
وقيل: الراضي بالله.
أقام يوما وليلة ثم أعيد المقتدر واختفى ابن المعتز ثم أخذه المقتدر وقتله يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين والقصة مشهورة وفيها طول وهذه خلاصتها.
وله من التصانيف: كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حلى الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وغير ذلك وله أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فائقة وله الأبيات المشهورة:
سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
فطالما نبهتني بالصبوح لها ... في غرة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعارين في السحر
مزمزمين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلا من الشعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحظته بالهوى حتى استقاد له ... طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستترا ... يستعجل الخطو أذيالي على الأثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد: أبو حفص بن الفارض الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة شيخ الصوفية وصوفي الشعراء له ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق طريف ينحو ينحى طريقة الفقراء وله قصيدة مقدار ستمائة بيت مشتملة على اصطلاحهم ومنهجهم.
قال ابن خلكان: سمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد ثلاثة بمكة زمانا وكان حسن الصحبة محمود العشرة. أخبرني بعض أصحابه: أنه ترنم يوما وهو في خلوة ببيت الحريري - صاحب المقامات -:
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
فسمع قائلا يقول ولم ير شخصه:
محمد الهادي الذي ... عليه جبريل هبط
ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576هـ، بالقاهرة وتوفي بها يوم الثلاثاء في الثاني من جمادى الأولى سنة 632هـ، ودفن من الغد بسفح المقطم.
والفارض: هو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال. انتهى.
قلت: وهو أيضا ممن اختلف في إسلامه وكفره أهل العلم بناء على مقالاته التي تقضي بالإلحاد والوحدة وهو تلميذ الشيخ محي الدين بن عربي الطائف - عفا الله عنهما - وله دوبيت ومواليا وألغاز وقد طبع ديوانه مع الشرح لهذا العهد بمصر وهو موجود عندي وما ألطف قوله من جملة قصيدة طويلة:
أهلا بمن لم أكن أهلا بموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج
وله من قصيدة أخرى: لم أخل من حسد عليك فلا تضع ... سهري بتشييع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل زار الكرى ... جفني وكيف يزور من لم يعرف
ومنها:
على تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الكاتب أبو الفضل.
من فضلاء عصره وأحسنهم نظما ونثرا وخطا وأكبرهم مروءة كان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بالديار المصرية وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية ثم عاد معه إلى القاهرة.
ولد في سنة 581هـ بمكة - حرسها الله تعالى - وتوفي عصر يوم الأحد سنة 656هـ.
قال ابن خلكان: اجتمعت به ورأيته فوق ما سمعت عنه عن مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا وكان متمكنا من صاحبه كبير القدر عنده لا يطلع على سره الخفي غيره ومع هذا كله فإنه كان لا يتوسط عنده إلا بالخير ونفع خلقا كثيرا بحسن وساطته وجميل سفارته وأنشدني كثيرا من شعره منه:
يا روضة الحسن صلي فما عليك ضير ... فهل رأيت روضة لبس بها زهير
وشعره كله لطيف وهو كما يقال: السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه. انتهى ملخصاً
أبو علي دعبل بن علي الخزاعي: الشاعر المشهور أصله من الكوفة ويقال: من قرقيسا وأقام ببغداد وقيل: دعبل: لقب واسمه: الحسن أو عبد الرحمن أو محمد.
كان أطروشا وفي قفاه سلعة وكان شاعرا مجيدا إلا أنه كان بذيء اللسان مولعا بالهجو والحط من أقدار الناس وهجا الخلفاء فمن دونهم منهم: المأمون وطال عمره وشاع ذكره وكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.
ومن كلامه: من فضل الشعر أنه: لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له: أحسنت والله فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى.
ولد سنة 148هـ، وتوفي سنة 246هـ، ودعبل: بكسر الدال: اسم الناقة الشارف.
ومدح دعبل علي بن موسى الرضا بقصيدة أولها:
مدارس آيات خلت عن تلاوة ... ومهبط وحي مقفر العرصات
فأمر له بجائزة سنية فقال: ما قلتها إلا لوجه الله وسأل منه قميصا يباشر جسده الشريف ليجعله في كفنه لعل الله يبرد به مضجعه فأعطاه ذلك.
ولما سمعه فضل بن سهل حمل إلى دعبل ثلاثين ألف درهم وحمل إليه المأمون مالا جزيلا غفر الله له ذنوبه. القاضي التنوخي أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد: صاحب كتاب الفرج بعد الشدة وله ديوان شعر جيد أكبر من ديوان أبيه وكتاب نشوان المحاضرة وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد نزل بغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا وكان أديبا شاعرا إخباريا تقلد القضاء والأعمال من قبل الإمام المطيع لله.
ولد سنة 327هـ، بالبصرة وتوفي ببغداد سنة 384هـ، ذكره وأباه الثعالبي ثم قال في حقه: هلال ذلك القمر وغصن هاتيك الشجر والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله والفرع المشيد لأصله والنائب عنه في حياته والقائم مقامه بعد وفاته ومن المنسوب إليه:
قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت نسك أخي التقي المترهب
نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يلتهب
وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب
وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها: اذهبي لا تذهبي
قال ابن خلكان: وما ألطف قوله: اذهبي لا تذهبي.
وأما ولده: أبو القاسم علي بن المحسن فكان أيضا أديبا فاضلا له شعر صحب أبا العلاء المعري.
وأخذ عنه كثيرا وهم أهل بيت كلهم: فضلاء أدباء ظرفاء.
ولد في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة بالبصرة وتوفي مستهل المحرم يوم الأحد سنة سبع وأربعين وأربعمائة. انتهى.
إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي: كان أحد الشعراء المجيدين وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره قوله:
دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشط بليلى عن دنو مزارها
وإن مقيمات بمنعرج اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يهددهم ويتوعدهم وهو: أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر له أوله:
أناة فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه
وله كل مقطوع بديع توفي بسر من رأى في سنة 243هـ.
أبو إسحاق إبراهيم بن علي المعروف: بالحصري القيرواني الشاعر المشهور له ديوان شعر وكتاب زهر الآداب وثمر الألباب جمع فيه كل غريبة وكتاب المصون في سر الهوى المكنون ومن شعره:
إني أحبك حبا ليس يبلغه ... فهم ولا ينتهي وصفي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي ... بالعجز مني عن إدراك معرفته توفي في سنة 213هـ، والقيروان: بفتح القاف: مدينة بأفريقية1 بناها عقبة بن عامر الصحابي - رضي الله عنه - وهو في اللغة: القافلة وهو: فارسي معرب: كاروان.
وقال ابن القطاع اللغوي: بالفتح: الجيش وبضمها: القافلة يقال: إن قافلة نزلت بذلك المكان ثم بنيت المدينة في موضعها فسميت بها وهو: اسم للجيش أيضاً.
أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي الشاعر له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان ذكره ابن بسام في الذخيرة وأثنى عليه وقال: كان مقيما بشرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها مع تهافتهم على أهل الأدب ومن شعره في عشية أنس وقد أبدع فيه:
وعشي أنس أضجعتني نشوة ... في تمهد مضجعي وتدمث
خلعت علي به الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعي يرقى والغمامة تنفث
ولد في سنة 450هـ بها سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الأشهبي الغزي شاعر محسن:
ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق له ديوان شعر اختاره لنفسه وذكر في خطبته: أنه ألف بيت وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وقال: إنه جاب البلاد وتغرب وأكثر النقل والحركات وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان وبقي الناس ومن شعره:
من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ... تحريك لحيته في حال إيماء
إن الوزير ولا أزر يشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء
وله:
إشارة منك تغنيني وأحسن ما ... رداك لام غداة البين بالعنم
حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم سلك العقد في الظلم
تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبات منتثر في ضوء منتظم
وهو ما تستملحه الأدباء وتستظرفه الظرفاء.
ولد بغزة سنة 441هـ، وتوفي سنة 524هـ، وكان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي ثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب رحمه الله وحقق رجاه.
وإنما قال: إني غريب: لأنه مات بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ونقل إلى بلخ ودفن بها.
الشيخ عبد العزيز اللبناني: لم أقف له على ترجمة وذكره السيد أزاد في كتابه: الخزانة العامرة وقال: طالعت ديوانه الذي صدر من إيران إلى هند وتاريخ كتابته: سنة ست وسبعين وستمائة وهو في غاية المتانة وعليه ديباجة حررها ولده بالعربية في نهاية البلاغة والفطانة وهي: اللهم يا واسم البوادي بأطواق الأيادي وناقع غلة الصوادي بالروائح والغوادي ودافع معرة العوادي من الحواضر والبوادي صل على نبينا الهادي محمد خير من حضر النوادي وعلى آله وصحبه بدور الظلم والدادي ما غنى الحمام الشادي وارتجز بأذناب القلائص الحادي وأنلني منية فؤادي يوم ينادي المنادي ... الخ ومن أشعار اللبناني ما حكاها أزاد في كتابه المذكور وهو تشبيب في قصيدة منها:
بالله يا حادي الأنضاء ما الخبر ... أعرس الركب بالبطحاء أم عبروا
إلا نشدت فؤادي عند كاظمة ... فإنه ضل حيث الضال والسمر
أما مررت بوادي الأثل من إضم ... أما دعتك بها الآرام والعفر؟
خريدة ما جننت بالحسن وحبتها ... إلا ومقلتها بالسحر تعتذر
طالت نواها كما طالت غدائرها ... وفي خطاها كما في وصلها قصر
وإذا انتهيت إلى هذا المقام فلعلك تسأم من هذا النوع من الكلام مع أن إحصاء شعراء الإسلام أمر تنبو عنه الأوهام انظر في قلائد العقيان لأبي الفتح ابن خاقان وريحانة الألباء للخفاجي ونفحة الريحانة وغير ذلك مما ألف في هذا الباب وهو أكثر من أن يحصى وكذلك الدواوين في الشعر مما لا يستقصى يتضح لك حقيقة المرام.
وأما الشعراء القدماء: فأشعرهم نذكر أسماءهم هاهنا:
منهم: امرؤ القيس الكندي وهو الذي فتح لهم أفانين الشعر.
ومنهم: النابغة الذبياني واسمه: زياد بن عمر وقد قدمه بعض الرواة على امرئ القيس لرقة شعره.
ومنهم: زهير بن أبي سلمى - بضم السين - المازني هو أشدهم أمرا وأمدحهم وأجرؤهم على الكلام.
وابنه: كعب بلغه الإسلام فأسلم ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما هجاه وتاب بعد ما عصاه وأنشد عنده قصيدته المشهورة: بانت سعاد فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أهدر دمه وأجازه ببردة له صلى الله عليه وسلم وأسلم فحسن إسلامه ذكره في مدينة العلوم وتكلم أهل الحديث على صحة هذه الرواية والله أعلم.
ومنهم: الأعشى واسمه: ميمون بن قيس بن ثعلبة كان لا يمدح أحدا إلا رفع منه ولا يهجو أحدا إلا وضع عنه.
ومنهم: طرفة بن العبد بن سفيان فضله بعض الشعراء على غيره وزعم لبيد: أنه أشعر الناس.
ومنهم: أوس بن حجر من بني أسد أدرك زهيرا والنابغة وكان شاعر تميم.
ومنهم: لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة لم يدرك أحد من هؤلاء الإسلام غيره لطول عمره وكان أتقاهم تكلفا وأقلهم سقطاً.
ومنهم: عدي بن زيد من بني امرئ القيس: كان الفضل بن محمد يقدمه عليهم بحسن استعاراته وحلاوة عباراته.
ومنهم: عبيد بن الأبرص: هو أقدمهم سنا وقد جعلوه امرؤ القيس.
ومنهم: بشر الأسدي: وهو عاشرهم وأهل الحجاز يقدمونه عليهم ويرون أنه أشعرهم وأسدهم سياقا للحديث - والله أعلم بالصواب.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين بن الخطيب شهاب الدين المعروف: بالحافظ ابن كثير.
ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه ومختصر ابن الحاجب.
وتفقه بالبرهان ابن الفزاري والكمال ابن شهبة ثم صاهر المزي وصحب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدحه في كتابه الباعث الحثيث أحسن مدح.
وقرأ في الأصول على الأصبهاني وكان كثير الاستحضار وقليل النسيان جيد الفهم مشاركا في العربية ينظم نظما وسطا.
قال ابن حجي: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه وقد لازمته ست سنين وذكره الذهبي في معجمه المختص فقال:
الإمام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظ المتون وسمع من ابن عساكر وغيره.
ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته وسمع عليه أكثر تصانيفه.
وأخذ عن الشيخ تقي الدين بن تيمية فأكثر عنه وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام.
وقال ابن حبيب فيه: إمام ذوي التسبيح والتهليل وزعيم أرباب التأويل سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بأقواله وشنف وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير.
مات بدمشق خامس عشر شعبان فقد أجاز لمن أدركه حيا وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... تساق إلى الآجال والعين تنظر
ولا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر
ولو قال: فلا عائد صفو الشباب لكان أصنع
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري: وقيل: يزيد بن كثير بن غالب صاحب التاريخ الشهير والتفسير الكبير.
كان إماما في فنون كثيرة منها: الحديث والفقه والتاريخ والتفسير وغير ذلك.
وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله.
وكان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحدا وكان أبو الفرح المعافى بن زكريا النهرواني المعروف: بابن طرار على مذهبه وكان ثقة في نقله وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين ولد سنة 224هـ، بآمل طبرستان وتوفي في شوال سنة 310هـ، ببغداد - رحمه الله - كذا في ابن خلكان.
عز الدين أبو الحسن علي بن محمد المعروف: بابن الأثير الجزري: صاحب التاريخ المسمى بالكامل المطبوع بمصر حالا ولد بالجزيرة ونشأ بها ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه وسمع بها وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل وسمع من فضلائها ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى التوفر على النظر في العلم والتصنيف وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها.
وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة خبيرا بأنساب العرب ووقائعهم وأخبارهم وأيامهم.
صنف في التاريخ كتابا كبيرا سماه: الكامل ابتدأ فيه من: أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو من خيار التواريخ وقفت عليه.
واختصر كتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني وزاد عليه أشياء أهملها ونبه على أغلاط واستدرك عليه فيه في مواضع وله: كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات.
ولد في سنة 555هـ، ومات في سنة 630هـ.
وقال ابن خلكان: اجتمعت به فوجدته رجلا مكملا في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع فلازمت الترداد إليه وكان بينه وبين الوالد مؤانسة أكيدة فكان بسببها يبالغ في الرعاية والإكرام. انتهى.
أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التميمي الجوزي الصديقي البغدادي: الفقيه المحدث المفسر الواعظ الحنبلي المعروف: بابن الجوزي.
الحافظ الملقب: جمال الحفاظ كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ صنف متونا في فنون عديدة.
منها: زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة.
وله في الحديث تصانيف كثيرة حسنة نافعة.
منها: الموضوعات في أربعة أجزاء أورد فيها كل حديث موضوع لكن تعقب عليه في بعضها
وله: تلبيس إبليس وهو نافع جدا مفيد لمن يريد الآخرة.
والمنتظم في تواريخ الأمم وهو كبير.
وكتاب تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة.
ولقط المنافع في الطب.
وبالجملة: فكتبه أكثر من أن تعد وكتب بخطه شيئا كثيرا والناس يغالون في ذلك حتى يقال: إنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس عليها فكان ما خص كل يوم تسعة كراريس وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله1 العقل ويقال: إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل منها شيء كثير وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك فكفت وفضل منها وله أشعار كثيرة وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة.
فمن أحسن ما يحكى عنه: أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما - فرضي الكل بما يجيب به الشيخ فأقاموا شخصا سأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجالس وعظه فقال:
أفضلهما من كانت ابنته تحته وفي رواية: من كانت ابنته في بيته ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك.
فقال السنية: هو أبو بكر لأن ابنته عائشة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت الشيعة: هو علي بن أبي طالب لأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحته وهذه من لطائف الأجوبة ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر كان في غاية الحسن فضلا عن البديهة وله محاسن كثيرة يطول شرحها قاله ابن خلكان.
وزاد في مدينة العلوم: وسئل: ما لنا نرى الكوز الجديد إذا صب فيه الماء ينش ويخرج منه صوت؟ فقال: يشكو ما لاقاه من أذى النار.
وسئل: إن الكوز إذا ملأ فاه لا يبرد فإذا نقص برد؟ فقال: حتى تعلموا أن الهوى لا يدخل إلا على ناقص
وسئل: كيف نسب قتل الحسين إلى يزيد وهو بدمشق؟ فأنشد:
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
وله من هذا النوع أجوبة لطيفة كثيرة
وله: كتاب نزهة الناظر للمقيم والمسافر في المحاضرات كتبه سيدي الوالد العلامة: حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري - رحمه الله - بيده الشريفة لحسن سبكه ولطف مطالبه.
ولد سنة ثمان أو عشرة وخمسمائة وتوفي ثاني عشر رمضان سنة 592هـ، ببغداد ودفن بباب حرب وتوفي والده سنة 514هـ، والجوزي: نسبة إلى فرضة الجوز وهو موضع مشهور
سبط ابن الجوزي شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب له صيت وسماع في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم.
روى عن جده ببغداد وسمع ابن طبرزد وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر وله: تاريخ: مرآة الزمان.
قال ابن خلكان: رأيته بخطه في أربعين مجلداً.
وقال صاحب مدينة العلوم: وأنا رأيته في ثمان مجلدات لكن ضخام بخط دقيق وله: كتاب إيثار الإنصاف ومنتهى السول في سيرة الرسول واللوامع في أحاديث المختصر والجامع وتفسير القرآن توفي سنة 653هـ، بدمشق ومولده في سنة 581هـ، ببغداد وكان يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين - والله أعلم.
ابن خلكان شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن أبي بكر بن خلكان البرمكي الشافعي كان ذا فضل في كل فن موصوفا بكرم الأخلاق والديانة ثقة في نقله صنف تاريخا سماه: وفيات الأعيان في مجلدين كبيرين قد طبع بمصر القاهرة لهذا العهد وهو بخطه في خمس مجلدات رآه صاحب مدينة العلوم وكان قاضيا بالقاهرة مدة ذكره في تاريخه.
ولد بعد صلاة العصر يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة 608هـ، بمدينة إربل بالمدرسة المظفرية ذكر تاريخ ولادته في ترجمة زينب بنت الشعري في آخر الأسامي المذكورة في حروف الزاي.
وتوفي يوم السبت السادس والعشرين من رجب سنة 681هـ، بدمشق المحروسة.
تفقه أولا على أبيه بإربل ثم انتقل بعده إلى الموصل وحضر درس كمال الدين بن يونس ثم انتقل إلى حلب.
وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي والفقه على أبي المحاسن يوسف بن شداد ثم قدم دمشق واشتغل على ابن الصلاح.
ثم انتقل إلى القاهرة ثم ولي قضاء المحلة ثم صار قاضي القضاة بالشام وله في الأدب اليد الطولى وشعره أرق وأحسن وأعذب رحمه الله تعالى.
شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن شيخ الإسلام علاء الدين علي المعروف بابن حجر العسقلاني: المصري صاحب: فتح الباري شرح صحيح البخاري الإمام العلامة الحجة هادي الناس إلى المحجة له تصانيف على أكف القبول مرفوعة وآثار حسنة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
جمع من العلوم والفضائل والحسنات والكمالات والمبرات والتصنيفات والتأليفات مالا يأتي عليه الحصر.
كان حافظا دينا ورعا زاهدا عابدا مفسرا شاعرا فقيها أصوليا متكلما ناقدا بصيرا جامعاً.
حرر ترجمته جمع من الأعيان وعدوه في جملة البالغين إلى درجة الاجتهاد في هذا الشأن منها: كتاب الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر.
وتشهد بفضائله وغزارة علومه وكثرة فواضله تآليفه الموجودة بأيدي الناس وقد رزق السعادة التامة والإتقان الكبير والإنصاف الكامل فيها منها: بلوغ المرام من أدلة الأحكام وهو كتاب لو خط بماء الذهب وبيع بالأرواح والمهج لما أدى حقه.
وقد شرحته بالفارسية وسميته: مسك الختام.
ومنها: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
وكتاب: تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.
وتعجيل المنفعة في رجال الأربعة إلى غير ذلك من الرسائل المختصرة والدفاتر المطولة - والله يختص برحمته من يشاء - وقد ذكرت له ترجمة في أول مسك الختام في إتحاف النبلاء المتقين
وهو الإمام العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شيخ الإسلام ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وتوفي ليلة السبت المسفر صباحها في ثامن عشر ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وكان عمره إذ ذاك تسعة وسبعين سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام وصلى عليه خلق كثير. قال في مدينة العلوم: ومن جملتهم: أبو العباس الخضر عليه السلام رآه عصابة من الأولياء. انتهى.
قلت: وفيه نظر واضح عند من يقتدي بأهل الحديث.
وتصانيفه أكثر من أن تحصى وكلها أتقن من تأليفات السيوطي وشهرته تغني عن إكثار المدح له وإطالة ترجمته وهو من مشائخي في علم الحديث وقد انتفعت بكتبه كثيرا ولله الحمد.
خليل بن أيبك الشيخ: صلاح الدين الصفدي الشافعي: الإمام الأديب الناظم الناثر صاحب التاريخ الكبير وهو بخطه أكثر من خمسين مجلدا ولد سنة 669هـ، وقرأ يسيرا من الفقه والأصلين وبرع في الأدب: نظما ونثرا وكتابة وجمعا وتتلمذ على الشيخ: تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي1 ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تمهر في الأدب.
وقال: كتبت أزيد من ستمائة مجلد تصنيفاً. مات بالطاعون ليلة عاشر شوال سنة 794هـ. - رحمه الله تعالى
الحافظ: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي المعروف: بالخطيب صاحب تاريخ بغداد.
كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه فإنه يدل على اطلاع عظيم وصنف قريبا من مائة مصنف وفضله أشهر من أن يوصف.
أخذ الفقه عن: أبي الحسن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهما.
وكان فقيها فغلب عليه الحديث والتاريخ.
ولد يوم الخميس في سنة 393هـ، وتوفي يوم الاثنين سابع ذي الحجة وقيل: في شوال سنة 463هـ، ببغداد وحكايته في إبطال خط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه اليهود لإسقاط الجزية عنهم واحتجوا به مشهورة.
وإن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي من جملة من حمل نعشه لأنه انتفع به كثيرا وكان يراجعه في تصانيفه والعجب أنه كان في وقته: حافظ الشرق وأبو عمرو يوسف بن عبد البر - صاحب كتاب الاستيعاب -: حافظ المغرب وماتا في سنة واحدة وقد كان تصدق بجميع ماله: وهو مائتا دينار فرقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه وأوصى أن يتصدق عنه بجميع ماله وما عليه من الثياب ووقف جميع كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب وصنف أكثر من ستين كتابا ورؤيت له منامات حسنة صالحة بعد موته وكان قد انتهى إليه علم الحديث وحفظه في وقته هذا آخر ما نقلته من كتاب ابن النجار - رحمه الله تعالى
الحافظ: محب الدين بن النجار صاحب: ذيل تاريخ بغداد جاوز ثلاثين مجلدا وذيله: دال على سعة حفظه وعلو شأنه.
وهو: محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله الحافظ الكبير الثقة له: مصنف حافل في مناقب الشافعي وتصانيف أخر في السنن والأحكام ولد في سنة 578هـ، وله: الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز ومرو وأصبهان وهراة ونيسابور وكانت رحلته سبعا وعشرين سنة توفي ببغداد في سنة ثلاث وأربعين وستمائة. تاج الإسلام: أبو سعيد السمعاني عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر المروزي الفقيه الشافعي.
رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها وسافر إلى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدة دفعات وإلى قومس والري وأصبهان وهمذان وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من المدن التي يطول ذكرها ويتعذر حصرها.
ولقي العلماء وأخذ عنهم وجالسهم وروى عنهم واقتدى بأفعالهم الجميلة وآثارهم الحميدة وكان عدة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ.
وصنف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة منها: ذيل تاريخ بغداد وهو نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا وكذلك: الأنساب نحو ثمان مجلدات وقد وقفت عليه ولله الحمد.
ولد سنة 506هـ، وتوفي بمرو سنة 562هـ وكان أبوه وجده أيضا من الفضلاء العلماء النبلاء ذكرهما ابن خلكان.
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز: شمس الدين أبو عبد الله الذهبي1 محدث العصر إمام الوجود حفظا وذهبي العصر معنى ولفظاً.
ولد سنة 673هـ، وطلب الحديث وهو ابن ثمان عشرة.
سمع بدمشق ومصر وبعلبك والإسكندرية.
وسمع منه الجمع الكثير وكان شديد الميل إلى رأي الحنابلة كثير الإزراء بأهل الرأي فلذلك لايصفهم في التراجم.
له التصانيف الجزيلة في الحديث وأسماء الرجال قرأ القرآن وأقرأه بالروايات صنف: التاريخ الكبير ثم الأوسط المسمى: بالعبر والصغير المسمى: بدول الإسلام وتاريخه من أجل التواريخ.
وقف الشيخ كمال الدين بن الزملكاني على تاريخ الإسلام له جزءا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة فقال: هذا كتاب جليل وتاريخه المذكور: عشرون مجلدا وكتاب تاريخ النبلاء عشرون مجلداً.
وله: طبقات القراء.
وطبقات الحفاظ مجلدين.
وميزان الاعتدال ثلاث مجلدات.
والمثبت في الأسماء والأنساب مجلد.
ونبأ الرجال مجلد.
وتهذيب التهذيب مجلد.
واختصار سنن البيهقي خمس مجلدات.
وتنقيح أحاديث التعليق لابن الجوزي.
والمستحلي اختصار المحلي. والمقتنى في الضعفاء.
واختصار المستدرك للحاكم مجلدان.
واختصار تاريخ الخطيب مجلدان.
وتوقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق مجلد.
ونعم السمر في سيرة عمر مجلد.
والتبيان في مناقب عثمان مجلد.
وفتح الطالب في أخبار علي بن أبي طالب مجلد.
ومعجم أشياخه وهو ألف وثلاثمائة شيخ واختصار كتاب الجهاد لابن عساكر مجلد.
وما بعد الموت مجلد.
وهالة البدر في عدد أهل بدر.
وله في تراجم الأعيان: مصنف لكل واحد منهم قائم الذات مثل: الأئمة الأربعة ومن يجري مجراهم لكن أدخل الكل في تاريخ النبلاء ومن شعره:
إذا قرأ الحديث علي شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي
فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي
وله:
العلم: قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
توفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة 748هـ ذكر له ابن شاكر الكتبي ترجمة حسنة في: فوات الوفيات إن شئت فراجعه.
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القشيري مولى بني أمية يعرف: بابن أبي الدنيا.
ولد سنة 208هـ، وتوفي سنة 383هـ وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته.
وهو أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير والتاريخ له كتب كثيرة تزيد على مائة كتاب.
سمع من المشائخ.
وروى عنه جماعة قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان صدوقا إذا جالس أحدا: إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه - رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر ابن داود بن مهران أبو محمد بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الإمام ابن الإمام والحافظ ابن الحافظ سمع أباه وغيره.
قال ابن مندة: صنف المسند ألف جزء وله: كتاب الزهد والكنى والفوائد الكبرى ومقدمة الجرح والتعديل والتاريخ.
وصنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار وهذا يدل على سعة حفظه وإمامته وكتاب الرد على المجسمة وتفسير كبير سائر آثاره مسندة في أربع مجلدات. قال أبو يعلى الخليلي: كان يعد من الأبدال وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل توفي في المحرم سنة 327هـ - رحمه الله تعالى.
أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن حبان الصدفي المحدث المؤرخ المصري كان خبيرا بأحوال الناس ومطلعا على تواريخهم عارفا بما يقوله جمع لمصر تاريخين وما قصر فيهما.
ولد سنة 281هـ، وتوفي سنة347هـ ورثاه الخولاني الخشاب بما منه قوله:
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا
أرخت موتك في ذكري وفي صحفي ... لمن يؤرخني إذا كنت محسوبا
هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي: الأديب الفاضل صاحب كتاب: البارع في أخبار الشعراء المولدين جمع فيه مائة وواحدا وستين شاعرا وافتتحه بذكر بشار بن برد العقيلي وختمه بمحمد ابن عبد الملك بن صالح واختار فيه من شعر كل واحد عيونه.
وبالجملة: فإنه من الكتب النفيسة يغني عن دواوين الجماعة الذين ذكرهم فإنه اختصر أشعارهم وأثبت منها زبدتها وترك زبلتها وكتاب الخريدة وكتاب الخطيري والباخرزي والثعالبي: فروع عليه وهو الأصل الذي نسجوا على منواله.
وله: كتاب النساء وما جاء فيهن من الخير ومحاسن ما قيل فيهن من الشعر والكلام الحسن وكان أبو منصور - جد أبيه - منجم أبي جعفر المنصور - أمير المؤمنين - وكان مجوسيا وهم أهل بيت فيهم: جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء جالسوا الخلفاء ونادموهم وقد عقد لهم الثعالبي في كتاب اليتيمة بابا مستقلا ذكر فيه جماعة منهم.
وكان حافظا راوية للأشعار حسن المنادمة لطيف المجالسة توفي وهو حديث السن في سنة 288هـ رحمه الله تعالى.
أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي: الشاعر المشهور صاحب: دمية القصر وعصرة أهل العصر وهو ذيل: يتيمة الدهر للثعالبي.
كان أوحد عصره في فضله وذهنه السابق إلى حيازة القصب في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلا بالفقه فاختص بملازمة الشيخ: أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين على مذهب الشافعي.
ثم شرع في فن الكتابة وغلب أدبه على الفقه فاشتهر به واختلف إلى ديوان الرسائل وارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا وعمل الشعر وسمع الحديث.
وقد وضع على دميته شرف الدين علي بن يزيد أبو الحسن البيهقي كتابا سماه: وشاح الدمية وهو: كالذيل له وديوان شعره: مجلد كبير والغالب عليه الجودة.
وقتل الباخرزي في مجلس الأنس بباخرز في سنة 467هـ، وذهب دمه هدراً.
وباخرز: ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى ومزارع خرج منها جماعة من الفضلاء الكرام والأجلة العظام وغيرهم. أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الوراق الخطيري المعروف: بدلال الكتب كانت لديه معارف وله نظم جيد وألف مجاميع ما قصر فيها منها: كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر وذكر ألطاف شعر العصر الذي ذيله على: دمية القصر للباخرزي جمع فيه جماعة كثيرة من أهل عصره ومن تقدمهم وأورد لكل واحد طرفا من أحواله وشيئا من شعره.
ذكره عماد الدين الكاتب في الخريدة وأنشد له عدة مقاطيع وروى عنه لغيره شعراً كثيراً.
وكان مطلعا على أشعار الناس وأحوالهم وله: كتاب ملح الملح يدل على كثرة اطلاعه وله كل معنى مليح مع جودة السبك.
توفي سنة 568هـ، ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب
والخطيري: نسبة إلى موضع فوق بغداد يقال له: الخطيرة ينسب إليه كثير من العلماء والثياب الخطيرية: منسوبة إليه أيضاً.
عماد الدين الكاتب محمد بن صفي الدين الأصفهاني كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالمدرسة النظامية وأتقن الخلاف وفنون الأدب وله من الشعر والرسائل ما يغني عن الإطالة في شرحه ثم بلغ الرفعة عند السلطان صلاح الدين ونور الدين محمود بن أتابك زنكي وتقلبت به الأحوال إلى أن عظم أمره.
وصنف التصانيف النافعة منها: كتاب خريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على: زينة الدهر للخطيري وجعله في عشر مجلدات.
وله: كتاب البرق الشامي في سبع مجلدات في التاريخ وكتاب الفتح البستي في فتح القدسي.
وصنف السيد على الذيل جعله ذيلا على خريدة القصر وله ديوان رسائل وديوان شعر
توفي سنة 597هـ، بدمشق وولد سنة 510هـ - رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة بدر الدين العيني الحنفي تفقه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة وكان إماما عالما علامة عارفا بالعربية والتصريف وغيرهما وله: شرح البخاري والتاريخ المسمى: بالعيني وشرح معاني الآثار وشرح الهداية ومختصر تاريخ ابن عساكر
مات بعين في ذي الحجة سنة 855هـ رحمه الله تعالى.
ثقة الدين الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف: بابن عساكر الدمشقي كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشائخ وكان رفيق الحافظ: أبي سعد السمعاني في الرحلة وكان حافظا دينا جمع بين المتون والأسانيد.
سمع ببغداد ثم رجع إلى دمشق ثم إلى خراسان ودخل نيسابور وهراة وأصبهان والجبال.
وصنف التصانيف المفيدة وخرج التخاريج وكان حسن الكلام على الأحاديث محفوظا في الجمع والتأليف.
صنف: التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدا بخطه أتى فيه بالعجائب.
قيل: إنه جمع هذا منذ عقل نفسه وإلا فالعمر لا يتسع لوضعه بعد الاشتغال. ولد في أول المحرم سنة 499هـ وتوفي في رجب سنة 571هـ، بدمشق وحضر الصلاة عليه السلطان صلاح الدين.
وله شعر لا بأس به وتواليف حسنة وأجزاء ممتعة.
وأما الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الإمام المفتي أبو منصور الدمشقي المعروف: بابن عساكر فله أيضا: مؤلفات في الفقه والحديث توفي سنة 620هـ ومولده سنة 550هـ.
وأما: عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء حسن بن محمد بن عساكر فهو: الإمام المحدث الزاهد: أمين الدين أبو اليمن الدمشقي الشافعي نزيل الحرم سمع من جده ومن ابن التين وحدث بالحرمين بأشياء وكان عالما فاضلا جيد المشاركة في العلوم
ولد سنة 614هـ وتوفي سنة 680هـ وكان شيخ الحجاز في وقته له تآليف في الحديث.
قال الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار - قدس سره -: لما ودعت الشيخ محي الدين النووي بنوى - حين أردت السفر إلى الحجاز - حملني رسالة في السلام عنه للإمام ابن عساكر المذكور فلما بلغته سلامه رد عليه السلام وسألني عنه: أين تركته؟ فقلت: ببلدة نوى فأنشدني بديها:
أمخيمين على نوى أشتاقكم ... شوقا يجدد لي الصبابة والجوى
وأريد قربكم لأني مرتجى ... يا سادتي قرب المقيم على نوى
عبد الله بن أسعد المازني الشافعي اليافعي الرجل الصالح محب الصلحاء خادم أولياء الله تعالى المناضل عنهم والمنافح عن شأنهم صاحب المصنفات الكثيرة وكل تصنيفه نافع في بابه وتاريخه من أصح التواريخ وأحسنها وألطفها لوروده بعبارات عذبة وأنفعها للناس لاشتمالها على المهمات وهو مجلدتان كبيرتان.
ومن لطيف مصنفاته: مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام.
وكتاب: روض الرياحين في حكايات الصالحين.
وبالجملة: هو رجل صالح مبارك عزيز الوجود فرد في زمانه ونادرة في أوانه أشعري العقيدة سالك طريقة الصوفية والمعاشر مع أهل الخير والزهد والصلاح.
قال ابن السبكي - في طبقاته الكبرى -: اجتمعت به بمنى سنة 747هـ وتوفي بمكة سنة 767هـ روح الله روحه وزاد في أعلى الجنة فتوحه - وتاريخه مشهور موجود بأيدي الناس وقفت عليه.
فمن القدماء: أرسطو1 وأستاذه: أفلاطون ومن يليهما. ومن المسلمين: الفارابي وابن سينا والفخر الرازي ونصير الطوسي.
ومن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة: الشيخ: شهاب الدين المقتول السهروردي.
وممن خرط في سلكهم: القطب الشيرازي والقطب الرازي والسعد التفتازاني والشريف الجرجاني ثم الجلال الدواني وخواجه زاده ومصطفى الشهير: بالقسطلاني وقد تقدم تراجم بعضهم في القسم الثاني من هذا الكتاب تحت علم الألفي فتذكر وبيده النفع والضر.
وهم علماء الحكمة غالبا لكن ذكرنا هاهنا: بعض من له تصنيف في علم المنطق واشتهر به مع مشاركته في سائر العلوم - رحمهم الله تعالى.
محمود بن أبي بكر بن أحمد الأموي الشيخ سراج الدين أبو السنا صاحب كتاب: مطالع الأنوار وبيان الحق كان شافعيا قرأ بالموصل على كمال الدين بن يونس مولده: سنة 594هـ، أربع وتسعين وخمسمائة ووفاته: سنة 682هـ، بمدينة قونية.
محمد قطب الدين الرازي المعروف: بالتحتاني وهذه النسبة: لتميزه عن قطب آخر فوقاني وكانا يسكنان في مدرسة واحدة أحدهما: في الطبقة الفوقانية والآخر: في التحتانية.
وهو: إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق في سنة 763هـ.
قال ابن السبكي: بحثنا معه في دمشق فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاء وله على الكشاف حواش مشهورة وله: شرح على المطالع للأرموي في المنطق وهذا شرح عظيم الشأن وله: شرح على الرسالة الشمسية للكاتبي في المنطق توفي سنة 776هـ، بظاهر دمشق عن نحو أربع وسبعين سنة وكان له عبد رباه من صغره وعلمه حتى كان مدرسا فاضلا في كل العلوم وكان يدعى: بمبارك شاه المنطقي وهذا الذي أخذ عنه الشريف الجرجاني شرح المطالع لقطب الدين الرازي رحمه الله.
أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب: بشهاب الدين المقتول السهروردي وقيل اسمه: أحمد وقيل: عمر.
كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي أستاذ فخر الدين الرازي - بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان إلى أن برع فيهما وعليه تخرج وبصحبته انتفع.
وكان إماما في فنونه قال في طبقات الأباء: وكان السهروردي أوحد زمانه في العلوم الحكيمية جامعا للعلوم الفلسفية بارعا في الأصول الفقهية مفرط الذكاء فصيح العبارة وكان علمه أكثر من عقله ويقال: إنه يعرف علم السيمياء ويحكى عنه في أشياء غريبة حكي بعضها في: مدينة العلوم ووفيات الأعيان.
وله تصانيف: منها: التلويحات والمطارحات في المنطق والحكمة وهياكل النور وحكمة الإشراق في الحكمة والتنقيحات في أصول الفقه إلى غير ذلك وله في النظم والنثر أشياء لطيفة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها. وكان شافعي المذهب وكان يلقب: بالمؤيد بالملكوت وكان يتهم باختلال العقيدة والتعطيل ويعتقد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه فلما وصل إلى حلب أفتى علماؤها بإباحة دمه وقتله بسبب اعتقاده وما ظهر لهم من سوء مذهبه وكان أشد الجماعة عليه الشيخان: زين الدين ومجد الدين ابنا حميد.
قال سيف الدين الآمدي: اجتمعت به في حلب فقال لي: لا بد أن أملك الأرض فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر فقلت: لعل هذا يكون اشتهار العلم وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه ورأيته كثير العلم قليل العقل وقال: إنه لما تحقق القتل كان كثيرا ما ينشد:
أرى قدمي أراق دمي ... وهان دمي فها ندمي
وكان ذلك في دولة الملك المظفر - صاحب حلب - ابن السلطان صلاح الدين فحبسه ثم خنقه في خامس رجب سنة 582هـ، بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان الناس مختلفين في حقه.
منهم: من نسبه إلى الزندقة والإلحاد.
ومنهم: من يشهد له بحسن الاعتقاد.
قال القاضي بهاء الدين المعروف: بابن شداد - قاضي حلب -: إن السهروردي كان كثير التعظيم لشعائر الدين وأطال الكلام في ذلك وذكر نفسه في آخر التلويحات في وصايا ذكرها هناك: واتق شر من أحسنت إليه من اللئام ولقد أصابني منهم شدائد.
قال شارحها: أراد به بعضا من تلامذته الذين يصاحبون معه السفر والحضر وينقلون عنه أشياء مخالفة للشرع ولعل قتله كان بسبب هؤلاء - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وأن يجعلنا من أهل الحق والرشاد وأن يعصمنا من شر أهل الزيغ والفساد إنه ولي الهداية والإرشاد ومن كلامه: الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان:
فخفيت حتى قلت: لست بظاهر ... وظهرت من سعيي على الأكوان
لو علمنا أننا ما نلتقي ... لقضينا من سليمى وطرا
اللهم خلص لطيفي من هذا العالم الكثيف
وذكر له ابن خلكان أشعارا لطيفة لا نطول الكلام بذكرها ههنا.
أبو البركات البغدادي تقدم ترجمته تحت: علم المنطق فراجعه.
أبو بكر محمد بن علي القفال بن إسماعيل الشاشي الفقيه الشافعي:
أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء كان إمام عصره بلا مدافعة فقيهاً محدثاً أصولياً لغوياً شاعراً لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته.
رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور وسار ذكره في البلاد.
أخذ الفقه عن ابن سريح وله مصنفات كثيرة في الجدل وكتاب في أصول الفقه وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده.
روى عن: محمد بن جرير الطبري وأقرانه.
وروى عنه: الحاكم وابن مندة وجماعة كثيرة.
توفي سنة 336هـ، وقيل: توفي في الشاش في سنة خمس وستين وثلاثمائة.
وشاش: مدينة ما وراء نهر سيحون في أرض الترك خرج منها جماعة من العلماء.
وهذا القفال غير القفال المروزي وهو متأخر عن هذا كذا قال ابن خلكان في تاريخ وفيات الأعيان.
عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي بفتح الدال وتخفيف الباء الموحدة نسبة إلى دبوسه: وهي بلدة بين بخارى وسمرقند نسب إليها جماعة من الأدباء كان من أكابر أصحاب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ممن يضرب به المثل وهو: أول من أخرج علم الخلاف في الدنيا وأبرزه إلى الوجود.
له: كتاب الأسرار وتقويم الأدلة وغيره من التصانيف والتعاليق.
وروي أنه ناظر بعض الفقهاء فكان كلما ألزمه أبو زيد إلزاما تبسم وضحك فأنشد أبو زيد:
ما لي إذا ألزمته حجة ... قابلني بالضحك والقهقهه
إن كان ضحك المرء من فقهه ... فالضب في الصحراء ما أفقهه
قال الذهبي: كان ممن يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج.
وله: كتاب الأمد الأقصى.
توفي ببخارى سنة 430هـ، وهو ابن ثلاث وستين ذكر له ابن خلكان ترجمة مختصرة.
أبو الفتح أسعد بن أبي نصر الميهني الملقب: مجد الدين كان إماما مبرزا في الخلاف والفقه وله فيه تعليقة مشهورة.
تفقه بمرو ثم رحل إلى غزنة واشتهر بتلك الديار وشاع فضله وقد مدحه الغزي ثم ورد إلى بغداد وفوض إليه تدريس المدرسة النظامية مرتين واشتغل الناس عليه وانتفعوا به وبطريقته الخلافية.
والميهني: نسبة إلى ميهنة: قرية من قرى خابران وهي: ناحية بين سرخس وأبيورد من إقليم خراسان.
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الملقب: حجة الإسلام زين الدين الطوسي تلميذ إمام الحرمين: الجويني جد في الاشتغال حتى تخرج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشار إليهم في زمن أستاذه ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان وأعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس وانتقل منها إلى بيت المقدس واجتهد في العبادة ثم أقام بالإسكندرية مدة ثم عاد إلى وطنه طوس واشتغل بنفسه، وصنف الكتب المفيدة في عدة فنون منها: إحياء العلوم وهو من أنفس الكتب وأجملها وكان إماما في الخلاف وأصول الفقه والجدل والكلام ومن شعره:
حلت عقارب صدغه في خده ... قمرا فجل بها عن التشبيه
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... فمن العجائب كيف حلت فيه
ومن قوله أيضا:
فديتك لولا الحب كنت فديتني ... ولكن بحسر المقلتين سبيتني
أتيتك لما ضاق صدري من الهوى ... ولو كنت تدري كيف حالي أتيتني
ولد سنة 450هـ، وقيل: سنة 451هـ وتوفي سنة 505هـ، بالطابران: وهي قصبة طوس - رحمه الله تعالى.
أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن الرازي الملقب: فخر الدين المعروف: بابن الخطيب صاحب التفسير الكبير فاق أهل زمانه وعلم الأوائل والأواخر وله التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها: تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة حتى قيل: فيه كل شيء إلا التفسير وهو كبير جدا وقد طبع لهذا العهد بمصر. قال ابن خلكان: لكنه لم يكمله ثم ذكر كتبا من تصانيفه.
قال: وله طريقة في الخلاف وله في أصول الفقه: المحصول في علم الأصول ونهاية العقول في دراية الأصول والمطالب العلية في الكلام وله مؤاخذات جيدة على النحاة وكل كتبه ممتعة وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين.
وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتى فيها بما لم يسبق إليه وكان له في الوعظ اليد الطولى ويعظ باللسانين: العربي والعجمي وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة وكان يلقب بهراة: شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار.
ولد بالري سنة 544هـ وتوفي بهراة في سنة 606هـ قال ابن خلكان: رأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلامذته تدل على حسن العقيدة. انتهى. وأطال في ترجمته. رحمه الله تعالى.
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد العميد ركن الدين الفقيه الحنفي كان إماما في فن الخلاف خصوصا: الجست.
وهو أول من أفردها بالتصنيف ومن تقدمه: كان يمزجه بخلاف المتقدمين وصنف في هذا الفن طريقة وهي مشهورة بأيدي الفقهاء وكان كريم الأخلاق كثير التواضع طيب المعاشرة توفي في سنة 615هـ، خمس عشرة وستمائة ببخارى.
أبو طالب محمود بن علي بن أبي الرجاء التيمي الأصبهاني: صاحب الطريقة في الخلاف برع فيه وصنف التعليقة التي شهدت بفضله وتحقيقه وتبريره على أكثر نظرائه وجمع فيها بين الفقه والتحقيق وكان عمدة المدرسين في إلقاء الدروس عليها واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به وصاروا علماء مشاهير، وكان له في الوعظ اليد الطولى وكان متفننا في العلوم خطيبا بأصبهان مدة طويلة
توفي في سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني: صاحب كتاب: الملل والنحل.
أورد فيه: فرق المذاهب في العالم كلها وهو المتكلم على مذهب الأشعري.
وكان إماما مبرزا فقيها متكلماً.
تفقه على أحمد الخوافي وعلى أبي نصر القشيري وغيرهما وبرع في الفقه.
وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد فيه صنف: كتاب نهاية الإقدام في علم الكلام والمناهج والبيان وكتاب المضارعة وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام.
وكان كثير المحفوظ حسن المحاورة ويعظ الناس.
دخل بغداد سنة 510هـ، وأقام بها ثلاث سنين وظهر له قبول كثير عند العوام وسمع الحديث من: علي بن أحمد المديني بنيسابور ومن غيره وكتب عنه: الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني.
ولد سنة 467هـ، أو سنة 479هـ، بشهرستان وتوفي بها في آخر شعبان سنة 548هـ، أو سنة 549هـ.
وشهرستان: اسم لثلاث مدن:
الأولى: شهرستان خراسان: بين نيسابور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأول الرمل المتصل بناحية خوارزم وهي المشهورة ومنها: أبو الفتح المذكور وأخرجت خلقا كثيرا من العلماء رحمهم الله.
الثانية: شهرستان: قصبة ناحية سابور من أرض فارس.
الثالثة: مدينة جي بأصبهان ومعناه: مدينة الناحية لفظة أعجمية.
بقراط الحكيم: أول من دون علم الطب وهو حكيم مشهور معتن ببعض علوم الفلسفة سيد الطبيعيين في عصره كان قبل الإسكندر بنحو مائة وسنة وله في الطب تصانيف شريفة وكان فاضلا متألها ناسكا يعالج المرضى احتسابا طوافا في البلاد وكان في زمن أردشير - من ملوك الفرس - وكان يسكن حمص من مدن الشام وكان يتوجه إلى دمشق ويقيم في غياضها للرياضة والتعلم والتعليم وفي بساتينها: موضع يعرف: بصفة بقراط وكان طبيبا فيلسوفا فاضلا كاملا معلما لسائر الأشياء قوي الصناعة والقياس والتجربة.
ولما خاف أن يفنى الطب من العالم علم الغرباء الطب وجعلهم بمنزلة أولاده وظهر بقراط سنة 96هـ لتاريخ: بخت نصر وهي: سنة 14هـ من ملك بهمن وعاش خمسا وتسعين سنة وله كتب نافعة مفسرة بالعربية.
جالينوس الحكيم: الفيلسوف الطبيعي اليوناني ظهر بعد بقراط من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين إمام الأطباء في عصره ورئيس الطبيعيين في وقته مؤلف الكتب الجليلة في الطب وغيره: من علم الطبيعة وعلم البرهان ومؤلفاته: تنيف على ستين مؤلفا وكان بعد المسيح عليه السلام بنحو مائتي سنة وبعد الإسكندر بنحو خمسمائة سنة ونيف ولا يعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبيعي من هذين: بقراط وجالينوس قيل: هو من بلاد إيشيا شرقي قسطنطينية في دولة القيصر السادس وجاب البلاد وبرع في الطب والفلسفة والرياضة وهو ابن سبع عشرة سنة وجدد علم بقراط وفاق في علم التشريح وكان أبوه أعلم بالمساحة في زمانه وكانت ديانته النصرانية مات في مدينة سلطانية وقبره بها وعاش ثمان وثمانين سنة وكان يأخذ نفسه في كل يوم بقراءة جزء من الحكمة ولم يأخذ من الملوك شيئا ولا داخلهم ولولا هو ما بقي العلم والدرس ودثر من العالم جملته ولكنه أقام أوده وشرح غامضه وبسط مستصعيه وكان في زمانه فلاسفة مات ذكرهم عند ذكره وانتهت إليه الرياسة في عصره.
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: من مشاهير العلماء في الطب طبيب المسلمين غير مدافع مهر في المنطق والهندسة وغيرها: من علوم الفلسفة وكان في شبيبته يضرب بالعود ويغني ثم أقبل على تعلم الفلسفة ودراسة كتب الطب فنال منها كثيرا وقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوائرها الغاية واعتقد الصحيح منها وعلل السقيم وكان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر وكان متقنا لهذه الصناعة حاذقا بها عرافا بأوضاعها وقوانينها تشد إليه الرحال لأخذها وألف كتبا أكثرها في الطب وتوغل في الآلهة ولم يفهم غرضه فتقلد آراء سخيفة واتخذ مذاهب ضعيفة ودبر مارستان الري ثم مارستان بغداد في أيام المكتفي ثم عمي في آخر عمره وتوفي في سنة 311هـ.
قيل له: لو قدحت عينيك؟ قال: لا قد أبصرت من الدنيا حتى مللت وأحسن صناعة الكيمياء وذكر أنها أقرب إلى الممكن منها إلى الممتنع وألف فيها اثني عشر كتابا وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء ولم يكن يفارق النسخ إما يسود أو يبيض وتصانيفه: تبلغ مائة وستة عشر من الكتب والرسائل في الطب والفلسفة وكلها نافع في بابه والله أعلم.
ومن كلامه: مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب.
قال: وإذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا فما أقل لبث العلة وقال: عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة ولم يزل رئيس هذا الشأن وكان اشتغاله به على كبر يقال: إنه لما شرع فيه كان قد جاوز أربعين سنة من العمر وطال عمره.
علي بن أبي الحزم علاء الدين بن النفيس الطبيب المصري صاحب كتاب: الموجز في الطب وشرح كليات القانون وغيرهما.
كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه وصنف في الطب غير ما ذكرناه كتابا سماه: الشامل قيل: لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة تم منه ثمانون مجلدة.
وصنف في أصول الفقه والمنطق.
وبالجملة: كان مشاركا في الفنون وأما الطب: فلم يكن على وجه الأرض مثله في زمانه قيل: ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وكان شيخه في الطب: الشيخ مهذب الدين توفي سنة 687هـ، عن نحو ثمانين سنة وخلف أموالا جزيلة ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري.
أبو يعقوب إسحاق بن حنين العبادي: الطبيب المشهور كان أوحد عصره في علم الطب وكان يعرف كتب الحكمة التي بلغه اليونانيين إلى اللغة العربية وله المصنفات المفيدة في الطب ولحقه الفالج في آخر عمره فتوفي في سنة 398هـ.
والعبادي: نسبة إلى عباد الحيرة وهم: عدة بطون من قبائل شتى نزلوا حيرة وكانوا نصارى ينسب إليهم خلق كثير والحيرة: مدينة قديمة كانت لبني المنذر.
أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي: الطبيب المشهور كان إمام وقته في صناعة الطب وكان يعرف لغة اليونانيين معرفة تامة وهو الذي عرب كتاب إقليدس وجاء ثابت بن قرة فنقحه وهذبه وكذلك كتاب المجسطي.
وله في الطب مصنفات مفيدة وتقدم ذكر ولده: إسحاق آنفا وكان المأمون مغرما بتعريبها.
واليونانيون: كانوا حكماء متقدمين على الإسلام وهم أولاد: يونان ابن يافث بن نوح
توفي حنين في سنة 260هـ.
أبو الحسن هبة الله بن أبي الغنائم بن التلميذ: الطبيب البغدادي ذكره العماد الأصفهاني في الخريدة فقال: سلطان الحكماء ومقصد العالم في علم الطب بقراط عصره وجالينوس زمانه وختم به هذا العلم ولم يكن في الماضيين من بلغ مداه في الطب عمر طويلا وعاش نبيلا جليلا رأيته وهو شيخ بهي المنظر حسن الرواء عذب المجتلى والمجتنى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهم عالي الهمة ذكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي شيخ النصارى وقسيسهم ورأسهم ورئيسهم وله في النظم كلمات رائقة وحلاوة جنية وغزارة بهية وكان بينه وبين أبي البركات: هبة الله بن علي - الحكيم المشهور صاحب كتاب: المعتبر في الحكمة - تنافر وتنافس كما جرت العادة بمثله بين أهل كل فضيلة وصنعة ولهما في ذلك أمور ومجالس مشهورة وكان يهوديا ثم أسلم في آخر عمره وأصابه الجذام فعالج نفسه بتسليط الأفاعي على جسده بعد أن جوعها فبالغت في نهشه فبرئ من الجذام وعمي وقصته مشهورة.
ولابن التلميذ في الطب تصانيف مليحة فمن ذلك: أقراباذين وحواش على كليات ابن سينا
توفي في سنة 560هـ، ببغداد وقد ناهر المائة من عمره مات في عيد النصارى.
أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة: الطبيب صاحب: كتاب المنهاج الذي جمع فيه من أسماء: الحشائش والعقاقير والأدوية وغير ذلك شيئاً كثيراً.
كان نصرانيا ثم أسلم وصنف: رسالة في الرد على النصارى وبين عوار مذاهبهم ومدح فيها الإسلام وأقام الحجة على أنه الدين الحق وذكر فيها ما قرأه في التوراة والإنجيل من: ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي مبعوث وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه ثم ذكر فيها: معائب اليهود والنصارى وهي رسالة حسنة أجاد فيها وهو: من المشاهير في علم الطب وعمله وكان يطبب أهل محلته ومعارفه بغير أجرة ويحمل إليهم الأشربة والأدوية بغير عوض ويتفقد الفقراء ويحسن إليهم ووقف كتبه قبل وفاته وجعلها في مشهد أبي حنيفة رحمه الله توفي في سنة 493هـ غفر الله له.
أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف: بالجصاص ولد سنة 305هـ، وسكن ببغداد وانتهت إليه رياسة الحنفية تفقه على الكرخي وكان على طريقه من الزهد والورع توفي ببغداد سنة 370هـ.
أبو الحسن علي بن محمد فخر الإسلام البزدوي فقيه ما وراء النهر على مذهب أبي حنيفة
توفي سنة 482هـ، ودفن بسمرقند له: كتاب المبسوط أحد عشر مجلدا وشرح الجامع الكبير ولكتابه في الأصول: شروح أشهرها: الكشف.
شمس الأئمة السرخسي أبو بكر محمد بن أحمد صاحب: المبسوط تخرج بعبد العزيز الحلواني كان عالما أصوليا وقد شاع: أنه أملى المبسوط من غير مراجعة إلى شيء من الكتب وله كتاب في أصول الفقه أبدأه وهو في الجب محبوس بسبب كلمة نصح بها الأمراء وكان يجتمع تلامذته على أعلى الجب يكتبون فلما وصل إلى باب الشرط أطلق من الحبس فخرج إلى فرغانة فأكرمه الأمير حسن فوصل إليه الطلبة فأكمله.
وقيل له يوما: حفظ الشافعي ثلاثمائة كراس فقال: حفظ زكاة ما أحفظه فحسب ما حفظ فكان: اثني عشر1 ألف كراس.
توفي في حدود سنة خمسمائة - رحمه الله تعالى.
سيف الدين الآمدي علي بن محمد بن سالم الثعلبي.
ولد بآمد سنة 550هـ قرأ على مشائخ بلده القراءات وحفظ كتابا على مذهب أحمد بن حنبل وبقي على ذلك مدة فكان في أول اشتغاله: حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ثم رحل إلى العراق وأقام في الطلب ببغداد مدة وحصل علم الجدل والخلاف والمناظرة ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير وتمهر فيه ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم وصنف: في أصول الدين والفقه والمنطق والحكمة والخلاف وكل تصانيفه مفيدة.
وكان قد أخذ علوم الأوائل من نصارى الكرخ ويهودها فاتهم لذلك في عقيدته ففر إلى مصر خوفا من الفقهاء سنة 592هـ، وناظر بها وحاضر وأظهر تصانيف في علوم الأوائل ثم تعصبوا عليه فخرج من القاهرة مستخفيا ثم استوطن حماة أو دمشق وتولى بها التدريس ومات بها في سنة 631هـ.
له: كتاب الماهر في علوم الأوائل والأواخر خمس مجلدات وكتاب أبكار الأفكار في أصول الدين أربع مجلدات قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن من الآمدي وما علمنا قواعد البحث إلا منه وقال: لو ظهر متزندق مشكك في الدين ما تعين لمناظرته إلا هو وله: كتاب منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل ومختصرهما لابن الحاجب وله مقدار عشرين تصنيفا. توفي سنة 631هـ، ودفن بسفح جبل قاسيون وكانت ولادته في سنة 551هـ والآمدي: نسبة إلى آمد وهي: مدينة كبيرة في ديار بكر مجاورة لبلاد الروم.
أبو البركات النسفي عبد الله بن أحمد حافظ الدين صاحب كنز الدقائق وكتاب المنار في أصول الفقه وكتاب العمدة في أصول الدين تفقه على شمس الأئمة الكردري.
وللمنار شروح منها: إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار لسعد الدين محمود الدهلوي رحمه الله تعالى.
سراج الدين الهندي أبو حفص عمر بن إسحاق ابن أحمد الغزنوي قاضي الحنفية بالقاهرة.
تفقه ببلاده على: الوجيه الرازي والسراج الثقفي والزين البدواني وغيرهم من علماء الهند وحج وظهرت فضائله له وجاهة في كل دولة واسع العلم كثير المهابة وكان يتعصب للصوفية الموحدة وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض.
مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي وهي: السابع من رجب سنة 773هـ وكان يكتب بخطه: مولدي سنة 704هـ.
محمد بن محمد بن عمر حسام الدين الأخسيكثي: وأخسيكث قرية فيما وراء النهر ألف المختصر في أصول الفقه مات - رحمه الله تعالى - سنة 644هـ.
أبو المعالي إمام الحرمين: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني مولده: في الكامل: سنة 410هـ، وفي تاريخ ابن أبي الدم: 419هـ، إمام العلماء في وقته فحل المذهب.
ومن تصانيفه: نهاية المطلب في دراية المذهب سافر إلى بغداد ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف وأم في الحرمين الشريفين وبذلك لقب ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة ومجلس الذكر والتدريس ثلاثين سنة وحظي عند نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي.
ومن تلاميذه: الغزالي وحسبك وأبو الحسن علي إلكيا الهراسي.
وادعى إمام الحرمين الاجتهاد المطلق لأن أركانه كانت حاصلة له ثم عاد إلى تقليد الإمام الشافعي - رحمه الله - لعلمه بأن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه.
مات بقرية: بشتقان ونقل إلى نيسابور ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه وصلى عليه ولده: أبو القاسم فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع وقعد الناس لعزائه ورثوه كثيرا منه:
قلوب العالمين على المقالي ... وأيام الورى شبه الليالي
أيثمر غصن أهل العلم يوما ... وقد مات الإمام أبو المعالي
وقد كانت تلامذته يومئذ نحو أربعمائة فكسروا محابرهم وأقلامهم وأقاموا كذلك عاما كاملا كذا في تاريخ ابن الوردي.
قال ابن خلكان: هو أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي على الإطلاق المجمع على إمامته المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من: الأصول والفروع والأدب ورزق من التوسع في العبادة مالم يعهد من غيره وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها سافر إلى بغداد ولقي بها جماعة من العلماء ظهرت تصانيفه وحضر دروسه الأكابر من الأئمة وله إجازة من الحافظ: أبي نعيم الأصفهاني صاحب حلية الأولياء.
ومن تصانيفه: الشامل في أصول الدين والبرهان في أصول الفقه وغياث الأمم في الإمامة وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأقوال أبكى الحاضرين ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره. انتهى ملخصاً.
الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي المتكلم على مذهب الأشعري كان أعلم الناس بمذهبه وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين اشتغل على سراج الدين صاحب التلخيص.
صنف: الزبدة في علم الكلام والنهاية في أصول الفقه والفائق فيه أيضا وكل مصنفاته جامعة حسنة لا سيما: النهاية ولد ببلاد الهند سنة 644هـ، ورحل إلى اليمن ثم حج وقدم إلى مصر ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين ثم قدم دمشق وأشغل الناس بالعلم توفي بها سنة 715، خمس عشرة وسبعمائة.
صدر الشريعة عبد الله بن مسعود بن محمود عالم محقق وحبر مدقق له تصانيف: مثل: شرح الوقاية والوشاح في المعاني وتعديل العلوم في أقسام العلوم العقلية كلها والتنقيح وشرحه المسمى: بالتوضيح في أصول الفقه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مولانا: خسرو اسمه: محمد بن قرامز بن خواجة علي كان عالما عاملا محققا فاضلا استقضاه السلطان محمد خان بالعسكر ثم صار قاضيا بمدينة قسطنطينية ثم صار مفتيا بها سنين كثيرة
توفي سنة 885 له مصنفات كثيرة في علوم عديدة مثل: الدرر وشرحه: الغرر وحواشي التلويح وحواشي المطول وغير ذلك من الكتب والرسائل.
قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني وستأتي ترجمته.
الإمام أبو حنيفة نعمان بن ثابت - رضي الله عنه إمام الحنفية ومقتدي أصحاب الرأي.
ولد سنة 80هـ من الهجرة. كذا ذكره الواقدي والسمعاني عن: أبي يوسف وقيل: عام إحدى وستين والأول: أكثر وأثبت لم ير أحدا من الصحابة باتفاق أهل الحديث وإن كان عاصر بعضهم على رأي الحنفية وبالغ في مدينة العلوم في إثبات اللقاء والرواية عن بعضهم وليس كما ينبغي قال: وقد ثبت بهذا التفصيل أن الإمام من التابعين وإن أنكر أصحاب الحديث كونه منهم إذ الظاهر أن أصحابه أعرف بحاله منهم. انتهى.
وفيه نظر واضح لأن معرفة أهل الحديث بوفيات الصحابة وأحوال التابعين أكثر من معرفة أصحاب الرأي بها وقولهم: إن المثبت أولى من النافي تعليل لا تعويل عليه ولاعبرة بكثرة مشائخه رحمهم الله أيضا بالنسبة إلى مشائخ الشافعي رحمه الله فإن الاعتبار بالثقة دون كثرة المشيخة وقد ضعف المحدثون أبا حنيفة - رحمه الله - في الحديث وهو كذلك كما يظهر من الرجوع إلى فقه مذهب هذا الإمام وتصرفاته في الكلام والإنصاف خير الأوصاف ولم يكن هو عالما حق العلم بلغة العرب ولسانهم.
والكتب المؤلفة في ترجمته كثيرة يوجد بعضها فهي تغني عن الإطالة في هذا المقام.
والكلام على ترجيح فقه إمام ومذهبه على فقه إمام آخر ومذهبه: ليس من العلم شيء.
وأكثر من ابتلي بأمثال هذه الخرافات هم: المقلدون للمذاهب والمتمذهبون للمشارب والحق: عدم الترجيح وأحكم المذاهب وأصوبها وأشرفها ماكان موافقا للكتاب والسنة بعيدا عن شوائب الآراء والمظنة - وبالله التوفيق وبيده أزمة التدقيق والتحقيق.
الإمام مالك بن أنس صاحب كتاب: الموطأ في الحديث الشريف عالم المدينة وإمامها أحد المجتهدين الأربعة مات وله تسعون سنة وقبره بالمدينة على شط بقيع الغرقد وكان وفاته في أيام الرشيد ولد وأسنانه ثابتة فسمي: ضحاكا أضحكه الله في جناته.
أخذ عنه العلم جماعة كثيرة منهم: الشافعي قال: إذا ذكر العلماء فمالك النجم وإذا جاء الحديث عنه فاشدد يديك به.
وقال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله تعالى في القلب.
قال في مدينة العلوم: إنه لا يفي بتعداد فضائل هذا الطود العظيم الأشم والبحر الزخار الأطم بطون الكتب ومضامين الأسفار فضلا عن هذه الأوراق والسطور. انتهى.
وهو كذلك وكتابه الموطأ: في الطبقة الأولى من كتب الحديث عند المحققين وكان شارحه صاحب المصفى والمسوى شديد الاعتناء به حتى قال: إن المقصود في هذه الدورة العمل بالموطأ وترك العمل بغيره من التفريعات والكتب.
وهذا يدل على عظمة رتبة هذا التأليف.
توفي في سنة تسع أو ثمان وسبعين ومائة وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي: الحطة في ذكر الصحاح الستة وإتحاف النبلاء فارجع إليهما.
الإمام: محمد بن إدريس الشافعي: القرشي ثالث المجتهدين وأعلم العلماء الربانيين لما حملت به أمه: رأت كأن المشتري خرج من بطنها وانقض ووقع في كل بلدة منه شظية فعبر المعبر: أنه يخرج من بطنك عالم عظيم فكان كما عبر.
وهو: أول من دون علم أصول الفقه ورزق السعادة التامة في علمه.
قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس وإني لأدعو له في أثر صلاتي: اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي.
قال في مدينة العلوم: وبالجملة هو: عالم الدنيا وعالم الأرض شرقا وغربا جمع الله له من العلوم والمفاخر مالم يجمع لإمام بعده وفضائله أكثر من أن تحصى لا يسعها إلا المجلدات.
حدث عنه أحمد بن حنبل وغيره مات بمصر سنة 206هـ، وله أربع وخمسون سنة واتفق العلماء قاطبة من: أهل الفقه والأصول والحديث واللغة والنحو وغيرها على أمانته وعدالته وزهده وورعه وتقواه وجوده وحسن سيرته وعلو قدره فالمطنب في وصفه مقصر والمسهب في مدحه مقتصر وقد كثرت في ذلك المجلدات الكبار ولم تبلغ ساحل هذا البحر وقد اعتنى جماعة من أهل العلم بترجمته مفردة.
الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي إمام أهل السنة بلا مدافع وقدوة أهل الحديث بغير منازع.
ولد ببغداد سنة 164هـ ومات بها سنة 241هـ، وله سبع وسبعون سنة به عرف صحيح الحديث من ضعيفه والمجروح من المعدل.
رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة واليمن والشام والجزيرة وكتب عن علمائها.
وسمع الحديث من شيوخ بغداد وسمع منه الشيخان الكبيران: البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو داود السجستاني وخلق كثير سواهم وفضائله كثيرة ومناقبه جمة في الإسلام وآثاره مشهورة ومقاماته في الدين مذكورة وهو رابع المجتهدين المعول على قوله ورأيه وروايته.
قال ابن راهويه: هو حجة بين الله وبين عباده في أرضه وكان يحفظ ألف ألف حديث وكانت مجالسته مجالسة الآخرة لا يذكر من أمر الدنيا شيئا ضرب تسعة وعشرين سوطا على إنكار خلق القرآن قال أحمد بن محمد الكندي: رأيته في المنام فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ربي وقال: يا أحمد ضربت في؟ قلت: نعم يا رب قال: هذا وجهي انظر إليه قد أبحتك النظر إليه.
ولما مات صلى عليه من المسلمين من لا يحصى ومسح موضع الصلاة عليه فوجدوا موقف ألفي ألف وثلاثمائة ألف ذراع ونحوها ذكرت له ترجمة كافية في كتابي: الحطة وإتحاف النبلاء.
وقد ألفت في مناقب هؤلاء الأربعة صحف كثيرة مستقلة لا حاجة بعدها إلى إطالة الكلام لهم في هذا المقام وأعلم الأربعة بعلم الحديث وأستاذ الكل فيه: هو ذاك أحمد الإمام ولولاه لم يكن لمذهب السنة بقاء في الدنيا وإليه تنتهي رياسة علم السنة وأهلها وظهر في أهل نحلته الأئمة المجتهدون على كثرة لا يعلم مثلها في مذهب آخر ورزق السعادة الكاملة في علمه ودينه.
وقد ذكر في مدينة العلوم بعد تراجم الأئمة الأربعة تراجم غالب علماء المذهب الحنفي بالبسط التام لكونه من الحنفية وليس ذكرها من غرضنا في هذا الكتاب كذلك ذكر تراجم غيرهم من فقهاء المذاهب الثلاثة لأن تراجمهم مذكورة في كتب الطبقات كل واحد من هؤلاء مسطورة في محلها وهم أكثر من أن تحصى وأزيد من أن تستقصى وذكرهم يستدعي مجلدات ضخيمة وأسفار عظيمة.
والأئمة منهم: معروفون مشهورون وإنما أشرنا إلى تراجم الأربعة المجتهدين لكونهم أئمة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين وهاهنا أشير إلى أسمائهم رحمهم الله: فمن الأئمة الحنفية:
الإمام القاضي: أبو يوسف وكان من أهل الاجتهاد.
والإمام: محمد وقد بلغ رتبة الاجتهاد أيضاً.
وابن المبارك المحدث المروزي.
والإمام: داود بن نصير الطائي الكوفي.
ووكيع بن الجراح. ويحيى بن زكريا.
والحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي.
وحماد بن أبي حنيفة الإمام.
وإسماعيل بن حماد المذكور.
ويوسف بن خالد صاحب أبي حنيفة.
وعافية بن يزيد الكوفي.
وحبان ومندل: ابنا علي الغزي.
وعلي بن مسهر الكوفي.
والقاسم بن معن.
وأسد بن عمرو بن عامر.
وأحمد أبو حفص الكبير.
وخلف بن أيوب من أصحاب الإمام محمد.
وشداد بن حكم من أصحاب زفر رحمه الله.
وموسى بن نصر الدين الرازي.
وموسى بن سليمان الجوزجاني.
وهلال بن يحيى النصري.
ومحمد بن سماعة وأبو مطيع الحكم بن عبد الله القاضي راوي كتاب: الفقه الأكبر عن أبي حنيفة.
قال في المدينة: إن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل: إن لأبي حنيفة - رحمه الله - سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف فأكثر من ذلك. انتهى ثم ذكر الكتب المعتبرة في الفقه الحنفي على ما هو المشهور في ذلك الزمان وهي مذكورة في: كشف الظنون على وجه البسط والتفصيل مع ذكر الحواشي عليها والشروح لها.
قال: واعلم أن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر فلنذكر بعد ذلك نبذا من: الأئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان:
أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي.
والآخر: من تلاهم من الأئمة.
أما الأول: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي
فمنهم: أحمد بن خالد الخلال أبو جعفر البغدادي وأحمد بن سنان الواسطي وأحمد بن صالح أبو جعفر الطبري وأحمد بن أبي سرح الصباح وأحمد بن عبد الرحمن القرشي وأحمد بن عمرو بن السرح الأموي والإمام: أحمد بن حنبل المشهور في الآفاق وأحمد بن محمد الوليد ويقال: عون بن عقبة وأحمد بن يحيى البغدادي المتكلم وأحمد بن الوزير المصري وأحمد بن سريج الرازي ومحمد بن عبد الحكم المصري ومحمد بن الإمام الشافعي وأبو ثور إبراهيم بن خالد البغدادي وإبراهيم بن محمد ابن عم الشافعي وإبراهيم بن محمد بن هرم وإسماعيل بن يحيى أبو إبراهيم المزني وبحر بن نصر الخولاني وحارث النقال وحسن بن محمد الصباح البغدادي الزعفراني وحسين بن علي الكراسي والحسن الفلاس وحرملة التجيبي وربيع بن سليمان الجبري المصري وربيع بن سليمان المرادي وسليمان بن داود العباسي وأبو بكر الحميد بن زهير وعبد العزيز أبو علي الخزاعي وعبد العزيز الكناني وفضل بن ربيع والقاسم بن سلام - بتشديد اللام - وقحزم الأسواني وهو: آخر من صحب الشافعي - رحمه الله - موتا وموسى بن أبي الجارود المكي ويوسف بن يحيى البويطي وبويط: من صعيد مصر ويونس بن علي الصدفي المصري.
وأما الصنف الثاني: من تلاهم من الأئمة الشافعية فمنهم: محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن علي الحكيم الترمذي الصوفي ومحمد بن نصر المروزي والجنيد بن محمد البغدادي سيد الطائفة الصوفية وحارث بن أسد المحاسبي وداود بن علي البغدادي إمام أهل الظاهر وسليمان بن الأشعث السجستاني والحافظ: أبو سعيد الدارمي محدث هراة وأبو تراب عسكر بن محمد التخشبي وتخشب: بلدة من بلاد ما وراء النهر عربت فقيل لها: نسف والنسائي صاحب السنن وأحمد بن شريح القاضي وأحمد بن محمد أبو علي الرودباري وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي وأبو زيد محمد بن أحمد الفاشاني المروزي وأبو بكر محمد بن أحمد الحداد المصري وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري أحد أئمة الدنيا علما ودينا ومحمد بن خفيف الشيرازي وأبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي وأبو بكر الصيرفي محمد بن عبد الله وأبو الحسن علي شيخ الأشاعرة وأبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي وأبو إسحاق الإسفرائني إبراهيم بن محمد وإسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو القاسم القشيري حسن بن علي وأبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وله مناظرات مع أبي الحسن القدوري من الحنفية.
والعراقيون: إذا أطلقوا لفظ القاضي يعنون: إياه.
والخراسانيون: يعنون: القاضي حسين.
والأشعرية في الأصول: يعنون: القاضي أبا بكر الباقلاني.
والمعتزلة: عبد الجبار الإسترابادي والقفال المروزي الصغير واسمه: عبد الله ابن أحمد وهو المراد عند الإطلاق والأكبر يقيد بالشاشي وابن هوازن القشيري وأبو محمد الجويني والد إمام الحرمين وأبو نصر ابن الصباغ وعبد القاهر التميمي أبو منصور البغدادي وعبد القاهر الجرجاني وأبو المعالي إمام الحرمين وأبو الحسن الماوردي صاحب: الحاوي والإقناع وأبو حيان التوحيدي وأبو المظفر السمعاني وأبو حامد الغزالي صاحب: الإحياء ومحمد الخيوشاني ومحيي السنة: الفراء البغوي وأبو المحاسن الروياني والحافظ: ابن عساكر والشيخ: صدر الدين القونوي والإمام: فخر الدين الرازي والشيخ: عز الدين بن عبد السلام ومن تلامذته: ابن دقيق العيد وأبو القاسم الرافعي وأبو نصر الشهروزي وأبو القاسم الصوفي وأبو الفتح الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد شارح الوسيط ومحمد التركماني الذهبي الحافظ والقاضي: جلال الدين القزويني والصفي الهندي وابن الزملكاني ومحمد بن سيد الناس الحافظ والحافظ: علم الدين العراقي الضرير وعلي ابن عبد الكافي السبكي الكبير وابن خطاب الباجي والقاضي: شرف الدين البارزي. انتهى. ثم ذكر لهؤلاء تراجم مختصرة ومطولة كما ذكر تراجم الفقهاء الحنفية ولم يذكر للأئمة المالكية والحنبلية تراجم ولعل الوجه في ذلك كثرة أولئك وقلة هؤلاء {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ولكن تغني عن ذلك كتب الطبقات المختصة لتراجم المالكية والحنابلة وهي لم تغادر أحدا منهم.
وقد ذكر القاضي: أبو اليمن مجير الدين الحنبلي في كتاب: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: جماعة من علماء المذاهب الأربعة وقضاتهم الذين كانوا في إيلياء ومنهم علماء الحنابلة وكذا ذكرهم ابن رجب الحنبلي في طبقاته وغيره من أهل التاريخ والسير في كتبهم الموضوعة لذلك.
والذين ترجم لهم صاحب مدينة العلوم أكثرهم من رجال وفيات الأعيان لابن خلكان وقد رددت عليه رجالا منه ومن غيره وأشرت إلى المآخذ وتركت تراجم غالب العلماء تحت كل علم مذكور ها هنا وأومأت إلى أسمائهم ليسهل المراجعة للطالب إلى معرفة كل واحد منهم من المآخذ.
وأذكر الآن: جماعة من علماء الحديث والقرآن ثم أردف ذلك: ذكر طائفة من علماء الهند المشهورين المشار إليهم في العلوم النقلية والعقلية ولم أدرجهم تحت علماء العلوم المذكورة هاهنا لسهولة الضبط والربط وهم مشاركو الجميع - إلا ما شاء الله تعالى فليكن ذلك على ذكر منك وما ذكرناه من علماء الحرمين واليمن فأكثرهم مشائخ مشائخنا وهم في سلسلة الإسناد لنا.
والمراد بهؤلاء في هذا الموضع الذين لم يقلدوا واحدا من أهل الاجتهاد ولم يكونوا أصحاب الرأي غالبا وهم المفسرون المتقنون والمحدثون المصنفون لكتب التفاسير والسنن على اختلاف أنواعها وتباين أنحائها سيما الأئمة منهم وإن انتسب بعضهم في الظاهر إلى أحد من المجتهدين فهو في الحقيقة ليس منتسبا إليه بل تابع للقرآن والحديث مجتهد بنفسه في علمه وعمله والله أعلم بالصواب.
شيخ الإسلام: تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي: شهاب الدين عبد الحليم بن شيخ الإسلام: مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني الحنبلي.
مولده رحمه الله ورحمنا به: بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة هاجر والده به وبإخوته إلى الشام من جور التتر وعني الشيخ تقي الدين بالحديث ونسخ جملة من الكتب وتعلم الخط والحساب في المكتب وحفظ القرآن ثم أقبل على الفقه وقرأ أياما في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه وبرع في النحو وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى سبق فيه وأحكم أصول الفقه كل هذا وهو ابن بضع عشرة سنة فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وإدراكه ونشأ في تصون تام وعفاف وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحيرون منه وأفتى وله أقل من تسع عشرة سنة وشرع في الجمع والتأليف ومات والده وله إحدى وعشرون سنة وبعد صيته في العالم فطبق ذكره الآفاق وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكذلك الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح يقول في المجلس أزيد من كراسين ويكتب على الفتوى في الحال عدة أوصال بخط سريع في غاية التعليق والإغلاق. قال الشيخ العلامة كمال الدين بن الزملكاني - علم الشافعية - في خط كتبه في حق ابن تيمية: كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم بأن لا يعرفه أحد مثله وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء.
قال: ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها. انتهى كلامه.
وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث وبالعالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي.
أما التفسير فسلم إليه وله في استحضار الآيات للاستدلال قوة عجيبة ولفرط إمامته في التفسير وعظمة اطلاعه بين خطأ كثيرا من أقوال المفسرين ويكتب في اليوم والليلة من: التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة والأوائل نحوا من أربعة كراريس وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلدة وله في غير مسألة مصنف مفرد كمسألة التحليل سماه: بيان الدليل على إبطال التحليل مجلد وغيرها.
وله: مصنف في الرد على ابن مطهر الرافضي الحلي في ثلاث مجلدات كبار سماه: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية.
وتصنيف في: الرد على تأسيس التقديس للرازي في سبع مجلدات.
وكتاب في: الرد على المنطق وكتاب في: الموافقة بين المعقول والمنقول في مجلدين وقد جمع أصحابه من فتاواه ست مجلدات كبار وله باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين قل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة.
وله: مصنف سماه: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
وكتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وبقي عدة سنين لا يفتى بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه وبدعوه وناظروه وكابروه وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أدى إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال.
وجرى بينه وبينهم حملات حربية ووقعات شامية ومصرية.
وكان معظما لحرمات الله دائم الابتهال كثير الاستعانة قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها وله من الطرف الآخر محبون من: العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار والكبراء وسائر العامة تحبه بشجاعته تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال ولقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه واجتمع بالملك مرتين وبخلطو شاه وبولان وكان قيحق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغل.
قال القاضي المنشي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله في ترجمته: جلس الشيخ إلى السلطان محمود غازان حيث تجم الأسد في آجامها وتسقط القلوب دواخل أجسامها وجد النار فتورا في ضرومها والسيوف فرقا في قرمها خوفها من ذلك السبع المغتال والنمروذ المحتال والأجل الذي لا يدفع بحيلة محتال فجلس إليه وأومى بيده إلى صدره وواجهه ودار في نحره وطلب منه الدعاء فرفع يديه ودعاء منصف أكثره عليه وغازان يؤمن على دعائه.
وكتب ابن الزملكاني على بعض تصانيف ابن تيمية - رحمه الله - هذه الأبيات:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة العصر
هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
قال القاضي أبو الفتح ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد وحضر عنده شيخ النحاة: أبو حيان وقال: ما رأت عيناي مثله وقال فيه على البديهية أبياتا منها:
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الحق إذ آثاره درست ... وأخمد الشر إذ طارت له الشرر
كنا نحدث عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
قال ابن الوردي في تاريخه: بعد ذلك كله هو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه في العلم وكان فيه قلة مداراة وعدم تؤدة غالبا ولم يكن من رجال الدول ولا يسلك معهم تلك النواميس وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم كمسألة: التكفير في الحلف بالطلاق ومسألة: أن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق في الحيض لا يقع.
وساس نفسه سياسة عجيبة فحبس مراتب بمصر ودمشق والإسكندرية وارتفع وانخفض واستبد برأيه وعسى أن يكون ذلك كفارة له وكم وقع في صعب بقوة نفسه وخلصه الله وله نظم وسط ولم يتزوج ولا تسرى ولا كان له من المعلوم إلا شيء قليل وكان أخوه يقوم بمصالحه وكان لا يطلب منهم غداء ولا عشاء غالبا وما كانت الدنيا منه على بال وكان يقول في كثير من أحوال المشائخ: إنها شيطانية أو نفسانية فينظر في متابعة الشيخ الكتاب والسنة فإن كان كذلك فحاله صحيح وكشفه رحماني غالبا وما هو بالمعصوم وله في ذلك عدة تصانيف تبلغ مجلدات من أعجب العجب وكم عوفي من صرع الجني إنسان بمجرد تهديده للجني وجرت له في ذلك فصول ولم يفعل أكثر من أن يتلو آيات ويقول: إن تنقطع من هذا المصروع وإلا عملنا معك حكم الشرع وإلا عملنا معك ما يرضي الله ورسوله. وفي آخر الأمر ظفروا له بمسألة السفر لزيارة قبور النبيين وأن السفر وشد الرحال لذلك منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" مع اعترافه بأن الزيادة بلا شد رحل قربة فشنعوا عليه بها وكتب فيها جماعة: بأنه يلزم من منعه شائبة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.
وأفتى عدة: بأنه مخطئ بذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم ووافقه جماعة وكبرت القضية فأعيد إلى قاعة بالقلعة فبقي بضعة وعشرين شهرا وآل الأمر إلى أن منع من الكتابة والمطالعة وما تركوا عنده كراسا ولا دواة وبقي أشهرا على ذلك فأقبل على التلاوة والتهجد والعبادة حتى أتاه اليقين فلم يفجأ الناس إلا نعيه وما علموا بمرضه فازدحم الخلق عند باب القلعة وبالجامع زحمة صلاة الجمعة وأرجح وشيعه الخلق من أربعة أبواب البلد وحمل على الرؤوس وعاش سبعا وستين سنة وأشهرا وكان أسود الرأس قليل شيب اللحية ربعة جهوري الصوت أبيض أعين.
قلت: تنقص مرة بعض الناس من ابن تيمية عند القاضي ابن الزملكاني وهو بحلب وأنا حاضر فقال: ومن يكون مثل الشيخ تقي الدين في زهده وصبره وشجاعته وكرمه وعلومه والله لولا نعرضه للسلف لزاحمهم بالمناكب وهذه نبذة من ترجمة الشيخ مختصرة أكثرها من: الدرة اليتيمية في السيرة التيمية للإمام الحافظ: شمس الدين محمد الذهبي رحمه الله.
قال ابن الوردي: وفيها أي: سنة 723هـ، ليلة الإثنين والعشرين من ذي القعدة توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - معتقلا بقلعة دمشق وغسل وكفن وأخرج وصلى عليه أولا: بالقلعة الشيخ محمد بن تمام ثم: بجامع دمشق بعد الظهر من باب الفرج واشتد الزحام في سوق الخيل وتقدم عليه في الصلاة هناك أخوه وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرك وتراص الناس تحت نعشه وحضرت النساء خمسة عشر ألفا وأما الرجال فقيل: كانوا مائتي ألف وكثر البكاء عليه وختمت له ختم عديدة وتردد الناس إلى زيارة قبره أياما ورؤيت له منامات صالحة ورثاه جماعة قلت: ورثيته أنا بمرثية على حرف الطاء فشاعت واشتهرت وطلبها مني الفضلاء والعلماء من البلاد وهي:
عثافي عرضه قوم سلاط ... لهم من نثر جوهره الالتقاط
تقي الدين أحمد خير حبر ... خروق المعضلات به تخاط
توفي وهو محبوس فريد ... وليس له إلى الدنيا انبساط
ولو حضروه حين قضى لألفوا ... ملائكة النعيم به أحاطوا
قضى نحبا وليس له قرين ... ولا لنظيره لف القماط
فتى في علمه أضحى فريدا ... وحل المشكلات به يناط
وكان إلى التقى يدعو البرايا ... وينهى فرقة فسقوا ولاطوا
وكان الجن تفرق من سطاه ... بوعظ للقلوب هو السياط
فيا لله ما قد ضم لحد ... ويا لله ما غطى البلاط
هم حسدوه لما لم ينالوا ... مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا على طرائقه كسالى ... ولكن في أذاه لهم نشاط وحبس الدر في الأصداف فخر ... وعند الشيخ بالسجن اغتباط
بآل الهاشمي له اقتداء ... فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا
بنو تيمية كانوا فبانوا ... نجوم العلم أدركها انهباط
ولكن يا ندامة حابسيه ... فشك الشرك كان به يماط
ويا فرح اليهود بما فعلتم ... فإن الضد يعجبه الخباط
ألم يك فيكم رجل رشيد ... يرى سجن الإمام فيستشاط
إمام لا ولاية كان يرجو ... ولا وقف عليه ولا رباط
ولا جاراكم في كسب مال ... ولم يعهد له بكم اختلاط
ففيم سجنتموه وعظتموه ... أما لجزا أذيته اشتراط
وسجن الشيخ لا يرضاه مثلي ... ففيه لقدر مثلكم انحطاط
أما والله لولا كتم سري ... وخوف الشر لانحل الرباط
وكنت أقول ما عندي ولكن ... بأهل العلم ما حسن اشتطاط
فما أحد إلى الإنصاف يدعو ... وكل في هواه له انخراط
سيظهر قصدكم يا حابسيه ... وننبئكم إذا نصب الصراط
فما هو مات عنكم واسترحتم ... فعاطوا ما أردتم أن تعاطوا
وحلوا واعقدوا من غير رد ... عليكم وانطوى ذاك السباط
وكنت اجتمعت به بدمشق سنة 715هـ، بمسجده بالقصاعين وبحثت بين يديه في فقه وتفسير ونحو فأعجبه كلامي وقبل وجهي وإني لأرجو بركة ذلك وحكى لي عن واقعته المشهورة في جبل كسروان وسهرت عنده ليلة فرأيت من فتوته ومروءته ومحبته لأهل العلم ولا سيما الغرباء منهم أمرا كثيرا وصليت خلفه التراويح في رمضان فرأيت على قراءته خشوعا ورأيت على صلاته رقة حاشية تأخذ بمجامع القلوب. انتهى كلام الإمام: زين الدين عمر بن الوردي المتوفى بحلب سنة 749هـ رحمه الله تعالى بعبارته.
وقد ذكرت لابن تيمية - رحمه الله - ترجمة حافلة بالفارسية في كتابي: إتحاف النبلاء المتقين.
وله - قدس سره - تراجم كثيرة حسنة اعتنى بجمعها جمع جم من العلماء الفضلاء.
منها: كتاب القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحنبلي للسيد صفي الدين أحمد الحنفي البخاري نزيل نابلس - رحمه الله - وهو: جزء لطيف وعليه تقريظ للشيخ العلامة: محمد التافلاني مفتي الحنفية بالقدس الشريف وتقريظ للشيخ: عبد الرحمن الشافعي الدمشقي الشهير: بالكزبري.
ومنها: كتاب الكواكب الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ الإمام العلامة: مرعي.
ومنها: كتاب الرد الوافر على من زعم أن: من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر للشيخ الإمام الحافظ: أبي عبد الله محمد بن شمس الدين أبي بكر بن ناصر الدين الشافعي الدمشقي وعليه تقريظ للحافظ: ابن حجر العسقلاني صاحب: فتح الباري وتقريظ لقاضي القضاة: صالح بن عمر البلقيني - رحمه الله - وتقريظ للشيخ الإمام: عبد الرحمن التفهني الحنفي وتقريظ للشيخ العلامة: شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي وتقريظ للقاضي الفهامة: نور الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي وهذا: أطول التقاريظ وهي التي كتبوها في سنة 835هـ وأيضا عليه تقريظ للإمام العلامة قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية: أبي العباس أحمد بن نصر الله بن أحمد البغدادي ثم المصري كتبه في سنة 836هـ، بصالحية دمشق بدار الحديث الأشرفية وتقريظ لمحدث حلب الحافظ الإمام: أبي الوفا إبراهيم بن محمد النعيم رضوان بن محمد بن يوسف العقبي المصري الشافعي ثم قرظ عليه غيرهم من سائر البلدان: كالقاضي سراج الدين الحمصي الشافعي وخلق كثير.
وكان قد نبغ شخص في المائة التاسعة يسمى: علاء الدين محمد البخاري بدمشق تعصب على الشيخ وأفتى بكفره وكفر من سماه: شيخ الإسلام فرد عليه في هذا الكتاب وعدد من سماه: شيخ الإسلام من أئمة جميع المذاهب منهم: خصومه كالسبكي وغيره وبعد إتمامه أرسله إلى مصر فقرظ عليه من تقدم ذكرهم وممن مدح شيخ الإسلام بقصائد حسنة طويلة: الشيخ العلامة إسحاق بن أبي بكر النزلي المصري الفقيه المحدث نجم الدين أبو الفضل أولها:
يعنفني في بغيتي رتبة العلى ... جهول أراه راكبا غير مركبي
إلى آخرها وهي نفيسة جداًَ.
وهذه التقاريظ المشار إليها كلها بمنزلة تراجم مفيدة وهي تفصح عن علو مكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العلوم والمعلومات.
وقد أقر بفضله وبلوغه رتبة الاجتهاد من لا يحصى كثرة منهم: الحافظ: الذهبي والسيوطي والسخاوي والمزي والحافظ: ابن كثير وابن دقيق العيد والحافظ: فتح الدين اليعمري المعروف: بسيد الناس والحافظ: علم الدين البرزالي وغير هؤلاء وقد ترجم له: الحافظ: ابن حجر في الدرر الكامنة والعلامة: شهاب الدين بن فضل الله العمري في مسالك الأبصار والإمام العلامة: ابن رجب الحنبلي في طبقاته والعلامة: ابن شاكر في تاريخه والإمام العالم الحافظ: شمس الدين عبد الهادي في تذكرة الحفاظ ترجمة حافلة جدا وذكر الشيخ الفاضل: صلاح الدين الكتبي في فوات الوفيات من تصانيفه كتبا جمة لا يسع لها هذا الموضع.
وأثنى عليه: شيخنا العلامة القاضي: محمد بن علي الشوكاني في آخر: شرح الصدور في تحريم رفع القبور وشهد أيضا بفضله وعلمه وسعة اطلاعه وكمال ورعه: مخالفوه.
منهم: الشيخ: كمال الدين الزملكاني والشيخ: صدر الدين بن الوكيل والشيخ: أبو الحسن تقي الدين السبكي الراد عليه في مسألة الزيارة.
وقد رد هذا الرد صاحب كتاب: الصارم المنكي على نحر ابن السبكي وأجمع له - إن شاء الله تعالى - ترجمة حافلة مستقلة في كتاب مفرز لذلك فلنقتصر على هذا المقدار هاهنا.
الشيخ العلامة الحافظ: شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن القيم الجوزي الدرعي الدمشقي الحنبلي.
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة.
وسمع على الشيخ: تقي الدين سليمان القاضي وأبي بكر بن عبد الدائم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشهاب النابلسي العابر وفاطمة بنت جوهر وعيسى المطعم وجماعة.
وقرأ في الأصول على الصفي الهندي.
وتفقه في المذهب وأفتى وتفنن في علوم الأسفار وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه وبأصول الدين وإليه فيهما المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله وبالعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك من: كلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم له في كل فن من الفنون اليد الطولى والمعرفة الشاملة.
وكان عالما بالملل والنحل ومذاهب أهل الدنيا علما أتقن وأشمل من أصحابها.
وكان جريء الجنان واسع العلم والبيان عارفا بالخلاف ومذاهب السلف غلب عليه حب ابن تيمية - رحمه الله - حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله بل ينتصر له في جميع ذلك وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه وكان له حظ عند الأمراء المصريين واعتقل مع شيخه ابن تيمية في القلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة فلما مات شيخه أفرج عنه.
وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية وكان ينال من علماء عصره وينالون منه وكان نيله حقا ونيلهم باطلاً.
قال الذهبي في المختصر: حبس مرة لإنكاره شد الرحل لزيارة قبر الخليل ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم ولكنه معجب برأيه جريء على أمور وكانت مدة ملازمته لابن تيمية منذ عاد من مصر اثنتي عشرة سنة إلى أن مات.
قال الحافظ ابن كثير: كان ملازما للأشغال ليلا ونهارا كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد.
قال: ولا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه وكان يطيل الصلاة جدا ويمد ركوعها وسجودها وكان يقصد للإفتاء بمسألة الطلاق إلى أن جرت له بسببها أمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره.
وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار وكان يقول: هذه عبادتي حتى لو لم أعتدها سقطت قواي وكان مغرما بجمع الكتب فحصل منها ما لا ينحصر حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا سوى ما اصطفوه لأنفسهم منها.
وله من التصنيفات: زاد المعاد في هدي خير العباد أربع مجلدات كتاب عظيم جدا وأعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات وبدائع الفوائد مجلدان وجلاء الأفهام مجلد وإغاثة اللهفان مجلد ومفتاح دار السعادة مجلد ضخم وكتاب الروح وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة مجلدات وتصانيف أخرى.
ومن نظمه: قصيدة تبلغ سبعة آلاف بيت سماها: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية مجلد.
ومن كلامه: بالصبر والفقر تنال الإمامة في الدين وكان يقول: لا بد للسالك من همة يسيرة ترقيه وعلم يبصره ويهديه. وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف وهو طويل النفس فيها قصدا للإيضاح ومعظمها من كلام شيخه يتصرف في ذلك وله في ذلك ملكة قوية وهمة علوية ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها.
مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ثالث عشر رجب وكانت جنازته المقدسة حافلة جدا ورؤيت له بعد الموت منامات حسنة وكان هو ذكر قبل موته بمدة: أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام وأنه سأله عن: منزلته؟ فقال: إنه أنزل منزلا فوق فلان وسمى بعض الأكابر ثم قال: وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة.
قال الشيخ العلامة ابن رجب الحنبلي - في طبقاته -: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع شيخه في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه وكان مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والدخول في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسته قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها.
وأخذ عنه العلم خلق كثير في حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له: كابن عبد الهادي وغيره.
قال القاضي برهان الدرعي: ما تحت أديم السماء أوسع علما منه درس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه مالا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره
فمن تصانيفه:
كتاب: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد.
وكتاب: سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضخم.
وكتاب: شرح منازل السائرين كتاب جليل القدر.
وكتاب: شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد.
وكتاب: زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء.
وكتاب: نقد المنقول والمحك المميز بين: المردود والمقبول.
وكتاب: نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد.
وكتاب: الداء والدواء مجلد.
وكتاب: تحفة الودود في أحكام المولود مجلد لطيف. وكتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية.
وكتاب: رفع اليدين في الصلاة مجلد.
وكتاب: تفضيل مكة على المدينة مجلد.
وكتاب: فضل العلم مجلد وعدة الصابرين مجلد.
وكتاب: الكبائر مجلد وحكم تارك الصلاة مجلد.
وكتاب: نور المؤمن وحياته مجلد وكتاب: التحرير فيا يحل ويحرم من لباس الحرير وكتاب: جوابات عابدي الصلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان وكتاب: بطلان الكيمياء من أربعين وجها وكتاب: الفرق بين الخلة والمحبة وكتاب: الكلم الطيب والعمل الصالح وكتاب: الفتح القدسي وكتاب: أمثال القرآن وكتاب: إيمان القرآن وكتاب: مسائل الطرابلسية ثلاث مجلدات والصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم وكتاب: الطاعون. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى مع الاختصار.
قلت: وعندي من هذه الكتب أكثرها وقد انتفعت به بتوفيق الله تعالى انتفاعا لا أستطيع أن أؤدي شكره ووقفت على بعض هذه الكتب في سفر الحجاز والتقطت منه بعض الفوائد.
وله - رحمه الله - تصانيف غير ما ذكرنا لا تحصى كثرة ولكن عز وجودها في هذا الزمان ونسجت عليها عناكب النسيان وغابت عن العيان ودرجت في خبر كان لمفاسد وتعصبات من أبناء الزمان وقلة مبالاة بها من أسراء التقليد وظني أن من كان عنده تصنيف من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن الرفيع المكان أو تصنيف شيخه العلامة الإمام ناصر الإسلام: ابن تيمية درة معدن الحران أو تصنيف شيخنا وبركتنا القاضي: محمد بن علي الشوكاني شمس فلك الإيمان أو تصانيف السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير اليماني غرة جبهة الزمان - شملتهم رحمة ربنا الرحمن في الآخرة وخصهم الله تعالى بنعيم الرضوان والجنان - لكفى لسعادة دنياه وآخرته ولم يحتج بعد ذلك إلى تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية - إن شاء الله تعالى - والتوفيق من الله المنان وبيده الهداية وهو المستعان.
وكان أبو ابن القيم: أبو بكر بن أيوب متعبداً قليل التكلف.
سمع على الرشيد العامري وحدث عنه توفي في ذي الحجة سنة 723هـ.
وأما ولد الحافظ ابن القيم: إبراهيم بن محمد فمولده سنة 716هـ، حضر على أيوب الكحال وسمع من جماعة: كابن الشحنة ومن بعده واشتهر وتقدم وأفتى ودرس
ذكره الذهبي في معجمه.
فقال: تفقه بأبيه وشاركه في العربية وسمع وقرأ واشتغل بالعلم.
ومن نوادره: أنه وقع بينه وبين الحافظ: عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأني أشعري.
فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك: أنك أشعري وشيخك ابن تيمية رحمه الله.
ألف شرحا على ألفيه ابن مالك وكان فاضلا في النحو والحديث والفقه على طريقة أبيه ودرس بأماكن عديدة وكانت وفاته في صفر سنة 767هـ والله أعلم.
وأما ولده الآخر عبد الله بن محمد فمولده سنة 723هـ، اشتغل على أبيه وغيره وكان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين ثم درس المحرر في الفقه والمحرر في الحديث والكافية والشاطبية وسمع الحديث فأكثر على أصحاب ابن عبد الدائم وغيرهم وسمع الصحيح في الحجاز ومهر في العلم وأفتى ودرس وحج مراراً.
وصفه ابن كثير الحافظ: بالذهن الحاذق والفكر الصائب.
وقال ابن رجب: كان أعجوبة زمانه ووحيد أوانه توفي - رحمه الله - في سنة 756هـ، وذكر ترجمتهم الحافظ: ابن حجر في الدرر الكامنة.
أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني: الإمام المشهور: بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع.
أخذ العلم عن: إسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهما.
وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون: بالظاهرية.
وكان ولده: أبو بكر محمد على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وهو إمام أصحاب الظاهر.
قال أبو العباس ثعلب: كان عقل داود أكثر من علمه وكان يقول: خير الكلام ما دخل الآذان بغير إذن ولد بالكوفة سنة 202هـ ونشأ ببغداد وتوفي سنة 307هـ.
قال ولده: رأيت أبي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وسامحني.
فقلت: غفر الله لك فبم سامحك؟
فقال: يا بني الأمر عظيم والويل كل الويل لمن لم يسامح.
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني كان حافظ عصره رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة وأقام في الرحلة ثلاثا وثلاثين سنة وسمع الكثير عدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة منها: المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير وهي أشهر كتبه.
روى عنه: الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير توفي سنة 360هـ.
والطبراني: - بفتح الطاء والباء والراء - نسبة إلى: طبرية والطبري: نسبة إلى طبرستان.
أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي: كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق وأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وحج.
ثم رحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يقرأ الحديث ويدرس الفقه ولقي بها: أبا الطيب الطبري وأبا إسحاق الشيرازي وروى عن الخطيب وروى الخطيب عنه.
له: كتاب التجريح والتعديل فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وهو أحد أئمة المسلمين وكان قد رجع إلى الأندلس وولي القضاء هناك توفي بالمرية سنة 471هـ.
وأخذ عنه: ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب وبينه وبين أبي محمد بن حزم الظاهري مجالسات ومناظرات وفصول يطول شرحها. والباجي: نسبة إلى باجة وهي: مدينة بالأندلس وثم باجة أخرى: وهي: مدينة بأفريقية وباجة أخرى: وهي: قرية من قرى أصفهان.
أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري المعروف: بابن الصلاح
كان أحد فضلاء عصره في: التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة والفقه.
قال ابن خلكان: وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم.
تولى التدريس بالمدرسة الناصرية بالقدس وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به.
ثم انتقل إلى دمشق وكان من العلم والدين على قدم عظيم.
وصنف في علوم الحديث كتابا نافعا ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال والنفع إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح في ربيع الآخر سنة 640هـ، بدمشق ومولده: سنة 577هـ، بشرخان.
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ الدارقطني: كان عالما حافظا انفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد وكان عارفا باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيرا من دواوين العرب.
روى عنه الحافظ: أبو نعيم الأصفهاني - صاحب حلية الأولياء - وقبل القاضي ابن معروف شهادته فندم على ذلك وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانفرادي فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر.
صنف: كتاب السنن والمختلف والمؤتلف وغيرهما.
وخرج من بغداد إلى مصر وكان متفننا في علوم كثيرة إماما في علوم القرآن.
ولد سنة 306هـ وتوفي في سنة 385هـ، ودفن قريباً من معروف الكرخي. ودار القطن: محلة كبيرة ببغداد.
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي: صاحب التفاسير كان أستاذ عصره في التفسير والنحو ورزق السعادة في تصانيفه وأجمع الناس على حسنها وذكرها المدرسون في دروسهم منها: البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ: أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة وله: كتاب أسباب نزول القرآن وشرح ديوان المتنبي.
وكان تلميذ الثعلبي المفسر وعنه أخذ علم التفسير وأربى عليه.
وتوفي عن مرض طويل في سنة 467هـ، بمدينة نيسابور.
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الإمام المشهور أصله من فارس ومولده بقرطبة من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس سلخ شهر رمضان سنة 384هـ ويزيد جده الأعلى: وهو من موالي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة. ألف في فقه الحديث كتابا سماه: الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في: الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين والحجة لكل طائفة وعليها وهو كتاب كبير قال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار كتب بخطه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
قال الحافظ الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف فقهاء وقته فتمالوا على بغضه وردوا أقواله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطنيهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر النهار من شعبان سنة 456هـ، وقيل: في منت ليشم: وهي قرية ابن حزم.
قال ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج الثقفي. شقيقين.
وإنما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمة وكان والده وزير الدولة العامرية ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه.
قلت: وذكر الشيخ ابن عربي - صاحب الفتوحات - أنه رأى أبا حزم في المنام وقد عانق رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب أحدهما في الآخر فلم أعرف أحدهما عن الآخر هذا حاصل معناه وهذا يدل على حسن عاقبته ولطف علمه وخيرة طريقه وكما اتحاده بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك غاية والله أعلم.
والظاهرية: هم أئمة الأمة وسلفها وقدوة المسلمين في كل زمان ومذهبهم أصفى مذاهب عالم الإمكان ولنعم ما قيل:
بلاء ليس يعدله بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي: كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم له التصانيف المفيدة منها.
كتاب: الإكمال في شرح صحيح مسلم.
ومشارق الأنوار في غريب الحديث.
والشفا في حقوق المصطفى.
دخل الأندلس طالبا للعلم وأخذ بقرطبة عن جماعة وجمع من الحديث كثيرا وكان له عناية كثيرة به والاهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل اليقين في العلم والذكاء والفطنة والفهم.
واستقضي ببلدة سبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل منها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وله شعر حسن ونثر بليغ ولد سنة 476هـ وتوفي في سنة 544هـ بغرناطة وهي بلدة بالأندلس. أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة العبدي: الحافظ المشهور صاحب كتاب: تاريخ أصفهان كان أحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منه جماعة من العلماء توفي في سنة 301هـ.
أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن العربي: الأندلسي الإشبيلي المالكي
الحافظ المشهور صاحب كتاب: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
قال ابن بشكوال: هو ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها رحل إلى المشرق ودخل الشام وبغداد وسمع بها من جماعة.
ثم دخل الحجاز فحج ثم عاد إلى بغداد وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي - رحمهم الله - وغيرهما ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم.
ثم عاد إلى الأندلس وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها نافذا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله: آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة.
ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه.
ولد سنة 468هـ، وتوفي بمدينة فاس في سنة 543هـ.
وله مصنفات منها: كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي.
والعارضة: القدرة في الكلام والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه وقال الأصمعي: المسمى في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء.
أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله المعروف: بابن تيمية الحراني الملقب: فخر الدين الخطيب الواعظ.
كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم وكان المشار إليه في الدين لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم وقدم بغداد وتفقه بها وسمع الحديث وصنف في مذهب الإمام أحمد مختصرا أحسن فيه وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة وله نظم حسن وكانت إليه الخطابة بحران ولأهله من بعده ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال.
ولد بمدينة حران سنة 543هـ وتوفي بها في سنة 621هـ.
ذكره ابن سلامة في: تاريخ حران وأثنى عليه.
وذكره ابن المستوفي في: تاريخ إربل فقال: ورد إربل حاجا وذكر فضله قال: وكان يدرس التفسير كان يوم وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام.
قال: سألته عن اسم تيمية ما معناه؟
فقال: حج أبي أو جدي أنا أشك أيهما فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية فلما رفعوها إليه قال: يا تيمية يا تيمية يعني: إنها تشبه التي رآها بتيماء فسمى بها أو كلاما هذا معناه.
وتيماء: بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام.
وتيمية: منسوبة إلى هذه البليدة وكان ينبغي أن تكون تيماوية لأن النسبة إلى تيماء: تيماوي لكنه هكذا قال واشتهر كما قال.
يوسف بن عبد البر بن محمد النمري القرطبي إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما لم يكن في الأندلس مثله في علم السنة وكان أحفظ أهل المغرب في زمانه دأب في طلب العلم وأفتى به وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس.
وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها: كتاب التمهيد.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه.
وله كتاب الاستدراك لمذاهب الأعصار.
وكتاب: الاستيعاب
وكتاب: جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغير ذلك.
وكان موفقا في التأليف معانا عليه - نفع الله به - وكان له بسطة كثيرة في علم النسب.
وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس مدة ثم سكن دانية وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء لشبونة وشنترين.
توفي في سنة 463هـ، بمدينة شاطبة.
وكان مولده سنة 368، وهو: حافظ المغرب كما كان الخطيب البغدادي: حافظ المشرق وقد ماتا في سنة واحدة وهما: إمامان في هذا الفن - وكان أمر الله قدرا مقدرواً.
أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي: واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم في الحديث ثم الزائد عليه في أنواع العلوم غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه إلى الجبال والحجاز والعراق.
وسمع بخراسان من علماء عصره تبلغ تصانيفه ألف جزء.
وهو: أول من جمع نصوص الإمام الشافعي.
وله: السنن الصغير والكبير ودلائل النبوة وشعب الإيمان ومناقب الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل.
وكان قانعا من الدنيا بالقليل قال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة.
وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فانتقل إليها وكان على سيرة السلف.
وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان.
ولد في سنة 384هـ وتوفي في سنة 458هـ، بنيسابور ونقل إلى بيهق وهي: قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها وخسرو جرد: من قراها فهو منها.
أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي: الحافظ كان إمام أهل عصره في الحديث له كتاب السنن سكن مصر وانتشرت بها تصانيفه وأخذ عنه الناس وكان يتشيع امتحن بدمشق فأدرك الشهادة وحمل إلى مكة المكرمة فتوفي بها سنة 303هـ وهو مدفون بين الصفا والمروة وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان موصوفا بكثرة الجماع وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظاً.
ونسا: مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان ذكرت له ترجمة حسنة في الحطة والإتحاف مع بقية أصحاب الستة فلا نطول الكلام بذكرها هنا.
الشيخ عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات بن تيمية الحراني جد الشيخ: تقي الدين.
قال الشوكاني في حقه: علامة عصره المجتهد المطلق شيخ الحنابلة المعروف: بابن تيمية.
قال الذهبي - في النبلاء -: ولد في حدود سنة 590هـ وتوفي في سنة 652هـ، يوم الفطر.
تفقه في صغره على: عمه: الخطيب فخر الدين ورحل إلى بغداد وهو ابن بضعة عشر وسمع بها من: أحمد بن سكينة وابن طبرزد ويوسف بن كامل.
وسمع بحران روى عنه: الدمياطي وولده الشيخ: شهاب الدين عبد الحليم وجماعة.
وتفقه وبرع واشتغل وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه ودرس القرآن وحج في سنة 651هـ، على درب العراق والتمس منه أستاذ دار الخلافة ببغداد: ابن الجوزي الإقامة عندهم فتعلل بالأهل والوطن وكان الشيخ ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديث وابتهر علماء بغداد لذكائه وفضائله.
قال الشيخ تقي الدين: وجدناه عجيبا في سرد المتون وحفظ المذاهب بلا كلفة وصنف التصانيف مع الدين والتقوى وحسن الاتباع. قال شيخنا وبركتنا الإمام القاضي الشوكاني - في نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار -: وقد يلتبس على من لا معرفة له بأحوال الناس صاحب الترجمة هذا بحفيده شيخ الإسلام: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام - شيخ ابن القيم - الذي له المقالات التي طال بينه وبين عصره فيها الخصام وأخرج من مصر بسببها وليس الأمر كذلك.
قال في تذكرة الحفاظ في ترجمة شيخ الإسلام: هو أحمد بن المفتي عبد الحليم بن الشيخ الإمام المجتهد عبد السلام. انتهى.
وبالجملة: كان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على مذاهب الناس وله ذكاء مفرط ولم يكن في زمانه مثله.
وله المصنفات النافعة كالأحكام المسمى: بالمنتقى وشرح الهداية وصنف: أرجوزة في القراءة وكتابا في أصول الفقه.
وشيخه في الفرائض والعربية: أبو البقا وحكى البرهان المراغي: أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه فقال مجد الدين الجواب عنها عن مائة وجه: الأول كذا والثاني كذا وسردها إلى آخرها ثم قال للبرهان: وقد رضينا منك الإعادة فخضع له وانتهى. وعلى كتابه: منتقى الأخبار شرح لشيخنا القاضي العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي الشوكاني سماه: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار أجاد فيه كل الإجادة وبلغ غاية في الإحسان والإفادة ونهاية في التحقيق والاستدلال مع البدء والإعادة - ولله الحمد حمدا كثيراً مباركاً.
شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي أحد الأذكياء المشهورين وإمام الفقهاء المحدثين.
ولد في رجب سنة 755هـ، وقيل: قبلها وقيل: بعدها.
وسمع من التقي سليمان وابن سعد وطبقتهما.
وتفقه بابن مسلم وتردد إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ومهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها.
قال الصفدي: لو عاش لكان آية كنت إذا لقيته سألته عن: مسائل أدبية وقواعد عربية فينحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه.
وقال الذهبي - في معجمه -: هو الفقيه البارع المقري المجود المحدث الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون كتب عني واستفدت منه.
وقال الحافظ ابن كثير: كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وبرع في الفنون وكان جبلا في: العلل والطرق والرجال حسن الفهم جدا صحيح الذهن.
وله: كتاب الأحكام في ثمان مجلدات والرد على أبي الحسن السبكي الكبير في رده على شيخه ابن تيمية سماه: الصارم المنكي على نحر ابن السبكي كتبته بخطي حين سافرت إلى الحرمين الشريفين على المركب فوق البحر المحيط ذهابا من بندر مجيئا إلى مكة المشرفة في سنة 1285هـ وله: المحرر في الحديث اختصره من الإلمام فجوده جدا واختصر التعليق لابن الجوزي وزاد عليه وشرح التسهيل في مجلدين وله: مناقشات مع أبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في الألفية وله: الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب رحمه الله وشرح كتاب العلل على ترتيب الفقه وقفت منه على المجلد الأول وجمع: التفسير المسند ولم يكمله وله: المغني في الفقه وهو أجمع كتاب في بابه مغن للمقلد والمجتهد اشتريته بمائة ربية للمدرسة السليمانية الواقعة بمحمية بهوبال المحروسة.
قال الذهبي: ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه وكثر التأسف لما مات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة.
وكانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 744هـ، ذكر له الحافظ ابن حجر ترجمة حسنة في: الدرر الكامنة.
وكتابه: الصارم المنكي يدل على سعة اطلاعه في علم السنة وغزارة فضله وتحقيقه في العلوم الشرعية وإيثاره الحق على الخلق رحمه الله تعالى.
جمال الإسلام كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد المعروف: بابن الزملكاني
الأنصاري الدمشقي قاضي قضاة الشافعية في عصره. سمع من ابن علان وطلب الحديث وقرأه وكان فصيحا متسرعا بصيرا بالمذهب وأصوله ذكياً صحيح الذهن صائب الفكر وكان شكله حسناً ومنظره رائعاً وتجمله في زيه وهيئته غاية وشيبته منورة يكاد الورد يقتطف من وجنتيه وعقيدته أشعرية وفضائله جموعها عديدة وفواضله ربوعها مشيدة صفن أشياء منها: رسالة في الرد على شيخ الإسلام ابن تيمية، ولذلك اعترف آخراً بفضله ومدحه مدحاً بالغاً إلى الغاية.
درس بالشامية البرانية والطاهرية والرواحية وألف: رسالة سماها: رابع أربعة توفي في سنة 727هـ وكان كثير التحيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة وتعب بذلك وعودي وحسد.
ومن نظمه: قصيدة يذكر فيها الكعبة الشريفة ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها:
أهواك يا ربة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك
وعمل على هذه القصيدة كراريس سماها: عجالة الراكب في أشرف المناقب ذكر له أهل الطبقات تراجم حسنة في كتبهم.
محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام: تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد:
القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة.
ولد سنة 625هـ، بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702هـ سمع من: ابن عبد الدائم والزين خالد وابن رواح وغيرهم.
له التصانيف البديعة: كالإمام في شرح الإلمام والإلمام بأحاديث الأحكام في علوم الحديث وشرح عمدة الأحكام وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه وجمع: الأربعين في الرواية عن رب العالمين وكان إماما متقنا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا شاعرا نحويا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله سمحا جوادا وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة.
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين بن عبد السلام واشتهر اسمه في حياة مشائخه وكان مالكيا ثم صار شافعيا ومن شعره رحمه الله تعالى:
أحباب قلبي والذين بذكرهم ... وتردادهم طول الزمان تعلقي
لئن غاب من عيني بديع جمالكم ... وجار على الأبدان حكم التفرق
فما ضرنا بعد المسافة بيننا ... سرائرنا تسري إليكم فتلتقي
وقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يبق أمل سواك فإن بغت ... ودعت أيام الحياة وداعا
لا أستلذ بغير وجهك منظرا ... وسوى حديثك لا أريد سماعا
هؤلاء المترجمون هم نقاوة الحفاظ ولعلنا قد أهملنا خلقا كثيرا من نظرائهم فإن المجلس الواحد في ذلك الزمان كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن، وبينهم نحو من مائتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا ثم اندرج أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم أصحاب الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء الأعصار وفضلاء الأمصار - في الغالب - عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها مكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها فعم البلاء واستحكمت الأهواء ولاحت مبادي رفع العلم وقبضه من الناس فرحم الله امرأ أقبل على شأنه وقصر من لسانه وأكب على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيحين وعبد الله قبل أن يأتيه الأجل - اللهم فوفق وارحم.
قال الذهبي - في الطبقات - في آخر تراجم أهل الطبقة التاسعة: ولقد كان في ذلك العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي في الدنيا خلق كثير ما ذكرنا عشرهم هاهنا وأكثرهم مذكورون في: تاريخي الكبير وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفروع وعدد كثير من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذي مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الاجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر.
فبالله عليك يا شيخ ارفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء النذر الشرر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا فما فيمن سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك وسعة جهلك تقول بلسان الحال إن أعذرك المقال -: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة؟ وهؤلاء المحدثون لا يدرون الفقه ولا أصوله ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني ولا الدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع: هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل فمن اتقى: راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجهل أو بالجاه وبالشرف فأعرض عنه وذره وغيه فعقباه إلى وبال نسأل الله العفو والعافية. انتهى كلامه ملخصاً.
وقال في آخر الطبقة الخامسة من كتابه: الطبقات: وكان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير وأعلام الجهاد منشورة والسنن مشهورة والبدع مكبوبة والقوالون بالحق كثيرون والعباد متوافرون والناس في رغدة من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وإلى قريب مملكة الخطا وبعض الهند والحبشة.
وخلفاء هذا الزمان: أبو جعفر وأين مثل أبي جعفر؟ علم ظلم فيه ثم ابنه: المهدي ثم ولده: الرشيد هارون.
وكان في هذا الوقت من الصالحين مثل: إبراهيم بن أدهم وداود الطائي وسفيان الثوري.
ومن النحاة مثل: عيسى بن عمر والخليل بن أحمد وحماد بن سلمة.
ومن القراء: حمزة بن حبيب وابن العلاء ونافع.
ومن الشعراء: مروان بن أبي حفصة وبشار بن برد.
ومن الفقهاء: كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي. قال: وعن يحيى التميمي قال: سمعت أبا يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة.
وفي لفظ: إلا ما وافق القرآن وأجمع عليه المسلمون. انتهى.
قلت: وهكذا كان حال السلف فقد روينا عن ابن خزيمة أنه قال: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول إذا صح الخبر وكان الحافظ ابن المنذر: مجتهدا لا يقلد أحداً.
وكان ابن عبد البر: صاحب اتباع وسنة.
وكان ابن وهب الفهري: حافظا مجتهدا لا يقلد أحدا
وكذا: بقي بن مخلد القرطبي: المفسر المحدث كان لا يقلد أحدا تعصبوا عليه لإنكاره مذهب أهل العصر فدفعهم عنه أمير الأندلس: محمد بن عبد الرحمن المرواني واستنسخ كتبه وقال لبقي: انشر علمك.
وروي عن بقي أنه قال: لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال.
وهكذا كان: قاسم بن محمد بن سيار: إماما مجتهدا لا يقلد أحدا وكان مذهبه النظر والحجة ولم يكن بالأندلس مثله في حسن النظر مات سنة 376هـ، إلى غير هؤلاء ممن لا يحصى كثرة ولا يستقصى عددا ولذا قال المحققون: إن التقليد والمقلدة ليسا من العلم والعلماء في صدر ولا ورد ولا يطلق اسم العلم والعالم عليهما.
وإنما حدث التقليد حين ضعف العلم وتمسك به الجهال والعوام وعمت به البلوى على ممر الدهور في الأنام.
قال سفيان الثوري: ليس طلب الحديث من عدة الموت لكنه علة يتشاغل بها الرجل قلبه وقد صدق والله في هذا المقال لأن طلب الحديث شيء غير الحديث.
فطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث وكثير منها مراق إلى العلم وأكثر الأمور التي يشغف بها المحدث: تحصيل النسخ المليحة وتطلب العالي وتكثر الشيوخ والفرح بالألقاب والابتشار بالثناء وتمني العمر الطويل ليروي وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية.
فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن والله من علم الصحابة ولا التابعين ولا من علم الأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب وشعبة ولا والله عرفها ابن المبارك ولا أبو يوسف ولا وكيع ولا ابن وهب ولا الشافعي ولا أبو عبيد ولا ابن المديني ولا أحمد ولا أبو داود ولا المزني والبخاري والأثرم ومسلم والنسائي وابن خزيمة وابن شريح وابن المنذر ولا أمثالهم؟ بل كانت علومهم: القرآن والحديث والنحو والتاريخ وشبه ذلك.
ومن كلام سفيان أيضا: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه.
هذا آخر ما استفدته من كلام الحافظ الذهبي - وبالله التوفيق وهو المستعان.
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الوني الفرضي الحاسب: كان إماما في الفرائض وله فيه تصانيف كثيرة مليحة أجاد فيها وهو شيخ الخبري في علم الحساب والفرائض وانتفع به وبكتبه خلق كثير توفي شهيدا ببغداد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة في فتنة البساسيري والوني: نسبة إلى ون: وهي قرية من أعمال قهستان.
الشيخ عبد الباسط بن رستم بن علي بن علي أصغر القنوجي: كان من علماء الهند.
ولد سنة 1159هـ، أخذ العلوم عن أبيه وبرع في الفنون النقلية والعقلية خصوصا: الحساب والفرائض وله في ذلك تصانيف مفيدة وكان في زمانه أستاذ الأساتذة وشيخ المشائخ.
تتلمذ عليه خلق كثير من علماء الهند منهم: سيدي الوالد العلامة: حسن بن علي القنوجي رحمه الله تشد إليه الرحال في طلب العلم من بلاد شاسعة وتقصده الطلبة من كل فج عميق وكان في الفرائض آية باهرة درس وأفاد وألف وأجاد وتوفي في سنة 1223هـ، ثلاث وعشرين ومائتين وألف الهجرية ومن مؤلفاته: زبدة الفرائض ونظم اللآلي في شرح ثلاثيات البخاري وانتخاب الحسنات في ترجمة أحاديث دلائل الخيرات وأربعون حديثا ثنائيا وشرحه المسمى: بالحبل المتين في شرح الأربعين وعجيب البيان في أسرار القرآن وشفاء الشافية.
وكان له اليد الطولى في علم النحو والصرف والفقه والأصول والمنطق له: شرح على التهذيب يعرف: بشرح الفاضل القنوجي.
وكان سريع الكتابة جيد الخط يعظمه أهل عصره تعظيما بليغا ويكرمه علماء وقته إكراماًًًًًًًًًًًًًًًًً جليلاً تتلمذ عليه الشيخ المفتي: ولي الله الفرخ آبادي صاحب: المطر الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المنجم المشهور كان إمام وقته في فنه وله التصانيف المفيدة في علم النجامة.
منها: المدخل والزيج والألوف وغير ذلك وكانت له إصابات عجيبة مات في سنة 273هـ.
والبلخي: نسبة إلى بلخ: وهي مدينة عظيمة من بلاد خراسان فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان رضي الله عنه وهذا الأحنف: هو الذي يضرب به المثل في الحلم.
أبو الحسن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم كان نديم المتوكل ومن خواصه وجلسائه المتقدمين عنده ثم انتقل إلى من بعده من الخلفاء ولم يزل مكينا عندهم حظيا لديهم يجلس بين يدي أسرتهم ويفضون إليه بأسرارهم ويأمنونه على أخبارهم ولم يزل عندهم في المنزلة العلية ثم اتصل بالفتح بن خاقان وعمل له خزانة الكتب أكثرها حكمة وله أشعار حسنة وعاش إلى أن خدم المعتمد على الله توفي في سنة 275هـ، بسر من رأى وخلف جماعة من الأولاد وكلهم: نجباء علماء أدباء ندماء.
أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن يونس الصدفي المصري. المنجم المشهور صاحب الزيج الحاكمي المعروف: بزيج ابن يونس، وهو في أربع مجلدات بسط القول والعمل فيه وما أقصر في تحريره ولم ير في الأزياج - على كثرتها - أطول منه كان مختصا بعلم النجوم متصرفا في سائر العلوم وكان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وعمل فيها مالا نظير له وكان يقف للكوكب توفي في سنة 393هـ، ودفن بداره وصلي عليه في الجامع بمصر.
أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني: الحاسب المنجم المشهور صاحب: الزيج الصابي له الأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة وكان أوحد عصره في فنه وأعماله تدل على غزارة فضله وسعة علمه توفي سنة 317هـ، بموضع يقال له: قصر الحضر قال ابن خلكان: ولم أعلم أنه أسلم لكن اسمه يدل على إسلامه وله من التصنيفات: الزيج وهي نسختان الثانية: أجود وكتاب: معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك في مقدار الاتصالات وشرح أربع مقالات بطليموس.
الشيخ: علي بن محمد بن عريق عالم المدينة المنورة وخطيب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان نائبا مناب أبيه في العلم والعمل والتقوى له تصانيف مفيدة.
منها: كتاب تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة لخصه تلميذه: الشيخ رحمة الله السندي وهو في غاية اللطف من الاختصار.
الشيخ: أبو الحسن البكري المصري الشافعي: من آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان جامعا بين العلم والعمل وهو ممن اتفقوا على: ولايته وجلالته وبلوغه رتبة الاجتهاد لا يفارق الكتاب من يده وينظر فيه دائما سئل عن شرب القهوة وذكر له أن المغاربة يحرمونه؟ فقال: كيف يدعى بالحرام وأنا أشرب منها؟.
تتلمذ عليه الشيخ علي المتقي وسمع منه الحديث وأخذ عنه الطريقة وكان ولده: محمد البكري شاعرا مفلقا جيدا له: تأليف في التوحيد سماه: تأبيد المنة بتأييد السنة.
توفي محمد المذكور في سنة 991هـ.
ولمحمد ولد يسمى: زين العابدين كان عالما كبيرا ومن مقالاته: إن أبا بكر أفضل من علي ولكن المحبة والانجذاب شيء آخر وهذا مذهبي ومواهبنا كلها على يدي سيدنا علي - رضي الله تعالى عنه.
الشيخ أبو بكر بن سالم اليمني الحضرمي: هو ممن جمع بين العلم والحال والولاية والسيادة له كلام عال وشعر حسن ينبئ عن حاله ومقامه:
فلولا وجود السر ما كان كائن ... فتمت بذاك السر كل البرية
تمسك بنا والزم دقائق حسنا ... وزرني بصرف الود تسعد بزورتي
ولي شرف المصطفى سيد الورى ... بنسبته فقنا جميع الخليقة
وصلي على الهادي النبي وآله ... وأصحابه والتابعين بجملة
الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحجر المكي الهيتمي كان أعظم علماء عصره وفقهاء دهره لم يكن له نظير في الفقاهة في زمانه. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: لا نسبة له بالشيخ ابن حجر العسقلاني الكبير في علم الحديث ولكن يحتمل أن يكون في الفقه مثله.
تتلمذ على الشيخ: زكريا المصري الآخذ عن الحافظ: ابن حجر العسقلاني.
له مؤلفات ممتعة منها: شرح الشمائل للترمذي وشرح الأربعين للنووي وشرح المشكاة في الحديث والزواجر عن اقتران الكبائر وهو: كتاب لم يؤلف مثله قبله والصواعق المحرقة في الرد على الروافض وشرح الهمزية في نعته صلى الله عليه وسلم وشرح عين العلم في السلوك وقلائد العقيان في مناقب النعمان.
توفي في سنة 975هـ. انتهى.
وكان له تعصب مع شيخ الإسلام: ابن تيمية شديد - عفا الله عنه ما جناه.
الشيخ أحمد أبو الحرام: كان من فقهاء المدينة وعلمائها وكان في علم القراءة آية باهرة وأستاذ الأساتذة في الديار الحرمية مات ولده الفاضل الصالح في حياته فحزن عليه حزنا شديدا وبكى عند نزعه فقال الولد: لا تحزن علي ابق أنت فإن في بقائك نفع الخلق وتلا هذه الآية: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}
مات - رحمه الله - في سنة 1001هـ، ودفن بالبقيع.
الشيخ محمد البهنسي: نسبة إلى: قرية من قرى مصر هاجر عنها إلى مكة المكرمة واستوطنها وتتلمذ على الرملي: تلميذ السيوطي وكان يقول: عملنا على كتب الأحاديث الصحاح ويستنبط في المسائل الفقهية ويجتهد لم أقف على عام وفاته رحمه الله.
السيد جعفر المدني: مدرس المسجد الشريف النبوي كان يقول: لما صنف القسطلاني كتابه: المواهب اللدنية وأورد فيه النقول من كتب السير والأحاديث قال له السيوطي:
نقلت هذه الأقوال من كتبي ولم تسمني ولا كتبي وإن كنت نقلتها من غير كتبي فأتني بأصولها؟ فعجز القسطلاني وكان قد نقلها من كتب السيوطي ولا يخلو ذلك من نوع خيانة وعدم ديانة. انتهى.
قلت: وقد فعل بكتبي مثل ذلك بعض أبناء الزمان أيضا لا أسميه حياء من الله تعالى.
الشيخ: أحمد بن علي بن عبد القدوس بن محمد العباسي الشناذي: تتلمذ في علم الحديث على: الشيخ: شمس الدين الرملي وعلى: والده وعلى: السيد غضنفر وروى عن: الشيخ: محمد بن أبي الحسن البكري وصحب: السيد: صبغة الله ولبس منه الخرقة وكان يقول: لو كان الشعراني حيا ما وسعه إلا اتباعي.
الشيخ: أحمد القشاشي بن محمد بن يونس الدجاني والدجانة: بتخفيف الجيم: قرية من قرى بيت المقدس كان يبيع القشاشة في المدينة المنورة وهي سقط المتاع يبيعها لستر حاله وإخفاء أمره وكان له اليد الطولى في علم الشريعة والحقيقة صحب المشائخ الكثيرة منهم: الشيخ: أحمد الشناذي ولما وفد عليه قال: مرحبا بمن جاء يقتبس منا علومنا.
ومن عجائب أحواله: أنه تلا القرآن الكريم من أوله إلى آخره في المنام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ عيسى المغربي: ما خرجت من عند القشاشي قط إلا والدنيا في عيني أحقر من كل حقير ونفسي أذل من كل ذليل ولو تكرر دخولي عليه مرات.
توفي رحمه الله 19 ذي الحجة سنة 1071هـ.
السيد: عبد الرحمن الإدريسي: الشهير بالمحجوب ولد بمكناسة بلدة بمغرب وساح الروم والشام ومصر وجاور بمكة المكرمة ورحل إلى اليمن لزيارة أوليائها وقال: اليمن ينبت فيها الأولياء كما ينبت في الأرض البقل قلت: وكذا ينبت فيه العلماء بالكتاب والسنة أيضا مثل نبات البقل من الأرض وذلك من فضل الله تعالى على اليمن وما فيها - والله يختص برحمته من يشاء - وكان السيد المحجوب من مشائخ الحرمين المعروف: بالفضل والكرامة والولاية ذكر له ترجمة حافلة في: إنسان العين.
الشيخ: شمس الدين محمد بن العلاء البابلي حافظ الحديث في زمانه أستاذ أهل الحرمين ومصر أدرك ليلة القدر في بدء أمره ودعا الله - سبحانه - بأن يجعله مثل الحافظ: ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - فأجاب الله نداءه.
وكان له روايات الصحيح للبخاري وسائر الكتب الحديثة عن الشيخ: سالم السهنوري ومسلسلات صحيحة ضبطها الشيخ: عيسى المغربي في رسالة وكأنها أصل لإثبات المتأخرين
توفي في سنة 1079هـ وبابل: قرية بمصر.
الشيخ عيسى الجعفري المغربي: حفظ القرآن وبرع في علوم الأعيان ورحل إلى جزائر وصحب السلجماسي قريبا من عشر سنين وتبحر عنده وأخذ عن: علماء قسطنطينية ومصر والحرمين وتوطن بمكة المكرمة له: معجم سماه: مقاليد الأسانيد.
تتلمذ عليه جمهور أهل الحرمين الشريفين وصار أستاذا لهم وكان من أوعية الحديث والقراءة.
قال السيد حسن باعمر: من أراد أن ينظر إلى شخص لا يشك في ولايته فلينظر إلى هذا وكان لا يعمل إلا بالسنة المطهرة غلب عليه أحزاب الشاذلية.
ألف لأبي حنيفة - رحمه الله - مسندا عنعن فيه اتصالاً توفي رحمه الله في سنة 1080هـ الهجرية.
الشيخ: إبراهيم الكردي: عارف بفنون العلم من: الفقه والحديث والعربية والأصلين
وله تصانيف في ذلك كلها رحل إلى بغداد والشام ومصر والحرمين وصحب القشاشي وروى عنه الحديث وكان يتكلم: بالفارسي والكردي والتركي والعربي وكان متصفا: بتوقد الذهن والتبحر في العلم والزهد والصبر والحلم والتواضع كان زيه زي عامة أهل الحجاز ولم يكن يلبس لبس المتفقهة ولا المتصوفة ولا يختار هيئاتهم: من تكبير العمامة وتطويل الأكمام.
قال الشيخ عبد الله العباسي: كان مجلسه روضة من رياض الجنة وكان يرجح كلام الصوفية على الحقائق الحكمية ويقول: هؤلاء الفلاسفة قاربوا عثورا على الحق ولم يهتدوا إليه
تاريخ وفاته ... - إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون.
محمد بن محمد بن سليمان المغربي: كان حافظا للحديث جامعا لفنون العلم لبس الخرقة عن الشيخ: أبي مدين المغربي وجد واجتهد في تصحيح كتب الحديث وأتقنها إتقانا كاملا حتى صار إماما بالحرمين الشريفين ومن ثقات الحفاظ زاده الله بسطة في العلم والجسم والعقل المتعلق: بالمعاد والمعاش على وجه الكماللم يذكر عام وفاته في: إنسان العين.
الشيخ: حسن العجيمي: واحد من شيوخ الحديث، جامع لفنون العلم فاق أقرانه في: الفصاحة والحفظ وجودة الفهم وصحب الشيخ عيسى المغربي واستفاد منه كثيرا وروى عن أحمد القشاشي والبابلي والشيخ: زين العابدين بن عبد القادر الطبري - مفتي الشافعية - وكان حنفيا لكن يجمع بين الصلاتين في السفر ويقرأ الفاتحة خلف الإمام ولم يكن يلتزم مذهبا معينا في جميع الأمور بل يجوز التلفيق وكانت في عينيه هنة وكان مع ذلك إذا قرأ الحديث رئي على وجهه الأنوار وصار كأجمل من رئي في الدنيا وذلك سر قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدا ... " الحديث ضبط أسانيده في رسالة يعلم منها سعة علمه قال: يقول الناس: ولد العالم نصف العالم وصدقوا فإن العالم له نصفان: عا ولم وليس لواحد منهما معنى فكأنهم قالوا: ولد العالم لا معنى له يأتي كل رجب إلى المدينة المنورة ومعه كتاب من الكتب الستة يختمه في المسجد النبوي على طريق السرد تتلمذ عليه الشيخ: أبو طاهر المدني وشيخ مسند الوقت: الشاه ولي الله المحدث الدهلوي - رحمه الله تعالى.
الشيخ أبو طاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني: لبس الخرقة من أبيه واستجاز له أبوه من مشائخ كثيرين منهم: الشيخ محمد بن سليمان المغربي وأخذ النحو عن السيد: أحمد بن إدريس المغربي الذي كان سيبويه زمانه في العربية واكتسب فقه الشافعي عن الشيخ: علي الطولوني المصري والمعقول عن: المنجم الباشي الرومي والحديث عن الشيخ: حسن العجيمي وأحمد النخلي والشيخ: عبد الله البصري والشيخ: عبد الله اللاهوري وكان مجتهدا في الطاعة ومشتغلا بالعلم والمذاكرة رقيق القلب كثير البكاء قال في إنسان العين: لما حضرت عنده للوداع إلى الهند أنشدت بين يديه:
نسيت كل طريق كنت أعرفه ... إلا طريقا يؤديني لربعكم
فغلب البكاء على الشيخ وتأثر تأثرا عظيما توفي رحمه الله في سنة 1145هـ الهجرية.
الشيخ تاج الدين الحنفي القلعي ابن القاضي: عبد المحسن كان مفتيا بمكة المكرمة صحب كثيرا من مشائخ الحديث وأخذ العلو منهم وكلهم أجازوه واستجاز له والده من الشيخ: عيسى المغربي وكان غالب تعلمه لعلم الحديث من الشيخ: عبد الله بن سالم البصري.
قال: عرضت عليه هذه الكتب على نهج البحث والتنقيح وقرأت الصحيحين على العجيمي وأجازني بجميع ما تصح له روايته.
ولازم الشيخ صالح الزنجاني واستفاد منه وتفقه عليه وحصل الرواية والإجازة عن الشيخ: أحمد النخلي والشيخ: أحمد القطان وغيرهما وتعلم منهما طريق الدرس.
وله إجازة عن الشيخ: إبراهيم الكردي وعنه روى الحديث المسلسل بالأولية.
قال الشيخ: ولي الله المحدث الدهلوي - في إنسان العين -: حضرت بمجلس درسه أياما حين كان يدرس البخاري وسمعت عليه: أطراف الكتب الستة وموطأ مالك ومسند الدارمي وكتاب الآثار لمحمد وأخذت الإجازة لسائر الكتب وحدثني بالحديث المسلسل بالأولية عن الشيخ: إبراهيم وهو أول حديث سمعته منه بعد عودتي من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلمفي سنة 1243هـ.
قلت: وكان والدي السيد: أبو أحمد الحسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي قدس الله سره قد تتلمذ على الشيخ: عبد العزيز والشيخ: رفيع الدين ابني الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي المذكور ولي سند متصل إليه وإلى مشائخه بواسطة الشيخ: محمد يعقوب المهاجر المكي حفيده وكذا ينتهي سندي إلى القاضي: محمد بن علي الشوكاني بواسطة الشيخ: عبد الحق بن فضل الله الهندي المتوفي في سنة 1286هـ بمنى وإلى السيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى مقبول الأهدل ولذلك ذكرت تراجم مشائخي من أهل الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب وإجازاتي مكتوبة في كتابي: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
الشيخ محمد حياة السندي المدني: كان من العلماء الربانيين وعظماء المحدثين قرن العلم بالعمل وزان الحسن بالحلل.
واسم والده: ملا فلاريه من قبيلة: جاجر الساكنة في أطراف عادلبور: بليدة من توابع بكر.
ولد بالسند ورحل إلى الحجاز وحج وتوطن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وتتلمذ على الشيخ: أبي الحسن السندي نزيل المدينة المكرمة وبرع في الحديث وأخذ الإجازة عن: خاتمة المحدثين الشيخ: عبد الله بن سالم البصري وشد حزامه على درس الحديث النبوي وأفنى عمره في خدمة الكلام المصطفوي وكان يعظ الناس قبل صلاة الصبح بالمسجد الشريف وانتفع به خلق كثير من العرب والعجم وأقبل عليه: أهل الحرمين ومصر والشام والروم والهند بالاعتقاد والانقياد وعاش عيشة مرضية ولقي الله سبحانه يوم الأربعاء السادس والعشرين من صفر سنة 1163هـ، ودفن بالبقيع.
ومن تلامذته: السيد العلامة: غلام علي آزاد البلجرامي والشيخ المحدث الفهامة: محمد فاخر الإله آبادي وغيرهما رحمهما الله تعالى.
الشيخ: صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر بن موسى الفلاني: من ذرية العلامة الحافظ: عليم بن عبد العزيز الأندلسي الشاطبي أخي بني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإنما قيل له: الفلاني لأن آباءه نزلوا في دارهم واستوطنوها.
وفلان على ما في: اليانع الجني بضم الفاء وتشديد اللام -: قبيلة من فلانة - بالفوقية بدل النون -: أمة من السودان وأرضه التي نشأ بها تسمى: مسوف.
قال: وكان الفلاني فاضلا دينا صالحا ذا أسانيد عالية نفع الله به كثيرا من عباده
توفي بالمدينة ليلة الخميس لخمس مضين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة ومائتين وألف - رحمه الله رحمة واسعة -. انتهى كلام اليانع.
وأقول: هو أستاذ الشيخ: محمد عباد السندي الآتي ذكره وله تصانيف حسنة ممتعة:
منها: كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار في رد التقليد وذكره شيخنا وبركتنا الشوكاني - رحمه الله - في الفتح الرباني وأثنى عليه بالخير.
قال محمد عابد في ذكر إسناد الموطأ: أرويه عن العلامة الكبير والأستاذ الشهير الشيخ: صالح الفلاني عن شيخه: محمد بن سنة قرأه عليه قراءة بحث وتدقيق إلى آخر الكلام.
ومن الاتفاقات: أن الفلاني له شدة في فت عضد التقليد وهمة كبيرة في اتباع السنة لا يتصور عليها مزيد وتلميذه الشيخ: محمد عابد السندي له عصبية في الجمود على المذهب الحنفي مع كونه معروفا ً بدرس الحديث وهذا من غرائب الدنيا وعجائب الدهر بل ولا غرو فإن عمر الدنيا قد انصرم وكثر الاختلاف وذهب الائتلاف وعم الفساد في البر والبحر وسال به الوادي وطم ولم ينجح من بليات التقليد وآفات الرأي إلا من عصمه الله وعليه رحم.
الشيخ: محمد عابد السندي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحافظ من بني أبي أيوب الأنصاري:
ولد ببلدة سيون: وهي على شاطئ النهر شمالي حيدر آباد السند مما يلي بلدة بوبك هاجر جده الملقب: بشيخ الإسلام إلى أرض العرب وكان من أهل العلم والصلاح وأقام الشيخ: محمد عابد بزبيد داره علم باليمن معروفة واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها حتى عد من أهلها ودخل صنعاء اليمن يتطبب لإمامهم وتزوج ابنة وزيره وذهب مرة سفيرا من إمام صنعاء إلى مصر وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري: بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات ثم عاد إلى المدينة الطيبة وولي رياسة علمائها من قبل والي مصر وخلف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة.
منها: كتاب المواهب اللطيفة. على مسند الإمام أبي حنيفة.
وكتاب: طوالع الأنوار على الدر المختار.
وكتاب: شرح تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول بلغ منه إلى كتاب الحدود لم يتمه يقال له: شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر.
وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي ولذلك تعقبه في بعض الرسائل له السيد العلامة أخونا: أحمد بن حسن الحسيني القنوجي البخاري العرشي رحمه الله.
توفي محمد عابد يوم الإثنين من ربيع الأول سنة 1257هـ، ودفن بالبقيع ولم يخلف عقباً رحمه الله.
السيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل.
كان إماما في جميع العلوم غلب عليه علم الحديث حتى نسب إليه وله من الحفظ والاطلاعات شيء لا يمكن وصفه وكان يحفظ معظم صحيح البخاري ومسلم وكان له أسانيد ومشائخ شتى وله السند العالي الذي هو أعلى ما يكون له في اليمن أخذ الحديث عن جماعة من الحافظ مثل: السيد أبي بكر بن علي والقاضي: أحمد بن إسحاق جعيان والشيخ: عبد الله المزجاجي وكان ذا همة لا تجده إلا مشتغلا بعبادة: إما مدرسا أو تاليا للقرآن أو مصليا بعد صيته وقصده الطلبة من بلاد شاسعة وطلب منه الإجازة علماء عصره ما بين موافق ومخالف.
منهم: شافعي زمانه: طه بن عبد الله السادة من ذي جبلة وعلماء صنعاء: كالسيد العلامة: هاشم بن حسين الشامي والسيد: أحمد بن عبد الرحمن والسيد: محمد بن إسحاق بن المهدي والعلامة: إسحاق بن يوسف بن المتوكل وإبراهيم ابن إسحاق المهدي وعلماء الحرمين الشريفين كافة طلبوا منه الإجازة قبل وفاته رحمه لله بسنة فأجازهم.
وله في بلدة زبيد تلامذة أعلام منهم السيد: أحمد بن محمد مقبول الأهدل والشيخ يحيى بن أحمد الحكمي وغيرهما وقد أطال في النفس اليماني والروح الريحاني في ترجمة: زهده وكرمه وإحسانه إلى الوفود والقصاد وصلابته في الدين وصلاحه وكراماته وحرصه على تعلم العلم واجتهاده في رمضان - لا نطول الكلام بإيرادها في هذا المقام.
وكان يحسده جماعة من أقرانه ممن له تعلق بالعلم فسلبت منه هيبة العلم وأبهته وليس له منه إلا الاسم ولم يحملهم على هذا إلا الهوى ولكن:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا علي لئامها
وما أحسن ما قيل:
جزى الله عنا الحاسدين فإنهم ... قد استوجبوا منا على فعلهم شكرا
أذاعوا لنا ذما فأفشوا مكارما ... وقد قصدوا ذما فصار لنا فخرا
ولله در العيني الحنفي حيث قال في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لله در الحسد ما أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله.
وله مصنفات مفيدة منها: كتاب في فضل ذوي القربى ومنها: القول السديد فيما أحدث من العمارة بجامع زبيد.
وبالجملة: كان سيدا علامة وعلما فهامة حافظ عصره بالاتفاق ومحدث إقليمه بلا شقاق
توفي ليلة الأربعاء رابع عشر ربيع الآخر سنة 1147هـ، وهو ابن أربعة أو ثلاثة وسبعين كذا قال قبل موته بأحد عشر يوماً.
قال محمد المحبي في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: معنى الأهدل: الأدنى الأقرب وفي: نظام الجواهر النفيسة في بيان أنساب العصابة الأهدلية: أصل هذه الكلمة: على الله دل وقيل غير ذلك وهذا أصح.
أبو المحاسن السيد سليمان بن يحيى: المذكور كان سرا لأبيه وعالما محدثا كاملا ذا بصيرة تنويه.
قرأ العلوم على والده واستفاد من طريفه وتالده وأخذ من مشائخ الحديث علما وافرا وفضلا ظاهرا منهم: السيد العلامة: أحمد بن محمد مقبول الأهدل والسيد: سليمان بن أبي بكر هجام الأهدل والشيخ: عبد الخالق المزجاجي والسيد: عمر بن أحمد بن عقيل والعلامة: أحمد الأشبولي ومشائخه: من أهل اليمن والحرمين ومصر والشام وغيرهم جم واسع سماهم في النفس اليماني منهم: الشيخ الحافظ: محمد حياة السندي والشيخ: حسن بن محمد الكردي والشيخ: محمد بن أحمد الجوهري والشيخ: محمد هلال سنبل مفتي الشافعية والعلامة: أبو الحسن المغربي التنومي.
ومنهم: الإمام الكبير: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني.
وله: كتاب الرحلة سماه: وشي حبر السمر في شيء من أحوال السفر ذكر فيه مشائخه
توفي في سنة 1197هـ وقد اعتنى بترجمته من العلماء غير واحد وامتدحه بعدة قصائد منهم: الشيخ: عبد القادر كدك المدني والعلامة الكبير: أحمد بن محمد قاطن في تاريخه المسمى: إتحاف الأحباب بدمية القصر الناعتة لمحاسن أهل العصر والشاعر المفلق: أحمد بن عبد الله السعدي في كتابه: سرد النقول في تراجم أعيان بني المقبول وغيرهم رحمهم الله تعالى. الشيخ المعمر عبد الله بن عمر الخليل: كان بحرا في العلوم النقلية - ولا سيما الأدبية - وفي الحساب والمساحة والهندسة والهيئة والحكمة قال: اشتغلت بهذا مدة وأتقنتها ولم أجد عنها سائلا ولا لها حاملاً فلو كان الاشتغال بذلها بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نثر فصيح ونظم بليغ ومراجعات ومناظرات ومطارحات ومفاكهات بينه وبين أدباء عصره.
وكان في عمر التسعين لا تراه إلا: تاليا كتاب الله أو مشغولا بذكر الله أو مدرسا في العلوم النافعة لا يزال هذا دأبه من أول النهار إلى حصة وافرة من الليل.
ومن مؤلفاته: تحذير المهتدين عن تكفير الموحدين وذيل على الحصن الحصين ونظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ونظم الرسالة الأثيرية في علم المنطق وشرحها ونظم قواعد الإعراب وشرحها ومنظومة لقواعد القاموس ومنظومة في الاستعارة وحاشية على شرح إيساغوجي.
وذكر من مشائخه: رجلا من علماء الهند من أكابر المحققين يسمى: حسام الدين ولعله الشيخ: علي المتقي توفي رحمه الله تعالى ليلة الخميس قبل الفجر في سنة 1196هـ الهجرية.
الشيخ الفقيه: عبد الله بن سليمان الجوهري: كان من أعيان العلماء وأعلام الفضلاء مؤلفاته تقارب خمسين مؤلفا في: الحديث والفقه والأصول وكان رحب الصدر للتدريس كريم الكف واسع العطاء كثير البكاء من خشية الله تعالى غزير الكشف تحكى عنه في ذلك أمور غريبة.
ومن مؤلفاته: شرح لبلوغ المرام لم يكمله وحاشية على المنهج القويم لابن حجر وبلوغ الأمل في شرح المسائل الفاضلة - مع قلتها - على كثير العمل ورسالة في: بيان دلالة قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} على الرد على أهل الهيئة ورسالة الخط وشرح حزب الإمام النووي وحاشية على بداية الهداية إلى غير ذلك توفي في سنة 1301هـ رحمه الله.
الشيخ: أحمد حسن الموقري المتوفى سنة 1301هـ، كان عالماً كبيراً عارفا سالكاً أليف المسجد والمنزل بمعزل عن جميع الأنام وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "عليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك". وقال تعالى: ولا يخرجنكما من الجنة فتشقى وله أشعار بليغة شرحوها ولا يقدر أحد ولو كان من أكابر العلماء أن ينطق بلفظة عنده إلا أن يتكلم هو هيبة من الله تعالى.
الشيخ: عبد الخالق بن الزين بن محمد باقي المزجاجي: نسبة إلى قرية من قرى الوادي بزبيد كان مطلعا على أحوال العلماء سيما الذين كانوا في عصره خصوصا من وفد إليه من الحرمين ومصر والشام والهند والجاوة وغيرهم.
له إتحاف البشر في القراءات الأربعة عشر تتلمذ على: الشيخ: محمد حياة المدني السندي - تلميذ الشيخ: أبي الحسن السندي محشي الأمهات الست - وعلى والده: الزين والشيخ: محمد أبي طاهر الكوراني والشيخ العلامة: عبد الكريم الهندي المكي والشيخ: أمر الله الهندي وشيخ الطريقة: كوشك الهندي وحسين البخاري الهندي وغيرهم من جمع جم من: علماء الحرمين الشريفين ومصر وغيرها سرد أسماءهم في النفس اليماني والروح الريحاني.
السيد أحمد بن محمد شريف مقبول الأهدل: كان من العلماء الراسخين والعباد الزاهدين له اليد الطولى في علم القراءات والتفسير، والحديث والفقه، والأصلين والنحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، والمنطق والحساب والهندسة والفلك وغيرها.
اشتغل بجميع هذه العلوم حتى برع فيها وحقق ظواهرها وخوافيها وكان قد منحه الله ملكة تامة على حل صعاب المسائل في أي فن من الفنون إذا عرضت عليه المسألة الصعبة حلها بفهمه الثاقب وفتح مغلقها برأيه الصائب تتلمذ على: خاله السيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل وأخذ عنه التفسير والحديث وكان السيد يحيى من الدعاة إلى العمل بما صح به الدليل وإلى التغريب في الإقبال على علمي القرآن والسنة وتفهم معانيهما والتفقه في ذلك وكان لسان حاله ينشد:
إذا اختار رجل الناس في الدين مذهبا ... وصيره رأيا وحققه فعلا
فإني أرى علم الحديث وأهله ... أحق اتباعا بل أسدهم سبلا
ورأيهم أولى وأعلى لكونهم ... يؤمون ما قال الرسول وما أملى
ثم إنه شارك شيخه في جميع مشائخه رواية وإجازة وله: شرح على الهمزية وعلى النمازية وعلى زيد بن رسلان وعلى طلبة الطلبة وغير ذلك.
الشيخ علاء الدين المزجاجي: كان من العلماء الأكابر أخذ العلم عن: علماء اليمن والحرمين كالقاضي: أحمد جعمان والعلامة: إبراهيم الكوراني والشيخ: أحمد التحلي والشيخ: حسن العجيمي والشيخ: عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وهو من مشائخ السيد أحمد الأهدل المذكور رحمه الله تعالى.
الشيخ: عبد الله بن سالم البصري المكي قارئ صحيح البخاري في جوف الكعبة المشرفة له شرح عليه عز أن يلقى في الشروح له مثال لكن ضاق به الوقت عن الإكمال سماه: ضياء الساري وهذا الاسم موافق لعام الشروع في تأليفه ترجم له آزاد في: سبحة المرجان وتسلية الفؤاد ترجمة حافلة حسنة وكذا الشيخ المسند الشاه: ولي الله المحدث الدهلوي في: إنسان العين وكذا معاصرنا الشيخ: محمد محسن المرحوم في كتابه: اليانع الجني في أسانيد الشيخ عبد الغني.
ومن مناقبه: تصحيح للكتب الستة حتى صارت نسخة يرجع إليها من جميع الأقطار ومن أعظمها: صحيح البخاري أخذ في تصحيحه نحوا من عشرين سنة وجمع مسند أحمد بعد أن تفرق أيدي سبأ وصححه وصارت نسخته أما أخذ علم الحديث عن جملة من المشائخ منهم: الحافظ: محمد بن علاء الدين البابلي - رحمه الله - والشيخ: أحمد البنا وغيرهما وعنه أخذ: السيد: أحمد الأهدل - المذكور آنفا - أيضا توفي رحمه الله في سنة 1134 الهجرية.
صفي الإسلام أحمد بن محمد النخلي المكي: كان من أعيان العلماء الجامعين بين: العلوم النقلية والعقلية والفروعية والأصولية.
أخذ عن عدة من العلماء منهم: العلامة المحقق: عبد الله بن سعيد باقشير والحافظ: محمد البابلي وعليه مدار روايته والشيخ العلامة: محمد بن علي ابن محمد بن علان الصديقي والشيخ: محمد بن محمد الشرنبلالي المصري ولبس الخرقة من السيد: عبد الرحمن المحجوب عاش تسعين سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. السيد: أبو بكر بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل:
يا ليت شعري ما يعبر ناطق ... عن فضله العالي وعظم المنصب
أو ليس ذاك الماجد العلم الذي ... سفرت محاسنه ولم تتجلبب
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن مشائخ عصره.
منهم: السيد: أحمد بن محمد شريف المذكور والشيخ: عبد الخالق المزجاجي ومفتي زبيد الفقيه العلامة: سعيد بن عبد الله الكيودي.
وكان على جانب عظيم من: لين الجانب ورحب الصدر وكمال التواضع وبشاشة الوجه وكان في حفظ كتاب الله عن ظهر قلب آية باهرة وله شعر حسن وكلام فصيح - رحمه الله تعالى.
السيد يوسف بن حسين البطاح:
ثمال اليتامى والمساكين لم يزل ... أبا لهم يحنو عليهم ويرأف
وهمته استنباط حكم دليله ... شواهد نقل أو قياس مؤلف
أخذ التفسير والحديث والفقه عن السيد: أحمد الأهدل واستفاد من الشيخ: عبد الخالق المزجاجي وغيره وكان كثير المباحثة والمراجعة مع أهل عصره من أهل العلم كتب له الإجازة: السيد العلامة: سليمان بن يحيى الأهدل في شوال سنة 1183هـ الهجرية.
الشيخ: عثمان بن علي الجبيلي: أخذ عن السيد: أحمد الأهدل والشيخ: عبد الخالق المزجاجي وقرأ: شرح الجامي على الكافية والشرح الصغير في المعاني للسعد وشرح التهذيب للشيرازي وشرح سبط المارديني على الياسمينية في الجبر والمقابلة وبرع في العلوم كلها من: الفقه والحديث والقراءة.
وتصدر للتدريس في سائر الفنون لا سيما علم القراءة له شعر حسن وأخبار مأثورة أطال في ترجمته في النفس اليماني والروح الريحاني.
الشيخ: عبد الرحمن بن محمد المشرع: المتوفى سنة 1195 الهجرية:
كريم له من نفسه بعض نفسه ... وسائره للمجد والشكر والفضل
أخذ عن مشائخ الوقت علوما عديدة منهم: السيد: أحمد الأهدل والمزجاجي والكبودي وأحمد الأشبولي وكانت وفاته في قرية الروية: من قرى وادي زبيد بعد أن وعك أشهرا عديدة بالإسهال.
وكان شيخا كاملا مكملا جيد الرأي حسن التدبير جوادا سخيا عالما: بالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والفقه والتصوف والحديث وغيرها يشتغل بقراءة صحيح البخاري في الجامع كل سنة وحصل كتبا كثيرة في عدة من الفنون تتلمذ في المعاني والبيان على: العلامة: عبد الله بن عمر الخليل وعلى الشيخ: عبد الرحمن بن عبد السلام الحاوي أيام إقامته بزبيد ورحل إلى الحرمين الشريفين وسمع الحديث عن: الشيخ المجمع على جلالته: أحمد الأشبولي المصري وانتدب الشعراء لمدحه بقصائد بديعة منهم: السيد العلامة: قاسم بن يحيى الأمير رحمه الله تعالى.
شرف الإسلام إسماعيل بن أحمد الربعي: أخذ هو وولده: القاضي العلامة: محمد بن إسماعيل عن السيد: أحمد الأهدل والشيخ: عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي وأحمد الأشبولي أيام وفوده إلى زبيد. ومن تلامذته: الشيخ: أحمد القاطن وكان لا يترك كل يوم من كتابة قدر معلوم من كتاب الله وفوائد وآداب ونسخة من العلوم النافعة حتى اجتمع له مع الدوام من ذلك الشيء الواسع ولنعم ما قيل:
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
وكان صداعا بالحق ذا قيام عظيم في إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف وكان فيه تشيع كثير في كافة أهل بيت النبوي صلى الله عليه وسلم:
وهل يستوي ود المقلد والذي ... له حجة في وده ودلائل
القاضي العلامة عز الإسلام محمد بن إسماعيل ابن أحمد الربعي كان من أفاضل العلماء وأماجد الفضلاء.
تتلمذ على السيد: أحمد بن محمد شريف وعلى المزجاجي وغيرهما في علم النحو والمعاني والبيان والحساب وأصول الدين والهيئة والهندسة والمنطق وأصول الفقه والحديث.
وسمعه على القاضي العلامة: أحمد بن محمد القاطن له: مشائخ من الحرمين الشريفين منهم: عطاء المصري ومحمد بن سليمان الكردي وتصنيف في علم الفروع ولعمري هو حقيق بقول الشاعر:
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدهر ابتسام
سراج الإسلام السيد: أبو بكر بن علي البطاح الأهدل جد واجتهد في الترقي إلى اكتساب المعالي وسهر في تحصيل العلوم الليالي وكان له ملكة الاستحصال وملكة الحصول وملكة الاستنباط على وجه الكمال.
برع في: التفسير والحديث والتصوف والفقه والآلات والأصول وصار إماما يرجع إليه في الفروع والأصول وبلغ إلى أن يملي في تحقيق مسألة مؤلفا بلا تكلف ومن هذا الجنس: كتابه: صلة الموصول بإيضاح روابط الجمل لابن المقبول
وبالجملة: فكان البحر الزاخر في جميع العلوم سيما علم النحو والمنطق فإنه كان فيهما آية باهرة ونعمة ظاهرة ومن أعظم شيوخه: السيد: سليمان بن يحيى مقبول الأهدل - رحمه الله تعالى.
يوسف بن محمد البطاح:
العالم الفاضل النحرير أفضل من ... بث العلوم فأروى كل ظمآن
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن السيد سليمان الأهدل ولازمه كثيرا وعن: الجرهزي والجبيلي ويوسف بن حسين البطاح وعن غير هؤلاء من أهل اليمن والحرمين وهاجر من زبيد إلى الحرمين الشريفين وتفرغ تفرغا عظيما لنشر العلوم فدرس وألف ووقع به النفع سيما لطلبة العلم اليمانية.
ومن مؤلفاته: إفهام الأفهام شرح بلوغ المرام في مجلدين وشرح منظومة القواعد للسيد أبي بكر ابن أبي القاسم الأهدل وشرح ربع العبادة من منظومة الزبد في مجلد حافل أكثر فيه من سرد الأدلة وذكر الخلاف وله: عدة رسائل في أعمال الحج ألفها لكثرة المسائل الواردة عليه في ذلك وله: تشنيف السمع بأخبار العصر والجمع قرظ عليه أهل مكة المكرمة حرسها الله تعالى مات شهيدا في الوباء العام الواقع في سنة 1242 الهجرية. السيد: طاهر بن أحمد الأنباري: فاضل فقيه وعالم نبيه حصل العلوم الدرسية والفنون المتداولة وبرع فيها وهو ممن تتلمذ على السيد الأجل: سليمان بن يحيى الأهدل وعلى العلامة: داود الجبرتي العقيلي الهاشمي وعبد الله بن عمر الخليل والجرهزي والجبيلي وعبد الخالق المزجاجي والقاضي: محمد الربعي وغيرهم.
الشيخ العلامة: عبد القادر بن خليل كدك: المحدث الحافظ المسند الرحلة وجيه الإسلام خطيب المدينة المشرفة وفد إلى مدينة زبيد ناشرا فيها علوم الإسناد إلى خير العباد بعد أن جال البلاد شرقا وغربا ولقي من المشائخ المسندين الأعلام عالما كثيرا وألف في ذلك كتابه المسمى: بالمطرب المعرب الجامع لأهل المشرق والمغرب قال في خطبته: وقد ارتحل لطلب الإسناد جمع من السلف والخلف رحل جابر بن عبد الله إلى مصر لأجل حديث واحد وكذلك ارتحل أحمد بن حنبل وغيرهما قال:
ارتحلت إلى مصر وغزة والرملة والقدس والشام وآبدين والروم ونلت ما نلت من ذلك ولما وفد إلى مدينة زبيد تلقاه علماؤها وأعيانها بالإعزاز والإجلال وازدحم عليه الأفاضل لأخذ الإجازة منه فأجازهم وهو الذي استجاز للسيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن مقبول الأهدل ولجماعة من محدثي زبيد من: مسند الشام الحافظ الكبير: محمد بن سالم السفاريني محتدا الحنبلي مذهبا الأثري معتقدا القادري مشرباً.
وسفارين: قرية من قرى نابلس ثم وفد إلى مدينة صنعاء وتلقاه أهلها بالتعظيم والتبجيل.
واستجاز منه جماعة من العلماء والأعيان.
منهم: السيد العلامة: عبد الله بن محمد الأمير.
وله: مؤلف خاص في ذلك سماه: السر المؤتمن في شرح الرحلة إلى اليمن ثم عاد إلى المدينة المنورة وتصدى فيها لنشر علوم الإسناد وإملاء الأحاديث والاجتهاد في هذا الشأن العظيم.
وكانت وفاته بنابلس: من أرض الشام في ربيع الأول سنة 1185هـ الهجرية.
صفي الإسلام أحمد بن إدريس المغربي الحسيني المتوفى سنة 1253هـ، بمدينة صبيا وقبره هناك معروف مشهور.
وفد إلى مدينة زبيد سنة 1244هـ، ناشرا فيها ما منحه الله من علوم أسرار الكتاب والسنة وكاشفا من إشاراتهما الباهرة ولطائفهما الزاهرة بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني واللائح عليها أثر القبول الرحماني وازدحم عليه الخاص والعام حينئذ على الاستفادة وتلقى كل أحد من تلك اللطائف على قدر الاستعداد:
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ... ولست على قدر السلاف تصاب
وكان مذهبه: ما صح به الحديث كما هي طريقة خلائق من العلماء الأعلام:
ومذهبي كل ما صح الحديث به ... ولا أبالي بلاح فيه أوزاري
وأجاز أهل زبيد خصوصا وأهل اليمن عموما كما وقع نظير ذلك للحافظ: ابن حجر العسقلاني عند قدومه زبيد ثم توجه إلى بندر الحديدة وتلقاه أهلها بالإعزاز والإكرام وامتدحه علماء البندر بعدة قصائد ثم صار إلى صبيا وكان باقيا فيها إلى سنة 1248هـ، يذكر أيام الله ويملي من علوم السنة والكتاب ما يفيد ذوي الدين والألباب وامتدحه أهل تلك الجهات أيضا بعدة قصائد منهم: المحقق العلامة: عبد الرحمن بن أحمد البهكلي - قاضي بيت الفقيه - وترجم له: السيد العلامة: محمد بن محمد الدئلي - قاضي زبيد - في كراريس السيد: عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الحسني الكوكباني للعلوم الزاخرة والأحوال الشريفة الفاخرة.
أخذ العلوم عن: الجهابذة من أهل صنعاء وزبيد والحرمين الشريفين.
ومن مشايخه: سلطان ذوي الاجتهاد وعمدة المحدثين النقاد السيد الإمام: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني والشيخان العلامتان: عبد الخالق ومحمد ابنا علاء الدين المزجاجيان والسيد الحبر: محمد بن الطيب المغربي الفاسي الآخذ عن: أبي الأسرار: الحسن بن علي العجيمي والشيخ المسند: محمد إبراهيم الكوراني.
وله من المشائخ: نيف وثلاثون شيخا ومن المؤلفات: ما يزيد على أربعين مؤلفاً.
منها: حاشية القسطلاني في مجلدين وشرح القاموس وشرح نظم فصيح ثعلب وحاشية المطول ومختصره.
ومن مشايخه أيضا: الشيخ: محمد حياة السندي: قال القاضي العلامة في ترجمته: مظهر السنة النبوية على رؤوس الأشهاد مبكتا لأهل البدعة في الحاضر والباد ولقد قام بهذا الواجب أتم قيام وذب عن سنة جده بين الأنام وأدخلها إلى آذان الفقهاء المقلدين وقبلها من له الفهم المكين والذهن الثمين وله اليد الطولى في كل فن والتحقيق الفائق من بين أبناء الزمن. انتهى ملخصاً.
وممن تخرج به: شيخنا القاضي العلامة: محمد بن علي الشوكاني والسيد: إبراهيم والسيد عبد الله والسيد: قاسم أولاد أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين: محمد بن إسماعيل الأمير وغيرهم رحمهم الله تعالى.
السيد المسند والجليل المعتمد، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير: قال القاضي العلامة: أحمد بن محمد قاطن - في ترجمته -: ذو الذهن الوقاد والفكر المستقل النقاد الحاوي لخصال الكمال بأكمل الخلال الراقي إلى أوج البلاغة في جميع الأحوال إن وعظ خلته الحسن وإن خطب أعلن السنن وأيقظ الوسن وقلد المنن وبغض السمن وجبب الخشن وضيق العطن ووسع الحزن وشجع الجبان وشبع الجنان زين الجنان وشيد الإيمان يخلط الترهيب بالترغيب والتبعيد بالتقريب والوعيد بالوعد والمطر بالرعد ... إلى آخر ما قال.
وله ولدان: السيد العلامة: علي بن إبراهيم والسيد: يوسف بن إبراهيم وكانا على استقامة تامة من ملازمة الاتباع وتجنب الابتداع كما هو طريقة سلفهم الصالح:
ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهو الصراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
ومن مؤلفات السيد علي بن إبراهيم: تشنيف الآذان بأسرار الآذان والبشائر والصلات بأسرار الصلوات والفتح الإلهي لتنبيه اللاهي وكتاب السوانح على وزن صيد الخاطر لابن الجوزي وكتاب سوق الشوق لأهل الذوق من تحت إلى فوق في شرح حديث: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها وهو مؤلف حافل وله نظم في الدرجة العليا قد جمعه ولده: السيد العلامة: حسن بن علي في ديوان.
وأما: السيد العلامة: يوسف فكان على قدم راسخ في العلوم المأثورة وله من النظم الرائق الفائق الشيء الواسع.
وأما: أخو السيد إبراهيم بن محمد المذكور فهو: السيد الجليل والعالم النبيل فخر الإسلام وزينة الليالي والأيام: عبد الله بن محمد بن إسماعيل الأمير وكان من العلماء الأعلام أحد أئمة العصر وحامل لواء الفخر له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية وجودة النظر والنقادة في الأحاديث النبوية مشتغلا بذلك غاية الاشتغال حتى نال من العلم الشريف كل منال ترك التعصبات المذهبية وأخذ بالسنة المطهرة السنية له شعر وتواليف صحح كتب والده وكتب بخطه كثيرا وعندي من خطه الشريف كتاب: سبل السلام شرح بلوغ المرام وغيره والسيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ممن تتلمذ له واستجاز منه فأجازه وأيضا تتلمذ على أخيه: السيد: قاسم فأجازه لفظاً.
صفي الإسلام الشيخ: أحمد بن محمد قاطن: كان من أجل الأعلام الأعيان كبير المقدار عظيم الشأن أخذ العلوم العقلية والنقلية من علماء صنعاء وغيرهم منهم:
السيد العلامة الإمام: محمد بن إسماعيل الأمير والعلامة الأوحد: زيد بن محمد بن الحسن شارح: الإيجاز في المعاني والبيان والمحقق: هاشم بن يحيى بن محمد الشامي والسيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل له منه إجازات وروايات.
له: تحفة الإخوان نظم فيها إسناد صحيح البخاري وشرحها شرحاً عظيماً.
ومن مشائخه: محمد حياة المدني السندي والشيخ: محمد الدقاق والشيخ: سالم بن عبد الله البصري والشيخ: محمد بن حسن العجيمي وقد ترجم لهؤلاء المشائخ في تحفة الإخوان المذكورة.
ومن مؤلفاته: نفحات العوالي بالأحاديث العوالي والإعلام بأسانيد الأعلام ووسيلة المستجير بالله الكبير ونزهة الطرف في أحكام الجار والمجرور والظرف وهو شرح عظيم على كتاب: العقد الوسيم لشيخه الإمام: صلاح الأخفش وله أشعار رائقة ذكرها في النفس اليماني والروح الريحاني وكان بينه وبين السيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل مودة أكيدة وكان يحرضه على العمل بالسنة النبوية وسلوك الطريق السلفية وترك العصبية المذهبية وأخذ السيد منه إجازة له ولأولاده فكتب الإجازة - رحمه الله تعالى.
الشيخ أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي: أخذ العلوم عن آبائه الكرام وعن غيرهم من الأعلام وهم كثيرون.
منهم: الشيخ عبد الخالق المزجاجي وعمه: محمد بن بكري والسيد: إبراهيم بن محمد الأمير والشيخ: إبراهيم الزمزمي - مفتي الشافعية في أم القرى بروايته عن الشيخ: عبد الوهاب بن أحمد الطنطاوي المصري مؤلف: بذل العسجد في شيء من أسرار اسم محمد.
وللشيخ أحمد: مؤلفات ورسائل منظومات ومسائل يطول ذكرها منها: النفحة القدسية في وظائف العبودية وعقد جواهر اللآل في مدح الآل وعليه شرح وتقاريظ من جمع جم منهم: السيد الجليل: علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق كتبه بمكة المشرفة سنة 1230هـ وللسيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل منه إجازة في الحديث المسلسل بالأولية وله مناقب وفضائل شهيرة وكان لا يسمع بذي فضيلة في جهة من الجهات إلا وتعرف به واستطلع حقيقة فضيلته ومكث على هذه الحالة دهرا طويلا ثم آثر الخلوة والعزلة إلى أن انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى.
الشيخ إبراهيم بن محمد الزمزمي: تصدى في أم القرى للإفتاء والتدريس على مذهب الإمام: محمد بن إدريس فكان يقرئ فيه ويفيد ويبدئ ويعيد ويتكلم في سائر العلوم لفظاً ومعنى وعلى أصولها وفروعها حفظاً.
صفاته في العلوم إن ذكرت ... يغار منه النسيب والغزل
تعرف من عينه حقائقها ... كأنه بالعلوم مكتحل
استجيز منه للسيد: عبد الرحمن الأهدل في سنة 1192هـ قال: أخذت عن الشيخ: عبد الوهاب الطنطاوي الآمدي وعن المحقق: عبد الله النمرسي عن الشيخ: عبد الله بن سالم البصري.
وأما ولده: محمد صالح بن الشيخ إبراهيم الزمزمي فكان خلف أبيه في العلوم والفضائل منه إجازة للسيد: عبد الرحمن الأهدل ذكر فيها الأمهات الست وبقية العلوم مقرونا بسنده العالي عن المشائخ العظام في سنة 1224هـ، وفيها: إن من أعلى أسانيدنا سيدي العلامة المحدث شيخنا: صالح بن محمد الفلاني العمري المغربي ومن أجل شيوخه الحافظ: محمد بن سنة العمري وهو أيضا: شيخ السيد: عبد الرحمن الأهدل كما صرح بذلك في: المنهج السوي حاشية المنهل الروي.
الشيخ: عبد الملك بن عبد المنعم القلعي: مفتي أم القرى على مذهب الإمام الأعظم. كان كنز الذخائر وبحر العلم الزاخر استجاز منه السيد: عبد الرحمن الأهدل فأجازه في سنة 1224هـ، وذكر في الإجازة مشائخه من أهل الحرمين منهم: عبد الله بن سالم البصري.
سراج الإسلام: سالم بن أبي بكر الأنصاري الكراني: من أجل علماء المدينة المنورة له: حاشية على المنهج القويم لابن حجر الهيتمي في ستين كراسا وهو ممن تتلمذ على الشيخ: محمد بن سليمان الكردي الآخذ عن الشيخ: محمد الدمياطي والشيخ: محمد بن سعيد سنبل المكي والعلامة: أحمد الجوهري المصري.
الشيخ: محمد بن سليمان الكردي:
ولا تحسب الأكراد أبناء فارس ... ولكنهم أبناء عمرو ابن عامر
تتلمذ على المحقق: محمد بن سعيد سنبل مفتي الشافعية في أم القرى.
وأخذ عن الشيخ: أحمد النخلي وأجازه: عبد الله بن سالم البصري وعن الشيخ: طاهر بن إبراهيم الكوراني.
وله مؤلفات منها: فتح الفتاح بالخير على يريد معرفة شروط الحج عن الغير والثغر البسام عن معاني الصور التي تزوج فيها الحكام وأزهار الربا في بيان أبواب الربا وهو من مشائخ السيد عبد الرحمن الأهدل. السيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس باعلوي المصري الإمام الكبير العلم الشهير أخذ عن: والده وعن السيد: عبد الرحمن بن عبد الله بافقيه والسيد العلامة: غلام حيدر الحسيني الهندي والسيد: فضل الله بن أحمد الهندي والحافظ المسند الشيخ: محمد حياة السندي وغيرهم.
ومن مؤلفاته: بسط العبارة في شرح ضبط الاستعارة وعليه: حاشية للمحقق الحفناوي وقطف الثمر في شرح المقولات العشر والمنهل العذب في الكلام على الروح والقلب.
أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني الواسطي البلكرامي: نزيل مصر تقدم ترجمته الشريفة في: ذيل علماء اللغة فراجعه وهو صاحب: تاج العروس في شرح القاموس وهو من مشائخ السيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل.
السيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل: ينتهي نسبه الشريف إلى: موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - صاحب كتاب: النفس اليماني والروح الريحاني في إجارة القضاة بني الشوكاني وهو شيخ شيخنا الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي بن محمد الشوكاني اليماني الصنعاني وشيخ أخويه: العلامة صفي الإسلام: أحمد وعماد الإسلام: يحيى رحمهم الله تعالى ألف الفقيه العلامة: سعد بن عبد الله سهيل في ترجمته كتابا حافلا في سنة 1263هـ، سماه: فتح الرحمن في مناقب سيدي عبد الرحمن بن سليمان قال فيه: كان - رضي الله عنه - من صدور المقربين صاحب العلوم الجمة والفنون الكثيرة والكرامات الباهرة والمقامات الفاخرة تصانيفه: دالة على سعة علمه وغزارة اطلاعه منها.
فتح الولي في معرفة سلب الولي والمنهج السوي1 حاشية المنهل الروي وفيه دلالة على كماله في علم الحديث وأنه من أجل أئمته وله: فرائد الفوائد وقلائد الخرائد مجلدان جمع فيه فأوعى والروض الوريف في استخدام الشريف وتلقيح الأفهام في وصايا خير الأنام وشرح بلوغ المرام بلغ فيه إلى التيمم في نحو عشرين كراسا ولم تساعده القدرة على إتمامه وفتح اللطيف شرح مقدمة التصريف والجنى الداني على مقدمة الزنجاني وكشف الغطا عن أسئلة ابن العطا ورسالة في البندقة وتحفة النساك في شرب التنباك ... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.
ومن تلامذته: شيخنا الشوكاني ويا له من تلميذ وأستاذ.
ومنهم: السيد العلامة: محمد بن طاهر الأنباري الملقب: بالشافعي الصغير والعارف بالله: محمد بن أحمد المشرع وكان في غاية من العبادة سيما قيام الليل وتلاوة الكتاب العزيز وكان هجيره هجير خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان حسن الخلق لين الجانب قريب التناول يتصل به كل أحد يتكلم باللسان العالي في لطائف الأسرار ويقول: ليس العلم بلقلقة اللسان ولا بطول الإطناب وبديع البيان ولا في الكراريس الكثيرة والمجلدات الضخيمة والأوارق وإنما العلم ما أفادته الملكة التامة والرسوخ وكان مما ينفع صاحبه هداية ويقربه إلى رب العالمين وله أشعار فائقة وأبيات رائقة ذكر بعضها في: فتح الرحمن وأطال في بيان كلماته الرفيعة الشأن واعتضدها بنقول العلماء والأعيان يطول ذكرها في هذا المكان.
وكانت ولادته في سنة 1179هـ ومرض مرض الموت قريبا من عشرة أيام وأتاه اليقين في ليلة الثلاثاء الأخيرة في الحادي والعشرين من شهر رمضان أحد شهور سنة 1250هـ، وله من العمر إحدى وسبعون سنة وأرخ بعض الفضلاء وفاته بقوله: ليهنك الفردوس مفتي الأنام.
وله من الأولاد: محمد وعبد الباقي وسليمان وقد أجازهم وأولادهم ومن سيولدهم وكافة من أدرك حياته سيما من وقعت بينه وبينه المعرفة أو الاستفادة العلمية وأولادهم ومن سيولد لهم راجيا بذلك الخير الشامل الكثير إن شاء الله تعالى وهو من مشايخنا ولله الحمد.
الشيخ العارف بالله محمد بن عبد الرحمن: المتقدم ذكره أخلف والده في: هديه وسمته ودله وإفتائه وجميع أحواله المرضية السنية ونفع الله به خلقا كثيرا إلى أن توفي رحمه الله في سنة 1258هـ، وله من العمر ثمانية وأربعون سنة وله من الكرامات والمكاشفات ما لا يحصى وكان غاية في إطلاق اللسان يكتب الجوابات من غير مراجعة لكتب المذهب لسعة ملكته.
ولما توفي قام مقامه أخوه: السيد العلامة: عبد الباقي رحمه الله.
السيد محمد بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى ابن المفضل الحسني القاسمي الهادوي:
الإمام العلامة والمحدث الأصولي النحوي المتكلم الفقيه البليغ الرحلة الحجة السني الصوفي كان فريد العصر ونادرة الدهر خاتمة النقاد وحامل لواء الإسناد وبقية أهل الاجتهاد بلا خلاف وعناد رأسا في المعقول والمنقول إماما في الفروع والأصول.
يقول واصفه في وصفه: كشاف أصداف الفرائد قطاف أزهار الفوائد فاتح أقفال اللطائف مانح أنفال الظرائف مصيب شواكل المشكلات بنوافذ أنظاره ومطبق مفاصل المعضلات بصوارم أفكاره مضحك كمائم النكت من نوادره ومفتح أنظار الظرف في موارده ومصادره عز الدين محيي سنة سيد المرسلين فلان الحسني نسبا على السماك عاليا والسني مذهبا إلى الصواب هاديا، إلى آخر ما ذكره في ترجمته.
وبالجملة: كان مولده في شهر رجب سنة 775هـ، في شطب: وهو جبل عال باليمن هكذا نقلته من خطه وحفظته من غيره من الأهل.
وله مصنفات عديدة ومجموعات مفيدة منها: كتاب: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم أربعة أجزاء في الرد على الزيدية اشتمل من الفوائد على ما لم يشتمل عليه كتاب وكتاب: البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع ألفه في سنة 801هـ ومختصر جليل في علم الأثر ألفه بعد اطلاعه على نخبة الفكر سماه: تنقيح الأنظار في علوم الآثار صنفه في آخر سنة 813هـ ومنها: الروض الباسم مختصر: العواصم والقواصم وكتاب: التأديب الملكوتي مختصر فيه العجائب والغرائب وكتاب: العزلة وقبول البشرى بالتيسير لليسرى وكتاب إيثار الحق على الخلق صنفه في سنة 837هـ إلى غير ذلك وغالبها عندي موجود ولله الحمد وله ديوان شعر سماه: مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق وشرحه سماه: بفتح الخالق والحسام المشهور في الذب عن الإمام المنصور وقد ذكر له الحافظ: ابن حجر العسقلاني في كتابه: الدرر الكامنة ترجمة حافلة وأثنى عليه ثناء كثيرا جميلا لم يثن بمثله أحدا توفي رحمه الله في الطاعون الذي وقع في اليمن شهيدا في سنة 840 فكان جملة عمره: ستا وستين سنة.
السيد العلامة بدر الملة النير المؤيد بالله: محمد ابن الإمام المتوكل على الله: إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني اليمني: وهو: الإمام الكبير المحدث الأصولي المتكلم الشهير قرأ كتب الحديث وبرع فيها وكان إماما في الزهد والورع يعتقده العامة والخاصة ويأتونه بالنذور فيردها ويقول: إن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من الصالحين وهو يخاف أنه من الهالكين
حكى بعض أولاده: أنه قرأ وهو يصلي بالناس صلاة الصبح: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فبكى وغشي عليه وكان والده: ولي الله بلا نزاع من أكابر الأئمة وأهل الزهد والورع استوى عنده الذهب والحجر وخلف أولادا هم أعيان العلماء والحكماء وأعظمهم ولده هذا
قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي - في ذخيرة الآمال في شرح عقد جواهر اللآل -: الإمام السيد المجتهد الشهير المحدث الكبير السراج المنير: محمد بن إسماعيل الأمير مسند الديار ومجدد الدين في الأقطار صنف أكثر من مائة مؤلف وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه: الحديث.
قال: أخذ عن علماء الحرمين واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم وقرأ على الشيخ: عبد الخالق بن الزين الزجاجي والشيخ عليه واستجاز منه وأسند عنه مع تمكنه من علوم الآل وتأصله. انتهى على ما نقله السيد: حامد حسين المعاصر في كتابه: عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار.
ومن شيوخه: الشيخ: عبد القادر بن علي البدري والشيخ: محمد طاهر بن إبراهيم الكردي والشيخ: سالم بن عبد الله البصري وغيرهم.
وتتلمذ عليه أيضا خلق كثير منهم: الشيخ: عبد الخالق المزجاجي الزبيدي وهو أيضا أستاذه كما تقدم وأيضا ولده: السيد العلامة: عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما له مصنفات جليلة ممتعة تنبئ عن سعة علمه وغزارة اطلاعه على العلوم النقلية والعقلية وكان ذا علم كبير ورياسة عالية وله في النظم اليد الطولى بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ولم يقلد أحدا من أهل المذاهب وصار إماما كاملا مكملا بنفسه وقد من الله تعالى علي بأكثر مصنفاته وهي أزيد من أن تذكر.
منها: سبل السلام شرح بلوغ المرام وهو عندي بخط ولده: السيد: عبد الله وفيه خطه الشريف أيضاً.
ومنها: منحة الغفار حاشية ضوء النهار وإسبال المطر على قصب السكر وجمع التشتيت في شرح أبيات التثبيت وتوضيح الأفكار في شرح تنقيح الأنظار، إلى غير ذلك من الرسائل والمسائل التي لا تحصى وكلها فريدة في بابها خطيبة في محرابها حج وزار واستفاد من علماء الحرمين الشريفين وغيرهم من فضلاء الأمصار فهو أكرم من أن يصفه مثلي وقفت له على قصائد بديعة ونظم رائق وكان له صولة في الصدع بالحق واتباع السنة وترك البدعة لم ير مثله في هذا الأمر وهو من مشائخي في سند الكتب الحديثة على ما صرحت به في سلسلة العسجد من ذكر مشائخ السند وقد ذكرت له ترجمة في كتابي: إتحاف النبلاء ونقلها عنه: السيد المعاصر: حامد حسين في العبقات على تشيعه فلا نطول الكلام هاهنا بذكر ذلك الإملاء.
توفي رحمه الله في سنة 1182هـ. وخرج في زمانه الشيخ: محمد بن عبد الوهاب النجدي الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية فنظم قصيدة في ذلك وأرسلها إليه وأثنى على طريقته ثم لما سمع أنه يكفر أهل الأرض ويسفك الدماء رجع عما كان قاله في قصيدته - كما سيأتي ذلك مفصلا في ترجمة: محمد بن عبد الوهاب - وكان له - رحمه الله - أولاد صلحاء تقدم تراجمهم في هذا الكتاب وقد أثنى عليه ولده: السيد: عبد الله في إجازة كتبها للشيخ المحدث شيخنا: عبد الحق بن فضل الله المحمدي الهندي المتوفى بمنى سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين الهجرية القدسية قال فيه:
سمع مني حصة من صحيح الإمام البخاري وقد من الله علي بالمثول بين يدي أئمة السنة النبوية والسماع منهم للآثار والأحاديث المصطفوية. منهم: والدي وشيخي ناصر السنة مجدد المائة الحادية عشر رضي الله عنه ... الخ والشيخ: عبد الحق المحمدي قد تتلمذ على شيخ شيوخنا: الشوكاني وكتب له إجازة بخطه الشريف يقول فيها:
إني أجزت للشيخ العلامة أي: الفضل بن عبد الحق بن الشيخ العلامة: محمد فضل الله المحمدي الهندي كثر الله تعالى بمنه وكرمه فوائده ونفع بمعارفه ما اشتمل عليه هذا الثبت الذي جمعته وسميته: إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر فليرو عني ما اشتمل عليه من كتب الإسلام على اختلاف أنواعها كما يراه فيه وهو أهل لما هنالك ولم أشترط عليه شرطا فهو أجل من ذلك وأعلى حرر يوم الجمعة بتاريخ 10 جمادى الآخرة سنة 1238هـ كتبه: محمد بن علي الشوكاني. انتهى.
وقد أتحفني شيخي عبد الحق بكتاب شيخه الشوكاني: إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ولي أسانيد أخرى إلى الشوكاني كما يلوح من: الحطة وإتحاف النبلاء وسلسلة العسجد ولله الحمد وله المنة.
الشيخ: محمد بن عبد الوهاب ابن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن يزيد بن محمد بن يزيد بن مشرف صاحب نجد الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية وهذا هو المعروف من نسبه ويذكر أنه من مضر ثم بني تميم.
ولد سنة 1115هـ، بالعينية: من بلاد نجد ونشأ بها وقرأ القرآن وسمع الحديث أخذ عن أبيه وهم بيت فقه حنابلة ثم حج وقصد المدينة المنورة ولقي بها شيخا عالما من أهل نجد اسمه: عبد الله بن إبراهيم قد لقي أبا المواهب البعلي الدمشقي وأخذ عنه ثم انتقل مع أبيه إلى جريمل: قرية من نجد أيضا ولما مات أبوه رجع إلى العينية وأراد نشر الدعوة فرضي أهلها بذلك ثم خرج عنها بسبب إلى الدرعية وأطاعه أميرها: محمد بن سعود من آل مقرن يذكر أنهم من بني حنيفة ثم من ربيعة وهذا في حدود سنة 1206هـ.
وانتشرت دعوته في: نجد وشرق بلاد العرب إلى عمان ولم يخرج عنها إلى الحجاز واليمن إلا في حدود المائتين والألف وتوفي سنة 1209هـ.
قال الشيخ الإمام العلامة: محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام: محمد بن علي الشوكاني: هو رجل عالم متبع الغالب عليه في نفسه الاتباع ورسائله معروفة وفيها المقبول والمردود وأشهر ما ينكر عليه خصلتان كبيرتان: الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها وقد أنصف السيد الفاضل العلامة: داود بن سليمان في الرد1 عليه في ذلك2.
الثانية: التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان وتتبع هذه جزئيات ذكر السيد المذكور بعضها وترك كثيرا منها وهي حقيرة تغتفر مع صلاح الأصل وصحته. انتهى.
وللعلامة الفاضل: حسين بن غنام اليمني قصيدة بديعة رد فيها على محمد بن فيروز في قصيدة لم يكفر فيها أهل نجد ويحث الناس على قتالهم فأجاب عليه بالقصيدة المذكورة أولها:
على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا ... عروس هوى ممقوتة زارت الشطا
وللإمام العلامة: عبد الله بن عيسى بن محمد الصنعاني كتاب سماه: السيف الهندي في إبانة طريقة الشيخ النجدي ألفه في سنة 1218هـ، قال فيه:
كان مبتدأ أمره في بضع وستين ومائة وألف خرج محمد بن عبد الوهاب الحنبلي فنزل بمحلة الشيخ: عبد العزيز النجدي وكان أهل تلك المحلة قوم أعراب مضيعين لأركان الإسلام وهؤلاء أهل اليمامة فلما حل الشيخ: محمد - المذكور - ما زال يدعوهم إلى التوحيد ويعلمهم الشرائع من الصلاة والصيام وغير ذلك والشيخ: عبد العزيز بن محمد النجدي: أول من تابعه وأسلم على يديه.
ثم لما تم للشيخ ابن عبد الوهاب ما أراد في تلك القرى المجاورة للدرعية: وهي قرية الشيخ: عبد العزيز واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ويقاتلون من حولهم من الأعراب ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام وهم عرب أغنام قرر لهم: أن دعا من غير الله أو توسل بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبى اعتقد ذلك أم لا.
وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه وقد وقفت على رسالة لهم في هذا الشأن وقد كان المولى العلامة السيد: محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال هذا النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة:
سلام على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
ثم لما تحقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير صاف عن الإدغال وقال: رجعت عن القول الذي قلت في النجد ... فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ونقلت من خط العلامة وجيه الإسلام: عبد القادر ابن أحمد بن الناصر ما صورته في ذي القعدة سنة 1170هـ، سنة وصل إلينا الشيخ الفاضل: مربد بن أحمد بن عمر التميمي النجدي الجريملي: نسبة إلى جريمل: بلد قرب سدوس أول بلاد اليمامة من جهة الغرب وكان وصوله إلى اليمن لطلب تحقيق مسألة جرت بينه وبين الشيخ: محمد بن عبد الوهاب في تكفير من دعا الأولياء والشيخ يكفر من فعل ذلك ومن شك في كفره ويجاهد من خالفه وكان سبب وصوله إلى اليمن: أنه سمع قصيدة لشيخنا السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير كتبها إلى الشيخ: محمد بن عبد الوهاب وللشيخ: مربد عليها جواب صغير ولم يكن يتعاطى فيها الشعر قط فهذا كلام إمام ذلك الزمان في تحقيق مذهب الشيخ: محمد بن عبد الوهاب النجدي من قبل أن يولد أكثر هذه الطبقة التي نحن فيها. انتهى حاصله.
ثم رد في هذه الرسالة عليه بعض عقائده ومسائله.
وأما السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير فعبارته في شرح قصيدة مذكورة له الموسوم: بمحو الحوبة في شرح أبيات التوبة لما بلغت هذه الأبيات نجدا يعني القصيدة الأولى وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها رجل عالم يسمى: الشيخ: مربد بن أحمد التميمي وكان وصوله في شهر صفر سنة 1170هـ، وأقام لدينا ثمانية أشهر وحصل بعض كتب شيخ الإسلام: ابن تيمية والحافظ: ابن القيم بخطه وفارقنا في عشرين من شوال 1170هـ، راجعا إلى وطنه وكان من تلاميذ الشيخ: محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل: عبد الرحمن النجدي ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرها عليه من: سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاربه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار فبقي معنا تردد فيما نقله الشيخ: عبد الرحمن حتى وصل الشيخ: مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في: وجه تكفير أهل الإيمان وقتلهم ونهبهم وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ: أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه: ابن القيم الجوزية وقلدهما من غير إتقان مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله ورأينا في الرسائل أقواله وذكر لي أنه: إنما عظم شأنه بوصول الأبيات التي وجهناها إليه وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه وحل ما أبرمناه وكانت هذه الأبيات قد طارت كل مطار وبلغت غالب الأقطار وأتتنا فيها جوابات من مكة - المشرفة - ومن البصرة وغيرهما إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف ولما أخذ علينا الشيخ: مربد ذلك تعين علينا لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور التي ارتكبها ابن عبد الوهاب - المذكور - كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه لأنهما عمدة الحنابلة. انتهى كلام السيد - رحمه الله تعالى.
وقد وقفت على هذا الشرح وهو عندي موجود ألفه السيد المؤلف في سنة 1170هـ، ثم وقفت لهذا العهد على كتاب: رد المحتار وحاشية الدر المختار للسيد: محمد أمين بن عمر المعروف: بابن العابدين بمصر حالاً، وكان في سنة 1249هـ، ما لفظه: كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذي خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف. انتهى.
هذا وقد وقفت على رسائل للشيخ: محمد بن عبد الوهاب منها: كتاب النبذة في معرفة الدين الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار وكتاب التوحيد المشتمل على مسائل من هذا الباب أوله: قول الله - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وليس لهذا الكتاب ديباجة بل يذكر فيه الآيات والأحاديث ثم يقول فيه مسائل وكتاب في مسائل خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية من أهل الكتاب وغيرهم وهو مختصر في نحو كراسة.
وكتاب كشف الشبهات في بيان التوحيد وما يخالفه والرد على المشركين.
ورسالة: أربع قواعد من قواعد الدين في نحو ورقة. وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
و: كتاب في تفسير شهادة: أن لا إله إلا الله.
وكتاب: تفسير سورة الفاتحة.
ورسالة: في معرفة العبد ربه ودينه ونبيه.
ورسالة: في بيان التوجه في الصلاة ورسالة: في معنى: الكلمة الطيبة أيضاً.
ورسالة: في تحريم التقليد.
وهذا جل ما وقفت عليه من تواليفه إلى الآن وفيها ما يقبل ويرد وعلى كتابه التوحيد شرح مبسوط مفيد للشيخ العالم العلامة مفتي الديار النجدية: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب حفيد المؤلف سماه: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ولقبه: قرة عين الموحدين في تحقيق دعوة المرسلين.
ذكر فيه أنه تصدى لشرحه حفيده: الشيخ: سليمان بن عبد الله فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد وسماه: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ولما قرأت شرحه رأيته أطنب في مواضع وفي بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل ولم يكمله فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميما للفائدة وسميته: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ولأتباعه أيضا رسائل منها:
الرسالة الدينية في معنى الإلهية للشيخ: عبد العزيز بن محمد بن سعود قال فيها: من عبد العزيز إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين الشريفين والشام ومصر والعراق وسائر علماء الغرب والشرق سلام عليكم ورحمة الله بركاته أما بعد ... الخ.
ولما أراد الثويني - وهو رئيس بدوان العراق - أن يقدم على سعود بن عبد العزيز - المذكور - وقدم عليه في جيش عظيم فتلقاه رجل يقال له: طعيس فقتله وأغار سعود على جيشه فأخذهم وغنمهم فقال الشيخ العلامة: حسين بن غنام يهنيه بذلك:
تلألأ نور الحق وانصدع الفجر ... وديجور ليل الشرك مزقه الظهر وشمس الأماني أشرقت في سعودها ... ولاح بأفق السعد نجمه الزهر
وهي قصيدة طويلة حسنة ألفها في سنة 1217 ثم وقفت بعد ذلك كله في سنة 1285هـ، حين السفر إلى الحرمين الشريفين على رسالة للشيخ العالم: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب إمام الوهابية ذكر فيها ما لفظه:
وبعد فإنا معاشر موحدون لما من الله علينا وله الحمد بدخول مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت ثامن شهر المحرم سنة 1218هـ، بعد أن طلب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو: سعود - حماه الله - وقد كان أمراء الحج وأمير مكة على القتال والإقامة في الحرم ليصدوه عن البيت فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر كل واحد يعد الإياب غنيمة وبذل الأمير الأمان لمن بالحرم الشريف ودخلنا بالتلبية آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين غير خائفين من أحد من المخلوقين بل من مالك يوم الدين ... إلى قوله: ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد وعرض الأمير عافاه الله على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه قال: ثم دفعت إليهم الرسائل المؤلفة للشيخ: محمد في التوحيد واختصر من ذلك رسالة للعوام. انتهى.
وفي هذه الرسالة أنكر كثيرا مما ينسب إليه من المسائل والأقوال المخالفة لصحاح الكتب وللشيخ المحدث العلامة: محمد بن ناصر الحازمي: رسالة في المشاجرة مع أهل مكة المشرفة في المسائل التي اختلف فيها الوهابية وغيرهم أنصف في هذه الرسالة غاية الإنصاف وأتى بما يقضي منه العجب العجاب وله: رحمه الله تعالى رسالة أخرى في إثبات الصفات قال في مطاويها: قد بينا فيما تقدم عقيدة شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب وإن عقيدته وعقيدة أتباعه هي عقيدة السلف الماضيين من الصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين. انتهى.
وقال فيها في موضع آخر: إن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن: محمد بن عبد الوهاب وأتباعه - يعني: في آيات الصفات وإجرائها على الظاهر - هو الاعتقاد والحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة ... إلى آخر ما ذكره.
وبالجملة: فالشيخ: محمد بن عبد الوهاب ممن اختلف فيه اعتقاد الناس فمنهم: من أثنى عليه في كل ما قاله ووضعه ونشره ودعا إليه وقاتل عليه وانتصر له وافتخر بالانتساب إليه وإلى طريقته.
ومنهم: من أساء الظن به كل الظن ورد عليه كل نقير وقطمير اختاره وذهب إليه وكفره وبدعه.
ومنهم: من سلك سبيل الإنصاف وترك - خشية الله تعالى - القول باعتساف فقبل من أقواله ما كان صوابا ورد ما خالف منها سنة وكتابا ولعمري هذا هو الطريق السوي والصراط المستوي وهو الذي درج عليه أئمة الأمة وسلفها عند اختلاف الناس وتنازعهم في الدين وقضوا بذلك وبه كانوا يعدلون بين المسلمين ومن حاد عن طريقهم وشذ عن فريقهم فهو على شفا حفرة من النار ولا عبرة بالعامة بل ولا بالخاصة في نصرة من أحبوه وحط من أبغضوه لأن ذلك دأب أكثر الناس في غالب الأمصار والأعصار إلا من عصمه الله ووفقه للنصفة والاعتبار - والله أعلم بالصواب.
محمد بن علي بن محمد الشوكاني: شيخنا الإمام العلامة الرباني والسهيل الطالع من القطر اليماني إمام الأئمة ومفتي الأمة بحر العلوم وشمس الفهوم سند المجتهدين الحفاظ فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر نادر الدهر شيخ الإسلام قدوة الأنام علامة الزمان ترجمان الحديث والقرآن علم الزهاد أوحد العباد قامع المبتدعين آخر المجتهدين رأس الموحدين تاج المتبعين صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها قاضي الجماعة شيخ الرواية والسماعة عالي الإسناد السابق في ميدان الاجتهاد على الأكابر الأمجاد المطلع على حقائق الشريعة ومواردها العارف بغوامضها ومقاصدها.
قال القاضي العلامة: عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتابه: نفح العود في أيام الشريف حمود: كان مولد شيخنا الشوكاني يوم الإثنين الثامن والعشرين من ذي قعدة الحرام سنة اثنتين وسبعين بعد مائة وألف - كما أخبرني بذلك - في بلده: هجرة شوكان ونشأ على العفاف والطهارة وما زال يجمع النشأ ويحرز المكرمات له قراءة على والده ولازم إمام الفروع في زمانه القاضي: أحمد بن محمد الحرازي وانتفع به في الفقه.
وأخذ النحو والصرف عن السيد العلامة: إسماعيل بن حسن والعلامة: عبد الله بن إسماعيل النهمي والعلامة: القاسم بن محمد الخولاني وأخذ علم البيان والمنطق والأصلين عن العلامة: حسن بن محمد المغربي والعلامة: علي بن هادي عرهب ولازم في كثير من العلوم مجدد زمانه السيد: عبد القادر بن أحمد الحسني الكوكباني.
وأخذ في علم الحديث عن الحافظ: علي بن إبراهيم بن عامر وغير ذلك من المشائخ في جميع العلوم العقلية والنقلية حتى أحرز جميع المعارف واتفق على تحقيقه المخالف والموالف وصار مشارا إليه في علوم الاجتهاد بالبنان والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان
له المؤلفات في أغلب العلوم: ومنها: كتاب: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار لجد ابن تيمية رحمه الله في أربع مجلدات كبار لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق أعطى فيه المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف وعدم التقيد بمذهب الأسلاف وتناقله عنه مشائخه فمن دونهم وطار في الآفاق في حياته وقرئ عليه مرارا وانتفع به العلماء وكان يقول: إنه لم يرض عن شيء من مؤلفاته سواه لما هو عليه من التحرير البليغ وكان تأليفه في أيام مشائخه فنبهوه على مواضع منه حتى تحرر.
وله التفسير الكبير المسمى: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير وقد سبقه إلى التأليف في الجمع بين الرواية والدراية العلامة: محمد بن يحيى بن بهران فله تفسير في ذلك عظيم لكن تفسير شيخنا أبسط وأجمع وأحسن ترتيبا وترصيفا وقد ذكر الحافظ السيوطي في الإتقان: أنه جعله مقدمة لتفسير جامع للدراية والرواية سماه: مطلع البدرين ومجمع البحرين.
وله: مختصر في الفقه على مقتضى الدليل سماه: الدرر البهية في المسائل الفقهية وشرحه شرحا نافعا سماه: الدراري المضيئة أورد فيه الأدلة التي بنى عليها ذلك المؤلف.
وله: وبل الغمام حاشية على شفاء الأوام للأمير: حسين بن محمد الإمام.
وله: در السحابة في مناقب القرابة والصحابة.
وله: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
وله: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول يعز نظيره وترصيفه وحسن ترتيبه وتصنيفه. وله: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار كان تأليفه في آخر مدته ولم يؤلف بعده شيئا فيما أعلم وقد تكلم فيه على عيون من المسائل وصحح من المشروع ما هو مقيد بالدلائل وزيف ما لم يكن عليه دليل وحسن العبارة في الرد والتعليل.
والسبب في ذلك: أنه نشأ في زمنه جماعة من المقلدة الجامدين على التعصب في الأصول والفروع ولم تزل المصاولة والمقاولة بينه وبينهم دائرة ولم يزالوا ينددون عليه في المباحث من غير حجة فجعل كلامه في ذلك الشرح في الحقيقة موجها إليهم في التنفير عن التقليد المذموم وإيقاظهم إلى النظر في الدليل لأنه يرى تحريم التقليد وقد ألف في ذلك رسالة سماها: القول المفيد في حكم التقليد وقد تحاماه لما حواه جماعة من علماء الوقت وأرسل إليه أهل جهته بسببه سهام اللوم والمقت وثارت من أجل ذلك فتنة في صنعاء بين: من هو مقلد وبين من هو مقتد بالدليل توهما من المقلدين أنه ما أراد إلا هدم مذهب أهل البيت لأن الإزهار هو عمدتهم في هذه الأعصار وعليه في عبادتهم والمعاملة على المدار وحاشاه من التعصب على من أوجب الله تعالى محبتهم وجعل أجر نبينا صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة مودتهم لأن له الولاء التام لهم وقد نشر محاسنهم في مؤلفه: در السحابة بما لم تخالج بعده ريبة لمرتاب على أن كلامه مع الجميع من أهل المذاهب سواء بسواء لأن المأخذ واحد والرد واحد والخطب يسير والخلاف في المسائل العلمية الظنية سهل لأنها مطارح أنظاره والاجتهاد يدخلها والمصيب من المجتهدين في ذلك له أجران والمخطي له أجر وهذا شأن أهل العلم في كل زمان ومكان ما بين راد ومردود عليه وكل مأخوذ من قوله ومتروك إلا صاحب العصمة عليه أفضل الصلاة والتسليم ومن طالع الكتب الإسلامية في الفروع والأصول على اختلاف أنواعها عرف ذلك وهان عليه سلوك هذه المسالك ومن وزن الأمور بالإنصاف لا تخفى عليه الحقيقة ومن جمد على التقليد وضاق عطنه عن مدارك الاستدلال فما له والاعتراض على المجتهدين ولا ينبغي أن يضائق المجتهد في اجتهاده لأجل توقفه في موقفه الذي هو: التقليد وقد تفضل الله عليه بالاجتهاد والتقليد لا يجوز إلا لغير المجتهد والاجتهاد غير متعذر ومن اعترض على المجتهد فيما أدى إليه اجتهاده فقد تحجر الواسع وجرى على خلاف نهج السلف من أهل العلم.
نعم أنا قد حبرت مقاصد السيل الجرار في مؤلف سميته: نزهة الأبصار وهو واف بالمقصود من إيراد تلك الأدلة من غير تعرض لما يقع به بسط الألسنة من الناس وللمترجم له: تاريخ حافل سماه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع جرى فيه من ذلك الوقت إلى زمانه.
وابتدأ فيه بذكر عابد اليمن: إبراهيم الولي المشهور وله جملة رسائل من مطولات ومختصرات وقد جمعت فتاواه ورسائله فجاءت في مجلدين وسماها ابنه العلامة: علي بن محمد: بالفتح الرباني وله في الأدب اليد الطولى وله أشعار كثيرة مدونة قد رتبها ابنه المذكور على حروف المعجم فجاءت في ديوان وقد أخذت عنه في كثير من الفنون العلمية وأخذت عنه غالب مؤلفاته وبموته أطفئ على أهل اليمن مصباحهم المنير ولا أظن يرون مثله في تحقيقه للعلوم والتحرير وقد جرت بيني وبينه مكاتبة أدبية ومراسلة لمسائل علمية هي عندي مثبتة بخطه. وعلى الجملة: فما رأى مثل نفسه ولا رأى من رأى مثله علما وورعا وقياما بالحق بقوة جنان وسلاطة لسان.
وقد أفرد ترجمته تلميذه الأديب: محمد بن حسن الجني الذفاري بمؤلف قصره على ذكر مشائخه وتلامذته وسيرته وما انطوت عليه شمائله وما قاله من شعر وما قيل فيه جاء في مجلد ضخم.
وكانت وفاته في شهر جمادى الآخرة في سنة خمسين بعد المائتين والألف وقد كان توفي قبله بمدة يسيرة ابنه العلامة: علي بن محمد وهو أحد محققي العلماء وممن لازم والده في جميع المعارف حتى بلغ ذروة العلوم تحقيقا وتدقيقا وقد شاركته في الأخذ على والده في كثير من مقروءاته وقد كنت قلت في والده مراثي لولا الإطالة لذكرتها. انتهى كلامه رحمه الله تعالى بلفظه ومعناه مع التلخيص.
قلت: ووجدت على ظهر كتابه: الدراري المضية أن مولده رضي الله عنه كان عام سبع وسبعين ومائة وألف وقلد ولاية القضاء من جهة الإمام: المنصور بالله علي بن العباس في أوائل شهر شعبان سنة 1229هـ، وتوفاه الله تعالى يوم الأربعاء في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من شهور سنة 1250هـ، وكان بين وفاته ووفاة ولده: علي بن محمد نحو شهر وكان قد توفاه الله قبله ولم يظهر والده جزعا ولا حزنا وكان ولدا صالحا عالما مبرزا في جميع العلوم وكان نادرة وقته على صغر سنه قيل: إنه توفي وهو في حدود العشرين رحم الله الجميع برحمته ثم ذكر له تصانيف عددها: ثلاثة وخمسون كتابا سماها بأسمائها.
قال السيد الجليل العلامة: عبد الرحمن بن سليمان ابن يحيى بن عمر مقبول الأهدل - رحمه الله - في كتابه المسمى: بالنفس اليماني والروح الريحاني في إجازة قضاة بني الشوكاني ما عبارته:
وممن تخرج بسيدي الإمام: عبد القادر بن أحمد الحسني إمام عصرنا في سائر العلوم وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم الحافظ المسند الحجة الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المحجة عز الإسلام: محمد بن علي الشوكاني بلغه الله في الدارين أقصى الأماني:
إن هز أقلامه يوما ليعلمها ... أنساك كل كمي هز عامله
وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
ولقد منح رب العالمين من بحر فضله الواسع هذا القاضي الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمان الأخير جمعت لغيره:
الأول: سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها.
الثاني: سعة التلاميذ المحققين والنبلاء المدققين أولي الأفهام الخارقة والفضائل الفائقة الحقيق أن ينشد عند حضور جمعهم الغفير ومشاهدة غوصهم على جواهر المعاني التي استخراجها من بحر الحقائق غير يسير:
إني إذا حضرتني ألف محبرة ... تقول: أخبرني هذا وحدثني
صاحت بعقوتها الأقلام ناطقة ... هذي المكارم لا قعبان من لبن
الثالث: سعة التأليف المحررة والرسائل والجوابات المحبرة التي تسامى في كثرتها الجهابذة الفحول وبلغ من تنقيحها وتحقيقها كل غاية وسول وقد ذكر لي بعض المعتمدين مؤلفاته الحاصلة الآن: مائة وأربعة عشر مؤلفا عدد سور كتاب الله تعالى قد شاعت في الأمصار الشاسعة فضلا عن القريبة ووقع بها غاية الانتفاع والله عز وجل المسؤول أن يبارك للإسلام والمسلمين في أوقاته وأن يمتع بحياته آمين ثم آمين:
كلنا عالم بأنك فينا ... نعمة ساعدت بها الأقدار
فوقت نفسك النفوس من بشر ... وزيدت في عمرك الأعمار
وقد اعتنى بشرح مناقبه وفضائله عدة من العلماء والأعلام والجهابذة الفخام منهم: السيد العلامة: إبراهيم بن عبد الله الحوثي.
ومنهم: بعض علماء كوكبان عظماء القدر كبراء الشأن.
ومنهم: السيد العلامة: محمد بن محمد الديلمي.
ومنهم: القاضي العلامة: محمد بن حسن الجني الذماري في كتاب حافل سماه: التقصار في جيد زمن علامة الأمصار.
ومنهم: الحبر العلامة والبحر الفهامة لطف الله جحاف وبالجملة: فمحل القول في هذا الإمام ذو سعة فإن وجدت لسانا قائلا فقل:
زد في العلا مهما تشا رفعة ... وليصنع الحاسد ما يصنع
فالدهر نحوي كما ينبغي ... يدري الذي يخفض أو يرفع
والله المسؤول أن يزيده مما أولاه وأن يصلح لكل منا آخره وأولاه فضلا من رب العالمين وكرما منه سبحانه اللهم آمين. انتهى كلامه رحمه الله. وللمترجم له كتاب: إتحاف الكابر بإسناد الدفاتر ذكر فيه مشائخه الأعلام وأسماء كتبه المقروءة والمسموعة ومروياته على التمام فمن شاء الزيادة فعليه بالكتاب المذكور فإن النظر فيه يقضي العجب العجاب وهذا الذي ذكرناه في هذا الكتاب قطرة من بحر فضائله التي لا تحصى وذرة من وادي فواضله التي لا تستقصى تشهد بذلك مؤلفاته وتنطق به مصنفاته والله يختص برحمته من يشاء وهو الذاب عن شريعة الإسلام باللسان والقلم والمناضل عن الدين النبوي وكم أبدى الحكم ولا عبرة بمن يرميه بما ليس فيه أو ينسبه بمجرد الهوى لقول غير وجيه فلم يضره قول الطاعن عن الحاسد والباغي الجاحد:
وما ضر نور الشمس إن كان ناظرا ... إليها عيون لم تزل دهرها عميا
غير أن الحسد يحمل صاحبه على اتباع هواه وأن يتكلم فيمن يحسده وبما يلقاه وما أحقه بقول القائل:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا علمه ... فالقوم أعداء له وخصوم
فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور نفوسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله وقد روي عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال: كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا اليوم شوكا لا ورق فيه فهذا زمان أبي ذر فما ذاك من زماننا وبأشراره:
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
فالمناسب جمع الخاطر عن علماء الوقت ورفع الهمة عنهم والقناعة بمن مضى من علماء السنة المطهرة واقتصار النظر في كتبهم المحققة هذا وله - رحمه الله تعالى - مؤلفات مفيدة في فنون عديدة والتي وقفت عليها وهي عندي موجودة أيضا كثيرة جدا غير ما ذكر.
منها: كتاب آداب الطلب ومنتهى الأدب.
والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
وإتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر.
وتحفة الذاكرين شرح عدة الحصن الحصين.
وإرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات ردا على موسى بن ميمون الأندلسي اليهودي في ظاهر المستند والزنديق في باطن المعتقد.
والطود المنيف في الانتصاف للسعد على الشريف في المسألة المشهورة التي تنازعا فيها بين يدي تيمورلنك.
وشفاء العلل في زيادة الثمن لمجرد الأجل.
وشرح الصدور في تحريم رفع القبور.
وطيب النشر في المسائل العشر جواب على القاضي: عبد الرحمن.
ورسالة: أجاب بها على الشريف: إبراهيم بن أحمد ابن إسحاق.
ومنها: الصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية لإبطال قول من أوجب غسل الفرجين.
ورسالة: في اختلاف العلماء في تقدير النعاس.
ورسالة: في الرد على القائل بوجوب التحية.
والقول الصادق في حكم الإمام الفاسق.
ورسالة: في حد السفر الذي يجب معه قصر الصلاة.
وله: تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع.
والرسالة المكملة في أدلة البسملة.
وإطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال.
ومنها: رسالة: في الطلاق البدعي يقع أم لا.
ورسالة: الطلاق لا يتبع الطلاق.
ورسالة: في إرضاع الكبير هل يقتضي التحريم أم لا؟
ورسالة: تنبيه ذوي الحجا على حكم بيع الرجا.
ورسالة: القول المحرر في لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر.
وعقود الزبرجد في جيد مسائلا علامة ضمد.
ورسالة: إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع.
ورسالة: زهر النسرين في حديث المعمرين الفائح بفضائل العمرين.
وإتحاف المهرة في الكلام على حديث: لا عدوى ولا طيرة.
وعقود الجمان في بيان حدود البلدان. وأخرى سماها: إرشاد الأعيان إلى تصحيح ما في عقود الجمان ردا على السيد العلامة: حسين بن يحيى الديلمي.
ورسالة: حل الإشكال في أجياد اليهود على التقاط الأزبال وأخرى: ردا على مناقضها السيد العلامة: عبد الله بن عيسى بن محمد الكوكباني التي سماها: إرسال المقال على إزالة حل الإشكال فرد شيخ الإسلام على تعقبه.
بتفويق النبال إلى إرشاد المقال.
ورسالة: البغية في مسألة الرؤية.
والتشكيك على التفكيك.
وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي.
ورسالة: رفع الجناح عن نافي المباح هل هو مأمور به أم لا؟
والعقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين.
والقول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول.
وجواب السائل في جواب: والقمر قدرناه منازل وأمنية المتشوق إلى معرفة حكم المنطق.
وإرشاد المستفيد إلى دفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقييد.
والبحث الملم المتعلق بقوله تعالى: إلا من ظلم.
والبحث المسفر عن تحريم كل مسكر.
وله: الدواء العاجل لدفع العدو الصائل.
ورسالة عجيبة: في رفع المظالم والمآثم.
والدرر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
ورسالة في وجوب التوحيد.
والمقالة الفاخرة في اتفاق الشرائع على الدار الآخرة.
ونزهة الأحداق في علم الاشتقاق.
ورفع الريبة فيما يجوز ولا يجوز من الغيبة.
وتحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل.
وكشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار.
وإشراق النيرين في بيان الحكم: إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين.
ورسالة التسعير.
وكتاب: نثر الجوهر في شرح حديث أبي ذر.
ورسالة: في التحلي بالذهب للرجال.
ورسالة: منحة المنان في أجرة القاضي والسجان.
ورسالة: في مسائل العول. ورسالة: تنبيه الأمثال على عدم جواز الاستعانة من خالص المال.
ورسالة: في الاتصال بالسلاطين.
وقطر الولي في معرفة الولي.
والتوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح.
ورسالة: جيد النقد في عبارة الكشاف والسعد.
وبغية المستفيد في الرد على من أنكر الاجتهاد من أهل التقليد.
والروض الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصار علم البديع.
وفتح الخلاق في جواب مسائل عبد الرزاق ... إلى غير ذلك.
وأما الأبحاث التي اشتمل عليها كتابه: الفتح الرباني وغيره فهي كثيرة جدا لا يسعها هذا المقام.
وكل بحث منها: كالرسالة في بابه وقد وقفت على أكثرها - بحمد الله تعالى - وانتفعت به نفعا عظيما صلح به قلبي وجسدي - وبالله التوفيق وهو المستعان.
الشيخ العلامة القاضي: حسين بن محسن الأنصاري ابن محمد بن مهدي بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن عثمان بن محمد بن عمر بن محمد بن حسين ابن إبراهيم بن إدريس بن تقي الدين بن سبيع بن عامر ابن غبشة بن ثعلبة بن غبشة بن عوف بن مالك بن عمر بن كعب بن الخزرج بن قيس بن سعد بن عبادة ابن دلهم بن حارثة بن خزام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الخزرجي الأنصاري كانت ولادة شيخنا: الحسين في شهر جمادى الأولى سنة 1245هـ ولما بلغ ثلاث عشرة سنة من العمر توجه إلى قرية المراوعة لتحصيل طلب العلم على يد شيخه ومربيه شرف الإسلام وحسنة الليالي والأيام ذي المنهج الأعدل السيد: حسن بن عبد الباري الأهدل فأقام بها ثمان سنين مشتغلا بالطلب في التفسير والحديث والنحو والفقه على شيخه الموصوف وحصلت له منه الإجازة والإسناد كما ذلك معروف ومشهور وأخذ أيضا على أخيه وشقيقه الكبير القاضي العلامة: محمد بن محسن الأنصاري فقرأ عليه صحيح البخاري قراءة بحث وتحقيق من أوله إلى آخره وفي كثير من علوم الحديث والفقه والفرائض وغيرها والشيخ: محمد بن محسن المذكور من الآخذين على شيخه السيد: حسن بن عبد الباري أيضا وحصلت للشيخ: حسين المذكور الإجازة العامة وأيضا الملاقاة بشيخه القاضي العلامة: أحمد بن محمد بن علي الشوكاني في بندر الحديدة وأجازه إجازة عامة بجميع مروياته ومسموعاته وبشيخه الإمام العلامة الشريف: محمد بن ناصر الحازمي بمكة المشرفة في سنوات عديدة وقرأ عليه الأمهات الست قراءة بحث وتحقيق ومسند الدارمي وأوائل الشيخ: محمد سعيد سنبل المدني وشمائل الإمام الترمذي وإجازة بجميع مروياته ومسموعاته إجازة عامة - كما هي موجودة بخطه الشريف.
ورحل إلى مدينة بيدر وأخذ بها على شيخه السيد العلامة: نفيس الدين سليمان بن محمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل مفتي مدينة زبيد حالا عافاه الله تعالى وقرأ عليه أوائل الأمهات وحصل له الإجازة منه بجميع مروياته ومسموعاته كما هي موجودة بخطه الشريف.
هذا والشيخ: حسين بن محسن شيخنا في العلوم الحديثة أخذت عليه أكثر الأمهات الست وغيرها وأجازني بها إجازة عامة تامة كما هي موجودة عندنا بخطه الشريف مكتوبة في: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند وقرأ عليه أيضا: ثمرة الفؤاد ونخبة المراد الولد نور الحسن بارك الله له وعليه وفيه الكتب الحديثة وحصل له منه الإجازة بجميع مروياته ومسموعاته وكتب له الإجازة بخطه الشريف وكم1 له من تلامذة في بلدتنا بهوبال المحمية وهو الغنيمة الكبرى للطالبين والنعمة العظمى للراحلين كان فيما مضى قاضيا ببلدة اللحية: من بلاد اليمن وهو في الحال نزيل بهوبال ومدرس المدرسة الرياسية يدرس ويفيد.
له علم نافع وعمل صالح وفكرة صحيحة وهمة في إشاعة علم الحديث رفيعة ولقاء مبارك جاءنا بمؤلفات علماء اليمن الميمون وأمطر علينا نفائس الكتب كالغيث الهتون كم قد ذهب في طلب كتب الحديث لنا إلى أرض الحجاز وغيرها ورجع من هناك برسائل نفيسة ومجاميع عزيزة وكتب الشروح والمتون ودواوين العلوم على الحقيقة دون المجاز - أحسن الله إليه كما أحسن إلي وتفضل علي - وقد بذلنا في تحصيل هذه الكتب وتلك الصحف مالا جما وجمعناها على يده من بلاد شتى: نحو صنعاء وزبيد وأبي عريش واليمن والحديدة والبصرة ومصر والحرمين الشريفين وهو - عافاه الله تعالى - صرف همته العليا في إشاعة مؤلفاتنا أيضا حتى بلغ بها إلى أقصى اليمن وأبلغها إلى الأماكن البعيدة سوى ما سارت بها الركبان إلى بلاد الله تعالى من هذه البلدة ومن مكة المشرفة - ولله الحمد كل الحمد والمنة.
تقدم في القسم الأول من هذا الكتاب أن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم وقليل من منهم من العرب فالأعاجم هم سباق حلبة العلوم وفرسان معركة المنطوق والمفهوم تعاطوا من دنان الحكم أصفى الحميا وتناولوا من غوامض العلوم ما كان بالثريا ولكن الله تعالى بعث في الأميين رسولا عربيا نسخ جميع الكتب والأديان وجاء الناس باليمن والإيمان وأخذ بنواصي كافة الأمم وألزم طاعته على رقاب العرب والعجم وهذا الفخر كاف للعرب العرباء واف في باب العلياء لا يدانيهم فيه أحد من الأعاجم ولا يبلغ شأوه فرد من الأعاظم.
ولما ورد الإسلام قبل الهند بالإيران والتوران وكشف نوره الأتم أغطية الظلم عن هذه البلدان نشأت العلوم الإسلامية سابقا بتلك البلاد وترعرعت بها أغصان هذا الشجر المياد.
وأما الهند: فقد فتح في عهد الوليد بن عبد الملك على يد محمد بن قاسم الثقفي سنة اثنتين وتسعين الهجرية وبلغت راياته المظلة على الفوج من حدود السند إلى أقصى قنوج سنة خمس وتسعين وبعد ما عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم وبقي الحكام من الخلفاء المروانية والعباسية ببلاد السند وقصد السلطان محمود الغزنوي أواخر المائة الرابعة غزو الهند وأتى مرارا وغلب وأخذ الغنائم وانتزع السند من الحكام الذين كانوا من قبل القادر بالله بن المقتدر العباسي لكن السلطان محمود لم يقم بالهند وكان أولاده متصرفين من غزنين إلى لاهور حتى استولى السلطان: معز الدين سام الغوري على غزنين وأتى لاهور وقبض على خسرو ملك خاتم الملوك الغزنوية وضبط الهند وجعل دهلي دار الملك سنة تسع وثمانين وخمسمائة هـ ومن هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية.
ولما انتشر الإسلام في هذه البلاد وطلعت شموسه البازعة على الأغوار والأنجاد وعلت الكلمة الطيبة في هذه الغبراء واجتمعت بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ظهر بها جمع من العلماء والأدباء الإسلامية الناثرين على بسط الأزمنة لآلي من السحب الأقلامية لكن لم يعمد أحد منهم إلى ضبط تراجمهم ولم يجتن جان زهرا من حواجمهم إلا نزرا يسيرا ولذلك لا ترى من السلف والخلف كتابا مستقلا في هذا الباب لا على طريق الإيجاز ولا على سبيل الإطناب ألا ترى أن عين العلم كتاب مفيد مصنفه على الأصح من أهل الهند كما ذكر ذلك علي القاري في شرحه له على ما صرح به الحافظ: ابن حجر العسقلاني رحمه الله ومع وجود مثل هذا الكتاب لم يعرف واحد من مؤرخي الهند خبره وما أبقى الزمان الجائر مع إبقاء الكتاب أثره ومن ثم اندرست آثار جم غفير من العلماء الأجلاء واندثرت معالم كانت أفلاذ كبد الدهناء:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والخطوب الزواجر
وبالجملة: قد خرج من أرض الهند جماعة كبيرة من العلماء الفضلاء وطلع من بلادها طائفة من النبلاء الأدباء قديما وحديثا وإن لم يسر بذكرهم الركبان سيرا حثيثا وقد كنت يخطر ببالي أن أجمع لتراجمهم كتابا مستقلا لا يغادر صغيرا ولا كبيرا وأرتب لذكرهم سفرا مفردا يثبت لهم ذكرا جميلا وفضلا كثيرا لكن عاقني عن ذلك كثرة الأشغال وتشتت البال من تغير الأحوال حتى لم تتيسر تلك الأمنية إلى الآن فاقتصرت في تذكارهم في هذا الكتاب على ما وجدته في كتاب: سبحة المرجان مع زيادة يسيرة من تراجم المتأخرين الذين هم من العلم والفضل بمكان مكين فأقول وبالله أحول وأصول:
أبو حفص ربيع بن صبيح السعدي البصري: هو من أتباع التابعين وأعيان المحدثين كان صدوقا عابدا مجاهدا أول من صنف في الإسلام.
روى عن: الحسن البصري وعطاء.
وعنه: سفيان الثوري ووكيع وابن مهدي.
قال صاحب المغني: مات بأرض السند سنة ستين ومائة ومن ثم ذكرته في علماء الهند تيمنا بذكره والله الموفق.
مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري: أصله من همدان خرج أبوه سعد منها إلى الهند وورد لاهور في دولة السلاطين الغزنوية ولازم منهم السلطان: إبراهيم فأعطاه عدة من الأعمال واستوطن لاهور وتزوج بها واستولد كثيرا منهم: مسعود المذكور نشأ في كفالة والده واحتظى من العلم والكمال بطريفه وتالده إلى أن فوض إليه السلطان حكومة بعض الأمصار وكان شاعرا مجيدا محبا للشعراء يعطيهم صلات عظيمة على أدنى شعر وكان نديما لسيف الدين محمود بن السلطان إبراهيم. توفي في سنة 515هـ، محبوسا في قلعة نائ وكان لبث في السجن عشرين سنة حفظ هناك القرآن ونظم الأشعار وكان عارفا بالألسنة الثلاثة: العربي والفارسي والهندي صاحب ثلاثة دواوين فيها وديوانه الفارسي متداول في بلاد الهند والإيران ولم يصل أحد من شعراء العجم في الطريقة إليه لا في حسن المعاني ولا في لطف الألفاظ والمباني صرح بذلك: نظامي العروضي في رسالته: جهار مقالة وله شعر حسن منه ما أورده الرشيد الوطواط في: حدائق السحر:
ثق بالحسام فعهده ميمون ... واركب وقل للنصر كن فيكون
ومنه: هذه القطعة في التورية:
وليل كأن الشمس ضلت ممرها ... وليس لها نحو المشارق مرجع
نظرت إليه والظلام كأنه ... على العين غربان من الجو وقع
فقلت لقلبي: طال ليلي وليس لي ... من الغم منجاة وفي الصبر مفزع
أرى ذنب السرحان في الجو طالعا ... فهل ممكن أن الغزالة تطلع
ذكره الأديب: صابر والنسائي الحكيم وجمال الدين عبد الرزاق في أشعارهم وأثنوا عليه ثناء جميلاً.
حسن بن محمد بن حسن بن حيدر العدوي العمري الصغاني الحنفي رضي الدين صاحب مشارق الأنوار أصله من صغان: بلدة من بلاد ما وراء النهر.
وولد بلاهور في سنة 577هـ، وهو من نسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان محدثا لغويا فقيهاً
أخذ العلم عن والده ورحل إلى بغداد وأقام بها مدة له مشاركة في العلوم والتصانيف العديدة المفيدة فيها.
منها: كتاب: الشوارد في اللغات وكتاب الافتعال وكتاب العروض وكتاب مصباح الدجى والشمس المنيرة وشرح البخاري والعباب معجم في اللغة.
توفي ببغداد في سنة 650هـ، أوصى بنقل ميته إلى مكة فدفن بها وكان قد أقام بمكة مجاورا مدة ثم عاد إلى العراق وأرسل برسالة إلى الهند.
وسمع الحديث بمكة وعدن والهند من شيوخ كثيرة وكان إماما دينا عالما متقنا وقد دعا لوقوع موته وقبره بمكة المكرمة في مبدأ مشارق الأنوار حيث قال: أماته بها حميدا فأقبره ثم إذا شاء أنشره فسمع الله تعالى نداءه.
شمس الدين يحيى الأودي: وأود: بلدة قديمة من الهند يقال: بناها شيث بن آدم - عليهما السلام - وكانت دار الإمارة لبعض الرؤساء.
أخذ العلم عن: ظهير الدين البكري وفريد الدين الشافعي شيخ الإسلام بأود وبايع الشيخ: نظام الدين الدهلوي البدايوني وبدايون: بلدة من توابع صوبة دهلي وهي - بكسر الدال وسكون الهاء -: دار الخلافة لسلاطين الهند ذكرها المجد في القاموس: كان عالما جليلا وفاضلا نبيلا مدحه تلميذه الشيخ: نصير الدين بقوله:
سألت العلم: من أحياك حقا ... فقال العلم: شمس الدين يحيى درس بدهلي وانتهت إليه رياسة العلم بها ومات بعد شيخه النظام - رحمه الله - بعدة سنين وتوفي شيخه في سنة 725هـ الهجرية.
الشيخ حميد الدين الدهلوي: كان عالما كبيرا فقيها دينا له شرح على هداية الفقه لم يقصر فيه ذكره في كشف الظنون وأثنى عليه العلامة: ابن كمال توفي في سنة 764هـ الهجرية.
القاضي عبد المقتدر بن القاضي ركن الدين الشريحي الكندي الدهلوي: كان عالما مقتدرا على العلوم الكثيرة بايع الشيخ: نصير الدين الدهولي وأخذ عنه الطريقة وأقام دولة العلم والتدريس وأفاض على الطلبة والمشتغلين عليه أنوار التقديس وكان طريقة شيخه وأكثر خلفائه: المحافظة على سنن الشريعة والاشتغال بدرس العلوم الدينية وكان يقول: الفكر في مسألة واحدة من الشريعة أفضل من ألف ركعة مشوبة بالعجب والرياء.
توفي القاضي في سنة 791هـ، وعمره: ثمان وثمانون سنة ودفن قريبا من الحوض الشمسي الواقع في دهلي وله قصيدة لامية طويلة أولها:
يا سائق الظعن في الأسحار والأصل ... سلم على دار سلمى وابك ثم سل
أورد أكثرها وترك أقلها أزاد في سبحة المرجان وغيره وعليها شرح لبعض العلماء وهي في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: معين الدين العمراني الدهلوي كان فاضلا مشارا إليه بالأنامل درس بدهلي وأرسله السلطان: محمد بن تغلق شاه والي الهند المتوفي سنة 752هـ، إلى القاضي: عضد الإيجي بشيراز والتمس قدومه بالهند فأمسكه السلطان: أبو إسحاق وأكرم الشيخ إكراما بليغا وظهرت منه آثار الفضل والعلم على أهلها وعلمائها له تصانيف منها: الحواشي على الكنز وعلى الحسامي وعلى مفتاح العلوم.
الشيخ: أحمد التانيسري: بلدة بين دهلي ولاهور كان عالما شاعرا من مريدي الشيخ: نصير الدين الدهلوي ولما أخذ تيمور الأعرج دهلي رغب في لقياه واختاره للمجالسة حين توجه من الهند إلى الروم فتأخر عن موكبه وتيمور فتح دهلي في سنة 801هـ، وفتح الروم في سنة 805هـ، فقال مؤرخ للفتح الأول: فتح قريب وللثاني: غلبت الروم في أدنى الأرض ثم هاجر الشيخ من دهلي إلى كالبي واستوطنها واشتغل بالدرس والتعليم إلى أن توفي في داخل قلعتها له شعر جيد حسن وقصيدة بديعة مدح بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أولها:
أطار لبي حنين الطائر الغرد ... وهاج لوعة قلبي التائه الكمد
وأذكرتني عهودا بالحمى سلفت ... حمامة صدحت من لاعج الكبد
وهي مذكورة في السبحة وغيرها.
القاضي: شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي: ولد بدولة: آباد دهلي وتتلمذ على القاضي: عبد المقتدر ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا: معين الدين العمراني وفاق أقرانه وسبق إخوانه وكان أستاذه القاضي يقول في حقه: أتاني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم ولما توجه موكب تيمور إلى الهند خرج الشهاب في صحبة أستاذه خواجكي إلى كالبي فأقام هو بها وذهب الشهاب إلى جونفور: بلدة من صوبة إله آباد كانت دار الخلافة للسلاطين الشرقية خرج منها جمع جم من أهل العلم والشيخوخة فاغتنم السلطان إبراهيم الشرقي قدومه ولقبه: بملك العلماء وهو: درس هناك وألف وأفاد وحرر وأجاد.
ومن مؤلفاته: البحر المواج بالفارسية تفسير والحواشي على كافية النحو والإرشاد: متن التزم فيه تمثيل المسألة في ضمن تعريفها وبديع الميزان في البلاغة وشرح البزدوي في أصول الفقه وشرح قصيدة بانت سعاد ورسالة في تقسيم العلوم ومناقب السادات وغير ذلك
توفي في سنة 849هـ، ودفن بجونفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي.
الشيخ علي بن أحمد المهائمي: من طائفة النوائت1 قوم في بلاد الدكن ومهائم بندر من بنادركوكن وهي ناحية من الدكن مجاورة للبحر المحيط وكان الشيخ من علمائها الصوفية وكان مثبتا للتوحيد الوجودي مقتفيا بالشيخ ابن عربي توفي سنة 835هـ، ودفن بها.
له مصنفات تدل على غزارة علمه وكمال قدرته على العلوم منها: التفسير الرحماني والزوارف شرح العوارف وشرح فصوص الحكم وشرح النصوص للشيخ صدر الدين القونوي وأدلة التوحيد ورسالة عجيبة: استخرج فيها من وجوه الإعراب في قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ما يبلغ عدده2 إلى اثني عشر كرورا وثلاثة وثمانين لكا وأربعة وأربعين ألفا وخمسمائة وأربعة وعشرين وجها ويكتب ذلك بالهندسة هكذا: 128344524، ذكر جملة صالحة من بيان ذلك في سبحة المرجان في آثار هندوستان فليرجع إليه.
الشيخ: سعد الدين الخير آبادي: بلدة من صوبة أود كان أبو الشيخ قاضيا بهذه البلدة فمات وتركه صغيرا فحفظ القرآن الكريم في صغره ولما بلغ أشده تتلمذ على مولانا أعظم اللكنوي: بلدة من بلاد بورب ولبس الخرقة من الشيخ مينا المتوفي في سنة 874هـ، وجلس للتدريس والإرشاد فأفاد وأجاد وأوصل المريدين إلى المراد وحرر شروحا غراء على الكتب المتداولة مثل: شرح البزدوي وشرح الحسامي وشرح الكافية وشرح المصباح وشرح رسالة شيخه مينا وكلما ينقل فيها قولا من شيخه يقول: قال شيخي الشيخ مينا - أدامه الله فينا - عاش حصورا على طريقة شيخه الأمجد حتى لقي من لم يلد ولم يولد ودفن بخير آباد وقبره يزار.
الشيخ: عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي: بفتح التاء بلدة بقرب ملتان كان رأسا في العلوم النقلية والعقلية مدرسا في وطنه زمانا طويلا ثم هاجر منه إلى دهلي وأوى إلى السلطان إسكندر اللودي فاستوى فلكه على الجودي فأكرمه السلطان ونفع الله به أهل الزمان إلى أن توجه في سنة 922هـ إلى جنة المأوى وكان تاريخه: أولئك لهم الدرجات العلى وقبره بدهلي ومن مؤلفاته: شرح ميزان المنطق. الشيخ الهداد الجونفوري: ومعناه: عطية الله تتلمذ على الشيخ الفاضل: عبد الله التلنبي وبايع راجي حامد شاه المانكفوري: بلدة من صوبة إله آباد صرف عمره في الإفادة وحرر الحواشي على المتون والشروح كشرح هداية الفقه في عدة مجلدات وشرح البزدوي والحواشي على الحواشي الهندية والحاشية على تفسير المدارك.
الشيخ علي المتقي بن حسام الدين عبد الملك بن قاضي خان القادري الشاذلي المدني الجشتي.
أصله: من جونفور.
مولده: برهانفور: من بلاد الدكن.
تتلمذ على الشيخ: حسان الدين الملتاني وغيره من العلماء ثم سافر في سنة 953هـ، إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ: أبا الحسن البكري وتلمذ عليه.
يقول البكري: للسيوطي منه على العالمين.
وللمتقي منه عليه اشتغل بالتدريس والتأليف ورتب جمع الجوامع للسيوطي على أبواب الفقه تزيد مؤلفاته على المائة وكان الشيخ: ابن حجر المكي الفقيه الشافعي صاحب الصواعق المحرقة أستاذه وفي الآخر تتلمذ عليه ولبس الخرقة منه.
توفي رحمه الله في سنة 975هـ. ذكر له الشيخ: عبد الحق الدهلوي ترجمة حافلة في المقصد الأول من كتابه: زاد المتقين في سلوك طريق اليقين وأثنى عليه كثيرا وحرر أحواله الشريفة في أبواب خمسة بإيضاح تام.
وللشيخ عبد الوهاب المتقي كتاب سماه: إتحاف التقي في فضل الشيخ: علي المتقي أبان فيه عن فضائله الكثيرة وهو حقيق بذلك وقد وقفت على تواليفه فوجدتها نافعة مفيدة ممتعة تامة.
الشيخ محمد طاهر الفتني: صاحب: مجمع البحار في غريب الحديث وفتن: بلدة من بلاد كجرات.
تلمذ على علماء بلده وصار رأسا في العلوم الحديثة والأدبية ورحل إلى الحرمين الشريفين وأدرك علماءهما ومشائخهما سيما الشيخ: علي المتقي وذكره في مبدأ كتابه: مجمع البحار وأثنى عليه ثناء حسنا جميلا وعاد إلى بلده وقصر همته على إفادة العلوم وكانت طريقته الاشتغال بعمل المداد وإعانة كتبة العلوم بهذا الإمداد حتى في حالة الدرس أيضا يشتغل بحله.
له: المغني في أسماء الرجال وتذكرة الموضوعات وعزم على كسر البواهير المهدوية الذين كانوا قومه وعهد أن لا يربط العمامة على رأسه حتى يزيل تلك البدعة فلما استولى السلطان: أكبر والي دهلي في سنة 940هـ على كجرات واجتمع بالشيخ ربط العمامة بيده على رأس الشيخ وقال: على ذمة معدلتي نصرة الدين وكسر الفرقة المبتدعين وفق إرادتك وكان قد فوض حكومة كجرات إلى أخيه الرضاعي: ميرزا عزيز كوكه الملقب: بالخان الأعظم فأعان الشيخ وأزال رسوم البدعة مهما أمكن ثم عزل الخان الأعظم ونصب مكانه عبد الرحيم خان خانان وكان شيعيا فاعتضد به المهدوية وخرجوا من الزوايا ورموا السهام على الخبايا فحل الشيخ العمامة عن رأسه وانطلق إلى أكبر بادشاه وكان في مستقر الخلافة آكره فتبعه جمع من المهدوية سرا وهجموا عليه في حوالي أجين وقتلوه سنة 986هـ، فاستشهد ونقل جسده إلى فتن ودفن في مقابر أسلافه وكان صديقي النسب من جهة أمه وأصله من البواهير1 وأسلافهم جديدو الإسلام.
وبيوهار: في الهندية: التجارة وبوهره: التاجر.
وقد ذكر الشيخ: عبد الحق الدهلوي ترجمته في أخبار الأخيار وذكرتها أنا في إتحاف النبلاء وأيضا أفردت ترجمتها في رسالة مستقلة ألحقتها في أوائل مجمع البحار.
قال الشيخ2 عبد الوهاب المتقي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرؤيا فقلت: من أفضل الناس في هذا الزمان يا رسول الله؟ فقال: شيخك ثم محمد طاهر ويا لها من رؤيا تفضل على اليقظة.
وكتابه: مجمع البحار قد طبع بالهند لهذا العهد واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار وهو كتاب جمع فيه كل غريب الحديث وما ألف فيه فجاء كالشرح للصحاح الستة فإن لم يكن عند أحد شرح لكتاب من الأمهات الست فهذا الكتاب يكفيه لحل المعاني وكشف المباني وهو كتاب متفق على قبوله متداول بين أهل العلم منذ ظهر في الوجود - وبالله التوفيق.
الشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي: كان وجيها في الدنيا والآخرة وعالما عارفا ذا المناقب الفاخرة.
ولد في سنة 911هـ، في جابانير من بلاد كجرات ونشأ بها وارتحل في طلب العلم وأخذ من ملا عماد الطارمي من أعيان علماء العصر ولبس الخرقة من الشيخ: قاضن واستفاد من الشيخ: محمد غوث الكواليري صاحب: الجواهر الخمسة حين ورد بكجرات. وتوفي في سنة 998هـ، ودفن بها.
وتاريخ وفاته: لهم جنات الفردوس نزلاً.
وله المصنفات الكثيرة منها: حاشية تفسير البيضاوي وشرح النخبة في أصول الحديث وحاشية العضدي وحاشية التلويح وحاشية البزدوي وحاشية هداية وحاشية شرح الوقاية وحاشية المطول وحاشية المختصر وحاشية شرح التجريد وحاشية الأصفهاني وحاشية شرح العقائد للتفتازاني وحاشية الحاشية القديمة للمحقق الدواني وحاشية شرح المواقف وحاشية شرح حكمة العين وحاشية شرح المقاصد وحاشية شرح الجغميني وحاشية شرح الحامي وشرح الإرشاد للشهاب في النحو ... إلى غير ذلك مما لا يحصى.
الشيخ أبو الفيض المتخلص: بفيضي الأكبر آبادي: كان فاضلا جيدا وشاعرا مجيدا مفلقا
بارعا في العلوم العقلية والأدبية.
ولد بآكرة في سنة 954هـ، وتتلمذ على أبيه الشيخ: مبارك صاحب التفسير المسمى: بمنبع عيون المعاني المتوفى سنة 1001هـ إحدى وألف.
أخذ عنه الفنون المتداولة وحصل الفراغ منها وهو ابن أربع عشرة سنة وخاض كثيرا بالحكمة والعربية واختص بمزيد قربة السلطان أكبر ملك الهند ولقب: بملك الشعراء وله قصائد في مدحه وأبيات ديوانه الفارسي: خمسة عشر ألف بيت شعر وله تصانيف تدل على اقتداره في اللسان العربي منها: موارد الكلم في الأخلاق وترجمة ليلاوتي1 وأجل مصنفاته: سواطع الإلهام في تفسير القرآن الكريم الغير المنقوط صنفه في سنتين وأتمه في سنة 1002هـ، يدل على إطالة يده في علم اللغة وأنا وقفت عليه وذكره في كشف الظنون وكان فيضي على طريقة الحكماء وكذا إخوانه أبو الفضل وغيره وكانوا معروفين بانحلال العقائد وسوء التدني والإلحاد والزندقة نعوذ بالله منها توفي في سنة 1004هـ، ودفن عند قبر أبيه بآكرة.
السيد صبغة الله البروجي: بلدة من كجرات. أخذ العلوم عن الشيخ: وجيه الدين الكجراتي واشتغل بالتدريس والإرشاد برهة ثم رحل إلى مكة والمدينة وغيرهما وعاد إلى بروج ثم ارتحل إلى مالوه وأقام في أحمد نكر: من بلاد الدكن عند سلطانها: برهان الملك ثم سافر إلى الحرمين الشريفين ودخل بيجابو فخدمه السلطان إبراهيم وهيأ له أسباب السفر فدخل المدينة وسكن بجبل أحد وعرب الجواهر الخمسة وحرر عليه تلميذه الشيخ: أحمد الشناوي حاشية وذكر له الشيخ: محمد عقبلة المكي ترجمة حسنة في كتابه: لسان الزمان وله: كتاب الوحدة ورسالة: إراءة الدقائق في شرح مرآة الحقائق وما لا يسع المريد تركه كل يوم من سنن القوم
توفي بالمدينة سنة 1015هـ الهجرية وقبره بها.
الشيخ أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين الفاروقي السهرندي بلدة عظيمة بين دهلي ولاهور وهو المعروف: بمجدد الألف الثاني.
كان عالما عاملا عارفا كاملا ينتهي نسبه إلى الفاروق.
ولد في سنة 971هـ، حفظ القرآن وقرأ على أبيه أولا واستفاد منه جما من العلوم ثم ارتحل إلى سالكوت وتتلمذ على المحقق: كمال الدين الكشميري بعض المعقولات بغاية من التحقيق وأخذ الحديث عن: الشيخ يعقوب المحدث الكشميري وكان صاحب كبراء المحدثين بالحرمين الشريفين وأسند الحديث عنهم وتناقل الحديث المسلسل بالرحمة بواسطة واحدة عن الشيخ: عبد الرحمن بن فهد - من كبراء المحدثين في زمانه بالهند - وتعاطى عنه إجازة كتب التفسير والصحاح الست وسائر مقروءاته.
وروى الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي: بهلول البدخشاني عن ابن فهد المذكور ولعله هو الواسطة في الإجازة بينهما وفرغ من التحصيل في عمر سبعة عشرة سنة واشتغل بالتدريس.
وله: رسائل لطيفة باللسان العربي والفارسي.
وجاء إلى دهلي في سنة 1002هـ، وأخذ الطريقة النقشندية عن خواجة عبد الباقي عن خواجه إمكنكي عن أبيه مولانا: درويش محمد عن خاله مولانا: محمد زاهد عن خواجه: عبيد الله أحرار وكذا الطرائق الأخرى عن شيوخ أخر ووصلت سلسلته من الهند إلى ما وراء النهر والروم والشام والعرب وأقصى المغرب مثل: فاس وغيرها.
وله مكتوبات في ثلاثة مجلدات هي حجج قواطع على تبحره وسمعت أنه عربها بعض العلماء ولكن لم أر المعربة وحبسه السلطان: جهانكير في حصن كواليا على عدم سجدة التعظيم منه له وإليه أشار آزاد في غزله:
لقد برع الأقران في الهند ساجع ... وجدد فن العشق يا للمغرد
فلا عجب أن صاده متقنص ... ألم تر في الأسلاف قيد المجدد
ولما حبس لبث في السجن ثلاث سنين ثم أطلق وأقام في العسكر يدور معه ثم عاد إلى سهرند والعود أحمد ثم توفي في سنة 1034هـ، وله ثلاث وستون سنة دفن بسهرند.
ومن مؤلفاته: الرسالة التهليلية ورسالة: إثبات النبوة ورسالة: المبدأ والمعاد ورسالة: المكاشفات الغيبية ورسالة: آداب المريدين ورسالة: المعارف اللدنية ورسالة: رد الشيعة وتعليقات العوارف ... إلى غير ذلك.
ومن إفاداته أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود وبين وحدة الشهود وبين أن وحدة الوجود تعتري السالك في أثناء سلوكه فمن ترقى مقاما أعلى من ذلك تتجلى له حقيقة وحدة الشهود فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية ثم إنه باحث الملاحدة في زمانه وجادلهم بقلمه ولسانه ورد على الروافض وحقق الفرق بين البدعة والسنة وأقيسة المجتهدين واستحسانات المتأخرين والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير وما أحدثه الناس في القرون المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم فرد بذلك مسائل مما استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه وكان فقيها ماتريديا حريصا على اتباع السنة مجتهدا فيه قليل الخطأ في دركه والمسائل المعدودة التي شدد بعض أهل العلم النكير بها عليه فالصواب أن لها تأويلا وقد شاركه فيها غيره ممن لا يحصى كثرة فليس إذا يخصه الإنكار.
ومن أبنائه: الشيخ محمد سعيد الملقب: بخازن الرحمة له حاشية على المشكاة توفي في سنة 1020هـ، والشيخ: محمد معصوم يلقب: بالعروة الوثقى له مجموع من مكاتيبه مفيد توفي في سنة 1077هـ.
وكان لهما أخ ثالث: يقال له: الشاه محمد يحيى أخذ عن أخويه وهو الذي خالفهم في مسألة الإشارة بالسبابة توفي في سنة 1098هـ. ومن أجلة أصحابه المتأخرين: الشيخ شمس الدين العلوي من ذرية محمد ابن الحنفية المعروف: بميرزا مظهر جانجان كان ذا فضائل كثيرة وقرأ الحديث على الحاج السيالكوني وأخذ الطريقة المجددية عن أكابر أهلها كان له في اتباع السنة والقوة الكشفية شأن عظيم.
وله شعر بديع ومكاتيب نافعة وكان يرى الإشارة بالمسبحة ويضع يمينه على شماله تحت صدره ويقوي قراءة الفاتحة خلف الإمام عام وفاته.
عاش حميداً مات شهيداً.
ومن أجلة أصحاب جانجان: القاضي ثناء الله الأموي العثماني من أهل بلدة باني بت: بقرب دهلي كان فقيها أصوليا زاهدا مجتهدا له اختيارات في المذهب ومصنفات في الفقه والتفسير وكان شيخه المظهر يفتخر به رأيت له مؤلفات على مذهب النعمان بالفارسية والعربية وبعضها موجود عندي رحمه الله تعالى.
الملا عصمة الله السهارنفوري: قصبة من: صوبة دهلي كان مكفوف البصر مكشوف البصيرة أفنى عمره في خدمة العلم والتدريس وهو من مشاهير العلماء.
وله تصانيف مفيدة منها: الحاشية على شرح الجامي توفي في سنة 1039هـ.
الشيخ عبد الحق الدهلوي: وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي رزق من الشهرة قسطا جزيلا وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا وحفظ القرآن وجلس على مسد الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ورحل إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ: عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ: علي المتقي واكتسب علم الحديث وعاد إلى الوطن واستقر به اثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن ونشر العلوم وترجم كتاب المشكاة بالفارسي وكتب شرحا على سفر السعادة وبلغت تصانيفه مائة مجلد.
ولد في محرم سنة 958هـ، وتوفي سنة 1052هـ، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسى القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني وكان ذا عصبية في المذاهب الحنفية وانتقد كلامه في مواضع من مؤلفاته وكان ينال من الشيخ أحمد السهرندي ثم تاب واستغفر ولما وردت بدهلي حضرت على مزاره وزرته فوجدت موضع القبر مؤنسا بردا عفا الله عنه ما كان منه من شدة التقليد وتأويل الأحاديث بمجرد رأي وحفظ للمذهب وغلو في اعتقاد الأولياء ولم يكن يعرف علم الحديث على وجهه بل على جهة الإجازة والاستجارة كما يلوح ذلك من مصنفاته وإنما كان له اليد الطولى في الفقه الحنفي الذي عليه نشأ وفيه درج - ولكل جواد كبوة وعفو الله يسع كل هفوة.
الشيخ نور الحق بن الشيخ عبد الحق الدهلوي: المذكور - تتلمذ على أبيه وولاه السلطان شاهجهان قضاء آكره فأدى هذا المنصب في نهاية الديانة والسداد له تصانيف كثيرة منها: ترجمة الصحيح للبخاري بالفارسية
عاش تسعين سنة ومات سنة 1073هـ الهجرية.
ملا محمود الفارقي الجونفوري: صاحب كتاب: شمس البازغة في الحكمة وكان علامة الإشراقين ونقاوة المشائين. وجونفور: من بورب وهو ملك وسيع في الشرقي من دهلي عبارة عن ثلاث صوب1 أود: إله آباد وعظيم آباد تتلمذ ملا على جده الشيخ: شاه محمد المتوفي سنة 1032هـ وعلى أستاذ الملك الشيخ: محمد أفضل الجو نفوري وفرغ عن تحصيل العلوم وهو ابن سبع عشرة سنة.
له تصانيف شهيرة منها: الفرائد شرح الفوائد2 وعلق عليه حاشية أحسن فيها كل الإحسان روي أنه لم يصدر عنه في تمام العمر قول يرجع عنه وكان يجيب السائل إن كان خاطره حاضرا أو يقول: خاطري في هذا الوقت غير حاضر.
قال مؤلف الصبح الصادق - وهو من تلامذته -: رحل الشيخ إلى آكره ولقي آصف خان من أعاظم أمراء السلطان شاهجهان وكنت معه في هذا السفر ثم عاد إلى جونفور واشتغل بالتدريس. انتهى.
له: رسالة في أربعة أوراق بالفارسية في أقسام النسوان خالية عن الأمثلة لأن الفرس مغازلتهم بالأمارد لا بالخرائد.
توفي في سنة 1062هـ، فحزن عليه أستاذه حزنا عظيما ولم يتبسم أربعين يوما ثم لحق بالتلميذ.
قال السيد آزاد: ولا ريب أنه لم يظهر في الهند مثل الفاروقيين أحدهما: في علم الحقائق وهو الشيخ: أحمد السهرندي والثاني: في العلوم الحكمية والأدبية وهو: ملا محمود - صاحب الترجمة. انتهى.
ثم ذكر كلامه على مسألة الحدوث الدهري التي اخترعها: مير محمد باقر الاسترآبادي من الشمس البازغة.
الشيخ: محمد أفضل الجونفوري: كان أفضل فضلاء عصره وأمثل علماء دهره في العقليات والنقليات وكان حصورا تقيا حسن الخلق سليم المزاج مقيما لدولة العلم والتدريس هو وتلامذته بجو نفور أجلهم وأشرفهم: ملا محمود المذكور مات من حزن موت تلميذه المسطور في سنة 1062هـ كما تقدم.
ملا عبد الحكيم السيالكوئي الفنجابي: نسبة إلى: بنجاب: معرب ببجاب وهو ملك وسيع في الغربي من دهلي عبارة عن صوبتين: لاهور وملتان.
ولد بسيالكوت: بلدة من توابع لاهور وقام في سن التمييز على طلب العلم وتتلمذ على ملا كمال الدين الكشميري نزيلها الذي كان أستاذ المجدد السهرندي واشتغل بإفادة العلوم في عهد السلطان جهانكير ولما جلس ابنه شاهجهان على سرير المملكة وتصدى لترويج العلم والعلماء جاء ملا إلى سدته مرارا ووزنه السلطان مرتين في الميزان وأعطاه في كل مرة ستة آلاف من الربابي3 وأنعم عليه قرى متعددة بها كان يعيش ويدرس ويصنف حتى توفي في سنة 1097هـ، ودفن ببلده.
له: حواشي تفسير البيضاوي ومقدمات التلويح والمطول والشريفية وشرح العقائد التفتازانية والعقائد الدوانية وحاشية على الخيالي وعلى شرح الشمسية وعلى عبد الغفور وعلى شرح المطالع والدرة الثمينة في إثبات الواجب تعالى والحواشي على هوامش "شرح حكمة العين" وعلى "شرح هداية الحكمة للميبذي" وعلى هوامش مراح الأرواح.
الشيخ عبد الرشيد الجونفوري الملقب: بشمس الحق تتلمذ على الشيخ: فضل الله اشتغل بالتدريس ثم أقبل على كتب الحقائق سيما تصانيف ابن عربي وأول كلامه على محامل حسنة ونأى بجانبه عن اختلاط الأمراء والأغنياء واستطلبه السلطان شاهجهان وأرسل إليه كتابا صحبة رسول مهذب فلبى ولم يخرج من زاوية العزلة حتى لقي الله عز وجل في تحريمة صلاة الفجر.
ولد سنة 1083هـ له تصانيف مفيدة:
منها: الرشيدية في المناظرة وزاد السالكين وشرح أسرار الخلوة لابن عربي والحواشي المتفرقة على: مختصر العضدي وعلى الكافية ومقصود الطالبين في الأوراد وديوان الشعر بالفارسية عفا الله عنه.
مير زاهد بن القاضي محمد أسلم الهروي الكابلي: ولد بالهند ونشأ بها وقرأ على أبيه وغيره من علماء الهند وكان ذا ذهن ثاقب وفكر صائب فسبق في التدقيق السابقين وتفرد في الحاضرين وانسلك إلى السلطان شاهجهان فجعله محرر وقائع كابل في سنة 1062هـ، ولما تولى السلطان عالمكير ارتحل إلى معسكره فولاه احتساب عسكره سنة 1077هـ، ثم طلب منه صدارة كابل فسلمها له فعاد إلى كابل وزين بها دست الإفادة ومتع الطلبة بالحسنى وزيادة.
له: حاشية شرح المواقف وشرح التهذيب للدواني وحاشية التصور والتصديق للقطب الرازي وحاشية شرح الهياكل قال آزاد: سألت أسلم خان ابن الابن لمير محمد زاهد عن عام وفاته؟ فقال: سنة 1101هـ، ثم ذكر شيئا من تحقيقه في العلم وأنه من أي مقولة.
القاضي محمد أسلم والد: مير زاهد ولد بهرات وهو من أحفاد: خواجه كوهي من مشائخ خراسان دخل القاضي لاهور لطلب العلم وتتلمذ على الشيخ بهلول من صناديد العلماء بها ثم قصد السلطان جهانكير بآكره واعتنى السلطان بشأنه لكونه من قربى مولانا: كلان المحدث أستاذ السلطان وولاه قضاء كابل واشتهر بالتدين في أمور القضاء ثم ولاه قضاء عسكره ولما جلس شاهجهان قرره على القضاء وزاد عليه المنصب الهزاري1 واستمر على القضاء ثلاثين سنة في نهاية الديانة والأمانة وكان موردا للعنايات السلطانية إلى الغاية حتى وزنه السلطان في الميزان وجاء في كفته: ستة آلاف وخمسمائة من الربابي توفي سنة 1061 الهجرية ودفن بلاهور. مولانا: كلان هو: السبط لخواجه كوهي أخذ العلوم الدرسية بكمالها والحديث: عن ميرك شاه الشيرازي وصحب مشائخ كثيرة وحج ودخل الهند وتوفي بها سنة 983هـ، وهو ابن مائة سنة ودفن بآكره وكان أستاذ جهانكير بن أكبر شاه وأخذ عنه الحديث جماعة كثيرة من أهل الهند وهو من شيوخ: علي القاري.
قال في المرقاة شرح المشكاة: إني قرأت بعض أحاديث المشكاة على مولانا الشهير: بمير كلان وهو قرأ على زبدة المحققين: ميرك شاه وهو على والده السيد السند: جمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب وهو على عمه السيد: أصيل الدين الشيرازي. انتهى.
ملا: قطب الدين الشهيد السهالوي: نسبة إلى قصبة سهالي من أعمال لكهنؤ وشيوخها فريقان:
فرق أنصاري.
وفريق عثماني ورياستها تتعلق بكليهما فملا: من الأنصار أخذ العلوم عن ملا: دانيال الجوراسي نسبة إلى جوراس: قصبة من بورب وهو تلميذ ملا: عبد السلام الديوي نسبة إلى ديوه: قصبة من بورب أيضا وعن القاضي: كاشي وهو تلميذ محب الله الإله آبادي صاحب رسالة التسوية في التصوف وشارح الفصوص بالفارسية وكان الشيخ قطب الدين مقداما في العقليات والنقليات وإليه انتهى رياسة العلم والتدريس في بورب وسلسلة تتلمذ أكثر علماء بورب وغيره تنتهي إليه هجم العثمانية ليلة على داره فقتلوه وأحرقوا داره فمات سنة 1103هـ له: حاشية على شرح العقائد الدوانية في غاية الدقة.
السيد: قطب الدين الشمس آبادي أصله من سادات أميئهي قصبة من قصبات بورب رحل عنها إلى الشمس آباد قصبة من توابع قنوج وتوطن بها وهو قطب العلماء والمدار عليه للفضلاء.
تتلمذ على ملا: قطب الدين - المذكور - وغيره من أساتذة العصر ودرس إلى آخر العمر بشمس آباد.
تتلمذ عليه خلق كثير وكان من القانعين تمر الأيام ولا توقد في بيته نار ويقاسي الفاقات ولا يظهر الحاجات ويدرس طلق الوجه واللسان والحالة هذه وهذا مقام لا يثبت فيه إلا من رزق القوة من الله تعالى.
مات رحمه الله سنة 1121هـ الهجرية وهو ابن سبعين سنة.
القاضي: محب الله البهاري: نسبة إلى بهار: بكسر الموحدة بلدة عظيمة في شرقي بورب تعرف في القديم بالصوبة ثم أطلق ذلك على: بئنة والبلدتان متصلتان.
ولد القاضي بموضع كره من توابع محب على فور وهي معمورة من مضافات بهار وعشيرة القاضي تعرف بملك والقاضي جاب ديار بورب وأخذ أوائل الكتب الدرسية من مواضع شتى ثم انقطع برمته إلى حوزة درس القطب الشمس آبادي فصار بحرا من العلوم وبدرا بين النجوم ورحل إلى الدكن ولازم السلطان عالمكير فولاه قضاء لكهنؤ ثم بعد مدة قضاء حيدر آباد - وهي دار الإمارة للديار الشرقية من دكن - ثم عزله ثم أمره بتعليم ابن ابنه: رفيع القدر بن محمد معظم ثم لما فوض عالمكير في آخر عمره حكومة كابل إلى ابنه: محمد معظم الملقب: بشاه عالم وسافر هو مع ابنه: رفيع القدر من الدكن إلى كابل صحبه القاضي ولما توفي عالمكير في الدكن سنة 1118هـ، وانتهض شاه عالم من كابل إلى الديار الهندية أعطى القاضي منصبا جليلا وولاه صدارة ممالك الهند كلها ولقبه: بفاضل خان سنة 1119هـ، فتوفي في هذه السنة. ومن مؤلفاته: سلم العلوم في المنطق ومسلم الثبوت في أصول الفقه والجوهر الفرد في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ وهذه الثلاثة: مقبولة متداولة في مدارس العلماء.
الحافظ: أمان الله بن نور الله بن حسين البنارسي بلدة من بلاد بورب وهي معبد الهنود حفظ القرآن وبرع في المعقول والمنقول وتبحر في الفروع والأصول له: كتاب المفسر في أصول الفقه وكتب عليه شرحا سماه: محكم الأصول وله حواش على تفسير البيضاوي والعضدي والتلويح والحاشية القديمة وشرح المواقف وحكمة العين وشرح عقائد الدواني والرشيدية في المناظرة.
وله: محاكمة بين مير باقر الإسترآبادي وملا محمود الجونفوري في مسألة الحدوث الدهري وكان متقلدا بصدارة لكهنؤ من قبل السلطان عالمكير وكان محب الله البهاري قاضيا بها وكانا يجتمعان وتجري بينهما مباحث علمية توفي في بنارس سنة 1133هـ، ودفن بها.
الشيخ: غلام نقشبند بن الشيخ: عطاء الله اللكهنوي: تتلمذ على مير: محمد شفيع الدهلوي وهو على الشيخ: عطاء الله والد الشيخ: غلام نقشبند وفرغ من التحصيل على شيخ شيخه بير: محمد اللكهنوي وصار خليفة له ونفع خلقا كثيرا بالتدريس والتلقين ولاقاه شاه: عالم بن عالمكير فأكرمه وكان حاميا لحمى الشريعة الغراء وحارسا لبيضة الملة البيضاء.
توفي في سلخ رجب سنة 1126هـ، ودفن بلكهنؤ.
له: تفسير لربع القرآن وحواشيه وتفسير بعض السور القرآنية وكتاب: فرقان الأنوار واللامعة العرشية في مسألة وحدة الوجود وشرح القصيدة الخزرجية في العروض وغيرها وهو أستاذ السيد: عبد الجليل البلكرامي جد مير: آزاد من جهة الأم والله أعلم.
الشيخ: أحمد المعروف: بملا جيون الصديقي الأميبهوي: وجيون: بالهندية: الحياة حفظ القرآن وتنقل في قصبات بورب وأخذ العلوم الدرسية من علمائها وفرغ من التحصيل عند ملا: لطف الله الكوروي وكوره: بضم الكاف: بلدة من نواحي بورب ثم رحل إلى السلطان عالمكير فأكرمه وراعى أدبه إلى الغاية وكذلك يحترمه شاه: عالم وغيره من أولاد السلطان وكان ذا حافظة قوية يقرأ عبارات الكتب الدرسية صفحة صفحة وورقة ورقة من غير أن ينظر في الكتاب وكان يحفظ قصيدة طويلة بسماع دفعة واحدة حج وعاد إلى الهند ودرس وألف وتوفي بدار السلطنة: دهلي سنة 1130هـ، ونقل جسده إلى أميهي ودفن بها.
له: التفسير الأحمدي يختص بآيات الأحكام الفقيهة ونور الأنوار في شرح المنار في أصول الفقه على طريقة الحنفية وفيهما الرطب واليابس.
السيد: عبد الجليل بن السيد: أحمد الحسيني الواسطي البلكرامي: ولد ببلكرام قصبة عظيمة بقرب قنوج وهي بلدة مشهورة مذكورة في القاموس يرجع نسبه إلى علي العراقي من نسل زيد الشهيد.
كان علامة بارعا وكوكبا ساطعا مزج العلم بالطهارة وصاغ الزهد في الإمارة.
ولد في سنة 1071هـ، بمحلته: ميدان فوره ونشأ بهذه المعمورة.
أخذ العلوم ولقي الجهابذة. وسمع الحديث عن السيد: مبارك المحدث الواسطي الحسيني البلكرامي المتوفى سنة 1105هـ، وهو أخذ عن الشيخ: نور الحق وهو عن أبيه الشيخ: عبد الحق.
وتأدب على الشيخ: غلام نقشبند اللكهنوي وتفنن في الفنون العالية سيما التفسير والحديث والسير وأسماء الرجال وتاريخ العرب والعجم.
وأما اللغة: فحسابها في بنانه وكان القاموس على لسانه.
وأما الأدب: فهو معدن جواهره ولجة عنابره كان عارفا بالعربية والفارسية والتركية والهندية وتكلم بالأربعة المذكورة في غاية الطلاقة وأنشأ في كل منها أشعارا في نهاية الرشاقة
واجتمع بالسيد: علي معصوم صاحب: سلافة العصر بأورنك آباد فقال: ما رأيت لهذا السيد بالهند نظيرا لازم السلطان عالمكير فأعطاه عمل بخشيكري ووقائع نكاري - بلدة كجرات من بلاد فنجاب ثم بلدة بكر وبلدة سيرستان من: بلاد السند فعمل فيها بالسيرة الحسنى وتقررت عليه هذه الأعمال في الطبقات التي بعد عالمكير وعاد في سنة 1126هـ من بكر إلى شاهجهان آباد ولازم السلطان: فرخ سير ثم استعفى عن الخدمات وفوض خدمته إلى ابنه السيد: محمد وأتى بلكرام فتتلمذ عليه حفيده: السيد آزاد ثم رجع بعد سنة إلى دهلي وأقام بها.
وتوفي في سنة 1138هـ، ونقل جسده إلى بلكرام ودفن بها في: بستان محمود وخرج من التابوت سالما قال آزاد في تاريخ وفاته: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وأيضا: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} ومن تفرداته دليل هندسي على إبطال جزء لا يتجزأ ذكره في سبحة المرجان ومن أشعاره الفصيحة البليغة:
يا صاح لا تلم المتيم في الهوى ... هو عاشق لا ينثني عن خله
يأبى الدواء سقامه كعيونه ... فعلى الطبيعة يا معالج خله
حبيبي قوس حاجبه كنون ... وصاديد ابن مقلة شكل عينه
لعمري أنه نص جلي ... على أن الرماية حق عينه
ذكر له حفيده السيد: آزاد ترجمة حافلة في سرد آزاد وتسلية الفؤاد وغيرهما من مؤلفاته وذكر من أشعاره وفضائله شيئا كثيرا لا نطول بذكرها الكلام ونظم في مدحه قصائد عظاما منها: قصيدته المشهورة التي أولها:
أدرك عليلا لقاء منك يكفيه ... وطرفك الناعس الممراض يشفيه
السيد علي بن السيد: أحمد بن السيد: المعصوم الدشتكي: هو من مشاهير الأدباء وصناديد الشعراء بيته بشيراز بيت العلم والفضل والمدرسة النظامية بها منسوبة إلى جدة مير: غياث الدين منصور والسيد اشتهر: بعلي المعصوم تزوج بأخت شاه عباس الثاني الصفوي وتوطن مكة المكرمة وولد له من بطنها السيد: أحمد نشأ بمكة واكتسب العلوم وفاق الأقران.
ثم إن مير: محمد سعيد المخاطب: بمير جملة وزير السلطان: عبد الله قطب شاه والي حيدر آباد من بلاد الدكن طلبه إلى حيدر آباد فزوج قطب شاه بنته بالسيد أحمد وما جاء له منها ولد وكان قد تزوج قبل خروجه من مكة إلى الدكن بمكة وتولد السيد: علي بالمدينة ولما مات قطب شاه وتملك أبو الحسن سعى في إتلاف أخلاف السيد أحمد فهرب السيد علي عن الأسر وجاء إلى السلطان عالمكير ببرهانبور فأعطاه منصب هزاري وبانصدي وثلاثمائة فارس كل واحد منهم صاحب فرسين ولقبه: بسيد عليخان.
ولما انتهض السلطان إلى أحمد نكركان السيد حارسا على أورنك آباد مدة ثم أخذ من السلطان حكومة ماهور قلعة مشهورة من ديار برار ثم استعفى عنها وأخذ ديواني برهانبور ثم رحل إلى الحرمين الشريفين وبغداد وسر من رأى وكربلاء ونجف وطوس ثم إلى أصفهان وأدرك السلطان: حسين الصفوي وذهب إلى شيراز وأقام بالمدرسة المنصورية وأفنى عمره في إفادة طلبة العلم.
وتوفي سنة 1117هـ، ولم يكن في أصله من الهند وإنما دخل الهند وتوطن بها مدة طويلة.
له مصنفات منها: أنوار الربيع في أنواع البديع وسلافة العصر وشرح الصحيفة الكاملة.
السيد محمد بن السيد: عبد الجليل البلكرامي: كان حافلاً لأصناف العلوم وارثا لفضائل والده المرحوم ولد في سنة 1101هـ، بمحروسة بلكرام تتلمذ على السيد: محمد الأترولوي وكان محررا لسوانح سلطان: فرخ سير ومتقلدا عمل بخشيكري - ببلدة بكر - وسيوستان له شعر حسن منه:
صنت عن عارضيه ناظرتي ... وتركت الهوى بلا ضنه
قال لي: لا ترد ريحانا ... إنه خارج من الجنه
وله: مختصر كتاب المستطرف ألفه في سنة 1155هـ، وسماه: الجزء الأشرف من المستطرف وللسيد آزاد في مدحه قصائد أمجاد
توفي سنة 1188هـ، وله أيضا: تبصرة الناظرين بالفارسي في التاريخ.
السيد: سعد الله السلوني هو العالم المجدد لقول: سلوني والإمام القائل: أنا طلاع الثنايا فاعرفوني.
ولد بسلون قصبة من صوبة إله آباد وهو سبط الشيخ: بير محمد السلوني من مشاهير المشائخ - وفق في صغر سنه باكتساب العلوم وطوى مسافة التحصيل في زمان يسير وتربع على دست التدريس وأطلق اليراع في مسارح التأليف وحج وأقام برهة في أم القرى واعتقده أهل الحرمين الشريفين وتتلمذوا عليه وأخذوا عنه الطريقة.
منهم: الشيخ عبد الله البصري المكي: صاحب: ضياء الساري شرح صحيح البخاري ثم عاد إلى الهند وتزوج بالبندر المبارك سرة وصار مرجعا للأنام وتوفي بسرة في سنة 1038هـ الهجرية رحمه الله تعالى.
السيد طفيل محمد بن السيد: شكر الله الحسيني الأترولوي البلكرامي: كان فاضلاً عارفاً كاملاً عالماً بالعلوم الدرسية من العقلية والنقلية.
ولد بأترولي في سنة 1073هـ قصبة من توابع: آكره رحل مع عمه السيد: أحسن الله إلى دهلي وقرأ الدرس الأول من: ميزان الصرف على السيد: حسين الملقب: برسول نما ثم قرأ على عمه المذكور شرح الجامي وجاء إلى بلكرام طلبا للعلم وتتلمذ على السيد المربي المتوفى في سنة 1117هـ، والحاج السيد: سعد الله المتوفي سنة 1119هـ، تلميذ ملا: عبد الرحيم قاضي مراد آباد من توابع شاهجهان آباد وهو تتلمذ على عبد الحكيم السيالكوني وعلى القاضي: عليم الله الكجندوي المتوفى سنة 1115هـ، والسيد: قطب الدين الشمس آبادي ثم أحيى العلوم سبعين عاما وكان رفيق السيد: عبد الجليل البلكرامي في سفر آكره ولم يتزوج. توفي في سنة 1151 وله شعر حسن منه:
بهجتي غادة قالت لجارتها ... شخص أراه خليعا فارغ البال
يحوم كل أوان حول مشربتي ... إني لأقتله في أسرع الحال
مدحه السيد آزاد بقصيدة بديعة أولها:
يا للأحبة ساروا في التباشير ... فاسود يومي كأحداق اليعافير
الشيخ: نور الدين بن محمد صالح الأحمد آبادي: كان أوحد زمانه وفرد أوانه.
تتلمذ على ملا: أحمد السليماني وملا: فريد الدين الأحمد آباديين.
وأخذ من كل فن حظا وافرا وقسطا متكاثرا وحج وعاد إلى أحمد آباد ولبس الخرقة عن السيد محبوب عالم الملقب: بشاه عالم الثاني وبنى مدرسة بها رفيعة وعكف على التدريس والتصنيف وتواليفه تزيد على: مائة وخمسين كتاباً.
منها: تفسير مختصر والحاشية على البيضاوي ونور القاري شرح صحيح البخاري والحاشية القويمة على الحاشية القديمة وحاشية شرح المواقف وحل المعاقد حاشية شرح المقاصد وحاشية شرح المطالع وحاشية التلويح وحاشية العضدي والمعول حاشية المطول والحواشي على: شرح الوقاية وعلى شرح الجامي على الكافية وعلى المنهل والشمسية في المنطق وشرح تهذيب المنطق: وهو أدق تصانيفه والطريق الأمم شرح فصوص الحكم.
ولد بأحمد آباد في سنة 1064هـ وتوفي بها في سنة 1155هـ، عن إحدى وتسعين سنة تاريخ وفاته أعظم الأقطاب.
ملا: نظام الدين بن ملا: قطب الدين السهالوي:
كان فاضلاً جيداً عارفا بالفنون الدرسية والعلوم العقلية والنقلية تتلمذ على الشيخ: غلام نقشبند اللكهنوي وأقام بلكهنؤ واشتغل بالتدريس والتأليف وانتهت إليه رياسة العلم في بورب بايع الشيخ: عبد الرزاق البانسوي المتوفى سنة 1136هـ، وأخذ النصوص الكثيرة عن السيد: إسماعيل البلكرامي المتوفي سنة 1164هـ.
قال السيد آزاد: اجتمعت به فوجدته على طريقة السلف الصالحين وكان يلمع من جبينه نور القدس توفي في سنة 1161هـ.
ومن تصانيفه: حاشية على شرح هداية الحكمة للصدر الدين الشيرازي وشرح على مسلم الثبوت في أصول الفقه رحمه الله تعالى.
مسند الوقت الشيخ الأجل: شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدث الدهلوي.
له رسالة سماها: الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف ذكر فيها ترجمته بالفارسية مفصلة.
وحاصلها: أنه ولد يوم الأربعاء رابع شوال وقت طلوع الشمس في سنة 1110هـ الهجرية تاريخه عظيم الدين ورأى جماعة من الصلحاء - منهم: والده الماجد - مبشرات قبل ولادته وهي مذكورة في كتاب: القول الجلي في ذكر آثار الولي للشيخ: محمد عاشق بن عبيد الله البارهوي البهلتي المخاطب بعلي واكتسب في صغر سنه الكتب الفارسية والمختصرات من العربية وشرع في قراءة شرح الجامي وهو ابن إحدى عشرة سنة وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة واستسعد ببيعة والده في الخامسة عشر من عمره واشتغل بأشغال المشائخ النقشبندية ولبس خرقة الصوفية وقرأ البيضاوي وأجيز بالدرس وفرغ من تحصيل العلم وقرأ طرفا من: المشكاة والصحيح للبخاري والشمائل للترمذي والمدارك.
ومن علم الفقه: شرح الوقاية والهداية بتمامها إلا طرفا يسيراً.
ومن أصول الفقه: الحسامي وطرفا صالحا من التوضيح والتلويح.
ومن المنطق: شرح الشمسية وقسطا من شرح المطالع.
ومن الكلام: شرح العقائد وجملة من الخيالي وشرح المواقف وقطعة من العوارف.
ومن الطب: موجز القانون.
ومن الحكمة: شرح هداية الحكمة.
ومن المعاني: المختصر والمطول وبعض الرسائل في الهيئة والحساب إلى غير ذلك وبرع في هذه كلها وأجازه والده بأخذ البيعة ممن يريدها وقال: يده كيده.
ثم اشتغل بالدرس نحوا من اثنتي عشرة سنة وحصل له فتح عظيم في التوحيد والجانب الواسع في السلوك ونزل على قلبه العلوم الوجدانية فوجا فوجا وخاض في بحار المذاهب الأربعة وأصول فقههم خوضا بليغا ونظر في الأحاديث التي هي متمسكاتهم في الأحكام وارتضى من بينها بإمداد النور الغيبي طريق الفقهاء المحدثين واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين فرحل إليهما في سنة 1143هـ، وأقام هناك عامين كاملين وتتلمذ على الشيخ: أبي الطاهر المدني وغيره من مشائخ الحرمين وتوجه إلى المدينة المنورة واستفاض فيضا كثيرا وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة ثم عاد في سنة 1145هـ إلى الهند.
ومن نعم الله تعالى عليه: أن أولاه خلعة الفاتحية وألهمه الجمع بين الفقه والحديث وأسرار السنن ومصالح الأحكام وسائر ما جاء به صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل حتى أثبت عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج وطهرها من قذى أمس المعقول وأعطي علم الإبداع والخلق والتدبير والتدلي مع طول وعرض وعلم استعداد النفوس الإنسانية لجميعها وأفيض عليه الحكمة العملية وتوفيق تشييدها بالكتاب والسنة وتمييز العلم المنقول من المحرف المدخول وفرق السنة السنية من البدعة الغير المرضية. انتهى.
وكانت وفاته في سنة 1176هـ الهجرية وله: مؤلفات جليلة ممتعة يجل تعدادها.
منها: فتح الرحمن في ترجمة القرآن والفوز الكبير في أصول التفسير والمسوى والمصفى في شروح الموطأ والقول الجميل والخير الكثير والانتباه والدر الثمين وكتاب: حجة الله البالغة وكتاب: إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء ورسائل التفهيمات وغير ذلك.
وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي: إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين وذكر له معاصرنا المرحوم: المولوي محمد محسن بن يحيى البكري التيمي الترهتي رحمه الله ترجمة بليغة في رسالته: اليانع الجني وبالغ في الثناء عليه وأتى بعبارة نفيسة جدا وأطال في ذكر أحواله الأولى والأخرى وأطاب فإن شئت زيادة الاطلاع فارجع إليهما.
وقد طبع كتابه الحجة لهذا العهد بمصر، وكذا الإزالة بالهند بنفقة الشيخ الوزير محمد جمال الدين خان مدير مهمات الرياسة عافاه الله تعالى وكان له أولاد صالحون: الشيخ عبد العزيز والشيخ رفيع الدين والشيخ عبد القادر والشيخ عبد الغني: والد الشيخ محمد إسماعيل الشهيد الدهلوي وكلهم كانوا علماء نجباء حكماء فقهاء كأسلافهم وأعمامهم كيف وهم من بيت العلم الشريف والنسب الفاروقي المنيف وقد آذن الزمان الآن بانصرام ذلك البيت وأهله فإنا لله وإنا إليه راجعون وكان بيته في الهند بيت علم الدين وهم كانوا مشائخ الهند في العلوم النقلية بل والعقلية أصحاب الأعمال الصالحات وأرباب الفضائل الباقيات لم يعهد مثل علمهم بالدين علم بيت واحد من بيوت المسلمين في قطر من أقطار الهند وإن كان بعضهم قد عرف بعض علم المعقول وعد على غير بصيرة من الفحول ولكن لم يكن علم الحديث والتفسير والفقه والأصول وما يليها إلا في هذا البيت لا يختلف في ذلك مختلف من موافق ولا من مخالف إلا من أعماه الله عن الإنصاف ومسته العصبية والاعتساف وأين الثرى من الثريا والنبيذ من الحميا والله يختص برحمته من يشاء.
ولكل من أخلافه رحمهم الله: مؤلفات ممتعة نافعة: كفتح العزيز في التفسير والتحفة الإثنا عشرية في الرد على الروافض وسر الشهادتين وغيرها للشيخ: عبد العزيز الدهلوي.
ومثدمة العلم ورسالة العروض وكتاب: التكميل للشيخ: رفيع الدين.
وموضح القرآن للشيخ: عبد القادر ورسالة في أصول الفقه ورسالة في الإمامة ورد الإشراك للشيخ: محمد إسماعيل الدهلوي إلى غير ذلك وهذه المصنفات: ممتعة نافعة متداولة بين الناس وفضائلهم شهيرة وهي متلقاة بالقبول من العلماء الأكياس.
لا يدرك الواصف المطري خصائصهم ... وإن لم يكن بالغافي كل ما وصفا
والشيخ: عبد العزيز عمري: فاروقي في النسب وكان السلف من آبائه من حفدة السيد: ناصر الدين الشهيد وجده الأعلى: وجيه الدين الشهيد حفيد للسيد: نور الجبار المشهدي ونسبه يتصل بالإمام موسى الكاظم.
ولد عام تسعة وخمسين ومائة وألف دل عليه لقبه: غلام حليم قال صاحب: اليانع الجني: ومنها كتابه: بستان المحدثين جمع فيه علوم الحديث مهذبة واختصرها منقحة غير أني لم أقف عليها بعد. انتهى.
قلت: ليس فيه علوم الحديث بل فهرس كتبها وتراجم بعض أهلها على غير ترتيب وتهذيب وقد أدرجته في مطاوي كتابي: إتحاف النبلاء فليراجعه.
ومن أصحاب الشيخ عبد العزيز: أخوه: عبد القادر كان عالماً زاهداً فاضلاً عابداً ذا ورع في الدين وله وجه وأي وجه بين المتقين صادق الفراسة حسن التوسم أخذ عنه جماعة أجلهم: الشيخ أبو العلاء فضل الحق العمري الخير آبادي أحذق الناضرة والأدباء في زمانه قال في اليانع الجني: حدثنا هو بذلك وسمعته غير مرة يثني عليه ويحكي لنا من كراماته. انتهى.
ومنهم: أخوه: الشيخ رفيع الدين المحقق المتقن. كانت له خبرة بعلوم الأوائل وله مؤلفات جيدة يكثر فيها من رموز خفية يعسر الاطلاع عليها ويجمع مسائل كثيرة في كلمات يسيرة وكتابه: دمغ الباطل في بعض المسائل الغامضة من علم الحقائق معروف أثنى عليه به أهلها وله: مختصر جامع بين فيه سريان الحب في الأشياء كلها وأوضح للناس أطواره يسمى: أسرار المحبة ومن أجل تلاميذه: سيدي الوالد الماجد العلامة: حسن بن علي بن لطف الله المحدث الحسيني القنوجي البخاري - قدس سره - واستنتج من رسائله كتبا كثيرة بيده الشريفة أوان طلب العلم بدهلي منها: كتاب: التكميل ورسالة العروض والقافية ورسالة مقدمة العلم وغير ذلك ثم إن الأخوين توفيا قبل الشيخ: عبد العزيز وكذا أخوهما: عبد الغني أبو إسماعيل الشهيد.
ومن أصحابه أيضا ختنه: الشيخ: عبد الحي البكري من برانه بلدة من أعمال دهلي وكان من أحسنهم خبرة بالفقه الحنفي وأمرسهم بالكتب الدرسية.
قال في اليانع الجني: رأيت له رسالة في حث الناس على تزويج أياماهم وردعهم عن استقباح ذلك توفي في الغزوة المشهورة بأرض الأفاغنة. انتهى.
قلت: وكان من أخبار سيدي الوالد وليس له تأليف مستقل إلا هذه الفتاوى التي كتبها ويذكر عنها في الحوائج وله إجازة عن شيخنا وبركتنا: الشوكاني مكاتبة وهو أول من جاء بتأليفه إلى أرض الهند وأشاعه ثم تتابع الناس.
ومنهم: ابن أخيه: إسماعيل بن عبد الغني كان من أذكى الناس بأيامه وكان أشدهم في دين الله وأحفظهم للسنة يغضب لها ويندب إليها ويشنع على البدع وأهلها ومن مصنفاته: كتاب الصراط المستقيم في التصوف والإيضاح في بيان حقيقة السنة والبدعة ومختصر في أصول الفقه وتنوير العيني.
قال في اليانع الجني: انفرد فيها بمسائل عن جمهور أصحابه واتبعه عليها أناس من المشرق ومن بنجالة وغيرها أكثر عددا من حصى البطحاء.
وله كتاب آخر في التوحيد والإشراك فيه أمور في حلاوة التوحيد والعسل وأخرى في مرارة الحنظل فمن قائل: إنها دست فيه وقائل: إنه تعمدها والله عالم بالسرائر. انتهى.
وأقول: ليس في كتابه الذي أشار إليه وهو المسمى: برد الإشراك في العربية وبتقوية الإيمان بالهندية شيء مما يشان به عرضه العلي ويهان به فضله الجلي وإنما هذه المقالة الصادرة عن صاحب اليانع الجني مصدرها تتلمذه بالشيخ: فضل حق الخير آبادي فإنه أول من قام بضده وتصدى لرده في رسائله التي ليست عليها آثاره من علم الكتاب والسنة وإن شئت زيادة الاطلاع على حاله ومآله فارجع إلى كتابنا: إتحاف النبلاء يتضح عليك ما تذهب به الشحناء من صدرك إن شاء الله تعالى.
ومنهم: ابن بنته: الشيخ محمد إسحاق المهاجر يقال: إنه ولد على التقوى ترجمة المشكاة له معروفة مرغوب فيها على ما فيها من عوج وكذا بعض رسائل فارسية تنسب إليه نعم كان كثير العبادة قليل العلم غزير التقوى نزره الاطلاع على الفنون.
ومنهم: الشيخ جمال الدين المعروف: بحسن علي الهاشمي اللكنوي كان له خبرة في الحديث يعتني بعلومه.
واشتهر أنه كان شافعي المذهب رأيت له فتاوى بالفارسية على طريقة الفقهاء ولم يجد له عزما يمتاز به عن غيره. وكان من أحباب سيدي: الوالد الماجد رحمه الله وقد تعقبه الوالد في بعض مسائله.
ومنهم: الشيخ: رشيد الدين خان الدهلوي كان فاضلا جامعا بين كثير من العلوم الدرسية وكان حسن العبارة دأبه الذب عن حمى أهل السنة والجماعة والنكاية في الرافضة المشائيم صنف في الرد عليهم كتابه: الشوكة العمرية وغيرها مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر ونجاره كشميري.
ومن رهطه: شيخي المفتي: صدر الدين خان بهادر ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية - حكام الهند اليوم - فاستمر عليها إلى الفتنة وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر وله رسالة: منتهى المقال في شد الرحال قال في اليانع الجني: قد تأنق فيها سلمه الله تعالى. انتهى. أي: أتى بتحقيقات رائقة.
قلت: هذا غلط بحت بل زل فيها زلة عظيمة تنبئ عن قلة اطلاعه على أدلة المسألة وماجرياتها وقد رد عليه فيها بعض علماء الهند ويغني عن ذلك كله كتاب: الصارم المنكي في هذا الباب.
ومنهم: السيد حيدر علي الرامفوري 1 نزيل تونك رحمه الله أخذ عن الشيخ: عبد العزيز المحدث وكان فاضلا جليلا جمع علم الطب إلى سائر علومه وكان يذب عن إسماعيل الشهيد
قال في اليانع الجني: وله مع شيخنا أبي العلاء الفضل بن الفضل الخير آبادي مباحثات في شأن إسماعيل يحويها بطون مؤلفاتهما بدرت منه عند البحث بوادر وهاها العلماء توفي في المحرم مستهل عام القرطاس رحمه الله. انتهى.
قلت: والحق أن الحق في تلك المباحث بيد السيد لا بيد الشيخ كما يظهر من الرجوع إلى كتبهما عند نظر الإنصاف وقد رأيت أكثرها ولم أر السيد كما رأيت الشيخ وقد كتب على بعض كتب لي تقريظات حسنة وبالغ فيه في الثناء علي بما لست أهلاً له.
ومنهم: الشيخ الفاضل: سلامة الله البدايوني ثم الكانفوري من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان فقيها صوفيا شاعرا واعظا حصلت له الإجازة من قبل الشيخ عبد العزيز واجتمع معه في آخر عمره وكتب له أيضا الشيخ: رفيع الدين الإجازة بيده من قبل أخيه.
قال في اليانع الجني: وهو من أجلة أشياخي في الهند. انتهى. ثم أثنى عليه وذكر له تأليفات في: التصوف والشعر والرد على الرافضة.
وأقول: عداده عندنا من العلماء المبتدعين والفضلاء المريدين للدنيا المؤثرين لها على الآخرة والله أعلم.
السيد: محمد يوسف بن السيد: محمد أشرف الواسطي البلكرامي: كان قسطاس المعقولات ونبراس المنقولات ولد في سنة 1116هـ، وهو سبط: السيد عبد الجليل وابن خالة: السيد آزاد كسبا العلوم بالموافقة وسلكا جادة التحصيل بالمرافقة وقرأ الكتب الدرسية والفنون - من البداية إلى النهاية على السيد: طفيل محمد المتقدم ذكره واللغة والسير على جدهما: السيد عبد الجليل والعروض والقوافي على السيد: محمد ثم اكتسب الهيئة والهندسة من: فضلاء دهلي حين رحل آزاد إلى الحرمين الشريفين وبايع السيد لطف الله الحسيني الواسطي البلكرامي واستقام على الشرائع وأقام في الوطن ورمى الدهر آزاد إلى الدكن ثم توفي في سنة 1173هـ، ودفن عند قدم جده المذكور له شعر حسن في اللسانين: العربي والفارسي منه:
لاحت لنا روضة راقت مباسمها ... وعارضت في السنا برق اليعاليل
فلا تخل تلك أوراد بسمن بها ... هن المصابيح في حمر القناديل
وله كتاب: الفرع النابت من الأصل الثابت في التوحيد الشهودي وقفت عليه فوجدته مفيدا في بابه خطيبا في محرابه أرخ له السيد آزاد بأبيات عربية ذكرها في: سبحة المرجان في آثار هندوستان
السيد: قمر الدين الحسيني الأورنك آبادي
كان قمرا طالعا في ميزان الشرع المبين وكوكبا ساطعا في أوج الشرف الرصين آباؤه من سادات خجند والسيد ظهير الدين منهم هاجر منها إلى الهند وتوطن في آمن آباد من توابع لاهور ثم ابنه: السيد محمد رحل إلى الدكن وكان ابنه: السيد عناية الله من العرفاء أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ: أبي المظفر البرهان فوري عن الشيخ: محمد معصوم عن أبيه: الشيخ أحمد السهرندي وتوطن ببلدة بالابور على أربع منازل من برهانفور وتوفي بها سنة 1117هـ.
وابنه: السيد منيب الله المتوفي سنة 1161هـ، كان من العرفاء أيضا وصاحب هذه الترجمة ولده الأرشد ولد سنة 1123هـ، وساح في مناهج الفنون وبرع في العلوم العقلية والنقلية حتى صار في النقليات إماما بارعا وفي العقليات برهانا ساطعا حفظ القرآن وزان العلم بالعمل وراح إلى دهلي وسهرند وزار قبر المجدد ورحل إلى لاهور واجتمع بطائفة من العلماء والعرفاء في تلك البلاد ثم رجع إلى بالابور وجاء إلى أورنك آباد وانعقد الوداد بينه وبين السيد آزاد فكانا فرقدين على فلك الاتحاد ثم ارتحل إلى الحرمين الشريفين مع ابنيه الكريمين: ميرنور الهدى ومينور العلي ورجع إلى الهند ثم انتهض مع أهل بيته إلى أورنك آباد.
له: كتاب في مسألة الوجود سماه: مظهر النور بين فيه مذاهب العلماء ومسالك المتكلمين والحكماء ذكر طرفا منها السيد آزاد في السبحة وأرخ له بأبيات عربية أولها:
فاح عرف النسيم في السحر ... وأتاني بأطيب الخبر
توفي في أرونك آباد في سنة 1193هـ، ودفن داخل البلد قال آزاد في تاريخ وفاته موت العلماء ثلمة.
المير نور الهدى بن السيد قمر الدين: نور هذا القمر الوقاد وثمر هذا الشجر المياد ولد في سنة 1153هـ بأورنك وتتلمذ من البدء إلى الغاية على أبيه وبرع في العلوم الدرسية وهو ابن ستة عشر سنة ثم حفظ القرآن الكريم وحج وعاد مع أبيه وعكف على التدريس والتصنيف وحرر شرحا على مظهر النور لوالده أورد آزاد شيئا من عبارة هذا الشرح في سبحة المرجان وأثنى عليه ثناء جميلاً.
السيد: غلام علي آزاد بن السيد: نوح الحسيني نسبا الواسطي حسبا البلكرامي مولدا ومنشأ والحنفي مذهبا الجشتي طريقة الملقب: بحسان الهند ذكر لنفسه الشريفة ترجمة حافلة بالعربية والفارسية في غالب كتبه. وهذا خلاصتها: ولد في الخامس والعشرين من صفر يوم الأحد سنة 1116هـ، بمحروسة بلكرام وأتم تحصيل الكتب الدرسية من البداية إلى النهاية على السيد: طفيل محمد وأخذ اللغة والسير وسند الحديث المسلسل بالأولية وحديث الأسودين وإجازة أكثر كتب الحديث والشعر العربي والفارسي عن جده: القريب من جهة الأم السيد: عبد الجليل البلكرامي والعروض والقوافي عن خاله: السيد محمد وبايع السيد: لطف الله البلكرامي المتوفى سنة 1143هـ، ورحل إلى البيت العتيق ولذلك قصة عريضة طويلة ذكرها في سبحة المرجان وتسلية الفؤاد وغيرهما بعبارة أحلى من العسل المصفى ومر في هذه الرحلة على بلدة بهوبال المحمية وقرأ بالمدينة المنورة صحيح البخاري على الشيخ: محمد حياة السندي وأخذ عنه إجازة الصحاح الستة وسائر مقروءاته وصحب الشيخ: عبد الوهاب الطنطاوي المصري المتوفى سنة 1157هـ وأخذ عنه فوائد جمة وعرض عليه تخلصه آزاد فقال: أنت من عتقاء الله تعالى فاستبشر بهذه الكلمة وأرخ لحجه بلفظ: عمل أعظم.
ورحل إلى الطائف وزار هناك قبر سيدنا: عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ثم رجع إلى الهند وأرخ له لفظ: سفر بخير وألقى عصا التسيار بأورنك آباد وأقام في تكية الشاه: مسافر الغجدواني المتوفى سنة هـ1126 عند شاه محمود المتوفى في سنة 1175هـ سبعة أعوام وحصل بينه وبين نواب نظام الدولة: ناصر جنك خلف نواب نظام الملك: آصف جاه الموافقة فأحبه حبا شديدا ورفعه مكانا عليا وكان لا يدعه في الظعن والإقامة حتى فاز برتبة الشهادة في سنة 1164هـ، وكان يوما راكبا على الفيل وآزاد أيضا على فيل آخر فأنشد:
هو ناصر الإسلام سلطان الورى ... أبقاه في العيش المخلد ربه
حاز المناقب والمآثر كلها ... جبل الوقار يحبنا ونحبه
ولم ينظم قط في مدح غني بيتا إلا هذين وكان نزيلا بأورنك آباد ثابتا في مقام الفقر والفناء مجتمعا كالمركز في دائرة الانزواء ولما توفي نظام الملك في سنة 1161هـ، وتولى نظام الدولة رياسة الدكن بالغ في اختياره لمنصب من مناصب الإمارة فأبى ونفض الذيل عن الهبا وقال1:
هذه الدنيا مثل نهر طالوت غرفة منه حلال والزيادة عليها حرام وأنشد:
عصابة أعطوا العافين سلطنة ... أن سلموني لنفسي فهو مغتنم
وله مصنفات: جليلة ممتعة مقبولة منها:
ضوء الدراري شرح صحيح البخاري إلى آخر كتاب الزكاة وقفت عليه وذكرت أوله في كتابي: الحطة بذكر الصحاح الستة وتسلية الفؤاد وسبحة المرجان وشفاء العليلي في المؤاخذات على المتنبي في ديوانه وغزلان الهند وسند السعادة وسرو آزاد وخزائنه عامرة ويده بيضاء وروضة الأولياء ومآثر الكرام وتاريخ بلكرام ورسائل أخر وديوانان وما ظهر في الهند قبله من يكون له ديوان عربي ومن يكون له عشر عربي على هذه الحالة وقرر نصاب القصيدة أحدا وعشرين بيتا إلى أحد وثلاثين وهي الدرجة الوسطى التي تريح الأسماع ولا تمل الطباع وجملة أشعاره في الدواوين: ثلاثة آلاف وأرسلها إلى بعض الفضلاء بالمدينة المنورة فعرضها على الروضة الخضراء وأوصلها إلى داخل شباك القبة الغراء والأمثلة المترشحة من قلمه في كتاب سبحة المرجان زائدة على ثلاثين ألفاً.
هذا آخر ما لخصته من كتابه المذكور وله الدواوين السبعة بالعربية تغزل فيها وأكثر من مدحه صلى الله عليه وسلم وهي موجودة عندي.
وله: مظهر البركات في البحر الفارسي واللسان العربي على وزن المثنوي أجاد فيه كل الإجادة وقد ذكرت ترجمته أيضا في كتاب: إتحاف النبلاء وأوردت طرفا صالحا من أشعاره الغراء.
وله: ثلاثة ديوان أخر غالبها مدح النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف لأحد من علماء الهند من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة وأعطي لقب: حسان الهند من جهة الأستاذ1
وتوفي في سنة 1194هـ، في بلدة أورنك آباد ودفن بالموضع الذي يعرف: بالروضة - أحله الله تعالى في روضة الجنان وخصه بنعيم الروح والريحان.
السيد جان محمد البلكرامي: هو ابن عم السيد: عبد الجليل العلامة الواسطي.
ولد في سنة 1083هـ، وكان أبوه: السيد معين الدين صاحب دار العدالة ببلدة ملتان أقره على هذه ناظمها: نواب مكرم خان خلف نواب شيخمير في عهد عالمكير وحفظ القرآن وأخذ القراءة ثم رتع في رياض العلوم وارتقى بها إلى أعالي الغصون فحاول من كل فن طرفا صالحا وتناول من كل نوع وزنا راجحا واكتسب قلم النسخ في غاية الملاحة وكان يتكلم بالفارسية في نهاية الفصاحة ثم خرج من الوطن شوقا إلى الحج وذهب إلى بغداد وسر من رأى ومنها إلى نجف وكربلاء وطوس ومنها إلى البيت الحرام وأدى مناسك الركن والمقام وسار إلى المدينة وأقام بها متمنيا للموت وكان يجلس بالمسجد النبوي ويصحح المصاحف إلى أن توفي في سنة 1149هـ، ودفن بالبقيع ومدحه السيد آزاد بقصيدة بليغة في تسلية الفؤاد أولها:
حي الغمام بساكب هتان ... أرضا هناك أو أنس الغزلان
ومنها:
طوبى لقوم هاجروا وتوطنوا ... تلك الديار ومعادن الإيمان
وذكر فيها قصة هجرته إلى الحرمين وما وقع له في هذا البين.
المولوي: فضل الحق العمري الحنفي الماتريدي الجشتي الخير آبادي ولد بها في سنة 1212هـ، يرجع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تتلمذ على أبيه الفاضل فضل إمام وسمع الحديث على الشيخ الأجل: عبد القادر بن مسند الوقت الشاه ولي الله المحدث الدهلوي وحفظ الكتاب في أربعة أشهر وفرغ عن اكتساب العلوم وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة عن: شاه دهو من الدهلوي وصار بارعا في: علم المنطق والحكمة والفلسفة والعربية والكلام والأصول والشعر ونظمه: يزيد على أربعة آلاف شعر وغالب قصائده مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعضها: في هجو الكفار والفساق أتته الطلبة للاشتغال عليه من بلاد بعيدة فدرس وأفاد وألف وأجاد إلى أن حبس على يد الإفرنج وأرسل به إلى جزيرة رنكون فتوفي بها ثاني عشر صفر من سنة 1278هـ.
كان إمام وقته في العلوم الحكمية والفلسفية بلا مدافع غير أنه وقع في أهل الحق ونال منهم على تعصب منه وكان السبب في ذلك: قلة الخبرة منه بعلوم السلف وطريقتهم في الدين واتباعهم للأدلة الواردة عن سيد المرسلين مع ميل إلى البدع التي يستحسنها المقلدة ولذا انتقد عليه عصابة من علماء الحق تواليف في ذلك.
ومن مؤلفاته: رسالة: الجنس الغالي في شرح الجوهر العالي وحاشية شرح السلم للقاضي مبارك وحاشية الأفق المبين لباقر داماد وحاشية تلخيص الشفاء لابن سينا والهداية السعيدية في الحكمة الطبيعية ورسالة في: تحقيق العلم والمعلوم والروض المجود في تحقيق حقيقة الوجود ورسالة في: تحقيق الأجسام ورسالة في: تحقيق الكلي الطبعي وفي التشكيك وفي الماهيات وتاريخ فتنة الهند ... إلى غير ذلك.
وله: نظم رائق وشعر فائق لولا انه أكثر فيه من التجنيس الذي ينبو عنه السماع وتأباه الطباع وقصائد وغزليات وتقاريظ وأدبيات جمعها الشيخ الأديب: جميل أحمد البلكرامي المرحوم في مجموع وشرح معانيها وقد رأيت الشيخ: فضل الحق بدهلي زمان الطلب وهو كهل في المسجد الجامع وقد أتى هناك لصلاة الجمعة وزيه زي الأمراء دون العلماء وكان بينه وبين أستاذي الشيخ العلامة: محمد صدر الدين خان الدهلوي صدر الصدور بها مودة أكيدة ومحبة شديدة لأنهما كانا شريكين في الاشتغال على أستاذ واحد وعلى أبيه الفاضل: فضل إمام ومع ذلك يسخط أستاذي عليه في بعض أموره.
منها: رده على الشيخ الحافظ الواعظ المحدث الأصولي الحاج الغازي الشهيد: محمد إسماعيل الدهلوي ويقول: لا أرضى منك ذلك وليس هذا بعشك ثم رأيت ولده: الفاضل الفلسفي المولوي الشيخ: عبد الحق بن فضل حق في سفري إلى دهلي في سنة 1294هـ، فوجدته أيضا كهلا في العمر وبارعا في العلم ومهذبا في الخلق وقد كتب كراسة في الشرح لرسالتي في أصول الفقه المسماة: بحصول المأمول من علم الأصول وهي داله على سعة علمه في هذا الفن حياه الله وبياه والذي لا يرتضيه منه أهل العلم بالكتاب والسنة مشيه على طريقة أسلافه من: الانهماك في الفلسفة وما يليها وعدم المبالاة بالعلوم الإسلامية وما يضاهيها - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد طالما خطر ببالي أن أكتب كتابا مستقلا في: تراجم علماء الهند وفضلائها إلى أن سودت أوراقا في ذلك ثم شغلني عنها عوائق الزمان ولم يتيسر لي تهذيبها إلى الآن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فاقتصرت في هذا الكتاب هذه الساعة على ذكر جماعة خاصة منهم مشهورة وأعرضت عن ذكر الباقين لا سيما المعاصرين لوجوه ليس هذا موضع ذكرها كيف وليس في المعاصرين من يكون في طبقة الراسخين من العالمين. المولوي: محمد باقر النائطي المدراسي المتخلص: بآكاه أصله من بيجابور وولد في ديلور في سنة 1158هـ، كان عالما شاعرا يعرف العلوم العجيبة والفنون الغريبة لم يقم من كرنائك مثله في الفضائل الجليلة ولم يدرس في بلدة مدراس غيره من أهل الفواضل الجميلة له يد طولى في الأدب وبراعة كاملة في لسان العرب وقفت له على أبيات في الرد على الشيعة وكان شافعي المذهب مات رحمه الله في سنة 1220هـ الهجرية.
الشاه: عبد القادر المتخلص: بمهربان المعروف: بالفخري: أصله من السادة النقوية الساكنة بنيشابور انتقل بعض أسلافه إلى قصبة كنتور من مضافات لكهنؤ ووالده: السيد شرف الدين خان ألقى عصا التسيار ببلدة أورنك آباد واختص بقضاء بلدة روضة وهناك ولد الفخري في سنة 1143هـ، وحفظ القرآن واكتسب العلوم العقلية والنقلية ودرس وطالع كتب: التفسير والحديث والتصوف حتى صار بارعا في ذلك كله ولبس خرقة الطريقة القادرية يتخلص مرة: بالفخري وأخرى: بمهربان له شعر مدون ذكر له أستاذه: آزاد ترجمة في تذكرته وأثنى على ذكائه وفطنته كثيرا جلس على كرسي الإفادة ومسند الإرشاد وأفنى عمره في هداية العباد وتكميل الزهاد.
ورحل في أواخر المائة الثانية عشر إلى مدراس وأقام بها مفيدا مفيضا وعظمه نواب والاجاه تعظيما جليلا وحسن العقيدة فيه إلى أن مات - رحمه الله - في سنة 1204هـ، ودفن بخانقاه الواقع بقصبة ميلابور من مضافات مدراس.
الشيخ الفاضل المفيد القاضي المفتي: محمد سعد الله المراد آبادي رحمه الله لم أره ولكن كان بيننا وبينه الكتابة والخط أهدى إلينا رسائل من مؤلفاته وأتحفت إليه كتبا من مصنفاتي فاستحسنها كثيرا وأثنى عليه ثناء كبيرا وطلبت من ترجمته فكتب إلينا ما تعريبه:
ولدت بمراد آباد في سنة 1219هـ، تاريخه: ظهور حق وأيضا بيدار بخت اكتسبت في زمن الصبا الكتب الفارسية من معلمي المكاتب ورحلت إلى رامفور ونجيب آباد مراهقا وقرأت مختصرات الصرف والنحو عند المولوي: عبد الرحمن القهستاني - تلميذ بحر العلوم الملا: عبد العلي اللكنوي وفي سنة 1239هـ وصلت إلى دهلي وحضرت في مجالس الوعظ للشاه: عبد العزيز وغيره من أكابر البلدة وكان يحلل الغوامض المستفسرة عنها بالإرشادات اللسانية وحصلت بعض الكتب الدرسية من المولوي: محمد حياة اللاري الفنجاني وأخوند شير محمد خان الفاضل والمفتي الكامل: محمد صدر الدين خان.
ثم رحلت في سنة 43هـ إلى بلدة لكهنؤ وأكملت التحصيل في خدمة المولوي: محمد أشرف والمولوي: محمد ظهور الله والمولوي: محمد إسماعيل المراد آبادي والمولوي: حسن علي المحدث وأقمت هناك مدة اثنتين وعشرين سنة وسافرت في سنة20هـ إلى الحرمين الشريفين ورجعت إلى لكهنؤ وبعدما انقلبت سلطنة أود وتسلطت عليها النصارى جئت إلى رامفور قبل الفساد الواقع في مملكة الهند وأنا نزيلها إلى يومنا هذا.
ومن مؤلفاته: القول المأنوس في صفات القاموس وميزان الأفكار شرح معيار الأشعار ونوادر الوصول في شرح الفصول وحاشية شرح السلم لحمد الله وحاشية شرح الجغميني وزاد اللبيب إلى دار الحبيب ومحصل العروض مع شرحها ... إلى غير ذلك مما لم يتم. انتهى بلفظه الشريف.
وقد طلبته لقضاء بلدة بهوبال المحمية وأراد الرحلة إليها لكن سبق القضاء فتوفي رحمه الله في سنة 1293هـ الهجرية.
وطلبت منه تراجم علماء بلدة رامفور فكتب شيئا منها وذكر منهم:
المولوي: محمد حسن السهالوي اللكنوي وكتب أنه كان من أشهر علماء هذه البلدة جاء في عهد نواب فيض الله خان إلى رامفور وأقام بالمحلة المعروفة: بالمدرسة وله أولاد:
والمولوي: محمد إسحاق.
والمولوي: موسى.
والمولوي: عبد الله وهؤلاء الثلاثة هاهنا ورأيت له ولدين بلكنؤ وهما: المولوي غلام يحيى والمولوي غلام زكريا.
ومن مؤلفاته: شرح السلم والمسلم والحواشي: على الزواهد وعلى شرح هداية الحكمة والشمس البازغة ومعارج العلوم وغيرها وهي معروفة.
ومن أرشد تلاميذه: المولوي: محمد مبين اللكنوي والمولوي: عماد الدين اللبكني مات رحمه الله في رامفور ودفن بمقبرة نواب محمد علي خان والد نواب أحمد علي خان تشرفت بزيارته حيا.
ومنهم: الملا عبد العلي بحر العلوم قدم برامفور في زمن نواب فيض الله خان وتقررت له وظيفة مائة ربية في كل شهر ثم سافر بعد سنة إلى مدراس وعظم قدومه نواب محمد علي خان والي صوبة أركات له من التأليفات: الحواشي والتعليقات والشروح على أكثر الكتب الدرسية وكان شديد البغض لمذهب الرفض مات بمدراس رحمه الله.
وكان حينئذ برامفور الملا: عمران والد المولوي: خليل الرحمن - صاحب حاشية الدوار على الدائر - والمولوي: رستم علي والمولوي: غلام بني الشاهجهانفوري ولهما: حواش على رسالة مير زاهد والمولوي: محمد جيلاني صاحب جنكنامه وهؤلاء كلهم تتلمذوا على بحر العلوم1.
ثم اشتهر الملا: أحمد الولايتي - تلميذ المولوي: بركت - في العلوم الدرسية والفلسفية اشتهارا وإليه تنتهي سلسلة علماء هذه البلدة وكان المفتي: شرف الدين ختنا له تتلمذ على أحمد جماعة من أهل العلم منهم.
المولوي: رستم علي والمولوي: هدايت علي وغيرهما ومن أكابر علماء هذه البلدة: المولوي: سلام الله من أولاد الشيخ: عبد الحق الدهلوي كان جامعا للمعقول والمنقول عارفا بالحديث مشهورا به له: الكمالين حاشية الجلالين والمحلى شرح الموطأ وترجمة صحيح البخاري بالفارسي وترجمة الشمائل للترمذي أيضا ولد له المولوي: نور الإسلام وبرع في العلوم العقلية والنقلية لا سيما علم الرياضي ومنهم: السيد المولوي: حيدر علي جاء في صغر السن وتتلمذ على المولوي: عبد الرحمن القهستاني الدكني أولا وعلى المولوي: محمد جيلاني ثانيا وكمل التحصيل وتزوج بابنته واختص بختانته وكان بارعا في علم الطب له يد طولى في ذلك خرج في آخر عهد نواب أحمد علي خان إلى طونك وارتفع بها شأنه وقدرته ومات هناك. قلت: له تقريظ على رسالتنا المسماة: بكلمة الحق في رد علم المولد وكان من أحباب والدنا المرحوم وكان بيننا وبينه الخط والكتابة وكان قصير القامة نحيف البدن ومن مؤلفاته: صيانة الأناس عن وسوسة الخناس بالهندية ورسالة في: إثبات رفع اليدين في المواضع الأربعة من الصلاة حررها ردا على المولوي: محبوب علي الدهلوي بالفارسية وكان يدرس ويطبب وينفع الناس. انتهى قولي.
وأما الموالي الآخرون الذي اجتمعوا في رامفور وهم: الملا: محمود الولايتي والملا: كمال والد المولوي: جلال الدين والملا: عبد اللطيف الفقيه والملا: نسيم المنطقي والملا: جمال الصيرفي والملا: عبد الرحيم والملا: عبد الله البكلوي والملا: غفران المعروف: بروايت كش والمولوي: محمد حياة والمولوي: محمد علي ابن أخت زوجة المفتي: محمد شرف الدين والمولوي: إسحاق ولد الملا: أحمد المذكور إلى غير ذلك فلم تبق منهم آثار التأليف وكان الملا: عياض تلميذ المفتي: محمد شرف الدين رجلا بحاثا يباحث ويناظر كل واحد له كتاب: دستور المنتهى في الصرف ألفه في مقابلة دستور المبتدي واختار لفظ الشك والفك مكان السؤال والجواب واصطلح عليهما فيه.
ومن مؤلفات المفتي: شرف الدين: كتاب سراج الميزان في المنطق وشرح السلم إلى مقام لا يحد ولا يتصور وبعض الفتاوى الفقهية.
قلت: وكان شرا في الدين لا شرف الدين كما سماه بذلك سيدي الوالد قدس سره.
وكان أبعد خلق الله من السنة مع حفظ الحواشي والشروح الكثيرات للكتب الدرسية المتداولة منتصرا للبدعة رادا على أهل الحق بخرافاته محبا للدنيا - عفا الله عنه ما جناه.
وأما علماء هذا العهد فمنهم المولوي: عبد الحق بن المولوي: فضل حق والفاضل المولوي: حيدر علي الفيض آبادي صاحب منتهى الكلام والمولوي: سديد الدين خان ولد المولوي: رشيد الدين خان الدهلوي والمولوي: عبد العلي المنطقي والمولوي: حسن شاه المحدث والمولوي: محمود عالم والمولوي الحافظ: لطف الله ولدنا. انتهى كلام المفتي: محمد سعد الله رحمه الله مع زيادة يسيرة عليه.
وقد لاقيت الأول والثاني من هؤلاء الجماعة ببلدة بدهلي وتأتي إلينا خطوطهم.
وممن يعد في العلماء ببلدة رامفور: إرشاد حسين ولكنه ليس برشيد ولا مرشد بل رجل متصوف متفلسف مقلد وأي مقلد والمهدي من هداه الله.
والمولوي: لطف الله ولد المولوي المفتي: محمد سعد الله جاء إلى بهوبال وصار ملازما بالرياسة وجدته عالما صالحا ذا متانة وتقاوة على قدم أبيه المرحوم ولما توفي والده ترك التعلق ورحل إلى رامفور وصار هناك قائمقام أبيه لطف الله به وأحسن إليه وقد أعاننا على بعض الكتب المطلوبة لنا بالاستعارة جزاه الله خيراً.
الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري: نزيل المدينة المنورة حالا ولد في شعبان سنة 1235هـ بدهلي دار ملك الهند حفظ القرآن واقتنى الفقه على مذهب النعمان وحصلت له الإجازة من علماء الهند والحجاز فاشتغل بدرس الحديث ورواية الأثر ببلدته وألف ذيلا على سنن ابن ماجة سماه: إنجاح الحاجة وقد طبع على هامشها بدهلي وله غير ذلك من المؤلفات. ثم لما وقعت الفتنة في الهند وتسلط العلوج على دهلي توجه في رهطه إلى أرض العرب فقدم مكة المكرمة أولا ورحل إلى المدينة المنورة ثانيا وهو اليوم نزيلها مواظب على ما عوده من الوظائف رأيته بدهلي مرارا ثم لقيته بالطيبة الطابة آخرا في سنة 1285هـ سلمه الله تعالى.
ومشائخه الذين أخذ منهم العلم وانتفع بهم جمع أجلة منهم:
والده1: الشيخ أبو سعيد قرأ عليه كتاب الموطأ لمحمد بن حسن الشيباني وأخذ منه طريقة الصوفية وصار مجازا بها وبسائر ما وصل إليه من أشياخه وصحبه في حجته وحصلت له دعوة بركته.
ومنهم: الشيخ مخصوص الله بن مولانا رفيع الدين الدهلوي قرأ عليه كتاب المشكاة للخطيب التبريزي وكان مقريا في دروس عمه الشيخ: عبد العزيز بعد ما توفي أبوه رأيته بمنزله في دهلي ووجدت فيه عصبية على بعض الفقهاء الحنفية وكان موصوفا بالصلاح مات في سنة 1273هـ.
ومنهم: الشيخ أبو سليمان: إسحاق ابن بنت الشيخ عبد العزيز وأخذ من جده المذكور وجلس بعده مجلسه وكان معروفا بالزهد والصلاح وله مؤلفات بالفارسية يتعاطاها عوام أهل الهند هاجر إلى مكة المكرمة وأقام بها سنين ثم توفي بها عام 1262هـ ومنهم: الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري نزيل المدينة المنورة قرأ عليه بعض صحيح البخاري وأجاره بباقيه وكتب له الإجازة العامة برواية الكتب السنة التي أوردها في كتابه: حصر الشارد.
ومنهم: الشيخ أبو زاهد إسماعيل بن إدريس الرومي ثم المدني أجازه كذلك إجازة عامة مكاتبة والله أعلم بالصواب ثم توفي رحمه الله سنة 1296هـ، بالمدينة المنورة.
الشيخ الأجل: علي أصغر بن الشيخ: عبد الصمد القنوجي البكري الكرماني: من أولاد الشيخ: عماد الدين الكرماني صاحب الفصول العمادية كان من أعيان علماء قنوج وأكابرها.
ولد في سنة 1051هـ، وأخذ العلوم الدرسية المتداولة عن السيد العلامة: محمد القنوجي وأتم المتوسطات والمطولات في حلقة درس السيد: عصمة الله السهارنقوري وقرأ فاتحة الفراغ عند الشيخ الكامل: ملا محمد زمان الكاكوروي وصار بارعا في جميع العلوم النقلية والعقلية إماما في التصوف والسلوك له مصنفات.
منها: اللطائف العلية في المعارف الإلهية على طريقة كتاب فصوص الحكم لابن عربي الطائي.
ومنها: تبصرة المدارج في علم السلوك جمع فيه ما استفاده من شيخه: بير محمد الجونفوري المولد اللكهنوي المحتد.
ومنها: القصيدة المهيمنية في النفحة المحمدية وشرحها المسمى: بالنفائس العلية في كشف أسرار المهيمنية. ومنها: تفسير القرآن الكريم المسمى: بثواقب التنزيل مختصر على هيئة تفسير الجلالين لكن أحسن منه في البلاغة والمتانة.
وله: شرح فصوص الحكم وملخصه ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال السيد غلام علي آزاد البلكرامي رحمه الله في مآثر الكرام: خرج بعض آبائه من المدينة المنورة بتصاريف الزمان وتوطن بكرمان وارتحل الشيخ: مبارك بن عماد الدين الكرماني من كرمان الهند وأقام ببلدة قنوج وتوطن بها وفيها أعقابه إلى الآن شارك الشيخ: علي أصغر في تحصيل العلم مع الشيخ: أحمد ملا جيون صاحب نور الأنوار ولبس الخرقة من الشيخ: بير محمد اللكهنوي واستجاز فأجاز وبايعه وجلس في الأربعينات ورجع إلى قنوج واختار العزلة إلى آخر العمر ودرس ستين سنة بلغ خلق كثير في حوزة درسه إلى منتهى الفضيلة أدركت صحبته مرارا ووجدته ذاتا مقدسا مباركا توفي في سنة 1140هـ
وقلت: تاريخه بالفارسية:
مولوي زمان علي أصغر ... أزوفاتش كما شد معدوم
منال تاريخ أونوشت خرد ... شد نهان آفتاب صبح علوم
انتهى كلامه مترجما 1140هـ
السيد إمام والسيد حسن والسيد صدر الدين القنوجي كانوا من مشاهير علماء هذا البلد في عهد السلطان: سكندر اللودي في سنة 604هـ وكان السيد: صدر الدين ملازما ركاب السلطان في كل حين وأوان.
الخواجه محمد بن عبد الرحمن القنوجي: كان سيدا عالما كبيرا وعارفا سالكا من سادات رسول دار له معارف وحقائق جيدة وفضائل شهيرة.
رحل إلى الحرمين الشريفين ولقي مشائخهما واستفاد منهم ثم رجع إلى قنوج وبها توفي مزاره يزار له كتاب سماه: هداية السالكين إلى صراط رب العالمين ألفه لابن السلطان المسمى: بشاه عالم بهادر وهو في علم التصوف والسلوك على طريقة كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي وإحياء العلوم للغزالي لم أقف على تاريخ وفاته رحمه الله.
الشيخ ياسين القنوجي كان من أساتذة الوقت وأعيان العصر والفضلاء الكاملين المكملين تتلمذ عليه خلق كثير وبلغوا إلى منتهى الفضيلة.
منهم: السيد: مربي بن السيد: عبد النبي بن السيد: الطيب البلكرامي وملا: فيضي الأمروهي وقد ذكر لهذين ترجمة السيد: آزاد البكري رحمه الله في كتابه: مآثر الكرام تاريخ بلكرام
المولوي محمد فصيح الدين: كان من شيوخ بلدنا قنوج ومن علمائها الكاملين اشتغل بالدرس والعبادة وبالغ في الإفاضة والإفادة حتى أتاه اليقين ولقي الله رب العالمين.
المولوي عليم الدين بن الشيخ فصيح الدين المذكور: كان في الفضائل: أنموذج السلف الصلحاء وفي العلوم العربية: تذكار العرب العرباء تتلمذ على الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي وأتم الكتب الدرسية من البدء إلى الغاية في حلقة درسه وحوزة إفادته ودرس عمرا وألف كتبا منها: عين الهدى شرح قطر الندى في النحو ودرر الفضائل في شرح الشمائل والرسائل في علم المنطق وعام تأليف عين الهدى سنة 1311هـ.
المولوي: نعيم الدين هو أخو الشيخ: عليم الدين والابن الصغير للشيخ: فصيح الدين كان في أخذ العلوم وتحصيل الكمالات العلمية تلو أخيه الكبير تتلمذ على العلامة: القنوجي عبد الباسط.
ومن مصنفاته: شرح تصديقات سلم العلوم والحاشية على صدرا في الحكمة.
المولوي: رستم علي بن العلامة: علي أصغر القنوجي: عالم ابن عالم وفاضل ابن فاضل من بيت العلم المشهور والحي الذي بالفضائل مذكور.
ولد في سنة 1115هـ، اكتسب العلوم المتداولة وكتبها المطولات من: أبيه العارف وأتمها بعد وفاته في حلقة درس ملا: نظام الدين اللكهنوي في سنة 1240هـ، وجلس على صدر الإفادة مقام والده وعلم ودرس وألف.
ومن مصنفاته: تفسير القرآن الكريم المسمى: بالصغير وشرح على المنار في غاية من الاختصار
المولوي: محمد عبد العلي القنوجي أخو: الشيخ رستم علي المذكور كسب العلوم من أخيه وصار بارعا في كل فن نبيه له: حاشية على شرح المنار في أصول الفقه. توفي بقصبة: بندكي من توابع: كوره جهان آباد.
المولوي: حسين علي بن علامة العصر: عبد الباسط القنوجي: أخذ العلوم عن أبيه الماجد وتصدى في حياته للدرس وأفاد الطلبة وأفاضهم.
ومن مؤلفاته: كتاب: تمرين المتعلم في الصيغ المشكلة والتعليلات الصعبة توفي بعد أبيه بخمسة أشهر وعمره: أربع وعشرون سنة في سنة 1223هـ، ودفن عند أبيه رحمة الله على شبابه وبوأه في دار النعيم وخصه بثوابه.
المولوي: غلام حسنين بن المولوي: حسين علي بن الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي
ولد في سنة 1221هـ، واسمه التاريخي: غلام عليم تتلمذ على الشيخ العالم: محمد سعادت خان الفرخ آبادي المتوكل المشهور. وعلى العلامة: محمد ولي الله المفتي الفرخ آبادي وأخذ عنه علم الحديث والتفسير في سنة 1336هـ، ورحل إلى الحرمين الشريفين وأقام في برودة من أرض كجرات وحج في سنة 1255هـ، وصحب هناك الشيخ: عبد الله سراج والشيخ: شمس الدين شطا والسيد: عمر أفندي وغيرهم من أهل مكة المكرمة واستجاز بالمدينة المشرفة الشيخ: محمد عابد السندي فأجازه بكتب الصحاح والسنن المشهورة وزار القرآن العثماني واشتغل بكتب التصوف وطالعها.
له من التأليفات: ذيل كتاب المنازل الإثنا عشر لجده وقد قاسى في تكميله جهدا بليغا لاقيته مرارا وصحبته في صغر سني ببلدة قنوج وارتحل إلى برودة وسافر في آخر عمره إلى الحرمين الشريفين وحج وزار ثم رجع فلما بلغ بندر بمبئى مرض وتوفي في سنة12 الهجرية رحمه الله.
المولوي: محمد أمجد القنوجي: كان من كبار الفضلاء وأعاظم العلماء من أهل قنوج تتلمذ على الشيخ العارف: علي أصغر القنوجي وبلغ الغاية في الكمال ودرس وألف وله: حاشية على صدرا في الحكمة متداولة في ديارنا لم أقف على تاريخ وفاته.
الشيخ المولوي فتح علي القنوجي: كان قاضيا بها أبا عن جد تتلمذ على ملا: علي أصغر القنوجي وحصل الحيثية العلمية المعتد بها وفاق الأقران وكان له مناسبة تامة بكل علم ومن مؤلفاته: حاشية على شرح التهذيب الجلالي وشرح لمقامات أبي القاسم الحريري.
السيد محمد القنوجي: هو من سادات رسول دار كان أستاذا للسلطان: عالمكير أورنك زيب ومن صالحاته الباقية: عمارة بيت المسافرين الذي لم يعهد مثله في هذه الديار وله بستان فيه مقبرة عظيمة فيها قبره كان له اليد الطولى في العلوم الرياضية والعربية ألف: حاشية على المطول وكان معظما ذا جاه وثروة ودولة عظمى جامعا بين رياسة العلم والحكومة والشرافة له أعقاب في تلك البلدة لكن كلهم جهلاء متشيعون.
الشيخ: عبد الوهاب الراجكيري المخاطب بنواب منعم خان بهادر وراجكير: محلة من محلات قنوج كان فاضلا جيدا وعالما نبيلا له اليد الطولى في العلوم المتداولة والتصانيف المفيدة في الفنون الدرسية المتناولة منها: مفتاح الصرف وبحر المذاهب في الكلام وكتاب الصدرة في علم العقائد وعندي منها شيء يسير.
الشيخ العارف حبيب الله القنوجي: هو من مشائخ قنوج اكتسب العلوم الدرسية وبرع فيها ثم توغل في السلوك والتصوف وصار رأسا في ذلك العلم والعمل وقصر نفسه على إرشاد الخلق إلى الله تعالى وذكره سبحانه وكان معاصر الملا: علي أصغر القنوجي.
ومن مؤلفاته: الجواهر الخمسة وتذكرة الأولياء وروضة النبي في السير وأنيس العارفين والفاضل في الفقه.
ومن آثاره الباقية إلى الآن: مسجد وخانقاه وروضة فيها قبره قال السيد: غلام علي آزاد في مآثر الكرام: توفي في سنة 1140هـ، تاريخه: الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب قبره بقنوج وشيخه الشاه: عبد الجليل الإله آبادي الآخذ للطريقة عن الشاه: محمد صادق الآخذ عن الشيخ: أبي سعيد من أحفاد الشيخ: عبد القدوس الكنكوهي رحمه الله.
سيدي الوالد الماجد المرحوم: حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي قدس الله سره ونور الله مضجعه - ذكرت له ترجمة حافلة في إتحاف النبلاء المتقين فلا حاجة إلى إعادتها ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
وهو ابن السيد الأمير الكبير: نواب أولاد علي خان بهادر أنورجنك المتوفي بأرض حيدر أباد الدكن جده القريب: السيد أبو عبد الله جلال الدين حسين المعروف: بمخدوم جهانيان جهان كشت ونسبه الأقصى: ينتهي إلى سيدنا: زين العابدين علي أصغر بن حسين الشهيد بكربلاء رضي الله تعالى عنه في سنة 1210هـ.
أخذ أوائل العلوم الدرسية من: الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي ورحل إلى لكهنؤ بعد وفاته فاكتسب عن الشيخ العارف العالم: محمد نور وغيره من علماء عصره وسافر في سنة 1233هـ إلى دهلي وتتلمذ على الشيخ: عبد العزيز والشيخ: رفيع الدين ابني الشيخ الأجل الشاه: ولي الله المحدث الدهلوي وأخذ الإجازة لكتب التفسير والحديث وغيرهما وصحب السيد الكبير والعارف الشهير: أحمد البريلوي مجدد المائة الثالثة عشر وبايعه واستفاض منه فيوضا كثيرة وجاهد معه في سبيل الله وصار خليفة له في دعوة الحق إلى دين الله تعالى فرجع إلى الوطن وتمكن به للدرس والإفادة والوعظ إلى آخر العمر وكان في: التقوى والديانة واتباع الحق واقتداء الدليل ورد الشرك والبدع آية باهرة وقدرة كاملة ونعمة ظاهرة من الله سبحانه وتعالى.
وله مؤلفات بالألسنة الثلاثة: الهندية والفارسية والعربية.
منها: راه سنت وهداية المؤمنين ونور الوفا من مرآة الصفا ورسالة في: معنى الكلمة الطيبة ورسالة في: رد التعزية والضريح ورسالة في: آداب التذكير ورسالة في: آداب البيعة وكتاب في الحدود والقصاص سماه: بالاختصاص وتقوية اليقين في الرد على عقائد المشركين إلى غير ذلك مما يعسر عدها.
توفي - رحمه الله - في سنة 1253هـ تاريخ وفاته: مات بخير استخرجه المولوي: أمين الدين الجاليسري من لفظ الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم الواقع في باب المساجد.
موت التقي حياة لا انقطاع لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء
السيد العلامة: أحمد بن حسن بن علي العرشي القنوجي: أخونا الكبير كان أساسا محكما للمراتب العليا وقياسا منتجا للفضيلة الكبرى ميزان نقد العقليات برهان عدل النقليات ولد تاسع عشر رمضان يوم السبت وقت الإشراق سنة 1246هـ وأخذ العلوم المروجة والفنون الدرسية متفرقة في بلاد شتى من أساتذة متعددين كبلدة دهلي وغيرها وساح البلاد ولاقى جماعة من أهل العلم المدرسين وبرع في الفضائل وجمع الفواضل المتكثرة: كالرمي بالبندق والركوب على الأفراس ونظم القصائد الغراء في الفارسية والعربية وفاق الأقران في: الذكاء والفطنة وقوة الحافظة وجودة الذهن وتتلمذ على المولوي: عبد الجليل الكولي وأجاز له الشيخ العارف: عبد الغني المجددي الدهلوي - نزيل المدينة المنورة حالا الآخذ لعلم الحديث - عن الشيخ: محمد عابد السندي الراوي عن إمام المحدثين وخاتمة المجتهدين الشيخ: صالح بن محمد العمري المسوفي الشهير: بالفلاني وسمع من الحديث المسلسل بالأولية في سنة 1271هـ، وسافر من الوطن قاصدا بيت الله الحرام في سنة 1276هـ، فوارد ببلدة برودة من أرض كجرات - وأقام مدة يسيرة عن المولوي: غلام حسنين القنوجي ثم مرض بالحمى واشتد المرض وانجر إلى الإسهال وكان هناك الوباء فتوفي رحمه الله تعالى تاسع جمادى الأولى يوم الجمعة من شهور سنة 1277هـ، ودفن بعد صلاة الجمعة في التكية الماتريدية عند مزار السيد: يحيى الترمذي - من خلفاء المخدوم: أخي جمشيد الراجكيري وكان عمره ثلاثين سنة وسبعة أشهر وعشرين يوما ولما جاء هذا الخبر ببلدة قنوج حزن عليه جميع أهل البيت وأهل البلد ومن سمع ذلك لا سيما أمه الشريفة وكنت إذ ذاك ببلدة بهوبال المحمية والله يعلم ماذا صب علي من المصائب والأحزان والنوائب؟ ولا مفر لأحد من تقدير العزيز العليم ولا فرج بعد الشدة غير الاصطبار كما أمر به القادر الحكيم فرحمه الله تعالى وإيانا برحمته الواسعة وغفر لنا وله بكرمه العميم وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . وروينا عن عمرو بن العاص أنه قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده" قالوا: ولم ذلك؟ قال: "إن العبد إذا مات بغير مولده قيس ما بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة". أخرجه النسائي.
وفي حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر". رواه أحمد والبيهقي.
والحديث له شواهد ولنعم ما أنشدته عائشة رضي الله عنها حين وردت على قبر أخيها: عبد الرحمن وزارته بمكة المكرمة:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في حياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
ثم إنه رثاه الشيخ: حسن اليمني الأديب بقصيدة أولها:
خطب ألم وفادح قد أوجعا ... بمصاب ركن الدين يوم تصدعا
وقد ذكرت هذه القصيدة في ترجمته الشريفة في كتابي: إتحاف النبلاء فارجع إليه ووجدت بخطه:
أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحروسة قنوج في مبشرة أريتها في اليوم الثامن من رمضان المبارك سنة خمس وستين بعد ألف ومائتين من هجرته صلى الله عليه وسلم رأيته وهو حسين ولونه أبيض من لون الحنطة ويده لا يشتكي منه قصر ولا طول فرأيت أني أكلت معه الطعام وطال يده صلى الله عليه وسلم إلى قصعتي فقربت الإدام إليه فتناوله بيده الشريفة وأخذ كأنه يأكل في قصعتي ولم يبق شيء فقلت: أيتها الحضرة من رآكم في هذا الزمان وصحبكم في المنام هل يعد من أصحابكم؟ فأجاب بما مفهومه:
إنه لا يعد منهم وأعطاني فلوساً.
وسألت عنه صلى الله عليه وسلم: ما بال الناس يتركون الحديث بقياس المجتهدين؟ مع أنهم إنما قاسوا إذ لم يجدوا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصوا أصحابهم بالعمل على الحديث والناس في هذا الزمان قد غلوا في ذلك وكفروا من أرشدهم إلى اتباع السنة المخالفة لمذهبهم فشاهدت آثار الملال في بشرته صلى الله عليه وسلم من صنع الناس.
هذا وكنت إذا سألته عن شيء أرى جسمي كأنه يمس جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم يتعطف علي ويقبل إلي ووجدت له صلى الله عليه وسلم بعد هذه المبشرة محبة عظيمة من قلبي حتى أحببت أن جعلني الله فداه وأقتل في الجهاد وأنا أحميه ووجدته صلى الله عليه وسلم يرضى بالعمل للحديث. انتهى.
وبالجملة: كان له اليد الطولى في الرد على المقلدة كما يلوح ذلك من كتابه: حديث الأذكياء الملقب: بالشهاب الثاقب وغيره وله نظم رائق وشعر فائق بالفارسية والعربية يربو على نظم الأدباء المتقدمين والبلغاء المتأخرين ذكرت جملة صالحة منها في كتابي: إتحاف النبلاء وتذكرتي المسماة: بشمع انجمن فارجع إليهما وهو نظير: المحدث العلامة الشيخ: محمد فاخر المتخلص: بالزائر الإله آبادي تلميذ الشيخ محمد حياة السندي المدني في إيثار الاتباع ورفض الابتداع والتمسك بالأدلة والتجنب عن الآراء المضلة.
والعبد الضعيف أيضا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ببلدة قنوج رأيته جالسا على سرير تحته يجري الماء الصافي فسلمت عليه وجلست على طرف من السرير موضع الحاشية أدبا منه صلى الله عليه وسلم مقبلا إليه فقال قولا لم أفهمه حق الفهم لكن قلت في جوابه: أين أنا من هذه الرتبة؟
ورأيت أن وراء ظهره صلى الله عليه وسلم عمارة كالحمام وقلة من رمان فأخذ رمانين منها وجاء إلي وأعطانيهما بيده الشريفة فتناولتهما ووقع لي ذهول ما في أثناء هذا الحال ثم أفقت ورأيت عمارة المدينة المنورة كأنها عمران قديم وديار بالية وسكك خالية ثم تيقظت والعين تجري بدموع وفي القلب من الراحة والسكينة مالا يعلمه إلا الله ثم تأملت في التأويل فوجدت أن الرمانين عبارة عن: العمل بالكتاب والسنة أو السفر إلى الحرمين الشريفين وقد وقع ما أولت - ولله الحمد - ونظمت هذه الرؤيا في أبيات أولها:
رأيت رسول الله في النوم ليلة ... وقد كنت مشتاقا إليه متيما
إلى آخر الأبيات
العبد الفقير لما أنزل إليه من خير الباري
أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسنين القنوجي البخاري كان الله له في الدنيا والآخرة وحباه فيهما بنعمه الذاخرة الوافرة الفاخرة.
تولد في سنة 1248هـ، ثمان وأربعين ومائتين وألف القدسية على صاحبها الصلاة والتحية ونشأ بموطنه بلدة قنوج وما إليها من الأقطار الهندية فهو مولده ومسكنه ومرباه ومحتده وداره ومثواه.
يرجع نسبه إلى حضرة سيد السادة وقدوة القادة: زين العابدين علي بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
تتلمذ العلوم الدرسية على الوجه المرسوم على شيوخ هذا العهد.
منهم: الشيخ الفاضل المفتي: محمد صدر الدين خان الدهلوي من تلامذة الشيخ: الكامل عبد العزيز وأخيه الشيخ العامل: رفيع الدين ابني الشيخ الأجل مسند الوقت: أحمد شاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى.
واستفاد العلوم الملية من: التفاسير والأحاديث وما يليهما من مشيخة اليمن الميمون والهند.
منهم: الشيخ القاضي: حسن بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ الشيخ الماهر: محمد بن ناصر الحازمي تلميذ القاضي الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني.
والشيخ المعمر الصالح: عبد الحق بن فضل الله الهندي.
والشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة المكرمة أخو الشيخ: محمد إسحاق حفيد الشيخ: عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى. وكلهم أجازوا له مشافهة وكتابة إجازة مأثورة عامة تامة.
وممن استجاز منه: العالم الكامل والمحدث الفاضل الشيخ: يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي - قاضي عدن حالا - أجاز له حسب اقتراحه في ذي الحجة سنة 1295هـ الهجرية والشيخ العلامة زينة أهل الاستقامة السيد: نعمان خير الدين ألوسي زاده مفتي بغداد حالا أجاز له في هذا العام الحاضر وهو سنة 1296هـ الهجرية.
ثم طالع بفرط شوقه وصحيح ذوقه: كتبا كثيرة ودواوين شتى في العلوم المتعددة والفنون المتنوعة ومر عليها مرورا بالغا على اختلاف أنحائها وأتى عليها بصميم همته وعظيم نهمته بأكمل ما يكون حتى حصل منها على فوائد كثيرة وعوائد أثيرة أغنته عن الاستفادة عن أبناء الزمان وأقنعته عن مذاكرة فضلاء البلدان.
وجمع بعونه تعالى وحسن توفيقه ولطف تيسيره من نفائس العلوم والكتب ومواد التفسير والحديث وأسبابها ما يعسر عده ويطول حده.
وأوعى من ضروب الفضائل العلمية والتحقيقات النفسية ما قصرت عنه أيدي أبناء الزمان ويعجز دون بيانه ترجمان اليراع عن إبراز هذا الشأن ولله الحمد على ما يكون وعلى ما كان.
ثم ألقى عصا التسيار والترحال بمحروسة بهوبال من بلاد مالوة الدكن فنزل بها نزول المطر على الدمن وأقام بها وتوطن وأخذ الدار والسكن وتمول وتولد واستوزر وناب وألف وصنف وعاد إلى العمران من بعد خراب وكان فضل الله عليه عظيما جزيلاً.
والحمد لله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.
ثم اختص بعونه تعالى وصونه بتدوين علوم الكتاب العزيز وأحكام السنة المطهرة البيضاء وتلخيصها وتلخيص أحكامها من شوب الآراء ومفاسد الأهواء.
وهذا إن شاء الله تعالى خاص به في هذا العهد الأخير والله يختص برحمته من يشاء كيف وعلماء الأقطار الهندية وإن بالغ بعضهم في الإرشاد إلى اتباع السنة وقرره في مؤلفاته وحرره في مصنفاته على وجه ثبت به على رقاب أهل الحق والمنة وشمر بعضهم عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى اعتقاد التوحيد ورد الشرك والتقليد باللسان والبيان بل بالسيف والسنان لكن لم يدون أحد منهم أحكام الكتاب العزيز وعلوم السنة المطهرة من العبادة والمعاملة وغيرها خالصة عن آراء الرجال نقية عن أقوال العلماء على هذه الحالة المشاهدة في كتبه المختصرة والمطولة:
كالروضة الندية
ومسك الختام شرح بلوغ المرام.
وعون الباري. وفتح البيان ورسالة القضاء والإفتاء والإمامة والغزو والفتن والنار ... وغير ذلك مما طبع واشتهر وشاع وسارت به الركبان إلى أقطار العالم من: العرب والعجم كالحجاز واليمن وما إليها ومصر والعراق والقدس وطرابلس وتونس والجزائر ومدن الهند والسند وبلغار ومليبار وبلاد الفرس.
وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين وكتب إليه علماء الآفاق ومحرروها ومحدثو الديار ومفسروها كتبا كثيرة أثنوا فيها على تلك التواليف ودعوا له بإخلاص الفؤاد لحسن الدنيا والأخرى - تقبل الله فيه هذه الدعوات وختم بالحسنى وأحسن إليه بتيسير المنجيات.
وهذه الخطوط والرقائم قد ألحقت في خواتيم مؤلفاته فانظر إليها في تضاعيف محرراته يتضح لك القول الحق والكلام الصدق إن شاء الله تعالى.
ثم خوله سبحانه من المال الكثير والحكم الكبير والآل السعداء والأخلاف الصلحاء والنسب الحميد والحسب المزيد ما يقصر عن كشفه لسان اليراع ولو كشف عنه الغطاء ما ازداد الواقف عليه إلا يقينا وإن يأباه بعض الطباع.
وهو الذي يقول لأخلافه مقتديا بأسلافه بفم الحال ولسان المقال.
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وهو قد طعن الآن في عشر الخمسين من العمر المستعار مع ما هو مبتلى به من: سياسة الرياسة وقلة الشغل بالعلم والدراسة وفقد الأحبة والأنصار وتسلط الأعداء الجاهلين بالقضايا والأقدار.
والمرجو من حضرة رب العالمين أن يجعله ممن قال فيهم: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} والحمد لله الذي جعله محسودا ولم يجعله حاسدا وخلقه صابرا شكورا ولم يخلقه فظا غليظ القلب عانداً ولله در الحسد أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله.
وهذه أسماء كتبه المؤلفة على ترتيب حروف المعجم المطبوعة في مطابع بهوبال المحمية ومصر والقسطنطينية والشام وغيرها من البلاد العظام ويزيد الله في الخلق ما يشاء وهو المتفضل ذو الإنعام:
الألف
أبجد العلوم ع إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين ف الاحتواء على مسألة الاستواء هـ الإدراك لتخريج أحاديث رد الإشراك ع الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ع أربعون حديثا في فضائل الحج والعمرة ع إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ ف الإكسير في أصول التفسير ف إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة ع الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح ع.
الباء الموحدة
بدور الأهلة من ربط المسائل بالأدلة ف بغية الرائد في شرح العقائد ف البلغة إلى أصول اللغة ع بلوغ السول من أقضية الرسول ع. التاء الفوقانية
تميمة الصبي في ترجمة الأربعين من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هـ
الثاء المثلثة
ثمار التنكيت في شرح أبيات التثبيت ف.
الجيم
الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة ع.
الحاء المهملة
حجج الكرامة في آثار القيامة ف الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون ع حصول المأمول من علم الأصول ع الحطة بذكر الصحاح الستة ع حل الأسئلة المشكلة ف.
الخاء المعجمة
خبية الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ع.
الدال المهملة
دليل الطالب إلى أرجح المطالب ف.
الذال المعجمة
ذخر المحتي من آداب المفتي ع.
الراء المهملة
رحلة الصديق إلى البيت العتيق ع الروضة الندية شرح الدرر البهية ع رياض الجنة في تراجم أهل السنة ع.
السين المهملة
السحاب المركوم الممطر بأنواع الفنون وأصناف العلوم ع وهو القسم الثاني من هذا الكتاب: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند ف.
الشين المعجمة
شمع انجمن در ذكر شعراء زمن ف
الصاد المهملة
الصافية في شرح الشافية ف في علم الصرف.
الضاد المعجمة
ضالة الناشد الغريب من بشرى الكئيب في شرح المنظوم المسمى: بتأنيس الغريب ف. الظاء المعجمة
ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي ع.
العين المهملة
العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة ع العلم الخفاق من علم الاشتقاق ع عون الباري بحل أدلة البخاري ع أربع مجلدات.
الغين المعجمة
غصن البان المورق بمحسنات البيان ع غنية القاري في ترجمة ثلاثيات البخاري هـ.
الفاء
فتح البيان في مقاصد القرآن ع أربع مجلدات فتح المغيث بفقه الحديث هـ الفرع النامي من الأصل السامي ف.
القاف
قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل ع قضاء الأرب من مسألة النسب ع قطف الثمر من عقائد أهل الأثر ع.
الكاف
كشف الالتباس عما وسوس به الخناس في رد الشيعة بالهندية.
اللام
لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من الأغلاط ع لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان ع.
الميم
مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام ع مراتع الغزلان من تذكار أدباء الزمان ع مسك الختام من شرح بلوغ المرام ف مجلدان ضخيمان منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول ف الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة ع.
النون
نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان ع نيل المرام من تفسير آيات الحكام ع.
الواو
الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم المنثور منها والمنظوم وهو القسم الأول من هذا الكتاب ع.
الهاء
هداية السائل إلى أدلة المسائل ف. الياء
يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار ع.
وهذا آخر ذكر الكتب المؤلفة إلى هذا التاريخ.
قال المحقق: ويرمز حرف ع إلى أن المؤلف هو باللغة العربية وحرف ف بالفارسية وحرف هـ بالهندية ثم اتفق أنه أتحف إلى حضرة السلطان المعظم: عبد الحميد خان ملك الدولة العثمانية تفسيره: فتح البيان في مقاصد القرآن وكتب إليه كتابا في ذلك فجاء إليه من بابه العالي المثال الغالي جوابا عليه مع نشان الدرجة الثانية المسمى بمجيدية ويقال له: ارنجي بالتركية.
وورد مكتوب من السيد: خير الدين باشا الصدر الأعظم مع كتاب: أقوم المسالك في أحوال الممالك هدية منه إليه وهذه نسختهما:
افتخار1 الأعالي والأعاظم مستجمع جميع المعالي والمفاخم صديق حسن خان دام علوه زوج سيدة المخدرات إكليلة المحصنات شاهجان بيكم دامت عصمتها التي هي من نوابة هند رئيسة خطة بهوبال اتصفت ذاته العالية الصفات بالأوصاف التي تمدح وتقبل لنا في حق كرامته اعتبار وتوجه سلطاني وقد سلمنا جنابه للدلالة على ذلك من جانبنا السني الجواب السلطاني قطعة نشان ذي الشان من الرتبة الثانية وأصدرنا إليه هذه البراءة العالية الشان حرر في اليوم العشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وألف. انتهى.
وقد هناه على ذلك جمع جم من أهل العلم وأرخ له المؤرخون من شعراء الرياسة منها: قصيدة الشيخ الأديب والسفير اللبيب: محمد حسن بن محمد إسماعيل الدهلوي المتخلص: بالفقير أولها:
تجلى لنا نور الهنا ووفى البشر ... ومن زهر أفنان الورى عبق النشر
وعندل طير الأنس في روضة المنى ... على فنن الأفراح وانشرح الصدر
وهذه القصيدة بتمامها مع الكتابة التي كانت على اسم حضرة السلطان محررة في تاريخ بلدة بهوبال المحمية صانها الله وإيانا عن كل رزية وبلية بجاه نبيه المصطفى خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كل بكرة وعشية.
السيد الصالح: أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب ولد المؤلف الكبير جمل الله الوجود ببقائه وعطر الأكوان بثنائه ولد ببلدة بهوبال المحمية يوم الأربعاء قبيل طلوع الشمس في الحادي والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف الهجرية ويوم ولادته هذا وافق يوم ولادة يونس بن متى عليه السلام ويوم فتح غزوة الأحزاب لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وحين ولد كتب أهل العلم تهاني كثيرة منهم: شيخنا وأستاذه القاضي: حسين بن محسن اليماني قال: هنا كم الله بالمولود السعيد وجعله من حملة القرآن والحديث المجيد ومنهم: الشيخ زين العابدين الأنصاري قاضي بهوبال حرر الكتاب وصدره بهذه الأبيات:
بشرى لقد طلعت شمس العلى وبدا ... بدر السيادة في أفق الكرامات
در من البحر بحر العلم قد ظهرا ... نور تفتح من روض السعادات
أبقاه رب الورى بالصالحات معا ... وأنبت الله سعدا خير إنبات
قال: وقد قلت عند حصول هذه النعمة وورودها ما كانت العرب تقوله عند التهاني بمولودها:
مد لك الله في الحياة مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلا محمودة وعدا
هناكم الله مولده وقرن بالخير مورده وأطال عمره وأسعده وجعله مقربا في جنابه ورباه في ظلال السادة أهل كتابه وكتب الشيخ الأديب: علي عباس الجرباكوني رسالة فيها:
نصدر إليكم المسطور للتهنية والتبشير بالولد الصالح الفاقد النظير وأرجو من الله أن يكون عالما بارعا وإماما نافعا وأميرا عادلا وكريما باذلا وقد وجدت له اسمين دالين على تاريخ ميلاده ظهير الإسلام ونظير حسن وقلت أيضا:
ليحبني بحت الوداد وسنحته ... لا زال يصطاد الخلائق فخنته
أعطاه معبود السماء وأرضها ... ولدا منيرا ضحه أوفخته
قد قال لي أرخ وسر الأفئدة ... قد قلت تاريخا يا كرم بخته
إلى غير ذلك مما هنأ به جمع جم من أهل العلم والوداد وقد وقع لله الحمد كما هنوه به فإنه قد نشأ على الصلاح والطاعة ونمى في شغل العلم بقدر الاستطاعة وبرع في الذكاء والفطرة على الأقران وحاز من التقوى والفضائل مع حداثة سنه ما عجز عنه الأعيان
تتلمذ على جمع من أهل العلم الحاضرين ببلدة بهوبال المحمية الملازمين للرياسة العلية.
منهم: الشيخ العالم المفتي: محمد أيوب والشيخ الفاضل المولوي: أنور علي المراد آبادي والمولوي: إلهي بخش الفيض آبادي والمولوي الكامل القاضي: محمد بشير الدين العثماني القنوجي والشيخ العالم: محمد بشير السهسواني وشيخنا العلامة المحدث: حسين بن محسن الأنصاري اليماني وهذا العبد الفاني الجاني وهو الآن في كسب الفضائل والعلوم المنطوق منها والمفهوم له بعض تأليفات نفيسة.
منها: رسالة النهج المقبول من شرائع الرسول وكتاب: عرف الجادي من جنان هدي الهادي وهما في فقه السنة حررهما تحريرا بالغا وتذكرة في شعراء الفرس سماه نكارستان سخن وتذكرة أخرى في شعراء الهند وتعليقات على بعض العلوم الآلية وهو المقصود الأول والوجود الثاني لمحرر هذا الكتاب أثبت ترجمته أولا في كتابي: إتحاف النبلاء وثانيا في تذكرتي للشعراء المسماة: بشمع انجمن وهي أيضا محررة في صبح كلشن وغيره وجمعت له من الكتب النفيسة العزيزة الوجود خزينة ومن الأموال المحللة عدة يعيش بها عيشة رضية إن شاء الله تعالى وهو المخاطب من جهة الرئيسة المعظمة: بالخان والملحوظ بعين الشفقة الزائدة على الأقران له شعر حسن بالفارسية وكلام بليغ في العبائر الأدبية أدام الله سعده وأطال حياته ومجده. السيد الشريف: أبو النصر مير علي حسن خان الطاهر ولد المؤلف الصغير ولد ببلدة بهوبال المحمية ونشأ بها في أرغد نعمة وأطيب أمنية وكانت ولادته هذه يوم الخميس رابع الربيع الآخر من سنة 1283هـ، ثلاث وثماني ومائتين وألف الهجرية ذكرت له ترجمة في كتابي: إتحاف النبلاء وهي محررة أيضا في شمع انجمن تذكرة الشعراء.
قرأ الفارسي على الحكيم المولوي: محمد أحسن البلجرامي - مؤلف ارتنك فرهنك - وأخذ الصرف والنحو وهو يكتسب الآن بقية العلوم له ذكاء وفطنة وهمة وسعادة عظيمة يتدرب في الشعر حرر تذكرة لشعراء الفرس وسماها: صبح كلشن وإليه ينسب: شرح المرقاة في المنطق الذي استفاده من المولوي: إلهي بخش الفيض آبادي يحفظ من النظم العربي والفارسي قسطا كبيرا له حواش على مؤلفاتنا كما هي لأخيه ورسالة في: حكم التقليد كما لأخيه في الاجتهاد وقد طبعتا لهذا العهد في مطبعة الجوائب بالقسطنطينية وعليه شفقة عظيمة للرئيسة المعظمة وهي التي خاطبته: بالخان وأعطته من المعايش ما يكفي لمؤون الزمان وكذلك هو أحب أولادي إلي وإن كان قليل الاعتناء بالعلم وبما لدي لكن أرجو ربي أن يجعله من أهل العلم وخلص عباده ويخصه باعتمال مرضاته ومراده وما ذلك عليه بعزيز وكم دعوت له ولأخيه وأخته في الحرمين الشريفين وأماكن الإجابة وظني أن دعواتي قد حلت إن شاء الله تعالى محل القبول والاستجابة ولا عبرة بحركات عهد الصبا إنما العبرة بما يستقر عليه الحال عند الانتهاء - أحسن الله إلينا جميعا فإنه سبحانه كان بصيراً سميعاً.
أي الواردين بها الملازمين للرياسة العلية وهم كثيرون وإن كانوا غرباء من بلاد شتى وقد حوى تراجمهم كتاب: تاريخ بهوبال الذي حرره بعض الفضلاء وحالتهم الراهنة وصفتهم الحاضرة تغني عن ذكرهم في هذا الكتاب ومؤلفاتهم الموجودة بين ظهراني الطلبة تنبئ عما في الباب كيف والفضل لا يخفى على الفضل والفرض لا يشتبه بالنفل ولكن لا بد هاهنا من ترجمة مليكة هذه الرياسة فإنها التي جمعت هؤلاء وهم الذين اجتمعوا على سدتها الرفيعة مستجدين للعطاء وهذه ترجمتها أدام الله تعالى رفعتها وأطال عصمتها.
تاج الهند المكلل: أهل بيتي نواب شاهجهان بيكم مليكة بلدة بهوبال المحمية ومالكة رياستها العلية - جمل الله الوجود ببقائها - المخاطبة: بالرئيس البطل الأعظم من الطبقة العليا للكواكب الهند ولدت بحصن إسلام نكر على ثلاثة فراسخ من بهوبال في سنة 1254هـ، وجلست مجلس أبيها بالاستحقاق من غير شقاق وهي ابنة تسع سنين في الخامس عشر من شهر الله المحرم سنة 1263هـ، وأتت إليها خلعة فاخرة من جهة ملكة البرطانية حاكمة الهند والإنكلند وربت في حجر أمها: نواب سكندر بيكم وحصلت الفنون الفارسية وتعلمت الخط والكتابة واستفادت سليقة الرياسة والسياسة حتى برعت في ذلك على الأقران وامتازت بينهم في القدرة على ترجمة القرآن وتحرير الرسائل الدينية وتقرير المسائل الدولية جامعة للفضائل الدنيوية والأخروية يضرب بها المثل في: الذكاء والحفظ والكرم والرحمة والجود فهي إنسان عين الشهود وعين إنسان الوجود. ولما بلغت من العمر اثنتين وعشرين سنة فوضت عنان الرياسة إلى يد اقتدار أمها واكتفت لنفسها بولاية العهد وهذا غاية الهمة والجود فإنه لا يسمح بذلك إلا القليل النادر وحين توفت والدتها الشريفة في شهر رجب من شهور سنة 1285هـ، جلست على مسند الرياسة وشرفت محل السياسة من جهة الأبوين ثم تزوجت بي في سنة 1288هـ، بعد ما أجازته بذلك السلطنة البرطانية في عهد حكومة لارد ميو حاكم الهند - نزيل دار الإمارة: كلكته وتاريخ هذا العقد: بتعمية العدد الواحد وأخرى تحبونها ويا له من تاريخ ينبئ عن حسنات الدارين.
أما الأولى: وهي حسنة الدنيا فعموم النفع الذي سألت سيوله بهذا السبب.
وأما الثانية: فهي حب عقبي الدار وفي نحو هذا المحل يقال: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
ثم إنها سافرت في شهر رمضان إلى بندر ممبيء في سنة 1289هـ، وهناك حصل له الخطاب العالي من الدرجة الأولى والنشان السلطاني المعنون بقلم الوزير الأعظم الذي يقال له: ممبراف دي امبرئيل آردر أف دي كرند كمندر اشتاراف إنديا ورجعت قريرة العين بإعزاز خاص واختصاص عام إلى دار مملكتها.
وسافرت بعد ذلك في أواخر ذي قعدة سنة 1292هـ الهجرية إلى دار الإمارة: كلكته ولاقت بها برنس: اف ويلز أكبر أولاد ملكة إنكنلد وولي عهدها.
وقد عظمها تعظيما بليغا وأعطاها تمغة نبيلة وتحائف جليلة من التي تعمل بإقليم إفرنج
وكذلك لاقت قبل ذلك أخاه: برنس ايدنبرا ورأت من تلقائه تشريفا كبيرا وأرسل لها من لندرة أشياء نفيسة وكنت رفيقها في هذه الأسفار كما جرت بذلك العادة.
ثم سافرت أخرى إلى دهلي في سنة 1294هـ، وحصل لها النشان القيصري العظيم الشأن المكتوب عليه العز من الله وأعطاها كورنر جنرل سيفا فرنجيا مع نطاق مطلي وصندوق محلى وهو موجود عندنا نربطه في المحافل ورجعت قرينة السرورة العظيم راقية على مقام كريم وفي هذا الاحتفال الكبير والجمع الغفير الذي حضر فيه رؤساء الهند جميعهم قاصيهم ودانيهم ولا يلفى له نظير في الأزمنة الخالية على هذه الحالة تقرر لنا ضرب سبعة عشر مدفعا من جهة ملكة إنكلند في جميع أرضها المعمولة فيها عند ورودنا وصدورنا في تلك البلاد ثم جاء لها خطاب آخر لفظه: كرون أف إنديا وترجمته: تاج الهند وفي هذا العام الحاضر أعني سنة 1296هـ الهجرية ورد مثالان عظيمان على اسمها الشريف مع نشان الدرجة العليا التي يقال لها شفقت من جهة السلطان المعظم مالك رقاب الأمم: عبد الحميد خان ملك الدولة العثمانية خلد الله ملكه وجعل الدنيا بتمامها ملكه وهذه عبارتها مترجمة.
والحاصل: أن مليكة بهوبال المحمية زمانها هذا زمان السعادة وأوان ترقي العلوم وموسم المسرة والرفعة لكل خادم ومخدوم كيف وهي تاج الهند ورأس الرؤوس؟ وقد قيل في المثل السائر: لا عطر بعد عروس وهي التي عمرت الديار بعد خرابها وأحيت المدارس العلمية بعد دروسها وتبابها وبنت المساجد العظيمة وقررت الوظائف الفخيمة وحفرت الآبار وغرست الحدائق والأشجار وأحدثت العمائر الكبار وأكرمت الصغائر والصغار وأحيت السنن وأماتت البدع وقلعت أسباب الفجور والفسوق وأخمدت نار الصبوح والغبوق وطهرت الديار عن أدناس الإشراك والمحدثات.
وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل المكرمات وجمعت من نفائس الكتب على اختلاف أنواعها وتباين علومها ما يعظم قدره ويجل وصفه وأعطت الطلبة ألوفا من المصاحف والرسائل الدينية مجانا ولم تحرم من نوالها وجودها إنسانا وأوقفت أرزاقا كثيرة على الفقراء والمحاويج وقررت لهم وظائف جمة من النقود والغلات ولا تزال تعطي العفاة والواردين بمملكتها من الحجاج والغزاة والمسافرين والطلبة والمساكين من الأموال والأقمشة والبيوت ما يعسر حده ويطول عده إلى أن سالت سيول فيوضها العامة لكل حاضر وبادي وجالت خيول جودها في كل بادية ووادي وأمن الناس في ظلها الوارف من كل خوف تالد وطارف تتحرى الصدق والصواب في كل إياب وذهاب وتقيم الصلاة والصوم عند كل يقظة ونوم لها يد عاملة في النظم فارسيا كان أو هنديا ويمنى جارحة في النثر إنشاء سويا ونظمها مضبوط في ديوان الشعر وفي تذكرة الشعراء وقد حرر ترجمتها جمع جم من عصابة الأدباء.
وبالجملة: فقد جاءت في هذا الزمان الأخير والدهر الفقير جامعة للفضائل التي قلما تجتمع في رجل فضلا عن النسوان حاوية للفواضل التي قصر دون تبيانها لسان الترجمان وهذه ذرة من ميدان مناقبها العلية وقطرة من بحار مكارمها الجلية.
فلنقتصر هاهنا على هذا القدر النذر فإن المقام لا يتسع لذكرها على وجه الكمال أدام الله أيامها وسخر لها الدنيا تمامها وجعل آخرتها خيرا من الأولى وأولاها مزرعة للأخرى إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
بسملة باب الوجود حمد من اسمه الأقدس فاتحة كل كتاب وفهرسة نسخة الشهود ثناء من باكورة حمده في رياض الخير مطلع كل باب ونسائم التصلية والتسليم سارية إلى حمى النبي الكريم وأزهار التحية باسمة على عريش الأصحاب والآل ما برق ذكاء ولمع آل.
وبعد فهذا هو القسم الثالث من كتاب "أبجد العلوم" وكنا قد قسمناه على قسمين من قبل ولكن لما انتهى بنا الكلام إلى آخر القسم الآخر عن لنا أن نجعل له قسما ثالثا في تراجم أكابر أئمة العلوم المتداولة ليكون له كالمسك على الختام ويبلغ به الناظر فيه إلى غاية المرام وسميت هذا الثالث من الأقسام: الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم وبالله التوفيق وإليه مصير كل موجود معدوم"
فؤادي داع واللسان مترجم ... ويا رب يا رحمن فضلك أكرم
وإني لمضطر وصنعي عاقني ... وهل غير رب العبد للعبد يرحم
قال في كتاب الجواهر المضيئة: إن ذكر فضائل العلماء تعرض لنفحات الوهب من الله تعالى فإن ذكرهم بالفضائل ذكر الله بالإنعام والإفضال وثمرة ذكر الله طمأنينة القلب كما نطق به الكتاب المبين ومن الحديث الدائر على الألسنة عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة رحمنا الله برحمته التي وسعت كل شيء.
وفي رسالة الشيخ المسند حسن العجيمي ما معناه: من ورخ أحدا من أهل الفضل والكمال فهو في شفاعته
قال الشاعر:
أرخهم تظفر بأجر وافر ... فبذكرهم يجلى عن القلب الصدأ
وفي كتاب تحقيق الصفا لمحب الدين الطبري: أن من ورخ مؤمنا فضلا عن عالم عامل فكأنما أحياه ومن أحيى مؤمنا فكأنما أحيى الناس جميعا. انتهى
أرخت أحبابي لكي ألقاهم ... ما دمت في الأحياء نصيب نواظري
وينال سمعي من لذيذ حديثهم ... خيرا وإن لم يبرحوا عن خاطري
ولبعضهم:
إن كان قد رحلوا عني وقد بعدوا ... فليس عن حبهم قلبي بمرتحل
في حبهم أنا موقوف على رشد ... ميل الغصون وميل الشارب الثمل
خليل بن أحمد البصري: صاحب كتاب العين في اللغة أستاذ سيبويه وهو أول من استخرج العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر الأشعار بها في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا ثم زاد فيه الأخفش بحرا واحد وسماه الخبب وله معرفة بالإيقاع والنغم وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض فإنهما متقاربان في المآخذ. وكان دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علما لم يسبق إليه ولا يؤخذ إلا عنه فرجع من حجه وفتح عليه بالعروض.
وكان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم.
قال تلميذه نضر بن شميل: أقام الخليل في خص بالبصرة لا يقدر على فلسين وتلامذته يكتسبون بعلمه الأموال وكان الناس يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى منه
وكان يحج سنة ويفرد سنة وأبوه: أول من سمي أحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يقول: أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة وهي السن التي بعث الله فيها محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثا وستين سنة وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر. ومن شعره:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
وأنشد:
يقولون لي: دار الأحبة قد دنت ... وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت: وما تغني الديار وقربها ... إذا لم يكن بين القلوب قريب
ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في وفيات الأعيان
توفي الخليل سنة خمس وستين أو سبعين ومائة وله أربع وسبعون
وسبب موته أنه قال: أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى البقال فلا يمكن أن يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكره فصدمته سارية وهو غافل فانصدع ومات ورئي في النوم فقيل له: ما صنع الله بك؟ فقال: أرأيت ما كنا فيه لم يكن شيئا أو ما وجدت أفضل من: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.
علي بن حسن الهناني: المعروف بكراع النمل بضم الكاف. أبو الحسن النحوي اللغوي قال ياقوت: هو من أهل مصر أخذ عن البصريين وكان نحويا كوفيا كتب المنضد في لغة المجرد سنة سبع وثلاثمائة.
أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين اللغوي الرازي القزويني كان نحويا على طريقة الكوفي سمع أباه وعلي بن إبراهيم بن سلمة وقرأ عليه الأديب الهمذاني وكان إماما في علوم شتى خصوصا باللغة فإنه أتقنها وألف كتابه المجمل في اللغة وهو على اختصاره جمع شيئا كثيرا وله مسائل في اللغة وكان مقيما بهمذان فحمل منها إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة فسكنها وعليه اشتغل بديع الزمان صاحب المقامات وكان شافعيا فتحول مالكيا وقال: أخذتني الحمية لهذا الإمام أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه وكان الصاحب بن عباد تلمذ له ويقول: شيخنا ممن رزق حسن التصنيف وكان كريما جودا ربما سئل فيهب ثيابه وفرش بيته قال الذهبي: مات سنة 395 وهو أصح ما قيل في وفاته. ومن شعره:
مرت بنا هيفاء مجدولة ... تركية تنمي لتركي
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي
إسحاق بن إبراهيم الفارابي: أبو إبراهيم صاحب ديوان الأدب في اللغة خال أبي نصر الجوهري ترامى به الاغتراب إلى أرض اليمن وسكن زبيد وبها صنف كتاب المجمل ومات قبل أن يروى عنه قريبا من سنة 350، وقيل: في حدود السبعين وقال ياقوت: رأيت نسخة من هذا الكتاب بخط الجوهري وقد ذكر فيها: أنه قرأه إلى إبراهيم بقاراب وله رحمه الله تعالى أيضا: شرح أدب الكتاب وبيان الأعراب.
أحمد بن أبان بن سيد: اللغوي الأندلسي صاحب المعلم في اللغة أخذ عن أبي علي القالي وغيره وكان عالما إماما في اللغة والعربية حاذقا أديبا سريع الكتابة.
روى عنه الأفليطي صنف المعلم مائة مجلد مرتبا على الأجناس بدأ فيه بالفلك وختم بالذرة وشرح كتاب الأخفش وغير ذلك مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
محمد بن أحمد بن الأزهر: طلحة بن نوح الهروي اللغوي الشافعي أبو منصور الأزهري ولد سنة 282 وأخذ عن ربيع بن سليمان ونفطويه وابن السراج وأدرك ابن دريد ولم يرو عنه وورد بغداد وأسرته القرامطة فبقي فيهم دهرا طويلا وكان رأسا في اللغة واشتهر بها.
أخذ عنه الهروي صاحب الغريبين وكان قد رحل وطاف في أرض العرب في طلب اللغة وكان جامعا لشتات اللغة مطلعا على أسرارها ودقائقها وصنف في اللغة كتاب التهذيب وهو من الكتب المختارة يكون أكثر من عشر مجلدات وله تصنيف في غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء في مجلد واحد وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه وكان عارفا بالحديث عالي الإسناد ثخين الورع.
ولد في سنة 282، ومات في ربيع الآخر سنة 370، وقيل سنة 371 بمدينة هراة وله أيضا تفسير ألفاظ مختصر المزني والتقريب في التفسير وغير ذلك ورأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج وأبا بكر بن الأنباري ولم ينقل أنه رحمه الله تعالى أخذ عنهما شيئاً.
علي بن إسماعيل بن سيده: اللغوي النحوي المرسي الأندلسي أبو الحسن الضرير صاحب المحكم في اللغة وله كتاب المخصص في اللغة أيضا قيل: اسم أبيه: محمد وقيل: إسماعيل وكان أبوه ضريرا أيضا قيما بعلم اللغة اشتغل ولده كان حافظا لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بها متوفرا على علوم الحكمة.
روى عن أبيه وأبي العلاء صاعد بن الحسن البغدادي وله شرح إصلاح المنطق وشرح الحماسة وشرح كتاب الأخفش مات سنة 358، عن نحو ستين سنة أو نحوها وكان له في الشعر حظ وتصرف.
إسماعيل بن حماد الإمام: أبو نصر الفارابي الجوهري صاحب الصحاح.
قال ياقوت: كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما أصله من فاراب الترك وكان إماما في اللغة والأدب وخطه يضرب به المثل وكان يؤثر السفر على الحضر ويطوف الآفاق لأجل العلم صنف كتاباً في العروض ومقدمة في النحو قبل تغير عقله في آخر عمره فعمل لنفسه جناحين فصعد مكانا عليا فأراد أن يطير فوقع ميتا وبقي الصحاح في المسودة فبيضه تلميذه إبراهيم بن صلاح الوراق فغلط فيه في مواضع.
قال ياقوت: وقد رأيت كتاب الصحاح بخطه عند الملك الأعظم وقد كتبه في سنة 392هـ
قال ابن فضل الله في المسالك: مات سنة 396هـ.
عبد الله بن بري ابن عبد الجبار: أبو محمد المقدسي المصري النحوي اللغوي علق نكتا مفيدة على صحاح الجوهري وشاع ذكره واشتهر ولم يكن في الديار المصرية مثله كان قيما في النحو واللغة والشواهد.
صنف اللباب للرد على ابن الخشاب في رده على درة الغواص للحريري قال الصفدي: لم يكمل هو حواشي الصحاح وإنما وصل إلى وقس وهو ربع الكتاب فأكملها الشيخ عبد الله بن محمد البطي.
مات ابن بري سنة 582هـ، وللصحاح تكملة وحواش للصغاني رحمه الله تعالى وجمع بينها وبين الصحاح مجمع البحرين.
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم: الشيرازي الفيروزآبادي صاحب المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب والقاموس المحيط والقاموس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط والعباب وقد بلغ تمامه ستين مجلدة والقاموس معظم البحر.
والقابوس الرجل الجميل الحسن الوجه الحسن اللون يقال: رجل وسيط فيهم أي: أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا ويقال: قوم شماطيط أي: متفرقة وجاءت الخيل شماطيط أي: أرسالاً.
وهو العلامة مجد الدين أبو الطاهر إمام عصره في اللغة.
قال الحافظ ابن حجر: كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ثم ارتقى وادعى بعد أن ولي قضاء اليمن أنه من ذرية أبي بكر الصديق وكتب بخطه الصديقي ولد سنة 729هـ بكازرون وتفقه ببلاده وسمع بها من محمد بن يوسف الزرندي المدني ونظر في اللغة إلى أن مهر وفاق واشتهر اسمه وهو شاب في الآفاق وطلب الحديث وسمع من الشيوخ منهم: الحافظ الإمام الواحد المتكلم الحجة ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني رحمهم الله تعالى وسمع بالشام من الشيخ تقي الدين أبي الحسن السبكي الكبير وولده أبي النصر تاج الدين السبكي الصغير وابن نباتة وابن جماعة وغيرهم وجال في البلاد الشمالية والشرقية ولقي جماعة من الفضلاء وأخذ عنهم وأخذوا عنه وظهرت فضائله وكتب الناس تصانيفه ودخل الهند ثم زبيد فتلقاه ملكها الأشرف إسماعيل بالقبول وقرره في قضائها وبالغ في إكرامه ولم يدخل بلدة إلا وكرمه متوليها وكان معظما عند الملوك أعطاه تيمورلنك خمسة آلاف دينار ودخل الروم فأكرمه ملكها ابن عثمان وحصل له مال جزيل ومع ذلك فإنه كان قليل المال لسعة نفقاته وكان يدفعه إلى من يمحقه بالإسراف ولا يسافر إلا وصحبته عدة أجمال من الكتب يخرج أكثرها في منزل ينظر إليه ويعيده إذا رحل وكان إذا أملق باعها وكان سريع الحفظ.
يحكى عنه أنه كان يقول: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر ومصنفاته كثيرة وقد عد منها بضع وأربعون مصنفا من اللغة والتفسير والحديث توفي بزبيد سنة ست أو سبع عشرة وثمانمائة وهو متمتع بحواسه ودفن بتربة الشيخ إسماعيل الجبرتي.
قلت: ومن مؤلفاته: كتاب سفر السعادة وهو بالعربية وبالفارسية وما أجمعه وأصحه وأوعاه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وما أليقه للعمل لمريد السنة.
محمد بن مكرم بن علي: وقيل: رضوان بن أحمد بن أبي القاسم بن حنفية بن منظور
الأنصاري الأفريقي المصري جمال الدين أبو الفضل صاحب كتاب لسان العرب في اللغة الذي جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح وحواشيه والجمهرة والنهاية.
ولد في محرم سنة 63هـ، وسمع من أبي المعز وغيره وجمع وعمر وحدث واختصر كثيرا من كتب الأدب المطولة كالأغاني والعقد والذخيرة ومفردات ابن البيطار.
يقال: أن مختصراته خمسمائة مجلد وخدم في ديوان الإنشاء مدة عمره وولي قضاء طرابلس وكان صدرا رئيسا فاضلا في الأدب مليح الإنشاء.
روى عنه السبكي والذهبي تفرد بالعوالي وكان عارفا بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة واختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه وعنده تشيع بلا رفض مات في شعبان سنة إحدى عشر وسبعمائة.
أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني: النيسابوري أبو الفضل الأديب النحوي اللغوي صاحب كتاب السامي في الأسامي.
قال ياقوت: قرأ على الواحدي صاحب التفسير وغيره وأتقن اللغة والعربية وصنف كتاب الأمثال ولم يعلم مثله في بابه والأنموذج في النحو والمصادر ونزهة الطرف في علم الصرف وكان قد سمع الحديث ورواه وكان ينشد كثيرا وأظنهما له:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي ... فقلت: عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني ... ألا هل ترى صبحا بغير نهار
وقرأ عليه ابنه مات في رمضان سنة 518هـ. والميداني: نسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمن وهي محلة بنيسابور قلت: وقد طبع كتابه الأمثال بمصر القاهرة لهذا العهد وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد كان أيضا فاضلا دينا وله كتاب الأسماء في الأسماء وتوفي رحمه الله سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرزي الحنفي: أبو الفتح النحوي الأديب من أهل خوارزم قرأ على الزمخشري والموفق وبرع في النحو واللغة والشعر وأنواع الأدب والفقه على مذهب الحنفية ويقال: أنه كان خليفة الزمخشري وكان معتزليا تام المعرفة بفنه رأسا في الاعتزال داعيا إليه ينتحل مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع فصيحا فاضلا في الفقه صنف شرح المقامات للحريري وهو على وجازته مفيد محصل للمقصود وله كتاب المغرب تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب وهو للحنفية بمثابة كتاب الأزهري للشافعية وما قصر فيه فإنه أتى جامعا للمقاصد وله مختصر الإقناع في اللغة والمصباح في النحو ومختصر الإصلاح لابن السكيت وغير ذلك وانتفع الناس بكتبه ودخل بغداد حاجا سنة 601هـ، وكان سائر الذكر مشهور السمعة بعيد الصيت له شعر كثير يستعمل فيه التجانس. والمطرزي: نسبة إلى من يطرز الثياب ويرقمها ولا أعلم هل كان يتعاطى ذلك بنفسه أم كان في آبائه من يتعاطى ذلك فنسب إليه؟ قاله ابن خلكان.
ولد في رجب سنة 538 هـ ومات بخوارزم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى سنة 610، ورثي بأكثر من ثلاثمائة قصيدة.
عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل: أبو حفص نجم الدين الإمام الزاهد قال السمعاني كان إماما فاضلا مبرزا متقنا لغوياً.
سمع أبا مجد محمد التنوخي وأبا الحسين محمد البزدوي وغيرهما.
وصنف في كل نوع من العلم في التفسير والحديث واللغة والشروط صنف قريبا من مائة مصنف.
ولد بنسف في شهور سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وفي هذه السنة توفي أيضا الزمخشري صاحب الكشاف.
مبارك بن محمد بن محمد: مجد الدين أبو السعادات الجزري الإرملي المشهور بابن الأثير
أشهر العلماء ذكرا وأكبر النبلاء قدرا أحد الأفاضل المشار إليهم وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم كان نائب المملكة ولد سنة 544 هـ بالجزيرة وانتقل إلى الموصل وأخذ النحو عن ابن دهان ويحيى بن سعدون القرطبي وسمع الحديث متأخرا وتنقل في الولايات وكتب في الإنشاء.
وله النهاية في غريب الحديث وجامع الأصول في أحاديث الرسول والبديع في النحو وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في التفسير وكتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب في صفة الكتابة صنف هذه الكتب وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة وله شعر يسير مات سنة 606هـ رحمه الله تعالى.
أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني: صاحب تاج العروس شرح القاموس
السيد الواسطي البلجرامي نزيل مصر شريف النجار عظيم المقدار كريم الشمائل غزير الفواضل والفضائل.
أخذ العلوم النقلية والعقلية في مدينة زبيد على جماعة أعلام منهم: السيد العلامة أحمد بن محمد مقبول الأهدل ومن في طبقته: كالشيخ عبد الخالق ابن أبي بكر المزجاجي والشيخ محمد بن علاء الدين المزجاجي قال في النفس1 اليماني والروح الريحاني: وأخذ عمن أخذ عنهم: كشيخنا الوالد رحمه الله ثم توجه إلى إقليم مصر واستكمل فيها العلوم النقلية والعقلية وبرع في جميع العلوم سيما علمي الحديث واللغة وأدرك شيوخنا من أهل الأسانيد العالية وألف التآليف النافعة الواسعة واستجاز لي منه شيخنا الوالد وأجاز وكذلك استجاز لي منه السيد العلامة عبد الله السعدي مقبول الأهدل وأجاز واستجاز منه لنفسه ولأولاد شيخنا الوالد القاضي العلامة محمد بن إسماعيل الربعي. وأجاز وكتب هذه الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز على العمل الصحيح المقبول أحسن إجازة ووعد بوجادة ذلك يوم مناولة الكتاب باليمين وعدا لا يخلف سبحانه إنجازه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يسندها عن القلب اللسان ويرفع إسنادها على متن مسندها راية روايتها التي هي علم الإيمان والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرفوع قدره على كل نبي مرسل المطهر نسبه الزكي المسلسل وعلى آله وصحبه الذين قامت لهم بمتابعته شواهد التفضيل وأضحى مدرجا في إجمال ما شهد به كل تفصيل.
وبعد فلما أشرق سبحانه على من أسعده شمس العناية وجلى قلبه بنور التوفيق بكمال الرعاية ووالى عليه طول إمداده عند بزوغ هلاله ولم يزل يعرج في منازل العز إلى أن بلغ أوج كماله كان من أصدق ما صدقت عليه هذه العبارة وأحرى من تنصرف إليه هذه الإشارة السالك بمقتضى التوفيق أبهج المسالك النبوية الراقي بهمته ذرى التحقيق فظفر منه بالغاية المقبولة المرضية وتحلى بالفضائل ما أوضح شاهده الدليل حيث صرف أوقاته النفيسة في التحصيل وأرق فكره في التفريع والتأصيل إلى أن اكتال من المعارف بالصاع الأوفى وروي من منهلها الأعذب الأصفى وتفيأ بظلال رياض العلوم بالمدد وروى حديث الفضل عالي السند وجاء مجليا في حلبة الفواضل محرزا قصب السبق بأطراف الأنامل ألا وهو النجيب الكامل صفي الإسلام أبو الإمداد محمد نجل شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الإسلام إسماعيل ابن الشهاب أحمد بن المرحوم إبراهيم بن عمر بن عبد القادر الربعي الأشعري وهو زاكي الحسب عريق في النسب إذ أم جده إبراهيم هي: آمنة ابنة الفقيه العلامة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العلوي وقد تولى القضاء من أسلافهم جماعة في مور1 والمهجم2 وبعضهم عند البدر الأهدل3 مترجم نفعنا الله ببركات السلف الصالح وأعز جناب هذا الخلف الفالح وأدام النفع به ووصل أسباب الخيرات بسببه آمين.
وقد دعاه حسن الظن بي أن كتب إلي كتابا يستدعي فيه الإجازة مني حرصا على الانتظام في سلك من تحلى بما خصت به هذه الأمة من الإسناد والتمسك بسلسلته الموصلة لأشرف الرسل إلى العباد ولقد ذكرني - حفظه الله - بشيء كاد أن يكون نسيا منسيا ورعيا له فقد شوقني لما كان أمرا ظاهرا فعاد خفيا فقد كان فيما عبر من الزمان يرحل إلى الإسناد العالي إلى شاسع البلدان وتطلب الإجازة من بعيد تلك الديار وأطراف تلك الأقطار أما الآن فقد زال ذلك الانضباط وطوي ذلك البساط وتقاعدت الهمم عن طلبه وركت عن السعي في تحصيل رتبه وذهب المسدون الخلة ومن كانت تزدهي بوجودهم الملة كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفاء أنيس ول يسمر بمكة سامر ولكن بقي من آثارهم بقايا في زوايا الزمان ممن تحمل عنهم خبايا والعبد بحمد الله ممن تردد إلى مشائخ علم الحديث والإسناد قديما وصبغ بالتحمل عنهم في ساحته أديما وقد قرت عيني به الآن وابتهج خاطري بوجود طالب هذا الشان فلله الحمد على ذلك والشكر له على سلوك هذه المسالك فإنه الموفق لما هنالك المعطي المانع الملك المالك وقد أجبت لسيدنا المشار إليه إلى مطلوبه وسعفته بتحصيل مرغوبه وأجزته أن يروي عني جميع ما تجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع ومجاز ومناولة ووجادة وكتابة ووصية ومراسلة وفروع وأصول ومعقول ومنقول ومنثور منظوم وتأليف وتخريج وكلام وتصوف ولغة ونحو وتصريف ومعاني وبيان وبديع وتاريخ ودواوين وما ألفته وخرجته ونظمته ونثرته بشرطه الذي عليه عند أرباب هذا الشأن يعتمد وقرنت ذلك الاقتصار من الطرق التي رويت بها أعلى السند وكذلك أجزت بكل ما ذكر أولاد شيخنا الإمام العلامة نفيس الإسلام سليمان بن يحيى بن عمر - حفظه الله - وحاطهم بحسن رعايته ولطيف كلاءته ذكورا وإناثا وأنا أسأل من فضله أن لا ينساني من خالص دعواته في خلواته وجلواته وأتوسل إلى الله تعالى بخاتم أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يرزقني وإياهم وجميع المسلمين حسن الختام آمين.
فأقول: أخبرني ما بين قراءة وسماع وإجازة خاصة وعامة مشائخنا الأئمة الأعلام: السيد نجم الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني والشهابان: أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجري الملوي وأحمد بن حسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدي وعبد الله بن محمد الشبراوي والسيد عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين البهنسي خمستهم عن: مسند الحجاز عطاء بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وشيخنا: النجم أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحنفي عن المسند عبد العزيز بن إبراهيم الزيادي وشيخنا المتفنن: أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري عن الشمس محمد بن منصور الأطفيحي وشيخنا: أبو المعالي الحسن بن علي المدابغي عن عبد الجواد بن القاسم المحلي وشيخنا المعمر: السيد محمد بن محمد التليدي عن أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني وشيخنا: الشهاب أحمد بن شعبان بن غرام الرعيلي الشهير بالسابق قال: هو وهو أعلى بدرجة والزرقاني والمحلي والأطفيحي والزيادي والنخلي والبصري.
أخبرنا الحافظ شمس الدين محمد بن علاء الدين البابلي وزاد الزرقاني والأطفيحي والزيادي فقالوا: وأبو الضياء علي بن علي الشبراملسي.
وأخبرنا شيخنا عبد الله بن محمد بن أحمد العشماوي عن أبي العز محمد العجمي عن أبيه محدث القاهرة الشهاب أحمد بن محمد العجمي قال: هو والبابلي أخبرنا المسند نور الدين علي بن يحيى الزيادي عن كل من السندين: يوسف بن زكريا ويوسف بن عبد الله الأرميوني كلاهما عن الحافظ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي وبرواية البابلي والشبراملسي عن الشهاب أحمد بن خليل السبكي وبرواية البابلي خاصة عن خاله سليمان ابن عبد الدائم البابلي وأبي النجا سالم بن محمد السنهوري وعبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي والشهاب أحمد بن محمد بن يونس الحنفي، والمعمر محمد بن محمد بن عبد الله القلقشندي الواعظ خمستهم: عن نجم السنة محمد بن أحمد بن علي الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري.
وبرواية السنهوري عن الشهاب أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي عن شيخ الإسلام وعن عبد الحق بن محمد السنباطي.
وبرواية الواعظ أيضا عن أحمد بن محمد السبكي عن الجمال إبراهيم بن أحمد ابن إسماعيل القلقشندي.
وبرواية شيخ مشائخنا البصري عن علي بن عبد القادر الطبري عن عبد الواحد بن إبراهيم الخطيب عن الشمس محمد بن إبراهيم العمري هو والجمال القلقشندي والسنباطي وشيخ الإسلام والسخاوي عن حافظ الأمة شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشهير بابن حجر - قدس الله سره - بأسانيده المتفرعة إلى أئمة الكتب الستة وغيرهم مما أوردها في كتاب المعجم المفهرس وهو في جزء حافل وبرواية عبد الواحد الخطيب أيضا عن الجلال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي هو والأرميوني وأبو زكريا أيضا عن الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي بأسانيده المذكورة في معجمه.
ومن مشائخي: الإمامان الفقيهان: محمد بن عيسى ابن يوسف الدنجاوي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي أخذت عنهما بثغر دمياط وهما يرويان عن الإمام أبي حامد بن محمد البديري عن الشيخ إبراهيم الكوراني وقريش بنت عبد القادر الطبري ومحمد بن عمر الشوبري ومحمد بن داود العناني والمقري: محمد بن قاسم البقري وأحمد بن عبد اللطيف البشيشي بأسانيدهم.
ومن مشائخي: سالم بن أحمد النفراوي وسليمان ابن مصطفى المنصوري وأبو السعود محمد بن علي الحسني وعبد الله بن عبد الرزاق الحريري ومحمد بن الطيب الفاسي ومحمد بن عبد الله بن أيوب التلمساني الشهير بالمنور وعلي بن العربي السقاط وعمر بن يحيى الطحلاوي وغيرهم.
وممن كتب بالإجازة إلي جماعة أجلهم: الشهاب أحمد بن علي الميني الحنفي من دمشق وعلي بن محمد السلمي من صالحيتها.
وأبو المواهب محمد صالح بن رجب القادري.
ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي النقيب ومحمد بن طه العقاد وأحمد بن محمد الحلوي أربعتهم من حلب.
والمسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي من نابلس وأحمد بن عبد الله السنوسي ومحمد بن علي بن خليفة الفريابي كلاهما من تونس.
ولي غيرهم من الشيوخ ذي الرسوخ الموصوفين بالصلاح المنتظمين في سلك ذوي الفلاح تغمدهم الله بعفوه وزادهم من سلسبيل الجنة بصفوه وأسانيدهم مشهورة وفي صحف السماعات مسطورة أوزعنا الله وإياهم شكر نعمته وجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمته على بساط أنسه وحضرة قدسه.
ومما نسب إليه من التأليف والتخريج: فشرح القاموس المسمى بتاج العروس في عشرة أسفار كبار أتممته في أربع عشرة سنة. وشرح إحياء علوم الدين أعانني الله على إكماله وقد وصلت فيه إلى كتاب الصلاة.
وتكملة القاموس مما فاته من اللغة لم يكمل.
وشرح حديث أم زرع أحد عشر مجلساً.
ورفع الكلل عن العلل.
وتخريج حديث: شيبتني هود.
وتخريج حديث: "نعم الإدام الخل".
والمواهب الجلية فيما يتعلق بحديث الأولية.
والمرقاة العملية في شرح الحديث المسلسل بالأولية.
والعروس المجلية في طرق حديث الأولية.
وشرح الحزب الكبير للشاذلي المسمى: بتنبيه المعارف البصير على أسرار الحزب الكبير وإنالة المنى في سر الكنى.
والقول المبتوت في تحقيق لفظ التابوت.
وحسن المحاضرة في آداب البحث والمناظرة.
ورسالة في أصول الحديث.
ورسالة في أصول المعمى.
وكشف الغطا عن الصلاة الوسطى.
والاحتفال بصوم الست من شوال.
وإيضاح المدارك عن نسب العواتك.
وإقرار العين بذكر من نسب إلى الحسن والحسين والابتهاج بذكر أمر الحاج.
والفيوضات العلية بما في سورة الرحمن من أسرار الصيغة الإلهية.
والتعريف بضروري علم التصريف.
والعقد الثمين في طرق الإلباس والتلقين.
وإتحاف الأصفياء بسلاسل الأولياء.
وإتحاف بني الزمن في حكم قهوة اليمن.
وإتحاف الإخوان في حكم الدخان.
والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية مائة وخمسون بيتاً.
والدرة المضيئة في الوصية المرضية مائتان وعشرون بيتاً.
وإرشاد الإخوان إلى الأخلاق الحسان مائة وعشرون بيتاً.
وألفية السند في ألف وخمسمائة بيت وشرحها في عشرة كراريس.
وشرح صيغة ابن مشيش.
وشرح صيغة السيد البدوي. وشرح ثلاث صيغ لأبي الحسن البكري.
وشرح سبع صيغ المسمى: بدلائل القرب للسيد مصطفى البكري.
والأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
وتحفة العيد في كراس.
وتفسير سورة يونس على لسان القوم.
ولقطة العجلان في ليس في الإمكان أبدع مما كان.
والقول الصحيح في مراتب التعديل والتجريح.
والتحبير في الحديث المسلسل بالتكبير.
والأمالي الحنفية في مجلد.
والأمالي الشيخونية في مجلدين.
وقد بلغت أربعمائة مجلس إلى وقت تاريخ الكتابة إلى غير ذلك من رسائل منظومة ومنثورة مما لست أحصي أسماءها الآن.
وقد أجزت السيد المشار إليه ومن ذكر معه بكل ما ذكر إجمالا وتفصيلا إجازة عامة وخاصة قاله بفمه ورقمه بقلمه: الفقير لمولاه الشاكر لما أولاه أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني نزيل مصر وخادم علم الحديث بها غفر الله زلله وأصلح خلله وتقبل عمله وبلغه أمله في مجلس واحد من ليلة خروج المحمل الشريف وهي ليلة الاثنين تاسع شهر شوال سنة 1195هـ، أحسن الله تمامها وأسعد عامها والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ووصل من السيد المذكور إلى شيخنا الوالد هذا الكتاب المشتمل على شرح بعض أحواله ومن أدركه من أهل الأسانيد العالية وصورته:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أستخدم نسائم الكمائم في إبلاغ تحياتي إلى جناب ذي الفضائل من مناهل المعارف من ندى مسائله.
وأستودع لمعان البوارق أمام الغوادي تسليماتي على حمال أهل الفواضل الناهض بأعباء علوم الشريعة على كاهله من قد كوكب فضله وأشرق وماس غصن شمائله فأورق.
وتساوى في الثناء عليه يومه والأمس وأضاءت به أفلاك المكارم - ولا بدع - فإنه الشمس.
مستوطن سنام المجد الباذخ مقتعد صهوة الشرف الشامخ.
مشكاة العلوم إذا أظلمت سيل الجهالة ضياء العلوم إذا دارت على بدرها المنير هالة
السيد الشريف الجهيد العلامة العفيف شيخنا وأستاذنا: السيد سليمان بن يحيى، لازالت ربوع المكارم بحسن أنظاره تحيى. آمين أما بعد فقد وصل كتابكم أولا وثانيا وكانا مع الفرح توأمين.
وقرأناهما فقرت بمضمونها العين وزال الغين وماذا أصف؟ وحسبي أن أقف فالطوامير بالنسبة إلى شكره قصاصات عصفت بها الرياح والمناشير ولو كانت طلاع ما بين الثرى والأثير نبذت في جوانب فيافي البطاح وأشواقي إلى مشاهدة تلك الربوع الأنيسة ومشاهدة جماله الباهي فيها مع الاستئناس بحضرة الأحباب الكرام في تلك المشاهد الزكية المأهولة لا قدرة على إبراز مجملها فضلاً عن مفصلها كيف وقد ترادفت جيوشها وتلاطمت أمواجها ولمعت بوارقها ولكني أسأل الواهب المنان كثير الجود والإحسان أن يقدر لي الوصول إلى تلك الديار لأجدد عهدي وأنسي بأولئك السادة الأبرار فإن هذا القدر الذي وصلت إليه إنما هو من بركات ملاحظاتهم وأسرار مشاهداتهم.
وقد اتفق أني حررت الجواب الذي ورد علينا سابقا مع الكتاب المرسل إلى حضرة شيخنا المرحوم قطب المكارم السيد الوجيه العيدروس وأرسلناهما وفيه بيان بعض الأخبار وإفشاء نبذ من الأسرار ثم أخبرت فيما بعد أن جواب مكتوبي لم يصل إلى حضرتكم قال ذلك بعض طلبة العلم: الشيخ علي العديني فقلت: لعله خير وإنما يمنعني من إرسال المكاتيب كثرة أشغالي وتضاعيف الهموم والأحزان بالقلب البالي والتي لا يخلو الإنسان منها ولو كان في أجل النعم ثم الذي أخبركم مما من الله تعالى به علي: أني حين وصولي إلى مصر افترصت المدة وانتهزت القعدة فأكببت على تحصيل العلوم وتكميل منطوقها والمفهوم وتشرفت بالسماع والصحيح على مسنديها الموجودين.
فمن الطبقة الأولى - وهم الذين أدركوا البصري والنخلي والبنا والبقري والعجيمي - جماعة وهم: الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجري الملوي ورفيقه في الأخذ: الشهاب أحمد ابن حسن بن عبد الكريم الخالدي الجوهري وعبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي والشمس محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشهاب بن عبد المنعم صائم الدمنهوري وسابق بن رمضان بن غرام الرعيلي الشافعيون والأخير: أدرك الحافظ البابلي وأجازه لأنه ولد سنة 1068هـ، والبابلي وفاته سنة 1078هـ، وتوفي شيخنا المذكور في سنة 1083هـ، بعد وفاة شيخنا الشبراوي فهذا الرجل أعلى من وجدته سندا بالديار المصرية وكان له درس لطيف بالجامع الأزهر يحضر عليه الإفراد ولم يتنبه لعلو سنده إلا القليل لاشتغالهم بأحوالهم.
ثم أدركت الطبقة الثانية وهي مضاهية للأولى ومشاركة لهم فمنهم: الشيخ سليمان بن مصطفى المنصوري الحنفي والشيخ حسن بن علي المدابغي الشافعي والسيد محمد بن محمد التليدي الحسيني المالكي وعمر بن علي بن يحيى الطحلاوي المالكي والقطب عبد الوهاب بن عبد السلام المرزوقي العفيفي المالكي وعبد الحي بن الحسن الحسني البهنسي المالكي وعلي بن موسى الحسني المقدسي الحنفي ومحمد بن سالم الحنفي.
ثم أدركت بعد هؤلاء طبقة أخرى مشاركة لهم وهم كثيرون ورحلت إلى بيت المقدس فحطت بها جماعة مسندين وفي الرملة وثغريا ودمياط ورسد والحلة وسهنود والمنصورة وأبو صير ودمنهور وعدة من قرى مصر سمعت بها الحديث كما هو مذكور في المعجم الكبير الذي ذكرت فيه تفصيل ذلك.
ورحلت إلى أسيوط وجرجان وفرشوط وسمعت في كل منها وأجازني من مدينة حلب جماعة ومن مدينة فاس وتونس وسولا وتلمسان جماعة وأدركت من شيوخ المغاربة جماعة مسندين بمصر وغيرها.
وممن كتب إليه أستجيز منه لي ولحضرتكم ولأخيكم السيد أبكر1 ومحبنا العلامة عثمان الجبيلي خاتمة المحدثين بمدينة نابلس من الشام: الشمس محمد ابن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة وألف فوصلت منه الإجازة وفيها أساميكم مسطرة على التفصيل في نحو كراس أخذها مني الشيخ عبد القادر بن خليل المدني وصل إليكم من مدة ثلاث سنوات وفي ظني الغالب أنه اجتمع بكم وأراكم هذه الإجازة ثم إن المذكور ورد علينا من اليمن وتوجه إلى نابلس وتوفي هناك وبقيت الإجازة في جملة كتبه فإن اطلعتم عليها وكتبتم منها نسخة فيها وإن لم تطلعوا عليها فإن أسانيد الشيخ المشار إليه المجيز لكم محفوظة عندي فإن سمحت نفسكم بالعمل بهذه الإجازة وطلبتم شيوخه أرسلت لكم ذلك.
ومما من الله تعالى علي: أني كتبت على القاموس شرحا غريبا في عشر مجلدات كوامل جملتها خمسمائة كراس مكثت مشتغلا به أربعة عشر عاما وشهرين واشتهر أمره جدا حتى استكتبه ملك الروم نسخة وسلطان دافور نسخة وملك الغرب نسخة ونسخة منها موجودة في وقف أمير اللوا محمد بيك بمصر بذل في تحصيله ألف ريال وإلى الآن الطلب من ملوك الأطراف غير متناه واتفق أنه جاءني كتاب من السيد العلامة فخر السادة الملوك الأشراف مولانا السيد1 عبد القادر الكوكباني صحبة فخر السادة الأشراف السيد علي الفتاوي يطلب نسخة من الكتاب فحصلت له الجزء الأخير منه وهو مشتمل على شرح الواو والياء المسمى: بالإعياء إلى آخر الكتاب وهذا العام قد توجه به السيد المذكور إلى بلاد اليمن فإن سمح خاطركم بإرسال مكتوب إلى السيد عبد القادر المشار إليه بتحصيله بالاستكتاب فلا بأس وإن قدر الله الإرسال إليكم بشيء من أوله فعلت وسأفعل إن شاء الله تعالى.
ثم أذن لي بالقاهرة في درس الحديث فشرعت في إقراء صحيح البخاري في مسجد شيخون بالصليبية مع إملاء حديث عقب الدرس على طريقة الحفاظ بسنده والكلام عليه بمقتضى الصناعة الحديثة فحررت تلك الأمالي إلى الآن فبلغت نحو أربعمائة مجلس في كل جمعة يومان فقط: الاثنين والخميس وقد جمع ذلك في مجلدات ونقلها الناس وأنا إلى الآن مستمر على هذه الطريقة ودرس آخر في الشمائل للترمذي في مقام القطب شمس الدين أبي محمود الحنفي قدس الله سره.
ولما وصلت إلى حديث أم زرع أمليت عليه نحو سبعة كراريس وأكثر في أربعة عشر مجلسا ونقلته الطلبة واشتهر بينهم وكتبت إجازة إلى غزة ودمشق وحلب وعين ناب وأذربيجان وتونس وحرار ونادلا وديار بكر وسناد ودارفور ومدراس وغيرها من البلدان على يد جماعة من أهلها الذين وفدوا علي وسمعوا مني واستجازوا لمن هناك من أفاضل العلماء فأرسلت إليهم مطلوبهم وتلك الأسانيد غالبها ما استفدنا منكم ومن حضرة شيخنا: المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي ولقد حصلت الأسانيد شهرة في الديار المصرية والشامية والرومية والمغربية وأطرافها مما لا أحصي بيانه والحمد لله الذي وفقني لإحياء مراسم أشياخي وإنعاش ذكرهم على ممر الزمان ولم أزل في مجالسي أحييها بذكركم وأشوق الناس إلى زكي محاسنكم وكتبت في هذه المدة عدة رسائل ما بين مختصر ومطول.
فمن ذلك:
جزء في تخريج حديث: شيبتني هود. وجزء في تخريج حديث: "نعم الإدام الخل".
وجزء في تحقيق الصلاة الوسطى.
وجزء في تخريج هذا العلم من كل خلف عدوله.
والأربعين المنتقى من العلل للدارقطني والكلام معه بمقتضى الصناعة.
ومعارف الأبرار فيما للكنى والألقاب من الأسرار.
وجزء في تخريج حديث: اسمح يسمح لك.
والعقد المنظم في أمهات النبي صلى الله عليه وسلم.
والعقد الثمين في رجال الخرقة والذكر والتلقين.
والفوائد الجليلة على مسلسلات ابن عقيلة عشرة كراريس.
والمرقاة العلية في شرح المسلسل بالأولية وضعتها على ترتيب: منتهى الآمال في حديث إنما الأعمال للحافظ السيوطي وغير ذلك مما لم يحضرني حال تسطير الأحرف وهي كثيرة
ومن أعظم ذلك: أني شرعت في شرح كتاب الإحياء للغزالي وأمليته درسا فأتممت شرح كتاب العلم وحده في نحو سبعين كراسا والعام الماضي جاءني كتاب من عالم مكة وصالحها: مولانا الشيخ إبراهيم الزمزمي يطلب ما تيسر منه فنقل له من المسودة نحو عشرين كراسا وأرسلت إليه هذا العام ولكن بعد إرسال ذلك إليه حين التبييض زدت فيه من فوائده المغلقة به شيئا كثيرا حتى إن الكتاب مغائر له وقد عزمت في هذه السنة على إرسال ما بيضته وزدت عليه ليكون الاعتماد على النسخة الأخيرة فإذا أرسلتم إلى مكة من يستكتب لكم منه نسخة فإنه قريب الحصول ومع ذلك فإني نويت على إرسال شرح كتاب العلم منه إلى حضرتكم السعيدة مع شيء من شرح القاموس فإن ساعدت الأقدار بحصول أمنيتي فعلت ذلك وسأفعله إن شاء الله تعالى وهذا الشرح يا مولانا غريب الشكل والوصف فإنه قد حضرت لي المواد المتعلقة به مالا أحصيها لكثرة وغرابة وهي مذكورة في أوله ثم إنه شرح ممزوج متكفل لبيان رموزه ونسخه وإشاراته ومآخذه ونرجو من علو همتكم أن لا تنسوا تلميذكم من صالح الأدعية وبالتوفيق والرضا والتيسير للعمل الصالح خصوصا إتمام هذا الشرح على الوتيرة المرضية وساعة تاريخ الجواب كنت أشرح الرسالة القدسية وهو ثاني كتاب بعد كتاب العلم وقد بقي منه شيء قليل وسنشرع في كتاب أسرار الطهارة إن شاء الله تعالى كل ذلك ببركة نفسكم الطاهر ودعائكم الفاخر فالبعد الظاهر لا عبرة به عند أرباب القلوب والله علام الغيوب.
ونخبر شيخنا - أدام الله فضله علينا -: أن في جواب الكتاب السابق الذي لم يصل إليكم كنت أرسلت أستجيز منكم لي على سبيل التجديد ثم الجماعة من خواص أحبابي الذي يترددون علي للتلقي ولهم بنا صحبة ومحبة واشتياقهم لحضرتكم شديد وإنما منعهم من الوصول إليكم بعد الديار وكثرة الأخطار وأرجو من فضلكم إرسال إجازة لي منكم ولمن يسمى بعد في هذه المحلة وإذا كتبتم الإجازة في كراريس فليكتب عليها كذلك من بقي الآن بمدينة زبيد - حرسها الله - من المسندين المعمرين كل ذلك بهمتكم ويكون إرسالها على يد من يعتمد عليه من الثقات لا زلتم أهلا لإنجاح الحاجات. وهذه أسامي المجازين بعد كاتبه الفقير:
معيد دروسنا: السيد الفاضل أبو الصلاح الحسين بن عبد الرحمن الحسيني الشيخوني.
وأبو العدل موسى بن داود بن سليمان الحنفي خطيب المسجد الذي أنا أقرأ فيه.
والشيخ الصالح: أبو البر أحمد بن يوسف الحسيني الشنواني.
وأبو الصلاح يوسف بن نور الدين الطحلاوي المالكي خطيب جامع توضون.
ورضوان بن عبد الله الدفراوي مولى نعم ولأولاده: أبو البقاء وعثمان ومحمد وأحمد وسلمان ونفيسة وأبو العرفان عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الحلواني الحنفي ولوالده المذكور وفتاي: بلال الحبشي وزوجي: زبيدة بنت المرحوم ذو العفار الدمياطي وفتياتي: سعادة ورحمة الحبشيتان كل ذلك بتصريح أساميهم تفصيلا مع ذكر ما ينبغي ذكره من اللطائف الإسنادية والغرائب الحديثة وذكر بعض الكتب من أسانيد والدكم المرحوم ومشائخكم الذي أخذتم عنهم والله يجزيكم عنا كل خير ويمد في حياتكم وعمركم ويجعلكم ملجأ الوافدين.
ثم المسؤول إبلاغ شريف سلامي وتحياتي إلى حضرة سلالة المشائخ الكرام: العارف بالله سيدنا الوجيه عبد الرحمن المشرع وقد كنت حررت له جوابا في طي جوابكم ولم يتفق وصوله وإلى حضرة أخيكم وصنوكم: السيد أبي بكر ومحبنا الفقيه العلامة عثمان الجبيلي ثم إلى حضرة شيخنا العلامة عبد الله الجوهري ثم إلى حضرة سيدنا الإمام العلامة القاضي إسماعيل الربعي ثم إلى أولاد شيخنا المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر وإلى أولاد شيخنا المرحوم محمد بن علاء الدين ثم كل من يسأل عنا ويحويه مجلسكم السعيد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى ما في النفس اليماني والروح الريحاني.
وأقول: أن السيد أصله من السادة الواسطية من قصبة بلكرام وهي على خمس فراسخ من بلدتنا قنوج ما وراء نهر كنك.
قال السيد العلامة مير غلام علي آزاد البلجرامي - قدس سره السامي - في مآثر الكرام تاريخ بلجرام تحت ترجمة السيد قادري ما تعريبه:
ومن نيائره: السيد محمد مرتضى بن السيد محمد بن السيد قادري حصل الكتب العربية ووفق في حداثة السن لمزيارة الحرمين الشريفين في سنة أربع وستين ومائة وألف الهجرية واكتسب علم الحديث الشريف في أماكن متبركة وهو نزيل زبيد اليمن في هذه الأيام يستند فن الحديث عند الشيخ عبد الخالق الزبيدي - بارك الله في عمره وأولاده - الترقيات الدينية. انتهى.
قلت: وقد أقام رحمه الله بزبيد حتى قيل له: الزبيدي واشتهر بذلك واختفى على كثير من الناس كونه من الهند ومن بلجرامها وقد ذكر في برنامجه الذي كتبه للسيد باسط علي بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد قادري بمصر نحوا من ثلاثمائة شيخ له الذين أخذ عنهم العلم وسمى منهم من علماء الهند ومشائخها: الشيخ المحدث العلامة محمد فاخر بن محمد يحيى الإله آبادي المتخلص بالزائر ومسند الوقت: الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي صاحب كتاب حجة الله البالغة قال: وحضرت بمنزله في دهلي. وقد أجاز له مشائخ المذاهب الأربعة وعلماء البلاد الشاسعة ولقي الشيخ أبا الحسن بن محمد صادق السندي المدني صاحب الشروح على الصحاح الستة والمولوي خير الدين السورتي بن محمد زاهد وغيرهما.
ومؤلفاته المذكورة في البرنامج تزيد على مائة كتاب وذكر مشائخه وكتبه فيه على ترتيب حروف الأعجام وقد طبع كتابه: تاج العروس شرح القاموس لهذا العهد بمصر القاهرة لكن خمس مجلدات منه فقط وهو شاع في الأمصار وبلغ إلى الأقطار يتضح من النظر فيه علو كعبه في علم اللغة وكونه إماما فيه وشرحه هذا يغني عن حمل جملة الدفاتر المؤلفة في فن اللغة.
وقد وقع تأليفه في علم الفقه والحديث وأصولهما والتصوف والسير وكلها نافعة مفيدة على اختصار في أكثرها وعندي منها نحو سبع عشرة رسالة واستجاز منه الملك الأعظم أبو الفتح نظام الدين عبد الحميد خان سلطان الروم لكتب الحديث فكتب له الإجازة وسند الحديث المسلسل المأثور المشهور: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى مع غيره من الإجازات أولها: الحمد الله الذي رفع مقام أهل الحديث مكانا عليا ... الخ وكان ذلك في سنة 1193هـ، وأتحف معها إلى السلطان قصيدة نظمها في مدحه أولها:
سقى الله ربعا كان لي فيه مربعا ... ومغنى به غصن الشبيبة أينعا
وحيا مقاما كان لي فيه جيرة ... بهم كان كأسي بالفضائل مترعا
ألا ورعا دهرا تقضى بأنسهم ... ولولا الهوى ما قلت يوما له: رعا
خليلي ما لي كلما لاح بارق ... تكاد حصاة القلب أن تتصدعا
وإن نسمت ريح الصبا من ديارهم ... بكت أعيني دمعا يساجل أدمعا
إلى آخر الأبيات.
وكتب إجازة أخرى أيضا للدستور الأعظم أبي المظفر محمد باشا صدر الوزارة ونظام الملك أولها: الحمد لله الذي دل على الخيرات والبرنامج المشار إليه عليه خطه بقلمه الشريف مؤرخة لسنة 1300هـ، وكان وفاته رحمه الله بعد تلك السنة.
ولي منه رحمه الله قرابة قريبة من جهة الأخوات يصل نسبنا إلى سيد الساجدين الإمام زين العابدين علي بن حسين بن علي السبط رضي الله عنه وينتهي نسبه إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين السبط فهو شبل ذاك الأسد ونخبة أهل هذا البيت المجد.
وإنما أطلت الكلام في ترجمته هذه لجهل أكثر أهل العلم عن حاله ومآله وقد أفنى - رحمه الله - عمره في اشتغال العلم والتدريس بمصر والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
أبو عبد الله محمد بن زياد: المعروف بابن الأعرابي الكوفي صاحب اللغة وهو من موالي بني هاشم كان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها.
أخذ الأدب عن الكسائي وغيره.
وأخذ عنه ثعلب وابن السكيت وغيرهما وناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيرا من نقلة اللغة وكان رأسا في الكلام الغريب وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يحسنان شيئا وكان يقول: جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء فلا يخطأ من يجعل هذه في موضع هذه وينشد:
إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض بالضاد
ويقول: هكذا سمعته من فصحاء العرب.
وكان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين ويملي عليهم ولد في الليلة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - وذلك في رجب سنة 150هـ، وتوفي سنة 231هـ بسر من رأى.
والأعرابي: نسبة إلى الأعراب يقال: رجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب. ورجل عربي: منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ورجل أعجم وأعجمي: إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي: منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً.
أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد: الأزدي اللغوي البصري إمام عصره في اللغة والأدب والشعر الفائق أورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين.
له كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة وله كتاب الاشتقاق وكتاب اللغات.
وكان يقال: هو أعلم الشعراء وأشعر العلماء.
ولد بالبصرة سنة 223هـ، وتعلم فيها أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي والأصمعي ثم سكن عمان ثم خرج إلى نواحي فارس ثم انتقل إلى فارس ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة توفي رحمه الله سنة 321هـ ببغداد.
أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد: الخوارزمي الزمخشري صاحب الكشاف الذي لم يصنف قبله مثله.
كان إماما في اللغة والنحو وعلم البيان من غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه.
له الفائق في غريب الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الأبرار وضالة الناشد والرائض في الفرائض والمفصل في النحو وشقائق النعمان في حقائق النعمان وشافي العي من كلام الشافعي - رحمه الله - والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة الأدب وغير ذلك.
وكان قد سافر إلى مكة - حرسها الله تعالى - وجاور بها زمانا فصار يقال له: جار الله لذلك وكان هذا الاسم علما عليه قال ابن خلكان: وسمعت من بعض المشائخ: أن إحدى رجليه كانت ساقطة وأنه كان يمشي في جارن خشب ثم ذكر لذلك قصة وكان معتزلي الاعتقاد متظاهراً به ولد سنة 467هـ بزمخشر: قرية كبيرة من قرى خوارزم وتوفي سنة 538هـ بجرجانية: وهي قصبة خوارزم وهي على شاطئ جيحون - رحمه الله تعالى.
أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري: اللغوي النحوي العلامة قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه وكان يبغض العرب وألف في مثالبها كتبا وكان يرى رأي الخوارج وكان أبو نواس يتعلم منه ويصفه ويسب الأصمعي ويهجوه وكان إذا أنشد بيتا لا يقيم وزنه وإذا تحدث أو قرأ ألحن ويقول: النحو محدود ولم يزل يصنف حتى مات وتصانيفه تقارب مائتي مصنف ذكر منها عدد وافر في ابن خلكان وقال: ولولا خوف الإطالة لذكرت جميعها
وكان الأصمعي إذا أراد الدخول إلى المسجد قال: انظروا لا يكون فيه ذاك يعني أبا عبيدة خوفا من لسانه فلما مات لم يحضر جنازته أحد لأنه لم يكن يسلم من لسانه أحد لا شريف ولا غيره وكان وسخا ألثغ مدخول النسب مدخول الدين وأخباره كثيرة ذكر جملة صالحة منها في وفيات الأعيان ولد في سنة 110هـ في الليلة التي توفي بها الحسن البصري وتوفي في سنة 209هـ.
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق: المعروف بابن السكيت صاحب كتاب إصلاح المنطق وغيره ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وكان يؤدب أولاد المتوكل.
روى عن الأصمعي وأبي عبيدة والفراء وكتبه جيدة صحيحة ولم يكن له نفاذ في علم النحو وكان يميل في رأيه واعتقاده إلى مذهب من يرى تقديم علي بن أبي طالب قال ثعلب: كان ابن السكيت يتصرف في أنواع العلوم وكان من أصحاب الكسائي حسن المعرفة بالعربية ولم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة منه وله شعر حسن وكتب كثيرة ذكر جملة منها ابن خلكان.
قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل إصلاح المنطق ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ولا نعرف في حجمه مثله في بابه
قتل بأمر المتوكل في سنة 244هـ، وبلغ عمره ثمانيا وخمسين سنة لأن المتوكل كان كثير التحامل على علي بن أبي طالب وابنيه وكان ابن السكيت من المغالين في محبتهم والتوالي لهم فقال: والله إن قنبرا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك به فمات - رحمه الله.
مازن أبو عثمان بكر المازني بصري.
روى عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد.
وروى عنه المبرد وجماعة وهو أول من دون علم الصرف وكان إماما في العربية متسعا في الرواية يقول بالإرجاء وكان لا يناظره أحد إلا قطعه بقدرته على الكلام وقد ناظر الأخفش في أشياء كثيرة فقطعه قال المبرد: ولم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو منه.
وأخذ عن الأخفش وقيل: عن الجرمي واختلف إليه إلى أن برع وكان يناظره وكان يقول: من أراد أن يصنف كتابا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي مات في سنة 248هـ، كذا قال الخطيب البغدادي وقال غيره: مات سنة 230هـ.
عثمان بن جني أبو الفتح: كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف وعلمه بالصرف أقوى وأكمل من علمه بالنحو.
وسببه: أنه كان يقرأ النحو بجامع الموصل فمر به أبو علي الفارسي فسأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها فقال له أبو علي: تزببت قبل أن تحصرم فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة واعتنى بالتصريف ولما مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه ببغداد وأخذ عنه عبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي. قال في دمية القصر: وليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المخلقات وشرح المشكلات ما له سيما في علم الإعراب وكان يحضر عند المتنبي ويناظره في النحو من غير أن يقرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه وكان المتنبي يقول فيه: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس صنف الخصائص في النحو وغيره مولده قيل: سنة 303هـ، ومات في صفر من سنة 392هـ.
محمد بن عبد الله بن مالك: جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق إمام النحاة وحافظ اللغة.
قال الذهبي: ولد سنة 600هـ، أو سنة 601هـ، وسمع بدمشق من السخاوي والحسن الصباح وجماعة.
وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر بها لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين.
وكان إماما في القراءة وعللها.
وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقد غريبها والاطلاع على وحشيها.
وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وبرا لا يبارى.
وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكان الأئمة الأعلام يتحيرون فيه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان نظم الشعر سهلا عليه رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك هذا ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة.
أقام بدمشق مدة يصنف ويشغل.
روى عنه ابنه الإمام بدر الدين والشمس بن أبي الفتح والبدر بن جماعة والعلاء بن العطاء وخلق. انتهى كلام الذهبي.
قال أبو حيان: لم يكن لابن مالك شيخ مشهور يعتمد عليه إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال: قرأت على ثابت بن حيان وجلست في حلقة أبي علي بن الشلوبين نحوا من ثلاثة عشر يوما ولم يكن ثابت بن حيان من أئمة النحو وإنما كان من أئمة المعربين.
قال السيوطي: وله شيخ جليل هو: ابن يعيش الحلبي.
وأما تصانيفه فكثيرة جدا منها: الألفية في النحو تسمى الخلاصة والعمدة وإكمال العمدة وشرحها والتسهيل وشرحه ولم يتم وقصيدة في الأفعال وأرجوزة في المثلث وقصيدة في المقصور والمدود وشرحها وإعراب بعض أحاديث صحيح البخاري وقصيدة في الضاد والظاء وأخرى فيما هو مهموز وغير مهموز وتعريف في الصرف وشرحه وسبك المنظوم وفلك المحتوم إلى غير ذلك تصدر بالتربة العادلية والجامع المعمور وتخرج به جماعة كثيرة وصنف تصانيف مشهورة وإذا صلى بالعادلية - وكان إمامها - يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له وكان آية في الاطلاع على الحديث وإذا لم يجد شاهدا في القرآن عدل إلى الحديث ثم إلى أشعار العرب وكان كثير العبادة والنوافل حسن السمت كامل العقل. وانفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم ومذهب الشافعية وكان الشيخ زكي الدين القريع يقول: إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة توفي ابن مالك رحمه الله ثاني عشر شعبان سنة 672هـ، اثنتين وسبعين وستمائة.
عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس: العلامة جمال الدين أبو عمر بن الحاجب الكردي الدويني الأصل الأسنائي المولد المقري النحوي المالكي الأصولي الفقيه صاحب التصانيف المنقحة ولد سنة 570هـ، أو سنة 571هـ بأسنا من الصعيد.
قال الذهبي: وكان أبوه جنديا كرديا حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي - قال مازن بن مرشد الصلاحي محقق هذا الكتاب: وهو أحد أجدادنا القدماء - اشتغل في صغره بالقاهرة وحفظ القرآن وأخذ بعض القراءة عن الشاطبي وسمع منه اليسير وقرأ بالسبع على أبي الجود وسمع من البوصيري وجماعة وتفقه على أبي منصور الأنباري وغيره وتأدب على ابن البناء ولزم الاشتغال حتى برع في الأصول والعربية وأتقنها غاية الإتقان وكان من أذكياء العالم.
ثم قدم دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية وأكب الفضلاء على الاشتغال عليه والأخذ عنه وكان الأغلب عليه النحو والعربية وصنف في الفقه مختصرا وفي الأصول مختصرا آخر أكبر منه سماه: المنتهى وفي النحو الكافية وشرحها ونظمها الوافية وشرحها وفي التصريف الشافية وشرحها إلى غير ذلك وكل مصنفاته في غاية الحسن والإفادة ورزقت قبولا تاما لحسنها وجزالتها.
وقد خالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات وإلزامات مفحمة يعسر الجوابات عنها وكان فقيها مناظرا مفتيا مبرزا في عدة علوم متبحرا ثقة دينا ورعا متواضعا مطرحا للتكلف
ثم دخل مصر هو والشيخ عز الدين بن عبد السلام وتصدر هو بالفاضلية ولازمه الطلبة
قال ابن خلكان: وكان من أحسن خلق الله ذهنا وجاءنا مرارا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام. انتهى.
ثم انتقل إلى الإسكندرية ليقيم بها فلم تطل مدته هناك ومات بها في سنة 646هـ، وأسنا: بلدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر
علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور
النحوي الحضرمي الإشبيلي كان لواء العربية في زمانه بالأندلس.
قال ابن الزبير: أخذ عن الرباح والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك.
وقال الصفدي: ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالتاريخ إلى أن مات في رابع عشر ذي القعدة سنة 669هـ، أو سنة 661هـ، ومولده سنة 599هـ، وصنف الممتع في التصريف.
أحمد بن الحسن الشيخ فخر الدين الجاربردي: قال السبكي في طبقات الشافعية: نزيل تبريز كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على العلم وإفادة الطلبة.
أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وصنف شرح منهاجه وشرح الحاوي في الفقه لم يكمل وشرح الشافية لابن الحاجب وشرح الكشاف مات في رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة بتبريز رحمه الله. عبد الوهاب بن إبراهيم بن أبي المعالي الخزرجي الزنجاني: صاحب شرح الهادي المشهور الذي أكثر الجاربردي من النقل عنه في شرح الشافية قال السيوطي: وقفت عليه بخطه وذكر في آخره: أنه فرغ عنه في بغداد سنة 654هـ، ومتن الهادي له أيضا وله التصريف المشهور: بالغربي وله مؤلفات في العروض والقوافي وخطه في غاية الجودة وعلى مختصره في التصريف شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان أفضلها وأحسنها شرحا السعد التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني - رحمهما الله تعالى.
حسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج: شرح الشافية مزجا وهو مشهور متداول
قال السيوطي: لم أقف له على ترجمة.
أحمد بن علي بن مسعود: صاحب مراح الأرواح قال السيوطي: لم أقف له على ترجمة وعليه شروح مفيدة يتداولها المتأدبون من الصبيان والمراح: طبع بالهند مراراً.
ظالم بن عمرو بن ظالم - وقيل: ابن سفيان - أبو الأسود الدؤلي الكوفي المولد البصري المنشأ كان من سادات التابعين ومن أكمل الرجال رأيا وأسدهم عقلا شيعيا سريع الجواب ثقة في حديثه.
روى عن أبي ذر وغيره وصحب علي بن أبي طالب وشهد معه صفين وقدم على معاوية فأكرمه وأعظم جائزته.
وولي قضاء البصرة وهو أول من وضع علم النحو ونقط المصحف.
مات سنة 69هـ للهجرة بطاعون الجارف وعمره خمس وثمانون سنة وقيل: إنه مات قبل الطاعون بعلة الفالج.
وتخرج به: معاذ بن مسلم الهراء وخلف أبو الأسود خمسة نفر أدبوا الناس.
أولهم: عيينة بن معدان الفيل ولم يكن فيمن أخذ عنه النحو أبرع منه.
وثانيهم: ميمون الأقرن.
وثالثهم: يحيى بن يعمر العدواني التابعي.
قال الحاكم: فقيه أديب نحوي مبرز سمع ابن عمر وجابرا وأبا هريرة.
ورابعهم:......
وخامسهم: ابنا أبي الأسود: عطاء وأبو حرب.
ثم خلف هؤلاء رجالا أحدهم: عبد الله الحضرمي أحد الأئمة في القراءة والعربية.
وثانيهم: عيسى الثقفي إمام في النحو وأخذ عنه الأصمعي وصنف في النحو: الإكمال والجامع يقال: إن له نيفا وسبعين مصنفا ذهبت كلها مات سنة 149هـ، أو سنة 150هـ.
ثالثهم: أبو عمرو بن العلاء المازني النحوي المقري أحد القراء السبعة والأصح أن اسمه: ريان
قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالقراءة والعربية وأيام العرب والشعر وكانت دفاتره تملأ بيته إلى السقف ثم تنسك فأحرقها وكان من أشراف العرب مدحه الفرزدق ووثقه يحيى بن معين.
قال الذهبي: قليل الرواية للحديث وهو صدوق حجة في القراءة وكان نقش خاتمه: وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
مات سنة 154هـ، أو سنة 159هـ، ثم خلفهم: خليل بن أحمد وتقدم ترجمته ثم أخذ منه سيبويه وجمع العلوم التي استفاد منها في كتابه فجاء كتابه أحسن من كل كتاب صنف في النحو إلى الآن.
عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه أبو بشر وقيل: أبو الحسن مولى بني الحارث بن كعب.
وسيبويه: لقب فارسي ومعناه: رائحة التفاح كانت أمه ترقصه بذلك في صغره.
وقيل: كان تشم منه رائحة الطيب.
وقيل: كان يعتاد شم التفاح.
وقيل: للطافته لأن التفاح من لطاف الفواكه.
وقيل: لأن وجنتيه كأنهما تفاحتان وكان في غاية الجمال ونظائره: نفطويه وعمرويه وخالويه وغير ذلك.
والعجم يقولون: سيبويه بضم الباء وسكون الواو وفتح الياء لأنهم يكرهون أن يقع في آخر الكلمة: ويه فإنها للندبة قاله ابن خلكان وكان أصله من بيضاء من أرض فارس نشأ بالبصرة وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر وكان في لسانه حبسة وقلمه أبلغ من لسانه وناظر هو والكسائي في قولهم: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو: هو إياها.
فاختار سيبويه الرفع.
وقال الكسائي: النصب.
ورجح العرب جانب الكسائي.
ومات بالبيضاء وقيل: بشيراز سنة 180هـ، وعمره اثنتان وثلاثون سنة.
وقيل: نيف على أربعين وقيل: مات بالبصرة سنة 161هـ، وقيل: سنة 188هـ.
وقال ابن الجوزي: مات بساوة سنة 179هـ، تسع وسبعين ومائة علي بن حمزة الكسائي من ولد: بهمن بن فيروز إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة
وسمي الكسائي: لأنه أحرم في كساء واستوطن بغداد وتعلم النحو على كبر وخدم عمرو بن العلاء سبع عشرة سنة وجلس في حلقة خليل وكان يديم شرب النبيذ ويأتي الغلمان وأدب الأمين: ولد هارون الرشيد ولم يكن له زوجة ولا جارية وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه الحنفي مجالس حكاها في طبقات النحاة وغيرها وله مع سيبويه وأبي محمد اليزيدي مجالس ومناظرات ذكر ابن خلكان بعضها في تراجم أربابها ومات هو ومحمد بن الحسن بالري في يوم واحد وكانا خرجا مع الرشيد فقيل: دفن النحو والفقه في يوم واحد وذلك سنة اثنتين أو ثلاث أو تسع وثمانين ومائة أو اثنتين وتسعين ومائة.
ثم صار الناس فريقين:
كوفيا: وشيخهم الكسائي وتلميذه المبرد.
وبصريا: وشيخهم سيبويه والأخفش تلميذه.
محمد بن يزيد أبو العباس الأزدي البصري المبرد إمام العربية ببغداد في زمانه كان إماما في النحو واللغة. والمبرد: لقب عرف به واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه.
أخذ عن الكسائي والأزدي وأبي حاتم السجستاني.
وروى عنه: إسماعيل الصفار ونفطويه والصولي.
وكان فصيحا بليغا مفوها ثقة إخباريا علامة صاحب نوادر وظرافة.
وكان جميلا لا سيما في صباه.
وكان الناس بالبصرة يقولون: ما رأى المبرد مثل نفسه.
له تصانيف كثيرة منها: الرد على سيبويه والكامل ومعاني القرآن.
وكان بينه وبين ثعلب من المنافرة ما صار مثلا حتى قال الشاعر:
وأبداننا في بلدة والتقاؤنا ... عسير كأنا ثعلب ومبرد
نفطويه الواسطي أبو عبد الله إبراهيم النحوي المتوفى سنة 323هـ - رحمه الله تعالى
إبراهيم الإفليلي القرطبي النحوي اللغوي المتوفى سنة 441هـ - رحمه الله. سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط. تلميذ سيبويه من أهل بلخ وكان أجلع: وهو الذي لا تنضم شفتاه ولا تنطبق على أسنانه والأخفش: الصغير العينين مع سوء بصرهما سكن البصرة وكان أسن من سيبويه وكان معتزليا يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه.
وهذا الأخفش: هو الذي زاد في العروض بحر الخبب.
له كتاب المقاييس في النحو وكتاب الاشتقاق وكتاب العروض والقوافي وغير ذلك.
ودخل بغداد وقام بها مدة وروى بها وصنف وقرأ عليه الكسائي كتاب سيبويه سرا صنف الأوسط في النحو مات سنة عشر أو إحدى وعشرين أو خمس عشرة ومائتين.
والأخافش ثلاثة:
الأكبر: عبد الحميد بن عبد المجيد.
الأوسط: هذا السعيد.
الأصغر: علي بن سليمان.
وقيل: أربعة:
والرابع: أحمد بن عمران.
وقيل: أحد عشر:
الخامس: أحمد بن محمد الموصلي.
السادس: خلف بن عمرو.
والسابع: عبد الله بن محمد.
الثامن: عبد العزيز بن أحمد.
التاسع: علي بن محمد المغربي الشاعر.
العاشر: علي بن إسماعيل الفاطمي. الحادي عشر: هارون بن موسى بن شريك كذا في مدينة العلوم للأرنيقي رحمه الله - محمد بن المستنير بن أحمد أبو علي النحوي المعروف: بقطرب اللغوي البصري مولى سالم بن زياد لازم سيبويه وكان يدلج إليه فإذا خرج رآه على بابه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل فلقب به.
وقطرب: اسم دويبة لا تزال تدوب ولا تفتر وكان من أئمة عصره.
وله من التصانيف: كتاب معاني القرآن وكتاب الاشتقاق وكتاب العلل في النحو وكتاب غريب الحديث.
وهو أول من وضع المثلث في اللغة وكتابه -وإن كان صغيرا- لكن له فضيلة السبق وروى له ابن المنجم في كتاب البارع بيتين وهما:
إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يراك قلبي إذا ما غبت عن بصري
والعين تبصر من تهوى وتفقده ... وباطن القلب لا يخلو عن النظر
وكان يرى رأي المعتزلة النظامية فأخذ عن النظام مذهبه واتصل بأبي دلف العجلي وأدب ولده ولم يكن ثقة وله تصانيف في النحو واللغة وغيرهما مات سنة ست ومائتين رحمه الله.
صالح بن إسحاق أبو عمرو الجرمي البصري مولى جرم بن ربان من قبائل اليمن وقيل: مولى بجيلة وفي بجيلة: جرم بن علقمة بن أنمار والله أعلم بالصواب وكان يلقب: بالكلب وبالنباح: لصياحه حال المناظرة.
قال الخطيب: كان فقيها عالما بالنحو واللغة دينا ورعا حسن المذهب صحيح الاعتقاد روى الحديث قدم بغداد وأخذ عن الأخفش ويونس واللغة عن الأصمعي ولم يلق سيبويه.
وحدث عنه المبرد وناظر الفراء وانتهى علم النحو في زمانه مات سنة خمس وعشرين ومائتين
له من التصانيف: التنبيه وغيره.
وله في النحو: كتاب جيد يعرف: بالفرخ معناه: فرخ كتاب سيبويه.
وكان يقول في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} قال: لا تقل سمعت ولم تسمع ولا رأيت ولم تر ولا علمت ولم تعلم.
وكان عالما باللغة حافظا لها وله كتب انفرد بها وكان جليلا في الحديث والأخبار وله كتاب في السير عجيب وكتاب العروض ومختصر في النحو وكتاب غريب سيبويه.
والجرمي: نسبة إلى عدة قبائل كل واحدة منها يقال لها: جرم ولا أعلم إلى أيهم ينسب هذا الجرمي ولم يكن منهم وإنما نزل فيهم فنسب إليهم قاله ابن خلكان إبراهيم بن محمد بن السري أبو إسحاق الزجاج قال الخطيب: كان من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد جميل المذهب كان يخرط الزجاج مات سنة 311هـ، وسئل عن سنه عند العرفات: فعقد سبعين وسمع منه يقول: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - له كتاب مختصر في النحو وكتاب فعلت وأفعلت وكتاب ما ينصرف ومالا ينصرف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغير ذلك. محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السراج البغدادي النحوي. قال المرزباني: كان أحدث أصحاب المبرد مع ذكاء وفطنة قرأ عليه كتاب سيبويه ثم اشتغل عليه بالموسيقى وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة يقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله.
أخذ عنه السيرافي والفارسي والرماني مات شابا في ذي الحجة سنة 316هـ وكان أحد الأئمة المشاهير المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والأدب.
أخذ عنه جماعة من الأعيان منهم: السيرافي والرماني وغيرهما ونقل عنه الجوهري في كتاب الصحاح في مواضع عديدة.
وله التصانيف المشهورة في النحو.
منها: كتاب الصحاح في مواضع عديدة.
وله التصانيف المشهورة في النحو.
ومنها: كتاب الأصول وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه وشرح كتاب سيبويه وكان يلثغ في الراء فيجعلها غينا والسراج: بفتح السين والراء المشددة وبعد الألف جيم: هذه النسبة إلى عمل السروج.
عبد الله بن جعفر بن درستويه: أبو جعفر النحوي الفارسي أحد من اشتهر وعلا قدره وكثر علمه جيد التصنيف صحب المبرد ولقي ابن قتيبة
وأخذ عنه الدارقطني وغيره
وكان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة
وثقه ابن مندة وغيره
ضعفه هبة الله اللالكائي ولد سنة 258هـ، ومات سنة 347هـ، وصنف الإرشاد في النحو والرد على المفضل في الرد على الخليل وغريب الحديث وغيرها.
ضبطه السمعاني: درستويه: بضم الدال والتاء وقال ابن ماكولا: درستويه: بفتح الثلاث الأول.
محمد بن يزيد الخزاعي: المعروف بابن الأزهر النحوي قال الخطيب: حدث عن المبرد وكان مستمليه وروى عنه أبو الفرج الأصبهاني والدارقطني.
قال: كان ضعيفا يروى المناكير وقال غيره: كان كذا بأقبح الكذب مات سنة 325هـ، عن نيف وتسعين.
محمد بن مرزبان: ولد بطريق رامهرمز.
وأخذ عن المبرد وأكثر بعده عن الزجاج وكان قيما بالنحو.
أخذ عنه الفارسي والسيرافي وكان ضنينا لا يقري كتاب سيبويه إلا بمائة دينار وكان مع علمه ساقط المروءة سخيفا وإذا أراد أن يمضي إلى مكان بعيد طرح نفسه في طريق حمال وشده بحبل وربما كان معه تمر وغيره فيأكل ويرمي الناس بالنوى يتعمد رؤوسهم وربما بال على رأس الحمال فإذا قيل له يعتذر له شرح كتاب سيبويه لم يتم قال الزبيدي: توفي سنة 365هـ رحمه الله.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي: قال الزبيدي: وليس هذا بالقديم الذي له العروض والمعمى. قال الخطيب: كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: كان أنحى منهما.
قال ياقوت: لكنه إلى مذهب البصريين أميل.
وقال ابن الأنباري: خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئاً.
قال أبو حيان التوحيدي: ما رأيت مجلسا أكثر من فائدة وأجمع لأصناف العلوم والتحف من مجلسه وكان يجتمع على بابه نحو من مائة رأس من الدواب للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه وكان إقباله على صاحب الرقعة والخلق كإقباله على صاحب الديباج والدابة والغلام مات رحمه الله سنة 32 هـ.
حسن بن أحمد بن الفارسي أبو علي: ويقال له: الفسوي أيضا لأنه ولد بمدينة فسا من أعمال فارس.
أخذ عنه: السيرافي والرماني ثم تتلمذ له: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وفاق أكثر من تقدمه في التحقيق والتدقيق ولو لم يكن له سوى كتاب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لكفاه شرفا وفخرا كان أوحد زمانه في علم العربية.
أخذ عن الزجاج وابن السراج وطوف بلاد الشام وأقام بحلب عند سيف الدولة وجرت بينه وبين المتنبي مجالس قال تلامذته: إنه أعلم من المبرد وكان متهما بالاعتزال انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة وتقدم عنده وله كتاب الإيضاح والتكملة في النحو وقصته فيه مشهورة والكلمة في التصريف توفي ببغداد سنة 377هـ، ذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة في تاريخه فليرجع إليه.
زيد بن علي بن عبد الله الفارسي: أبو القاسم الفسوي النحوي اللغوي قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن العديم في تاريخ حلب: كان فاضلا يعلم اللغة والنحو عارفا بعلوم كثيرة شرح الإيضاح وسكن دمشق وأقرأ بها ومات بطرابلس سنة سبع وستين وأربعمائة رحمه الله.
حسن بن عبد الله بن المرزبان: المعروف بالقاضي أبو سعيد السيرافي النحوي.
قال ياقوت: كان أبوه مجوسيا اسمه: بهزاد فأسلم فسماه ابنه: أبو سعيد عبد الله وكان بينه وبين أبي الفرج الأصبهاني - صاحب كتاب الأغاني - ما جرت العادة بمثله بين الفضلاء من التنافس وسيراف: بكسر السين: بلدة من بلاد فارس على ساحل المجر مما يلي كرمان خرج منها جماعة من العلماء وكان يدرس ببغداد: علوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض.
أخذ اللغة عن ابن دريد والنحو عن أبي السراج.
قال أبو حيان التوحيدي: السيرافي: شيخ الشيوخ وإمام الأئمة له معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والحديث والكلام والحساب والهندسة أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ ولا عثر له على زلة وقضى ببغداد - مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة - أربعين سنة أو أكثر الدهر وكان نزها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق معتزليا ولم يظهر منه شيء وكان لا يأكل إلا من كسب يده ينسخ ويأكل منه.
وقال في محاضرات العلماء: شيخ الدهر قريع العصر العديم المثل المفقود الشكل ما رأيت أحفظ منه نظما ونثرا وكان دينا ورعا تقيا زاهدا عابدا خاشعا له دأب بالنهار من القراءات والخشوع وورد بالليل من القيام والخضوع ما قرئ عليه شيء قط فيه ذكر الموت والبعث ونحوه إلا بكى وجزع ونغص عليه يومه وليلته وامتنع من الأكل والشرب وما رأيت أحدا من المشائخ كان أذكر لأحيان الشباب وأكثر تأسفا على ذهابه منه.
وكان إذا رأى أحدا من أقرانه عاجله الشيب تسلى به.
قال في الإمتاع: هو أجمع لشمل العلم ونظم مذاهب العرب وأدخل في كل باب وأخرج من طريق وألزم للجادة الوسطى في الخلق والدين وأروى للحديث وأقضى للأحكام وأفقه في الفتوى كتب إليه ملوك عدن كتبا مصدرة بتعظيمه تسأله فيها عن مسائل في الفقه والعربية واللغة وكان حسن الخط طلب أن يقرر في ديوان الإفتاء فامتنع وقال: هذا من يحتاج إلى درية وأنا عار منها وسياسة وأنا غريب فيها.
وقال الخطيب: كان زاهدا ورعا لا يأخذ على الحكم أجرا إنما كان يأكل من كسب يمينه فكان لا يخرج إلى مجلسه حتى ينسخ عشر ورقات بعشرة دراهم تكون قدر مؤونته وكان أبو علي وأصحابه يحسدونه كثيرا مولده بسيراف قبل السبعين ومائتين وفيها ابتدأ طلب العلم وخرج إلى عمان وتفقه بها وأقام بالعسكر مدة ثم ببغداد إلى أن مات بها في خلافة الطائع ثاني رجب يوم الإثنين سنة 368هـ.
وله من التصانيف: شرح كتاب سيبويه لم يسبق إلى مثله وحسده عليه أبو علي الفارسي وغيره من معاصريه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي بن عيسى بن علي أبو الحسن الرماني: كان يعرف أيضا: بالإخشيدي وبالوراق وهو: بالرماني أشهر.
كان إماما في العربية علامة في الأدب في طبقة الفارسي والسيرافي معتزليا ولد في سنة 374هـ.
وأخذ عن: الزجاج وابن السراج وابن دريد.
قال أبو حيان التوحيدي: لم ير مثله قط علما بالنحو وغزارة بالكلام وبصيرة بالمقالات واستخراجا للعويص وإيضاحا للمشكل مع تنزه ودين وفصاحة وعفاف ونظافة وكان يمزج النحو بالمنطق حتى قال الفارسي:
إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء.
وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء.
قال السيوطي: النحو ما يقوله الفارسي وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصريهما ومن بعدهما بدهر لم يعهد فيها شيء من ذلك مات الرماني سنة 384هـ.
وله تصانيف مفيدة منها: شرح أصول ابن السراج وشرح مختصر الجرمي وشرح المقتضب وغير ذلك مما لا يحصى وأصله من سر من رأى.
والرماني: نسبة إلى الرمان وبيعه أو إلى قصر الرمان: وهو قصر بواسط معروف وقد نسب إلى هذا وهذا خلق كثير من الناس.
محمد بن الحسين الفارسي: النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي. قال ياقوت: أخذ عن خاله علم العربية وطوف الآفاق ورجع إلى الوطن وكان خاله أوفده على الصاحب بن عباد إلى الري فارتضاه وأكرم مثواه وورد بخراسان ونزل بنيسابور دفعات وأملى بها من الأدب والنحو ما سارت به الركبان وآل أمره إلى أن اختص بالأمير إسماعيل بن سبكتكين بغزنة ووزره ثم عاد إلى نيسابور ثم جاور مكة ثم عاد إلى غزنة ورجع إلى نيسابور ثم انتقل إلى إسفرائن ثم استوطن جرجان إلى أن مات.
قرأ عليه أهلها منهم: عبد القاهر الجرجاني وليس له أستاذ سواه.
وله تصانيف منها: الهجاء وكتاب مائة الشعر مات - رحمه الله - سنة 421هـ، إحدى وعشرين وأربعمائة.
عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي: الإمام المشهور أخذ النحو عن محمد الفارسي المذكور ولم يأخذ عن غيره لأنه لم يخرج عن بلده وكان من كبار أئمة العربية والبيان شافعيا أشعريا صنف: المغني في شرح الإيضاح والمقتصد في شرح إعجاز القرآن والعوامل المائة والعمدة في التصريف ومن مصنفاته: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة في علمي المعاني والبيان وهما: الآية الكبرى واليد البيضاء في العلمين المذكورين وإليهما ينتهي علم من تأخر في ذينك العلمين وغير ذلك من التصانيف مات سنة 471هـ، أو سنة 476هـ ومن شعره:
كبر على العلم يا خليلي ... ومل إلى الجهل ميل هائم
وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم
وقال أيضا:
لا تأمن النفثة من شاعر ... ما دام حيا سالما ناطقا
فإن من يمدحكم كاذبا ... يحسن أن يهجوكم صادقا
ذكر له الصلاح الكتبي ترجمة مختصرة في فوات الوفيات وهؤلاء الأعلام الذين ذكرتهم كلهم: من تلامذة سيبويه إمام أهل البصرة وأما تلامذة الكسائي إمام أهل الكوفة فأشهر هؤلاء: الفراء وبعده: أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وبعده: القاسم بن محمد الأنباري.
أما الفراء فهو: يحيى بن زياد الديلمي إمام العربية: كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي.
أخذ عنه وعليه اعتمد وأخذ عن يونس وأهل الكوفة يدعون: أنه استكثر عنه وأهل البصرة يدفعون ذلك.
وكان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال وكان متدينا متورعا على تيه وعجب وتعظيم كان زائد العصبية على سيبويه وكان كتابه تحت رأسه وكان يتفلسف في تصانيفه ويسلك ألفاظ الفلاسفة وكان أكثر مقامه ببغداد فإذا كان آخر السنة أتى الكوفة فأقام بها أربعين يوما يفرق في أهله ما جمعه وكان شديد المعاش لا يأكل وجمع مالا خلفه لابن له شاطر.
له تصانيف مفيدة منها: معاني القرآن التي يلحن فيها العامة مات بطريق مكة سنة 207هـ، عن سبع وستين سنة.
قال ثعلب: لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ذكر له ابن خلكان ترجمة طويلة. قال الفراء: إن طباع أهل البدو الإعراب وطباع أهل الحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطباع لحنت وإنما قيل له: الفراء - ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها - لأنه كان يفري الكلام ذكره السمعاني في كتاب الأنساب.
أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني: أبو العباس ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة ولد سنة مائتين وابتدأ النظر في العربية والشعر واللغة سنة ست عشر وحفظ كتب الفراء فلم يشذ منها حرف وعني بالنحو أكثر من غيره فلما أتقنه أكب على الشعر والمعاني ولازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة وسمع من نفطويه وغيره قيل: إنما فضل أهل عصره بالحفظ للعلوم التي تضيق عنها الصدور.
قال أبو الطيب اللغوي: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة بن عاصم في النحو ويوري عن ابن أبي نجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيد وعن أبي فص كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمر كتب أبيه.
وكان ثقة حجة صالحا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدما عند الشيوخ منذ هو حدث متفننا يستغني بشهرته عن نعته وكان ضيق النفقة.
قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا وأصحاب الحديث بالحديث ففازوا وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا واشتغلت أنا بزيد وعمرو فليت شعري ماذا تكون حالي؟ فانصرفت من عنده فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل
وقال أبو عمرو الزاهد: سئل ثعلب عن شيء فقال: لا أدري فقيل له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال: لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت.
صنف: الفصيح وهو صغير الحجم كثير الفائدة.
وثقل سمعه في آخر عمره ثم صم انصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر وإذا بدواب من ورائه فلم يسمع صوت حافرها فصدمته فسقط على رأسه في هوة من الطريق فلم يقدر على القيام فحمل إلى منزله ومات منه سنة 291هـ، وذكره الداني في طبقات القراء
ومن تصانيفه: كتاب المصون وكتاب اختلاف النحويين وكتاب معاني القرآن وكتاب ما تلحن فيه العامة وكتاب ما يجري وما لا يجري إلى غير ذلك.
محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد بن بشار أبو محمد الأنباري النحوي: كان محدثا إخباريا عارفا بالأدب والنحو والغريب ثقة مات في سنة 327هـ.
كان علامة وقته في العربية وأكثر الناس حفظا لها وكان صدوقا دينا ثقة خيرا من أهل السنة صنف كتبا كثيرة في: علوم القرآن وغريب الحديث أثنى عليه الخطيب في تاريخ بغداد سكن بغداد وروى عنه جماعة من العلماء وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد لما في القرآن الكريم وقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا للقرآن بأسانيدها.
وله غريب الحديث خمسة وأربعون ألف ورقة. وكتاب شرح الكافي نحو ألف ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه ورسالة المشكل رد فيها على ابن قتيبة وأبي حاتم.
وكانت ولادته سنة 271هـ هذه مشاهير علماء الأدب وهذه ترجمتهم بالاختصار ولم يخلف من بعدهم مثلهم إلا قليلا وستعرفهم إن شاء الله تعالى.
رضي الدين الإسترابادي: محمد بن الطاهر الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق - عليه السلام - المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة وهو الإمام المشهور شارح الكافية لابن الحاجب الذي لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل ولقبه: نجم الأئمة
قال السيوطي: لم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة 483هـ1، وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة: أن وفاته سنة 684هـ، أو سنة 686هـ - الشك مني - وله شرح على الشافية. انتهى.
قال في مدينة العلوم: يروى أن الرضي كان على مذهب الرفض يحكى عنه أنه كان يقول: العدل في عمر ليس بتحقيق موضع - قوله: العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل - يقال: إنه ليس في المتأخرين من اطلع على تدقيقات كتاب سيبويه مثله. انتهى
وذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وقال: ذاكره شيخه السيرافي يوما وهو صبي فقال: رأيت عمرا ما علامة النصب في عمرو؟ فقال الرضي: بغض علي - أشار إلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي - فعجب الحاضرون من ذهنه مولده سنة 359هـ ببغداد ومات في سنة 406هـ.
قلت: ولو قال بدل قوله: بغض علي: خفض علي لكان أبدع وهو أشعر الطالبيين على كثرة شعرائهم المفلقين. انتهى.
وذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة وأثنى عليه وكان أنجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ولو قيل: إنه أشعر قريش لم يبعد عن الصدق يشهد بذلك شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها وديوانه في أربع مجلدات.
توفي بكرة يوم الأحد سادس المحرم وقيل: صفر ببغداد ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ وقد خربت الدار ودرس القبر ومضى أخوه المرتضى إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه.
حسن بن محمد بن شهنشاه: العلوي الإسترابادي أبو الفضائل السيد ركن الدين شارح الكافية.
قال ابن رافع في تاريخ بغداد: قدم مراغة واشتغل على نصير الدين وكان يتوقد ذكاء وفطنة.
أخذ أصول الفقه عن السيف الآمدي مات سنة 715هـ. وقال الأسنوي: سنة 718هـ.
قال الصفدي: كان شديد التواضع يقوم لكل أحد حتى السقاء شديد الحلم وافر الجلالة عند التتار عاش بضعا وسبعين سنة.
أبو بكر الخبيصي: صاحب شرح الحاجبية سماه: الموشح قال السيوطي: لا أعرف من ترجمته زيادة على هذا قلت: خبيص: قرية من قرى كرمان ونسبته إليها لا إلى بائع الخبيصة - كما توهمه بعض الناس - وعلى هذا الشرح فوائد مهمة للشريف الجرجاني - رحمه الله.
عبد الرحمن الجامي شارح الكافية: بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله أغنتنا عن التعرض لترجمته - قدس سره.
علي مجد الدين بن مسعود ابن محمد البسطامي: من أولاد الإمام فخر الدين الرازي المعروف: بمصنفك لأنه صنف كتبا شريفة في حداثة سنه والكاف: في لغة العجم: للتصغير وكان الفخر الرازي يصرح في مصنفاته: بأنه من أولاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وذكر أهل التاريخ: أنه من أولاد أبي بكر الصديق ولد مصنفك في سنة 803هـ، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلم في سنة 823هـ، ذكر له في مدينة العلوم تصانيف كثيرة يجل وصفها وهي بالعربية والفارسية وفي علم النحو والأدب والمعاني والبيان والفقه والأصول والمنطق والحكمة والتفسير إلى غير ذلك.
أبو البقا يعيش بن علي بن يعيش: النحوي الحلبي موفق الدين المشهور: بابن يعيش وكان يعرف: بابن الصائغ ولد في رمضان في سنة 553هـ بحلب كان من كبار أئمة العربية ماهرا في النحو والتصريف.
سمع الحديث على الخطيب الطوسي بالموصل وقدم دمشق وجالس تاج الدين الكندي وتصدر بحلب للإقراء زمانا وطال عمره وشاع ذكره وغالب فضلاء حلب تلامذته وكان حسن الفهم لطيف الطبع طويل الروح على المبتدي والمنتهي ظريف الشمائل كثير المجون.
حدث عنه جماعة آخرهم: أبو بكر الدشتي مات في سنة 643هـ.
قال ابن خلكان: لما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف - وكان دخولي إليها سنة 628هـ، وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلماء والمشتغلين وكان الشيخ موفق الدين شيخ الجماعة في الأدب لم يكن فيهم مثله - فشرعت في القراءة عليه وكان يقرئ بجامعها في المقصورة الشمالية بعد العصر وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية وكان عنده جماعة قد تنبهوا وتميزوا به وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء وابتدأت بكتاب اللمع لابن جني فقرأت عليه معظمها مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين وله شرح كتاب المفصل للزمخشري شرحه شرحا مستوفيا وليس في جملة الشروح مثله وشرح تصريف الملوكي لابن جني شرحا جيدا وانتفع به خلق كثير من أهل حلب وغيرها حتى أن الرؤساء الذين كانوا بحلب ذلك الزمان كانوا تلامذته - رحمه الله.
عبد الله بن يوسف بن أحمد الشيخ جمال الدين الحنبلي النحوي الأنصاري: أبو محمد الشهير: بابن هشام صاحب كتاب مغني اللبيب.
قال في الدرر الكامنة: ولد سنة 708هـ، ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وسمع على ابن حيان ديوان زهير بن أبي سلمى وحضر دروس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه للشافعي ثم تحنبل وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ.
وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة. انتهى ملخصاً.
قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب واشتهر في حياته وأقبل الناس عليه. انتهى.
قال السيوطي: وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة الهجرية.
أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن يونس النحاس النحوي: كان من الفضلاء وله تصانيف مفيدة وكتاب في النحو اسمه: التفاحة وكتاب الكافي في النحو وكتاب الناسخ والمنسوخ.
روى عن النسائي وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش والزجاج وابن الأنباري ونفطويه وأعيان أدباء العراق وكان قد رحل إليهم من مصر وكانت فيه خساسة وتقتير على نفسه وإذا وهب عمامة قطعها ثلاث عمائم بخلا وشحا وكان يلي شراء حوائجه بنفسه ويتحامل فيها على أهل معرفته مع هذا فكان للناس رغبة كبيرة في الأخذ عنه فنفع وأفاد.
وأخذ عنه خلق كثير توفي بمصر سنة 338هـ.
والنحاس: نسبة إلى من يعمل النحاس وأهل مصر يقولون لمن يعمل الأواني الصفرية: النحاس والله أعلم بالصواب.
يوسف بن أبي بكر محمد بن علي سراح الدين أبو يعقوب.
السكاكي: كان علامة بارعا في علوم شتى خصوصا المعاني والبيان وله كتاب مفتاح العلوم اشتمل على اثني عشر علما من العلوم العربية ونقل عنه أبو حيان في الارتشاف في مواضع وقال فيه: إن السكاكي من خوارزم وذكره الشيخ سراج الدين البلقيني فقال: هو الخوارزمي إمام في النحو والتصريف والمعاني والبيان والاستدلال والعروض والشعر وله النصيب الوافر من علم الكلام وسائر العلوم من رأى مصنفه علم تبحره وفضله ونبله مات بخوارزم في أوائل رجب سنة ست وعشرين وستمائة وكانت ولادته سنة 555هـ الهجرية.
محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشهير: بقطب الدين الشيرازي الشافعي العلامة: ولد بشيراز سنة 634هـ، وكان أبوه طبيبا فقرأ عليه وعلى عمه ثم سافر إلى نصير الطوسي فقرأ عليه وبرع ثم دخل الروم فأكرمه صاحبها وولي قضاء سيواس وملطية وقدم الشام ثم سكن تبريز وأقرأ بها العلوم العقلية وحدث بجامع الأصول عن الصدر القونوي عن يعقوب الهندباني عن المصنف.
وكان ينظر في شرح السنة للبغوي وكان يخالط الملوك ظريفا مزاحا لا يحمل درهما ولا يغير زي الصوفية وكان من بحور العلم ومن أذكياء العالم يخضع للفقهاء ويلازم الصلاة في جماعة وإذا صنف كتابا صام ولازم السهر ومسودته مبيضة ثم انقطع عن أبواب الأمراء والملوك إلى أن مات.
وله شرح كليات القانون لابن سينا وشرح حكمة الإشراق وصنف: كتاب درة التاج على لسان الفرس أدرج فيه جميع أقسام الحكمة النظرية والعملية وصنف في الهيئة: التحفة ونهاية الإدراك وغير ذلك ومصنفاته كثيرة كلها في غاية الحسن والإتقان مات - رحمه الله - في أربع وعشرين من رمضان سنة 716هـ.
مسعود بن القاضي فخر الدين عمر بن برهان الدين الشهير: بسعد الدين التفتازاني: الإمام العلامة عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها شافعي.
قال ابن حجر الحافظ: ولد سنة 712هـ، وأخذ عن القطب والعضد وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه.
وله: شرح العضدي وشرح التلخيص مطول وآخر مختصر وشرح القسم الثالث من المفتاح وله: التلويح شرح التوضيح وشرح العقائد النسفية وشرح الشمسية في المنطق وشرح تصريف الزنجاني والإرشاد في النحو وتهذيب المنطق والكلام وحاشية الكشاف ولم يتم وغير ذلك وتصانيفه كثيرة وكان في لسانه لكنة وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق مات بسمرقند سنة 791هـ، ذكره فتح الله الشرواني في أوائل شرحه للإرشاد وقال: لقد زرت مرقده المقدس بسرخس فوجدت مكتوبا على صندوق مرقده من جانب القدوم: ولد في صفر سنة 722هـ، وتوفي سنة 791هـ بسمرقند ونقل إلى سرخس. انتهى ثم ذكر تاريخ تأليف سائر مؤلفاته - رحمه الله تعالى.
علي بن محمد بن علي الحنفي الشريف الجرجاني: قال العيني في تاريخه: عالم بلاد الشرق كان علامة دهره وفهامة عصره وكان بينه وبين الشيخ سعد الدين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تيمورلنك وله تصانيف مفيدة.
منها: شرح المواقف للعضد وحواشي شرح الأصفهاني على التجريد للطوسي ويقال: إن مصنفاته زادت على خمسين كتابا مات سنة 814هـ. انتهى.
قال السيوطي: ومن مصنفاته: شرح القسم الثالث من المفتاح وحاشية المطول والمختصر وحاشية الكشاف ولم يتم وله: رسالة في تحقيق معاني الحروف وأفادني سيدنا المؤرخ شمس الدين بن عزم: أن مولد الشريف الجرجاني بجرجان من ولاية إستراباد سنة 740هـ، وأنه توفي بشيراز في سادس ربيع الثاني سنة 816هـ. قلت: فمدة عمره - رحمه الله - ست وسبعون سنة نقل السيوطي عن شيخه محمد الكافيجي أنه قال: السيد الشريف وقطب الدين الرازي: لم يرزقا علم العربية بل كانا حكيمين.
قال في مدينة العلوم: قلت: وهذا الكلام خروج عن الإنصاف ولا يلزم من عدم انفرادهما بعلم العربية ومشاركتهما لسائر العلوم عدم معرفتهما بها فانظر بالإنصاف في تصانيفهما مباحث تتعلق بالعربية وقد عجز عنها القدماء من أرباب العلوم العربية.
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا.
انتهى. برهان الدين حيدر الشيرازي ثم الرومي كان علامة بالمعاني والبيان والعربية.
أخذ عن التفتازاني وشرح الإيضاح للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الروم وأقرأ وأفتى على مذهب أبي حنيفة ومات بعد العشرين وثمانمائة.
قال السيوطي: أخذ عنه شيخنا: محيي الدين الكافيجي - رحمه الله.
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الإيجي: العلامة الشافعي المشهور: بالعضد.
قال في الدرر الكامنة: وكان إماما في المعقول قائما بالأصول والمعاني والعربية مشاركا في الفنون كريم النفس كثير المال جدا كثير الإنعام على الطلبة.
ولد بعد السبعمائة وأخذ عن مشائخ عصره ولازم الشيخ زين الدين تلميذ البيضاوي وولي قضاء المماليك ومن تلامذته: الشيخ شمس الدين الكرماني وسيف الدين الأبهري والتفتازاني وجرت له محنة مع صاحب كرمان حبسه في القلعة ومات مسجونا سنة 756هـ وأورد ابن السبكي في الطبقات الشافعية: ما كتبه عضد الدين يستفتي به أهل عصره فيما وقع في الكشاف في قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} حيث قال: من مثله متعلق بسورة صفة لها أي: بسورة كائنة من مثله والضمير: لما نزلنا أو لعبده ويجوز أن يتعلق بقوله: {فَأْتُوا} والضمير: للعبد حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري فما الفرق بين: فأتوا بسورة كائنة من مثله فأنزلناه وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة؟ وكتب الجواب كثير من الفضلاء - سيما فخر الدين الجاربردي - ثم رد جواب عضد الدين إبراهيم ولد الجاربردي وأطالوا الكلام فيه تركنا ذكرها1 لطولها وعدم تعلق غرضنا بها في هذا المقام وله تصانيف جمة كثيرة الفوائد منها: الفوائد الغياثية مختصر المفتاح.
محمد بن يوسف بن علي بن سعيد: شمس الدين الكرماني ثم البغدادي شارح البخاري الإمام العلامة في الحديث والتفسير والأصلين والفقه والمعاني والعربية قال ابنه في ذيل المسالك: ولد يوم الخميس سنة 717هـ، وقرأ على والده بهاء الدين ثم انتقل إلى كرمان وأخذ عن العضد وغيره وبهر وفاق أقرانه وفضل غالب أهل زمانه ثم دخل دمشق ومصر وقرأ بها البخاري على ناصر الدين الفارقي.
وسمع من جماعة وحج ورجع إلى بغداد واستوطنها وكان تام الخلق فيه بشاشة وتواضع للفقراء والعلماء غير مكترث بأهل الدنيا ولا ملتفت إليهم ويأتي إليه السلاطين في بيته ويسألونه: الدعاء والنصيحة.
وله من التصانيف: شرح البخاري أربع مجلدات.
وشرح المواقف وشرح الفوائد الغياثية في المعاني والبيان وحاشية على تفسير البيضاوي ورسالة في مسألة الكحل مات يوم الخميس سنة 786هـ، فنقل إلى بغداد ودفن بقبر أعده لنفسه بقرب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
محمد بن علي بن السيد الشريف الجرجاني: صاحب التصانيف. قرأ على والده وبرع وأكمل حاشية أبيه على المتوسط وشرح الإرشاد في النحو للتفتازاني وشرح هداية الحكمة.
وله: رسالة مختصرة في المنطق أورد فيها ما يحتاج إليه كتبها على أسلوب رسالة والده في المنطق مع زيادات شريفة لكن والده كتبها بالفارسية وشرح الفوائد الغياثية ممزوجا - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
أبو القاسم هبة الله بن الفضل المعروف: بابن القطان الشاعر المشهور البغدادي.
سمع الحديث من جماعة من المشائخ.
وسمع عليه وكان غاية في الخلاعة والمجون كثير المزاح والمداعبة والهجاء مغرى بالولوع بالمتعجرفين ولم يسلم منه أحد لا الخليفة ولا غيره ولهم وله في ذلك نوادر ووقائع وحكايات ظريفة وله ديوان شعر عبث فيه بجماعة من الأعيان وثلبهم وله مع حيص بيص1 ماجريات وله كتاب عروض أكثره جيد.
ولد سنة 477هـ، وتوفي سنة 558هـ ببغداد ودفن بمقبرة معروف الكرخي يوم العيد.
قال ابن خلكان: ولولا إيثار الاختصار لذكرت من أحواله ومضحكاته شيئا كثيرا فإنه كان آية في هذا الباب.
محمد بن علي بن عبد الرحمن الشيخ أمين الدين المحلي: قال الذهبي: أحد أئمة النحو بالقاهرة تصدر لإقرائه وانتفع به الناس وله شعر حسن وتصانيفه حسنة منها: أرجوزة في العروض وشفاء العليل في علم الخليل مات سنة 673هـ، عن ثلاث وسبعين سنة.
يحيى بن علي بن محمد المعروف: بابن الخطيب التبريزي.
قال ياقوت: وربما يقال له: الخطيب وهو وهم صاحب العروض كان أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب حجة صدوقا ثبتا هاجر إلى أبي العلاء المعري.
وأخذ عنه وعن عبيد الله الرقي وابن البرهان وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم.
وسمع الحديث وكتب الأدب على خلق منهم: القاضي أبو الطيب الطبري وأبو القاسم التنوخي والخطيب البغدادي.
وروى عنه السلفي وتخرج عليه خلق كثير وتتلمذوا له ذكره السمعاني في كتاب الذيل وذكر فضائله.
وله: تهذيب غريب الحديث وله في النحو مقدمات حسنة وكتاب في إعراب القرآن سماه: الملخص.
قال ابن خلكان: رأيته في أربع مجلدات وكان قد دخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات وولي تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب بها وانتهت إليه الرياسة في فنه وشاع ذكره في الأقطار وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه. صنف: شرح القصائد العشر والكافي في العروض والقوافي وثلاثة شروح على الحماسة وشرح شعر المتنبي وشعر أبي تمام وغير ذلك ولد سنة 441هـ، ومات فجاءة في سنة 502هـ الهجرية.
علي بن جعفر بن علي السعدي: المعروف بابن القطاع الصيقلي المولد المصري الدار والوفاة كان أحد أئمة الأدب خصوصا اللغة صاحب الكتاب المعروف: الشافي في علم القوافي.
قال ياقوت: كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب قرأ على أبي بكر الصيقلي وروى عنه الصحاح للجوهري وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية صنف: الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجود من الأفعال لابن القوطية وإن كان ذلك قد سبقه إليه وله: كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعى وفيه دلالة على كثرة اطلاعه.
وله حواشي الصحاح والدرة الخطيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة وكتاب لمح الملح جمع فيه خلقا من شعراء الأندلس وغير ذلك وأجاد في النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة 500هـ، وبالغ أهل مصر في إكرامه وله شعر كثير ذكر طرفا صالحا منه ابن خلكان في تاريخه.
ولد سنة 433هـ بصقلية ومات سنة 515هـ، أو سنة 514هـ، ودفن بقرب ضريح الإمام الهمام: محمد بن إدريس الشافعي - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم: محمد بن محمد المعروف: بابن الأثير الجزري الملقب: بضياء الدين.
كان مولده بجزيرة ابن عمرو نشأ بها وانتقل مع والده إلى الموصل وبها اشتغل وحصل العلوم وحفظ: كتاب الله الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية ومن النحو واللغة وعلم البيان وشيئا كثيرا من الأشعار.
وله: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر وهو في مجلدين ولد سنة 558هـ، وتوفي سنة 632 ببغداد وكان له أخوان:
أحدهما: مجد الدين أبو السعادات المبارك تقدم ذكره في اللغة.
والآخر: أبو الحسن علي الملقب: عز الدين يأتي ذكره في التواريخ وكان الإخوة الثلاثة كلهم فضلاء نجباء أصحاب التصانيف المقبولة قلما يتفق إخوة مثل هؤلاء وهم مشهورون بابن الأثير رحمهم الله تعالى.
أبو القاسم علي بن محمد الحريري: صاحب المقامات ولد في حدود سنة 446هـ، وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة تصانيفه تشهد بفضله وكفى له شاهدا على ذلك: المقامات التي فاق بها الأوائل وأعجز الأواخر وكان مولده ببلد قريب من البصرة يقال له: المشان وكان دميما مبتلى بنتف اللحية.
قيل: إنه كتب سبعمائة نسخة من المقامات بخطه وقرئت عليه وله ديوان شعر مات بالبصرة في سادس رجب سنة 515هـ.
ذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وأشعارا له وقال: إمام في النحو واللغة وله عدة مصنفات منها: المقامات طبقت الأرض شهرة أمره بتصنيفها أنوشيروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود وكان خصيصا به قدم بغداد ونزل الحريم.
والحريري: بصري المولد والمنشأ من بني ربيعة الفرس وكان من أهل اليسار يقال: إنه كان له ثماني عشرة ألف نخلة بمشان البصرة وأصله منها وخلف ابنين: الواحد: عبد الله من رواة المقامات والثاني: كان متفقها. انتهى. - رحمهما الله.
أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ: صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بن بويه الديلمي تقلد ديوان الرسائل وله كل شيء حسن من المنظوم والمنثور توفي سنة 384هـ ببغداد وعمره: إحدى وسبعون سنة.
قيل: إن صديقا له دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله: عما يعمل؟ فقال: أباطيل أنمقها وأكاذيب الفقهاء أبو الفضل أحمد بن الحسين المعروف: ببديع الهمداني صاحب الرسائل الرائقة والمقامات الفائقة وعلى منواله نسج الحريري مقاماته واحتذى حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج وهو أحد الفضلاء الفصحاء وله النظم المليح.
روى عن أحمد بن فارس صاحب المجمل في اللغة وسكن هراة من بلاد خراسان وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر.
فمن رسائله: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف: يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام.
ومنها: حضرته التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرم لا مشعر الحرم ومنى الضيف لا منى الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة وكانت وفاته سنة 398هـ، مسموما بمدينة هراة.
ويحكى: أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر - والله أعلم.
أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي الداني: كان فاضلا في علوم الأدب صنف كتابه الذي سماه: الحديقة على أسلوب يتيمة الدهر للثعالبي.
وكان عارفا بفن الحكمة فكان يقال له: الأديب الحكيم سكن الإسكندرية ذكره العماد في الخريدة وأثنى عليه وذكر أشياء من نظمه توفي - رحمه الله - سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
أبو أحمد بن عبد الله بن السعيد العسكري: أحد الأئمة في الآداب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر وله التصانيف المفيدة منها: كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وكتاب الحكم والأمثال توفي سنة 382هـ، والعسكري: نسبة إلى عدة مواضع أشهرها: عسكر مكرم الباهلي: وهي مدينة من كور الأهواز.
أبو علي الحسن بن رشيق: المعروف: بالقيرواني أحد الأفاضل البلغاء له التصانيف المليحة منها: كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد وأبوه: مملوك رومي من موالي الأزد توفي سنة 463هـ رحمه الله تعالى ومن شعره:
يارب لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استعنت على الضعيف المؤذي ما لي بعثت إلي ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمروذ
وله أيضا:
وقائلة: ماذا الشحوب وذا الضنا؟ ... فقلت لها قول المشوق المتيم:
هواك أتاني وهو ضيف أعزه ... فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
ومن تصانيفه أيضا: قراضة الذهب وهو لطيف الجرم كثير الفائدة وله: كتاب الشذوذ في اللغة يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها.
الشيخ المجيد: أبو علي الحسن بن عبد الصمد بن الشحناء العسقلاني: صاحب الخطب المشهورة والرسائل المحبرة كان من فرسان النثر وله فيه اليد الطولى.
ذكره العماد في الخريدة فقال: المجيد: مجيد كنعته قادر على ابتداع الكلام ونحته له الخطب البديعة والملح الصنيعة.
وذكره ابن بسام في الذخيرة وسرد جملة من رسائله توفي مقتولا بخزانة البنود: وهي سجن بمدينة القاهرة المعزية في سنة 482هـ ومن شعره:
حجاب وإعجاب وفرط تصلف ... ومد يد نحو العلا بتكلف
ولو كان هذا من وراء كفاية ... عذرنا ولكن من وراء تخلف
أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الملقب بتاج الدين البغدادي: كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع وكان يبتاع الخليع ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها واستوطن دمشق وقصده الناس وأخذوا عنه توفي - رحمه الله تعالى - سنة 613هـ الهجرية.
أبو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب المشهور: به يضرب المثل في البلاغة حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان في كل فن من العلم والأدب إماما وهو من أهل الشام وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة.
وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التمهيدات في فصول الكتب فاستعمل الناس ذلك بعده وكان كاتب مروان بن الحكم الأموي: آخر ملوك بني أمية المعروف: بالجعدي.
ومن كلامه: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وخير الكلام: ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا ثم إنه قتل مع مروان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الطاهر: كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي.
وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله ديوان شعر كبير.
وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه.
وله: كتاب الغرور والدرر هي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم
ولد في سنة 355هـ، وتوفي في سنة 436هـ ببغداد ودفن في داره عشية ذلك النهار
أبو نصر الفتح بن عبد الله بن خاقان القيسي الإشبيلي: صاحب كتاب قلائد العقيان له: عدة تصانيف منها: القلائد جمع فيه من شعراء المغرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة وكلامه في مؤلفاته تدل على غزارة فضله وسعة مادته.
وكان كثير الأسفار سريع التنقلات توفي في سنة 525هـ، بمدينة مراكش.
قال ابن دحية: كان خليع العذار في دنياه لكن كلامه في تواليفه كالسحر الحلال والماء الزلال قتل ذبحا في مسكنه بفندق من حضرة مراكش في سنة 529هـ. انتهى.
الصاحب: أبو القاسم إسماعيل بن عباد الطالقاني: كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه.
أخذ الأدب عن: ابن فارس اللغوي وابن العميد وغيرهما.
قال الثعلبي في اليتيمة: ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب. انتهى.
نشأ من الوزارة في حجرها ودب ودرج في وكرها وكان وزير ابن بويه الديلمي واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره ومدحوه بغرر المدائح.
صنف في اللغة: كتبا سماها: المحيط وهو في سبع مجلدات اشتمل من اللغة على جزء متوفر وله: رسائل بديعة ونظم جيد فمنه قوله:
وشادن جماله تقصر عنه صفتي ... أهوى لتقبيل يدي فقلت: قبل شفتي
وله في رقة الخمر:
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
ولد سنة 326هـ، وتوفي سنة 385هـ، بالري ثم نقل إلى أصبهان والطالقان: اسم لمدينتين أحدهما: بخراسان والأخرى: من أعمال قزوين والصاحب من الأخرى.
مفضل بن محمد الأصفهاني أبو القاسم الراغب: كان في أوائل المائة الخامسة له: المحاضرات وأفانين البلاغة وغير ذلك والناس يظنون أنه معتزلي لكن نقل السيوطي عن الفخر الرازي: أنه من أئمة السنة وقرنه بالغزالي وهذه فائدة حسنة فلا عبرة بظنون الناس وإن بعض الظن إثم.
أبو المعالي محمد بن أبي سعيد بن الحسن بن حمدون: الكاتب الملقب: كافي الكفاءة بهاء الدين البغدادي صاحب: التذكرة الحمدونية في علم المحاضرات كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة وكتابه: التذكرة من أحسن المجامع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله. ولد في سنة 495هـ، وتوفي سنة 562هـ، وكان موته في الحبس.
أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربه: مولى هشام القرطبي صاحب كتاب العقد الفريد كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس وكتابه: العقد من الكتب الممتعة حوى من كل شيء طبع في هذا الزمان بمصر القاهرة وله ديوان شعر جيد تشمل أشعاره كل معنى مليح وكل لفظ فصيح.
ولد في سنة 246هـ، وتوفي في سنة 328هـ، وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك بأعوام وقرطبة: بالضم: مدينة كبيرة من بلاد الأندلس وهي دار مملكتها.
أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد: الكاتب الأموي الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني الذي طبع بمصر حالاً.
ولد بأصبهان ونشأ ببغداد وكان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها عالما بأيام الناس والأنساب والسير.
روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم.
قال التنوخي: وكان من المتشيعين الذي شاهدناهم وكان يحفظ من اللغة والنحو والمغازي والسير والأغاني والخرافات والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب مالم أر قط يحفظه مثله ويحفظ دون ذلك من علوم أخر ومن آلات المنادمة شيئا كثيرا مثل: البيطرة وعلم الجوارح وطرف من الطب والنجوم والأشربة وغيرها وشعره يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء.
وله من المصنفات المستملحة: كتاب الأغاني في المحاضرات الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال: إنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه.
وحكي: عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها.
ومنها: كتاب القيان وكتاب الديارات وكتاب دعوة الأطباء.
ومنها: كتاب جمهرة النسب وكتاب الغلمان المغنين وكتاب الإماء الشواعر وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح وشعره كثير ومحاسنه شهيرة.
ولد في سنة 284هـ، وتوفي سنة 356هـ ببغداد وكان قد خلط قبل أن يموت وكان من أولاد مروان بن الحكم الأموي آخر خلفاء بني أمية وهو: أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ.
أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني المعروف: بابن أبي حجلة: نزيل دمشق ثم القاهرة.
ولد سنة 725هـ، واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع ومهر في الأدب ونظم الكتب ونثر فأجاد وترسل ففاق وعمل المقامات وغيرها وكان حنفي المذهب حنبلي المعتقد وكان كثير الحط على الاتحادية صنف: كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلها النبوية وكان يحط عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على أهل نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد سراج الهندي وكان يقول الشعر ولا يحسن العروض وجمع مجاميع حسنة منها: ديوان الصبابة ومنطق الطير وسكردان السلطان في علم المحاضرات والأدب الغض وأطيب الطيب والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة وقصيرات الحجال وغير ذلك مات في مستهل ذي الحجة سنة 776هـ، وله إحدى وخمسون سنة.
كمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي: المصري صاحب كتاب حياة الحيوان في علم المحاضرة وله: تصانيف مفيدة في علوم عديدة كان كثير العبادة قائما بالصوم عدم النظير في وقته وكان يكتسب أولا بالخياطة ثم تركه ولم يتقلد القضاء أصلا ولا لبس لبسا فاخراً.
أخذ عن الأسنوي والعراقي وأعيان العلماء ومن تأمل كتابه: حياة الحيوان وما أودعه فيه من الغرائب والفوائد عرف فضله.
ولد سنة 743هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 808هـ، والدميري: بكسر الدال والميم وقيل: بفتحها وكسر الميم قال في مدينة العلوم: ولعل الصواب هو الأخير لأني قد وجدته مضبوطا بخط بعض الثقات.
أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري: صاحب كتاب: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها.
والثعالبي: نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها.
وله: كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة.
قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه: كان في وقته راعي تلعات العلم وجامع أشتات النثر والنظم رأس المؤلفين في زمانه وإمام المصنفين بحكم أقرانه سار ذكره سير المثل وضربت إليه آباط الإبل وتواليفه أشهر مواضع وأبهر مطالع وأكثر راو لها وجامع طلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب.
ولد سنة 350هـ، وتوفي سنة 429هـ، وله كتاب: مؤنس الوحيد في المحاضرات وشيء كثير جمع فيه أشعار الناس ورسائلهم وأخبارهم وأحوالهم وفيها دلالة على كثرة اطلاعه وله أشعار كثيرة ذكر طرفا منها ابن خلكان في تاريخه.
محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي: الطائي الأندلسي يعرف: بابن عربي1 عمدة الواصلين وسند السالكين كان جليل الشأن في العلم والعمل وله المصنفات الوافرة والمؤلفات الزاخرة منها:
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار من كتب علم المحاضرة.
مولده سنة 560هـ.
وعنه أخذ: الشيخ شرف الدين بن الفارض والشيخ صدر الدين القونوي.
وتوفي سنة 638هـ، ودفن بالصالحية بسفح قاسيون بتربة بني الزكي وقبره بها يزار بدمشق وكان أبوه خمّاراً بها.
حبيب بن أوس بن الحارث أبو تمام الطائي
صاحب الحماسة
وكان1 أبو تمام أسمر طويلا فصيحا حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة واشتغل وتنقل إلى أن صار منه ما صار.
وتوفي بالموصل سنة 231هـ، أو سنة 228هـ، أو سنة 229هـ، وقيل: سنة 232هـ، كذا قاله ابن خلكان في تاريخه: وفيات الأعيان.
أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور: المعروف: بالبسام الشاعر المشهور صاحب الذخيرة.
كانت أمه: أمامة: ابنة حمدون النديم وهو من أعيان الشعراء وأفاضل الظرفاء لسنا مطبوعا في الهجاء لم يسلم منه أمير ولا وزير ولا صغير ولا كبير.
توفي سنة 303هـ، أو 302هـ، عن نيف وسبعين سنة.
أحمد بن عبد الله بن سيلمان التنوخي: أبو العلاء المعري من معرة النعمان من الشام بالقرب من حماة غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم عالما باللغة حاذقا بالنحو جيد الشعر جزل الكلام شهرته تغني عن صفته.
وله التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة وله من النظم: لزوم مالا يلزم وهو كبير في خمسة أجزاء أو ما يقاربها وله: سقط الزند وشرحه بنفسه وسماه: ضوء السقط وله: كتاب الأيك والغصون في الأدب يقارب المائة جزء وكان علامة عصره متضلعا من فنون الأدب.
ولد يوم الجمعة عند الغروب لثلاث بقين من ربيع الأول سنة 363هـ، بالمعرة وجدر في السنة الثالثة من عمره فعمي منه وهو مجدر الوجه نحيف الجسم وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوبا مصبوغا بالعصفر قال الشعر وهو ابن إحدى أو اثنتي عشرة سنة.
وأخذ النحو واللغة عن أبيه وعن محمد بن سعد النحوي بحلب وهو من بيت علم ورياسة وكان متهما في دينه يرى رأي البراهمة والحكماء المتقدمين لا يرى أكل اللحم ولا يؤمن بالبعث والنشور وبعث الرسل وشعره المتضمن للإلحاد كثير.
قال ابن العميل في كتابه: وقع التجري على المعري: كان يرميه أهل الحسد بالتعطيل ويعملون على لسانه الأشعار يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه وقد نقل عنه أشعار تتضمن صحة عقيدته وكذب ما ينسب إليه من إسناد الإلحاد إليه.
وقال الذهبي: إنه ملحد وحكم بزندقته وقال السلفي: أظنه تاب وأناب.
وله من التصانيف: ديوان الشعر وشرح شعر المتنبي وسماه: معجز أحمد وشرح شعر البحتري وسماه: عبث الوليد واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه: ذكرى حبيب.
والتنوخي: نسبة إلى تنوخ وهو: اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التناصر وأقاموا هناك فسموا: تنوخا والتنوخ: الإقامة وهذه القبيلة: إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب وهم: بهراء وتنوخ وتغلب.
مات ليلة الجمعة سنة 449هـ، وذكر له ابن الوردي ترجمة حافلة في تاريخه فليعلم.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي أبو الطيب المتنبي:
الشاعر المشهور وقيل: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار وهو من أهل الكوفة قدم إلى الشام في صباه وجال في أقطاره واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر حتى قيل: إن الشيخ أبا علي الفارسي قال له يوما: كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟
فقال في الحال: حجلى وظربى.
قال أبو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثا فلم أجد
قال ابن خلكان: وحسبك أن يقول في حقه أبو علي هذه المقالة وكان شعره بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة والحكمة وسائر المحاسن بحيث لا حاجة إلى مدحه.
والناس في شعره على اختلاف.
منهم: من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده.
ومنهم: من يرجح شعر أبي تمام عليه.
اعتنى العلماء بشرح ديوانه حتى قال بعضهم: وقفت له على أكثر من أربعين شرحا ما بين مطول ومختصر ولم يفعل هذا بديوان غيره ولا شك أنه كان رجلا مسعودا رزق السعادة التامة في شعره وإنما قيل له: المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم حتى حبس ثم تاب وأطلق وهذا أصح وقيل: لقوله: أنا أول نبي بالشعر وقيل: لقوله:
أنا في أمة تداركها اللـ ... ـه غريب كصالح في ثمود
وكان سبب قتله قوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والحرب والضرب والقرطاس والقلم
وذلك في رمضان سنة 354هـ، ومولده بالكوفة سنة 303هـ، بمحلة كندة.
ويقال: إن أباه كان سقاء بالكوفة وبالجملة: فسمو نفسه وعلو همته وأخباره وماجرياته: كثيرة والاختصار أولى.
أبو عبادة وليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري الشاعر المشهور: صاحب الديوان.
مدح كثيرا من الخلفاء أولهم: المتوكل على الله وكثيرا من الأكابر والرؤساء وأقام ببغداد زمانا ثم عاد إلى الشام وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها وكان يتغزل بها.
روى عنه أشياء من شعره: المبرد والمحاملي والحكيمي والصولي.
قيل له: أيهما أشعر أنت أم أبو تمام؟ قال: جيده خير من جيدي ورديي خير من رديه.
وقيل للمعري: أي الثلاثة أشعر أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال: هما حكيمان والشاعر البحتري. قال ابن خلكان: ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله:
والفتى البحتري يسرق مآقا ... مثل ابن أوس في المدح والتشبيب
كل بيت له يجود معنا ... هـ فمعناه لابن أوس حبيب
وشعره سائر وديوانه موجود دائر فلا حاجة إلى الإكثار في مدح شعره.
وجمع شعره على الحروف: أبو بكر الصولي.
وعلى الأنواع: علي بن حمزة.
وللبحتري: كتاب الحماسة على مثال حماسة أبي تمام وله: كتاب معاني الشعر
ولد سنة ست أو سبع أو خمس أو ثلاث أو اثنتين ومائتين والأول: أصح.
وكان يقال لشعره: سلاسل الذهب وهو في الطبقة العليا قال ابن الجوزي - في كتاب أعمار الأعيان -: توفي البحتري وهو ابن ثمانين سنة وكان موته بمنيح - أطال ابن خلكان في ترجمته.
جرير بن عطية بن الخطفي التميمي الشاعر المشهور صاحب ديوان الشعر: كان من فحول شعراء الإسلام وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض وهو أشعر منه عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن.
وأجمعت العلماء على: أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل ويقال: إن بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح ونسيب وهجاء وفي الأربعة: فاق جرير على غيره ويلقب: بابن المراغة وهذا لقب لأمه هجاه ابن الأخطل ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها
ولما مات الفرزدق وبلغ خبره جريرا بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده وقل ما مات ضد أو صديق إلا تبعه صاحبه وكذلك كان فتوفي سنة 110هـ، وفيها مات الفرزدق وكان وفاته باليمامة وعمره نيفا وثمانين سنة ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه: وفيات الأعيان.
أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور بالفرزدق:
صاحب جرير وكان بينهما من المهاجاة والمعاداة ما هو المشهور في كتب المحاضرات وقد جمع لهما كتاب يسمى: النقائض وهو من الكتب المشهورة.
توفي بالبصرة سنة 110هـ، قبل جرير بأربعين أو ثمانين يوماً.
قال ابن الجوزي: إنهما توفيا في سنة 111هـ، قيل: لقي الفرزدق علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد قارب المائة.
والفرزدق: قطع العجين وإنما لقب به: لغلظه وقصره وقيل: لأنه كان جهم الوجه وقد أصابه جدري في وجهه وهذا القول: أصح وقصائده مشهورة موجودة منها: قصيدته في مدح الإمام زين العابدين التي سارت بها الركبان وشرحها جمع جم من الأعيان أولها:
هذا سليل حسين وابن فاطمة ... بنت الرسول الذي انجابت به الظلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
....إلخ وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما والأكثرون على أن جرير أشعر منه وأخبار الفرزدق كثيرة والاختصار أولى.
وذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة وذكر قصيدته المذكورة مع قصتها ولهذه القصيدة ترجمة بالنظم للشيخ عبد الرحمن الجامي ولها شرح للمولوي جميل أحمد البلجرامي بالفارسي.
قال ابن خلكان: وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه وساعده على بلوغ غرضه. انتهى.
أبو نواس حسن بن هاني ابن عبد الأول: الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها.
وقيل: ولد بالأهواز ثم خرج إلى الكوفة ثم إلى بغداد.
وأمه: هوازية اسمها: جلبان وكان أبوه من جند مروان بن محمد - آخر ملوك بني أمية - وكان من أهل دمشق وانتقل إلى الأهواز للرباط فتزوج جلبان وأولدها عدة أولاد منهم: أبو نواس وأبو معاذ.
وروي أن الخصيب - صاحب ديوان الخراج بمصر - سأل أبا نواس: عن نسبه؟ فقال: أغناني أدبي عن نسبي فأمسك عنه.
قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه - مع قلة كتبه - ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطرا فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير.
وكان في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد فيها وقد اعتنى بجمع شعره طائفة من الفضلاء منهم: الصولي وتوزون ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وأخباره كثيرة وأشعاره شهيرة.
ولد في سنة 145هـ، أو سنة 136هـ، وتوفي سنة خمس أو ست وثمانين أو تسعين ومائة ببغداد وإنما قيل له: أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه وما أحسن ظنه بربه عز وجل حيث قال:
تكثر ما استطعت من الخطايا ... فإنك بالغ ربا غفورا
ستبصر إن وردت عليه عفوا ... وتلقى سيدا ملكا كبيرا
تعض ندامة كفيك مما ... تركت مخافة النار السرورا
قال ابن خلكان: وهذا من أحسن المعاني وأغربها وأخباره كثيرة ومن شعره الفائق: قصيدته الميمية أولها:
يا دار ما صنعت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام
أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد الملقب: مؤيد الدين عميد الملك فخر الكتاب الأصبهاني المنشي المعروف: بالطغرائي، كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ذكره السمعاني وأثنى عليه.
له ديوان شعر جيد ومن محاسن شعره: قصيدته المعروفة: بلامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة 505هـ، يصف حاله ويشكو زمانه أولها:
أصالة الرأي ضانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل وهي مذكورة في تاريخ ابن خلكان بتمامها.
وذكره أبو المعالي الخطيري في كتاب زينة الدهر وذكر له مقاطيع.
وذكره أبو البركات في المستوفي في تاريخ إربل وقال: إنه ولي الوزارة في مدينة إربل مدة وذكر العماد الكاتب في نصرة الفترة وعصرة القطرة - وهو تاريخ الدولة السلجوقية -: إن الطغرائي كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل قتل سنة ثلاث أو أربع أو ثماني عشرة وخمسمائة وقد جاوز ستين سنة.
والطغرائي: نسبة إلى من يكتب الطغراء: وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ومضمونها: نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه وهي لفظة أعجمية.
قال ابن الأثير في الكامل: كان الأستاذ يميل إلى صنعة الكيمياء وله فيها تصانيف قد ضيعت من الناس أموالا لاتحصى قيل: وتلك التصانيف معتبرة عند أهلها.
منها: كتاب مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة ومنها: جامع الأسرار وتراكيب النوار وكتاب حقائق الاستشهادات بين فيه إثبات صناعة الكيمياء ورد على ابن سينا في إبطالها بمقدمات من كتاب الشفاء يقال: إنه ألقى مثقالا من الإكسير على ستين ألف وأخرى على ثلاثمائة ألف فصار ذهباً.
وإنما سمى قصيدته: لامية العجم تشبيها بلامية العرب التي مطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
واللاميات كثيرة منها: لامية حسان الهند مير غلام علي آزاد البلجرامي في ديوانه - ولله درها - وما أبلغها وأفصحه؟
أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد وفي ابن خلكان: أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة كان شاعرا مجيدا إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها جمع فيها بين حسن السبك وجودة المعاني وفيها دلالة على غزارة علمه وقوة قريحته وهو من أهل ميافارقين وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي وقالوا: إنه سمع عليه بعض ديوانه طاف البلاد ومدح الملوك والوزارء والرؤساء وله في سيف الدولة بن حمدان غر القصائد ونخب المدائح ومعظم شعره جيد وله ديوان كبير.
وكان سيف الدولة كثير الغزوات فلهذا أكثر الخطيب من خطب الجهاد ليحض الناس عليه ويحثهم على نصرته وكان رجلا صالحا ذكر الشيخ تاج الدين الكندي - بإسناده المتصل إلى الخطيب - أنه قال: لما عملت خطبة المنام وخطبت بها يوم الجمعة رأيت ليلة السبت في منامي كأني بظاهر ميافارقين عند الجبانة فقلت: ما هذا الجمع؟.
فقال لي قائل: هذا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فقصدت إليه لأسلم عليه فلما دنوت منه التفت فرآني فقال: مرحبا يا خطيب الخطباء كيف تقول؟ وأومى إلى القبور قلت: لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا: ... - إلى آخر ما ذكره ابن خلكان - فقال لي: أحسنت ادن فدنوت منه صلى الله عليه وسلم فأخذ وجهي وقبله وتفل في فمي وقال: وفقك الله. قال: فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجل عن الوصف فأخبرت أهلي بما رأيت.
قال الكندي: وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم طعاما ولا يشتهيه وتوجد في فيه رائحة المسك ولم يعش إلا مدة يسيرة ولما استيقظ من منامه كان على وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذلك وقص رؤياه على الناس وقال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وعاش ثمانية عشر يوما لا يستطعم فيها طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها.
قال الوزير أبو القاسم بن المغربي: رأيت ابن نباتة في المنام بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر وهما:
قد كان أمن لك من قبل ذا ... واليوم أضحى لك أمنان
والصفح لا يحسن عن محسن ... وإنما يحسن عن جاني
ولد سنة 335هـ، وتوفي سنة 374هـ، ببغداد.
قال: كنت يوما قائلا في دهليزي فدق علي الباب.
فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل الشرق.
فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت بالسيف مات بعلة ... تنوعت الأسباب والداء واحد
فقلت: نعم فقال: أرويه عنك؟ قلت: نعم فما كان آخر النهار دق علي الباب فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل تاهرت من الغرب.
فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت ... الخ ... ؟
فقلت: نعم فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب؟
قلت: وعدم القدرة على الشعر ونظمه ثلمة في كون العالم من الطبقة الأولى لأهل العلم كما حرره وقدره شيخنا وبركتنا: محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - وتقدم.
أبو العباس عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد الهاشمي: أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغيرهما كان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا في جملتهم شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد رخي البال في عيش رغيد إلى أن خلع المقتدر وبويع ابن المعتز ولقبوه: المرتضي بالله.
وقيل: المنصف بالله.
وقيل: الغالب بالله.
وقيل: الراضي بالله.
أقام يوما وليلة ثم أعيد المقتدر واختفى ابن المعتز ثم أخذه المقتدر وقتله يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين والقصة مشهورة وفيها طول وهذه خلاصتها.
وله من التصانيف: كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حلى الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وغير ذلك وله أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فائقة وله الأبيات المشهورة:
سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
فطالما نبهتني بالصبوح لها ... في غرة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعارين في السحر
مزمزمين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلا من الشعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحظته بالهوى حتى استقاد له ... طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستترا ... يستعجل الخطو أذيالي على الأثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد: أبو حفص بن الفارض الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة شيخ الصوفية وصوفي الشعراء له ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق طريف ينحو ينحى طريقة الفقراء وله قصيدة مقدار ستمائة بيت مشتملة على اصطلاحهم ومنهجهم.
قال ابن خلكان: سمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد ثلاثة بمكة زمانا وكان حسن الصحبة محمود العشرة. أخبرني بعض أصحابه: أنه ترنم يوما وهو في خلوة ببيت الحريري - صاحب المقامات -:
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
فسمع قائلا يقول ولم ير شخصه:
محمد الهادي الذي ... عليه جبريل هبط
ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576هـ، بالقاهرة وتوفي بها يوم الثلاثاء في الثاني من جمادى الأولى سنة 632هـ، ودفن من الغد بسفح المقطم.
والفارض: هو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال. انتهى.
قلت: وهو أيضا ممن اختلف في إسلامه وكفره أهل العلم بناء على مقالاته التي تقضي بالإلحاد والوحدة وهو تلميذ الشيخ محي الدين بن عربي الطائف - عفا الله عنهما - وله دوبيت ومواليا وألغاز وقد طبع ديوانه مع الشرح لهذا العهد بمصر وهو موجود عندي وما ألطف قوله من جملة قصيدة طويلة:
أهلا بمن لم أكن أهلا بموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج
وله من قصيدة أخرى: لم أخل من حسد عليك فلا تضع ... سهري بتشييع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل زار الكرى ... جفني وكيف يزور من لم يعرف
ومنها:
على تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الكاتب أبو الفضل.
من فضلاء عصره وأحسنهم نظما ونثرا وخطا وأكبرهم مروءة كان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بالديار المصرية وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية ثم عاد معه إلى القاهرة.
ولد في سنة 581هـ بمكة - حرسها الله تعالى - وتوفي عصر يوم الأحد سنة 656هـ.
قال ابن خلكان: اجتمعت به ورأيته فوق ما سمعت عنه عن مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا وكان متمكنا من صاحبه كبير القدر عنده لا يطلع على سره الخفي غيره ومع هذا كله فإنه كان لا يتوسط عنده إلا بالخير ونفع خلقا كثيرا بحسن وساطته وجميل سفارته وأنشدني كثيرا من شعره منه:
يا روضة الحسن صلي فما عليك ضير ... فهل رأيت روضة لبس بها زهير
وشعره كله لطيف وهو كما يقال: السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه. انتهى ملخصاً
أبو علي دعبل بن علي الخزاعي: الشاعر المشهور أصله من الكوفة ويقال: من قرقيسا وأقام ببغداد وقيل: دعبل: لقب واسمه: الحسن أو عبد الرحمن أو محمد.
كان أطروشا وفي قفاه سلعة وكان شاعرا مجيدا إلا أنه كان بذيء اللسان مولعا بالهجو والحط من أقدار الناس وهجا الخلفاء فمن دونهم منهم: المأمون وطال عمره وشاع ذكره وكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.
ومن كلامه: من فضل الشعر أنه: لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له: أحسنت والله فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى.
ولد سنة 148هـ، وتوفي سنة 246هـ، ودعبل: بكسر الدال: اسم الناقة الشارف.
ومدح دعبل علي بن موسى الرضا بقصيدة أولها:
مدارس آيات خلت عن تلاوة ... ومهبط وحي مقفر العرصات
فأمر له بجائزة سنية فقال: ما قلتها إلا لوجه الله وسأل منه قميصا يباشر جسده الشريف ليجعله في كفنه لعل الله يبرد به مضجعه فأعطاه ذلك.
ولما سمعه فضل بن سهل حمل إلى دعبل ثلاثين ألف درهم وحمل إليه المأمون مالا جزيلا غفر الله له ذنوبه. القاضي التنوخي أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد: صاحب كتاب الفرج بعد الشدة وله ديوان شعر جيد أكبر من ديوان أبيه وكتاب نشوان المحاضرة وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد نزل بغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا وكان أديبا شاعرا إخباريا تقلد القضاء والأعمال من قبل الإمام المطيع لله.
ولد سنة 327هـ، بالبصرة وتوفي ببغداد سنة 384هـ، ذكره وأباه الثعالبي ثم قال في حقه: هلال ذلك القمر وغصن هاتيك الشجر والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله والفرع المشيد لأصله والنائب عنه في حياته والقائم مقامه بعد وفاته ومن المنسوب إليه:
قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت نسك أخي التقي المترهب
نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يلتهب
وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب
وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها: اذهبي لا تذهبي
قال ابن خلكان: وما ألطف قوله: اذهبي لا تذهبي.
وأما ولده: أبو القاسم علي بن المحسن فكان أيضا أديبا فاضلا له شعر صحب أبا العلاء المعري.
وأخذ عنه كثيرا وهم أهل بيت كلهم: فضلاء أدباء ظرفاء.
ولد في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة بالبصرة وتوفي مستهل المحرم يوم الأحد سنة سبع وأربعين وأربعمائة. انتهى.
إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي: كان أحد الشعراء المجيدين وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره قوله:
دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشط بليلى عن دنو مزارها
وإن مقيمات بمنعرج اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يهددهم ويتوعدهم وهو: أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر له أوله:
أناة فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه
وله كل مقطوع بديع توفي بسر من رأى في سنة 243هـ.
أبو إسحاق إبراهيم بن علي المعروف: بالحصري القيرواني الشاعر المشهور له ديوان شعر وكتاب زهر الآداب وثمر الألباب جمع فيه كل غريبة وكتاب المصون في سر الهوى المكنون ومن شعره:
إني أحبك حبا ليس يبلغه ... فهم ولا ينتهي وصفي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي ... بالعجز مني عن إدراك معرفته توفي في سنة 213هـ، والقيروان: بفتح القاف: مدينة بأفريقية1 بناها عقبة بن عامر الصحابي - رضي الله عنه - وهو في اللغة: القافلة وهو: فارسي معرب: كاروان.
وقال ابن القطاع اللغوي: بالفتح: الجيش وبضمها: القافلة يقال: إن قافلة نزلت بذلك المكان ثم بنيت المدينة في موضعها فسميت بها وهو: اسم للجيش أيضاً.
أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي الشاعر له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان ذكره ابن بسام في الذخيرة وأثنى عليه وقال: كان مقيما بشرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها مع تهافتهم على أهل الأدب ومن شعره في عشية أنس وقد أبدع فيه:
وعشي أنس أضجعتني نشوة ... في تمهد مضجعي وتدمث
خلعت علي به الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعي يرقى والغمامة تنفث
ولد في سنة 450هـ بها سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الأشهبي الغزي شاعر محسن:
ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق له ديوان شعر اختاره لنفسه وذكر في خطبته: أنه ألف بيت وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وقال: إنه جاب البلاد وتغرب وأكثر النقل والحركات وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان وبقي الناس ومن شعره:
من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ... تحريك لحيته في حال إيماء
إن الوزير ولا أزر يشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء
وله:
إشارة منك تغنيني وأحسن ما ... رداك لام غداة البين بالعنم
حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم سلك العقد في الظلم
تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبات منتثر في ضوء منتظم
وهو ما تستملحه الأدباء وتستظرفه الظرفاء.
ولد بغزة سنة 441هـ، وتوفي سنة 524هـ، وكان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي ثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب رحمه الله وحقق رجاه.
وإنما قال: إني غريب: لأنه مات بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ونقل إلى بلخ ودفن بها.
الشيخ عبد العزيز اللبناني: لم أقف له على ترجمة وذكره السيد أزاد في كتابه: الخزانة العامرة وقال: طالعت ديوانه الذي صدر من إيران إلى هند وتاريخ كتابته: سنة ست وسبعين وستمائة وهو في غاية المتانة وعليه ديباجة حررها ولده بالعربية في نهاية البلاغة والفطانة وهي: اللهم يا واسم البوادي بأطواق الأيادي وناقع غلة الصوادي بالروائح والغوادي ودافع معرة العوادي من الحواضر والبوادي صل على نبينا الهادي محمد خير من حضر النوادي وعلى آله وصحبه بدور الظلم والدادي ما غنى الحمام الشادي وارتجز بأذناب القلائص الحادي وأنلني منية فؤادي يوم ينادي المنادي ... الخ ومن أشعار اللبناني ما حكاها أزاد في كتابه المذكور وهو تشبيب في قصيدة منها:
بالله يا حادي الأنضاء ما الخبر ... أعرس الركب بالبطحاء أم عبروا
إلا نشدت فؤادي عند كاظمة ... فإنه ضل حيث الضال والسمر
أما مررت بوادي الأثل من إضم ... أما دعتك بها الآرام والعفر؟
خريدة ما جننت بالحسن وحبتها ... إلا ومقلتها بالسحر تعتذر
طالت نواها كما طالت غدائرها ... وفي خطاها كما في وصلها قصر
وإذا انتهيت إلى هذا المقام فلعلك تسأم من هذا النوع من الكلام مع أن إحصاء شعراء الإسلام أمر تنبو عنه الأوهام انظر في قلائد العقيان لأبي الفتح ابن خاقان وريحانة الألباء للخفاجي ونفحة الريحانة وغير ذلك مما ألف في هذا الباب وهو أكثر من أن يحصى وكذلك الدواوين في الشعر مما لا يستقصى يتضح لك حقيقة المرام.
وأما الشعراء القدماء: فأشعرهم نذكر أسماءهم هاهنا:
منهم: امرؤ القيس الكندي وهو الذي فتح لهم أفانين الشعر.
ومنهم: النابغة الذبياني واسمه: زياد بن عمر وقد قدمه بعض الرواة على امرئ القيس لرقة شعره.
ومنهم: زهير بن أبي سلمى - بضم السين - المازني هو أشدهم أمرا وأمدحهم وأجرؤهم على الكلام.
وابنه: كعب بلغه الإسلام فأسلم ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما هجاه وتاب بعد ما عصاه وأنشد عنده قصيدته المشهورة: بانت سعاد فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أهدر دمه وأجازه ببردة له صلى الله عليه وسلم وأسلم فحسن إسلامه ذكره في مدينة العلوم وتكلم أهل الحديث على صحة هذه الرواية والله أعلم.
ومنهم: الأعشى واسمه: ميمون بن قيس بن ثعلبة كان لا يمدح أحدا إلا رفع منه ولا يهجو أحدا إلا وضع عنه.
ومنهم: طرفة بن العبد بن سفيان فضله بعض الشعراء على غيره وزعم لبيد: أنه أشعر الناس.
ومنهم: أوس بن حجر من بني أسد أدرك زهيرا والنابغة وكان شاعر تميم.
ومنهم: لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة لم يدرك أحد من هؤلاء الإسلام غيره لطول عمره وكان أتقاهم تكلفا وأقلهم سقطاً.
ومنهم: عدي بن زيد من بني امرئ القيس: كان الفضل بن محمد يقدمه عليهم بحسن استعاراته وحلاوة عباراته.
ومنهم: عبيد بن الأبرص: هو أقدمهم سنا وقد جعلوه امرؤ القيس.
ومنهم: بشر الأسدي: وهو عاشرهم وأهل الحجاز يقدمونه عليهم ويرون أنه أشعرهم وأسدهم سياقا للحديث - والله أعلم بالصواب.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين بن الخطيب شهاب الدين المعروف: بالحافظ ابن كثير.
ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه ومختصر ابن الحاجب.
وتفقه بالبرهان ابن الفزاري والكمال ابن شهبة ثم صاهر المزي وصحب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدحه في كتابه الباعث الحثيث أحسن مدح.
وقرأ في الأصول على الأصبهاني وكان كثير الاستحضار وقليل النسيان جيد الفهم مشاركا في العربية ينظم نظما وسطا.
قال ابن حجي: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه وقد لازمته ست سنين وذكره الذهبي في معجمه المختص فقال:
الإمام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظ المتون وسمع من ابن عساكر وغيره.
ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته وسمع عليه أكثر تصانيفه.
وأخذ عن الشيخ تقي الدين بن تيمية فأكثر عنه وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام.
وقال ابن حبيب فيه: إمام ذوي التسبيح والتهليل وزعيم أرباب التأويل سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بأقواله وشنف وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير.
مات بدمشق خامس عشر شعبان فقد أجاز لمن أدركه حيا وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... تساق إلى الآجال والعين تنظر
ولا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر
ولو قال: فلا عائد صفو الشباب لكان أصنع
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري: وقيل: يزيد بن كثير بن غالب صاحب التاريخ الشهير والتفسير الكبير.
كان إماما في فنون كثيرة منها: الحديث والفقه والتاريخ والتفسير وغير ذلك.
وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله.
وكان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحدا وكان أبو الفرح المعافى بن زكريا النهرواني المعروف: بابن طرار على مذهبه وكان ثقة في نقله وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين ولد سنة 224هـ، بآمل طبرستان وتوفي في شوال سنة 310هـ، ببغداد - رحمه الله - كذا في ابن خلكان.
عز الدين أبو الحسن علي بن محمد المعروف: بابن الأثير الجزري: صاحب التاريخ المسمى بالكامل المطبوع بمصر حالا ولد بالجزيرة ونشأ بها ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه وسمع بها وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل وسمع من فضلائها ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى التوفر على النظر في العلم والتصنيف وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها.
وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة خبيرا بأنساب العرب ووقائعهم وأخبارهم وأيامهم.
صنف في التاريخ كتابا كبيرا سماه: الكامل ابتدأ فيه من: أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو من خيار التواريخ وقفت عليه.
واختصر كتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني وزاد عليه أشياء أهملها ونبه على أغلاط واستدرك عليه فيه في مواضع وله: كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات.
ولد في سنة 555هـ، ومات في سنة 630هـ.
وقال ابن خلكان: اجتمعت به فوجدته رجلا مكملا في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع فلازمت الترداد إليه وكان بينه وبين الوالد مؤانسة أكيدة فكان بسببها يبالغ في الرعاية والإكرام. انتهى.
أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التميمي الجوزي الصديقي البغدادي: الفقيه المحدث المفسر الواعظ الحنبلي المعروف: بابن الجوزي.
الحافظ الملقب: جمال الحفاظ كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ صنف متونا في فنون عديدة.
منها: زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة.
وله في الحديث تصانيف كثيرة حسنة نافعة.
منها: الموضوعات في أربعة أجزاء أورد فيها كل حديث موضوع لكن تعقب عليه في بعضها
وله: تلبيس إبليس وهو نافع جدا مفيد لمن يريد الآخرة.
والمنتظم في تواريخ الأمم وهو كبير.
وكتاب تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة.
ولقط المنافع في الطب.
وبالجملة: فكتبه أكثر من أن تعد وكتب بخطه شيئا كثيرا والناس يغالون في ذلك حتى يقال: إنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس عليها فكان ما خص كل يوم تسعة كراريس وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله1 العقل ويقال: إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل منها شيء كثير وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك فكفت وفضل منها وله أشعار كثيرة وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة.
فمن أحسن ما يحكى عنه: أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما - فرضي الكل بما يجيب به الشيخ فأقاموا شخصا سأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجالس وعظه فقال:
أفضلهما من كانت ابنته تحته وفي رواية: من كانت ابنته في بيته ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك.
فقال السنية: هو أبو بكر لأن ابنته عائشة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت الشيعة: هو علي بن أبي طالب لأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحته وهذه من لطائف الأجوبة ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر كان في غاية الحسن فضلا عن البديهة وله محاسن كثيرة يطول شرحها قاله ابن خلكان.
وزاد في مدينة العلوم: وسئل: ما لنا نرى الكوز الجديد إذا صب فيه الماء ينش ويخرج منه صوت؟ فقال: يشكو ما لاقاه من أذى النار.
وسئل: إن الكوز إذا ملأ فاه لا يبرد فإذا نقص برد؟ فقال: حتى تعلموا أن الهوى لا يدخل إلا على ناقص
وسئل: كيف نسب قتل الحسين إلى يزيد وهو بدمشق؟ فأنشد:
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
وله من هذا النوع أجوبة لطيفة كثيرة
وله: كتاب نزهة الناظر للمقيم والمسافر في المحاضرات كتبه سيدي الوالد العلامة: حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري - رحمه الله - بيده الشريفة لحسن سبكه ولطف مطالبه.
ولد سنة ثمان أو عشرة وخمسمائة وتوفي ثاني عشر رمضان سنة 592هـ، ببغداد ودفن بباب حرب وتوفي والده سنة 514هـ، والجوزي: نسبة إلى فرضة الجوز وهو موضع مشهور
سبط ابن الجوزي شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب له صيت وسماع في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم.
روى عن جده ببغداد وسمع ابن طبرزد وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر وله: تاريخ: مرآة الزمان.
قال ابن خلكان: رأيته بخطه في أربعين مجلداً.
وقال صاحب مدينة العلوم: وأنا رأيته في ثمان مجلدات لكن ضخام بخط دقيق وله: كتاب إيثار الإنصاف ومنتهى السول في سيرة الرسول واللوامع في أحاديث المختصر والجامع وتفسير القرآن توفي سنة 653هـ، بدمشق ومولده في سنة 581هـ، ببغداد وكان يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين - والله أعلم.
ابن خلكان شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن أبي بكر بن خلكان البرمكي الشافعي كان ذا فضل في كل فن موصوفا بكرم الأخلاق والديانة ثقة في نقله صنف تاريخا سماه: وفيات الأعيان في مجلدين كبيرين قد طبع بمصر القاهرة لهذا العهد وهو بخطه في خمس مجلدات رآه صاحب مدينة العلوم وكان قاضيا بالقاهرة مدة ذكره في تاريخه.
ولد بعد صلاة العصر يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة 608هـ، بمدينة إربل بالمدرسة المظفرية ذكر تاريخ ولادته في ترجمة زينب بنت الشعري في آخر الأسامي المذكورة في حروف الزاي.
وتوفي يوم السبت السادس والعشرين من رجب سنة 681هـ، بدمشق المحروسة.
تفقه أولا على أبيه بإربل ثم انتقل بعده إلى الموصل وحضر درس كمال الدين بن يونس ثم انتقل إلى حلب.
وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي والفقه على أبي المحاسن يوسف بن شداد ثم قدم دمشق واشتغل على ابن الصلاح.
ثم انتقل إلى القاهرة ثم ولي قضاء المحلة ثم صار قاضي القضاة بالشام وله في الأدب اليد الطولى وشعره أرق وأحسن وأعذب رحمه الله تعالى.
شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن شيخ الإسلام علاء الدين علي المعروف بابن حجر العسقلاني: المصري صاحب: فتح الباري شرح صحيح البخاري الإمام العلامة الحجة هادي الناس إلى المحجة له تصانيف على أكف القبول مرفوعة وآثار حسنة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
جمع من العلوم والفضائل والحسنات والكمالات والمبرات والتصنيفات والتأليفات مالا يأتي عليه الحصر.
كان حافظا دينا ورعا زاهدا عابدا مفسرا شاعرا فقيها أصوليا متكلما ناقدا بصيرا جامعاً.
حرر ترجمته جمع من الأعيان وعدوه في جملة البالغين إلى درجة الاجتهاد في هذا الشأن منها: كتاب الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر.
وتشهد بفضائله وغزارة علومه وكثرة فواضله تآليفه الموجودة بأيدي الناس وقد رزق السعادة التامة والإتقان الكبير والإنصاف الكامل فيها منها: بلوغ المرام من أدلة الأحكام وهو كتاب لو خط بماء الذهب وبيع بالأرواح والمهج لما أدى حقه.
وقد شرحته بالفارسية وسميته: مسك الختام.
ومنها: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
وكتاب: تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.
وتعجيل المنفعة في رجال الأربعة إلى غير ذلك من الرسائل المختصرة والدفاتر المطولة - والله يختص برحمته من يشاء - وقد ذكرت له ترجمة في أول مسك الختام في إتحاف النبلاء المتقين
وهو الإمام العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شيخ الإسلام ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وتوفي ليلة السبت المسفر صباحها في ثامن عشر ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وكان عمره إذ ذاك تسعة وسبعين سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام وصلى عليه خلق كثير. قال في مدينة العلوم: ومن جملتهم: أبو العباس الخضر عليه السلام رآه عصابة من الأولياء. انتهى.
قلت: وفيه نظر واضح عند من يقتدي بأهل الحديث.
وتصانيفه أكثر من أن تحصى وكلها أتقن من تأليفات السيوطي وشهرته تغني عن إكثار المدح له وإطالة ترجمته وهو من مشائخي في علم الحديث وقد انتفعت بكتبه كثيرا ولله الحمد.
خليل بن أيبك الشيخ: صلاح الدين الصفدي الشافعي: الإمام الأديب الناظم الناثر صاحب التاريخ الكبير وهو بخطه أكثر من خمسين مجلدا ولد سنة 669هـ، وقرأ يسيرا من الفقه والأصلين وبرع في الأدب: نظما ونثرا وكتابة وجمعا وتتلمذ على الشيخ: تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي1 ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تمهر في الأدب.
وقال: كتبت أزيد من ستمائة مجلد تصنيفاً. مات بالطاعون ليلة عاشر شوال سنة 794هـ. - رحمه الله تعالى
الحافظ: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي المعروف: بالخطيب صاحب تاريخ بغداد.
كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه فإنه يدل على اطلاع عظيم وصنف قريبا من مائة مصنف وفضله أشهر من أن يوصف.
أخذ الفقه عن: أبي الحسن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهما.
وكان فقيها فغلب عليه الحديث والتاريخ.
ولد يوم الخميس في سنة 393هـ، وتوفي يوم الاثنين سابع ذي الحجة وقيل: في شوال سنة 463هـ، ببغداد وحكايته في إبطال خط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه اليهود لإسقاط الجزية عنهم واحتجوا به مشهورة.
وإن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي من جملة من حمل نعشه لأنه انتفع به كثيرا وكان يراجعه في تصانيفه والعجب أنه كان في وقته: حافظ الشرق وأبو عمرو يوسف بن عبد البر - صاحب كتاب الاستيعاب -: حافظ المغرب وماتا في سنة واحدة وقد كان تصدق بجميع ماله: وهو مائتا دينار فرقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه وأوصى أن يتصدق عنه بجميع ماله وما عليه من الثياب ووقف جميع كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب وصنف أكثر من ستين كتابا ورؤيت له منامات حسنة صالحة بعد موته وكان قد انتهى إليه علم الحديث وحفظه في وقته هذا آخر ما نقلته من كتاب ابن النجار - رحمه الله تعالى
الحافظ: محب الدين بن النجار صاحب: ذيل تاريخ بغداد جاوز ثلاثين مجلدا وذيله: دال على سعة حفظه وعلو شأنه.
وهو: محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله الحافظ الكبير الثقة له: مصنف حافل في مناقب الشافعي وتصانيف أخر في السنن والأحكام ولد في سنة 578هـ، وله: الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز ومرو وأصبهان وهراة ونيسابور وكانت رحلته سبعا وعشرين سنة توفي ببغداد في سنة ثلاث وأربعين وستمائة. تاج الإسلام: أبو سعيد السمعاني عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر المروزي الفقيه الشافعي.
رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها وسافر إلى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدة دفعات وإلى قومس والري وأصبهان وهمذان وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من المدن التي يطول ذكرها ويتعذر حصرها.
ولقي العلماء وأخذ عنهم وجالسهم وروى عنهم واقتدى بأفعالهم الجميلة وآثارهم الحميدة وكان عدة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ.
وصنف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة منها: ذيل تاريخ بغداد وهو نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا وكذلك: الأنساب نحو ثمان مجلدات وقد وقفت عليه ولله الحمد.
ولد سنة 506هـ، وتوفي بمرو سنة 562هـ وكان أبوه وجده أيضا من الفضلاء العلماء النبلاء ذكرهما ابن خلكان.
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز: شمس الدين أبو عبد الله الذهبي1 محدث العصر إمام الوجود حفظا وذهبي العصر معنى ولفظاً.
ولد سنة 673هـ، وطلب الحديث وهو ابن ثمان عشرة.
سمع بدمشق ومصر وبعلبك والإسكندرية.
وسمع منه الجمع الكثير وكان شديد الميل إلى رأي الحنابلة كثير الإزراء بأهل الرأي فلذلك لايصفهم في التراجم.
له التصانيف الجزيلة في الحديث وأسماء الرجال قرأ القرآن وأقرأه بالروايات صنف: التاريخ الكبير ثم الأوسط المسمى: بالعبر والصغير المسمى: بدول الإسلام وتاريخه من أجل التواريخ.
وقف الشيخ كمال الدين بن الزملكاني على تاريخ الإسلام له جزءا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة فقال: هذا كتاب جليل وتاريخه المذكور: عشرون مجلدا وكتاب تاريخ النبلاء عشرون مجلداً.
وله: طبقات القراء.
وطبقات الحفاظ مجلدين.
وميزان الاعتدال ثلاث مجلدات.
والمثبت في الأسماء والأنساب مجلد.
ونبأ الرجال مجلد.
وتهذيب التهذيب مجلد.
واختصار سنن البيهقي خمس مجلدات.
وتنقيح أحاديث التعليق لابن الجوزي.
والمستحلي اختصار المحلي. والمقتنى في الضعفاء.
واختصار المستدرك للحاكم مجلدان.
واختصار تاريخ الخطيب مجلدان.
وتوقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق مجلد.
ونعم السمر في سيرة عمر مجلد.
والتبيان في مناقب عثمان مجلد.
وفتح الطالب في أخبار علي بن أبي طالب مجلد.
ومعجم أشياخه وهو ألف وثلاثمائة شيخ واختصار كتاب الجهاد لابن عساكر مجلد.
وما بعد الموت مجلد.
وهالة البدر في عدد أهل بدر.
وله في تراجم الأعيان: مصنف لكل واحد منهم قائم الذات مثل: الأئمة الأربعة ومن يجري مجراهم لكن أدخل الكل في تاريخ النبلاء ومن شعره:
إذا قرأ الحديث علي شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي
فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي
وله:
العلم: قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
توفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة 748هـ ذكر له ابن شاكر الكتبي ترجمة حسنة في: فوات الوفيات إن شئت فراجعه.
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القشيري مولى بني أمية يعرف: بابن أبي الدنيا.
ولد سنة 208هـ، وتوفي سنة 383هـ وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته.
وهو أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير والتاريخ له كتب كثيرة تزيد على مائة كتاب.
سمع من المشائخ.
وروى عنه جماعة قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان صدوقا إذا جالس أحدا: إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه - رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر ابن داود بن مهران أبو محمد بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الإمام ابن الإمام والحافظ ابن الحافظ سمع أباه وغيره.
قال ابن مندة: صنف المسند ألف جزء وله: كتاب الزهد والكنى والفوائد الكبرى ومقدمة الجرح والتعديل والتاريخ.
وصنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار وهذا يدل على سعة حفظه وإمامته وكتاب الرد على المجسمة وتفسير كبير سائر آثاره مسندة في أربع مجلدات. قال أبو يعلى الخليلي: كان يعد من الأبدال وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل توفي في المحرم سنة 327هـ - رحمه الله تعالى.
أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن حبان الصدفي المحدث المؤرخ المصري كان خبيرا بأحوال الناس ومطلعا على تواريخهم عارفا بما يقوله جمع لمصر تاريخين وما قصر فيهما.
ولد سنة 281هـ، وتوفي سنة347هـ ورثاه الخولاني الخشاب بما منه قوله:
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا
أرخت موتك في ذكري وفي صحفي ... لمن يؤرخني إذا كنت محسوبا
هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي: الأديب الفاضل صاحب كتاب: البارع في أخبار الشعراء المولدين جمع فيه مائة وواحدا وستين شاعرا وافتتحه بذكر بشار بن برد العقيلي وختمه بمحمد ابن عبد الملك بن صالح واختار فيه من شعر كل واحد عيونه.
وبالجملة: فإنه من الكتب النفيسة يغني عن دواوين الجماعة الذين ذكرهم فإنه اختصر أشعارهم وأثبت منها زبدتها وترك زبلتها وكتاب الخريدة وكتاب الخطيري والباخرزي والثعالبي: فروع عليه وهو الأصل الذي نسجوا على منواله.
وله: كتاب النساء وما جاء فيهن من الخير ومحاسن ما قيل فيهن من الشعر والكلام الحسن وكان أبو منصور - جد أبيه - منجم أبي جعفر المنصور - أمير المؤمنين - وكان مجوسيا وهم أهل بيت فيهم: جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء جالسوا الخلفاء ونادموهم وقد عقد لهم الثعالبي في كتاب اليتيمة بابا مستقلا ذكر فيه جماعة منهم.
وكان حافظا راوية للأشعار حسن المنادمة لطيف المجالسة توفي وهو حديث السن في سنة 288هـ رحمه الله تعالى.
أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي: الشاعر المشهور صاحب: دمية القصر وعصرة أهل العصر وهو ذيل: يتيمة الدهر للثعالبي.
كان أوحد عصره في فضله وذهنه السابق إلى حيازة القصب في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلا بالفقه فاختص بملازمة الشيخ: أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين على مذهب الشافعي.
ثم شرع في فن الكتابة وغلب أدبه على الفقه فاشتهر به واختلف إلى ديوان الرسائل وارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا وعمل الشعر وسمع الحديث.
وقد وضع على دميته شرف الدين علي بن يزيد أبو الحسن البيهقي كتابا سماه: وشاح الدمية وهو: كالذيل له وديوان شعره: مجلد كبير والغالب عليه الجودة.
وقتل الباخرزي في مجلس الأنس بباخرز في سنة 467هـ، وذهب دمه هدراً.
وباخرز: ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى ومزارع خرج منها جماعة من الفضلاء الكرام والأجلة العظام وغيرهم. أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الوراق الخطيري المعروف: بدلال الكتب كانت لديه معارف وله نظم جيد وألف مجاميع ما قصر فيها منها: كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر وذكر ألطاف شعر العصر الذي ذيله على: دمية القصر للباخرزي جمع فيه جماعة كثيرة من أهل عصره ومن تقدمهم وأورد لكل واحد طرفا من أحواله وشيئا من شعره.
ذكره عماد الدين الكاتب في الخريدة وأنشد له عدة مقاطيع وروى عنه لغيره شعراً كثيراً.
وكان مطلعا على أشعار الناس وأحوالهم وله: كتاب ملح الملح يدل على كثرة اطلاعه وله كل معنى مليح مع جودة السبك.
توفي سنة 568هـ، ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب
والخطيري: نسبة إلى موضع فوق بغداد يقال له: الخطيرة ينسب إليه كثير من العلماء والثياب الخطيرية: منسوبة إليه أيضاً.
عماد الدين الكاتب محمد بن صفي الدين الأصفهاني كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالمدرسة النظامية وأتقن الخلاف وفنون الأدب وله من الشعر والرسائل ما يغني عن الإطالة في شرحه ثم بلغ الرفعة عند السلطان صلاح الدين ونور الدين محمود بن أتابك زنكي وتقلبت به الأحوال إلى أن عظم أمره.
وصنف التصانيف النافعة منها: كتاب خريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على: زينة الدهر للخطيري وجعله في عشر مجلدات.
وله: كتاب البرق الشامي في سبع مجلدات في التاريخ وكتاب الفتح البستي في فتح القدسي.
وصنف السيد على الذيل جعله ذيلا على خريدة القصر وله ديوان رسائل وديوان شعر
توفي سنة 597هـ، بدمشق وولد سنة 510هـ - رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة بدر الدين العيني الحنفي تفقه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة وكان إماما عالما علامة عارفا بالعربية والتصريف وغيرهما وله: شرح البخاري والتاريخ المسمى: بالعيني وشرح معاني الآثار وشرح الهداية ومختصر تاريخ ابن عساكر
مات بعين في ذي الحجة سنة 855هـ رحمه الله تعالى.
ثقة الدين الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف: بابن عساكر الدمشقي كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشائخ وكان رفيق الحافظ: أبي سعد السمعاني في الرحلة وكان حافظا دينا جمع بين المتون والأسانيد.
سمع ببغداد ثم رجع إلى دمشق ثم إلى خراسان ودخل نيسابور وهراة وأصبهان والجبال.
وصنف التصانيف المفيدة وخرج التخاريج وكان حسن الكلام على الأحاديث محفوظا في الجمع والتأليف.
صنف: التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدا بخطه أتى فيه بالعجائب.
قيل: إنه جمع هذا منذ عقل نفسه وإلا فالعمر لا يتسع لوضعه بعد الاشتغال. ولد في أول المحرم سنة 499هـ وتوفي في رجب سنة 571هـ، بدمشق وحضر الصلاة عليه السلطان صلاح الدين.
وله شعر لا بأس به وتواليف حسنة وأجزاء ممتعة.
وأما الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الإمام المفتي أبو منصور الدمشقي المعروف: بابن عساكر فله أيضا: مؤلفات في الفقه والحديث توفي سنة 620هـ ومولده سنة 550هـ.
وأما: عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء حسن بن محمد بن عساكر فهو: الإمام المحدث الزاهد: أمين الدين أبو اليمن الدمشقي الشافعي نزيل الحرم سمع من جده ومن ابن التين وحدث بالحرمين بأشياء وكان عالما فاضلا جيد المشاركة في العلوم
ولد سنة 614هـ وتوفي سنة 680هـ وكان شيخ الحجاز في وقته له تآليف في الحديث.
قال الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار - قدس سره -: لما ودعت الشيخ محي الدين النووي بنوى - حين أردت السفر إلى الحجاز - حملني رسالة في السلام عنه للإمام ابن عساكر المذكور فلما بلغته سلامه رد عليه السلام وسألني عنه: أين تركته؟ فقلت: ببلدة نوى فأنشدني بديها:
أمخيمين على نوى أشتاقكم ... شوقا يجدد لي الصبابة والجوى
وأريد قربكم لأني مرتجى ... يا سادتي قرب المقيم على نوى
عبد الله بن أسعد المازني الشافعي اليافعي الرجل الصالح محب الصلحاء خادم أولياء الله تعالى المناضل عنهم والمنافح عن شأنهم صاحب المصنفات الكثيرة وكل تصنيفه نافع في بابه وتاريخه من أصح التواريخ وأحسنها وألطفها لوروده بعبارات عذبة وأنفعها للناس لاشتمالها على المهمات وهو مجلدتان كبيرتان.
ومن لطيف مصنفاته: مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام.
وكتاب: روض الرياحين في حكايات الصالحين.
وبالجملة: هو رجل صالح مبارك عزيز الوجود فرد في زمانه ونادرة في أوانه أشعري العقيدة سالك طريقة الصوفية والمعاشر مع أهل الخير والزهد والصلاح.
قال ابن السبكي - في طبقاته الكبرى -: اجتمعت به بمنى سنة 747هـ وتوفي بمكة سنة 767هـ روح الله روحه وزاد في أعلى الجنة فتوحه - وتاريخه مشهور موجود بأيدي الناس وقفت عليه.
فمن القدماء: أرسطو1 وأستاذه: أفلاطون ومن يليهما. ومن المسلمين: الفارابي وابن سينا والفخر الرازي ونصير الطوسي.
ومن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة: الشيخ: شهاب الدين المقتول السهروردي.
وممن خرط في سلكهم: القطب الشيرازي والقطب الرازي والسعد التفتازاني والشريف الجرجاني ثم الجلال الدواني وخواجه زاده ومصطفى الشهير: بالقسطلاني وقد تقدم تراجم بعضهم في القسم الثاني من هذا الكتاب تحت علم الألفي فتذكر وبيده النفع والضر.
وهم علماء الحكمة غالبا لكن ذكرنا هاهنا: بعض من له تصنيف في علم المنطق واشتهر به مع مشاركته في سائر العلوم - رحمهم الله تعالى.
محمود بن أبي بكر بن أحمد الأموي الشيخ سراج الدين أبو السنا صاحب كتاب: مطالع الأنوار وبيان الحق كان شافعيا قرأ بالموصل على كمال الدين بن يونس مولده: سنة 594هـ، أربع وتسعين وخمسمائة ووفاته: سنة 682هـ، بمدينة قونية.
محمد قطب الدين الرازي المعروف: بالتحتاني وهذه النسبة: لتميزه عن قطب آخر فوقاني وكانا يسكنان في مدرسة واحدة أحدهما: في الطبقة الفوقانية والآخر: في التحتانية.
وهو: إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق في سنة 763هـ.
قال ابن السبكي: بحثنا معه في دمشق فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاء وله على الكشاف حواش مشهورة وله: شرح على المطالع للأرموي في المنطق وهذا شرح عظيم الشأن وله: شرح على الرسالة الشمسية للكاتبي في المنطق توفي سنة 776هـ، بظاهر دمشق عن نحو أربع وسبعين سنة وكان له عبد رباه من صغره وعلمه حتى كان مدرسا فاضلا في كل العلوم وكان يدعى: بمبارك شاه المنطقي وهذا الذي أخذ عنه الشريف الجرجاني شرح المطالع لقطب الدين الرازي رحمه الله.
أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب: بشهاب الدين المقتول السهروردي وقيل اسمه: أحمد وقيل: عمر.
كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي أستاذ فخر الدين الرازي - بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان إلى أن برع فيهما وعليه تخرج وبصحبته انتفع.
وكان إماما في فنونه قال في طبقات الأباء: وكان السهروردي أوحد زمانه في العلوم الحكيمية جامعا للعلوم الفلسفية بارعا في الأصول الفقهية مفرط الذكاء فصيح العبارة وكان علمه أكثر من عقله ويقال: إنه يعرف علم السيمياء ويحكى عنه في أشياء غريبة حكي بعضها في: مدينة العلوم ووفيات الأعيان.
وله تصانيف: منها: التلويحات والمطارحات في المنطق والحكمة وهياكل النور وحكمة الإشراق في الحكمة والتنقيحات في أصول الفقه إلى غير ذلك وله في النظم والنثر أشياء لطيفة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها. وكان شافعي المذهب وكان يلقب: بالمؤيد بالملكوت وكان يتهم باختلال العقيدة والتعطيل ويعتقد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه فلما وصل إلى حلب أفتى علماؤها بإباحة دمه وقتله بسبب اعتقاده وما ظهر لهم من سوء مذهبه وكان أشد الجماعة عليه الشيخان: زين الدين ومجد الدين ابنا حميد.
قال سيف الدين الآمدي: اجتمعت به في حلب فقال لي: لا بد أن أملك الأرض فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر فقلت: لعل هذا يكون اشتهار العلم وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه ورأيته كثير العلم قليل العقل وقال: إنه لما تحقق القتل كان كثيرا ما ينشد:
أرى قدمي أراق دمي ... وهان دمي فها ندمي
وكان ذلك في دولة الملك المظفر - صاحب حلب - ابن السلطان صلاح الدين فحبسه ثم خنقه في خامس رجب سنة 582هـ، بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان الناس مختلفين في حقه.
منهم: من نسبه إلى الزندقة والإلحاد.
ومنهم: من يشهد له بحسن الاعتقاد.
قال القاضي بهاء الدين المعروف: بابن شداد - قاضي حلب -: إن السهروردي كان كثير التعظيم لشعائر الدين وأطال الكلام في ذلك وذكر نفسه في آخر التلويحات في وصايا ذكرها هناك: واتق شر من أحسنت إليه من اللئام ولقد أصابني منهم شدائد.
قال شارحها: أراد به بعضا من تلامذته الذين يصاحبون معه السفر والحضر وينقلون عنه أشياء مخالفة للشرع ولعل قتله كان بسبب هؤلاء - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وأن يجعلنا من أهل الحق والرشاد وأن يعصمنا من شر أهل الزيغ والفساد إنه ولي الهداية والإرشاد ومن كلامه: الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان:
فخفيت حتى قلت: لست بظاهر ... وظهرت من سعيي على الأكوان
لو علمنا أننا ما نلتقي ... لقضينا من سليمى وطرا
اللهم خلص لطيفي من هذا العالم الكثيف
وذكر له ابن خلكان أشعارا لطيفة لا نطول الكلام بذكرها ههنا.
أبو البركات البغدادي تقدم ترجمته تحت: علم المنطق فراجعه.
أبو بكر محمد بن علي القفال بن إسماعيل الشاشي الفقيه الشافعي:
أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء كان إمام عصره بلا مدافعة فقيهاً محدثاً أصولياً لغوياً شاعراً لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته.
رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور وسار ذكره في البلاد.
أخذ الفقه عن ابن سريح وله مصنفات كثيرة في الجدل وكتاب في أصول الفقه وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده.
روى عن: محمد بن جرير الطبري وأقرانه.
وروى عنه: الحاكم وابن مندة وجماعة كثيرة.
توفي سنة 336هـ، وقيل: توفي في الشاش في سنة خمس وستين وثلاثمائة.
وشاش: مدينة ما وراء نهر سيحون في أرض الترك خرج منها جماعة من العلماء.
وهذا القفال غير القفال المروزي وهو متأخر عن هذا كذا قال ابن خلكان في تاريخ وفيات الأعيان.
عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي بفتح الدال وتخفيف الباء الموحدة نسبة إلى دبوسه: وهي بلدة بين بخارى وسمرقند نسب إليها جماعة من الأدباء كان من أكابر أصحاب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ممن يضرب به المثل وهو: أول من أخرج علم الخلاف في الدنيا وأبرزه إلى الوجود.
له: كتاب الأسرار وتقويم الأدلة وغيره من التصانيف والتعاليق.
وروي أنه ناظر بعض الفقهاء فكان كلما ألزمه أبو زيد إلزاما تبسم وضحك فأنشد أبو زيد:
ما لي إذا ألزمته حجة ... قابلني بالضحك والقهقهه
إن كان ضحك المرء من فقهه ... فالضب في الصحراء ما أفقهه
قال الذهبي: كان ممن يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج.
وله: كتاب الأمد الأقصى.
توفي ببخارى سنة 430هـ، وهو ابن ثلاث وستين ذكر له ابن خلكان ترجمة مختصرة.
أبو الفتح أسعد بن أبي نصر الميهني الملقب: مجد الدين كان إماما مبرزا في الخلاف والفقه وله فيه تعليقة مشهورة.
تفقه بمرو ثم رحل إلى غزنة واشتهر بتلك الديار وشاع فضله وقد مدحه الغزي ثم ورد إلى بغداد وفوض إليه تدريس المدرسة النظامية مرتين واشتغل الناس عليه وانتفعوا به وبطريقته الخلافية.
والميهني: نسبة إلى ميهنة: قرية من قرى خابران وهي: ناحية بين سرخس وأبيورد من إقليم خراسان.
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الملقب: حجة الإسلام زين الدين الطوسي تلميذ إمام الحرمين: الجويني جد في الاشتغال حتى تخرج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشار إليهم في زمن أستاذه ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان وأعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس وانتقل منها إلى بيت المقدس واجتهد في العبادة ثم أقام بالإسكندرية مدة ثم عاد إلى وطنه طوس واشتغل بنفسه، وصنف الكتب المفيدة في عدة فنون منها: إحياء العلوم وهو من أنفس الكتب وأجملها وكان إماما في الخلاف وأصول الفقه والجدل والكلام ومن شعره:
حلت عقارب صدغه في خده ... قمرا فجل بها عن التشبيه
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... فمن العجائب كيف حلت فيه
ومن قوله أيضا:
فديتك لولا الحب كنت فديتني ... ولكن بحسر المقلتين سبيتني
أتيتك لما ضاق صدري من الهوى ... ولو كنت تدري كيف حالي أتيتني
ولد سنة 450هـ، وقيل: سنة 451هـ وتوفي سنة 505هـ، بالطابران: وهي قصبة طوس - رحمه الله تعالى.
أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن الرازي الملقب: فخر الدين المعروف: بابن الخطيب صاحب التفسير الكبير فاق أهل زمانه وعلم الأوائل والأواخر وله التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها: تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة حتى قيل: فيه كل شيء إلا التفسير وهو كبير جدا وقد طبع لهذا العهد بمصر. قال ابن خلكان: لكنه لم يكمله ثم ذكر كتبا من تصانيفه.
قال: وله طريقة في الخلاف وله في أصول الفقه: المحصول في علم الأصول ونهاية العقول في دراية الأصول والمطالب العلية في الكلام وله مؤاخذات جيدة على النحاة وكل كتبه ممتعة وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين.
وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتى فيها بما لم يسبق إليه وكان له في الوعظ اليد الطولى ويعظ باللسانين: العربي والعجمي وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة وكان يلقب بهراة: شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار.
ولد بالري سنة 544هـ وتوفي بهراة في سنة 606هـ قال ابن خلكان: رأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلامذته تدل على حسن العقيدة. انتهى. وأطال في ترجمته. رحمه الله تعالى.
أبو حامد محمد بن محمد بن محمد العميد ركن الدين الفقيه الحنفي كان إماما في فن الخلاف خصوصا: الجست.
وهو أول من أفردها بالتصنيف ومن تقدمه: كان يمزجه بخلاف المتقدمين وصنف في هذا الفن طريقة وهي مشهورة بأيدي الفقهاء وكان كريم الأخلاق كثير التواضع طيب المعاشرة توفي في سنة 615هـ، خمس عشرة وستمائة ببخارى.
أبو طالب محمود بن علي بن أبي الرجاء التيمي الأصبهاني: صاحب الطريقة في الخلاف برع فيه وصنف التعليقة التي شهدت بفضله وتحقيقه وتبريره على أكثر نظرائه وجمع فيها بين الفقه والتحقيق وكان عمدة المدرسين في إلقاء الدروس عليها واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به وصاروا علماء مشاهير، وكان له في الوعظ اليد الطولى وكان متفننا في العلوم خطيبا بأصبهان مدة طويلة
توفي في سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني: صاحب كتاب: الملل والنحل.
أورد فيه: فرق المذاهب في العالم كلها وهو المتكلم على مذهب الأشعري.
وكان إماما مبرزا فقيها متكلماً.
تفقه على أحمد الخوافي وعلى أبي نصر القشيري وغيرهما وبرع في الفقه.
وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد فيه صنف: كتاب نهاية الإقدام في علم الكلام والمناهج والبيان وكتاب المضارعة وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام.
وكان كثير المحفوظ حسن المحاورة ويعظ الناس.
دخل بغداد سنة 510هـ، وأقام بها ثلاث سنين وظهر له قبول كثير عند العوام وسمع الحديث من: علي بن أحمد المديني بنيسابور ومن غيره وكتب عنه: الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني.
ولد سنة 467هـ، أو سنة 479هـ، بشهرستان وتوفي بها في آخر شعبان سنة 548هـ، أو سنة 549هـ.
وشهرستان: اسم لثلاث مدن:
الأولى: شهرستان خراسان: بين نيسابور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأول الرمل المتصل بناحية خوارزم وهي المشهورة ومنها: أبو الفتح المذكور وأخرجت خلقا كثيرا من العلماء رحمهم الله.
الثانية: شهرستان: قصبة ناحية سابور من أرض فارس.
الثالثة: مدينة جي بأصبهان ومعناه: مدينة الناحية لفظة أعجمية.
بقراط الحكيم: أول من دون علم الطب وهو حكيم مشهور معتن ببعض علوم الفلسفة سيد الطبيعيين في عصره كان قبل الإسكندر بنحو مائة وسنة وله في الطب تصانيف شريفة وكان فاضلا متألها ناسكا يعالج المرضى احتسابا طوافا في البلاد وكان في زمن أردشير - من ملوك الفرس - وكان يسكن حمص من مدن الشام وكان يتوجه إلى دمشق ويقيم في غياضها للرياضة والتعلم والتعليم وفي بساتينها: موضع يعرف: بصفة بقراط وكان طبيبا فيلسوفا فاضلا كاملا معلما لسائر الأشياء قوي الصناعة والقياس والتجربة.
ولما خاف أن يفنى الطب من العالم علم الغرباء الطب وجعلهم بمنزلة أولاده وظهر بقراط سنة 96هـ لتاريخ: بخت نصر وهي: سنة 14هـ من ملك بهمن وعاش خمسا وتسعين سنة وله كتب نافعة مفسرة بالعربية.
جالينوس الحكيم: الفيلسوف الطبيعي اليوناني ظهر بعد بقراط من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين إمام الأطباء في عصره ورئيس الطبيعيين في وقته مؤلف الكتب الجليلة في الطب وغيره: من علم الطبيعة وعلم البرهان ومؤلفاته: تنيف على ستين مؤلفا وكان بعد المسيح عليه السلام بنحو مائتي سنة وبعد الإسكندر بنحو خمسمائة سنة ونيف ولا يعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبيعي من هذين: بقراط وجالينوس قيل: هو من بلاد إيشيا شرقي قسطنطينية في دولة القيصر السادس وجاب البلاد وبرع في الطب والفلسفة والرياضة وهو ابن سبع عشرة سنة وجدد علم بقراط وفاق في علم التشريح وكان أبوه أعلم بالمساحة في زمانه وكانت ديانته النصرانية مات في مدينة سلطانية وقبره بها وعاش ثمان وثمانين سنة وكان يأخذ نفسه في كل يوم بقراءة جزء من الحكمة ولم يأخذ من الملوك شيئا ولا داخلهم ولولا هو ما بقي العلم والدرس ودثر من العالم جملته ولكنه أقام أوده وشرح غامضه وبسط مستصعيه وكان في زمانه فلاسفة مات ذكرهم عند ذكره وانتهت إليه الرياسة في عصره.
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: من مشاهير العلماء في الطب طبيب المسلمين غير مدافع مهر في المنطق والهندسة وغيرها: من علوم الفلسفة وكان في شبيبته يضرب بالعود ويغني ثم أقبل على تعلم الفلسفة ودراسة كتب الطب فنال منها كثيرا وقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوائرها الغاية واعتقد الصحيح منها وعلل السقيم وكان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر وكان متقنا لهذه الصناعة حاذقا بها عرافا بأوضاعها وقوانينها تشد إليه الرحال لأخذها وألف كتبا أكثرها في الطب وتوغل في الآلهة ولم يفهم غرضه فتقلد آراء سخيفة واتخذ مذاهب ضعيفة ودبر مارستان الري ثم مارستان بغداد في أيام المكتفي ثم عمي في آخر عمره وتوفي في سنة 311هـ.
قيل له: لو قدحت عينيك؟ قال: لا قد أبصرت من الدنيا حتى مللت وأحسن صناعة الكيمياء وذكر أنها أقرب إلى الممكن منها إلى الممتنع وألف فيها اثني عشر كتابا وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء ولم يكن يفارق النسخ إما يسود أو يبيض وتصانيفه: تبلغ مائة وستة عشر من الكتب والرسائل في الطب والفلسفة وكلها نافع في بابه والله أعلم.
ومن كلامه: مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب.
قال: وإذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا فما أقل لبث العلة وقال: عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة ولم يزل رئيس هذا الشأن وكان اشتغاله به على كبر يقال: إنه لما شرع فيه كان قد جاوز أربعين سنة من العمر وطال عمره.
علي بن أبي الحزم علاء الدين بن النفيس الطبيب المصري صاحب كتاب: الموجز في الطب وشرح كليات القانون وغيرهما.
كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه وصنف في الطب غير ما ذكرناه كتابا سماه: الشامل قيل: لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة تم منه ثمانون مجلدة.
وصنف في أصول الفقه والمنطق.
وبالجملة: كان مشاركا في الفنون وأما الطب: فلم يكن على وجه الأرض مثله في زمانه قيل: ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وكان شيخه في الطب: الشيخ مهذب الدين توفي سنة 687هـ، عن نحو ثمانين سنة وخلف أموالا جزيلة ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري.
أبو يعقوب إسحاق بن حنين العبادي: الطبيب المشهور كان أوحد عصره في علم الطب وكان يعرف كتب الحكمة التي بلغه اليونانيين إلى اللغة العربية وله المصنفات المفيدة في الطب ولحقه الفالج في آخر عمره فتوفي في سنة 398هـ.
والعبادي: نسبة إلى عباد الحيرة وهم: عدة بطون من قبائل شتى نزلوا حيرة وكانوا نصارى ينسب إليهم خلق كثير والحيرة: مدينة قديمة كانت لبني المنذر.
أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي: الطبيب المشهور كان إمام وقته في صناعة الطب وكان يعرف لغة اليونانيين معرفة تامة وهو الذي عرب كتاب إقليدس وجاء ثابت بن قرة فنقحه وهذبه وكذلك كتاب المجسطي.
وله في الطب مصنفات مفيدة وتقدم ذكر ولده: إسحاق آنفا وكان المأمون مغرما بتعريبها.
واليونانيون: كانوا حكماء متقدمين على الإسلام وهم أولاد: يونان ابن يافث بن نوح
توفي حنين في سنة 260هـ.
أبو الحسن هبة الله بن أبي الغنائم بن التلميذ: الطبيب البغدادي ذكره العماد الأصفهاني في الخريدة فقال: سلطان الحكماء ومقصد العالم في علم الطب بقراط عصره وجالينوس زمانه وختم به هذا العلم ولم يكن في الماضيين من بلغ مداه في الطب عمر طويلا وعاش نبيلا جليلا رأيته وهو شيخ بهي المنظر حسن الرواء عذب المجتلى والمجتنى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهم عالي الهمة ذكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي شيخ النصارى وقسيسهم ورأسهم ورئيسهم وله في النظم كلمات رائقة وحلاوة جنية وغزارة بهية وكان بينه وبين أبي البركات: هبة الله بن علي - الحكيم المشهور صاحب كتاب: المعتبر في الحكمة - تنافر وتنافس كما جرت العادة بمثله بين أهل كل فضيلة وصنعة ولهما في ذلك أمور ومجالس مشهورة وكان يهوديا ثم أسلم في آخر عمره وأصابه الجذام فعالج نفسه بتسليط الأفاعي على جسده بعد أن جوعها فبالغت في نهشه فبرئ من الجذام وعمي وقصته مشهورة.
ولابن التلميذ في الطب تصانيف مليحة فمن ذلك: أقراباذين وحواش على كليات ابن سينا
توفي في سنة 560هـ، ببغداد وقد ناهر المائة من عمره مات في عيد النصارى.
أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة: الطبيب صاحب: كتاب المنهاج الذي جمع فيه من أسماء: الحشائش والعقاقير والأدوية وغير ذلك شيئاً كثيراً.
كان نصرانيا ثم أسلم وصنف: رسالة في الرد على النصارى وبين عوار مذاهبهم ومدح فيها الإسلام وأقام الحجة على أنه الدين الحق وذكر فيها ما قرأه في التوراة والإنجيل من: ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي مبعوث وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه ثم ذكر فيها: معائب اليهود والنصارى وهي رسالة حسنة أجاد فيها وهو: من المشاهير في علم الطب وعمله وكان يطبب أهل محلته ومعارفه بغير أجرة ويحمل إليهم الأشربة والأدوية بغير عوض ويتفقد الفقراء ويحسن إليهم ووقف كتبه قبل وفاته وجعلها في مشهد أبي حنيفة رحمه الله توفي في سنة 493هـ غفر الله له.
أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف: بالجصاص ولد سنة 305هـ، وسكن ببغداد وانتهت إليه رياسة الحنفية تفقه على الكرخي وكان على طريقه من الزهد والورع توفي ببغداد سنة 370هـ.
أبو الحسن علي بن محمد فخر الإسلام البزدوي فقيه ما وراء النهر على مذهب أبي حنيفة
توفي سنة 482هـ، ودفن بسمرقند له: كتاب المبسوط أحد عشر مجلدا وشرح الجامع الكبير ولكتابه في الأصول: شروح أشهرها: الكشف.
شمس الأئمة السرخسي أبو بكر محمد بن أحمد صاحب: المبسوط تخرج بعبد العزيز الحلواني كان عالما أصوليا وقد شاع: أنه أملى المبسوط من غير مراجعة إلى شيء من الكتب وله كتاب في أصول الفقه أبدأه وهو في الجب محبوس بسبب كلمة نصح بها الأمراء وكان يجتمع تلامذته على أعلى الجب يكتبون فلما وصل إلى باب الشرط أطلق من الحبس فخرج إلى فرغانة فأكرمه الأمير حسن فوصل إليه الطلبة فأكمله.
وقيل له يوما: حفظ الشافعي ثلاثمائة كراس فقال: حفظ زكاة ما أحفظه فحسب ما حفظ فكان: اثني عشر1 ألف كراس.
توفي في حدود سنة خمسمائة - رحمه الله تعالى.
سيف الدين الآمدي علي بن محمد بن سالم الثعلبي.
ولد بآمد سنة 550هـ قرأ على مشائخ بلده القراءات وحفظ كتابا على مذهب أحمد بن حنبل وبقي على ذلك مدة فكان في أول اشتغاله: حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ثم رحل إلى العراق وأقام في الطلب ببغداد مدة وحصل علم الجدل والخلاف والمناظرة ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير وتمهر فيه ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم وصنف: في أصول الدين والفقه والمنطق والحكمة والخلاف وكل تصانيفه مفيدة.
وكان قد أخذ علوم الأوائل من نصارى الكرخ ويهودها فاتهم لذلك في عقيدته ففر إلى مصر خوفا من الفقهاء سنة 592هـ، وناظر بها وحاضر وأظهر تصانيف في علوم الأوائل ثم تعصبوا عليه فخرج من القاهرة مستخفيا ثم استوطن حماة أو دمشق وتولى بها التدريس ومات بها في سنة 631هـ.
له: كتاب الماهر في علوم الأوائل والأواخر خمس مجلدات وكتاب أبكار الأفكار في أصول الدين أربع مجلدات قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن من الآمدي وما علمنا قواعد البحث إلا منه وقال: لو ظهر متزندق مشكك في الدين ما تعين لمناظرته إلا هو وله: كتاب منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل ومختصرهما لابن الحاجب وله مقدار عشرين تصنيفا. توفي سنة 631هـ، ودفن بسفح جبل قاسيون وكانت ولادته في سنة 551هـ والآمدي: نسبة إلى آمد وهي: مدينة كبيرة في ديار بكر مجاورة لبلاد الروم.
أبو البركات النسفي عبد الله بن أحمد حافظ الدين صاحب كنز الدقائق وكتاب المنار في أصول الفقه وكتاب العمدة في أصول الدين تفقه على شمس الأئمة الكردري.
وللمنار شروح منها: إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار لسعد الدين محمود الدهلوي رحمه الله تعالى.
سراج الدين الهندي أبو حفص عمر بن إسحاق ابن أحمد الغزنوي قاضي الحنفية بالقاهرة.
تفقه ببلاده على: الوجيه الرازي والسراج الثقفي والزين البدواني وغيرهم من علماء الهند وحج وظهرت فضائله له وجاهة في كل دولة واسع العلم كثير المهابة وكان يتعصب للصوفية الموحدة وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض.
مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي وهي: السابع من رجب سنة 773هـ وكان يكتب بخطه: مولدي سنة 704هـ.
محمد بن محمد بن عمر حسام الدين الأخسيكثي: وأخسيكث قرية فيما وراء النهر ألف المختصر في أصول الفقه مات - رحمه الله تعالى - سنة 644هـ.
أبو المعالي إمام الحرمين: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني مولده: في الكامل: سنة 410هـ، وفي تاريخ ابن أبي الدم: 419هـ، إمام العلماء في وقته فحل المذهب.
ومن تصانيفه: نهاية المطلب في دراية المذهب سافر إلى بغداد ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف وأم في الحرمين الشريفين وبذلك لقب ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة ومجلس الذكر والتدريس ثلاثين سنة وحظي عند نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي.
ومن تلاميذه: الغزالي وحسبك وأبو الحسن علي إلكيا الهراسي.
وادعى إمام الحرمين الاجتهاد المطلق لأن أركانه كانت حاصلة له ثم عاد إلى تقليد الإمام الشافعي - رحمه الله - لعلمه بأن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه.
مات بقرية: بشتقان ونقل إلى نيسابور ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه وصلى عليه ولده: أبو القاسم فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع وقعد الناس لعزائه ورثوه كثيرا منه:
قلوب العالمين على المقالي ... وأيام الورى شبه الليالي
أيثمر غصن أهل العلم يوما ... وقد مات الإمام أبو المعالي
وقد كانت تلامذته يومئذ نحو أربعمائة فكسروا محابرهم وأقلامهم وأقاموا كذلك عاما كاملا كذا في تاريخ ابن الوردي.
قال ابن خلكان: هو أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي على الإطلاق المجمع على إمامته المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من: الأصول والفروع والأدب ورزق من التوسع في العبادة مالم يعهد من غيره وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها سافر إلى بغداد ولقي بها جماعة من العلماء ظهرت تصانيفه وحضر دروسه الأكابر من الأئمة وله إجازة من الحافظ: أبي نعيم الأصفهاني صاحب حلية الأولياء.
ومن تصانيفه: الشامل في أصول الدين والبرهان في أصول الفقه وغياث الأمم في الإمامة وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأقوال أبكى الحاضرين ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره. انتهى ملخصاً.
الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي المتكلم على مذهب الأشعري كان أعلم الناس بمذهبه وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين اشتغل على سراج الدين صاحب التلخيص.
صنف: الزبدة في علم الكلام والنهاية في أصول الفقه والفائق فيه أيضا وكل مصنفاته جامعة حسنة لا سيما: النهاية ولد ببلاد الهند سنة 644هـ، ورحل إلى اليمن ثم حج وقدم إلى مصر ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين ثم قدم دمشق وأشغل الناس بالعلم توفي بها سنة 715، خمس عشرة وسبعمائة.
صدر الشريعة عبد الله بن مسعود بن محمود عالم محقق وحبر مدقق له تصانيف: مثل: شرح الوقاية والوشاح في المعاني وتعديل العلوم في أقسام العلوم العقلية كلها والتنقيح وشرحه المسمى: بالتوضيح في أصول الفقه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مولانا: خسرو اسمه: محمد بن قرامز بن خواجة علي كان عالما عاملا محققا فاضلا استقضاه السلطان محمد خان بالعسكر ثم صار قاضيا بمدينة قسطنطينية ثم صار مفتيا بها سنين كثيرة
توفي سنة 885 له مصنفات كثيرة في علوم عديدة مثل: الدرر وشرحه: الغرر وحواشي التلويح وحواشي المطول وغير ذلك من الكتب والرسائل.
قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني وستأتي ترجمته.
الإمام أبو حنيفة نعمان بن ثابت - رضي الله عنه إمام الحنفية ومقتدي أصحاب الرأي.
ولد سنة 80هـ من الهجرة. كذا ذكره الواقدي والسمعاني عن: أبي يوسف وقيل: عام إحدى وستين والأول: أكثر وأثبت لم ير أحدا من الصحابة باتفاق أهل الحديث وإن كان عاصر بعضهم على رأي الحنفية وبالغ في مدينة العلوم في إثبات اللقاء والرواية عن بعضهم وليس كما ينبغي قال: وقد ثبت بهذا التفصيل أن الإمام من التابعين وإن أنكر أصحاب الحديث كونه منهم إذ الظاهر أن أصحابه أعرف بحاله منهم. انتهى.
وفيه نظر واضح لأن معرفة أهل الحديث بوفيات الصحابة وأحوال التابعين أكثر من معرفة أصحاب الرأي بها وقولهم: إن المثبت أولى من النافي تعليل لا تعويل عليه ولاعبرة بكثرة مشائخه رحمهم الله أيضا بالنسبة إلى مشائخ الشافعي رحمه الله فإن الاعتبار بالثقة دون كثرة المشيخة وقد ضعف المحدثون أبا حنيفة - رحمه الله - في الحديث وهو كذلك كما يظهر من الرجوع إلى فقه مذهب هذا الإمام وتصرفاته في الكلام والإنصاف خير الأوصاف ولم يكن هو عالما حق العلم بلغة العرب ولسانهم.
والكتب المؤلفة في ترجمته كثيرة يوجد بعضها فهي تغني عن الإطالة في هذا المقام.
والكلام على ترجيح فقه إمام ومذهبه على فقه إمام آخر ومذهبه: ليس من العلم شيء.
وأكثر من ابتلي بأمثال هذه الخرافات هم: المقلدون للمذاهب والمتمذهبون للمشارب والحق: عدم الترجيح وأحكم المذاهب وأصوبها وأشرفها ماكان موافقا للكتاب والسنة بعيدا عن شوائب الآراء والمظنة - وبالله التوفيق وبيده أزمة التدقيق والتحقيق.
الإمام مالك بن أنس صاحب كتاب: الموطأ في الحديث الشريف عالم المدينة وإمامها أحد المجتهدين الأربعة مات وله تسعون سنة وقبره بالمدينة على شط بقيع الغرقد وكان وفاته في أيام الرشيد ولد وأسنانه ثابتة فسمي: ضحاكا أضحكه الله في جناته.
أخذ عنه العلم جماعة كثيرة منهم: الشافعي قال: إذا ذكر العلماء فمالك النجم وإذا جاء الحديث عنه فاشدد يديك به.
وقال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله تعالى في القلب.
قال في مدينة العلوم: إنه لا يفي بتعداد فضائل هذا الطود العظيم الأشم والبحر الزخار الأطم بطون الكتب ومضامين الأسفار فضلا عن هذه الأوراق والسطور. انتهى.
وهو كذلك وكتابه الموطأ: في الطبقة الأولى من كتب الحديث عند المحققين وكان شارحه صاحب المصفى والمسوى شديد الاعتناء به حتى قال: إن المقصود في هذه الدورة العمل بالموطأ وترك العمل بغيره من التفريعات والكتب.
وهذا يدل على عظمة رتبة هذا التأليف.
توفي في سنة تسع أو ثمان وسبعين ومائة وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي: الحطة في ذكر الصحاح الستة وإتحاف النبلاء فارجع إليهما.
الإمام: محمد بن إدريس الشافعي: القرشي ثالث المجتهدين وأعلم العلماء الربانيين لما حملت به أمه: رأت كأن المشتري خرج من بطنها وانقض ووقع في كل بلدة منه شظية فعبر المعبر: أنه يخرج من بطنك عالم عظيم فكان كما عبر.
وهو: أول من دون علم أصول الفقه ورزق السعادة التامة في علمه.
قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس وإني لأدعو له في أثر صلاتي: اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي.
قال في مدينة العلوم: وبالجملة هو: عالم الدنيا وعالم الأرض شرقا وغربا جمع الله له من العلوم والمفاخر مالم يجمع لإمام بعده وفضائله أكثر من أن تحصى لا يسعها إلا المجلدات.
حدث عنه أحمد بن حنبل وغيره مات بمصر سنة 206هـ، وله أربع وخمسون سنة واتفق العلماء قاطبة من: أهل الفقه والأصول والحديث واللغة والنحو وغيرها على أمانته وعدالته وزهده وورعه وتقواه وجوده وحسن سيرته وعلو قدره فالمطنب في وصفه مقصر والمسهب في مدحه مقتصر وقد كثرت في ذلك المجلدات الكبار ولم تبلغ ساحل هذا البحر وقد اعتنى جماعة من أهل العلم بترجمته مفردة.
الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي إمام أهل السنة بلا مدافع وقدوة أهل الحديث بغير منازع.
ولد ببغداد سنة 164هـ ومات بها سنة 241هـ، وله سبع وسبعون سنة به عرف صحيح الحديث من ضعيفه والمجروح من المعدل.
رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة واليمن والشام والجزيرة وكتب عن علمائها.
وسمع الحديث من شيوخ بغداد وسمع منه الشيخان الكبيران: البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو داود السجستاني وخلق كثير سواهم وفضائله كثيرة ومناقبه جمة في الإسلام وآثاره مشهورة ومقاماته في الدين مذكورة وهو رابع المجتهدين المعول على قوله ورأيه وروايته.
قال ابن راهويه: هو حجة بين الله وبين عباده في أرضه وكان يحفظ ألف ألف حديث وكانت مجالسته مجالسة الآخرة لا يذكر من أمر الدنيا شيئا ضرب تسعة وعشرين سوطا على إنكار خلق القرآن قال أحمد بن محمد الكندي: رأيته في المنام فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ربي وقال: يا أحمد ضربت في؟ قلت: نعم يا رب قال: هذا وجهي انظر إليه قد أبحتك النظر إليه.
ولما مات صلى عليه من المسلمين من لا يحصى ومسح موضع الصلاة عليه فوجدوا موقف ألفي ألف وثلاثمائة ألف ذراع ونحوها ذكرت له ترجمة كافية في كتابي: الحطة وإتحاف النبلاء.
وقد ألفت في مناقب هؤلاء الأربعة صحف كثيرة مستقلة لا حاجة بعدها إلى إطالة الكلام لهم في هذا المقام وأعلم الأربعة بعلم الحديث وأستاذ الكل فيه: هو ذاك أحمد الإمام ولولاه لم يكن لمذهب السنة بقاء في الدنيا وإليه تنتهي رياسة علم السنة وأهلها وظهر في أهل نحلته الأئمة المجتهدون على كثرة لا يعلم مثلها في مذهب آخر ورزق السعادة الكاملة في علمه ودينه.
وقد ذكر في مدينة العلوم بعد تراجم الأئمة الأربعة تراجم غالب علماء المذهب الحنفي بالبسط التام لكونه من الحنفية وليس ذكرها من غرضنا في هذا الكتاب كذلك ذكر تراجم غيرهم من فقهاء المذاهب الثلاثة لأن تراجمهم مذكورة في كتب الطبقات كل واحد من هؤلاء مسطورة في محلها وهم أكثر من أن تحصى وأزيد من أن تستقصى وذكرهم يستدعي مجلدات ضخيمة وأسفار عظيمة.
والأئمة منهم: معروفون مشهورون وإنما أشرنا إلى تراجم الأربعة المجتهدين لكونهم أئمة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين وهاهنا أشير إلى أسمائهم رحمهم الله: فمن الأئمة الحنفية:
الإمام القاضي: أبو يوسف وكان من أهل الاجتهاد.
والإمام: محمد وقد بلغ رتبة الاجتهاد أيضاً.
وابن المبارك المحدث المروزي.
والإمام: داود بن نصير الطائي الكوفي.
ووكيع بن الجراح. ويحيى بن زكريا.
والحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي.
وحماد بن أبي حنيفة الإمام.
وإسماعيل بن حماد المذكور.
ويوسف بن خالد صاحب أبي حنيفة.
وعافية بن يزيد الكوفي.
وحبان ومندل: ابنا علي الغزي.
وعلي بن مسهر الكوفي.
والقاسم بن معن.
وأسد بن عمرو بن عامر.
وأحمد أبو حفص الكبير.
وخلف بن أيوب من أصحاب الإمام محمد.
وشداد بن حكم من أصحاب زفر رحمه الله.
وموسى بن نصر الدين الرازي.
وموسى بن سليمان الجوزجاني.
وهلال بن يحيى النصري.
ومحمد بن سماعة وأبو مطيع الحكم بن عبد الله القاضي راوي كتاب: الفقه الأكبر عن أبي حنيفة.
قال في المدينة: إن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل: إن لأبي حنيفة - رحمه الله - سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف فأكثر من ذلك. انتهى ثم ذكر الكتب المعتبرة في الفقه الحنفي على ما هو المشهور في ذلك الزمان وهي مذكورة في: كشف الظنون على وجه البسط والتفصيل مع ذكر الحواشي عليها والشروح لها.
قال: واعلم أن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر فلنذكر بعد ذلك نبذا من: الأئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان:
أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي.
والآخر: من تلاهم من الأئمة.
أما الأول: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي
فمنهم: أحمد بن خالد الخلال أبو جعفر البغدادي وأحمد بن سنان الواسطي وأحمد بن صالح أبو جعفر الطبري وأحمد بن أبي سرح الصباح وأحمد بن عبد الرحمن القرشي وأحمد بن عمرو بن السرح الأموي والإمام: أحمد بن حنبل المشهور في الآفاق وأحمد بن محمد الوليد ويقال: عون بن عقبة وأحمد بن يحيى البغدادي المتكلم وأحمد بن الوزير المصري وأحمد بن سريج الرازي ومحمد بن عبد الحكم المصري ومحمد بن الإمام الشافعي وأبو ثور إبراهيم بن خالد البغدادي وإبراهيم بن محمد ابن عم الشافعي وإبراهيم بن محمد بن هرم وإسماعيل بن يحيى أبو إبراهيم المزني وبحر بن نصر الخولاني وحارث النقال وحسن بن محمد الصباح البغدادي الزعفراني وحسين بن علي الكراسي والحسن الفلاس وحرملة التجيبي وربيع بن سليمان الجبري المصري وربيع بن سليمان المرادي وسليمان بن داود العباسي وأبو بكر الحميد بن زهير وعبد العزيز أبو علي الخزاعي وعبد العزيز الكناني وفضل بن ربيع والقاسم بن سلام - بتشديد اللام - وقحزم الأسواني وهو: آخر من صحب الشافعي - رحمه الله - موتا وموسى بن أبي الجارود المكي ويوسف بن يحيى البويطي وبويط: من صعيد مصر ويونس بن علي الصدفي المصري.
وأما الصنف الثاني: من تلاهم من الأئمة الشافعية فمنهم: محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن علي الحكيم الترمذي الصوفي ومحمد بن نصر المروزي والجنيد بن محمد البغدادي سيد الطائفة الصوفية وحارث بن أسد المحاسبي وداود بن علي البغدادي إمام أهل الظاهر وسليمان بن الأشعث السجستاني والحافظ: أبو سعيد الدارمي محدث هراة وأبو تراب عسكر بن محمد التخشبي وتخشب: بلدة من بلاد ما وراء النهر عربت فقيل لها: نسف والنسائي صاحب السنن وأحمد بن شريح القاضي وأحمد بن محمد أبو علي الرودباري وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي وأبو زيد محمد بن أحمد الفاشاني المروزي وأبو بكر محمد بن أحمد الحداد المصري وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري أحد أئمة الدنيا علما ودينا ومحمد بن خفيف الشيرازي وأبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي وأبو بكر الصيرفي محمد بن عبد الله وأبو الحسن علي شيخ الأشاعرة وأبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي وأبو إسحاق الإسفرائني إبراهيم بن محمد وإسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو القاسم القشيري حسن بن علي وأبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وله مناظرات مع أبي الحسن القدوري من الحنفية.
والعراقيون: إذا أطلقوا لفظ القاضي يعنون: إياه.
والخراسانيون: يعنون: القاضي حسين.
والأشعرية في الأصول: يعنون: القاضي أبا بكر الباقلاني.
والمعتزلة: عبد الجبار الإسترابادي والقفال المروزي الصغير واسمه: عبد الله ابن أحمد وهو المراد عند الإطلاق والأكبر يقيد بالشاشي وابن هوازن القشيري وأبو محمد الجويني والد إمام الحرمين وأبو نصر ابن الصباغ وعبد القاهر التميمي أبو منصور البغدادي وعبد القاهر الجرجاني وأبو المعالي إمام الحرمين وأبو الحسن الماوردي صاحب: الحاوي والإقناع وأبو حيان التوحيدي وأبو المظفر السمعاني وأبو حامد الغزالي صاحب: الإحياء ومحمد الخيوشاني ومحيي السنة: الفراء البغوي وأبو المحاسن الروياني والحافظ: ابن عساكر والشيخ: صدر الدين القونوي والإمام: فخر الدين الرازي والشيخ: عز الدين بن عبد السلام ومن تلامذته: ابن دقيق العيد وأبو القاسم الرافعي وأبو نصر الشهروزي وأبو القاسم الصوفي وأبو الفتح الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد شارح الوسيط ومحمد التركماني الذهبي الحافظ والقاضي: جلال الدين القزويني والصفي الهندي وابن الزملكاني ومحمد بن سيد الناس الحافظ والحافظ: علم الدين العراقي الضرير وعلي ابن عبد الكافي السبكي الكبير وابن خطاب الباجي والقاضي: شرف الدين البارزي. انتهى. ثم ذكر لهؤلاء تراجم مختصرة ومطولة كما ذكر تراجم الفقهاء الحنفية ولم يذكر للأئمة المالكية والحنبلية تراجم ولعل الوجه في ذلك كثرة أولئك وقلة هؤلاء {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ولكن تغني عن ذلك كتب الطبقات المختصة لتراجم المالكية والحنابلة وهي لم تغادر أحدا منهم.
وقد ذكر القاضي: أبو اليمن مجير الدين الحنبلي في كتاب: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: جماعة من علماء المذاهب الأربعة وقضاتهم الذين كانوا في إيلياء ومنهم علماء الحنابلة وكذا ذكرهم ابن رجب الحنبلي في طبقاته وغيره من أهل التاريخ والسير في كتبهم الموضوعة لذلك.
والذين ترجم لهم صاحب مدينة العلوم أكثرهم من رجال وفيات الأعيان لابن خلكان وقد رددت عليه رجالا منه ومن غيره وأشرت إلى المآخذ وتركت تراجم غالب العلماء تحت كل علم مذكور ها هنا وأومأت إلى أسمائهم ليسهل المراجعة للطالب إلى معرفة كل واحد منهم من المآخذ.
وأذكر الآن: جماعة من علماء الحديث والقرآن ثم أردف ذلك: ذكر طائفة من علماء الهند المشهورين المشار إليهم في العلوم النقلية والعقلية ولم أدرجهم تحت علماء العلوم المذكورة هاهنا لسهولة الضبط والربط وهم مشاركو الجميع - إلا ما شاء الله تعالى فليكن ذلك على ذكر منك وما ذكرناه من علماء الحرمين واليمن فأكثرهم مشائخ مشائخنا وهم في سلسلة الإسناد لنا.
والمراد بهؤلاء في هذا الموضع الذين لم يقلدوا واحدا من أهل الاجتهاد ولم يكونوا أصحاب الرأي غالبا وهم المفسرون المتقنون والمحدثون المصنفون لكتب التفاسير والسنن على اختلاف أنواعها وتباين أنحائها سيما الأئمة منهم وإن انتسب بعضهم في الظاهر إلى أحد من المجتهدين فهو في الحقيقة ليس منتسبا إليه بل تابع للقرآن والحديث مجتهد بنفسه في علمه وعمله والله أعلم بالصواب.
شيخ الإسلام: تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي: شهاب الدين عبد الحليم بن شيخ الإسلام: مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني الحنبلي.
مولده رحمه الله ورحمنا به: بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة هاجر والده به وبإخوته إلى الشام من جور التتر وعني الشيخ تقي الدين بالحديث ونسخ جملة من الكتب وتعلم الخط والحساب في المكتب وحفظ القرآن ثم أقبل على الفقه وقرأ أياما في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه وبرع في النحو وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى سبق فيه وأحكم أصول الفقه كل هذا وهو ابن بضع عشرة سنة فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وإدراكه ونشأ في تصون تام وعفاف وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحيرون منه وأفتى وله أقل من تسع عشرة سنة وشرع في الجمع والتأليف ومات والده وله إحدى وعشرون سنة وبعد صيته في العالم فطبق ذكره الآفاق وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكذلك الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح يقول في المجلس أزيد من كراسين ويكتب على الفتوى في الحال عدة أوصال بخط سريع في غاية التعليق والإغلاق. قال الشيخ العلامة كمال الدين بن الزملكاني - علم الشافعية - في خط كتبه في حق ابن تيمية: كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم بأن لا يعرفه أحد مثله وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء.
قال: ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها. انتهى كلامه.
وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث وبالعالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي.
أما التفسير فسلم إليه وله في استحضار الآيات للاستدلال قوة عجيبة ولفرط إمامته في التفسير وعظمة اطلاعه بين خطأ كثيرا من أقوال المفسرين ويكتب في اليوم والليلة من: التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة والأوائل نحوا من أربعة كراريس وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلدة وله في غير مسألة مصنف مفرد كمسألة التحليل سماه: بيان الدليل على إبطال التحليل مجلد وغيرها.
وله: مصنف في الرد على ابن مطهر الرافضي الحلي في ثلاث مجلدات كبار سماه: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية.
وتصنيف في: الرد على تأسيس التقديس للرازي في سبع مجلدات.
وكتاب في: الرد على المنطق وكتاب في: الموافقة بين المعقول والمنقول في مجلدين وقد جمع أصحابه من فتاواه ست مجلدات كبار وله باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين قل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة.
وله: مصنف سماه: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
وكتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وبقي عدة سنين لا يفتى بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه وبدعوه وناظروه وكابروه وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أدى إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال.
وجرى بينه وبينهم حملات حربية ووقعات شامية ومصرية.
وكان معظما لحرمات الله دائم الابتهال كثير الاستعانة قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها وله من الطرف الآخر محبون من: العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار والكبراء وسائر العامة تحبه بشجاعته تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال ولقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه واجتمع بالملك مرتين وبخلطو شاه وبولان وكان قيحق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغل.
قال القاضي المنشي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله في ترجمته: جلس الشيخ إلى السلطان محمود غازان حيث تجم الأسد في آجامها وتسقط القلوب دواخل أجسامها وجد النار فتورا في ضرومها والسيوف فرقا في قرمها خوفها من ذلك السبع المغتال والنمروذ المحتال والأجل الذي لا يدفع بحيلة محتال فجلس إليه وأومى بيده إلى صدره وواجهه ودار في نحره وطلب منه الدعاء فرفع يديه ودعاء منصف أكثره عليه وغازان يؤمن على دعائه.
وكتب ابن الزملكاني على بعض تصانيف ابن تيمية - رحمه الله - هذه الأبيات:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة العصر
هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
قال القاضي أبو الفتح ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد وحضر عنده شيخ النحاة: أبو حيان وقال: ما رأت عيناي مثله وقال فيه على البديهية أبياتا منها:
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الحق إذ آثاره درست ... وأخمد الشر إذ طارت له الشرر
كنا نحدث عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
قال ابن الوردي في تاريخه: بعد ذلك كله هو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه في العلم وكان فيه قلة مداراة وعدم تؤدة غالبا ولم يكن من رجال الدول ولا يسلك معهم تلك النواميس وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم كمسألة: التكفير في الحلف بالطلاق ومسألة: أن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق في الحيض لا يقع.
وساس نفسه سياسة عجيبة فحبس مراتب بمصر ودمشق والإسكندرية وارتفع وانخفض واستبد برأيه وعسى أن يكون ذلك كفارة له وكم وقع في صعب بقوة نفسه وخلصه الله وله نظم وسط ولم يتزوج ولا تسرى ولا كان له من المعلوم إلا شيء قليل وكان أخوه يقوم بمصالحه وكان لا يطلب منهم غداء ولا عشاء غالبا وما كانت الدنيا منه على بال وكان يقول في كثير من أحوال المشائخ: إنها شيطانية أو نفسانية فينظر في متابعة الشيخ الكتاب والسنة فإن كان كذلك فحاله صحيح وكشفه رحماني غالبا وما هو بالمعصوم وله في ذلك عدة تصانيف تبلغ مجلدات من أعجب العجب وكم عوفي من صرع الجني إنسان بمجرد تهديده للجني وجرت له في ذلك فصول ولم يفعل أكثر من أن يتلو آيات ويقول: إن تنقطع من هذا المصروع وإلا عملنا معك حكم الشرع وإلا عملنا معك ما يرضي الله ورسوله. وفي آخر الأمر ظفروا له بمسألة السفر لزيارة قبور النبيين وأن السفر وشد الرحال لذلك منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" مع اعترافه بأن الزيادة بلا شد رحل قربة فشنعوا عليه بها وكتب فيها جماعة: بأنه يلزم من منعه شائبة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك.
وأفتى عدة: بأنه مخطئ بذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم ووافقه جماعة وكبرت القضية فأعيد إلى قاعة بالقلعة فبقي بضعة وعشرين شهرا وآل الأمر إلى أن منع من الكتابة والمطالعة وما تركوا عنده كراسا ولا دواة وبقي أشهرا على ذلك فأقبل على التلاوة والتهجد والعبادة حتى أتاه اليقين فلم يفجأ الناس إلا نعيه وما علموا بمرضه فازدحم الخلق عند باب القلعة وبالجامع زحمة صلاة الجمعة وأرجح وشيعه الخلق من أربعة أبواب البلد وحمل على الرؤوس وعاش سبعا وستين سنة وأشهرا وكان أسود الرأس قليل شيب اللحية ربعة جهوري الصوت أبيض أعين.
قلت: تنقص مرة بعض الناس من ابن تيمية عند القاضي ابن الزملكاني وهو بحلب وأنا حاضر فقال: ومن يكون مثل الشيخ تقي الدين في زهده وصبره وشجاعته وكرمه وعلومه والله لولا نعرضه للسلف لزاحمهم بالمناكب وهذه نبذة من ترجمة الشيخ مختصرة أكثرها من: الدرة اليتيمية في السيرة التيمية للإمام الحافظ: شمس الدين محمد الذهبي رحمه الله.
قال ابن الوردي: وفيها أي: سنة 723هـ، ليلة الإثنين والعشرين من ذي القعدة توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - معتقلا بقلعة دمشق وغسل وكفن وأخرج وصلى عليه أولا: بالقلعة الشيخ محمد بن تمام ثم: بجامع دمشق بعد الظهر من باب الفرج واشتد الزحام في سوق الخيل وتقدم عليه في الصلاة هناك أخوه وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرك وتراص الناس تحت نعشه وحضرت النساء خمسة عشر ألفا وأما الرجال فقيل: كانوا مائتي ألف وكثر البكاء عليه وختمت له ختم عديدة وتردد الناس إلى زيارة قبره أياما ورؤيت له منامات صالحة ورثاه جماعة قلت: ورثيته أنا بمرثية على حرف الطاء فشاعت واشتهرت وطلبها مني الفضلاء والعلماء من البلاد وهي:
عثافي عرضه قوم سلاط ... لهم من نثر جوهره الالتقاط
تقي الدين أحمد خير حبر ... خروق المعضلات به تخاط
توفي وهو محبوس فريد ... وليس له إلى الدنيا انبساط
ولو حضروه حين قضى لألفوا ... ملائكة النعيم به أحاطوا
قضى نحبا وليس له قرين ... ولا لنظيره لف القماط
فتى في علمه أضحى فريدا ... وحل المشكلات به يناط
وكان إلى التقى يدعو البرايا ... وينهى فرقة فسقوا ولاطوا
وكان الجن تفرق من سطاه ... بوعظ للقلوب هو السياط
فيا لله ما قد ضم لحد ... ويا لله ما غطى البلاط
هم حسدوه لما لم ينالوا ... مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا على طرائقه كسالى ... ولكن في أذاه لهم نشاط وحبس الدر في الأصداف فخر ... وعند الشيخ بالسجن اغتباط
بآل الهاشمي له اقتداء ... فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا
بنو تيمية كانوا فبانوا ... نجوم العلم أدركها انهباط
ولكن يا ندامة حابسيه ... فشك الشرك كان به يماط
ويا فرح اليهود بما فعلتم ... فإن الضد يعجبه الخباط
ألم يك فيكم رجل رشيد ... يرى سجن الإمام فيستشاط
إمام لا ولاية كان يرجو ... ولا وقف عليه ولا رباط
ولا جاراكم في كسب مال ... ولم يعهد له بكم اختلاط
ففيم سجنتموه وعظتموه ... أما لجزا أذيته اشتراط
وسجن الشيخ لا يرضاه مثلي ... ففيه لقدر مثلكم انحطاط
أما والله لولا كتم سري ... وخوف الشر لانحل الرباط
وكنت أقول ما عندي ولكن ... بأهل العلم ما حسن اشتطاط
فما أحد إلى الإنصاف يدعو ... وكل في هواه له انخراط
سيظهر قصدكم يا حابسيه ... وننبئكم إذا نصب الصراط
فما هو مات عنكم واسترحتم ... فعاطوا ما أردتم أن تعاطوا
وحلوا واعقدوا من غير رد ... عليكم وانطوى ذاك السباط
وكنت اجتمعت به بدمشق سنة 715هـ، بمسجده بالقصاعين وبحثت بين يديه في فقه وتفسير ونحو فأعجبه كلامي وقبل وجهي وإني لأرجو بركة ذلك وحكى لي عن واقعته المشهورة في جبل كسروان وسهرت عنده ليلة فرأيت من فتوته ومروءته ومحبته لأهل العلم ولا سيما الغرباء منهم أمرا كثيرا وصليت خلفه التراويح في رمضان فرأيت على قراءته خشوعا ورأيت على صلاته رقة حاشية تأخذ بمجامع القلوب. انتهى كلام الإمام: زين الدين عمر بن الوردي المتوفى بحلب سنة 749هـ رحمه الله تعالى بعبارته.
وقد ذكرت لابن تيمية - رحمه الله - ترجمة حافلة بالفارسية في كتابي: إتحاف النبلاء المتقين.
وله - قدس سره - تراجم كثيرة حسنة اعتنى بجمعها جمع جم من العلماء الفضلاء.
منها: كتاب القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحنبلي للسيد صفي الدين أحمد الحنفي البخاري نزيل نابلس - رحمه الله - وهو: جزء لطيف وعليه تقريظ للشيخ العلامة: محمد التافلاني مفتي الحنفية بالقدس الشريف وتقريظ للشيخ: عبد الرحمن الشافعي الدمشقي الشهير: بالكزبري.
ومنها: كتاب الكواكب الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ الإمام العلامة: مرعي.
ومنها: كتاب الرد الوافر على من زعم أن: من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر للشيخ الإمام الحافظ: أبي عبد الله محمد بن شمس الدين أبي بكر بن ناصر الدين الشافعي الدمشقي وعليه تقريظ للحافظ: ابن حجر العسقلاني صاحب: فتح الباري وتقريظ لقاضي القضاة: صالح بن عمر البلقيني - رحمه الله - وتقريظ للشيخ الإمام: عبد الرحمن التفهني الحنفي وتقريظ للشيخ العلامة: شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي وتقريظ للقاضي الفهامة: نور الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي وهذا: أطول التقاريظ وهي التي كتبوها في سنة 835هـ وأيضا عليه تقريظ للإمام العلامة قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية: أبي العباس أحمد بن نصر الله بن أحمد البغدادي ثم المصري كتبه في سنة 836هـ، بصالحية دمشق بدار الحديث الأشرفية وتقريظ لمحدث حلب الحافظ الإمام: أبي الوفا إبراهيم بن محمد النعيم رضوان بن محمد بن يوسف العقبي المصري الشافعي ثم قرظ عليه غيرهم من سائر البلدان: كالقاضي سراج الدين الحمصي الشافعي وخلق كثير.
وكان قد نبغ شخص في المائة التاسعة يسمى: علاء الدين محمد البخاري بدمشق تعصب على الشيخ وأفتى بكفره وكفر من سماه: شيخ الإسلام فرد عليه في هذا الكتاب وعدد من سماه: شيخ الإسلام من أئمة جميع المذاهب منهم: خصومه كالسبكي وغيره وبعد إتمامه أرسله إلى مصر فقرظ عليه من تقدم ذكرهم وممن مدح شيخ الإسلام بقصائد حسنة طويلة: الشيخ العلامة إسحاق بن أبي بكر النزلي المصري الفقيه المحدث نجم الدين أبو الفضل أولها:
يعنفني في بغيتي رتبة العلى ... جهول أراه راكبا غير مركبي
إلى آخرها وهي نفيسة جداًَ.
وهذه التقاريظ المشار إليها كلها بمنزلة تراجم مفيدة وهي تفصح عن علو مكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العلوم والمعلومات.
وقد أقر بفضله وبلوغه رتبة الاجتهاد من لا يحصى كثرة منهم: الحافظ: الذهبي والسيوطي والسخاوي والمزي والحافظ: ابن كثير وابن دقيق العيد والحافظ: فتح الدين اليعمري المعروف: بسيد الناس والحافظ: علم الدين البرزالي وغير هؤلاء وقد ترجم له: الحافظ: ابن حجر في الدرر الكامنة والعلامة: شهاب الدين بن فضل الله العمري في مسالك الأبصار والإمام العلامة: ابن رجب الحنبلي في طبقاته والعلامة: ابن شاكر في تاريخه والإمام العالم الحافظ: شمس الدين عبد الهادي في تذكرة الحفاظ ترجمة حافلة جدا وذكر الشيخ الفاضل: صلاح الدين الكتبي في فوات الوفيات من تصانيفه كتبا جمة لا يسع لها هذا الموضع.
وأثنى عليه: شيخنا العلامة القاضي: محمد بن علي الشوكاني في آخر: شرح الصدور في تحريم رفع القبور وشهد أيضا بفضله وعلمه وسعة اطلاعه وكمال ورعه: مخالفوه.
منهم: الشيخ: كمال الدين الزملكاني والشيخ: صدر الدين بن الوكيل والشيخ: أبو الحسن تقي الدين السبكي الراد عليه في مسألة الزيارة.
وقد رد هذا الرد صاحب كتاب: الصارم المنكي على نحر ابن السبكي وأجمع له - إن شاء الله تعالى - ترجمة حافلة مستقلة في كتاب مفرز لذلك فلنقتصر على هذا المقدار هاهنا.
الشيخ العلامة الحافظ: شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن القيم الجوزي الدرعي الدمشقي الحنبلي.
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة.
وسمع على الشيخ: تقي الدين سليمان القاضي وأبي بكر بن عبد الدائم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشهاب النابلسي العابر وفاطمة بنت جوهر وعيسى المطعم وجماعة.
وقرأ في الأصول على الصفي الهندي.
وتفقه في المذهب وأفتى وتفنن في علوم الأسفار وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه وبأصول الدين وإليه فيهما المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله وبالعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك من: كلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم له في كل فن من الفنون اليد الطولى والمعرفة الشاملة.
وكان عالما بالملل والنحل ومذاهب أهل الدنيا علما أتقن وأشمل من أصحابها.
وكان جريء الجنان واسع العلم والبيان عارفا بالخلاف ومذاهب السلف غلب عليه حب ابن تيمية - رحمه الله - حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله بل ينتصر له في جميع ذلك وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه وكان له حظ عند الأمراء المصريين واعتقل مع شيخه ابن تيمية في القلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة فلما مات شيخه أفرج عنه.
وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية وكان ينال من علماء عصره وينالون منه وكان نيله حقا ونيلهم باطلاً.
قال الذهبي في المختصر: حبس مرة لإنكاره شد الرحل لزيارة قبر الخليل ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم ولكنه معجب برأيه جريء على أمور وكانت مدة ملازمته لابن تيمية منذ عاد من مصر اثنتي عشرة سنة إلى أن مات.
قال الحافظ ابن كثير: كان ملازما للأشغال ليلا ونهارا كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد.
قال: ولا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه وكان يطيل الصلاة جدا ويمد ركوعها وسجودها وكان يقصد للإفتاء بمسألة الطلاق إلى أن جرت له بسببها أمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره.
وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار وكان يقول: هذه عبادتي حتى لو لم أعتدها سقطت قواي وكان مغرما بجمع الكتب فحصل منها ما لا ينحصر حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا سوى ما اصطفوه لأنفسهم منها.
وله من التصنيفات: زاد المعاد في هدي خير العباد أربع مجلدات كتاب عظيم جدا وأعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات وبدائع الفوائد مجلدان وجلاء الأفهام مجلد وإغاثة اللهفان مجلد ومفتاح دار السعادة مجلد ضخم وكتاب الروح وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة مجلدات وتصانيف أخرى.
ومن نظمه: قصيدة تبلغ سبعة آلاف بيت سماها: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية مجلد.
ومن كلامه: بالصبر والفقر تنال الإمامة في الدين وكان يقول: لا بد للسالك من همة يسيرة ترقيه وعلم يبصره ويهديه. وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف وهو طويل النفس فيها قصدا للإيضاح ومعظمها من كلام شيخه يتصرف في ذلك وله في ذلك ملكة قوية وهمة علوية ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها.
مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ثالث عشر رجب وكانت جنازته المقدسة حافلة جدا ورؤيت له بعد الموت منامات حسنة وكان هو ذكر قبل موته بمدة: أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام وأنه سأله عن: منزلته؟ فقال: إنه أنزل منزلا فوق فلان وسمى بعض الأكابر ثم قال: وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة.
قال الشيخ العلامة ابن رجب الحنبلي - في طبقاته -: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع شيخه في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه وكان مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والدخول في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسته قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها.
وأخذ عنه العلم خلق كثير في حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له: كابن عبد الهادي وغيره.
قال القاضي برهان الدرعي: ما تحت أديم السماء أوسع علما منه درس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه مالا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره
فمن تصانيفه:
كتاب: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد.
وكتاب: سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضخم.
وكتاب: شرح منازل السائرين كتاب جليل القدر.
وكتاب: شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد.
وكتاب: زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء.
وكتاب: نقد المنقول والمحك المميز بين: المردود والمقبول.
وكتاب: نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد.
وكتاب: الداء والدواء مجلد.
وكتاب: تحفة الودود في أحكام المولود مجلد لطيف. وكتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية.
وكتاب: رفع اليدين في الصلاة مجلد.
وكتاب: تفضيل مكة على المدينة مجلد.
وكتاب: فضل العلم مجلد وعدة الصابرين مجلد.
وكتاب: الكبائر مجلد وحكم تارك الصلاة مجلد.
وكتاب: نور المؤمن وحياته مجلد وكتاب: التحرير فيا يحل ويحرم من لباس الحرير وكتاب: جوابات عابدي الصلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان وكتاب: بطلان الكيمياء من أربعين وجها وكتاب: الفرق بين الخلة والمحبة وكتاب: الكلم الطيب والعمل الصالح وكتاب: الفتح القدسي وكتاب: أمثال القرآن وكتاب: إيمان القرآن وكتاب: مسائل الطرابلسية ثلاث مجلدات والصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم وكتاب: الطاعون. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى مع الاختصار.
قلت: وعندي من هذه الكتب أكثرها وقد انتفعت به بتوفيق الله تعالى انتفاعا لا أستطيع أن أؤدي شكره ووقفت على بعض هذه الكتب في سفر الحجاز والتقطت منه بعض الفوائد.
وله - رحمه الله - تصانيف غير ما ذكرنا لا تحصى كثرة ولكن عز وجودها في هذا الزمان ونسجت عليها عناكب النسيان وغابت عن العيان ودرجت في خبر كان لمفاسد وتعصبات من أبناء الزمان وقلة مبالاة بها من أسراء التقليد وظني أن من كان عنده تصنيف من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن الرفيع المكان أو تصنيف شيخه العلامة الإمام ناصر الإسلام: ابن تيمية درة معدن الحران أو تصنيف شيخنا وبركتنا القاضي: محمد بن علي الشوكاني شمس فلك الإيمان أو تصانيف السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير اليماني غرة جبهة الزمان - شملتهم رحمة ربنا الرحمن في الآخرة وخصهم الله تعالى بنعيم الرضوان والجنان - لكفى لسعادة دنياه وآخرته ولم يحتج بعد ذلك إلى تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية - إن شاء الله تعالى - والتوفيق من الله المنان وبيده الهداية وهو المستعان.
وكان أبو ابن القيم: أبو بكر بن أيوب متعبداً قليل التكلف.
سمع على الرشيد العامري وحدث عنه توفي في ذي الحجة سنة 723هـ.
وأما ولد الحافظ ابن القيم: إبراهيم بن محمد فمولده سنة 716هـ، حضر على أيوب الكحال وسمع من جماعة: كابن الشحنة ومن بعده واشتهر وتقدم وأفتى ودرس
ذكره الذهبي في معجمه.
فقال: تفقه بأبيه وشاركه في العربية وسمع وقرأ واشتغل بالعلم.
ومن نوادره: أنه وقع بينه وبين الحافظ: عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأني أشعري.
فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك: أنك أشعري وشيخك ابن تيمية رحمه الله.
ألف شرحا على ألفيه ابن مالك وكان فاضلا في النحو والحديث والفقه على طريقة أبيه ودرس بأماكن عديدة وكانت وفاته في صفر سنة 767هـ والله أعلم.
وأما ولده الآخر عبد الله بن محمد فمولده سنة 723هـ، اشتغل على أبيه وغيره وكان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين ثم درس المحرر في الفقه والمحرر في الحديث والكافية والشاطبية وسمع الحديث فأكثر على أصحاب ابن عبد الدائم وغيرهم وسمع الصحيح في الحجاز ومهر في العلم وأفتى ودرس وحج مراراً.
وصفه ابن كثير الحافظ: بالذهن الحاذق والفكر الصائب.
وقال ابن رجب: كان أعجوبة زمانه ووحيد أوانه توفي - رحمه الله - في سنة 756هـ، وذكر ترجمتهم الحافظ: ابن حجر في الدرر الكامنة.
أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني: الإمام المشهور: بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع.
أخذ العلم عن: إسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهما.
وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون: بالظاهرية.
وكان ولده: أبو بكر محمد على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وهو إمام أصحاب الظاهر.
قال أبو العباس ثعلب: كان عقل داود أكثر من علمه وكان يقول: خير الكلام ما دخل الآذان بغير إذن ولد بالكوفة سنة 202هـ ونشأ ببغداد وتوفي سنة 307هـ.
قال ولده: رأيت أبي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وسامحني.
فقلت: غفر الله لك فبم سامحك؟
فقال: يا بني الأمر عظيم والويل كل الويل لمن لم يسامح.
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني كان حافظ عصره رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة وأقام في الرحلة ثلاثا وثلاثين سنة وسمع الكثير عدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة منها: المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير وهي أشهر كتبه.
روى عنه: الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير توفي سنة 360هـ.
والطبراني: - بفتح الطاء والباء والراء - نسبة إلى: طبرية والطبري: نسبة إلى طبرستان.
أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي: كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق وأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وحج.
ثم رحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يقرأ الحديث ويدرس الفقه ولقي بها: أبا الطيب الطبري وأبا إسحاق الشيرازي وروى عن الخطيب وروى الخطيب عنه.
له: كتاب التجريح والتعديل فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وهو أحد أئمة المسلمين وكان قد رجع إلى الأندلس وولي القضاء هناك توفي بالمرية سنة 471هـ.
وأخذ عنه: ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب وبينه وبين أبي محمد بن حزم الظاهري مجالسات ومناظرات وفصول يطول شرحها. والباجي: نسبة إلى باجة وهي: مدينة بالأندلس وثم باجة أخرى: وهي: مدينة بأفريقية وباجة أخرى: وهي: قرية من قرى أصفهان.
أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري المعروف: بابن الصلاح
كان أحد فضلاء عصره في: التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة والفقه.
قال ابن خلكان: وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم.
تولى التدريس بالمدرسة الناصرية بالقدس وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به.
ثم انتقل إلى دمشق وكان من العلم والدين على قدم عظيم.
وصنف في علوم الحديث كتابا نافعا ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال والنفع إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح في ربيع الآخر سنة 640هـ، بدمشق ومولده: سنة 577هـ، بشرخان.
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ الدارقطني: كان عالما حافظا انفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد وكان عارفا باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيرا من دواوين العرب.
روى عنه الحافظ: أبو نعيم الأصفهاني - صاحب حلية الأولياء - وقبل القاضي ابن معروف شهادته فندم على ذلك وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانفرادي فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر.
صنف: كتاب السنن والمختلف والمؤتلف وغيرهما.
وخرج من بغداد إلى مصر وكان متفننا في علوم كثيرة إماما في علوم القرآن.
ولد سنة 306هـ وتوفي في سنة 385هـ، ودفن قريباً من معروف الكرخي. ودار القطن: محلة كبيرة ببغداد.
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي: صاحب التفاسير كان أستاذ عصره في التفسير والنحو ورزق السعادة في تصانيفه وأجمع الناس على حسنها وذكرها المدرسون في دروسهم منها: البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ: أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة وله: كتاب أسباب نزول القرآن وشرح ديوان المتنبي.
وكان تلميذ الثعلبي المفسر وعنه أخذ علم التفسير وأربى عليه.
وتوفي عن مرض طويل في سنة 467هـ، بمدينة نيسابور.
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الإمام المشهور أصله من فارس ومولده بقرطبة من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس سلخ شهر رمضان سنة 384هـ ويزيد جده الأعلى: وهو من موالي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة. ألف في فقه الحديث كتابا سماه: الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في: الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين والحجة لكل طائفة وعليها وهو كتاب كبير قال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار كتب بخطه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
قال الحافظ الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف فقهاء وقته فتمالوا على بغضه وردوا أقواله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطنيهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر النهار من شعبان سنة 456هـ، وقيل: في منت ليشم: وهي قرية ابن حزم.
قال ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج الثقفي. شقيقين.
وإنما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمة وكان والده وزير الدولة العامرية ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه.
قلت: وذكر الشيخ ابن عربي - صاحب الفتوحات - أنه رأى أبا حزم في المنام وقد عانق رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب أحدهما في الآخر فلم أعرف أحدهما عن الآخر هذا حاصل معناه وهذا يدل على حسن عاقبته ولطف علمه وخيرة طريقه وكما اتحاده بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك غاية والله أعلم.
والظاهرية: هم أئمة الأمة وسلفها وقدوة المسلمين في كل زمان ومذهبهم أصفى مذاهب عالم الإمكان ولنعم ما قيل:
بلاء ليس يعدله بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون
القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي: كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم له التصانيف المفيدة منها.
كتاب: الإكمال في شرح صحيح مسلم.
ومشارق الأنوار في غريب الحديث.
والشفا في حقوق المصطفى.
دخل الأندلس طالبا للعلم وأخذ بقرطبة عن جماعة وجمع من الحديث كثيرا وكان له عناية كثيرة به والاهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل اليقين في العلم والذكاء والفطنة والفهم.
واستقضي ببلدة سبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل منها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وله شعر حسن ونثر بليغ ولد سنة 476هـ وتوفي في سنة 544هـ بغرناطة وهي بلدة بالأندلس. أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة العبدي: الحافظ المشهور صاحب كتاب: تاريخ أصفهان كان أحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منه جماعة من العلماء توفي في سنة 301هـ.
أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن العربي: الأندلسي الإشبيلي المالكي
الحافظ المشهور صاحب كتاب: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
قال ابن بشكوال: هو ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها رحل إلى المشرق ودخل الشام وبغداد وسمع بها من جماعة.
ثم دخل الحجاز فحج ثم عاد إلى بغداد وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي - رحمهم الله - وغيرهما ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم.
ثم عاد إلى الأندلس وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها نافذا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله: آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة.
ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه.
ولد سنة 468هـ، وتوفي بمدينة فاس في سنة 543هـ.
وله مصنفات منها: كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي.
والعارضة: القدرة في الكلام والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه وقال الأصمعي: المسمى في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء.
أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله المعروف: بابن تيمية الحراني الملقب: فخر الدين الخطيب الواعظ.
كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم وكان المشار إليه في الدين لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم وقدم بغداد وتفقه بها وسمع الحديث وصنف في مذهب الإمام أحمد مختصرا أحسن فيه وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة وله نظم حسن وكانت إليه الخطابة بحران ولأهله من بعده ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال.
ولد بمدينة حران سنة 543هـ وتوفي بها في سنة 621هـ.
ذكره ابن سلامة في: تاريخ حران وأثنى عليه.
وذكره ابن المستوفي في: تاريخ إربل فقال: ورد إربل حاجا وذكر فضله قال: وكان يدرس التفسير كان يوم وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام.
قال: سألته عن اسم تيمية ما معناه؟
فقال: حج أبي أو جدي أنا أشك أيهما فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية فلما رفعوها إليه قال: يا تيمية يا تيمية يعني: إنها تشبه التي رآها بتيماء فسمى بها أو كلاما هذا معناه.
وتيماء: بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام.
وتيمية: منسوبة إلى هذه البليدة وكان ينبغي أن تكون تيماوية لأن النسبة إلى تيماء: تيماوي لكنه هكذا قال واشتهر كما قال.
يوسف بن عبد البر بن محمد النمري القرطبي إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما لم يكن في الأندلس مثله في علم السنة وكان أحفظ أهل المغرب في زمانه دأب في طلب العلم وأفتى به وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس.
وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها: كتاب التمهيد.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه.
وله كتاب الاستدراك لمذاهب الأعصار.
وكتاب: الاستيعاب
وكتاب: جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغير ذلك.
وكان موفقا في التأليف معانا عليه - نفع الله به - وكان له بسطة كثيرة في علم النسب.
وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس مدة ثم سكن دانية وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء لشبونة وشنترين.
توفي في سنة 463هـ، بمدينة شاطبة.
وكان مولده سنة 368، وهو: حافظ المغرب كما كان الخطيب البغدادي: حافظ المشرق وقد ماتا في سنة واحدة وهما: إمامان في هذا الفن - وكان أمر الله قدرا مقدرواً.
أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي: واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم في الحديث ثم الزائد عليه في أنواع العلوم غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه إلى الجبال والحجاز والعراق.
وسمع بخراسان من علماء عصره تبلغ تصانيفه ألف جزء.
وهو: أول من جمع نصوص الإمام الشافعي.
وله: السنن الصغير والكبير ودلائل النبوة وشعب الإيمان ومناقب الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل.
وكان قانعا من الدنيا بالقليل قال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة.
وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فانتقل إليها وكان على سيرة السلف.
وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان.
ولد في سنة 384هـ وتوفي في سنة 458هـ، بنيسابور ونقل إلى بيهق وهي: قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها وخسرو جرد: من قراها فهو منها.
أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي: الحافظ كان إمام أهل عصره في الحديث له كتاب السنن سكن مصر وانتشرت بها تصانيفه وأخذ عنه الناس وكان يتشيع امتحن بدمشق فأدرك الشهادة وحمل إلى مكة المكرمة فتوفي بها سنة 303هـ وهو مدفون بين الصفا والمروة وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان موصوفا بكثرة الجماع وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظاً.
ونسا: مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان ذكرت له ترجمة حسنة في الحطة والإتحاف مع بقية أصحاب الستة فلا نطول الكلام بذكرها هنا.
الشيخ عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات بن تيمية الحراني جد الشيخ: تقي الدين.
قال الشوكاني في حقه: علامة عصره المجتهد المطلق شيخ الحنابلة المعروف: بابن تيمية.
قال الذهبي - في النبلاء -: ولد في حدود سنة 590هـ وتوفي في سنة 652هـ، يوم الفطر.
تفقه في صغره على: عمه: الخطيب فخر الدين ورحل إلى بغداد وهو ابن بضعة عشر وسمع بها من: أحمد بن سكينة وابن طبرزد ويوسف بن كامل.
وسمع بحران روى عنه: الدمياطي وولده الشيخ: شهاب الدين عبد الحليم وجماعة.
وتفقه وبرع واشتغل وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه ودرس القرآن وحج في سنة 651هـ، على درب العراق والتمس منه أستاذ دار الخلافة ببغداد: ابن الجوزي الإقامة عندهم فتعلل بالأهل والوطن وكان الشيخ ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديث وابتهر علماء بغداد لذكائه وفضائله.
قال الشيخ تقي الدين: وجدناه عجيبا في سرد المتون وحفظ المذاهب بلا كلفة وصنف التصانيف مع الدين والتقوى وحسن الاتباع. قال شيخنا وبركتنا الإمام القاضي الشوكاني - في نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار -: وقد يلتبس على من لا معرفة له بأحوال الناس صاحب الترجمة هذا بحفيده شيخ الإسلام: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام - شيخ ابن القيم - الذي له المقالات التي طال بينه وبين عصره فيها الخصام وأخرج من مصر بسببها وليس الأمر كذلك.
قال في تذكرة الحفاظ في ترجمة شيخ الإسلام: هو أحمد بن المفتي عبد الحليم بن الشيخ الإمام المجتهد عبد السلام. انتهى.
وبالجملة: كان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على مذاهب الناس وله ذكاء مفرط ولم يكن في زمانه مثله.
وله المصنفات النافعة كالأحكام المسمى: بالمنتقى وشرح الهداية وصنف: أرجوزة في القراءة وكتابا في أصول الفقه.
وشيخه في الفرائض والعربية: أبو البقا وحكى البرهان المراغي: أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه فقال مجد الدين الجواب عنها عن مائة وجه: الأول كذا والثاني كذا وسردها إلى آخرها ثم قال للبرهان: وقد رضينا منك الإعادة فخضع له وانتهى. وعلى كتابه: منتقى الأخبار شرح لشيخنا القاضي العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي الشوكاني سماه: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار أجاد فيه كل الإجادة وبلغ غاية في الإحسان والإفادة ونهاية في التحقيق والاستدلال مع البدء والإعادة - ولله الحمد حمدا كثيراً مباركاً.
شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي أحد الأذكياء المشهورين وإمام الفقهاء المحدثين.
ولد في رجب سنة 755هـ، وقيل: قبلها وقيل: بعدها.
وسمع من التقي سليمان وابن سعد وطبقتهما.
وتفقه بابن مسلم وتردد إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ومهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها.
قال الصفدي: لو عاش لكان آية كنت إذا لقيته سألته عن: مسائل أدبية وقواعد عربية فينحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه.
وقال الذهبي - في معجمه -: هو الفقيه البارع المقري المجود المحدث الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون كتب عني واستفدت منه.
وقال الحافظ ابن كثير: كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وبرع في الفنون وكان جبلا في: العلل والطرق والرجال حسن الفهم جدا صحيح الذهن.
وله: كتاب الأحكام في ثمان مجلدات والرد على أبي الحسن السبكي الكبير في رده على شيخه ابن تيمية سماه: الصارم المنكي على نحر ابن السبكي كتبته بخطي حين سافرت إلى الحرمين الشريفين على المركب فوق البحر المحيط ذهابا من بندر مجيئا إلى مكة المشرفة في سنة 1285هـ وله: المحرر في الحديث اختصره من الإلمام فجوده جدا واختصر التعليق لابن الجوزي وزاد عليه وشرح التسهيل في مجلدين وله: مناقشات مع أبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في الألفية وله: الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب رحمه الله وشرح كتاب العلل على ترتيب الفقه وقفت منه على المجلد الأول وجمع: التفسير المسند ولم يكمله وله: المغني في الفقه وهو أجمع كتاب في بابه مغن للمقلد والمجتهد اشتريته بمائة ربية للمدرسة السليمانية الواقعة بمحمية بهوبال المحروسة.
قال الذهبي: ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه وكثر التأسف لما مات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة.
وكانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 744هـ، ذكر له الحافظ ابن حجر ترجمة حسنة في: الدرر الكامنة.
وكتابه: الصارم المنكي يدل على سعة اطلاعه في علم السنة وغزارة فضله وتحقيقه في العلوم الشرعية وإيثاره الحق على الخلق رحمه الله تعالى.
جمال الإسلام كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد المعروف: بابن الزملكاني
الأنصاري الدمشقي قاضي قضاة الشافعية في عصره. سمع من ابن علان وطلب الحديث وقرأه وكان فصيحا متسرعا بصيرا بالمذهب وأصوله ذكياً صحيح الذهن صائب الفكر وكان شكله حسناً ومنظره رائعاً وتجمله في زيه وهيئته غاية وشيبته منورة يكاد الورد يقتطف من وجنتيه وعقيدته أشعرية وفضائله جموعها عديدة وفواضله ربوعها مشيدة صفن أشياء منها: رسالة في الرد على شيخ الإسلام ابن تيمية، ولذلك اعترف آخراً بفضله ومدحه مدحاً بالغاً إلى الغاية.
درس بالشامية البرانية والطاهرية والرواحية وألف: رسالة سماها: رابع أربعة توفي في سنة 727هـ وكان كثير التحيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة وتعب بذلك وعودي وحسد.
ومن نظمه: قصيدة يذكر فيها الكعبة الشريفة ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها:
أهواك يا ربة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك
وعمل على هذه القصيدة كراريس سماها: عجالة الراكب في أشرف المناقب ذكر له أهل الطبقات تراجم حسنة في كتبهم.
محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام: تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد:
القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة.
ولد سنة 625هـ، بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702هـ سمع من: ابن عبد الدائم والزين خالد وابن رواح وغيرهم.
له التصانيف البديعة: كالإمام في شرح الإلمام والإلمام بأحاديث الأحكام في علوم الحديث وشرح عمدة الأحكام وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه وجمع: الأربعين في الرواية عن رب العالمين وكان إماما متقنا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا شاعرا نحويا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله سمحا جوادا وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة.
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين بن عبد السلام واشتهر اسمه في حياة مشائخه وكان مالكيا ثم صار شافعيا ومن شعره رحمه الله تعالى:
أحباب قلبي والذين بذكرهم ... وتردادهم طول الزمان تعلقي
لئن غاب من عيني بديع جمالكم ... وجار على الأبدان حكم التفرق
فما ضرنا بعد المسافة بيننا ... سرائرنا تسري إليكم فتلتقي
وقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يبق أمل سواك فإن بغت ... ودعت أيام الحياة وداعا
لا أستلذ بغير وجهك منظرا ... وسوى حديثك لا أريد سماعا
هؤلاء المترجمون هم نقاوة الحفاظ ولعلنا قد أهملنا خلقا كثيرا من نظرائهم فإن المجلس الواحد في ذلك الزمان كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن، وبينهم نحو من مائتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا ثم اندرج أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم أصحاب الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء الأعصار وفضلاء الأمصار - في الغالب - عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها مكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها فعم البلاء واستحكمت الأهواء ولاحت مبادي رفع العلم وقبضه من الناس فرحم الله امرأ أقبل على شأنه وقصر من لسانه وأكب على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيحين وعبد الله قبل أن يأتيه الأجل - اللهم فوفق وارحم.
قال الذهبي - في الطبقات - في آخر تراجم أهل الطبقة التاسعة: ولقد كان في ذلك العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي في الدنيا خلق كثير ما ذكرنا عشرهم هاهنا وأكثرهم مذكورون في: تاريخي الكبير وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفروع وعدد كثير من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذي مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الاجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر.
فبالله عليك يا شيخ ارفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء النذر الشرر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا فما فيمن سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك وسعة جهلك تقول بلسان الحال إن أعذرك المقال -: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة؟ وهؤلاء المحدثون لا يدرون الفقه ولا أصوله ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني ولا الدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع: هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل فمن اتقى: راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجهل أو بالجاه وبالشرف فأعرض عنه وذره وغيه فعقباه إلى وبال نسأل الله العفو والعافية. انتهى كلامه ملخصاً.
وقال في آخر الطبقة الخامسة من كتابه: الطبقات: وكان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير وأعلام الجهاد منشورة والسنن مشهورة والبدع مكبوبة والقوالون بالحق كثيرون والعباد متوافرون والناس في رغدة من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وإلى قريب مملكة الخطا وبعض الهند والحبشة.
وخلفاء هذا الزمان: أبو جعفر وأين مثل أبي جعفر؟ علم ظلم فيه ثم ابنه: المهدي ثم ولده: الرشيد هارون.
وكان في هذا الوقت من الصالحين مثل: إبراهيم بن أدهم وداود الطائي وسفيان الثوري.
ومن النحاة مثل: عيسى بن عمر والخليل بن أحمد وحماد بن سلمة.
ومن القراء: حمزة بن حبيب وابن العلاء ونافع.
ومن الشعراء: مروان بن أبي حفصة وبشار بن برد.
ومن الفقهاء: كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي. قال: وعن يحيى التميمي قال: سمعت أبا يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة.
وفي لفظ: إلا ما وافق القرآن وأجمع عليه المسلمون. انتهى.
قلت: وهكذا كان حال السلف فقد روينا عن ابن خزيمة أنه قال: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول إذا صح الخبر وكان الحافظ ابن المنذر: مجتهدا لا يقلد أحداً.
وكان ابن عبد البر: صاحب اتباع وسنة.
وكان ابن وهب الفهري: حافظا مجتهدا لا يقلد أحدا
وكذا: بقي بن مخلد القرطبي: المفسر المحدث كان لا يقلد أحدا تعصبوا عليه لإنكاره مذهب أهل العصر فدفعهم عنه أمير الأندلس: محمد بن عبد الرحمن المرواني واستنسخ كتبه وقال لبقي: انشر علمك.
وروي عن بقي أنه قال: لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال.
وهكذا كان: قاسم بن محمد بن سيار: إماما مجتهدا لا يقلد أحدا وكان مذهبه النظر والحجة ولم يكن بالأندلس مثله في حسن النظر مات سنة 376هـ، إلى غير هؤلاء ممن لا يحصى كثرة ولا يستقصى عددا ولذا قال المحققون: إن التقليد والمقلدة ليسا من العلم والعلماء في صدر ولا ورد ولا يطلق اسم العلم والعالم عليهما.
وإنما حدث التقليد حين ضعف العلم وتمسك به الجهال والعوام وعمت به البلوى على ممر الدهور في الأنام.
قال سفيان الثوري: ليس طلب الحديث من عدة الموت لكنه علة يتشاغل بها الرجل قلبه وقد صدق والله في هذا المقال لأن طلب الحديث شيء غير الحديث.
فطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث وكثير منها مراق إلى العلم وأكثر الأمور التي يشغف بها المحدث: تحصيل النسخ المليحة وتطلب العالي وتكثر الشيوخ والفرح بالألقاب والابتشار بالثناء وتمني العمر الطويل ليروي وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية.
فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن والله من علم الصحابة ولا التابعين ولا من علم الأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب وشعبة ولا والله عرفها ابن المبارك ولا أبو يوسف ولا وكيع ولا ابن وهب ولا الشافعي ولا أبو عبيد ولا ابن المديني ولا أحمد ولا أبو داود ولا المزني والبخاري والأثرم ومسلم والنسائي وابن خزيمة وابن شريح وابن المنذر ولا أمثالهم؟ بل كانت علومهم: القرآن والحديث والنحو والتاريخ وشبه ذلك.
ومن كلام سفيان أيضا: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه.
هذا آخر ما استفدته من كلام الحافظ الذهبي - وبالله التوفيق وهو المستعان.
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الوني الفرضي الحاسب: كان إماما في الفرائض وله فيه تصانيف كثيرة مليحة أجاد فيها وهو شيخ الخبري في علم الحساب والفرائض وانتفع به وبكتبه خلق كثير توفي شهيدا ببغداد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة في فتنة البساسيري والوني: نسبة إلى ون: وهي قرية من أعمال قهستان.
الشيخ عبد الباسط بن رستم بن علي بن علي أصغر القنوجي: كان من علماء الهند.
ولد سنة 1159هـ، أخذ العلوم عن أبيه وبرع في الفنون النقلية والعقلية خصوصا: الحساب والفرائض وله في ذلك تصانيف مفيدة وكان في زمانه أستاذ الأساتذة وشيخ المشائخ.
تتلمذ عليه خلق كثير من علماء الهند منهم: سيدي الوالد العلامة: حسن بن علي القنوجي رحمه الله تشد إليه الرحال في طلب العلم من بلاد شاسعة وتقصده الطلبة من كل فج عميق وكان في الفرائض آية باهرة درس وأفاد وألف وأجاد وتوفي في سنة 1223هـ، ثلاث وعشرين ومائتين وألف الهجرية ومن مؤلفاته: زبدة الفرائض ونظم اللآلي في شرح ثلاثيات البخاري وانتخاب الحسنات في ترجمة أحاديث دلائل الخيرات وأربعون حديثا ثنائيا وشرحه المسمى: بالحبل المتين في شرح الأربعين وعجيب البيان في أسرار القرآن وشفاء الشافية.
وكان له اليد الطولى في علم النحو والصرف والفقه والأصول والمنطق له: شرح على التهذيب يعرف: بشرح الفاضل القنوجي.
وكان سريع الكتابة جيد الخط يعظمه أهل عصره تعظيما بليغا ويكرمه علماء وقته إكراماًًًًًًًًًًًًًًًًً جليلاً تتلمذ عليه الشيخ المفتي: ولي الله الفرخ آبادي صاحب: المطر الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المنجم المشهور كان إمام وقته في فنه وله التصانيف المفيدة في علم النجامة.
منها: المدخل والزيج والألوف وغير ذلك وكانت له إصابات عجيبة مات في سنة 273هـ.
والبلخي: نسبة إلى بلخ: وهي مدينة عظيمة من بلاد خراسان فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان رضي الله عنه وهذا الأحنف: هو الذي يضرب به المثل في الحلم.
أبو الحسن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم كان نديم المتوكل ومن خواصه وجلسائه المتقدمين عنده ثم انتقل إلى من بعده من الخلفاء ولم يزل مكينا عندهم حظيا لديهم يجلس بين يدي أسرتهم ويفضون إليه بأسرارهم ويأمنونه على أخبارهم ولم يزل عندهم في المنزلة العلية ثم اتصل بالفتح بن خاقان وعمل له خزانة الكتب أكثرها حكمة وله أشعار حسنة وعاش إلى أن خدم المعتمد على الله توفي في سنة 275هـ، بسر من رأى وخلف جماعة من الأولاد وكلهم: نجباء علماء أدباء ندماء.
أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن يونس الصدفي المصري. المنجم المشهور صاحب الزيج الحاكمي المعروف: بزيج ابن يونس، وهو في أربع مجلدات بسط القول والعمل فيه وما أقصر في تحريره ولم ير في الأزياج - على كثرتها - أطول منه كان مختصا بعلم النجوم متصرفا في سائر العلوم وكان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وعمل فيها مالا نظير له وكان يقف للكوكب توفي في سنة 393هـ، ودفن بداره وصلي عليه في الجامع بمصر.
أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني: الحاسب المنجم المشهور صاحب: الزيج الصابي له الأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة وكان أوحد عصره في فنه وأعماله تدل على غزارة فضله وسعة علمه توفي سنة 317هـ، بموضع يقال له: قصر الحضر قال ابن خلكان: ولم أعلم أنه أسلم لكن اسمه يدل على إسلامه وله من التصنيفات: الزيج وهي نسختان الثانية: أجود وكتاب: معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك في مقدار الاتصالات وشرح أربع مقالات بطليموس.
الشيخ: علي بن محمد بن عريق عالم المدينة المنورة وخطيب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان نائبا مناب أبيه في العلم والعمل والتقوى له تصانيف مفيدة.
منها: كتاب تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة لخصه تلميذه: الشيخ رحمة الله السندي وهو في غاية اللطف من الاختصار.
الشيخ: أبو الحسن البكري المصري الشافعي: من آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان جامعا بين العلم والعمل وهو ممن اتفقوا على: ولايته وجلالته وبلوغه رتبة الاجتهاد لا يفارق الكتاب من يده وينظر فيه دائما سئل عن شرب القهوة وذكر له أن المغاربة يحرمونه؟ فقال: كيف يدعى بالحرام وأنا أشرب منها؟.
تتلمذ عليه الشيخ علي المتقي وسمع منه الحديث وأخذ عنه الطريقة وكان ولده: محمد البكري شاعرا مفلقا جيدا له: تأليف في التوحيد سماه: تأبيد المنة بتأييد السنة.
توفي محمد المذكور في سنة 991هـ.
ولمحمد ولد يسمى: زين العابدين كان عالما كبيرا ومن مقالاته: إن أبا بكر أفضل من علي ولكن المحبة والانجذاب شيء آخر وهذا مذهبي ومواهبنا كلها على يدي سيدنا علي - رضي الله تعالى عنه.
الشيخ أبو بكر بن سالم اليمني الحضرمي: هو ممن جمع بين العلم والحال والولاية والسيادة له كلام عال وشعر حسن ينبئ عن حاله ومقامه:
فلولا وجود السر ما كان كائن ... فتمت بذاك السر كل البرية
تمسك بنا والزم دقائق حسنا ... وزرني بصرف الود تسعد بزورتي
ولي شرف المصطفى سيد الورى ... بنسبته فقنا جميع الخليقة
وصلي على الهادي النبي وآله ... وأصحابه والتابعين بجملة
الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحجر المكي الهيتمي كان أعظم علماء عصره وفقهاء دهره لم يكن له نظير في الفقاهة في زمانه. قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: لا نسبة له بالشيخ ابن حجر العسقلاني الكبير في علم الحديث ولكن يحتمل أن يكون في الفقه مثله.
تتلمذ على الشيخ: زكريا المصري الآخذ عن الحافظ: ابن حجر العسقلاني.
له مؤلفات ممتعة منها: شرح الشمائل للترمذي وشرح الأربعين للنووي وشرح المشكاة في الحديث والزواجر عن اقتران الكبائر وهو: كتاب لم يؤلف مثله قبله والصواعق المحرقة في الرد على الروافض وشرح الهمزية في نعته صلى الله عليه وسلم وشرح عين العلم في السلوك وقلائد العقيان في مناقب النعمان.
توفي في سنة 975هـ. انتهى.
وكان له تعصب مع شيخ الإسلام: ابن تيمية شديد - عفا الله عنه ما جناه.
الشيخ أحمد أبو الحرام: كان من فقهاء المدينة وعلمائها وكان في علم القراءة آية باهرة وأستاذ الأساتذة في الديار الحرمية مات ولده الفاضل الصالح في حياته فحزن عليه حزنا شديدا وبكى عند نزعه فقال الولد: لا تحزن علي ابق أنت فإن في بقائك نفع الخلق وتلا هذه الآية: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}
مات - رحمه الله - في سنة 1001هـ، ودفن بالبقيع.
الشيخ محمد البهنسي: نسبة إلى: قرية من قرى مصر هاجر عنها إلى مكة المكرمة واستوطنها وتتلمذ على الرملي: تلميذ السيوطي وكان يقول: عملنا على كتب الأحاديث الصحاح ويستنبط في المسائل الفقهية ويجتهد لم أقف على عام وفاته رحمه الله.
السيد جعفر المدني: مدرس المسجد الشريف النبوي كان يقول: لما صنف القسطلاني كتابه: المواهب اللدنية وأورد فيه النقول من كتب السير والأحاديث قال له السيوطي:
نقلت هذه الأقوال من كتبي ولم تسمني ولا كتبي وإن كنت نقلتها من غير كتبي فأتني بأصولها؟ فعجز القسطلاني وكان قد نقلها من كتب السيوطي ولا يخلو ذلك من نوع خيانة وعدم ديانة. انتهى.
قلت: وقد فعل بكتبي مثل ذلك بعض أبناء الزمان أيضا لا أسميه حياء من الله تعالى.
الشيخ: أحمد بن علي بن عبد القدوس بن محمد العباسي الشناذي: تتلمذ في علم الحديث على: الشيخ: شمس الدين الرملي وعلى: والده وعلى: السيد غضنفر وروى عن: الشيخ: محمد بن أبي الحسن البكري وصحب: السيد: صبغة الله ولبس منه الخرقة وكان يقول: لو كان الشعراني حيا ما وسعه إلا اتباعي.
الشيخ: أحمد القشاشي بن محمد بن يونس الدجاني والدجانة: بتخفيف الجيم: قرية من قرى بيت المقدس كان يبيع القشاشة في المدينة المنورة وهي سقط المتاع يبيعها لستر حاله وإخفاء أمره وكان له اليد الطولى في علم الشريعة والحقيقة صحب المشائخ الكثيرة منهم: الشيخ: أحمد الشناذي ولما وفد عليه قال: مرحبا بمن جاء يقتبس منا علومنا.
ومن عجائب أحواله: أنه تلا القرآن الكريم من أوله إلى آخره في المنام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ عيسى المغربي: ما خرجت من عند القشاشي قط إلا والدنيا في عيني أحقر من كل حقير ونفسي أذل من كل ذليل ولو تكرر دخولي عليه مرات.
توفي رحمه الله 19 ذي الحجة سنة 1071هـ.
السيد: عبد الرحمن الإدريسي: الشهير بالمحجوب ولد بمكناسة بلدة بمغرب وساح الروم والشام ومصر وجاور بمكة المكرمة ورحل إلى اليمن لزيارة أوليائها وقال: اليمن ينبت فيها الأولياء كما ينبت في الأرض البقل قلت: وكذا ينبت فيه العلماء بالكتاب والسنة أيضا مثل نبات البقل من الأرض وذلك من فضل الله تعالى على اليمن وما فيها - والله يختص برحمته من يشاء - وكان السيد المحجوب من مشائخ الحرمين المعروف: بالفضل والكرامة والولاية ذكر له ترجمة حافلة في: إنسان العين.
الشيخ: شمس الدين محمد بن العلاء البابلي حافظ الحديث في زمانه أستاذ أهل الحرمين ومصر أدرك ليلة القدر في بدء أمره ودعا الله - سبحانه - بأن يجعله مثل الحافظ: ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - فأجاب الله نداءه.
وكان له روايات الصحيح للبخاري وسائر الكتب الحديثة عن الشيخ: سالم السهنوري ومسلسلات صحيحة ضبطها الشيخ: عيسى المغربي في رسالة وكأنها أصل لإثبات المتأخرين
توفي في سنة 1079هـ وبابل: قرية بمصر.
الشيخ عيسى الجعفري المغربي: حفظ القرآن وبرع في علوم الأعيان ورحل إلى جزائر وصحب السلجماسي قريبا من عشر سنين وتبحر عنده وأخذ عن: علماء قسطنطينية ومصر والحرمين وتوطن بمكة المكرمة له: معجم سماه: مقاليد الأسانيد.
تتلمذ عليه جمهور أهل الحرمين الشريفين وصار أستاذا لهم وكان من أوعية الحديث والقراءة.
قال السيد حسن باعمر: من أراد أن ينظر إلى شخص لا يشك في ولايته فلينظر إلى هذا وكان لا يعمل إلا بالسنة المطهرة غلب عليه أحزاب الشاذلية.
ألف لأبي حنيفة - رحمه الله - مسندا عنعن فيه اتصالاً توفي رحمه الله في سنة 1080هـ الهجرية.
الشيخ: إبراهيم الكردي: عارف بفنون العلم من: الفقه والحديث والعربية والأصلين
وله تصانيف في ذلك كلها رحل إلى بغداد والشام ومصر والحرمين وصحب القشاشي وروى عنه الحديث وكان يتكلم: بالفارسي والكردي والتركي والعربي وكان متصفا: بتوقد الذهن والتبحر في العلم والزهد والصبر والحلم والتواضع كان زيه زي عامة أهل الحجاز ولم يكن يلبس لبس المتفقهة ولا المتصوفة ولا يختار هيئاتهم: من تكبير العمامة وتطويل الأكمام.
قال الشيخ عبد الله العباسي: كان مجلسه روضة من رياض الجنة وكان يرجح كلام الصوفية على الحقائق الحكمية ويقول: هؤلاء الفلاسفة قاربوا عثورا على الحق ولم يهتدوا إليه
تاريخ وفاته ... - إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون.
محمد بن محمد بن سليمان المغربي: كان حافظا للحديث جامعا لفنون العلم لبس الخرقة عن الشيخ: أبي مدين المغربي وجد واجتهد في تصحيح كتب الحديث وأتقنها إتقانا كاملا حتى صار إماما بالحرمين الشريفين ومن ثقات الحفاظ زاده الله بسطة في العلم والجسم والعقل المتعلق: بالمعاد والمعاش على وجه الكماللم يذكر عام وفاته في: إنسان العين.
الشيخ: حسن العجيمي: واحد من شيوخ الحديث، جامع لفنون العلم فاق أقرانه في: الفصاحة والحفظ وجودة الفهم وصحب الشيخ عيسى المغربي واستفاد منه كثيرا وروى عن أحمد القشاشي والبابلي والشيخ: زين العابدين بن عبد القادر الطبري - مفتي الشافعية - وكان حنفيا لكن يجمع بين الصلاتين في السفر ويقرأ الفاتحة خلف الإمام ولم يكن يلتزم مذهبا معينا في جميع الأمور بل يجوز التلفيق وكانت في عينيه هنة وكان مع ذلك إذا قرأ الحديث رئي على وجهه الأنوار وصار كأجمل من رئي في الدنيا وذلك سر قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدا ... " الحديث ضبط أسانيده في رسالة يعلم منها سعة علمه قال: يقول الناس: ولد العالم نصف العالم وصدقوا فإن العالم له نصفان: عا ولم وليس لواحد منهما معنى فكأنهم قالوا: ولد العالم لا معنى له يأتي كل رجب إلى المدينة المنورة ومعه كتاب من الكتب الستة يختمه في المسجد النبوي على طريق السرد تتلمذ عليه الشيخ: أبو طاهر المدني وشيخ مسند الوقت: الشاه ولي الله المحدث الدهلوي - رحمه الله تعالى.
الشيخ أبو طاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني: لبس الخرقة من أبيه واستجاز له أبوه من مشائخ كثيرين منهم: الشيخ محمد بن سليمان المغربي وأخذ النحو عن السيد: أحمد بن إدريس المغربي الذي كان سيبويه زمانه في العربية واكتسب فقه الشافعي عن الشيخ: علي الطولوني المصري والمعقول عن: المنجم الباشي الرومي والحديث عن الشيخ: حسن العجيمي وأحمد النخلي والشيخ: عبد الله البصري والشيخ: عبد الله اللاهوري وكان مجتهدا في الطاعة ومشتغلا بالعلم والمذاكرة رقيق القلب كثير البكاء قال في إنسان العين: لما حضرت عنده للوداع إلى الهند أنشدت بين يديه:
نسيت كل طريق كنت أعرفه ... إلا طريقا يؤديني لربعكم
فغلب البكاء على الشيخ وتأثر تأثرا عظيما توفي رحمه الله في سنة 1145هـ الهجرية.
الشيخ تاج الدين الحنفي القلعي ابن القاضي: عبد المحسن كان مفتيا بمكة المكرمة صحب كثيرا من مشائخ الحديث وأخذ العلو منهم وكلهم أجازوه واستجاز له والده من الشيخ: عيسى المغربي وكان غالب تعلمه لعلم الحديث من الشيخ: عبد الله بن سالم البصري.
قال: عرضت عليه هذه الكتب على نهج البحث والتنقيح وقرأت الصحيحين على العجيمي وأجازني بجميع ما تصح له روايته.
ولازم الشيخ صالح الزنجاني واستفاد منه وتفقه عليه وحصل الرواية والإجازة عن الشيخ: أحمد النخلي والشيخ: أحمد القطان وغيرهما وتعلم منهما طريق الدرس.
وله إجازة عن الشيخ: إبراهيم الكردي وعنه روى الحديث المسلسل بالأولية.
قال الشيخ: ولي الله المحدث الدهلوي - في إنسان العين -: حضرت بمجلس درسه أياما حين كان يدرس البخاري وسمعت عليه: أطراف الكتب الستة وموطأ مالك ومسند الدارمي وكتاب الآثار لمحمد وأخذت الإجازة لسائر الكتب وحدثني بالحديث المسلسل بالأولية عن الشيخ: إبراهيم وهو أول حديث سمعته منه بعد عودتي من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلمفي سنة 1243هـ.
قلت: وكان والدي السيد: أبو أحمد الحسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي قدس الله سره قد تتلمذ على الشيخ: عبد العزيز والشيخ: رفيع الدين ابني الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي المذكور ولي سند متصل إليه وإلى مشائخه بواسطة الشيخ: محمد يعقوب المهاجر المكي حفيده وكذا ينتهي سندي إلى القاضي: محمد بن علي الشوكاني بواسطة الشيخ: عبد الحق بن فضل الله الهندي المتوفي في سنة 1286هـ بمنى وإلى السيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى مقبول الأهدل ولذلك ذكرت تراجم مشائخي من أهل الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب وإجازاتي مكتوبة في كتابي: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
الشيخ محمد حياة السندي المدني: كان من العلماء الربانيين وعظماء المحدثين قرن العلم بالعمل وزان الحسن بالحلل.
واسم والده: ملا فلاريه من قبيلة: جاجر الساكنة في أطراف عادلبور: بليدة من توابع بكر.
ولد بالسند ورحل إلى الحجاز وحج وتوطن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وتتلمذ على الشيخ: أبي الحسن السندي نزيل المدينة المكرمة وبرع في الحديث وأخذ الإجازة عن: خاتمة المحدثين الشيخ: عبد الله بن سالم البصري وشد حزامه على درس الحديث النبوي وأفنى عمره في خدمة الكلام المصطفوي وكان يعظ الناس قبل صلاة الصبح بالمسجد الشريف وانتفع به خلق كثير من العرب والعجم وأقبل عليه: أهل الحرمين ومصر والشام والروم والهند بالاعتقاد والانقياد وعاش عيشة مرضية ولقي الله سبحانه يوم الأربعاء السادس والعشرين من صفر سنة 1163هـ، ودفن بالبقيع.
ومن تلامذته: السيد العلامة: غلام علي آزاد البلجرامي والشيخ المحدث الفهامة: محمد فاخر الإله آبادي وغيرهما رحمهما الله تعالى.
الشيخ: صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر بن موسى الفلاني: من ذرية العلامة الحافظ: عليم بن عبد العزيز الأندلسي الشاطبي أخي بني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإنما قيل له: الفلاني لأن آباءه نزلوا في دارهم واستوطنوها.
وفلان على ما في: اليانع الجني بضم الفاء وتشديد اللام -: قبيلة من فلانة - بالفوقية بدل النون -: أمة من السودان وأرضه التي نشأ بها تسمى: مسوف.
قال: وكان الفلاني فاضلا دينا صالحا ذا أسانيد عالية نفع الله به كثيرا من عباده
توفي بالمدينة ليلة الخميس لخمس مضين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة ومائتين وألف - رحمه الله رحمة واسعة -. انتهى كلام اليانع.
وأقول: هو أستاذ الشيخ: محمد عباد السندي الآتي ذكره وله تصانيف حسنة ممتعة:
منها: كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار في رد التقليد وذكره شيخنا وبركتنا الشوكاني - رحمه الله - في الفتح الرباني وأثنى عليه بالخير.
قال محمد عابد في ذكر إسناد الموطأ: أرويه عن العلامة الكبير والأستاذ الشهير الشيخ: صالح الفلاني عن شيخه: محمد بن سنة قرأه عليه قراءة بحث وتدقيق إلى آخر الكلام.
ومن الاتفاقات: أن الفلاني له شدة في فت عضد التقليد وهمة كبيرة في اتباع السنة لا يتصور عليها مزيد وتلميذه الشيخ: محمد عابد السندي له عصبية في الجمود على المذهب الحنفي مع كونه معروفا ً بدرس الحديث وهذا من غرائب الدنيا وعجائب الدهر بل ولا غرو فإن عمر الدنيا قد انصرم وكثر الاختلاف وذهب الائتلاف وعم الفساد في البر والبحر وسال به الوادي وطم ولم ينجح من بليات التقليد وآفات الرأي إلا من عصمه الله وعليه رحم.
الشيخ: محمد عابد السندي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحافظ من بني أبي أيوب الأنصاري:
ولد ببلدة سيون: وهي على شاطئ النهر شمالي حيدر آباد السند مما يلي بلدة بوبك هاجر جده الملقب: بشيخ الإسلام إلى أرض العرب وكان من أهل العلم والصلاح وأقام الشيخ: محمد عابد بزبيد داره علم باليمن معروفة واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها حتى عد من أهلها ودخل صنعاء اليمن يتطبب لإمامهم وتزوج ابنة وزيره وذهب مرة سفيرا من إمام صنعاء إلى مصر وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري: بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات ثم عاد إلى المدينة الطيبة وولي رياسة علمائها من قبل والي مصر وخلف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة.
منها: كتاب المواهب اللطيفة. على مسند الإمام أبي حنيفة.
وكتاب: طوالع الأنوار على الدر المختار.
وكتاب: شرح تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول بلغ منه إلى كتاب الحدود لم يتمه يقال له: شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر.
وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي ولذلك تعقبه في بعض الرسائل له السيد العلامة أخونا: أحمد بن حسن الحسيني القنوجي البخاري العرشي رحمه الله.
توفي محمد عابد يوم الإثنين من ربيع الأول سنة 1257هـ، ودفن بالبقيع ولم يخلف عقباً رحمه الله.
السيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل.
كان إماما في جميع العلوم غلب عليه علم الحديث حتى نسب إليه وله من الحفظ والاطلاعات شيء لا يمكن وصفه وكان يحفظ معظم صحيح البخاري ومسلم وكان له أسانيد ومشائخ شتى وله السند العالي الذي هو أعلى ما يكون له في اليمن أخذ الحديث عن جماعة من الحافظ مثل: السيد أبي بكر بن علي والقاضي: أحمد بن إسحاق جعيان والشيخ: عبد الله المزجاجي وكان ذا همة لا تجده إلا مشتغلا بعبادة: إما مدرسا أو تاليا للقرآن أو مصليا بعد صيته وقصده الطلبة من بلاد شاسعة وطلب منه الإجازة علماء عصره ما بين موافق ومخالف.
منهم: شافعي زمانه: طه بن عبد الله السادة من ذي جبلة وعلماء صنعاء: كالسيد العلامة: هاشم بن حسين الشامي والسيد: أحمد بن عبد الرحمن والسيد: محمد بن إسحاق بن المهدي والعلامة: إسحاق بن يوسف بن المتوكل وإبراهيم ابن إسحاق المهدي وعلماء الحرمين الشريفين كافة طلبوا منه الإجازة قبل وفاته رحمه لله بسنة فأجازهم.
وله في بلدة زبيد تلامذة أعلام منهم السيد: أحمد بن محمد مقبول الأهدل والشيخ يحيى بن أحمد الحكمي وغيرهما وقد أطال في النفس اليماني والروح الريحاني في ترجمة: زهده وكرمه وإحسانه إلى الوفود والقصاد وصلابته في الدين وصلاحه وكراماته وحرصه على تعلم العلم واجتهاده في رمضان - لا نطول الكلام بإيرادها في هذا المقام.
وكان يحسده جماعة من أقرانه ممن له تعلق بالعلم فسلبت منه هيبة العلم وأبهته وليس له منه إلا الاسم ولم يحملهم على هذا إلا الهوى ولكن:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا علي لئامها
وما أحسن ما قيل:
جزى الله عنا الحاسدين فإنهم ... قد استوجبوا منا على فعلهم شكرا
أذاعوا لنا ذما فأفشوا مكارما ... وقد قصدوا ذما فصار لنا فخرا
ولله در العيني الحنفي حيث قال في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لله در الحسد ما أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله.
وله مصنفات مفيدة منها: كتاب في فضل ذوي القربى ومنها: القول السديد فيما أحدث من العمارة بجامع زبيد.
وبالجملة: كان سيدا علامة وعلما فهامة حافظ عصره بالاتفاق ومحدث إقليمه بلا شقاق
توفي ليلة الأربعاء رابع عشر ربيع الآخر سنة 1147هـ، وهو ابن أربعة أو ثلاثة وسبعين كذا قال قبل موته بأحد عشر يوماً.
قال محمد المحبي في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: معنى الأهدل: الأدنى الأقرب وفي: نظام الجواهر النفيسة في بيان أنساب العصابة الأهدلية: أصل هذه الكلمة: على الله دل وقيل غير ذلك وهذا أصح.
أبو المحاسن السيد سليمان بن يحيى: المذكور كان سرا لأبيه وعالما محدثا كاملا ذا بصيرة تنويه.
قرأ العلوم على والده واستفاد من طريفه وتالده وأخذ من مشائخ الحديث علما وافرا وفضلا ظاهرا منهم: السيد العلامة: أحمد بن محمد مقبول الأهدل والسيد: سليمان بن أبي بكر هجام الأهدل والشيخ: عبد الخالق المزجاجي والسيد: عمر بن أحمد بن عقيل والعلامة: أحمد الأشبولي ومشائخه: من أهل اليمن والحرمين ومصر والشام وغيرهم جم واسع سماهم في النفس اليماني منهم: الشيخ الحافظ: محمد حياة السندي والشيخ: حسن بن محمد الكردي والشيخ: محمد بن أحمد الجوهري والشيخ: محمد هلال سنبل مفتي الشافعية والعلامة: أبو الحسن المغربي التنومي.
ومنهم: الإمام الكبير: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني.
وله: كتاب الرحلة سماه: وشي حبر السمر في شيء من أحوال السفر ذكر فيه مشائخه
توفي في سنة 1197هـ وقد اعتنى بترجمته من العلماء غير واحد وامتدحه بعدة قصائد منهم: الشيخ: عبد القادر كدك المدني والعلامة الكبير: أحمد بن محمد قاطن في تاريخه المسمى: إتحاف الأحباب بدمية القصر الناعتة لمحاسن أهل العصر والشاعر المفلق: أحمد بن عبد الله السعدي في كتابه: سرد النقول في تراجم أعيان بني المقبول وغيرهم رحمهم الله تعالى. الشيخ المعمر عبد الله بن عمر الخليل: كان بحرا في العلوم النقلية - ولا سيما الأدبية - وفي الحساب والمساحة والهندسة والهيئة والحكمة قال: اشتغلت بهذا مدة وأتقنتها ولم أجد عنها سائلا ولا لها حاملاً فلو كان الاشتغال بذلها بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نثر فصيح ونظم بليغ ومراجعات ومناظرات ومطارحات ومفاكهات بينه وبين أدباء عصره.
وكان في عمر التسعين لا تراه إلا: تاليا كتاب الله أو مشغولا بذكر الله أو مدرسا في العلوم النافعة لا يزال هذا دأبه من أول النهار إلى حصة وافرة من الليل.
ومن مؤلفاته: تحذير المهتدين عن تكفير الموحدين وذيل على الحصن الحصين ونظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ونظم الرسالة الأثيرية في علم المنطق وشرحها ونظم قواعد الإعراب وشرحها ومنظومة لقواعد القاموس ومنظومة في الاستعارة وحاشية على شرح إيساغوجي.
وذكر من مشائخه: رجلا من علماء الهند من أكابر المحققين يسمى: حسام الدين ولعله الشيخ: علي المتقي توفي رحمه الله تعالى ليلة الخميس قبل الفجر في سنة 1196هـ الهجرية.
الشيخ الفقيه: عبد الله بن سليمان الجوهري: كان من أعيان العلماء وأعلام الفضلاء مؤلفاته تقارب خمسين مؤلفا في: الحديث والفقه والأصول وكان رحب الصدر للتدريس كريم الكف واسع العطاء كثير البكاء من خشية الله تعالى غزير الكشف تحكى عنه في ذلك أمور غريبة.
ومن مؤلفاته: شرح لبلوغ المرام لم يكمله وحاشية على المنهج القويم لابن حجر وبلوغ الأمل في شرح المسائل الفاضلة - مع قلتها - على كثير العمل ورسالة في: بيان دلالة قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} على الرد على أهل الهيئة ورسالة الخط وشرح حزب الإمام النووي وحاشية على بداية الهداية إلى غير ذلك توفي في سنة 1301هـ رحمه الله.
الشيخ: أحمد حسن الموقري المتوفى سنة 1301هـ، كان عالماً كبيراً عارفا سالكاً أليف المسجد والمنزل بمعزل عن جميع الأنام وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "عليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك". وقال تعالى: ولا يخرجنكما من الجنة فتشقى وله أشعار بليغة شرحوها ولا يقدر أحد ولو كان من أكابر العلماء أن ينطق بلفظة عنده إلا أن يتكلم هو هيبة من الله تعالى.
الشيخ: عبد الخالق بن الزين بن محمد باقي المزجاجي: نسبة إلى قرية من قرى الوادي بزبيد كان مطلعا على أحوال العلماء سيما الذين كانوا في عصره خصوصا من وفد إليه من الحرمين ومصر والشام والهند والجاوة وغيرهم.
له إتحاف البشر في القراءات الأربعة عشر تتلمذ على: الشيخ: محمد حياة المدني السندي - تلميذ الشيخ: أبي الحسن السندي محشي الأمهات الست - وعلى والده: الزين والشيخ: محمد أبي طاهر الكوراني والشيخ العلامة: عبد الكريم الهندي المكي والشيخ: أمر الله الهندي وشيخ الطريقة: كوشك الهندي وحسين البخاري الهندي وغيرهم من جمع جم من: علماء الحرمين الشريفين ومصر وغيرها سرد أسماءهم في النفس اليماني والروح الريحاني.
السيد أحمد بن محمد شريف مقبول الأهدل: كان من العلماء الراسخين والعباد الزاهدين له اليد الطولى في علم القراءات والتفسير، والحديث والفقه، والأصلين والنحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، والمنطق والحساب والهندسة والفلك وغيرها.
اشتغل بجميع هذه العلوم حتى برع فيها وحقق ظواهرها وخوافيها وكان قد منحه الله ملكة تامة على حل صعاب المسائل في أي فن من الفنون إذا عرضت عليه المسألة الصعبة حلها بفهمه الثاقب وفتح مغلقها برأيه الصائب تتلمذ على: خاله السيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل وأخذ عنه التفسير والحديث وكان السيد يحيى من الدعاة إلى العمل بما صح به الدليل وإلى التغريب في الإقبال على علمي القرآن والسنة وتفهم معانيهما والتفقه في ذلك وكان لسان حاله ينشد:
إذا اختار رجل الناس في الدين مذهبا ... وصيره رأيا وحققه فعلا
فإني أرى علم الحديث وأهله ... أحق اتباعا بل أسدهم سبلا
ورأيهم أولى وأعلى لكونهم ... يؤمون ما قال الرسول وما أملى
ثم إنه شارك شيخه في جميع مشائخه رواية وإجازة وله: شرح على الهمزية وعلى النمازية وعلى زيد بن رسلان وعلى طلبة الطلبة وغير ذلك.
الشيخ علاء الدين المزجاجي: كان من العلماء الأكابر أخذ العلم عن: علماء اليمن والحرمين كالقاضي: أحمد جعمان والعلامة: إبراهيم الكوراني والشيخ: أحمد التحلي والشيخ: حسن العجيمي والشيخ: عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وهو من مشائخ السيد أحمد الأهدل المذكور رحمه الله تعالى.
الشيخ: عبد الله بن سالم البصري المكي قارئ صحيح البخاري في جوف الكعبة المشرفة له شرح عليه عز أن يلقى في الشروح له مثال لكن ضاق به الوقت عن الإكمال سماه: ضياء الساري وهذا الاسم موافق لعام الشروع في تأليفه ترجم له آزاد في: سبحة المرجان وتسلية الفؤاد ترجمة حافلة حسنة وكذا الشيخ المسند الشاه: ولي الله المحدث الدهلوي في: إنسان العين وكذا معاصرنا الشيخ: محمد محسن المرحوم في كتابه: اليانع الجني في أسانيد الشيخ عبد الغني.
ومن مناقبه: تصحيح للكتب الستة حتى صارت نسخة يرجع إليها من جميع الأقطار ومن أعظمها: صحيح البخاري أخذ في تصحيحه نحوا من عشرين سنة وجمع مسند أحمد بعد أن تفرق أيدي سبأ وصححه وصارت نسخته أما أخذ علم الحديث عن جملة من المشائخ منهم: الحافظ: محمد بن علاء الدين البابلي - رحمه الله - والشيخ: أحمد البنا وغيرهما وعنه أخذ: السيد: أحمد الأهدل - المذكور آنفا - أيضا توفي رحمه الله في سنة 1134 الهجرية.
صفي الإسلام أحمد بن محمد النخلي المكي: كان من أعيان العلماء الجامعين بين: العلوم النقلية والعقلية والفروعية والأصولية.
أخذ عن عدة من العلماء منهم: العلامة المحقق: عبد الله بن سعيد باقشير والحافظ: محمد البابلي وعليه مدار روايته والشيخ العلامة: محمد بن علي ابن محمد بن علان الصديقي والشيخ: محمد بن محمد الشرنبلالي المصري ولبس الخرقة من السيد: عبد الرحمن المحجوب عاش تسعين سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. السيد: أبو بكر بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل:
يا ليت شعري ما يعبر ناطق ... عن فضله العالي وعظم المنصب
أو ليس ذاك الماجد العلم الذي ... سفرت محاسنه ولم تتجلبب
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن مشائخ عصره.
منهم: السيد: أحمد بن محمد شريف المذكور والشيخ: عبد الخالق المزجاجي ومفتي زبيد الفقيه العلامة: سعيد بن عبد الله الكيودي.
وكان على جانب عظيم من: لين الجانب ورحب الصدر وكمال التواضع وبشاشة الوجه وكان في حفظ كتاب الله عن ظهر قلب آية باهرة وله شعر حسن وكلام فصيح - رحمه الله تعالى.
السيد يوسف بن حسين البطاح:
ثمال اليتامى والمساكين لم يزل ... أبا لهم يحنو عليهم ويرأف
وهمته استنباط حكم دليله ... شواهد نقل أو قياس مؤلف
أخذ التفسير والحديث والفقه عن السيد: أحمد الأهدل واستفاد من الشيخ: عبد الخالق المزجاجي وغيره وكان كثير المباحثة والمراجعة مع أهل عصره من أهل العلم كتب له الإجازة: السيد العلامة: سليمان بن يحيى الأهدل في شوال سنة 1183هـ الهجرية.
الشيخ: عثمان بن علي الجبيلي: أخذ عن السيد: أحمد الأهدل والشيخ: عبد الخالق المزجاجي وقرأ: شرح الجامي على الكافية والشرح الصغير في المعاني للسعد وشرح التهذيب للشيرازي وشرح سبط المارديني على الياسمينية في الجبر والمقابلة وبرع في العلوم كلها من: الفقه والحديث والقراءة.
وتصدر للتدريس في سائر الفنون لا سيما علم القراءة له شعر حسن وأخبار مأثورة أطال في ترجمته في النفس اليماني والروح الريحاني.
الشيخ: عبد الرحمن بن محمد المشرع: المتوفى سنة 1195 الهجرية:
كريم له من نفسه بعض نفسه ... وسائره للمجد والشكر والفضل
أخذ عن مشائخ الوقت علوما عديدة منهم: السيد: أحمد الأهدل والمزجاجي والكبودي وأحمد الأشبولي وكانت وفاته في قرية الروية: من قرى وادي زبيد بعد أن وعك أشهرا عديدة بالإسهال.
وكان شيخا كاملا مكملا جيد الرأي حسن التدبير جوادا سخيا عالما: بالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والفقه والتصوف والحديث وغيرها يشتغل بقراءة صحيح البخاري في الجامع كل سنة وحصل كتبا كثيرة في عدة من الفنون تتلمذ في المعاني والبيان على: العلامة: عبد الله بن عمر الخليل وعلى الشيخ: عبد الرحمن بن عبد السلام الحاوي أيام إقامته بزبيد ورحل إلى الحرمين الشريفين وسمع الحديث عن: الشيخ المجمع على جلالته: أحمد الأشبولي المصري وانتدب الشعراء لمدحه بقصائد بديعة منهم: السيد العلامة: قاسم بن يحيى الأمير رحمه الله تعالى.
شرف الإسلام إسماعيل بن أحمد الربعي: أخذ هو وولده: القاضي العلامة: محمد بن إسماعيل عن السيد: أحمد الأهدل والشيخ: عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي وأحمد الأشبولي أيام وفوده إلى زبيد. ومن تلامذته: الشيخ: أحمد القاطن وكان لا يترك كل يوم من كتابة قدر معلوم من كتاب الله وفوائد وآداب ونسخة من العلوم النافعة حتى اجتمع له مع الدوام من ذلك الشيء الواسع ولنعم ما قيل:
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
وكان صداعا بالحق ذا قيام عظيم في إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف وكان فيه تشيع كثير في كافة أهل بيت النبوي صلى الله عليه وسلم:
وهل يستوي ود المقلد والذي ... له حجة في وده ودلائل
القاضي العلامة عز الإسلام محمد بن إسماعيل ابن أحمد الربعي كان من أفاضل العلماء وأماجد الفضلاء.
تتلمذ على السيد: أحمد بن محمد شريف وعلى المزجاجي وغيرهما في علم النحو والمعاني والبيان والحساب وأصول الدين والهيئة والهندسة والمنطق وأصول الفقه والحديث.
وسمعه على القاضي العلامة: أحمد بن محمد القاطن له: مشائخ من الحرمين الشريفين منهم: عطاء المصري ومحمد بن سليمان الكردي وتصنيف في علم الفروع ولعمري هو حقيق بقول الشاعر:
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدهر ابتسام
سراج الإسلام السيد: أبو بكر بن علي البطاح الأهدل جد واجتهد في الترقي إلى اكتساب المعالي وسهر في تحصيل العلوم الليالي وكان له ملكة الاستحصال وملكة الحصول وملكة الاستنباط على وجه الكمال.
برع في: التفسير والحديث والتصوف والفقه والآلات والأصول وصار إماما يرجع إليه في الفروع والأصول وبلغ إلى أن يملي في تحقيق مسألة مؤلفا بلا تكلف ومن هذا الجنس: كتابه: صلة الموصول بإيضاح روابط الجمل لابن المقبول
وبالجملة: فكان البحر الزاخر في جميع العلوم سيما علم النحو والمنطق فإنه كان فيهما آية باهرة ونعمة ظاهرة ومن أعظم شيوخه: السيد: سليمان بن يحيى مقبول الأهدل - رحمه الله تعالى.
يوسف بن محمد البطاح:
العالم الفاضل النحرير أفضل من ... بث العلوم فأروى كل ظمآن
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن السيد سليمان الأهدل ولازمه كثيرا وعن: الجرهزي والجبيلي ويوسف بن حسين البطاح وعن غير هؤلاء من أهل اليمن والحرمين وهاجر من زبيد إلى الحرمين الشريفين وتفرغ تفرغا عظيما لنشر العلوم فدرس وألف ووقع به النفع سيما لطلبة العلم اليمانية.
ومن مؤلفاته: إفهام الأفهام شرح بلوغ المرام في مجلدين وشرح منظومة القواعد للسيد أبي بكر ابن أبي القاسم الأهدل وشرح ربع العبادة من منظومة الزبد في مجلد حافل أكثر فيه من سرد الأدلة وذكر الخلاف وله: عدة رسائل في أعمال الحج ألفها لكثرة المسائل الواردة عليه في ذلك وله: تشنيف السمع بأخبار العصر والجمع قرظ عليه أهل مكة المكرمة حرسها الله تعالى مات شهيدا في الوباء العام الواقع في سنة 1242 الهجرية. السيد: طاهر بن أحمد الأنباري: فاضل فقيه وعالم نبيه حصل العلوم الدرسية والفنون المتداولة وبرع فيها وهو ممن تتلمذ على السيد الأجل: سليمان بن يحيى الأهدل وعلى العلامة: داود الجبرتي العقيلي الهاشمي وعبد الله بن عمر الخليل والجرهزي والجبيلي وعبد الخالق المزجاجي والقاضي: محمد الربعي وغيرهم.
الشيخ العلامة: عبد القادر بن خليل كدك: المحدث الحافظ المسند الرحلة وجيه الإسلام خطيب المدينة المشرفة وفد إلى مدينة زبيد ناشرا فيها علوم الإسناد إلى خير العباد بعد أن جال البلاد شرقا وغربا ولقي من المشائخ المسندين الأعلام عالما كثيرا وألف في ذلك كتابه المسمى: بالمطرب المعرب الجامع لأهل المشرق والمغرب قال في خطبته: وقد ارتحل لطلب الإسناد جمع من السلف والخلف رحل جابر بن عبد الله إلى مصر لأجل حديث واحد وكذلك ارتحل أحمد بن حنبل وغيرهما قال:
ارتحلت إلى مصر وغزة والرملة والقدس والشام وآبدين والروم ونلت ما نلت من ذلك ولما وفد إلى مدينة زبيد تلقاه علماؤها وأعيانها بالإعزاز والإجلال وازدحم عليه الأفاضل لأخذ الإجازة منه فأجازهم وهو الذي استجاز للسيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن مقبول الأهدل ولجماعة من محدثي زبيد من: مسند الشام الحافظ الكبير: محمد بن سالم السفاريني محتدا الحنبلي مذهبا الأثري معتقدا القادري مشرباً.
وسفارين: قرية من قرى نابلس ثم وفد إلى مدينة صنعاء وتلقاه أهلها بالتعظيم والتبجيل.
واستجاز منه جماعة من العلماء والأعيان.
منهم: السيد العلامة: عبد الله بن محمد الأمير.
وله: مؤلف خاص في ذلك سماه: السر المؤتمن في شرح الرحلة إلى اليمن ثم عاد إلى المدينة المنورة وتصدى فيها لنشر علوم الإسناد وإملاء الأحاديث والاجتهاد في هذا الشأن العظيم.
وكانت وفاته بنابلس: من أرض الشام في ربيع الأول سنة 1185هـ الهجرية.
صفي الإسلام أحمد بن إدريس المغربي الحسيني المتوفى سنة 1253هـ، بمدينة صبيا وقبره هناك معروف مشهور.
وفد إلى مدينة زبيد سنة 1244هـ، ناشرا فيها ما منحه الله من علوم أسرار الكتاب والسنة وكاشفا من إشاراتهما الباهرة ولطائفهما الزاهرة بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني واللائح عليها أثر القبول الرحماني وازدحم عليه الخاص والعام حينئذ على الاستفادة وتلقى كل أحد من تلك اللطائف على قدر الاستعداد:
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ... ولست على قدر السلاف تصاب
وكان مذهبه: ما صح به الحديث كما هي طريقة خلائق من العلماء الأعلام:
ومذهبي كل ما صح الحديث به ... ولا أبالي بلاح فيه أوزاري
وأجاز أهل زبيد خصوصا وأهل اليمن عموما كما وقع نظير ذلك للحافظ: ابن حجر العسقلاني عند قدومه زبيد ثم توجه إلى بندر الحديدة وتلقاه أهلها بالإعزاز والإكرام وامتدحه علماء البندر بعدة قصائد ثم صار إلى صبيا وكان باقيا فيها إلى سنة 1248هـ، يذكر أيام الله ويملي من علوم السنة والكتاب ما يفيد ذوي الدين والألباب وامتدحه أهل تلك الجهات أيضا بعدة قصائد منهم: المحقق العلامة: عبد الرحمن بن أحمد البهكلي - قاضي بيت الفقيه - وترجم له: السيد العلامة: محمد بن محمد الدئلي - قاضي زبيد - في كراريس السيد: عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الحسني الكوكباني للعلوم الزاخرة والأحوال الشريفة الفاخرة.
أخذ العلوم عن: الجهابذة من أهل صنعاء وزبيد والحرمين الشريفين.
ومن مشايخه: سلطان ذوي الاجتهاد وعمدة المحدثين النقاد السيد الإمام: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني والشيخان العلامتان: عبد الخالق ومحمد ابنا علاء الدين المزجاجيان والسيد الحبر: محمد بن الطيب المغربي الفاسي الآخذ عن: أبي الأسرار: الحسن بن علي العجيمي والشيخ المسند: محمد إبراهيم الكوراني.
وله من المشائخ: نيف وثلاثون شيخا ومن المؤلفات: ما يزيد على أربعين مؤلفاً.
منها: حاشية القسطلاني في مجلدين وشرح القاموس وشرح نظم فصيح ثعلب وحاشية المطول ومختصره.
ومن مشايخه أيضا: الشيخ: محمد حياة السندي: قال القاضي العلامة في ترجمته: مظهر السنة النبوية على رؤوس الأشهاد مبكتا لأهل البدعة في الحاضر والباد ولقد قام بهذا الواجب أتم قيام وذب عن سنة جده بين الأنام وأدخلها إلى آذان الفقهاء المقلدين وقبلها من له الفهم المكين والذهن الثمين وله اليد الطولى في كل فن والتحقيق الفائق من بين أبناء الزمن. انتهى ملخصاً.
وممن تخرج به: شيخنا القاضي العلامة: محمد بن علي الشوكاني والسيد: إبراهيم والسيد عبد الله والسيد: قاسم أولاد أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين: محمد بن إسماعيل الأمير وغيرهم رحمهم الله تعالى.
السيد المسند والجليل المعتمد، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير: قال القاضي العلامة: أحمد بن محمد قاطن - في ترجمته -: ذو الذهن الوقاد والفكر المستقل النقاد الحاوي لخصال الكمال بأكمل الخلال الراقي إلى أوج البلاغة في جميع الأحوال إن وعظ خلته الحسن وإن خطب أعلن السنن وأيقظ الوسن وقلد المنن وبغض السمن وجبب الخشن وضيق العطن ووسع الحزن وشجع الجبان وشبع الجنان زين الجنان وشيد الإيمان يخلط الترهيب بالترغيب والتبعيد بالتقريب والوعيد بالوعد والمطر بالرعد ... إلى آخر ما قال.
وله ولدان: السيد العلامة: علي بن إبراهيم والسيد: يوسف بن إبراهيم وكانا على استقامة تامة من ملازمة الاتباع وتجنب الابتداع كما هو طريقة سلفهم الصالح:
ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهو الصراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
ومن مؤلفات السيد علي بن إبراهيم: تشنيف الآذان بأسرار الآذان والبشائر والصلات بأسرار الصلوات والفتح الإلهي لتنبيه اللاهي وكتاب السوانح على وزن صيد الخاطر لابن الجوزي وكتاب سوق الشوق لأهل الذوق من تحت إلى فوق في شرح حديث: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها وهو مؤلف حافل وله نظم في الدرجة العليا قد جمعه ولده: السيد العلامة: حسن بن علي في ديوان.
وأما: السيد العلامة: يوسف فكان على قدم راسخ في العلوم المأثورة وله من النظم الرائق الفائق الشيء الواسع.
وأما: أخو السيد إبراهيم بن محمد المذكور فهو: السيد الجليل والعالم النبيل فخر الإسلام وزينة الليالي والأيام: عبد الله بن محمد بن إسماعيل الأمير وكان من العلماء الأعلام أحد أئمة العصر وحامل لواء الفخر له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية وجودة النظر والنقادة في الأحاديث النبوية مشتغلا بذلك غاية الاشتغال حتى نال من العلم الشريف كل منال ترك التعصبات المذهبية وأخذ بالسنة المطهرة السنية له شعر وتواليف صحح كتب والده وكتب بخطه كثيرا وعندي من خطه الشريف كتاب: سبل السلام شرح بلوغ المرام وغيره والسيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ممن تتلمذ له واستجاز منه فأجازه وأيضا تتلمذ على أخيه: السيد: قاسم فأجازه لفظاً.
صفي الإسلام الشيخ: أحمد بن محمد قاطن: كان من أجل الأعلام الأعيان كبير المقدار عظيم الشأن أخذ العلوم العقلية والنقلية من علماء صنعاء وغيرهم منهم:
السيد العلامة الإمام: محمد بن إسماعيل الأمير والعلامة الأوحد: زيد بن محمد بن الحسن شارح: الإيجاز في المعاني والبيان والمحقق: هاشم بن يحيى بن محمد الشامي والسيد: يحيى بن عمر مقبول الأهدل له منه إجازات وروايات.
له: تحفة الإخوان نظم فيها إسناد صحيح البخاري وشرحها شرحاً عظيماً.
ومن مشائخه: محمد حياة المدني السندي والشيخ: محمد الدقاق والشيخ: سالم بن عبد الله البصري والشيخ: محمد بن حسن العجيمي وقد ترجم لهؤلاء المشائخ في تحفة الإخوان المذكورة.
ومن مؤلفاته: نفحات العوالي بالأحاديث العوالي والإعلام بأسانيد الأعلام ووسيلة المستجير بالله الكبير ونزهة الطرف في أحكام الجار والمجرور والظرف وهو شرح عظيم على كتاب: العقد الوسيم لشيخه الإمام: صلاح الأخفش وله أشعار رائقة ذكرها في النفس اليماني والروح الريحاني وكان بينه وبين السيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل مودة أكيدة وكان يحرضه على العمل بالسنة النبوية وسلوك الطريق السلفية وترك العصبية المذهبية وأخذ السيد منه إجازة له ولأولاده فكتب الإجازة - رحمه الله تعالى.
الشيخ أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي: أخذ العلوم عن آبائه الكرام وعن غيرهم من الأعلام وهم كثيرون.
منهم: الشيخ عبد الخالق المزجاجي وعمه: محمد بن بكري والسيد: إبراهيم بن محمد الأمير والشيخ: إبراهيم الزمزمي - مفتي الشافعية في أم القرى بروايته عن الشيخ: عبد الوهاب بن أحمد الطنطاوي المصري مؤلف: بذل العسجد في شيء من أسرار اسم محمد.
وللشيخ أحمد: مؤلفات ورسائل منظومات ومسائل يطول ذكرها منها: النفحة القدسية في وظائف العبودية وعقد جواهر اللآل في مدح الآل وعليه شرح وتقاريظ من جمع جم منهم: السيد الجليل: علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق كتبه بمكة المشرفة سنة 1230هـ وللسيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل منه إجازة في الحديث المسلسل بالأولية وله مناقب وفضائل شهيرة وكان لا يسمع بذي فضيلة في جهة من الجهات إلا وتعرف به واستطلع حقيقة فضيلته ومكث على هذه الحالة دهرا طويلا ثم آثر الخلوة والعزلة إلى أن انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى.
الشيخ إبراهيم بن محمد الزمزمي: تصدى في أم القرى للإفتاء والتدريس على مذهب الإمام: محمد بن إدريس فكان يقرئ فيه ويفيد ويبدئ ويعيد ويتكلم في سائر العلوم لفظاً ومعنى وعلى أصولها وفروعها حفظاً.
صفاته في العلوم إن ذكرت ... يغار منه النسيب والغزل
تعرف من عينه حقائقها ... كأنه بالعلوم مكتحل
استجيز منه للسيد: عبد الرحمن الأهدل في سنة 1192هـ قال: أخذت عن الشيخ: عبد الوهاب الطنطاوي الآمدي وعن المحقق: عبد الله النمرسي عن الشيخ: عبد الله بن سالم البصري.
وأما ولده: محمد صالح بن الشيخ إبراهيم الزمزمي فكان خلف أبيه في العلوم والفضائل منه إجازة للسيد: عبد الرحمن الأهدل ذكر فيها الأمهات الست وبقية العلوم مقرونا بسنده العالي عن المشائخ العظام في سنة 1224هـ، وفيها: إن من أعلى أسانيدنا سيدي العلامة المحدث شيخنا: صالح بن محمد الفلاني العمري المغربي ومن أجل شيوخه الحافظ: محمد بن سنة العمري وهو أيضا: شيخ السيد: عبد الرحمن الأهدل كما صرح بذلك في: المنهج السوي حاشية المنهل الروي.
الشيخ: عبد الملك بن عبد المنعم القلعي: مفتي أم القرى على مذهب الإمام الأعظم. كان كنز الذخائر وبحر العلم الزاخر استجاز منه السيد: عبد الرحمن الأهدل فأجازه في سنة 1224هـ، وذكر في الإجازة مشائخه من أهل الحرمين منهم: عبد الله بن سالم البصري.
سراج الإسلام: سالم بن أبي بكر الأنصاري الكراني: من أجل علماء المدينة المنورة له: حاشية على المنهج القويم لابن حجر الهيتمي في ستين كراسا وهو ممن تتلمذ على الشيخ: محمد بن سليمان الكردي الآخذ عن الشيخ: محمد الدمياطي والشيخ: محمد بن سعيد سنبل المكي والعلامة: أحمد الجوهري المصري.
الشيخ: محمد بن سليمان الكردي:
ولا تحسب الأكراد أبناء فارس ... ولكنهم أبناء عمرو ابن عامر
تتلمذ على المحقق: محمد بن سعيد سنبل مفتي الشافعية في أم القرى.
وأخذ عن الشيخ: أحمد النخلي وأجازه: عبد الله بن سالم البصري وعن الشيخ: طاهر بن إبراهيم الكوراني.
وله مؤلفات منها: فتح الفتاح بالخير على يريد معرفة شروط الحج عن الغير والثغر البسام عن معاني الصور التي تزوج فيها الحكام وأزهار الربا في بيان أبواب الربا وهو من مشائخ السيد عبد الرحمن الأهدل. السيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس باعلوي المصري الإمام الكبير العلم الشهير أخذ عن: والده وعن السيد: عبد الرحمن بن عبد الله بافقيه والسيد العلامة: غلام حيدر الحسيني الهندي والسيد: فضل الله بن أحمد الهندي والحافظ المسند الشيخ: محمد حياة السندي وغيرهم.
ومن مؤلفاته: بسط العبارة في شرح ضبط الاستعارة وعليه: حاشية للمحقق الحفناوي وقطف الثمر في شرح المقولات العشر والمنهل العذب في الكلام على الروح والقلب.
أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني الواسطي البلكرامي: نزيل مصر تقدم ترجمته الشريفة في: ذيل علماء اللغة فراجعه وهو صاحب: تاج العروس في شرح القاموس وهو من مشائخ السيد: عبد الرحمن بن سليمان الأهدل.
السيد: عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل: ينتهي نسبه الشريف إلى: موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - صاحب كتاب: النفس اليماني والروح الريحاني في إجارة القضاة بني الشوكاني وهو شيخ شيخنا الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي بن محمد الشوكاني اليماني الصنعاني وشيخ أخويه: العلامة صفي الإسلام: أحمد وعماد الإسلام: يحيى رحمهم الله تعالى ألف الفقيه العلامة: سعد بن عبد الله سهيل في ترجمته كتابا حافلا في سنة 1263هـ، سماه: فتح الرحمن في مناقب سيدي عبد الرحمن بن سليمان قال فيه: كان - رضي الله عنه - من صدور المقربين صاحب العلوم الجمة والفنون الكثيرة والكرامات الباهرة والمقامات الفاخرة تصانيفه: دالة على سعة علمه وغزارة اطلاعه منها.
فتح الولي في معرفة سلب الولي والمنهج السوي1 حاشية المنهل الروي وفيه دلالة على كماله في علم الحديث وأنه من أجل أئمته وله: فرائد الفوائد وقلائد الخرائد مجلدان جمع فيه فأوعى والروض الوريف في استخدام الشريف وتلقيح الأفهام في وصايا خير الأنام وشرح بلوغ المرام بلغ فيه إلى التيمم في نحو عشرين كراسا ولم تساعده القدرة على إتمامه وفتح اللطيف شرح مقدمة التصريف والجنى الداني على مقدمة الزنجاني وكشف الغطا عن أسئلة ابن العطا ورسالة في البندقة وتحفة النساك في شرب التنباك ... إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.
ومن تلامذته: شيخنا الشوكاني ويا له من تلميذ وأستاذ.
ومنهم: السيد العلامة: محمد بن طاهر الأنباري الملقب: بالشافعي الصغير والعارف بالله: محمد بن أحمد المشرع وكان في غاية من العبادة سيما قيام الليل وتلاوة الكتاب العزيز وكان هجيره هجير خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان حسن الخلق لين الجانب قريب التناول يتصل به كل أحد يتكلم باللسان العالي في لطائف الأسرار ويقول: ليس العلم بلقلقة اللسان ولا بطول الإطناب وبديع البيان ولا في الكراريس الكثيرة والمجلدات الضخيمة والأوارق وإنما العلم ما أفادته الملكة التامة والرسوخ وكان مما ينفع صاحبه هداية ويقربه إلى رب العالمين وله أشعار فائقة وأبيات رائقة ذكر بعضها في: فتح الرحمن وأطال في بيان كلماته الرفيعة الشأن واعتضدها بنقول العلماء والأعيان يطول ذكرها في هذا المكان.
وكانت ولادته في سنة 1179هـ ومرض مرض الموت قريبا من عشرة أيام وأتاه اليقين في ليلة الثلاثاء الأخيرة في الحادي والعشرين من شهر رمضان أحد شهور سنة 1250هـ، وله من العمر إحدى وسبعون سنة وأرخ بعض الفضلاء وفاته بقوله: ليهنك الفردوس مفتي الأنام.
وله من الأولاد: محمد وعبد الباقي وسليمان وقد أجازهم وأولادهم ومن سيولدهم وكافة من أدرك حياته سيما من وقعت بينه وبينه المعرفة أو الاستفادة العلمية وأولادهم ومن سيولد لهم راجيا بذلك الخير الشامل الكثير إن شاء الله تعالى وهو من مشايخنا ولله الحمد.
الشيخ العارف بالله محمد بن عبد الرحمن: المتقدم ذكره أخلف والده في: هديه وسمته ودله وإفتائه وجميع أحواله المرضية السنية ونفع الله به خلقا كثيرا إلى أن توفي رحمه الله في سنة 1258هـ، وله من العمر ثمانية وأربعون سنة وله من الكرامات والمكاشفات ما لا يحصى وكان غاية في إطلاق اللسان يكتب الجوابات من غير مراجعة لكتب المذهب لسعة ملكته.
ولما توفي قام مقامه أخوه: السيد العلامة: عبد الباقي رحمه الله.
السيد محمد بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى ابن المفضل الحسني القاسمي الهادوي:
الإمام العلامة والمحدث الأصولي النحوي المتكلم الفقيه البليغ الرحلة الحجة السني الصوفي كان فريد العصر ونادرة الدهر خاتمة النقاد وحامل لواء الإسناد وبقية أهل الاجتهاد بلا خلاف وعناد رأسا في المعقول والمنقول إماما في الفروع والأصول.
يقول واصفه في وصفه: كشاف أصداف الفرائد قطاف أزهار الفوائد فاتح أقفال اللطائف مانح أنفال الظرائف مصيب شواكل المشكلات بنوافذ أنظاره ومطبق مفاصل المعضلات بصوارم أفكاره مضحك كمائم النكت من نوادره ومفتح أنظار الظرف في موارده ومصادره عز الدين محيي سنة سيد المرسلين فلان الحسني نسبا على السماك عاليا والسني مذهبا إلى الصواب هاديا، إلى آخر ما ذكره في ترجمته.
وبالجملة: كان مولده في شهر رجب سنة 775هـ، في شطب: وهو جبل عال باليمن هكذا نقلته من خطه وحفظته من غيره من الأهل.
وله مصنفات عديدة ومجموعات مفيدة منها: كتاب: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم أربعة أجزاء في الرد على الزيدية اشتمل من الفوائد على ما لم يشتمل عليه كتاب وكتاب: البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع ألفه في سنة 801هـ ومختصر جليل في علم الأثر ألفه بعد اطلاعه على نخبة الفكر سماه: تنقيح الأنظار في علوم الآثار صنفه في آخر سنة 813هـ ومنها: الروض الباسم مختصر: العواصم والقواصم وكتاب: التأديب الملكوتي مختصر فيه العجائب والغرائب وكتاب: العزلة وقبول البشرى بالتيسير لليسرى وكتاب إيثار الحق على الخلق صنفه في سنة 837هـ إلى غير ذلك وغالبها عندي موجود ولله الحمد وله ديوان شعر سماه: مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق وشرحه سماه: بفتح الخالق والحسام المشهور في الذب عن الإمام المنصور وقد ذكر له الحافظ: ابن حجر العسقلاني في كتابه: الدرر الكامنة ترجمة حافلة وأثنى عليه ثناء كثيرا جميلا لم يثن بمثله أحدا توفي رحمه الله في الطاعون الذي وقع في اليمن شهيدا في سنة 840 فكان جملة عمره: ستا وستين سنة.
السيد العلامة بدر الملة النير المؤيد بالله: محمد ابن الإمام المتوكل على الله: إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني اليمني: وهو: الإمام الكبير المحدث الأصولي المتكلم الشهير قرأ كتب الحديث وبرع فيها وكان إماما في الزهد والورع يعتقده العامة والخاصة ويأتونه بالنذور فيردها ويقول: إن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من الصالحين وهو يخاف أنه من الهالكين
حكى بعض أولاده: أنه قرأ وهو يصلي بالناس صلاة الصبح: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فبكى وغشي عليه وكان والده: ولي الله بلا نزاع من أكابر الأئمة وأهل الزهد والورع استوى عنده الذهب والحجر وخلف أولادا هم أعيان العلماء والحكماء وأعظمهم ولده هذا
قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي - في ذخيرة الآمال في شرح عقد جواهر اللآل -: الإمام السيد المجتهد الشهير المحدث الكبير السراج المنير: محمد بن إسماعيل الأمير مسند الديار ومجدد الدين في الأقطار صنف أكثر من مائة مؤلف وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه: الحديث.
قال: أخذ عن علماء الحرمين واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم وقرأ على الشيخ: عبد الخالق بن الزين الزجاجي والشيخ عليه واستجاز منه وأسند عنه مع تمكنه من علوم الآل وتأصله. انتهى على ما نقله السيد: حامد حسين المعاصر في كتابه: عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار.
ومن شيوخه: الشيخ: عبد القادر بن علي البدري والشيخ: محمد طاهر بن إبراهيم الكردي والشيخ: سالم بن عبد الله البصري وغيرهم.
وتتلمذ عليه أيضا خلق كثير منهم: الشيخ: عبد الخالق المزجاجي الزبيدي وهو أيضا أستاذه كما تقدم وأيضا ولده: السيد العلامة: عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما له مصنفات جليلة ممتعة تنبئ عن سعة علمه وغزارة اطلاعه على العلوم النقلية والعقلية وكان ذا علم كبير ورياسة عالية وله في النظم اليد الطولى بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ولم يقلد أحدا من أهل المذاهب وصار إماما كاملا مكملا بنفسه وقد من الله تعالى علي بأكثر مصنفاته وهي أزيد من أن تذكر.
منها: سبل السلام شرح بلوغ المرام وهو عندي بخط ولده: السيد: عبد الله وفيه خطه الشريف أيضاً.
ومنها: منحة الغفار حاشية ضوء النهار وإسبال المطر على قصب السكر وجمع التشتيت في شرح أبيات التثبيت وتوضيح الأفكار في شرح تنقيح الأنظار، إلى غير ذلك من الرسائل والمسائل التي لا تحصى وكلها فريدة في بابها خطيبة في محرابها حج وزار واستفاد من علماء الحرمين الشريفين وغيرهم من فضلاء الأمصار فهو أكرم من أن يصفه مثلي وقفت له على قصائد بديعة ونظم رائق وكان له صولة في الصدع بالحق واتباع السنة وترك البدعة لم ير مثله في هذا الأمر وهو من مشائخي في سند الكتب الحديثة على ما صرحت به في سلسلة العسجد من ذكر مشائخ السند وقد ذكرت له ترجمة في كتابي: إتحاف النبلاء ونقلها عنه: السيد المعاصر: حامد حسين في العبقات على تشيعه فلا نطول الكلام هاهنا بذكر ذلك الإملاء.
توفي رحمه الله في سنة 1182هـ. وخرج في زمانه الشيخ: محمد بن عبد الوهاب النجدي الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية فنظم قصيدة في ذلك وأرسلها إليه وأثنى على طريقته ثم لما سمع أنه يكفر أهل الأرض ويسفك الدماء رجع عما كان قاله في قصيدته - كما سيأتي ذلك مفصلا في ترجمة: محمد بن عبد الوهاب - وكان له - رحمه الله - أولاد صلحاء تقدم تراجمهم في هذا الكتاب وقد أثنى عليه ولده: السيد: عبد الله في إجازة كتبها للشيخ المحدث شيخنا: عبد الحق بن فضل الله المحمدي الهندي المتوفى بمنى سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين الهجرية القدسية قال فيه:
سمع مني حصة من صحيح الإمام البخاري وقد من الله علي بالمثول بين يدي أئمة السنة النبوية والسماع منهم للآثار والأحاديث المصطفوية. منهم: والدي وشيخي ناصر السنة مجدد المائة الحادية عشر رضي الله عنه ... الخ والشيخ: عبد الحق المحمدي قد تتلمذ على شيخ شيوخنا: الشوكاني وكتب له إجازة بخطه الشريف يقول فيها:
إني أجزت للشيخ العلامة أي: الفضل بن عبد الحق بن الشيخ العلامة: محمد فضل الله المحمدي الهندي كثر الله تعالى بمنه وكرمه فوائده ونفع بمعارفه ما اشتمل عليه هذا الثبت الذي جمعته وسميته: إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر فليرو عني ما اشتمل عليه من كتب الإسلام على اختلاف أنواعها كما يراه فيه وهو أهل لما هنالك ولم أشترط عليه شرطا فهو أجل من ذلك وأعلى حرر يوم الجمعة بتاريخ 10 جمادى الآخرة سنة 1238هـ كتبه: محمد بن علي الشوكاني. انتهى.
وقد أتحفني شيخي عبد الحق بكتاب شيخه الشوكاني: إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ولي أسانيد أخرى إلى الشوكاني كما يلوح من: الحطة وإتحاف النبلاء وسلسلة العسجد ولله الحمد وله المنة.
الشيخ: محمد بن عبد الوهاب ابن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن يزيد بن محمد بن يزيد بن مشرف صاحب نجد الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية وهذا هو المعروف من نسبه ويذكر أنه من مضر ثم بني تميم.
ولد سنة 1115هـ، بالعينية: من بلاد نجد ونشأ بها وقرأ القرآن وسمع الحديث أخذ عن أبيه وهم بيت فقه حنابلة ثم حج وقصد المدينة المنورة ولقي بها شيخا عالما من أهل نجد اسمه: عبد الله بن إبراهيم قد لقي أبا المواهب البعلي الدمشقي وأخذ عنه ثم انتقل مع أبيه إلى جريمل: قرية من نجد أيضا ولما مات أبوه رجع إلى العينية وأراد نشر الدعوة فرضي أهلها بذلك ثم خرج عنها بسبب إلى الدرعية وأطاعه أميرها: محمد بن سعود من آل مقرن يذكر أنهم من بني حنيفة ثم من ربيعة وهذا في حدود سنة 1206هـ.
وانتشرت دعوته في: نجد وشرق بلاد العرب إلى عمان ولم يخرج عنها إلى الحجاز واليمن إلا في حدود المائتين والألف وتوفي سنة 1209هـ.
قال الشيخ الإمام العلامة: محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام: محمد بن علي الشوكاني: هو رجل عالم متبع الغالب عليه في نفسه الاتباع ورسائله معروفة وفيها المقبول والمردود وأشهر ما ينكر عليه خصلتان كبيرتان: الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها وقد أنصف السيد الفاضل العلامة: داود بن سليمان في الرد1 عليه في ذلك2.
الثانية: التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان وتتبع هذه جزئيات ذكر السيد المذكور بعضها وترك كثيرا منها وهي حقيرة تغتفر مع صلاح الأصل وصحته. انتهى.
وللعلامة الفاضل: حسين بن غنام اليمني قصيدة بديعة رد فيها على محمد بن فيروز في قصيدة لم يكفر فيها أهل نجد ويحث الناس على قتالهم فأجاب عليه بالقصيدة المذكورة أولها:
على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا ... عروس هوى ممقوتة زارت الشطا
وللإمام العلامة: عبد الله بن عيسى بن محمد الصنعاني كتاب سماه: السيف الهندي في إبانة طريقة الشيخ النجدي ألفه في سنة 1218هـ، قال فيه:
كان مبتدأ أمره في بضع وستين ومائة وألف خرج محمد بن عبد الوهاب الحنبلي فنزل بمحلة الشيخ: عبد العزيز النجدي وكان أهل تلك المحلة قوم أعراب مضيعين لأركان الإسلام وهؤلاء أهل اليمامة فلما حل الشيخ: محمد - المذكور - ما زال يدعوهم إلى التوحيد ويعلمهم الشرائع من الصلاة والصيام وغير ذلك والشيخ: عبد العزيز بن محمد النجدي: أول من تابعه وأسلم على يديه.
ثم لما تم للشيخ ابن عبد الوهاب ما أراد في تلك القرى المجاورة للدرعية: وهي قرية الشيخ: عبد العزيز واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ويقاتلون من حولهم من الأعراب ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام وهم عرب أغنام قرر لهم: أن دعا من غير الله أو توسل بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبى اعتقد ذلك أم لا.
وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه وقد وقفت على رسالة لهم في هذا الشأن وقد كان المولى العلامة السيد: محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال هذا النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة:
سلام على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
ثم لما تحقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير صاف عن الإدغال وقال: رجعت عن القول الذي قلت في النجد ... فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ونقلت من خط العلامة وجيه الإسلام: عبد القادر ابن أحمد بن الناصر ما صورته في ذي القعدة سنة 1170هـ، سنة وصل إلينا الشيخ الفاضل: مربد بن أحمد بن عمر التميمي النجدي الجريملي: نسبة إلى جريمل: بلد قرب سدوس أول بلاد اليمامة من جهة الغرب وكان وصوله إلى اليمن لطلب تحقيق مسألة جرت بينه وبين الشيخ: محمد بن عبد الوهاب في تكفير من دعا الأولياء والشيخ يكفر من فعل ذلك ومن شك في كفره ويجاهد من خالفه وكان سبب وصوله إلى اليمن: أنه سمع قصيدة لشيخنا السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير كتبها إلى الشيخ: محمد بن عبد الوهاب وللشيخ: مربد عليها جواب صغير ولم يكن يتعاطى فيها الشعر قط فهذا كلام إمام ذلك الزمان في تحقيق مذهب الشيخ: محمد بن عبد الوهاب النجدي من قبل أن يولد أكثر هذه الطبقة التي نحن فيها. انتهى حاصله.
ثم رد في هذه الرسالة عليه بعض عقائده ومسائله.
وأما السيد العلامة: محمد بن إسماعيل الأمير فعبارته في شرح قصيدة مذكورة له الموسوم: بمحو الحوبة في شرح أبيات التوبة لما بلغت هذه الأبيات نجدا يعني القصيدة الأولى وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها رجل عالم يسمى: الشيخ: مربد بن أحمد التميمي وكان وصوله في شهر صفر سنة 1170هـ، وأقام لدينا ثمانية أشهر وحصل بعض كتب شيخ الإسلام: ابن تيمية والحافظ: ابن القيم بخطه وفارقنا في عشرين من شوال 1170هـ، راجعا إلى وطنه وكان من تلاميذ الشيخ: محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل: عبد الرحمن النجدي ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرها عليه من: سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاربه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار فبقي معنا تردد فيما نقله الشيخ: عبد الرحمن حتى وصل الشيخ: مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في: وجه تكفير أهل الإيمان وقتلهم ونهبهم وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ: أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه: ابن القيم الجوزية وقلدهما من غير إتقان مع أنهما يحرمان التقليد.
ولما حقق لنا أحواله ورأينا في الرسائل أقواله وذكر لي أنه: إنما عظم شأنه بوصول الأبيات التي وجهناها إليه وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه وحل ما أبرمناه وكانت هذه الأبيات قد طارت كل مطار وبلغت غالب الأقطار وأتتنا فيها جوابات من مكة - المشرفة - ومن البصرة وغيرهما إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف ولما أخذ علينا الشيخ: مربد ذلك تعين علينا لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور التي ارتكبها ابن عبد الوهاب - المذكور - كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه لأنهما عمدة الحنابلة. انتهى كلام السيد - رحمه الله تعالى.
وقد وقفت على هذا الشرح وهو عندي موجود ألفه السيد المؤلف في سنة 1170هـ، ثم وقفت لهذا العهد على كتاب: رد المحتار وحاشية الدر المختار للسيد: محمد أمين بن عمر المعروف: بابن العابدين بمصر حالاً، وكان في سنة 1249هـ، ما لفظه: كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذي خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف. انتهى.
هذا وقد وقفت على رسائل للشيخ: محمد بن عبد الوهاب منها: كتاب النبذة في معرفة الدين الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار وكتاب التوحيد المشتمل على مسائل من هذا الباب أوله: قول الله - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وليس لهذا الكتاب ديباجة بل يذكر فيه الآيات والأحاديث ثم يقول فيه مسائل وكتاب في مسائل خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية من أهل الكتاب وغيرهم وهو مختصر في نحو كراسة.
وكتاب كشف الشبهات في بيان التوحيد وما يخالفه والرد على المشركين.
ورسالة: أربع قواعد من قواعد الدين في نحو ورقة. وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
و: كتاب في تفسير شهادة: أن لا إله إلا الله.
وكتاب: تفسير سورة الفاتحة.
ورسالة: في معرفة العبد ربه ودينه ونبيه.
ورسالة: في بيان التوجه في الصلاة ورسالة: في معنى: الكلمة الطيبة أيضاً.
ورسالة: في تحريم التقليد.
وهذا جل ما وقفت عليه من تواليفه إلى الآن وفيها ما يقبل ويرد وعلى كتابه التوحيد شرح مبسوط مفيد للشيخ العالم العلامة مفتي الديار النجدية: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب حفيد المؤلف سماه: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ولقبه: قرة عين الموحدين في تحقيق دعوة المرسلين.
ذكر فيه أنه تصدى لشرحه حفيده: الشيخ: سليمان بن عبد الله فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد وسماه: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ولما قرأت شرحه رأيته أطنب في مواضع وفي بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل ولم يكمله فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميما للفائدة وسميته: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ولأتباعه أيضا رسائل منها:
الرسالة الدينية في معنى الإلهية للشيخ: عبد العزيز بن محمد بن سعود قال فيها: من عبد العزيز إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين الشريفين والشام ومصر والعراق وسائر علماء الغرب والشرق سلام عليكم ورحمة الله بركاته أما بعد ... الخ.
ولما أراد الثويني - وهو رئيس بدوان العراق - أن يقدم على سعود بن عبد العزيز - المذكور - وقدم عليه في جيش عظيم فتلقاه رجل يقال له: طعيس فقتله وأغار سعود على جيشه فأخذهم وغنمهم فقال الشيخ العلامة: حسين بن غنام يهنيه بذلك:
تلألأ نور الحق وانصدع الفجر ... وديجور ليل الشرك مزقه الظهر وشمس الأماني أشرقت في سعودها ... ولاح بأفق السعد نجمه الزهر
وهي قصيدة طويلة حسنة ألفها في سنة 1217 ثم وقفت بعد ذلك كله في سنة 1285هـ، حين السفر إلى الحرمين الشريفين على رسالة للشيخ العالم: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب إمام الوهابية ذكر فيها ما لفظه:
وبعد فإنا معاشر موحدون لما من الله علينا وله الحمد بدخول مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت ثامن شهر المحرم سنة 1218هـ، بعد أن طلب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو: سعود - حماه الله - وقد كان أمراء الحج وأمير مكة على القتال والإقامة في الحرم ليصدوه عن البيت فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر كل واحد يعد الإياب غنيمة وبذل الأمير الأمان لمن بالحرم الشريف ودخلنا بالتلبية آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين غير خائفين من أحد من المخلوقين بل من مالك يوم الدين ... إلى قوله: ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد وعرض الأمير عافاه الله على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه قال: ثم دفعت إليهم الرسائل المؤلفة للشيخ: محمد في التوحيد واختصر من ذلك رسالة للعوام. انتهى.
وفي هذه الرسالة أنكر كثيرا مما ينسب إليه من المسائل والأقوال المخالفة لصحاح الكتب وللشيخ المحدث العلامة: محمد بن ناصر الحازمي: رسالة في المشاجرة مع أهل مكة المشرفة في المسائل التي اختلف فيها الوهابية وغيرهم أنصف في هذه الرسالة غاية الإنصاف وأتى بما يقضي منه العجب العجاب وله: رحمه الله تعالى رسالة أخرى في إثبات الصفات قال في مطاويها: قد بينا فيما تقدم عقيدة شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب وإن عقيدته وعقيدة أتباعه هي عقيدة السلف الماضيين من الصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين. انتهى.
وقال فيها في موضع آخر: إن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن: محمد بن عبد الوهاب وأتباعه - يعني: في آيات الصفات وإجرائها على الظاهر - هو الاعتقاد والحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة ... إلى آخر ما ذكره.
وبالجملة: فالشيخ: محمد بن عبد الوهاب ممن اختلف فيه اعتقاد الناس فمنهم: من أثنى عليه في كل ما قاله ووضعه ونشره ودعا إليه وقاتل عليه وانتصر له وافتخر بالانتساب إليه وإلى طريقته.
ومنهم: من أساء الظن به كل الظن ورد عليه كل نقير وقطمير اختاره وذهب إليه وكفره وبدعه.
ومنهم: من سلك سبيل الإنصاف وترك - خشية الله تعالى - القول باعتساف فقبل من أقواله ما كان صوابا ورد ما خالف منها سنة وكتابا ولعمري هذا هو الطريق السوي والصراط المستوي وهو الذي درج عليه أئمة الأمة وسلفها عند اختلاف الناس وتنازعهم في الدين وقضوا بذلك وبه كانوا يعدلون بين المسلمين ومن حاد عن طريقهم وشذ عن فريقهم فهو على شفا حفرة من النار ولا عبرة بالعامة بل ولا بالخاصة في نصرة من أحبوه وحط من أبغضوه لأن ذلك دأب أكثر الناس في غالب الأمصار والأعصار إلا من عصمه الله ووفقه للنصفة والاعتبار - والله أعلم بالصواب.
محمد بن علي بن محمد الشوكاني: شيخنا الإمام العلامة الرباني والسهيل الطالع من القطر اليماني إمام الأئمة ومفتي الأمة بحر العلوم وشمس الفهوم سند المجتهدين الحفاظ فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر نادر الدهر شيخ الإسلام قدوة الأنام علامة الزمان ترجمان الحديث والقرآن علم الزهاد أوحد العباد قامع المبتدعين آخر المجتهدين رأس الموحدين تاج المتبعين صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها قاضي الجماعة شيخ الرواية والسماعة عالي الإسناد السابق في ميدان الاجتهاد على الأكابر الأمجاد المطلع على حقائق الشريعة ومواردها العارف بغوامضها ومقاصدها.
قال القاضي العلامة: عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتابه: نفح العود في أيام الشريف حمود: كان مولد شيخنا الشوكاني يوم الإثنين الثامن والعشرين من ذي قعدة الحرام سنة اثنتين وسبعين بعد مائة وألف - كما أخبرني بذلك - في بلده: هجرة شوكان ونشأ على العفاف والطهارة وما زال يجمع النشأ ويحرز المكرمات له قراءة على والده ولازم إمام الفروع في زمانه القاضي: أحمد بن محمد الحرازي وانتفع به في الفقه.
وأخذ النحو والصرف عن السيد العلامة: إسماعيل بن حسن والعلامة: عبد الله بن إسماعيل النهمي والعلامة: القاسم بن محمد الخولاني وأخذ علم البيان والمنطق والأصلين عن العلامة: حسن بن محمد المغربي والعلامة: علي بن هادي عرهب ولازم في كثير من العلوم مجدد زمانه السيد: عبد القادر بن أحمد الحسني الكوكباني.
وأخذ في علم الحديث عن الحافظ: علي بن إبراهيم بن عامر وغير ذلك من المشائخ في جميع العلوم العقلية والنقلية حتى أحرز جميع المعارف واتفق على تحقيقه المخالف والموالف وصار مشارا إليه في علوم الاجتهاد بالبنان والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان
له المؤلفات في أغلب العلوم: ومنها: كتاب: نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار لجد ابن تيمية رحمه الله في أربع مجلدات كبار لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق أعطى فيه المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف وعدم التقيد بمذهب الأسلاف وتناقله عنه مشائخه فمن دونهم وطار في الآفاق في حياته وقرئ عليه مرارا وانتفع به العلماء وكان يقول: إنه لم يرض عن شيء من مؤلفاته سواه لما هو عليه من التحرير البليغ وكان تأليفه في أيام مشائخه فنبهوه على مواضع منه حتى تحرر.
وله التفسير الكبير المسمى: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير وقد سبقه إلى التأليف في الجمع بين الرواية والدراية العلامة: محمد بن يحيى بن بهران فله تفسير في ذلك عظيم لكن تفسير شيخنا أبسط وأجمع وأحسن ترتيبا وترصيفا وقد ذكر الحافظ السيوطي في الإتقان: أنه جعله مقدمة لتفسير جامع للدراية والرواية سماه: مطلع البدرين ومجمع البحرين.
وله: مختصر في الفقه على مقتضى الدليل سماه: الدرر البهية في المسائل الفقهية وشرحه شرحا نافعا سماه: الدراري المضيئة أورد فيه الأدلة التي بنى عليها ذلك المؤلف.
وله: وبل الغمام حاشية على شفاء الأوام للأمير: حسين بن محمد الإمام.
وله: در السحابة في مناقب القرابة والصحابة.
وله: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
وله: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول يعز نظيره وترصيفه وحسن ترتيبه وتصنيفه. وله: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار كان تأليفه في آخر مدته ولم يؤلف بعده شيئا فيما أعلم وقد تكلم فيه على عيون من المسائل وصحح من المشروع ما هو مقيد بالدلائل وزيف ما لم يكن عليه دليل وحسن العبارة في الرد والتعليل.
والسبب في ذلك: أنه نشأ في زمنه جماعة من المقلدة الجامدين على التعصب في الأصول والفروع ولم تزل المصاولة والمقاولة بينه وبينهم دائرة ولم يزالوا ينددون عليه في المباحث من غير حجة فجعل كلامه في ذلك الشرح في الحقيقة موجها إليهم في التنفير عن التقليد المذموم وإيقاظهم إلى النظر في الدليل لأنه يرى تحريم التقليد وقد ألف في ذلك رسالة سماها: القول المفيد في حكم التقليد وقد تحاماه لما حواه جماعة من علماء الوقت وأرسل إليه أهل جهته بسببه سهام اللوم والمقت وثارت من أجل ذلك فتنة في صنعاء بين: من هو مقلد وبين من هو مقتد بالدليل توهما من المقلدين أنه ما أراد إلا هدم مذهب أهل البيت لأن الإزهار هو عمدتهم في هذه الأعصار وعليه في عبادتهم والمعاملة على المدار وحاشاه من التعصب على من أوجب الله تعالى محبتهم وجعل أجر نبينا صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة مودتهم لأن له الولاء التام لهم وقد نشر محاسنهم في مؤلفه: در السحابة بما لم تخالج بعده ريبة لمرتاب على أن كلامه مع الجميع من أهل المذاهب سواء بسواء لأن المأخذ واحد والرد واحد والخطب يسير والخلاف في المسائل العلمية الظنية سهل لأنها مطارح أنظاره والاجتهاد يدخلها والمصيب من المجتهدين في ذلك له أجران والمخطي له أجر وهذا شأن أهل العلم في كل زمان ومكان ما بين راد ومردود عليه وكل مأخوذ من قوله ومتروك إلا صاحب العصمة عليه أفضل الصلاة والتسليم ومن طالع الكتب الإسلامية في الفروع والأصول على اختلاف أنواعها عرف ذلك وهان عليه سلوك هذه المسالك ومن وزن الأمور بالإنصاف لا تخفى عليه الحقيقة ومن جمد على التقليد وضاق عطنه عن مدارك الاستدلال فما له والاعتراض على المجتهدين ولا ينبغي أن يضائق المجتهد في اجتهاده لأجل توقفه في موقفه الذي هو: التقليد وقد تفضل الله عليه بالاجتهاد والتقليد لا يجوز إلا لغير المجتهد والاجتهاد غير متعذر ومن اعترض على المجتهد فيما أدى إليه اجتهاده فقد تحجر الواسع وجرى على خلاف نهج السلف من أهل العلم.
نعم أنا قد حبرت مقاصد السيل الجرار في مؤلف سميته: نزهة الأبصار وهو واف بالمقصود من إيراد تلك الأدلة من غير تعرض لما يقع به بسط الألسنة من الناس وللمترجم له: تاريخ حافل سماه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع جرى فيه من ذلك الوقت إلى زمانه.
وابتدأ فيه بذكر عابد اليمن: إبراهيم الولي المشهور وله جملة رسائل من مطولات ومختصرات وقد جمعت فتاواه ورسائله فجاءت في مجلدين وسماها ابنه العلامة: علي بن محمد: بالفتح الرباني وله في الأدب اليد الطولى وله أشعار كثيرة مدونة قد رتبها ابنه المذكور على حروف المعجم فجاءت في ديوان وقد أخذت عنه في كثير من الفنون العلمية وأخذت عنه غالب مؤلفاته وبموته أطفئ على أهل اليمن مصباحهم المنير ولا أظن يرون مثله في تحقيقه للعلوم والتحرير وقد جرت بيني وبينه مكاتبة أدبية ومراسلة لمسائل علمية هي عندي مثبتة بخطه. وعلى الجملة: فما رأى مثل نفسه ولا رأى من رأى مثله علما وورعا وقياما بالحق بقوة جنان وسلاطة لسان.
وقد أفرد ترجمته تلميذه الأديب: محمد بن حسن الجني الذفاري بمؤلف قصره على ذكر مشائخه وتلامذته وسيرته وما انطوت عليه شمائله وما قاله من شعر وما قيل فيه جاء في مجلد ضخم.
وكانت وفاته في شهر جمادى الآخرة في سنة خمسين بعد المائتين والألف وقد كان توفي قبله بمدة يسيرة ابنه العلامة: علي بن محمد وهو أحد محققي العلماء وممن لازم والده في جميع المعارف حتى بلغ ذروة العلوم تحقيقا وتدقيقا وقد شاركته في الأخذ على والده في كثير من مقروءاته وقد كنت قلت في والده مراثي لولا الإطالة لذكرتها. انتهى كلامه رحمه الله تعالى بلفظه ومعناه مع التلخيص.
قلت: ووجدت على ظهر كتابه: الدراري المضية أن مولده رضي الله عنه كان عام سبع وسبعين ومائة وألف وقلد ولاية القضاء من جهة الإمام: المنصور بالله علي بن العباس في أوائل شهر شعبان سنة 1229هـ، وتوفاه الله تعالى يوم الأربعاء في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من شهور سنة 1250هـ، وكان بين وفاته ووفاة ولده: علي بن محمد نحو شهر وكان قد توفاه الله قبله ولم يظهر والده جزعا ولا حزنا وكان ولدا صالحا عالما مبرزا في جميع العلوم وكان نادرة وقته على صغر سنه قيل: إنه توفي وهو في حدود العشرين رحم الله الجميع برحمته ثم ذكر له تصانيف عددها: ثلاثة وخمسون كتابا سماها بأسمائها.
قال السيد الجليل العلامة: عبد الرحمن بن سليمان ابن يحيى بن عمر مقبول الأهدل - رحمه الله - في كتابه المسمى: بالنفس اليماني والروح الريحاني في إجازة قضاة بني الشوكاني ما عبارته:
وممن تخرج بسيدي الإمام: عبد القادر بن أحمد الحسني إمام عصرنا في سائر العلوم وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم الحافظ المسند الحجة الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المحجة عز الإسلام: محمد بن علي الشوكاني بلغه الله في الدارين أقصى الأماني:
إن هز أقلامه يوما ليعلمها ... أنساك كل كمي هز عامله
وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
ولقد منح رب العالمين من بحر فضله الواسع هذا القاضي الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمان الأخير جمعت لغيره:
الأول: سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها.
الثاني: سعة التلاميذ المحققين والنبلاء المدققين أولي الأفهام الخارقة والفضائل الفائقة الحقيق أن ينشد عند حضور جمعهم الغفير ومشاهدة غوصهم على جواهر المعاني التي استخراجها من بحر الحقائق غير يسير:
إني إذا حضرتني ألف محبرة ... تقول: أخبرني هذا وحدثني
صاحت بعقوتها الأقلام ناطقة ... هذي المكارم لا قعبان من لبن
الثالث: سعة التأليف المحررة والرسائل والجوابات المحبرة التي تسامى في كثرتها الجهابذة الفحول وبلغ من تنقيحها وتحقيقها كل غاية وسول وقد ذكر لي بعض المعتمدين مؤلفاته الحاصلة الآن: مائة وأربعة عشر مؤلفا عدد سور كتاب الله تعالى قد شاعت في الأمصار الشاسعة فضلا عن القريبة ووقع بها غاية الانتفاع والله عز وجل المسؤول أن يبارك للإسلام والمسلمين في أوقاته وأن يمتع بحياته آمين ثم آمين:
كلنا عالم بأنك فينا ... نعمة ساعدت بها الأقدار
فوقت نفسك النفوس من بشر ... وزيدت في عمرك الأعمار
وقد اعتنى بشرح مناقبه وفضائله عدة من العلماء والأعلام والجهابذة الفخام منهم: السيد العلامة: إبراهيم بن عبد الله الحوثي.
ومنهم: بعض علماء كوكبان عظماء القدر كبراء الشأن.
ومنهم: السيد العلامة: محمد بن محمد الديلمي.
ومنهم: القاضي العلامة: محمد بن حسن الجني الذماري في كتاب حافل سماه: التقصار في جيد زمن علامة الأمصار.
ومنهم: الحبر العلامة والبحر الفهامة لطف الله جحاف وبالجملة: فمحل القول في هذا الإمام ذو سعة فإن وجدت لسانا قائلا فقل:
زد في العلا مهما تشا رفعة ... وليصنع الحاسد ما يصنع
فالدهر نحوي كما ينبغي ... يدري الذي يخفض أو يرفع
والله المسؤول أن يزيده مما أولاه وأن يصلح لكل منا آخره وأولاه فضلا من رب العالمين وكرما منه سبحانه اللهم آمين. انتهى كلامه رحمه الله. وللمترجم له كتاب: إتحاف الكابر بإسناد الدفاتر ذكر فيه مشائخه الأعلام وأسماء كتبه المقروءة والمسموعة ومروياته على التمام فمن شاء الزيادة فعليه بالكتاب المذكور فإن النظر فيه يقضي العجب العجاب وهذا الذي ذكرناه في هذا الكتاب قطرة من بحر فضائله التي لا تحصى وذرة من وادي فواضله التي لا تستقصى تشهد بذلك مؤلفاته وتنطق به مصنفاته والله يختص برحمته من يشاء وهو الذاب عن شريعة الإسلام باللسان والقلم والمناضل عن الدين النبوي وكم أبدى الحكم ولا عبرة بمن يرميه بما ليس فيه أو ينسبه بمجرد الهوى لقول غير وجيه فلم يضره قول الطاعن عن الحاسد والباغي الجاحد:
وما ضر نور الشمس إن كان ناظرا ... إليها عيون لم تزل دهرها عميا
غير أن الحسد يحمل صاحبه على اتباع هواه وأن يتكلم فيمن يحسده وبما يلقاه وما أحقه بقول القائل:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا علمه ... فالقوم أعداء له وخصوم
فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور نفوسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله وقد روي عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال: كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا اليوم شوكا لا ورق فيه فهذا زمان أبي ذر فما ذاك من زماننا وبأشراره:
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
فالمناسب جمع الخاطر عن علماء الوقت ورفع الهمة عنهم والقناعة بمن مضى من علماء السنة المطهرة واقتصار النظر في كتبهم المحققة هذا وله - رحمه الله تعالى - مؤلفات مفيدة في فنون عديدة والتي وقفت عليها وهي عندي موجودة أيضا كثيرة جدا غير ما ذكر.
منها: كتاب آداب الطلب ومنتهى الأدب.
والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
وإتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر.
وتحفة الذاكرين شرح عدة الحصن الحصين.
وإرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات ردا على موسى بن ميمون الأندلسي اليهودي في ظاهر المستند والزنديق في باطن المعتقد.
والطود المنيف في الانتصاف للسعد على الشريف في المسألة المشهورة التي تنازعا فيها بين يدي تيمورلنك.
وشفاء العلل في زيادة الثمن لمجرد الأجل.
وشرح الصدور في تحريم رفع القبور.
وطيب النشر في المسائل العشر جواب على القاضي: عبد الرحمن.
ورسالة: أجاب بها على الشريف: إبراهيم بن أحمد ابن إسحاق.
ومنها: الصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية لإبطال قول من أوجب غسل الفرجين.
ورسالة: في اختلاف العلماء في تقدير النعاس.
ورسالة: في الرد على القائل بوجوب التحية.
والقول الصادق في حكم الإمام الفاسق.
ورسالة: في حد السفر الذي يجب معه قصر الصلاة.
وله: تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع.
والرسالة المكملة في أدلة البسملة.
وإطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال.
ومنها: رسالة: في الطلاق البدعي يقع أم لا.
ورسالة: الطلاق لا يتبع الطلاق.
ورسالة: في إرضاع الكبير هل يقتضي التحريم أم لا؟
ورسالة: تنبيه ذوي الحجا على حكم بيع الرجا.
ورسالة: القول المحرر في لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر.
وعقود الزبرجد في جيد مسائلا علامة ضمد.
ورسالة: إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع.
ورسالة: زهر النسرين في حديث المعمرين الفائح بفضائل العمرين.
وإتحاف المهرة في الكلام على حديث: لا عدوى ولا طيرة.
وعقود الجمان في بيان حدود البلدان. وأخرى سماها: إرشاد الأعيان إلى تصحيح ما في عقود الجمان ردا على السيد العلامة: حسين بن يحيى الديلمي.
ورسالة: حل الإشكال في أجياد اليهود على التقاط الأزبال وأخرى: ردا على مناقضها السيد العلامة: عبد الله بن عيسى بن محمد الكوكباني التي سماها: إرسال المقال على إزالة حل الإشكال فرد شيخ الإسلام على تعقبه.
بتفويق النبال إلى إرشاد المقال.
ورسالة: البغية في مسألة الرؤية.
والتشكيك على التفكيك.
وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي.
ورسالة: رفع الجناح عن نافي المباح هل هو مأمور به أم لا؟
والعقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين.
والقول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول.
وجواب السائل في جواب: والقمر قدرناه منازل وأمنية المتشوق إلى معرفة حكم المنطق.
وإرشاد المستفيد إلى دفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقييد.
والبحث الملم المتعلق بقوله تعالى: إلا من ظلم.
والبحث المسفر عن تحريم كل مسكر.
وله: الدواء العاجل لدفع العدو الصائل.
ورسالة عجيبة: في رفع المظالم والمآثم.
والدرر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد.
ورسالة في وجوب التوحيد.
والمقالة الفاخرة في اتفاق الشرائع على الدار الآخرة.
ونزهة الأحداق في علم الاشتقاق.
ورفع الريبة فيما يجوز ولا يجوز من الغيبة.
وتحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل.
وكشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار.
وإشراق النيرين في بيان الحكم: إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين.
ورسالة التسعير.
وكتاب: نثر الجوهر في شرح حديث أبي ذر.
ورسالة: في التحلي بالذهب للرجال.
ورسالة: منحة المنان في أجرة القاضي والسجان.
ورسالة: في مسائل العول. ورسالة: تنبيه الأمثال على عدم جواز الاستعانة من خالص المال.
ورسالة: في الاتصال بالسلاطين.
وقطر الولي في معرفة الولي.
والتوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح.
ورسالة: جيد النقد في عبارة الكشاف والسعد.
وبغية المستفيد في الرد على من أنكر الاجتهاد من أهل التقليد.
والروض الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصار علم البديع.
وفتح الخلاق في جواب مسائل عبد الرزاق ... إلى غير ذلك.
وأما الأبحاث التي اشتمل عليها كتابه: الفتح الرباني وغيره فهي كثيرة جدا لا يسعها هذا المقام.
وكل بحث منها: كالرسالة في بابه وقد وقفت على أكثرها - بحمد الله تعالى - وانتفعت به نفعا عظيما صلح به قلبي وجسدي - وبالله التوفيق وهو المستعان.
الشيخ العلامة القاضي: حسين بن محسن الأنصاري ابن محمد بن مهدي بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن عثمان بن محمد بن عمر بن محمد بن حسين ابن إبراهيم بن إدريس بن تقي الدين بن سبيع بن عامر ابن غبشة بن ثعلبة بن غبشة بن عوف بن مالك بن عمر بن كعب بن الخزرج بن قيس بن سعد بن عبادة ابن دلهم بن حارثة بن خزام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الخزرجي الأنصاري كانت ولادة شيخنا: الحسين في شهر جمادى الأولى سنة 1245هـ ولما بلغ ثلاث عشرة سنة من العمر توجه إلى قرية المراوعة لتحصيل طلب العلم على يد شيخه ومربيه شرف الإسلام وحسنة الليالي والأيام ذي المنهج الأعدل السيد: حسن بن عبد الباري الأهدل فأقام بها ثمان سنين مشتغلا بالطلب في التفسير والحديث والنحو والفقه على شيخه الموصوف وحصلت له منه الإجازة والإسناد كما ذلك معروف ومشهور وأخذ أيضا على أخيه وشقيقه الكبير القاضي العلامة: محمد بن محسن الأنصاري فقرأ عليه صحيح البخاري قراءة بحث وتحقيق من أوله إلى آخره وفي كثير من علوم الحديث والفقه والفرائض وغيرها والشيخ: محمد بن محسن المذكور من الآخذين على شيخه السيد: حسن بن عبد الباري أيضا وحصلت للشيخ: حسين المذكور الإجازة العامة وأيضا الملاقاة بشيخه القاضي العلامة: أحمد بن محمد بن علي الشوكاني في بندر الحديدة وأجازه إجازة عامة بجميع مروياته ومسموعاته وبشيخه الإمام العلامة الشريف: محمد بن ناصر الحازمي بمكة المشرفة في سنوات عديدة وقرأ عليه الأمهات الست قراءة بحث وتحقيق ومسند الدارمي وأوائل الشيخ: محمد سعيد سنبل المدني وشمائل الإمام الترمذي وإجازة بجميع مروياته ومسموعاته إجازة عامة - كما هي موجودة بخطه الشريف.
ورحل إلى مدينة بيدر وأخذ بها على شيخه السيد العلامة: نفيس الدين سليمان بن محمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل مفتي مدينة زبيد حالا عافاه الله تعالى وقرأ عليه أوائل الأمهات وحصل له الإجازة منه بجميع مروياته ومسموعاته كما هي موجودة بخطه الشريف.
هذا والشيخ: حسين بن محسن شيخنا في العلوم الحديثة أخذت عليه أكثر الأمهات الست وغيرها وأجازني بها إجازة عامة تامة كما هي موجودة عندنا بخطه الشريف مكتوبة في: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند وقرأ عليه أيضا: ثمرة الفؤاد ونخبة المراد الولد نور الحسن بارك الله له وعليه وفيه الكتب الحديثة وحصل له منه الإجازة بجميع مروياته ومسموعاته وكتب له الإجازة بخطه الشريف وكم1 له من تلامذة في بلدتنا بهوبال المحمية وهو الغنيمة الكبرى للطالبين والنعمة العظمى للراحلين كان فيما مضى قاضيا ببلدة اللحية: من بلاد اليمن وهو في الحال نزيل بهوبال ومدرس المدرسة الرياسية يدرس ويفيد.
له علم نافع وعمل صالح وفكرة صحيحة وهمة في إشاعة علم الحديث رفيعة ولقاء مبارك جاءنا بمؤلفات علماء اليمن الميمون وأمطر علينا نفائس الكتب كالغيث الهتون كم قد ذهب في طلب كتب الحديث لنا إلى أرض الحجاز وغيرها ورجع من هناك برسائل نفيسة ومجاميع عزيزة وكتب الشروح والمتون ودواوين العلوم على الحقيقة دون المجاز - أحسن الله إليه كما أحسن إلي وتفضل علي - وقد بذلنا في تحصيل هذه الكتب وتلك الصحف مالا جما وجمعناها على يده من بلاد شتى: نحو صنعاء وزبيد وأبي عريش واليمن والحديدة والبصرة ومصر والحرمين الشريفين وهو - عافاه الله تعالى - صرف همته العليا في إشاعة مؤلفاتنا أيضا حتى بلغ بها إلى أقصى اليمن وأبلغها إلى الأماكن البعيدة سوى ما سارت بها الركبان إلى بلاد الله تعالى من هذه البلدة ومن مكة المشرفة - ولله الحمد كل الحمد والمنة.
تقدم في القسم الأول من هذا الكتاب أن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم وقليل من منهم من العرب فالأعاجم هم سباق حلبة العلوم وفرسان معركة المنطوق والمفهوم تعاطوا من دنان الحكم أصفى الحميا وتناولوا من غوامض العلوم ما كان بالثريا ولكن الله تعالى بعث في الأميين رسولا عربيا نسخ جميع الكتب والأديان وجاء الناس باليمن والإيمان وأخذ بنواصي كافة الأمم وألزم طاعته على رقاب العرب والعجم وهذا الفخر كاف للعرب العرباء واف في باب العلياء لا يدانيهم فيه أحد من الأعاجم ولا يبلغ شأوه فرد من الأعاظم.
ولما ورد الإسلام قبل الهند بالإيران والتوران وكشف نوره الأتم أغطية الظلم عن هذه البلدان نشأت العلوم الإسلامية سابقا بتلك البلاد وترعرعت بها أغصان هذا الشجر المياد.
وأما الهند: فقد فتح في عهد الوليد بن عبد الملك على يد محمد بن قاسم الثقفي سنة اثنتين وتسعين الهجرية وبلغت راياته المظلة على الفوج من حدود السند إلى أقصى قنوج سنة خمس وتسعين وبعد ما عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم وبقي الحكام من الخلفاء المروانية والعباسية ببلاد السند وقصد السلطان محمود الغزنوي أواخر المائة الرابعة غزو الهند وأتى مرارا وغلب وأخذ الغنائم وانتزع السند من الحكام الذين كانوا من قبل القادر بالله بن المقتدر العباسي لكن السلطان محمود لم يقم بالهند وكان أولاده متصرفين من غزنين إلى لاهور حتى استولى السلطان: معز الدين سام الغوري على غزنين وأتى لاهور وقبض على خسرو ملك خاتم الملوك الغزنوية وضبط الهند وجعل دهلي دار الملك سنة تسع وثمانين وخمسمائة هـ ومن هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية.
ولما انتشر الإسلام في هذه البلاد وطلعت شموسه البازعة على الأغوار والأنجاد وعلت الكلمة الطيبة في هذه الغبراء واجتمعت بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ظهر بها جمع من العلماء والأدباء الإسلامية الناثرين على بسط الأزمنة لآلي من السحب الأقلامية لكن لم يعمد أحد منهم إلى ضبط تراجمهم ولم يجتن جان زهرا من حواجمهم إلا نزرا يسيرا ولذلك لا ترى من السلف والخلف كتابا مستقلا في هذا الباب لا على طريق الإيجاز ولا على سبيل الإطناب ألا ترى أن عين العلم كتاب مفيد مصنفه على الأصح من أهل الهند كما ذكر ذلك علي القاري في شرحه له على ما صرح به الحافظ: ابن حجر العسقلاني رحمه الله ومع وجود مثل هذا الكتاب لم يعرف واحد من مؤرخي الهند خبره وما أبقى الزمان الجائر مع إبقاء الكتاب أثره ومن ثم اندرست آثار جم غفير من العلماء الأجلاء واندثرت معالم كانت أفلاذ كبد الدهناء:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والخطوب الزواجر
وبالجملة: قد خرج من أرض الهند جماعة كبيرة من العلماء الفضلاء وطلع من بلادها طائفة من النبلاء الأدباء قديما وحديثا وإن لم يسر بذكرهم الركبان سيرا حثيثا وقد كنت يخطر ببالي أن أجمع لتراجمهم كتابا مستقلا لا يغادر صغيرا ولا كبيرا وأرتب لذكرهم سفرا مفردا يثبت لهم ذكرا جميلا وفضلا كثيرا لكن عاقني عن ذلك كثرة الأشغال وتشتت البال من تغير الأحوال حتى لم تتيسر تلك الأمنية إلى الآن فاقتصرت في تذكارهم في هذا الكتاب على ما وجدته في كتاب: سبحة المرجان مع زيادة يسيرة من تراجم المتأخرين الذين هم من العلم والفضل بمكان مكين فأقول وبالله أحول وأصول:
أبو حفص ربيع بن صبيح السعدي البصري: هو من أتباع التابعين وأعيان المحدثين كان صدوقا عابدا مجاهدا أول من صنف في الإسلام.
روى عن: الحسن البصري وعطاء.
وعنه: سفيان الثوري ووكيع وابن مهدي.
قال صاحب المغني: مات بأرض السند سنة ستين ومائة ومن ثم ذكرته في علماء الهند تيمنا بذكره والله الموفق.
مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري: أصله من همدان خرج أبوه سعد منها إلى الهند وورد لاهور في دولة السلاطين الغزنوية ولازم منهم السلطان: إبراهيم فأعطاه عدة من الأعمال واستوطن لاهور وتزوج بها واستولد كثيرا منهم: مسعود المذكور نشأ في كفالة والده واحتظى من العلم والكمال بطريفه وتالده إلى أن فوض إليه السلطان حكومة بعض الأمصار وكان شاعرا مجيدا محبا للشعراء يعطيهم صلات عظيمة على أدنى شعر وكان نديما لسيف الدين محمود بن السلطان إبراهيم. توفي في سنة 515هـ، محبوسا في قلعة نائ وكان لبث في السجن عشرين سنة حفظ هناك القرآن ونظم الأشعار وكان عارفا بالألسنة الثلاثة: العربي والفارسي والهندي صاحب ثلاثة دواوين فيها وديوانه الفارسي متداول في بلاد الهند والإيران ولم يصل أحد من شعراء العجم في الطريقة إليه لا في حسن المعاني ولا في لطف الألفاظ والمباني صرح بذلك: نظامي العروضي في رسالته: جهار مقالة وله شعر حسن منه ما أورده الرشيد الوطواط في: حدائق السحر:
ثق بالحسام فعهده ميمون ... واركب وقل للنصر كن فيكون
ومنه: هذه القطعة في التورية:
وليل كأن الشمس ضلت ممرها ... وليس لها نحو المشارق مرجع
نظرت إليه والظلام كأنه ... على العين غربان من الجو وقع
فقلت لقلبي: طال ليلي وليس لي ... من الغم منجاة وفي الصبر مفزع
أرى ذنب السرحان في الجو طالعا ... فهل ممكن أن الغزالة تطلع
ذكره الأديب: صابر والنسائي الحكيم وجمال الدين عبد الرزاق في أشعارهم وأثنوا عليه ثناء جميلاً.
حسن بن محمد بن حسن بن حيدر العدوي العمري الصغاني الحنفي رضي الدين صاحب مشارق الأنوار أصله من صغان: بلدة من بلاد ما وراء النهر.
وولد بلاهور في سنة 577هـ، وهو من نسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان محدثا لغويا فقيهاً
أخذ العلم عن والده ورحل إلى بغداد وأقام بها مدة له مشاركة في العلوم والتصانيف العديدة المفيدة فيها.
منها: كتاب: الشوارد في اللغات وكتاب الافتعال وكتاب العروض وكتاب مصباح الدجى والشمس المنيرة وشرح البخاري والعباب معجم في اللغة.
توفي ببغداد في سنة 650هـ، أوصى بنقل ميته إلى مكة فدفن بها وكان قد أقام بمكة مجاورا مدة ثم عاد إلى العراق وأرسل برسالة إلى الهند.
وسمع الحديث بمكة وعدن والهند من شيوخ كثيرة وكان إماما دينا عالما متقنا وقد دعا لوقوع موته وقبره بمكة المكرمة في مبدأ مشارق الأنوار حيث قال: أماته بها حميدا فأقبره ثم إذا شاء أنشره فسمع الله تعالى نداءه.
شمس الدين يحيى الأودي: وأود: بلدة قديمة من الهند يقال: بناها شيث بن آدم - عليهما السلام - وكانت دار الإمارة لبعض الرؤساء.
أخذ العلم عن: ظهير الدين البكري وفريد الدين الشافعي شيخ الإسلام بأود وبايع الشيخ: نظام الدين الدهلوي البدايوني وبدايون: بلدة من توابع صوبة دهلي وهي - بكسر الدال وسكون الهاء -: دار الخلافة لسلاطين الهند ذكرها المجد في القاموس: كان عالما جليلا وفاضلا نبيلا مدحه تلميذه الشيخ: نصير الدين بقوله:
سألت العلم: من أحياك حقا ... فقال العلم: شمس الدين يحيى درس بدهلي وانتهت إليه رياسة العلم بها ومات بعد شيخه النظام - رحمه الله - بعدة سنين وتوفي شيخه في سنة 725هـ الهجرية.
الشيخ حميد الدين الدهلوي: كان عالما كبيرا فقيها دينا له شرح على هداية الفقه لم يقصر فيه ذكره في كشف الظنون وأثنى عليه العلامة: ابن كمال توفي في سنة 764هـ الهجرية.
القاضي عبد المقتدر بن القاضي ركن الدين الشريحي الكندي الدهلوي: كان عالما مقتدرا على العلوم الكثيرة بايع الشيخ: نصير الدين الدهولي وأخذ عنه الطريقة وأقام دولة العلم والتدريس وأفاض على الطلبة والمشتغلين عليه أنوار التقديس وكان طريقة شيخه وأكثر خلفائه: المحافظة على سنن الشريعة والاشتغال بدرس العلوم الدينية وكان يقول: الفكر في مسألة واحدة من الشريعة أفضل من ألف ركعة مشوبة بالعجب والرياء.
توفي القاضي في سنة 791هـ، وعمره: ثمان وثمانون سنة ودفن قريبا من الحوض الشمسي الواقع في دهلي وله قصيدة لامية طويلة أولها:
يا سائق الظعن في الأسحار والأصل ... سلم على دار سلمى وابك ثم سل
أورد أكثرها وترك أقلها أزاد في سبحة المرجان وغيره وعليها شرح لبعض العلماء وهي في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: معين الدين العمراني الدهلوي كان فاضلا مشارا إليه بالأنامل درس بدهلي وأرسله السلطان: محمد بن تغلق شاه والي الهند المتوفي سنة 752هـ، إلى القاضي: عضد الإيجي بشيراز والتمس قدومه بالهند فأمسكه السلطان: أبو إسحاق وأكرم الشيخ إكراما بليغا وظهرت منه آثار الفضل والعلم على أهلها وعلمائها له تصانيف منها: الحواشي على الكنز وعلى الحسامي وعلى مفتاح العلوم.
الشيخ: أحمد التانيسري: بلدة بين دهلي ولاهور كان عالما شاعرا من مريدي الشيخ: نصير الدين الدهلوي ولما أخذ تيمور الأعرج دهلي رغب في لقياه واختاره للمجالسة حين توجه من الهند إلى الروم فتأخر عن موكبه وتيمور فتح دهلي في سنة 801هـ، وفتح الروم في سنة 805هـ، فقال مؤرخ للفتح الأول: فتح قريب وللثاني: غلبت الروم في أدنى الأرض ثم هاجر الشيخ من دهلي إلى كالبي واستوطنها واشتغل بالدرس والتعليم إلى أن توفي في داخل قلعتها له شعر جيد حسن وقصيدة بديعة مدح بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أولها:
أطار لبي حنين الطائر الغرد ... وهاج لوعة قلبي التائه الكمد
وأذكرتني عهودا بالحمى سلفت ... حمامة صدحت من لاعج الكبد
وهي مذكورة في السبحة وغيرها.
القاضي: شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي: ولد بدولة: آباد دهلي وتتلمذ على القاضي: عبد المقتدر ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا: معين الدين العمراني وفاق أقرانه وسبق إخوانه وكان أستاذه القاضي يقول في حقه: أتاني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم ولما توجه موكب تيمور إلى الهند خرج الشهاب في صحبة أستاذه خواجكي إلى كالبي فأقام هو بها وذهب الشهاب إلى جونفور: بلدة من صوبة إله آباد كانت دار الخلافة للسلاطين الشرقية خرج منها جمع جم من أهل العلم والشيخوخة فاغتنم السلطان إبراهيم الشرقي قدومه ولقبه: بملك العلماء وهو: درس هناك وألف وأفاد وحرر وأجاد.
ومن مؤلفاته: البحر المواج بالفارسية تفسير والحواشي على كافية النحو والإرشاد: متن التزم فيه تمثيل المسألة في ضمن تعريفها وبديع الميزان في البلاغة وشرح البزدوي في أصول الفقه وشرح قصيدة بانت سعاد ورسالة في تقسيم العلوم ومناقب السادات وغير ذلك
توفي في سنة 849هـ، ودفن بجونفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي.
الشيخ علي بن أحمد المهائمي: من طائفة النوائت1 قوم في بلاد الدكن ومهائم بندر من بنادركوكن وهي ناحية من الدكن مجاورة للبحر المحيط وكان الشيخ من علمائها الصوفية وكان مثبتا للتوحيد الوجودي مقتفيا بالشيخ ابن عربي توفي سنة 835هـ، ودفن بها.
له مصنفات تدل على غزارة علمه وكمال قدرته على العلوم منها: التفسير الرحماني والزوارف شرح العوارف وشرح فصوص الحكم وشرح النصوص للشيخ صدر الدين القونوي وأدلة التوحيد ورسالة عجيبة: استخرج فيها من وجوه الإعراب في قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ما يبلغ عدده2 إلى اثني عشر كرورا وثلاثة وثمانين لكا وأربعة وأربعين ألفا وخمسمائة وأربعة وعشرين وجها ويكتب ذلك بالهندسة هكذا: 128344524، ذكر جملة صالحة من بيان ذلك في سبحة المرجان في آثار هندوستان فليرجع إليه.
الشيخ: سعد الدين الخير آبادي: بلدة من صوبة أود كان أبو الشيخ قاضيا بهذه البلدة فمات وتركه صغيرا فحفظ القرآن الكريم في صغره ولما بلغ أشده تتلمذ على مولانا أعظم اللكنوي: بلدة من بلاد بورب ولبس الخرقة من الشيخ مينا المتوفي في سنة 874هـ، وجلس للتدريس والإرشاد فأفاد وأجاد وأوصل المريدين إلى المراد وحرر شروحا غراء على الكتب المتداولة مثل: شرح البزدوي وشرح الحسامي وشرح الكافية وشرح المصباح وشرح رسالة شيخه مينا وكلما ينقل فيها قولا من شيخه يقول: قال شيخي الشيخ مينا - أدامه الله فينا - عاش حصورا على طريقة شيخه الأمجد حتى لقي من لم يلد ولم يولد ودفن بخير آباد وقبره يزار.
الشيخ: عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي: بفتح التاء بلدة بقرب ملتان كان رأسا في العلوم النقلية والعقلية مدرسا في وطنه زمانا طويلا ثم هاجر منه إلى دهلي وأوى إلى السلطان إسكندر اللودي فاستوى فلكه على الجودي فأكرمه السلطان ونفع الله به أهل الزمان إلى أن توجه في سنة 922هـ إلى جنة المأوى وكان تاريخه: أولئك لهم الدرجات العلى وقبره بدهلي ومن مؤلفاته: شرح ميزان المنطق. الشيخ الهداد الجونفوري: ومعناه: عطية الله تتلمذ على الشيخ الفاضل: عبد الله التلنبي وبايع راجي حامد شاه المانكفوري: بلدة من صوبة إله آباد صرف عمره في الإفادة وحرر الحواشي على المتون والشروح كشرح هداية الفقه في عدة مجلدات وشرح البزدوي والحواشي على الحواشي الهندية والحاشية على تفسير المدارك.
الشيخ علي المتقي بن حسام الدين عبد الملك بن قاضي خان القادري الشاذلي المدني الجشتي.
أصله: من جونفور.
مولده: برهانفور: من بلاد الدكن.
تتلمذ على الشيخ: حسان الدين الملتاني وغيره من العلماء ثم سافر في سنة 953هـ، إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ: أبا الحسن البكري وتلمذ عليه.
يقول البكري: للسيوطي منه على العالمين.
وللمتقي منه عليه اشتغل بالتدريس والتأليف ورتب جمع الجوامع للسيوطي على أبواب الفقه تزيد مؤلفاته على المائة وكان الشيخ: ابن حجر المكي الفقيه الشافعي صاحب الصواعق المحرقة أستاذه وفي الآخر تتلمذ عليه ولبس الخرقة منه.
توفي رحمه الله في سنة 975هـ. ذكر له الشيخ: عبد الحق الدهلوي ترجمة حافلة في المقصد الأول من كتابه: زاد المتقين في سلوك طريق اليقين وأثنى عليه كثيرا وحرر أحواله الشريفة في أبواب خمسة بإيضاح تام.
وللشيخ عبد الوهاب المتقي كتاب سماه: إتحاف التقي في فضل الشيخ: علي المتقي أبان فيه عن فضائله الكثيرة وهو حقيق بذلك وقد وقفت على تواليفه فوجدتها نافعة مفيدة ممتعة تامة.
الشيخ محمد طاهر الفتني: صاحب: مجمع البحار في غريب الحديث وفتن: بلدة من بلاد كجرات.
تلمذ على علماء بلده وصار رأسا في العلوم الحديثة والأدبية ورحل إلى الحرمين الشريفين وأدرك علماءهما ومشائخهما سيما الشيخ: علي المتقي وذكره في مبدأ كتابه: مجمع البحار وأثنى عليه ثناء حسنا جميلا وعاد إلى بلده وقصر همته على إفادة العلوم وكانت طريقته الاشتغال بعمل المداد وإعانة كتبة العلوم بهذا الإمداد حتى في حالة الدرس أيضا يشتغل بحله.
له: المغني في أسماء الرجال وتذكرة الموضوعات وعزم على كسر البواهير المهدوية الذين كانوا قومه وعهد أن لا يربط العمامة على رأسه حتى يزيل تلك البدعة فلما استولى السلطان: أكبر والي دهلي في سنة 940هـ على كجرات واجتمع بالشيخ ربط العمامة بيده على رأس الشيخ وقال: على ذمة معدلتي نصرة الدين وكسر الفرقة المبتدعين وفق إرادتك وكان قد فوض حكومة كجرات إلى أخيه الرضاعي: ميرزا عزيز كوكه الملقب: بالخان الأعظم فأعان الشيخ وأزال رسوم البدعة مهما أمكن ثم عزل الخان الأعظم ونصب مكانه عبد الرحيم خان خانان وكان شيعيا فاعتضد به المهدوية وخرجوا من الزوايا ورموا السهام على الخبايا فحل الشيخ العمامة عن رأسه وانطلق إلى أكبر بادشاه وكان في مستقر الخلافة آكره فتبعه جمع من المهدوية سرا وهجموا عليه في حوالي أجين وقتلوه سنة 986هـ، فاستشهد ونقل جسده إلى فتن ودفن في مقابر أسلافه وكان صديقي النسب من جهة أمه وأصله من البواهير1 وأسلافهم جديدو الإسلام.
وبيوهار: في الهندية: التجارة وبوهره: التاجر.
وقد ذكر الشيخ: عبد الحق الدهلوي ترجمته في أخبار الأخيار وذكرتها أنا في إتحاف النبلاء وأيضا أفردت ترجمتها في رسالة مستقلة ألحقتها في أوائل مجمع البحار.
قال الشيخ2 عبد الوهاب المتقي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرؤيا فقلت: من أفضل الناس في هذا الزمان يا رسول الله؟ فقال: شيخك ثم محمد طاهر ويا لها من رؤيا تفضل على اليقظة.
وكتابه: مجمع البحار قد طبع بالهند لهذا العهد واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار وهو كتاب جمع فيه كل غريب الحديث وما ألف فيه فجاء كالشرح للصحاح الستة فإن لم يكن عند أحد شرح لكتاب من الأمهات الست فهذا الكتاب يكفيه لحل المعاني وكشف المباني وهو كتاب متفق على قبوله متداول بين أهل العلم منذ ظهر في الوجود - وبالله التوفيق.
الشيخ وجيه الدين العلوي الكجراتي: كان وجيها في الدنيا والآخرة وعالما عارفا ذا المناقب الفاخرة.
ولد في سنة 911هـ، في جابانير من بلاد كجرات ونشأ بها وارتحل في طلب العلم وأخذ من ملا عماد الطارمي من أعيان علماء العصر ولبس الخرقة من الشيخ: قاضن واستفاد من الشيخ: محمد غوث الكواليري صاحب: الجواهر الخمسة حين ورد بكجرات. وتوفي في سنة 998هـ، ودفن بها.
وتاريخ وفاته: لهم جنات الفردوس نزلاً.
وله المصنفات الكثيرة منها: حاشية تفسير البيضاوي وشرح النخبة في أصول الحديث وحاشية العضدي وحاشية التلويح وحاشية البزدوي وحاشية هداية وحاشية شرح الوقاية وحاشية المطول وحاشية المختصر وحاشية شرح التجريد وحاشية الأصفهاني وحاشية شرح العقائد للتفتازاني وحاشية الحاشية القديمة للمحقق الدواني وحاشية شرح المواقف وحاشية شرح حكمة العين وحاشية شرح المقاصد وحاشية شرح الجغميني وحاشية شرح الحامي وشرح الإرشاد للشهاب في النحو ... إلى غير ذلك مما لا يحصى.
الشيخ أبو الفيض المتخلص: بفيضي الأكبر آبادي: كان فاضلا جيدا وشاعرا مجيدا مفلقا
بارعا في العلوم العقلية والأدبية.
ولد بآكرة في سنة 954هـ، وتتلمذ على أبيه الشيخ: مبارك صاحب التفسير المسمى: بمنبع عيون المعاني المتوفى سنة 1001هـ إحدى وألف.
أخذ عنه الفنون المتداولة وحصل الفراغ منها وهو ابن أربع عشرة سنة وخاض كثيرا بالحكمة والعربية واختص بمزيد قربة السلطان أكبر ملك الهند ولقب: بملك الشعراء وله قصائد في مدحه وأبيات ديوانه الفارسي: خمسة عشر ألف بيت شعر وله تصانيف تدل على اقتداره في اللسان العربي منها: موارد الكلم في الأخلاق وترجمة ليلاوتي1 وأجل مصنفاته: سواطع الإلهام في تفسير القرآن الكريم الغير المنقوط صنفه في سنتين وأتمه في سنة 1002هـ، يدل على إطالة يده في علم اللغة وأنا وقفت عليه وذكره في كشف الظنون وكان فيضي على طريقة الحكماء وكذا إخوانه أبو الفضل وغيره وكانوا معروفين بانحلال العقائد وسوء التدني والإلحاد والزندقة نعوذ بالله منها توفي في سنة 1004هـ، ودفن عند قبر أبيه بآكرة.
السيد صبغة الله البروجي: بلدة من كجرات. أخذ العلوم عن الشيخ: وجيه الدين الكجراتي واشتغل بالتدريس والإرشاد برهة ثم رحل إلى مكة والمدينة وغيرهما وعاد إلى بروج ثم ارتحل إلى مالوه وأقام في أحمد نكر: من بلاد الدكن عند سلطانها: برهان الملك ثم سافر إلى الحرمين الشريفين ودخل بيجابو فخدمه السلطان إبراهيم وهيأ له أسباب السفر فدخل المدينة وسكن بجبل أحد وعرب الجواهر الخمسة وحرر عليه تلميذه الشيخ: أحمد الشناوي حاشية وذكر له الشيخ: محمد عقبلة المكي ترجمة حسنة في كتابه: لسان الزمان وله: كتاب الوحدة ورسالة: إراءة الدقائق في شرح مرآة الحقائق وما لا يسع المريد تركه كل يوم من سنن القوم
توفي بالمدينة سنة 1015هـ الهجرية وقبره بها.
الشيخ أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين الفاروقي السهرندي بلدة عظيمة بين دهلي ولاهور وهو المعروف: بمجدد الألف الثاني.
كان عالما عاملا عارفا كاملا ينتهي نسبه إلى الفاروق.
ولد في سنة 971هـ، حفظ القرآن وقرأ على أبيه أولا واستفاد منه جما من العلوم ثم ارتحل إلى سالكوت وتتلمذ على المحقق: كمال الدين الكشميري بعض المعقولات بغاية من التحقيق وأخذ الحديث عن: الشيخ يعقوب المحدث الكشميري وكان صاحب كبراء المحدثين بالحرمين الشريفين وأسند الحديث عنهم وتناقل الحديث المسلسل بالرحمة بواسطة واحدة عن الشيخ: عبد الرحمن بن فهد - من كبراء المحدثين في زمانه بالهند - وتعاطى عنه إجازة كتب التفسير والصحاح الست وسائر مقروءاته.
وروى الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي: بهلول البدخشاني عن ابن فهد المذكور ولعله هو الواسطة في الإجازة بينهما وفرغ من التحصيل في عمر سبعة عشرة سنة واشتغل بالتدريس.
وله: رسائل لطيفة باللسان العربي والفارسي.
وجاء إلى دهلي في سنة 1002هـ، وأخذ الطريقة النقشندية عن خواجة عبد الباقي عن خواجه إمكنكي عن أبيه مولانا: درويش محمد عن خاله مولانا: محمد زاهد عن خواجه: عبيد الله أحرار وكذا الطرائق الأخرى عن شيوخ أخر ووصلت سلسلته من الهند إلى ما وراء النهر والروم والشام والعرب وأقصى المغرب مثل: فاس وغيرها.
وله مكتوبات في ثلاثة مجلدات هي حجج قواطع على تبحره وسمعت أنه عربها بعض العلماء ولكن لم أر المعربة وحبسه السلطان: جهانكير في حصن كواليا على عدم سجدة التعظيم منه له وإليه أشار آزاد في غزله:
لقد برع الأقران في الهند ساجع ... وجدد فن العشق يا للمغرد
فلا عجب أن صاده متقنص ... ألم تر في الأسلاف قيد المجدد
ولما حبس لبث في السجن ثلاث سنين ثم أطلق وأقام في العسكر يدور معه ثم عاد إلى سهرند والعود أحمد ثم توفي في سنة 1034هـ، وله ثلاث وستون سنة دفن بسهرند.
ومن مؤلفاته: الرسالة التهليلية ورسالة: إثبات النبوة ورسالة: المبدأ والمعاد ورسالة: المكاشفات الغيبية ورسالة: آداب المريدين ورسالة: المعارف اللدنية ورسالة: رد الشيعة وتعليقات العوارف ... إلى غير ذلك.
ومن إفاداته أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود وبين وحدة الشهود وبين أن وحدة الوجود تعتري السالك في أثناء سلوكه فمن ترقى مقاما أعلى من ذلك تتجلى له حقيقة وحدة الشهود فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية ثم إنه باحث الملاحدة في زمانه وجادلهم بقلمه ولسانه ورد على الروافض وحقق الفرق بين البدعة والسنة وأقيسة المجتهدين واستحسانات المتأخرين والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير وما أحدثه الناس في القرون المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم فرد بذلك مسائل مما استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه وكان فقيها ماتريديا حريصا على اتباع السنة مجتهدا فيه قليل الخطأ في دركه والمسائل المعدودة التي شدد بعض أهل العلم النكير بها عليه فالصواب أن لها تأويلا وقد شاركه فيها غيره ممن لا يحصى كثرة فليس إذا يخصه الإنكار.
ومن أبنائه: الشيخ محمد سعيد الملقب: بخازن الرحمة له حاشية على المشكاة توفي في سنة 1020هـ، والشيخ: محمد معصوم يلقب: بالعروة الوثقى له مجموع من مكاتيبه مفيد توفي في سنة 1077هـ.
وكان لهما أخ ثالث: يقال له: الشاه محمد يحيى أخذ عن أخويه وهو الذي خالفهم في مسألة الإشارة بالسبابة توفي في سنة 1098هـ. ومن أجلة أصحابه المتأخرين: الشيخ شمس الدين العلوي من ذرية محمد ابن الحنفية المعروف: بميرزا مظهر جانجان كان ذا فضائل كثيرة وقرأ الحديث على الحاج السيالكوني وأخذ الطريقة المجددية عن أكابر أهلها كان له في اتباع السنة والقوة الكشفية شأن عظيم.
وله شعر بديع ومكاتيب نافعة وكان يرى الإشارة بالمسبحة ويضع يمينه على شماله تحت صدره ويقوي قراءة الفاتحة خلف الإمام عام وفاته.
عاش حميداً مات شهيداً.
ومن أجلة أصحاب جانجان: القاضي ثناء الله الأموي العثماني من أهل بلدة باني بت: بقرب دهلي كان فقيها أصوليا زاهدا مجتهدا له اختيارات في المذهب ومصنفات في الفقه والتفسير وكان شيخه المظهر يفتخر به رأيت له مؤلفات على مذهب النعمان بالفارسية والعربية وبعضها موجود عندي رحمه الله تعالى.
الملا عصمة الله السهارنفوري: قصبة من: صوبة دهلي كان مكفوف البصر مكشوف البصيرة أفنى عمره في خدمة العلم والتدريس وهو من مشاهير العلماء.
وله تصانيف مفيدة منها: الحاشية على شرح الجامي توفي في سنة 1039هـ.
الشيخ عبد الحق الدهلوي: وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي رزق من الشهرة قسطا جزيلا وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا وحفظ القرآن وجلس على مسد الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ورحل إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ: عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ: علي المتقي واكتسب علم الحديث وعاد إلى الوطن واستقر به اثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن ونشر العلوم وترجم كتاب المشكاة بالفارسي وكتب شرحا على سفر السعادة وبلغت تصانيفه مائة مجلد.
ولد في محرم سنة 958هـ، وتوفي سنة 1052هـ، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسى القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني وكان ذا عصبية في المذاهب الحنفية وانتقد كلامه في مواضع من مؤلفاته وكان ينال من الشيخ أحمد السهرندي ثم تاب واستغفر ولما وردت بدهلي حضرت على مزاره وزرته فوجدت موضع القبر مؤنسا بردا عفا الله عنه ما كان منه من شدة التقليد وتأويل الأحاديث بمجرد رأي وحفظ للمذهب وغلو في اعتقاد الأولياء ولم يكن يعرف علم الحديث على وجهه بل على جهة الإجازة والاستجارة كما يلوح ذلك من مصنفاته وإنما كان له اليد الطولى في الفقه الحنفي الذي عليه نشأ وفيه درج - ولكل جواد كبوة وعفو الله يسع كل هفوة.
الشيخ نور الحق بن الشيخ عبد الحق الدهلوي: المذكور - تتلمذ على أبيه وولاه السلطان شاهجهان قضاء آكره فأدى هذا المنصب في نهاية الديانة والسداد له تصانيف كثيرة منها: ترجمة الصحيح للبخاري بالفارسية
عاش تسعين سنة ومات سنة 1073هـ الهجرية.
ملا محمود الفارقي الجونفوري: صاحب كتاب: شمس البازغة في الحكمة وكان علامة الإشراقين ونقاوة المشائين. وجونفور: من بورب وهو ملك وسيع في الشرقي من دهلي عبارة عن ثلاث صوب1 أود: إله آباد وعظيم آباد تتلمذ ملا على جده الشيخ: شاه محمد المتوفي سنة 1032هـ وعلى أستاذ الملك الشيخ: محمد أفضل الجو نفوري وفرغ عن تحصيل العلوم وهو ابن سبع عشرة سنة.
له تصانيف شهيرة منها: الفرائد شرح الفوائد2 وعلق عليه حاشية أحسن فيها كل الإحسان روي أنه لم يصدر عنه في تمام العمر قول يرجع عنه وكان يجيب السائل إن كان خاطره حاضرا أو يقول: خاطري في هذا الوقت غير حاضر.
قال مؤلف الصبح الصادق - وهو من تلامذته -: رحل الشيخ إلى آكره ولقي آصف خان من أعاظم أمراء السلطان شاهجهان وكنت معه في هذا السفر ثم عاد إلى جونفور واشتغل بالتدريس. انتهى.
له: رسالة في أربعة أوراق بالفارسية في أقسام النسوان خالية عن الأمثلة لأن الفرس مغازلتهم بالأمارد لا بالخرائد.
توفي في سنة 1062هـ، فحزن عليه أستاذه حزنا عظيما ولم يتبسم أربعين يوما ثم لحق بالتلميذ.
قال السيد آزاد: ولا ريب أنه لم يظهر في الهند مثل الفاروقيين أحدهما: في علم الحقائق وهو الشيخ: أحمد السهرندي والثاني: في العلوم الحكمية والأدبية وهو: ملا محمود - صاحب الترجمة. انتهى.
ثم ذكر كلامه على مسألة الحدوث الدهري التي اخترعها: مير محمد باقر الاسترآبادي من الشمس البازغة.
الشيخ: محمد أفضل الجونفوري: كان أفضل فضلاء عصره وأمثل علماء دهره في العقليات والنقليات وكان حصورا تقيا حسن الخلق سليم المزاج مقيما لدولة العلم والتدريس هو وتلامذته بجو نفور أجلهم وأشرفهم: ملا محمود المذكور مات من حزن موت تلميذه المسطور في سنة 1062هـ كما تقدم.
ملا عبد الحكيم السيالكوئي الفنجابي: نسبة إلى: بنجاب: معرب ببجاب وهو ملك وسيع في الغربي من دهلي عبارة عن صوبتين: لاهور وملتان.
ولد بسيالكوت: بلدة من توابع لاهور وقام في سن التمييز على طلب العلم وتتلمذ على ملا كمال الدين الكشميري نزيلها الذي كان أستاذ المجدد السهرندي واشتغل بإفادة العلوم في عهد السلطان جهانكير ولما جلس ابنه شاهجهان على سرير المملكة وتصدى لترويج العلم والعلماء جاء ملا إلى سدته مرارا ووزنه السلطان مرتين في الميزان وأعطاه في كل مرة ستة آلاف من الربابي3 وأنعم عليه قرى متعددة بها كان يعيش ويدرس ويصنف حتى توفي في سنة 1097هـ، ودفن ببلده.
له: حواشي تفسير البيضاوي ومقدمات التلويح والمطول والشريفية وشرح العقائد التفتازانية والعقائد الدوانية وحاشية على الخيالي وعلى شرح الشمسية وعلى عبد الغفور وعلى شرح المطالع والدرة الثمينة في إثبات الواجب تعالى والحواشي على هوامش "شرح حكمة العين" وعلى "شرح هداية الحكمة للميبذي" وعلى هوامش مراح الأرواح.
الشيخ عبد الرشيد الجونفوري الملقب: بشمس الحق تتلمذ على الشيخ: فضل الله اشتغل بالتدريس ثم أقبل على كتب الحقائق سيما تصانيف ابن عربي وأول كلامه على محامل حسنة ونأى بجانبه عن اختلاط الأمراء والأغنياء واستطلبه السلطان شاهجهان وأرسل إليه كتابا صحبة رسول مهذب فلبى ولم يخرج من زاوية العزلة حتى لقي الله عز وجل في تحريمة صلاة الفجر.
ولد سنة 1083هـ له تصانيف مفيدة:
منها: الرشيدية في المناظرة وزاد السالكين وشرح أسرار الخلوة لابن عربي والحواشي المتفرقة على: مختصر العضدي وعلى الكافية ومقصود الطالبين في الأوراد وديوان الشعر بالفارسية عفا الله عنه.
مير زاهد بن القاضي محمد أسلم الهروي الكابلي: ولد بالهند ونشأ بها وقرأ على أبيه وغيره من علماء الهند وكان ذا ذهن ثاقب وفكر صائب فسبق في التدقيق السابقين وتفرد في الحاضرين وانسلك إلى السلطان شاهجهان فجعله محرر وقائع كابل في سنة 1062هـ، ولما تولى السلطان عالمكير ارتحل إلى معسكره فولاه احتساب عسكره سنة 1077هـ، ثم طلب منه صدارة كابل فسلمها له فعاد إلى كابل وزين بها دست الإفادة ومتع الطلبة بالحسنى وزيادة.
له: حاشية شرح المواقف وشرح التهذيب للدواني وحاشية التصور والتصديق للقطب الرازي وحاشية شرح الهياكل قال آزاد: سألت أسلم خان ابن الابن لمير محمد زاهد عن عام وفاته؟ فقال: سنة 1101هـ، ثم ذكر شيئا من تحقيقه في العلم وأنه من أي مقولة.
القاضي محمد أسلم والد: مير زاهد ولد بهرات وهو من أحفاد: خواجه كوهي من مشائخ خراسان دخل القاضي لاهور لطلب العلم وتتلمذ على الشيخ بهلول من صناديد العلماء بها ثم قصد السلطان جهانكير بآكره واعتنى السلطان بشأنه لكونه من قربى مولانا: كلان المحدث أستاذ السلطان وولاه قضاء كابل واشتهر بالتدين في أمور القضاء ثم ولاه قضاء عسكره ولما جلس شاهجهان قرره على القضاء وزاد عليه المنصب الهزاري1 واستمر على القضاء ثلاثين سنة في نهاية الديانة والأمانة وكان موردا للعنايات السلطانية إلى الغاية حتى وزنه السلطان في الميزان وجاء في كفته: ستة آلاف وخمسمائة من الربابي توفي سنة 1061 الهجرية ودفن بلاهور. مولانا: كلان هو: السبط لخواجه كوهي أخذ العلوم الدرسية بكمالها والحديث: عن ميرك شاه الشيرازي وصحب مشائخ كثيرة وحج ودخل الهند وتوفي بها سنة 983هـ، وهو ابن مائة سنة ودفن بآكره وكان أستاذ جهانكير بن أكبر شاه وأخذ عنه الحديث جماعة كثيرة من أهل الهند وهو من شيوخ: علي القاري.
قال في المرقاة شرح المشكاة: إني قرأت بعض أحاديث المشكاة على مولانا الشهير: بمير كلان وهو قرأ على زبدة المحققين: ميرك شاه وهو على والده السيد السند: جمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب وهو على عمه السيد: أصيل الدين الشيرازي. انتهى.
ملا: قطب الدين الشهيد السهالوي: نسبة إلى قصبة سهالي من أعمال لكهنؤ وشيوخها فريقان:
فرق أنصاري.
وفريق عثماني ورياستها تتعلق بكليهما فملا: من الأنصار أخذ العلوم عن ملا: دانيال الجوراسي نسبة إلى جوراس: قصبة من بورب وهو تلميذ ملا: عبد السلام الديوي نسبة إلى ديوه: قصبة من بورب أيضا وعن القاضي: كاشي وهو تلميذ محب الله الإله آبادي صاحب رسالة التسوية في التصوف وشارح الفصوص بالفارسية وكان الشيخ قطب الدين مقداما في العقليات والنقليات وإليه انتهى رياسة العلم والتدريس في بورب وسلسلة تتلمذ أكثر علماء بورب وغيره تنتهي إليه هجم العثمانية ليلة على داره فقتلوه وأحرقوا داره فمات سنة 1103هـ له: حاشية على شرح العقائد الدوانية في غاية الدقة.
السيد: قطب الدين الشمس آبادي أصله من سادات أميئهي قصبة من قصبات بورب رحل عنها إلى الشمس آباد قصبة من توابع قنوج وتوطن بها وهو قطب العلماء والمدار عليه للفضلاء.
تتلمذ على ملا: قطب الدين - المذكور - وغيره من أساتذة العصر ودرس إلى آخر العمر بشمس آباد.
تتلمذ عليه خلق كثير وكان من القانعين تمر الأيام ولا توقد في بيته نار ويقاسي الفاقات ولا يظهر الحاجات ويدرس طلق الوجه واللسان والحالة هذه وهذا مقام لا يثبت فيه إلا من رزق القوة من الله تعالى.
مات رحمه الله سنة 1121هـ الهجرية وهو ابن سبعين سنة.
القاضي: محب الله البهاري: نسبة إلى بهار: بكسر الموحدة بلدة عظيمة في شرقي بورب تعرف في القديم بالصوبة ثم أطلق ذلك على: بئنة والبلدتان متصلتان.
ولد القاضي بموضع كره من توابع محب على فور وهي معمورة من مضافات بهار وعشيرة القاضي تعرف بملك والقاضي جاب ديار بورب وأخذ أوائل الكتب الدرسية من مواضع شتى ثم انقطع برمته إلى حوزة درس القطب الشمس آبادي فصار بحرا من العلوم وبدرا بين النجوم ورحل إلى الدكن ولازم السلطان عالمكير فولاه قضاء لكهنؤ ثم بعد مدة قضاء حيدر آباد - وهي دار الإمارة للديار الشرقية من دكن - ثم عزله ثم أمره بتعليم ابن ابنه: رفيع القدر بن محمد معظم ثم لما فوض عالمكير في آخر عمره حكومة كابل إلى ابنه: محمد معظم الملقب: بشاه عالم وسافر هو مع ابنه: رفيع القدر من الدكن إلى كابل صحبه القاضي ولما توفي عالمكير في الدكن سنة 1118هـ، وانتهض شاه عالم من كابل إلى الديار الهندية أعطى القاضي منصبا جليلا وولاه صدارة ممالك الهند كلها ولقبه: بفاضل خان سنة 1119هـ، فتوفي في هذه السنة. ومن مؤلفاته: سلم العلوم في المنطق ومسلم الثبوت في أصول الفقه والجوهر الفرد في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ وهذه الثلاثة: مقبولة متداولة في مدارس العلماء.
الحافظ: أمان الله بن نور الله بن حسين البنارسي بلدة من بلاد بورب وهي معبد الهنود حفظ القرآن وبرع في المعقول والمنقول وتبحر في الفروع والأصول له: كتاب المفسر في أصول الفقه وكتب عليه شرحا سماه: محكم الأصول وله حواش على تفسير البيضاوي والعضدي والتلويح والحاشية القديمة وشرح المواقف وحكمة العين وشرح عقائد الدواني والرشيدية في المناظرة.
وله: محاكمة بين مير باقر الإسترآبادي وملا محمود الجونفوري في مسألة الحدوث الدهري وكان متقلدا بصدارة لكهنؤ من قبل السلطان عالمكير وكان محب الله البهاري قاضيا بها وكانا يجتمعان وتجري بينهما مباحث علمية توفي في بنارس سنة 1133هـ، ودفن بها.
الشيخ: غلام نقشبند بن الشيخ: عطاء الله اللكهنوي: تتلمذ على مير: محمد شفيع الدهلوي وهو على الشيخ: عطاء الله والد الشيخ: غلام نقشبند وفرغ من التحصيل على شيخ شيخه بير: محمد اللكهنوي وصار خليفة له ونفع خلقا كثيرا بالتدريس والتلقين ولاقاه شاه: عالم بن عالمكير فأكرمه وكان حاميا لحمى الشريعة الغراء وحارسا لبيضة الملة البيضاء.
توفي في سلخ رجب سنة 1126هـ، ودفن بلكهنؤ.
له: تفسير لربع القرآن وحواشيه وتفسير بعض السور القرآنية وكتاب: فرقان الأنوار واللامعة العرشية في مسألة وحدة الوجود وشرح القصيدة الخزرجية في العروض وغيرها وهو أستاذ السيد: عبد الجليل البلكرامي جد مير: آزاد من جهة الأم والله أعلم.
الشيخ: أحمد المعروف: بملا جيون الصديقي الأميبهوي: وجيون: بالهندية: الحياة حفظ القرآن وتنقل في قصبات بورب وأخذ العلوم الدرسية من علمائها وفرغ من التحصيل عند ملا: لطف الله الكوروي وكوره: بضم الكاف: بلدة من نواحي بورب ثم رحل إلى السلطان عالمكير فأكرمه وراعى أدبه إلى الغاية وكذلك يحترمه شاه: عالم وغيره من أولاد السلطان وكان ذا حافظة قوية يقرأ عبارات الكتب الدرسية صفحة صفحة وورقة ورقة من غير أن ينظر في الكتاب وكان يحفظ قصيدة طويلة بسماع دفعة واحدة حج وعاد إلى الهند ودرس وألف وتوفي بدار السلطنة: دهلي سنة 1130هـ، ونقل جسده إلى أميهي ودفن بها.
له: التفسير الأحمدي يختص بآيات الأحكام الفقيهة ونور الأنوار في شرح المنار في أصول الفقه على طريقة الحنفية وفيهما الرطب واليابس.
السيد: عبد الجليل بن السيد: أحمد الحسيني الواسطي البلكرامي: ولد ببلكرام قصبة عظيمة بقرب قنوج وهي بلدة مشهورة مذكورة في القاموس يرجع نسبه إلى علي العراقي من نسل زيد الشهيد.
كان علامة بارعا وكوكبا ساطعا مزج العلم بالطهارة وصاغ الزهد في الإمارة.
ولد في سنة 1071هـ، بمحلته: ميدان فوره ونشأ بهذه المعمورة.
أخذ العلوم ولقي الجهابذة. وسمع الحديث عن السيد: مبارك المحدث الواسطي الحسيني البلكرامي المتوفى سنة 1105هـ، وهو أخذ عن الشيخ: نور الحق وهو عن أبيه الشيخ: عبد الحق.
وتأدب على الشيخ: غلام نقشبند اللكهنوي وتفنن في الفنون العالية سيما التفسير والحديث والسير وأسماء الرجال وتاريخ العرب والعجم.
وأما اللغة: فحسابها في بنانه وكان القاموس على لسانه.
وأما الأدب: فهو معدن جواهره ولجة عنابره كان عارفا بالعربية والفارسية والتركية والهندية وتكلم بالأربعة المذكورة في غاية الطلاقة وأنشأ في كل منها أشعارا في نهاية الرشاقة
واجتمع بالسيد: علي معصوم صاحب: سلافة العصر بأورنك آباد فقال: ما رأيت لهذا السيد بالهند نظيرا لازم السلطان عالمكير فأعطاه عمل بخشيكري ووقائع نكاري - بلدة كجرات من بلاد فنجاب ثم بلدة بكر وبلدة سيرستان من: بلاد السند فعمل فيها بالسيرة الحسنى وتقررت عليه هذه الأعمال في الطبقات التي بعد عالمكير وعاد في سنة 1126هـ من بكر إلى شاهجهان آباد ولازم السلطان: فرخ سير ثم استعفى عن الخدمات وفوض خدمته إلى ابنه السيد: محمد وأتى بلكرام فتتلمذ عليه حفيده: السيد آزاد ثم رجع بعد سنة إلى دهلي وأقام بها.
وتوفي في سنة 1138هـ، ونقل جسده إلى بلكرام ودفن بها في: بستان محمود وخرج من التابوت سالما قال آزاد في تاريخ وفاته: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وأيضا: {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} ومن تفرداته دليل هندسي على إبطال جزء لا يتجزأ ذكره في سبحة المرجان ومن أشعاره الفصيحة البليغة:
يا صاح لا تلم المتيم في الهوى ... هو عاشق لا ينثني عن خله
يأبى الدواء سقامه كعيونه ... فعلى الطبيعة يا معالج خله
حبيبي قوس حاجبه كنون ... وصاديد ابن مقلة شكل عينه
لعمري أنه نص جلي ... على أن الرماية حق عينه
ذكر له حفيده السيد: آزاد ترجمة حافلة في سرد آزاد وتسلية الفؤاد وغيرهما من مؤلفاته وذكر من أشعاره وفضائله شيئا كثيرا لا نطول بذكرها الكلام ونظم في مدحه قصائد عظاما منها: قصيدته المشهورة التي أولها:
أدرك عليلا لقاء منك يكفيه ... وطرفك الناعس الممراض يشفيه
السيد علي بن السيد: أحمد بن السيد: المعصوم الدشتكي: هو من مشاهير الأدباء وصناديد الشعراء بيته بشيراز بيت العلم والفضل والمدرسة النظامية بها منسوبة إلى جدة مير: غياث الدين منصور والسيد اشتهر: بعلي المعصوم تزوج بأخت شاه عباس الثاني الصفوي وتوطن مكة المكرمة وولد له من بطنها السيد: أحمد نشأ بمكة واكتسب العلوم وفاق الأقران.
ثم إن مير: محمد سعيد المخاطب: بمير جملة وزير السلطان: عبد الله قطب شاه والي حيدر آباد من بلاد الدكن طلبه إلى حيدر آباد فزوج قطب شاه بنته بالسيد أحمد وما جاء له منها ولد وكان قد تزوج قبل خروجه من مكة إلى الدكن بمكة وتولد السيد: علي بالمدينة ولما مات قطب شاه وتملك أبو الحسن سعى في إتلاف أخلاف السيد أحمد فهرب السيد علي عن الأسر وجاء إلى السلطان عالمكير ببرهانبور فأعطاه منصب هزاري وبانصدي وثلاثمائة فارس كل واحد منهم صاحب فرسين ولقبه: بسيد عليخان.
ولما انتهض السلطان إلى أحمد نكركان السيد حارسا على أورنك آباد مدة ثم أخذ من السلطان حكومة ماهور قلعة مشهورة من ديار برار ثم استعفى عنها وأخذ ديواني برهانبور ثم رحل إلى الحرمين الشريفين وبغداد وسر من رأى وكربلاء ونجف وطوس ثم إلى أصفهان وأدرك السلطان: حسين الصفوي وذهب إلى شيراز وأقام بالمدرسة المنصورية وأفنى عمره في إفادة طلبة العلم.
وتوفي سنة 1117هـ، ولم يكن في أصله من الهند وإنما دخل الهند وتوطن بها مدة طويلة.
له مصنفات منها: أنوار الربيع في أنواع البديع وسلافة العصر وشرح الصحيفة الكاملة.
السيد محمد بن السيد: عبد الجليل البلكرامي: كان حافلاً لأصناف العلوم وارثا لفضائل والده المرحوم ولد في سنة 1101هـ، بمحروسة بلكرام تتلمذ على السيد: محمد الأترولوي وكان محررا لسوانح سلطان: فرخ سير ومتقلدا عمل بخشيكري - ببلدة بكر - وسيوستان له شعر حسن منه:
صنت عن عارضيه ناظرتي ... وتركت الهوى بلا ضنه
قال لي: لا ترد ريحانا ... إنه خارج من الجنه
وله: مختصر كتاب المستطرف ألفه في سنة 1155هـ، وسماه: الجزء الأشرف من المستطرف وللسيد آزاد في مدحه قصائد أمجاد
توفي سنة 1188هـ، وله أيضا: تبصرة الناظرين بالفارسي في التاريخ.
السيد: سعد الله السلوني هو العالم المجدد لقول: سلوني والإمام القائل: أنا طلاع الثنايا فاعرفوني.
ولد بسلون قصبة من صوبة إله آباد وهو سبط الشيخ: بير محمد السلوني من مشاهير المشائخ - وفق في صغر سنه باكتساب العلوم وطوى مسافة التحصيل في زمان يسير وتربع على دست التدريس وأطلق اليراع في مسارح التأليف وحج وأقام برهة في أم القرى واعتقده أهل الحرمين الشريفين وتتلمذوا عليه وأخذوا عنه الطريقة.
منهم: الشيخ عبد الله البصري المكي: صاحب: ضياء الساري شرح صحيح البخاري ثم عاد إلى الهند وتزوج بالبندر المبارك سرة وصار مرجعا للأنام وتوفي بسرة في سنة 1038هـ الهجرية رحمه الله تعالى.
السيد طفيل محمد بن السيد: شكر الله الحسيني الأترولوي البلكرامي: كان فاضلاً عارفاً كاملاً عالماً بالعلوم الدرسية من العقلية والنقلية.
ولد بأترولي في سنة 1073هـ قصبة من توابع: آكره رحل مع عمه السيد: أحسن الله إلى دهلي وقرأ الدرس الأول من: ميزان الصرف على السيد: حسين الملقب: برسول نما ثم قرأ على عمه المذكور شرح الجامي وجاء إلى بلكرام طلبا للعلم وتتلمذ على السيد المربي المتوفى في سنة 1117هـ، والحاج السيد: سعد الله المتوفي سنة 1119هـ، تلميذ ملا: عبد الرحيم قاضي مراد آباد من توابع شاهجهان آباد وهو تتلمذ على عبد الحكيم السيالكوني وعلى القاضي: عليم الله الكجندوي المتوفى سنة 1115هـ، والسيد: قطب الدين الشمس آبادي ثم أحيى العلوم سبعين عاما وكان رفيق السيد: عبد الجليل البلكرامي في سفر آكره ولم يتزوج. توفي في سنة 1151 وله شعر حسن منه:
بهجتي غادة قالت لجارتها ... شخص أراه خليعا فارغ البال
يحوم كل أوان حول مشربتي ... إني لأقتله في أسرع الحال
مدحه السيد آزاد بقصيدة بديعة أولها:
يا للأحبة ساروا في التباشير ... فاسود يومي كأحداق اليعافير
الشيخ: نور الدين بن محمد صالح الأحمد آبادي: كان أوحد زمانه وفرد أوانه.
تتلمذ على ملا: أحمد السليماني وملا: فريد الدين الأحمد آباديين.
وأخذ من كل فن حظا وافرا وقسطا متكاثرا وحج وعاد إلى أحمد آباد ولبس الخرقة عن السيد محبوب عالم الملقب: بشاه عالم الثاني وبنى مدرسة بها رفيعة وعكف على التدريس والتصنيف وتواليفه تزيد على: مائة وخمسين كتاباً.
منها: تفسير مختصر والحاشية على البيضاوي ونور القاري شرح صحيح البخاري والحاشية القويمة على الحاشية القديمة وحاشية شرح المواقف وحل المعاقد حاشية شرح المقاصد وحاشية شرح المطالع وحاشية التلويح وحاشية العضدي والمعول حاشية المطول والحواشي على: شرح الوقاية وعلى شرح الجامي على الكافية وعلى المنهل والشمسية في المنطق وشرح تهذيب المنطق: وهو أدق تصانيفه والطريق الأمم شرح فصوص الحكم.
ولد بأحمد آباد في سنة 1064هـ وتوفي بها في سنة 1155هـ، عن إحدى وتسعين سنة تاريخ وفاته أعظم الأقطاب.
ملا: نظام الدين بن ملا: قطب الدين السهالوي:
كان فاضلاً جيداً عارفا بالفنون الدرسية والعلوم العقلية والنقلية تتلمذ على الشيخ: غلام نقشبند اللكهنوي وأقام بلكهنؤ واشتغل بالتدريس والتأليف وانتهت إليه رياسة العلم في بورب بايع الشيخ: عبد الرزاق البانسوي المتوفى سنة 1136هـ، وأخذ النصوص الكثيرة عن السيد: إسماعيل البلكرامي المتوفي سنة 1164هـ.
قال السيد آزاد: اجتمعت به فوجدته على طريقة السلف الصالحين وكان يلمع من جبينه نور القدس توفي في سنة 1161هـ.
ومن تصانيفه: حاشية على شرح هداية الحكمة للصدر الدين الشيرازي وشرح على مسلم الثبوت في أصول الفقه رحمه الله تعالى.
مسند الوقت الشيخ الأجل: شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدث الدهلوي.
له رسالة سماها: الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف ذكر فيها ترجمته بالفارسية مفصلة.
وحاصلها: أنه ولد يوم الأربعاء رابع شوال وقت طلوع الشمس في سنة 1110هـ الهجرية تاريخه عظيم الدين ورأى جماعة من الصلحاء - منهم: والده الماجد - مبشرات قبل ولادته وهي مذكورة في كتاب: القول الجلي في ذكر آثار الولي للشيخ: محمد عاشق بن عبيد الله البارهوي البهلتي المخاطب بعلي واكتسب في صغر سنه الكتب الفارسية والمختصرات من العربية وشرع في قراءة شرح الجامي وهو ابن إحدى عشرة سنة وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة واستسعد ببيعة والده في الخامسة عشر من عمره واشتغل بأشغال المشائخ النقشبندية ولبس خرقة الصوفية وقرأ البيضاوي وأجيز بالدرس وفرغ من تحصيل العلم وقرأ طرفا من: المشكاة والصحيح للبخاري والشمائل للترمذي والمدارك.
ومن علم الفقه: شرح الوقاية والهداية بتمامها إلا طرفا يسيراً.
ومن أصول الفقه: الحسامي وطرفا صالحا من التوضيح والتلويح.
ومن المنطق: شرح الشمسية وقسطا من شرح المطالع.
ومن الكلام: شرح العقائد وجملة من الخيالي وشرح المواقف وقطعة من العوارف.
ومن الطب: موجز القانون.
ومن الحكمة: شرح هداية الحكمة.
ومن المعاني: المختصر والمطول وبعض الرسائل في الهيئة والحساب إلى غير ذلك وبرع في هذه كلها وأجازه والده بأخذ البيعة ممن يريدها وقال: يده كيده.
ثم اشتغل بالدرس نحوا من اثنتي عشرة سنة وحصل له فتح عظيم في التوحيد والجانب الواسع في السلوك ونزل على قلبه العلوم الوجدانية فوجا فوجا وخاض في بحار المذاهب الأربعة وأصول فقههم خوضا بليغا ونظر في الأحاديث التي هي متمسكاتهم في الأحكام وارتضى من بينها بإمداد النور الغيبي طريق الفقهاء المحدثين واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين فرحل إليهما في سنة 1143هـ، وأقام هناك عامين كاملين وتتلمذ على الشيخ: أبي الطاهر المدني وغيره من مشائخ الحرمين وتوجه إلى المدينة المنورة واستفاض فيضا كثيرا وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة ثم عاد في سنة 1145هـ إلى الهند.
ومن نعم الله تعالى عليه: أن أولاه خلعة الفاتحية وألهمه الجمع بين الفقه والحديث وأسرار السنن ومصالح الأحكام وسائر ما جاء به صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل حتى أثبت عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج وطهرها من قذى أمس المعقول وأعطي علم الإبداع والخلق والتدبير والتدلي مع طول وعرض وعلم استعداد النفوس الإنسانية لجميعها وأفيض عليه الحكمة العملية وتوفيق تشييدها بالكتاب والسنة وتمييز العلم المنقول من المحرف المدخول وفرق السنة السنية من البدعة الغير المرضية. انتهى.
وكانت وفاته في سنة 1176هـ الهجرية وله: مؤلفات جليلة ممتعة يجل تعدادها.
منها: فتح الرحمن في ترجمة القرآن والفوز الكبير في أصول التفسير والمسوى والمصفى في شروح الموطأ والقول الجميل والخير الكثير والانتباه والدر الثمين وكتاب: حجة الله البالغة وكتاب: إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء ورسائل التفهيمات وغير ذلك.
وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي: إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين وذكر له معاصرنا المرحوم: المولوي محمد محسن بن يحيى البكري التيمي الترهتي رحمه الله ترجمة بليغة في رسالته: اليانع الجني وبالغ في الثناء عليه وأتى بعبارة نفيسة جدا وأطال في ذكر أحواله الأولى والأخرى وأطاب فإن شئت زيادة الاطلاع فارجع إليهما.
وقد طبع كتابه الحجة لهذا العهد بمصر، وكذا الإزالة بالهند بنفقة الشيخ الوزير محمد جمال الدين خان مدير مهمات الرياسة عافاه الله تعالى وكان له أولاد صالحون: الشيخ عبد العزيز والشيخ رفيع الدين والشيخ عبد القادر والشيخ عبد الغني: والد الشيخ محمد إسماعيل الشهيد الدهلوي وكلهم كانوا علماء نجباء حكماء فقهاء كأسلافهم وأعمامهم كيف وهم من بيت العلم الشريف والنسب الفاروقي المنيف وقد آذن الزمان الآن بانصرام ذلك البيت وأهله فإنا لله وإنا إليه راجعون وكان بيته في الهند بيت علم الدين وهم كانوا مشائخ الهند في العلوم النقلية بل والعقلية أصحاب الأعمال الصالحات وأرباب الفضائل الباقيات لم يعهد مثل علمهم بالدين علم بيت واحد من بيوت المسلمين في قطر من أقطار الهند وإن كان بعضهم قد عرف بعض علم المعقول وعد على غير بصيرة من الفحول ولكن لم يكن علم الحديث والتفسير والفقه والأصول وما يليها إلا في هذا البيت لا يختلف في ذلك مختلف من موافق ولا من مخالف إلا من أعماه الله عن الإنصاف ومسته العصبية والاعتساف وأين الثرى من الثريا والنبيذ من الحميا والله يختص برحمته من يشاء.
ولكل من أخلافه رحمهم الله: مؤلفات ممتعة نافعة: كفتح العزيز في التفسير والتحفة الإثنا عشرية في الرد على الروافض وسر الشهادتين وغيرها للشيخ: عبد العزيز الدهلوي.
ومثدمة العلم ورسالة العروض وكتاب: التكميل للشيخ: رفيع الدين.
وموضح القرآن للشيخ: عبد القادر ورسالة في أصول الفقه ورسالة في الإمامة ورد الإشراك للشيخ: محمد إسماعيل الدهلوي إلى غير ذلك وهذه المصنفات: ممتعة نافعة متداولة بين الناس وفضائلهم شهيرة وهي متلقاة بالقبول من العلماء الأكياس.
لا يدرك الواصف المطري خصائصهم ... وإن لم يكن بالغافي كل ما وصفا
والشيخ: عبد العزيز عمري: فاروقي في النسب وكان السلف من آبائه من حفدة السيد: ناصر الدين الشهيد وجده الأعلى: وجيه الدين الشهيد حفيد للسيد: نور الجبار المشهدي ونسبه يتصل بالإمام موسى الكاظم.
ولد عام تسعة وخمسين ومائة وألف دل عليه لقبه: غلام حليم قال صاحب: اليانع الجني: ومنها كتابه: بستان المحدثين جمع فيه علوم الحديث مهذبة واختصرها منقحة غير أني لم أقف عليها بعد. انتهى.
قلت: ليس فيه علوم الحديث بل فهرس كتبها وتراجم بعض أهلها على غير ترتيب وتهذيب وقد أدرجته في مطاوي كتابي: إتحاف النبلاء فليراجعه.
ومن أصحاب الشيخ عبد العزيز: أخوه: عبد القادر كان عالماً زاهداً فاضلاً عابداً ذا ورع في الدين وله وجه وأي وجه بين المتقين صادق الفراسة حسن التوسم أخذ عنه جماعة أجلهم: الشيخ أبو العلاء فضل الحق العمري الخير آبادي أحذق الناضرة والأدباء في زمانه قال في اليانع الجني: حدثنا هو بذلك وسمعته غير مرة يثني عليه ويحكي لنا من كراماته. انتهى.
ومنهم: أخوه: الشيخ رفيع الدين المحقق المتقن. كانت له خبرة بعلوم الأوائل وله مؤلفات جيدة يكثر فيها من رموز خفية يعسر الاطلاع عليها ويجمع مسائل كثيرة في كلمات يسيرة وكتابه: دمغ الباطل في بعض المسائل الغامضة من علم الحقائق معروف أثنى عليه به أهلها وله: مختصر جامع بين فيه سريان الحب في الأشياء كلها وأوضح للناس أطواره يسمى: أسرار المحبة ومن أجل تلاميذه: سيدي الوالد الماجد العلامة: حسن بن علي بن لطف الله المحدث الحسيني القنوجي البخاري - قدس سره - واستنتج من رسائله كتبا كثيرة بيده الشريفة أوان طلب العلم بدهلي منها: كتاب: التكميل ورسالة العروض والقافية ورسالة مقدمة العلم وغير ذلك ثم إن الأخوين توفيا قبل الشيخ: عبد العزيز وكذا أخوهما: عبد الغني أبو إسماعيل الشهيد.
ومن أصحابه أيضا ختنه: الشيخ: عبد الحي البكري من برانه بلدة من أعمال دهلي وكان من أحسنهم خبرة بالفقه الحنفي وأمرسهم بالكتب الدرسية.
قال في اليانع الجني: رأيت له رسالة في حث الناس على تزويج أياماهم وردعهم عن استقباح ذلك توفي في الغزوة المشهورة بأرض الأفاغنة. انتهى.
قلت: وكان من أخبار سيدي الوالد وليس له تأليف مستقل إلا هذه الفتاوى التي كتبها ويذكر عنها في الحوائج وله إجازة عن شيخنا وبركتنا: الشوكاني مكاتبة وهو أول من جاء بتأليفه إلى أرض الهند وأشاعه ثم تتابع الناس.
ومنهم: ابن أخيه: إسماعيل بن عبد الغني كان من أذكى الناس بأيامه وكان أشدهم في دين الله وأحفظهم للسنة يغضب لها ويندب إليها ويشنع على البدع وأهلها ومن مصنفاته: كتاب الصراط المستقيم في التصوف والإيضاح في بيان حقيقة السنة والبدعة ومختصر في أصول الفقه وتنوير العيني.
قال في اليانع الجني: انفرد فيها بمسائل عن جمهور أصحابه واتبعه عليها أناس من المشرق ومن بنجالة وغيرها أكثر عددا من حصى البطحاء.
وله كتاب آخر في التوحيد والإشراك فيه أمور في حلاوة التوحيد والعسل وأخرى في مرارة الحنظل فمن قائل: إنها دست فيه وقائل: إنه تعمدها والله عالم بالسرائر. انتهى.
وأقول: ليس في كتابه الذي أشار إليه وهو المسمى: برد الإشراك في العربية وبتقوية الإيمان بالهندية شيء مما يشان به عرضه العلي ويهان به فضله الجلي وإنما هذه المقالة الصادرة عن صاحب اليانع الجني مصدرها تتلمذه بالشيخ: فضل حق الخير آبادي فإنه أول من قام بضده وتصدى لرده في رسائله التي ليست عليها آثاره من علم الكتاب والسنة وإن شئت زيادة الاطلاع على حاله ومآله فارجع إلى كتابنا: إتحاف النبلاء يتضح عليك ما تذهب به الشحناء من صدرك إن شاء الله تعالى.
ومنهم: ابن بنته: الشيخ محمد إسحاق المهاجر يقال: إنه ولد على التقوى ترجمة المشكاة له معروفة مرغوب فيها على ما فيها من عوج وكذا بعض رسائل فارسية تنسب إليه نعم كان كثير العبادة قليل العلم غزير التقوى نزره الاطلاع على الفنون.
ومنهم: الشيخ جمال الدين المعروف: بحسن علي الهاشمي اللكنوي كان له خبرة في الحديث يعتني بعلومه.
واشتهر أنه كان شافعي المذهب رأيت له فتاوى بالفارسية على طريقة الفقهاء ولم يجد له عزما يمتاز به عن غيره. وكان من أحباب سيدي: الوالد الماجد رحمه الله وقد تعقبه الوالد في بعض مسائله.
ومنهم: الشيخ: رشيد الدين خان الدهلوي كان فاضلا جامعا بين كثير من العلوم الدرسية وكان حسن العبارة دأبه الذب عن حمى أهل السنة والجماعة والنكاية في الرافضة المشائيم صنف في الرد عليهم كتابه: الشوكة العمرية وغيرها مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر ونجاره كشميري.
ومن رهطه: شيخي المفتي: صدر الدين خان بهادر ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية - حكام الهند اليوم - فاستمر عليها إلى الفتنة وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر وله رسالة: منتهى المقال في شد الرحال قال في اليانع الجني: قد تأنق فيها سلمه الله تعالى. انتهى. أي: أتى بتحقيقات رائقة.
قلت: هذا غلط بحت بل زل فيها زلة عظيمة تنبئ عن قلة اطلاعه على أدلة المسألة وماجرياتها وقد رد عليه فيها بعض علماء الهند ويغني عن ذلك كله كتاب: الصارم المنكي في هذا الباب.
ومنهم: السيد حيدر علي الرامفوري 1 نزيل تونك رحمه الله أخذ عن الشيخ: عبد العزيز المحدث وكان فاضلا جليلا جمع علم الطب إلى سائر علومه وكان يذب عن إسماعيل الشهيد
قال في اليانع الجني: وله مع شيخنا أبي العلاء الفضل بن الفضل الخير آبادي مباحثات في شأن إسماعيل يحويها بطون مؤلفاتهما بدرت منه عند البحث بوادر وهاها العلماء توفي في المحرم مستهل عام القرطاس رحمه الله. انتهى.
قلت: والحق أن الحق في تلك المباحث بيد السيد لا بيد الشيخ كما يظهر من الرجوع إلى كتبهما عند نظر الإنصاف وقد رأيت أكثرها ولم أر السيد كما رأيت الشيخ وقد كتب على بعض كتب لي تقريظات حسنة وبالغ فيه في الثناء علي بما لست أهلاً له.
ومنهم: الشيخ الفاضل: سلامة الله البدايوني ثم الكانفوري من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان فقيها صوفيا شاعرا واعظا حصلت له الإجازة من قبل الشيخ عبد العزيز واجتمع معه في آخر عمره وكتب له أيضا الشيخ: رفيع الدين الإجازة بيده من قبل أخيه.
قال في اليانع الجني: وهو من أجلة أشياخي في الهند. انتهى. ثم أثنى عليه وذكر له تأليفات في: التصوف والشعر والرد على الرافضة.
وأقول: عداده عندنا من العلماء المبتدعين والفضلاء المريدين للدنيا المؤثرين لها على الآخرة والله أعلم.
السيد: محمد يوسف بن السيد: محمد أشرف الواسطي البلكرامي: كان قسطاس المعقولات ونبراس المنقولات ولد في سنة 1116هـ، وهو سبط: السيد عبد الجليل وابن خالة: السيد آزاد كسبا العلوم بالموافقة وسلكا جادة التحصيل بالمرافقة وقرأ الكتب الدرسية والفنون - من البداية إلى النهاية على السيد: طفيل محمد المتقدم ذكره واللغة والسير على جدهما: السيد عبد الجليل والعروض والقوافي على السيد: محمد ثم اكتسب الهيئة والهندسة من: فضلاء دهلي حين رحل آزاد إلى الحرمين الشريفين وبايع السيد لطف الله الحسيني الواسطي البلكرامي واستقام على الشرائع وأقام في الوطن ورمى الدهر آزاد إلى الدكن ثم توفي في سنة 1173هـ، ودفن عند قدم جده المذكور له شعر حسن في اللسانين: العربي والفارسي منه:
لاحت لنا روضة راقت مباسمها ... وعارضت في السنا برق اليعاليل
فلا تخل تلك أوراد بسمن بها ... هن المصابيح في حمر القناديل
وله كتاب: الفرع النابت من الأصل الثابت في التوحيد الشهودي وقفت عليه فوجدته مفيدا في بابه خطيبا في محرابه أرخ له السيد آزاد بأبيات عربية ذكرها في: سبحة المرجان في آثار هندوستان
السيد: قمر الدين الحسيني الأورنك آبادي
كان قمرا طالعا في ميزان الشرع المبين وكوكبا ساطعا في أوج الشرف الرصين آباؤه من سادات خجند والسيد ظهير الدين منهم هاجر منها إلى الهند وتوطن في آمن آباد من توابع لاهور ثم ابنه: السيد محمد رحل إلى الدكن وكان ابنه: السيد عناية الله من العرفاء أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ: أبي المظفر البرهان فوري عن الشيخ: محمد معصوم عن أبيه: الشيخ أحمد السهرندي وتوطن ببلدة بالابور على أربع منازل من برهانفور وتوفي بها سنة 1117هـ.
وابنه: السيد منيب الله المتوفي سنة 1161هـ، كان من العرفاء أيضا وصاحب هذه الترجمة ولده الأرشد ولد سنة 1123هـ، وساح في مناهج الفنون وبرع في العلوم العقلية والنقلية حتى صار في النقليات إماما بارعا وفي العقليات برهانا ساطعا حفظ القرآن وزان العلم بالعمل وراح إلى دهلي وسهرند وزار قبر المجدد ورحل إلى لاهور واجتمع بطائفة من العلماء والعرفاء في تلك البلاد ثم رجع إلى بالابور وجاء إلى أورنك آباد وانعقد الوداد بينه وبين السيد آزاد فكانا فرقدين على فلك الاتحاد ثم ارتحل إلى الحرمين الشريفين مع ابنيه الكريمين: ميرنور الهدى ومينور العلي ورجع إلى الهند ثم انتهض مع أهل بيته إلى أورنك آباد.
له: كتاب في مسألة الوجود سماه: مظهر النور بين فيه مذاهب العلماء ومسالك المتكلمين والحكماء ذكر طرفا منها السيد آزاد في السبحة وأرخ له بأبيات عربية أولها:
فاح عرف النسيم في السحر ... وأتاني بأطيب الخبر
توفي في أرونك آباد في سنة 1193هـ، ودفن داخل البلد قال آزاد في تاريخ وفاته موت العلماء ثلمة.
المير نور الهدى بن السيد قمر الدين: نور هذا القمر الوقاد وثمر هذا الشجر المياد ولد في سنة 1153هـ بأورنك وتتلمذ من البدء إلى الغاية على أبيه وبرع في العلوم الدرسية وهو ابن ستة عشر سنة ثم حفظ القرآن الكريم وحج وعاد مع أبيه وعكف على التدريس والتصنيف وحرر شرحا على مظهر النور لوالده أورد آزاد شيئا من عبارة هذا الشرح في سبحة المرجان وأثنى عليه ثناء جميلاً.
السيد: غلام علي آزاد بن السيد: نوح الحسيني نسبا الواسطي حسبا البلكرامي مولدا ومنشأ والحنفي مذهبا الجشتي طريقة الملقب: بحسان الهند ذكر لنفسه الشريفة ترجمة حافلة بالعربية والفارسية في غالب كتبه. وهذا خلاصتها: ولد في الخامس والعشرين من صفر يوم الأحد سنة 1116هـ، بمحروسة بلكرام وأتم تحصيل الكتب الدرسية من البداية إلى النهاية على السيد: طفيل محمد وأخذ اللغة والسير وسند الحديث المسلسل بالأولية وحديث الأسودين وإجازة أكثر كتب الحديث والشعر العربي والفارسي عن جده: القريب من جهة الأم السيد: عبد الجليل البلكرامي والعروض والقوافي عن خاله: السيد محمد وبايع السيد: لطف الله البلكرامي المتوفى سنة 1143هـ، ورحل إلى البيت العتيق ولذلك قصة عريضة طويلة ذكرها في سبحة المرجان وتسلية الفؤاد وغيرهما بعبارة أحلى من العسل المصفى ومر في هذه الرحلة على بلدة بهوبال المحمية وقرأ بالمدينة المنورة صحيح البخاري على الشيخ: محمد حياة السندي وأخذ عنه إجازة الصحاح الستة وسائر مقروءاته وصحب الشيخ: عبد الوهاب الطنطاوي المصري المتوفى سنة 1157هـ وأخذ عنه فوائد جمة وعرض عليه تخلصه آزاد فقال: أنت من عتقاء الله تعالى فاستبشر بهذه الكلمة وأرخ لحجه بلفظ: عمل أعظم.
ورحل إلى الطائف وزار هناك قبر سيدنا: عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ثم رجع إلى الهند وأرخ له لفظ: سفر بخير وألقى عصا التسيار بأورنك آباد وأقام في تكية الشاه: مسافر الغجدواني المتوفى سنة هـ1126 عند شاه محمود المتوفى في سنة 1175هـ سبعة أعوام وحصل بينه وبين نواب نظام الدولة: ناصر جنك خلف نواب نظام الملك: آصف جاه الموافقة فأحبه حبا شديدا ورفعه مكانا عليا وكان لا يدعه في الظعن والإقامة حتى فاز برتبة الشهادة في سنة 1164هـ، وكان يوما راكبا على الفيل وآزاد أيضا على فيل آخر فأنشد:
هو ناصر الإسلام سلطان الورى ... أبقاه في العيش المخلد ربه
حاز المناقب والمآثر كلها ... جبل الوقار يحبنا ونحبه
ولم ينظم قط في مدح غني بيتا إلا هذين وكان نزيلا بأورنك آباد ثابتا في مقام الفقر والفناء مجتمعا كالمركز في دائرة الانزواء ولما توفي نظام الملك في سنة 1161هـ، وتولى نظام الدولة رياسة الدكن بالغ في اختياره لمنصب من مناصب الإمارة فأبى ونفض الذيل عن الهبا وقال1:
هذه الدنيا مثل نهر طالوت غرفة منه حلال والزيادة عليها حرام وأنشد:
عصابة أعطوا العافين سلطنة ... أن سلموني لنفسي فهو مغتنم
وله مصنفات: جليلة ممتعة مقبولة منها:
ضوء الدراري شرح صحيح البخاري إلى آخر كتاب الزكاة وقفت عليه وذكرت أوله في كتابي: الحطة بذكر الصحاح الستة وتسلية الفؤاد وسبحة المرجان وشفاء العليلي في المؤاخذات على المتنبي في ديوانه وغزلان الهند وسند السعادة وسرو آزاد وخزائنه عامرة ويده بيضاء وروضة الأولياء ومآثر الكرام وتاريخ بلكرام ورسائل أخر وديوانان وما ظهر في الهند قبله من يكون له ديوان عربي ومن يكون له عشر عربي على هذه الحالة وقرر نصاب القصيدة أحدا وعشرين بيتا إلى أحد وثلاثين وهي الدرجة الوسطى التي تريح الأسماع ولا تمل الطباع وجملة أشعاره في الدواوين: ثلاثة آلاف وأرسلها إلى بعض الفضلاء بالمدينة المنورة فعرضها على الروضة الخضراء وأوصلها إلى داخل شباك القبة الغراء والأمثلة المترشحة من قلمه في كتاب سبحة المرجان زائدة على ثلاثين ألفاً.
هذا آخر ما لخصته من كتابه المذكور وله الدواوين السبعة بالعربية تغزل فيها وأكثر من مدحه صلى الله عليه وسلم وهي موجودة عندي.
وله: مظهر البركات في البحر الفارسي واللسان العربي على وزن المثنوي أجاد فيه كل الإجادة وقد ذكرت ترجمته أيضا في كتاب: إتحاف النبلاء وأوردت طرفا صالحا من أشعاره الغراء.
وله: ثلاثة ديوان أخر غالبها مدح النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف لأحد من علماء الهند من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة وأعطي لقب: حسان الهند من جهة الأستاذ1
وتوفي في سنة 1194هـ، في بلدة أورنك آباد ودفن بالموضع الذي يعرف: بالروضة - أحله الله تعالى في روضة الجنان وخصه بنعيم الروح والريحان.
السيد جان محمد البلكرامي: هو ابن عم السيد: عبد الجليل العلامة الواسطي.
ولد في سنة 1083هـ، وكان أبوه: السيد معين الدين صاحب دار العدالة ببلدة ملتان أقره على هذه ناظمها: نواب مكرم خان خلف نواب شيخمير في عهد عالمكير وحفظ القرآن وأخذ القراءة ثم رتع في رياض العلوم وارتقى بها إلى أعالي الغصون فحاول من كل فن طرفا صالحا وتناول من كل نوع وزنا راجحا واكتسب قلم النسخ في غاية الملاحة وكان يتكلم بالفارسية في نهاية الفصاحة ثم خرج من الوطن شوقا إلى الحج وذهب إلى بغداد وسر من رأى ومنها إلى نجف وكربلاء وطوس ومنها إلى البيت الحرام وأدى مناسك الركن والمقام وسار إلى المدينة وأقام بها متمنيا للموت وكان يجلس بالمسجد النبوي ويصحح المصاحف إلى أن توفي في سنة 1149هـ، ودفن بالبقيع ومدحه السيد آزاد بقصيدة بليغة في تسلية الفؤاد أولها:
حي الغمام بساكب هتان ... أرضا هناك أو أنس الغزلان
ومنها:
طوبى لقوم هاجروا وتوطنوا ... تلك الديار ومعادن الإيمان
وذكر فيها قصة هجرته إلى الحرمين وما وقع له في هذا البين.
المولوي: فضل الحق العمري الحنفي الماتريدي الجشتي الخير آبادي ولد بها في سنة 1212هـ، يرجع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تتلمذ على أبيه الفاضل فضل إمام وسمع الحديث على الشيخ الأجل: عبد القادر بن مسند الوقت الشاه ولي الله المحدث الدهلوي وحفظ الكتاب في أربعة أشهر وفرغ عن اكتساب العلوم وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة عن: شاه دهو من الدهلوي وصار بارعا في: علم المنطق والحكمة والفلسفة والعربية والكلام والأصول والشعر ونظمه: يزيد على أربعة آلاف شعر وغالب قصائده مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعضها: في هجو الكفار والفساق أتته الطلبة للاشتغال عليه من بلاد بعيدة فدرس وأفاد وألف وأجاد إلى أن حبس على يد الإفرنج وأرسل به إلى جزيرة رنكون فتوفي بها ثاني عشر صفر من سنة 1278هـ.
كان إمام وقته في العلوم الحكمية والفلسفية بلا مدافع غير أنه وقع في أهل الحق ونال منهم على تعصب منه وكان السبب في ذلك: قلة الخبرة منه بعلوم السلف وطريقتهم في الدين واتباعهم للأدلة الواردة عن سيد المرسلين مع ميل إلى البدع التي يستحسنها المقلدة ولذا انتقد عليه عصابة من علماء الحق تواليف في ذلك.
ومن مؤلفاته: رسالة: الجنس الغالي في شرح الجوهر العالي وحاشية شرح السلم للقاضي مبارك وحاشية الأفق المبين لباقر داماد وحاشية تلخيص الشفاء لابن سينا والهداية السعيدية في الحكمة الطبيعية ورسالة في: تحقيق العلم والمعلوم والروض المجود في تحقيق حقيقة الوجود ورسالة في: تحقيق الأجسام ورسالة في: تحقيق الكلي الطبعي وفي التشكيك وفي الماهيات وتاريخ فتنة الهند ... إلى غير ذلك.
وله: نظم رائق وشعر فائق لولا انه أكثر فيه من التجنيس الذي ينبو عنه السماع وتأباه الطباع وقصائد وغزليات وتقاريظ وأدبيات جمعها الشيخ الأديب: جميل أحمد البلكرامي المرحوم في مجموع وشرح معانيها وقد رأيت الشيخ: فضل الحق بدهلي زمان الطلب وهو كهل في المسجد الجامع وقد أتى هناك لصلاة الجمعة وزيه زي الأمراء دون العلماء وكان بينه وبين أستاذي الشيخ العلامة: محمد صدر الدين خان الدهلوي صدر الصدور بها مودة أكيدة ومحبة شديدة لأنهما كانا شريكين في الاشتغال على أستاذ واحد وعلى أبيه الفاضل: فضل إمام ومع ذلك يسخط أستاذي عليه في بعض أموره.
منها: رده على الشيخ الحافظ الواعظ المحدث الأصولي الحاج الغازي الشهيد: محمد إسماعيل الدهلوي ويقول: لا أرضى منك ذلك وليس هذا بعشك ثم رأيت ولده: الفاضل الفلسفي المولوي الشيخ: عبد الحق بن فضل حق في سفري إلى دهلي في سنة 1294هـ، فوجدته أيضا كهلا في العمر وبارعا في العلم ومهذبا في الخلق وقد كتب كراسة في الشرح لرسالتي في أصول الفقه المسماة: بحصول المأمول من علم الأصول وهي داله على سعة علمه في هذا الفن حياه الله وبياه والذي لا يرتضيه منه أهل العلم بالكتاب والسنة مشيه على طريقة أسلافه من: الانهماك في الفلسفة وما يليها وعدم المبالاة بالعلوم الإسلامية وما يضاهيها - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد طالما خطر ببالي أن أكتب كتابا مستقلا في: تراجم علماء الهند وفضلائها إلى أن سودت أوراقا في ذلك ثم شغلني عنها عوائق الزمان ولم يتيسر لي تهذيبها إلى الآن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فاقتصرت في هذا الكتاب هذه الساعة على ذكر جماعة خاصة منهم مشهورة وأعرضت عن ذكر الباقين لا سيما المعاصرين لوجوه ليس هذا موضع ذكرها كيف وليس في المعاصرين من يكون في طبقة الراسخين من العالمين. المولوي: محمد باقر النائطي المدراسي المتخلص: بآكاه أصله من بيجابور وولد في ديلور في سنة 1158هـ، كان عالما شاعرا يعرف العلوم العجيبة والفنون الغريبة لم يقم من كرنائك مثله في الفضائل الجليلة ولم يدرس في بلدة مدراس غيره من أهل الفواضل الجميلة له يد طولى في الأدب وبراعة كاملة في لسان العرب وقفت له على أبيات في الرد على الشيعة وكان شافعي المذهب مات رحمه الله في سنة 1220هـ الهجرية.
الشاه: عبد القادر المتخلص: بمهربان المعروف: بالفخري: أصله من السادة النقوية الساكنة بنيشابور انتقل بعض أسلافه إلى قصبة كنتور من مضافات لكهنؤ ووالده: السيد شرف الدين خان ألقى عصا التسيار ببلدة أورنك آباد واختص بقضاء بلدة روضة وهناك ولد الفخري في سنة 1143هـ، وحفظ القرآن واكتسب العلوم العقلية والنقلية ودرس وطالع كتب: التفسير والحديث والتصوف حتى صار بارعا في ذلك كله ولبس خرقة الطريقة القادرية يتخلص مرة: بالفخري وأخرى: بمهربان له شعر مدون ذكر له أستاذه: آزاد ترجمة في تذكرته وأثنى على ذكائه وفطنته كثيرا جلس على كرسي الإفادة ومسند الإرشاد وأفنى عمره في هداية العباد وتكميل الزهاد.
ورحل في أواخر المائة الثانية عشر إلى مدراس وأقام بها مفيدا مفيضا وعظمه نواب والاجاه تعظيما جليلا وحسن العقيدة فيه إلى أن مات - رحمه الله - في سنة 1204هـ، ودفن بخانقاه الواقع بقصبة ميلابور من مضافات مدراس.
الشيخ الفاضل المفيد القاضي المفتي: محمد سعد الله المراد آبادي رحمه الله لم أره ولكن كان بيننا وبينه الكتابة والخط أهدى إلينا رسائل من مؤلفاته وأتحفت إليه كتبا من مصنفاتي فاستحسنها كثيرا وأثنى عليه ثناء كبيرا وطلبت من ترجمته فكتب إلينا ما تعريبه:
ولدت بمراد آباد في سنة 1219هـ، تاريخه: ظهور حق وأيضا بيدار بخت اكتسبت في زمن الصبا الكتب الفارسية من معلمي المكاتب ورحلت إلى رامفور ونجيب آباد مراهقا وقرأت مختصرات الصرف والنحو عند المولوي: عبد الرحمن القهستاني - تلميذ بحر العلوم الملا: عبد العلي اللكنوي وفي سنة 1239هـ وصلت إلى دهلي وحضرت في مجالس الوعظ للشاه: عبد العزيز وغيره من أكابر البلدة وكان يحلل الغوامض المستفسرة عنها بالإرشادات اللسانية وحصلت بعض الكتب الدرسية من المولوي: محمد حياة اللاري الفنجاني وأخوند شير محمد خان الفاضل والمفتي الكامل: محمد صدر الدين خان.
ثم رحلت في سنة 43هـ إلى بلدة لكهنؤ وأكملت التحصيل في خدمة المولوي: محمد أشرف والمولوي: محمد ظهور الله والمولوي: محمد إسماعيل المراد آبادي والمولوي: حسن علي المحدث وأقمت هناك مدة اثنتين وعشرين سنة وسافرت في سنة20هـ إلى الحرمين الشريفين ورجعت إلى لكهنؤ وبعدما انقلبت سلطنة أود وتسلطت عليها النصارى جئت إلى رامفور قبل الفساد الواقع في مملكة الهند وأنا نزيلها إلى يومنا هذا.
ومن مؤلفاته: القول المأنوس في صفات القاموس وميزان الأفكار شرح معيار الأشعار ونوادر الوصول في شرح الفصول وحاشية شرح السلم لحمد الله وحاشية شرح الجغميني وزاد اللبيب إلى دار الحبيب ومحصل العروض مع شرحها ... إلى غير ذلك مما لم يتم. انتهى بلفظه الشريف.
وقد طلبته لقضاء بلدة بهوبال المحمية وأراد الرحلة إليها لكن سبق القضاء فتوفي رحمه الله في سنة 1293هـ الهجرية.
وطلبت منه تراجم علماء بلدة رامفور فكتب شيئا منها وذكر منهم:
المولوي: محمد حسن السهالوي اللكنوي وكتب أنه كان من أشهر علماء هذه البلدة جاء في عهد نواب فيض الله خان إلى رامفور وأقام بالمحلة المعروفة: بالمدرسة وله أولاد:
والمولوي: محمد إسحاق.
والمولوي: موسى.
والمولوي: عبد الله وهؤلاء الثلاثة هاهنا ورأيت له ولدين بلكنؤ وهما: المولوي غلام يحيى والمولوي غلام زكريا.
ومن مؤلفاته: شرح السلم والمسلم والحواشي: على الزواهد وعلى شرح هداية الحكمة والشمس البازغة ومعارج العلوم وغيرها وهي معروفة.
ومن أرشد تلاميذه: المولوي: محمد مبين اللكنوي والمولوي: عماد الدين اللبكني مات رحمه الله في رامفور ودفن بمقبرة نواب محمد علي خان والد نواب أحمد علي خان تشرفت بزيارته حيا.
ومنهم: الملا عبد العلي بحر العلوم قدم برامفور في زمن نواب فيض الله خان وتقررت له وظيفة مائة ربية في كل شهر ثم سافر بعد سنة إلى مدراس وعظم قدومه نواب محمد علي خان والي صوبة أركات له من التأليفات: الحواشي والتعليقات والشروح على أكثر الكتب الدرسية وكان شديد البغض لمذهب الرفض مات بمدراس رحمه الله.
وكان حينئذ برامفور الملا: عمران والد المولوي: خليل الرحمن - صاحب حاشية الدوار على الدائر - والمولوي: رستم علي والمولوي: غلام بني الشاهجهانفوري ولهما: حواش على رسالة مير زاهد والمولوي: محمد جيلاني صاحب جنكنامه وهؤلاء كلهم تتلمذوا على بحر العلوم1.
ثم اشتهر الملا: أحمد الولايتي - تلميذ المولوي: بركت - في العلوم الدرسية والفلسفية اشتهارا وإليه تنتهي سلسلة علماء هذه البلدة وكان المفتي: شرف الدين ختنا له تتلمذ على أحمد جماعة من أهل العلم منهم.
المولوي: رستم علي والمولوي: هدايت علي وغيرهما ومن أكابر علماء هذه البلدة: المولوي: سلام الله من أولاد الشيخ: عبد الحق الدهلوي كان جامعا للمعقول والمنقول عارفا بالحديث مشهورا به له: الكمالين حاشية الجلالين والمحلى شرح الموطأ وترجمة صحيح البخاري بالفارسي وترجمة الشمائل للترمذي أيضا ولد له المولوي: نور الإسلام وبرع في العلوم العقلية والنقلية لا سيما علم الرياضي ومنهم: السيد المولوي: حيدر علي جاء في صغر السن وتتلمذ على المولوي: عبد الرحمن القهستاني الدكني أولا وعلى المولوي: محمد جيلاني ثانيا وكمل التحصيل وتزوج بابنته واختص بختانته وكان بارعا في علم الطب له يد طولى في ذلك خرج في آخر عهد نواب أحمد علي خان إلى طونك وارتفع بها شأنه وقدرته ومات هناك. قلت: له تقريظ على رسالتنا المسماة: بكلمة الحق في رد علم المولد وكان من أحباب والدنا المرحوم وكان بيننا وبينه الخط والكتابة وكان قصير القامة نحيف البدن ومن مؤلفاته: صيانة الأناس عن وسوسة الخناس بالهندية ورسالة في: إثبات رفع اليدين في المواضع الأربعة من الصلاة حررها ردا على المولوي: محبوب علي الدهلوي بالفارسية وكان يدرس ويطبب وينفع الناس. انتهى قولي.
وأما الموالي الآخرون الذي اجتمعوا في رامفور وهم: الملا: محمود الولايتي والملا: كمال والد المولوي: جلال الدين والملا: عبد اللطيف الفقيه والملا: نسيم المنطقي والملا: جمال الصيرفي والملا: عبد الرحيم والملا: عبد الله البكلوي والملا: غفران المعروف: بروايت كش والمولوي: محمد حياة والمولوي: محمد علي ابن أخت زوجة المفتي: محمد شرف الدين والمولوي: إسحاق ولد الملا: أحمد المذكور إلى غير ذلك فلم تبق منهم آثار التأليف وكان الملا: عياض تلميذ المفتي: محمد شرف الدين رجلا بحاثا يباحث ويناظر كل واحد له كتاب: دستور المنتهى في الصرف ألفه في مقابلة دستور المبتدي واختار لفظ الشك والفك مكان السؤال والجواب واصطلح عليهما فيه.
ومن مؤلفات المفتي: شرف الدين: كتاب سراج الميزان في المنطق وشرح السلم إلى مقام لا يحد ولا يتصور وبعض الفتاوى الفقهية.
قلت: وكان شرا في الدين لا شرف الدين كما سماه بذلك سيدي الوالد قدس سره.
وكان أبعد خلق الله من السنة مع حفظ الحواشي والشروح الكثيرات للكتب الدرسية المتداولة منتصرا للبدعة رادا على أهل الحق بخرافاته محبا للدنيا - عفا الله عنه ما جناه.
وأما علماء هذا العهد فمنهم المولوي: عبد الحق بن المولوي: فضل حق والفاضل المولوي: حيدر علي الفيض آبادي صاحب منتهى الكلام والمولوي: سديد الدين خان ولد المولوي: رشيد الدين خان الدهلوي والمولوي: عبد العلي المنطقي والمولوي: حسن شاه المحدث والمولوي: محمود عالم والمولوي الحافظ: لطف الله ولدنا. انتهى كلام المفتي: محمد سعد الله رحمه الله مع زيادة يسيرة عليه.
وقد لاقيت الأول والثاني من هؤلاء الجماعة ببلدة بدهلي وتأتي إلينا خطوطهم.
وممن يعد في العلماء ببلدة رامفور: إرشاد حسين ولكنه ليس برشيد ولا مرشد بل رجل متصوف متفلسف مقلد وأي مقلد والمهدي من هداه الله.
والمولوي: لطف الله ولد المولوي المفتي: محمد سعد الله جاء إلى بهوبال وصار ملازما بالرياسة وجدته عالما صالحا ذا متانة وتقاوة على قدم أبيه المرحوم ولما توفي والده ترك التعلق ورحل إلى رامفور وصار هناك قائمقام أبيه لطف الله به وأحسن إليه وقد أعاننا على بعض الكتب المطلوبة لنا بالاستعارة جزاه الله خيراً.
الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري: نزيل المدينة المنورة حالا ولد في شعبان سنة 1235هـ بدهلي دار ملك الهند حفظ القرآن واقتنى الفقه على مذهب النعمان وحصلت له الإجازة من علماء الهند والحجاز فاشتغل بدرس الحديث ورواية الأثر ببلدته وألف ذيلا على سنن ابن ماجة سماه: إنجاح الحاجة وقد طبع على هامشها بدهلي وله غير ذلك من المؤلفات. ثم لما وقعت الفتنة في الهند وتسلط العلوج على دهلي توجه في رهطه إلى أرض العرب فقدم مكة المكرمة أولا ورحل إلى المدينة المنورة ثانيا وهو اليوم نزيلها مواظب على ما عوده من الوظائف رأيته بدهلي مرارا ثم لقيته بالطيبة الطابة آخرا في سنة 1285هـ سلمه الله تعالى.
ومشائخه الذين أخذ منهم العلم وانتفع بهم جمع أجلة منهم:
والده1: الشيخ أبو سعيد قرأ عليه كتاب الموطأ لمحمد بن حسن الشيباني وأخذ منه طريقة الصوفية وصار مجازا بها وبسائر ما وصل إليه من أشياخه وصحبه في حجته وحصلت له دعوة بركته.
ومنهم: الشيخ مخصوص الله بن مولانا رفيع الدين الدهلوي قرأ عليه كتاب المشكاة للخطيب التبريزي وكان مقريا في دروس عمه الشيخ: عبد العزيز بعد ما توفي أبوه رأيته بمنزله في دهلي ووجدت فيه عصبية على بعض الفقهاء الحنفية وكان موصوفا بالصلاح مات في سنة 1273هـ.
ومنهم: الشيخ أبو سليمان: إسحاق ابن بنت الشيخ عبد العزيز وأخذ من جده المذكور وجلس بعده مجلسه وكان معروفا بالزهد والصلاح وله مؤلفات بالفارسية يتعاطاها عوام أهل الهند هاجر إلى مكة المكرمة وأقام بها سنين ثم توفي بها عام 1262هـ ومنهم: الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري نزيل المدينة المنورة قرأ عليه بعض صحيح البخاري وأجاره بباقيه وكتب له الإجازة العامة برواية الكتب السنة التي أوردها في كتابه: حصر الشارد.
ومنهم: الشيخ أبو زاهد إسماعيل بن إدريس الرومي ثم المدني أجازه كذلك إجازة عامة مكاتبة والله أعلم بالصواب ثم توفي رحمه الله سنة 1296هـ، بالمدينة المنورة.
الشيخ الأجل: علي أصغر بن الشيخ: عبد الصمد القنوجي البكري الكرماني: من أولاد الشيخ: عماد الدين الكرماني صاحب الفصول العمادية كان من أعيان علماء قنوج وأكابرها.
ولد في سنة 1051هـ، وأخذ العلوم الدرسية المتداولة عن السيد العلامة: محمد القنوجي وأتم المتوسطات والمطولات في حلقة درس السيد: عصمة الله السهارنقوري وقرأ فاتحة الفراغ عند الشيخ الكامل: ملا محمد زمان الكاكوروي وصار بارعا في جميع العلوم النقلية والعقلية إماما في التصوف والسلوك له مصنفات.
منها: اللطائف العلية في المعارف الإلهية على طريقة كتاب فصوص الحكم لابن عربي الطائي.
ومنها: تبصرة المدارج في علم السلوك جمع فيه ما استفاده من شيخه: بير محمد الجونفوري المولد اللكهنوي المحتد.
ومنها: القصيدة المهيمنية في النفحة المحمدية وشرحها المسمى: بالنفائس العلية في كشف أسرار المهيمنية. ومنها: تفسير القرآن الكريم المسمى: بثواقب التنزيل مختصر على هيئة تفسير الجلالين لكن أحسن منه في البلاغة والمتانة.
وله: شرح فصوص الحكم وملخصه ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال السيد غلام علي آزاد البلكرامي رحمه الله في مآثر الكرام: خرج بعض آبائه من المدينة المنورة بتصاريف الزمان وتوطن بكرمان وارتحل الشيخ: مبارك بن عماد الدين الكرماني من كرمان الهند وأقام ببلدة قنوج وتوطن بها وفيها أعقابه إلى الآن شارك الشيخ: علي أصغر في تحصيل العلم مع الشيخ: أحمد ملا جيون صاحب نور الأنوار ولبس الخرقة من الشيخ: بير محمد اللكهنوي واستجاز فأجاز وبايعه وجلس في الأربعينات ورجع إلى قنوج واختار العزلة إلى آخر العمر ودرس ستين سنة بلغ خلق كثير في حوزة درسه إلى منتهى الفضيلة أدركت صحبته مرارا ووجدته ذاتا مقدسا مباركا توفي في سنة 1140هـ
وقلت: تاريخه بالفارسية:
مولوي زمان علي أصغر ... أزوفاتش كما شد معدوم
منال تاريخ أونوشت خرد ... شد نهان آفتاب صبح علوم
انتهى كلامه مترجما 1140هـ
السيد إمام والسيد حسن والسيد صدر الدين القنوجي كانوا من مشاهير علماء هذا البلد في عهد السلطان: سكندر اللودي في سنة 604هـ وكان السيد: صدر الدين ملازما ركاب السلطان في كل حين وأوان.
الخواجه محمد بن عبد الرحمن القنوجي: كان سيدا عالما كبيرا وعارفا سالكا من سادات رسول دار له معارف وحقائق جيدة وفضائل شهيرة.
رحل إلى الحرمين الشريفين ولقي مشائخهما واستفاد منهم ثم رجع إلى قنوج وبها توفي مزاره يزار له كتاب سماه: هداية السالكين إلى صراط رب العالمين ألفه لابن السلطان المسمى: بشاه عالم بهادر وهو في علم التصوف والسلوك على طريقة كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي وإحياء العلوم للغزالي لم أقف على تاريخ وفاته رحمه الله.
الشيخ ياسين القنوجي كان من أساتذة الوقت وأعيان العصر والفضلاء الكاملين المكملين تتلمذ عليه خلق كثير وبلغوا إلى منتهى الفضيلة.
منهم: السيد: مربي بن السيد: عبد النبي بن السيد: الطيب البلكرامي وملا: فيضي الأمروهي وقد ذكر لهذين ترجمة السيد: آزاد البكري رحمه الله في كتابه: مآثر الكرام تاريخ بلكرام
المولوي محمد فصيح الدين: كان من شيوخ بلدنا قنوج ومن علمائها الكاملين اشتغل بالدرس والعبادة وبالغ في الإفاضة والإفادة حتى أتاه اليقين ولقي الله رب العالمين.
المولوي عليم الدين بن الشيخ فصيح الدين المذكور: كان في الفضائل: أنموذج السلف الصلحاء وفي العلوم العربية: تذكار العرب العرباء تتلمذ على الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي وأتم الكتب الدرسية من البدء إلى الغاية في حلقة درسه وحوزة إفادته ودرس عمرا وألف كتبا منها: عين الهدى شرح قطر الندى في النحو ودرر الفضائل في شرح الشمائل والرسائل في علم المنطق وعام تأليف عين الهدى سنة 1311هـ.
المولوي: نعيم الدين هو أخو الشيخ: عليم الدين والابن الصغير للشيخ: فصيح الدين كان في أخذ العلوم وتحصيل الكمالات العلمية تلو أخيه الكبير تتلمذ على العلامة: القنوجي عبد الباسط.
ومن مصنفاته: شرح تصديقات سلم العلوم والحاشية على صدرا في الحكمة.
المولوي: رستم علي بن العلامة: علي أصغر القنوجي: عالم ابن عالم وفاضل ابن فاضل من بيت العلم المشهور والحي الذي بالفضائل مذكور.
ولد في سنة 1115هـ، اكتسب العلوم المتداولة وكتبها المطولات من: أبيه العارف وأتمها بعد وفاته في حلقة درس ملا: نظام الدين اللكهنوي في سنة 1240هـ، وجلس على صدر الإفادة مقام والده وعلم ودرس وألف.
ومن مصنفاته: تفسير القرآن الكريم المسمى: بالصغير وشرح على المنار في غاية من الاختصار
المولوي: محمد عبد العلي القنوجي أخو: الشيخ رستم علي المذكور كسب العلوم من أخيه وصار بارعا في كل فن نبيه له: حاشية على شرح المنار في أصول الفقه. توفي بقصبة: بندكي من توابع: كوره جهان آباد.
المولوي: حسين علي بن علامة العصر: عبد الباسط القنوجي: أخذ العلوم عن أبيه الماجد وتصدى في حياته للدرس وأفاد الطلبة وأفاضهم.
ومن مؤلفاته: كتاب: تمرين المتعلم في الصيغ المشكلة والتعليلات الصعبة توفي بعد أبيه بخمسة أشهر وعمره: أربع وعشرون سنة في سنة 1223هـ، ودفن عند أبيه رحمة الله على شبابه وبوأه في دار النعيم وخصه بثوابه.
المولوي: غلام حسنين بن المولوي: حسين علي بن الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي
ولد في سنة 1221هـ، واسمه التاريخي: غلام عليم تتلمذ على الشيخ العالم: محمد سعادت خان الفرخ آبادي المتوكل المشهور. وعلى العلامة: محمد ولي الله المفتي الفرخ آبادي وأخذ عنه علم الحديث والتفسير في سنة 1336هـ، ورحل إلى الحرمين الشريفين وأقام في برودة من أرض كجرات وحج في سنة 1255هـ، وصحب هناك الشيخ: عبد الله سراج والشيخ: شمس الدين شطا والسيد: عمر أفندي وغيرهم من أهل مكة المكرمة واستجاز بالمدينة المشرفة الشيخ: محمد عابد السندي فأجازه بكتب الصحاح والسنن المشهورة وزار القرآن العثماني واشتغل بكتب التصوف وطالعها.
له من التأليفات: ذيل كتاب المنازل الإثنا عشر لجده وقد قاسى في تكميله جهدا بليغا لاقيته مرارا وصحبته في صغر سني ببلدة قنوج وارتحل إلى برودة وسافر في آخر عمره إلى الحرمين الشريفين وحج وزار ثم رجع فلما بلغ بندر بمبئى مرض وتوفي في سنة12 الهجرية رحمه الله.
المولوي: محمد أمجد القنوجي: كان من كبار الفضلاء وأعاظم العلماء من أهل قنوج تتلمذ على الشيخ العارف: علي أصغر القنوجي وبلغ الغاية في الكمال ودرس وألف وله: حاشية على صدرا في الحكمة متداولة في ديارنا لم أقف على تاريخ وفاته.
الشيخ المولوي فتح علي القنوجي: كان قاضيا بها أبا عن جد تتلمذ على ملا: علي أصغر القنوجي وحصل الحيثية العلمية المعتد بها وفاق الأقران وكان له مناسبة تامة بكل علم ومن مؤلفاته: حاشية على شرح التهذيب الجلالي وشرح لمقامات أبي القاسم الحريري.
السيد محمد القنوجي: هو من سادات رسول دار كان أستاذا للسلطان: عالمكير أورنك زيب ومن صالحاته الباقية: عمارة بيت المسافرين الذي لم يعهد مثله في هذه الديار وله بستان فيه مقبرة عظيمة فيها قبره كان له اليد الطولى في العلوم الرياضية والعربية ألف: حاشية على المطول وكان معظما ذا جاه وثروة ودولة عظمى جامعا بين رياسة العلم والحكومة والشرافة له أعقاب في تلك البلدة لكن كلهم جهلاء متشيعون.
الشيخ: عبد الوهاب الراجكيري المخاطب بنواب منعم خان بهادر وراجكير: محلة من محلات قنوج كان فاضلا جيدا وعالما نبيلا له اليد الطولى في العلوم المتداولة والتصانيف المفيدة في الفنون الدرسية المتناولة منها: مفتاح الصرف وبحر المذاهب في الكلام وكتاب الصدرة في علم العقائد وعندي منها شيء يسير.
الشيخ العارف حبيب الله القنوجي: هو من مشائخ قنوج اكتسب العلوم الدرسية وبرع فيها ثم توغل في السلوك والتصوف وصار رأسا في ذلك العلم والعمل وقصر نفسه على إرشاد الخلق إلى الله تعالى وذكره سبحانه وكان معاصر الملا: علي أصغر القنوجي.
ومن مؤلفاته: الجواهر الخمسة وتذكرة الأولياء وروضة النبي في السير وأنيس العارفين والفاضل في الفقه.
ومن آثاره الباقية إلى الآن: مسجد وخانقاه وروضة فيها قبره قال السيد: غلام علي آزاد في مآثر الكرام: توفي في سنة 1140هـ، تاريخه: الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب قبره بقنوج وشيخه الشاه: عبد الجليل الإله آبادي الآخذ للطريقة عن الشاه: محمد صادق الآخذ عن الشيخ: أبي سعيد من أحفاد الشيخ: عبد القدوس الكنكوهي رحمه الله.
سيدي الوالد الماجد المرحوم: حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي قدس الله سره ونور الله مضجعه - ذكرت له ترجمة حافلة في إتحاف النبلاء المتقين فلا حاجة إلى إعادتها ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
وهو ابن السيد الأمير الكبير: نواب أولاد علي خان بهادر أنورجنك المتوفي بأرض حيدر أباد الدكن جده القريب: السيد أبو عبد الله جلال الدين حسين المعروف: بمخدوم جهانيان جهان كشت ونسبه الأقصى: ينتهي إلى سيدنا: زين العابدين علي أصغر بن حسين الشهيد بكربلاء رضي الله تعالى عنه في سنة 1210هـ.
أخذ أوائل العلوم الدرسية من: الشيخ العلامة: عبد الباسط القنوجي ورحل إلى لكهنؤ بعد وفاته فاكتسب عن الشيخ العارف العالم: محمد نور وغيره من علماء عصره وسافر في سنة 1233هـ إلى دهلي وتتلمذ على الشيخ: عبد العزيز والشيخ: رفيع الدين ابني الشيخ الأجل الشاه: ولي الله المحدث الدهلوي وأخذ الإجازة لكتب التفسير والحديث وغيرهما وصحب السيد الكبير والعارف الشهير: أحمد البريلوي مجدد المائة الثالثة عشر وبايعه واستفاض منه فيوضا كثيرة وجاهد معه في سبيل الله وصار خليفة له في دعوة الحق إلى دين الله تعالى فرجع إلى الوطن وتمكن به للدرس والإفادة والوعظ إلى آخر العمر وكان في: التقوى والديانة واتباع الحق واقتداء الدليل ورد الشرك والبدع آية باهرة وقدرة كاملة ونعمة ظاهرة من الله سبحانه وتعالى.
وله مؤلفات بالألسنة الثلاثة: الهندية والفارسية والعربية.
منها: راه سنت وهداية المؤمنين ونور الوفا من مرآة الصفا ورسالة في: معنى الكلمة الطيبة ورسالة في: رد التعزية والضريح ورسالة في: آداب التذكير ورسالة في: آداب البيعة وكتاب في الحدود والقصاص سماه: بالاختصاص وتقوية اليقين في الرد على عقائد المشركين إلى غير ذلك مما يعسر عدها.
توفي - رحمه الله - في سنة 1253هـ تاريخ وفاته: مات بخير استخرجه المولوي: أمين الدين الجاليسري من لفظ الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم الواقع في باب المساجد.
موت التقي حياة لا انقطاع لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء
السيد العلامة: أحمد بن حسن بن علي العرشي القنوجي: أخونا الكبير كان أساسا محكما للمراتب العليا وقياسا منتجا للفضيلة الكبرى ميزان نقد العقليات برهان عدل النقليات ولد تاسع عشر رمضان يوم السبت وقت الإشراق سنة 1246هـ وأخذ العلوم المروجة والفنون الدرسية متفرقة في بلاد شتى من أساتذة متعددين كبلدة دهلي وغيرها وساح البلاد ولاقى جماعة من أهل العلم المدرسين وبرع في الفضائل وجمع الفواضل المتكثرة: كالرمي بالبندق والركوب على الأفراس ونظم القصائد الغراء في الفارسية والعربية وفاق الأقران في: الذكاء والفطنة وقوة الحافظة وجودة الذهن وتتلمذ على المولوي: عبد الجليل الكولي وأجاز له الشيخ العارف: عبد الغني المجددي الدهلوي - نزيل المدينة المنورة حالا الآخذ لعلم الحديث - عن الشيخ: محمد عابد السندي الراوي عن إمام المحدثين وخاتمة المجتهدين الشيخ: صالح بن محمد العمري المسوفي الشهير: بالفلاني وسمع من الحديث المسلسل بالأولية في سنة 1271هـ، وسافر من الوطن قاصدا بيت الله الحرام في سنة 1276هـ، فوارد ببلدة برودة من أرض كجرات - وأقام مدة يسيرة عن المولوي: غلام حسنين القنوجي ثم مرض بالحمى واشتد المرض وانجر إلى الإسهال وكان هناك الوباء فتوفي رحمه الله تعالى تاسع جمادى الأولى يوم الجمعة من شهور سنة 1277هـ، ودفن بعد صلاة الجمعة في التكية الماتريدية عند مزار السيد: يحيى الترمذي - من خلفاء المخدوم: أخي جمشيد الراجكيري وكان عمره ثلاثين سنة وسبعة أشهر وعشرين يوما ولما جاء هذا الخبر ببلدة قنوج حزن عليه جميع أهل البيت وأهل البلد ومن سمع ذلك لا سيما أمه الشريفة وكنت إذ ذاك ببلدة بهوبال المحمية والله يعلم ماذا صب علي من المصائب والأحزان والنوائب؟ ولا مفر لأحد من تقدير العزيز العليم ولا فرج بعد الشدة غير الاصطبار كما أمر به القادر الحكيم فرحمه الله تعالى وإيانا برحمته الواسعة وغفر لنا وله بكرمه العميم وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} . وروينا عن عمرو بن العاص أنه قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده" قالوا: ولم ذلك؟ قال: "إن العبد إذا مات بغير مولده قيس ما بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة". أخرجه النسائي.
وفي حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر". رواه أحمد والبيهقي.
والحديث له شواهد ولنعم ما أنشدته عائشة رضي الله عنها حين وردت على قبر أخيها: عبد الرحمن وزارته بمكة المكرمة:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في حياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
ثم إنه رثاه الشيخ: حسن اليمني الأديب بقصيدة أولها:
خطب ألم وفادح قد أوجعا ... بمصاب ركن الدين يوم تصدعا
وقد ذكرت هذه القصيدة في ترجمته الشريفة في كتابي: إتحاف النبلاء فارجع إليه ووجدت بخطه:
أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمحروسة قنوج في مبشرة أريتها في اليوم الثامن من رمضان المبارك سنة خمس وستين بعد ألف ومائتين من هجرته صلى الله عليه وسلم رأيته وهو حسين ولونه أبيض من لون الحنطة ويده لا يشتكي منه قصر ولا طول فرأيت أني أكلت معه الطعام وطال يده صلى الله عليه وسلم إلى قصعتي فقربت الإدام إليه فتناوله بيده الشريفة وأخذ كأنه يأكل في قصعتي ولم يبق شيء فقلت: أيتها الحضرة من رآكم في هذا الزمان وصحبكم في المنام هل يعد من أصحابكم؟ فأجاب بما مفهومه:
إنه لا يعد منهم وأعطاني فلوساً.
وسألت عنه صلى الله عليه وسلم: ما بال الناس يتركون الحديث بقياس المجتهدين؟ مع أنهم إنما قاسوا إذ لم يجدوا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصوا أصحابهم بالعمل على الحديث والناس في هذا الزمان قد غلوا في ذلك وكفروا من أرشدهم إلى اتباع السنة المخالفة لمذهبهم فشاهدت آثار الملال في بشرته صلى الله عليه وسلم من صنع الناس.
هذا وكنت إذا سألته عن شيء أرى جسمي كأنه يمس جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم يتعطف علي ويقبل إلي ووجدت له صلى الله عليه وسلم بعد هذه المبشرة محبة عظيمة من قلبي حتى أحببت أن جعلني الله فداه وأقتل في الجهاد وأنا أحميه ووجدته صلى الله عليه وسلم يرضى بالعمل للحديث. انتهى.
وبالجملة: كان له اليد الطولى في الرد على المقلدة كما يلوح ذلك من كتابه: حديث الأذكياء الملقب: بالشهاب الثاقب وغيره وله نظم رائق وشعر فائق بالفارسية والعربية يربو على نظم الأدباء المتقدمين والبلغاء المتأخرين ذكرت جملة صالحة منها في كتابي: إتحاف النبلاء وتذكرتي المسماة: بشمع انجمن فارجع إليهما وهو نظير: المحدث العلامة الشيخ: محمد فاخر المتخلص: بالزائر الإله آبادي تلميذ الشيخ محمد حياة السندي المدني في إيثار الاتباع ورفض الابتداع والتمسك بالأدلة والتجنب عن الآراء المضلة.
والعبد الضعيف أيضا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ببلدة قنوج رأيته جالسا على سرير تحته يجري الماء الصافي فسلمت عليه وجلست على طرف من السرير موضع الحاشية أدبا منه صلى الله عليه وسلم مقبلا إليه فقال قولا لم أفهمه حق الفهم لكن قلت في جوابه: أين أنا من هذه الرتبة؟
ورأيت أن وراء ظهره صلى الله عليه وسلم عمارة كالحمام وقلة من رمان فأخذ رمانين منها وجاء إلي وأعطانيهما بيده الشريفة فتناولتهما ووقع لي ذهول ما في أثناء هذا الحال ثم أفقت ورأيت عمارة المدينة المنورة كأنها عمران قديم وديار بالية وسكك خالية ثم تيقظت والعين تجري بدموع وفي القلب من الراحة والسكينة مالا يعلمه إلا الله ثم تأملت في التأويل فوجدت أن الرمانين عبارة عن: العمل بالكتاب والسنة أو السفر إلى الحرمين الشريفين وقد وقع ما أولت - ولله الحمد - ونظمت هذه الرؤيا في أبيات أولها:
رأيت رسول الله في النوم ليلة ... وقد كنت مشتاقا إليه متيما
إلى آخر الأبيات
العبد الفقير لما أنزل إليه من خير الباري
أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسنين القنوجي البخاري كان الله له في الدنيا والآخرة وحباه فيهما بنعمه الذاخرة الوافرة الفاخرة.
تولد في سنة 1248هـ، ثمان وأربعين ومائتين وألف القدسية على صاحبها الصلاة والتحية ونشأ بموطنه بلدة قنوج وما إليها من الأقطار الهندية فهو مولده ومسكنه ومرباه ومحتده وداره ومثواه.
يرجع نسبه إلى حضرة سيد السادة وقدوة القادة: زين العابدين علي بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
تتلمذ العلوم الدرسية على الوجه المرسوم على شيوخ هذا العهد.
منهم: الشيخ الفاضل المفتي: محمد صدر الدين خان الدهلوي من تلامذة الشيخ: الكامل عبد العزيز وأخيه الشيخ العامل: رفيع الدين ابني الشيخ الأجل مسند الوقت: أحمد شاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى.
واستفاد العلوم الملية من: التفاسير والأحاديث وما يليهما من مشيخة اليمن الميمون والهند.
منهم: الشيخ القاضي: حسن بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ الشيخ الماهر: محمد بن ناصر الحازمي تلميذ القاضي الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني: محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني.
والشيخ المعمر الصالح: عبد الحق بن فضل الله الهندي.
والشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة المكرمة أخو الشيخ: محمد إسحاق حفيد الشيخ: عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى. وكلهم أجازوا له مشافهة وكتابة إجازة مأثورة عامة تامة.
وممن استجاز منه: العالم الكامل والمحدث الفاضل الشيخ: يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي - قاضي عدن حالا - أجاز له حسب اقتراحه في ذي الحجة سنة 1295هـ الهجرية والشيخ العلامة زينة أهل الاستقامة السيد: نعمان خير الدين ألوسي زاده مفتي بغداد حالا أجاز له في هذا العام الحاضر وهو سنة 1296هـ الهجرية.
ثم طالع بفرط شوقه وصحيح ذوقه: كتبا كثيرة ودواوين شتى في العلوم المتعددة والفنون المتنوعة ومر عليها مرورا بالغا على اختلاف أنحائها وأتى عليها بصميم همته وعظيم نهمته بأكمل ما يكون حتى حصل منها على فوائد كثيرة وعوائد أثيرة أغنته عن الاستفادة عن أبناء الزمان وأقنعته عن مذاكرة فضلاء البلدان.
وجمع بعونه تعالى وحسن توفيقه ولطف تيسيره من نفائس العلوم والكتب ومواد التفسير والحديث وأسبابها ما يعسر عده ويطول حده.
وأوعى من ضروب الفضائل العلمية والتحقيقات النفسية ما قصرت عنه أيدي أبناء الزمان ويعجز دون بيانه ترجمان اليراع عن إبراز هذا الشأن ولله الحمد على ما يكون وعلى ما كان.
ثم ألقى عصا التسيار والترحال بمحروسة بهوبال من بلاد مالوة الدكن فنزل بها نزول المطر على الدمن وأقام بها وتوطن وأخذ الدار والسكن وتمول وتولد واستوزر وناب وألف وصنف وعاد إلى العمران من بعد خراب وكان فضل الله عليه عظيما جزيلاً.
والحمد لله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.
ثم اختص بعونه تعالى وصونه بتدوين علوم الكتاب العزيز وأحكام السنة المطهرة البيضاء وتلخيصها وتلخيص أحكامها من شوب الآراء ومفاسد الأهواء.
وهذا إن شاء الله تعالى خاص به في هذا العهد الأخير والله يختص برحمته من يشاء كيف وعلماء الأقطار الهندية وإن بالغ بعضهم في الإرشاد إلى اتباع السنة وقرره في مؤلفاته وحرره في مصنفاته على وجه ثبت به على رقاب أهل الحق والمنة وشمر بعضهم عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى اعتقاد التوحيد ورد الشرك والتقليد باللسان والبيان بل بالسيف والسنان لكن لم يدون أحد منهم أحكام الكتاب العزيز وعلوم السنة المطهرة من العبادة والمعاملة وغيرها خالصة عن آراء الرجال نقية عن أقوال العلماء على هذه الحالة المشاهدة في كتبه المختصرة والمطولة:
كالروضة الندية
ومسك الختام شرح بلوغ المرام.
وعون الباري. وفتح البيان ورسالة القضاء والإفتاء والإمامة والغزو والفتن والنار ... وغير ذلك مما طبع واشتهر وشاع وسارت به الركبان إلى أقطار العالم من: العرب والعجم كالحجاز واليمن وما إليها ومصر والعراق والقدس وطرابلس وتونس والجزائر ومدن الهند والسند وبلغار ومليبار وبلاد الفرس.
وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين وكتب إليه علماء الآفاق ومحرروها ومحدثو الديار ومفسروها كتبا كثيرة أثنوا فيها على تلك التواليف ودعوا له بإخلاص الفؤاد لحسن الدنيا والأخرى - تقبل الله فيه هذه الدعوات وختم بالحسنى وأحسن إليه بتيسير المنجيات.
وهذه الخطوط والرقائم قد ألحقت في خواتيم مؤلفاته فانظر إليها في تضاعيف محرراته يتضح لك القول الحق والكلام الصدق إن شاء الله تعالى.
ثم خوله سبحانه من المال الكثير والحكم الكبير والآل السعداء والأخلاف الصلحاء والنسب الحميد والحسب المزيد ما يقصر عن كشفه لسان اليراع ولو كشف عنه الغطاء ما ازداد الواقف عليه إلا يقينا وإن يأباه بعض الطباع.
وهو الذي يقول لأخلافه مقتديا بأسلافه بفم الحال ولسان المقال.
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وهو قد طعن الآن في عشر الخمسين من العمر المستعار مع ما هو مبتلى به من: سياسة الرياسة وقلة الشغل بالعلم والدراسة وفقد الأحبة والأنصار وتسلط الأعداء الجاهلين بالقضايا والأقدار.
والمرجو من حضرة رب العالمين أن يجعله ممن قال فيهم: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} والحمد لله الذي جعله محسودا ولم يجعله حاسدا وخلقه صابرا شكورا ولم يخلقه فظا غليظ القلب عانداً ولله در الحسد أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله.
وهذه أسماء كتبه المؤلفة على ترتيب حروف المعجم المطبوعة في مطابع بهوبال المحمية ومصر والقسطنطينية والشام وغيرها من البلاد العظام ويزيد الله في الخلق ما يشاء وهو المتفضل ذو الإنعام:
الألف
أبجد العلوم ع إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين ف الاحتواء على مسألة الاستواء هـ الإدراك لتخريج أحاديث رد الإشراك ع الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ع أربعون حديثا في فضائل الحج والعمرة ع إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ ف الإكسير في أصول التفسير ف إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة ع الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح ع.
الباء الموحدة
بدور الأهلة من ربط المسائل بالأدلة ف بغية الرائد في شرح العقائد ف البلغة إلى أصول اللغة ع بلوغ السول من أقضية الرسول ع. التاء الفوقانية
تميمة الصبي في ترجمة الأربعين من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هـ
الثاء المثلثة
ثمار التنكيت في شرح أبيات التثبيت ف.
الجيم
الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة ع.
الحاء المهملة
حجج الكرامة في آثار القيامة ف الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون ع حصول المأمول من علم الأصول ع الحطة بذكر الصحاح الستة ع حل الأسئلة المشكلة ف.
الخاء المعجمة
خبية الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ع.
الدال المهملة
دليل الطالب إلى أرجح المطالب ف.
الذال المعجمة
ذخر المحتي من آداب المفتي ع.
الراء المهملة
رحلة الصديق إلى البيت العتيق ع الروضة الندية شرح الدرر البهية ع رياض الجنة في تراجم أهل السنة ع.
السين المهملة
السحاب المركوم الممطر بأنواع الفنون وأصناف العلوم ع وهو القسم الثاني من هذا الكتاب: سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند ف.
الشين المعجمة
شمع انجمن در ذكر شعراء زمن ف
الصاد المهملة
الصافية في شرح الشافية ف في علم الصرف.
الضاد المعجمة
ضالة الناشد الغريب من بشرى الكئيب في شرح المنظوم المسمى: بتأنيس الغريب ف. الظاء المعجمة
ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي ع.
العين المهملة
العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة ع العلم الخفاق من علم الاشتقاق ع عون الباري بحل أدلة البخاري ع أربع مجلدات.
الغين المعجمة
غصن البان المورق بمحسنات البيان ع غنية القاري في ترجمة ثلاثيات البخاري هـ.
الفاء
فتح البيان في مقاصد القرآن ع أربع مجلدات فتح المغيث بفقه الحديث هـ الفرع النامي من الأصل السامي ف.
القاف
قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل ع قضاء الأرب من مسألة النسب ع قطف الثمر من عقائد أهل الأثر ع.
الكاف
كشف الالتباس عما وسوس به الخناس في رد الشيعة بالهندية.
اللام
لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من الأغلاط ع لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان ع.
الميم
مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام ع مراتع الغزلان من تذكار أدباء الزمان ع مسك الختام من شرح بلوغ المرام ف مجلدان ضخيمان منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول ف الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة ع.
النون
نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان ع نيل المرام من تفسير آيات الحكام ع.
الواو
الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم المنثور منها والمنظوم وهو القسم الأول من هذا الكتاب ع.
الهاء
هداية السائل إلى أدلة المسائل ف. الياء
يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار ع.
وهذا آخر ذكر الكتب المؤلفة إلى هذا التاريخ.
قال المحقق: ويرمز حرف ع إلى أن المؤلف هو باللغة العربية وحرف ف بالفارسية وحرف هـ بالهندية ثم اتفق أنه أتحف إلى حضرة السلطان المعظم: عبد الحميد خان ملك الدولة العثمانية تفسيره: فتح البيان في مقاصد القرآن وكتب إليه كتابا في ذلك فجاء إليه من بابه العالي المثال الغالي جوابا عليه مع نشان الدرجة الثانية المسمى بمجيدية ويقال له: ارنجي بالتركية.
وورد مكتوب من السيد: خير الدين باشا الصدر الأعظم مع كتاب: أقوم المسالك في أحوال الممالك هدية منه إليه وهذه نسختهما:
افتخار1 الأعالي والأعاظم مستجمع جميع المعالي والمفاخم صديق حسن خان دام علوه زوج سيدة المخدرات إكليلة المحصنات شاهجان بيكم دامت عصمتها التي هي من نوابة هند رئيسة خطة بهوبال اتصفت ذاته العالية الصفات بالأوصاف التي تمدح وتقبل لنا في حق كرامته اعتبار وتوجه سلطاني وقد سلمنا جنابه للدلالة على ذلك من جانبنا السني الجواب السلطاني قطعة نشان ذي الشان من الرتبة الثانية وأصدرنا إليه هذه البراءة العالية الشان حرر في اليوم العشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وألف. انتهى.
وقد هناه على ذلك جمع جم من أهل العلم وأرخ له المؤرخون من شعراء الرياسة منها: قصيدة الشيخ الأديب والسفير اللبيب: محمد حسن بن محمد إسماعيل الدهلوي المتخلص: بالفقير أولها:
تجلى لنا نور الهنا ووفى البشر ... ومن زهر أفنان الورى عبق النشر
وعندل طير الأنس في روضة المنى ... على فنن الأفراح وانشرح الصدر
وهذه القصيدة بتمامها مع الكتابة التي كانت على اسم حضرة السلطان محررة في تاريخ بلدة بهوبال المحمية صانها الله وإيانا عن كل رزية وبلية بجاه نبيه المصطفى خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كل بكرة وعشية.
السيد الصالح: أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب ولد المؤلف الكبير جمل الله الوجود ببقائه وعطر الأكوان بثنائه ولد ببلدة بهوبال المحمية يوم الأربعاء قبيل طلوع الشمس في الحادي والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف الهجرية ويوم ولادته هذا وافق يوم ولادة يونس بن متى عليه السلام ويوم فتح غزوة الأحزاب لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وحين ولد كتب أهل العلم تهاني كثيرة منهم: شيخنا وأستاذه القاضي: حسين بن محسن اليماني قال: هنا كم الله بالمولود السعيد وجعله من حملة القرآن والحديث المجيد ومنهم: الشيخ زين العابدين الأنصاري قاضي بهوبال حرر الكتاب وصدره بهذه الأبيات:
بشرى لقد طلعت شمس العلى وبدا ... بدر السيادة في أفق الكرامات
در من البحر بحر العلم قد ظهرا ... نور تفتح من روض السعادات
أبقاه رب الورى بالصالحات معا ... وأنبت الله سعدا خير إنبات
قال: وقد قلت عند حصول هذه النعمة وورودها ما كانت العرب تقوله عند التهاني بمولودها:
مد لك الله في الحياة مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلا محمودة وعدا
هناكم الله مولده وقرن بالخير مورده وأطال عمره وأسعده وجعله مقربا في جنابه ورباه في ظلال السادة أهل كتابه وكتب الشيخ الأديب: علي عباس الجرباكوني رسالة فيها:
نصدر إليكم المسطور للتهنية والتبشير بالولد الصالح الفاقد النظير وأرجو من الله أن يكون عالما بارعا وإماما نافعا وأميرا عادلا وكريما باذلا وقد وجدت له اسمين دالين على تاريخ ميلاده ظهير الإسلام ونظير حسن وقلت أيضا:
ليحبني بحت الوداد وسنحته ... لا زال يصطاد الخلائق فخنته
أعطاه معبود السماء وأرضها ... ولدا منيرا ضحه أوفخته
قد قال لي أرخ وسر الأفئدة ... قد قلت تاريخا يا كرم بخته
إلى غير ذلك مما هنأ به جمع جم من أهل العلم والوداد وقد وقع لله الحمد كما هنوه به فإنه قد نشأ على الصلاح والطاعة ونمى في شغل العلم بقدر الاستطاعة وبرع في الذكاء والفطرة على الأقران وحاز من التقوى والفضائل مع حداثة سنه ما عجز عنه الأعيان
تتلمذ على جمع من أهل العلم الحاضرين ببلدة بهوبال المحمية الملازمين للرياسة العلية.
منهم: الشيخ العالم المفتي: محمد أيوب والشيخ الفاضل المولوي: أنور علي المراد آبادي والمولوي: إلهي بخش الفيض آبادي والمولوي الكامل القاضي: محمد بشير الدين العثماني القنوجي والشيخ العالم: محمد بشير السهسواني وشيخنا العلامة المحدث: حسين بن محسن الأنصاري اليماني وهذا العبد الفاني الجاني وهو الآن في كسب الفضائل والعلوم المنطوق منها والمفهوم له بعض تأليفات نفيسة.
منها: رسالة النهج المقبول من شرائع الرسول وكتاب: عرف الجادي من جنان هدي الهادي وهما في فقه السنة حررهما تحريرا بالغا وتذكرة في شعراء الفرس سماه نكارستان سخن وتذكرة أخرى في شعراء الهند وتعليقات على بعض العلوم الآلية وهو المقصود الأول والوجود الثاني لمحرر هذا الكتاب أثبت ترجمته أولا في كتابي: إتحاف النبلاء وثانيا في تذكرتي للشعراء المسماة: بشمع انجمن وهي أيضا محررة في صبح كلشن وغيره وجمعت له من الكتب النفيسة العزيزة الوجود خزينة ومن الأموال المحللة عدة يعيش بها عيشة رضية إن شاء الله تعالى وهو المخاطب من جهة الرئيسة المعظمة: بالخان والملحوظ بعين الشفقة الزائدة على الأقران له شعر حسن بالفارسية وكلام بليغ في العبائر الأدبية أدام الله سعده وأطال حياته ومجده. السيد الشريف: أبو النصر مير علي حسن خان الطاهر ولد المؤلف الصغير ولد ببلدة بهوبال المحمية ونشأ بها في أرغد نعمة وأطيب أمنية وكانت ولادته هذه يوم الخميس رابع الربيع الآخر من سنة 1283هـ، ثلاث وثماني ومائتين وألف الهجرية ذكرت له ترجمة في كتابي: إتحاف النبلاء وهي محررة أيضا في شمع انجمن تذكرة الشعراء.
قرأ الفارسي على الحكيم المولوي: محمد أحسن البلجرامي - مؤلف ارتنك فرهنك - وأخذ الصرف والنحو وهو يكتسب الآن بقية العلوم له ذكاء وفطنة وهمة وسعادة عظيمة يتدرب في الشعر حرر تذكرة لشعراء الفرس وسماها: صبح كلشن وإليه ينسب: شرح المرقاة في المنطق الذي استفاده من المولوي: إلهي بخش الفيض آبادي يحفظ من النظم العربي والفارسي قسطا كبيرا له حواش على مؤلفاتنا كما هي لأخيه ورسالة في: حكم التقليد كما لأخيه في الاجتهاد وقد طبعتا لهذا العهد في مطبعة الجوائب بالقسطنطينية وعليه شفقة عظيمة للرئيسة المعظمة وهي التي خاطبته: بالخان وأعطته من المعايش ما يكفي لمؤون الزمان وكذلك هو أحب أولادي إلي وإن كان قليل الاعتناء بالعلم وبما لدي لكن أرجو ربي أن يجعله من أهل العلم وخلص عباده ويخصه باعتمال مرضاته ومراده وما ذلك عليه بعزيز وكم دعوت له ولأخيه وأخته في الحرمين الشريفين وأماكن الإجابة وظني أن دعواتي قد حلت إن شاء الله تعالى محل القبول والاستجابة ولا عبرة بحركات عهد الصبا إنما العبرة بما يستقر عليه الحال عند الانتهاء - أحسن الله إلينا جميعا فإنه سبحانه كان بصيراً سميعاً.
أي الواردين بها الملازمين للرياسة العلية وهم كثيرون وإن كانوا غرباء من بلاد شتى وقد حوى تراجمهم كتاب: تاريخ بهوبال الذي حرره بعض الفضلاء وحالتهم الراهنة وصفتهم الحاضرة تغني عن ذكرهم في هذا الكتاب ومؤلفاتهم الموجودة بين ظهراني الطلبة تنبئ عما في الباب كيف والفضل لا يخفى على الفضل والفرض لا يشتبه بالنفل ولكن لا بد هاهنا من ترجمة مليكة هذه الرياسة فإنها التي جمعت هؤلاء وهم الذين اجتمعوا على سدتها الرفيعة مستجدين للعطاء وهذه ترجمتها أدام الله تعالى رفعتها وأطال عصمتها.
تاج الهند المكلل: أهل بيتي نواب شاهجهان بيكم مليكة بلدة بهوبال المحمية ومالكة رياستها العلية - جمل الله الوجود ببقائها - المخاطبة: بالرئيس البطل الأعظم من الطبقة العليا للكواكب الهند ولدت بحصن إسلام نكر على ثلاثة فراسخ من بهوبال في سنة 1254هـ، وجلست مجلس أبيها بالاستحقاق من غير شقاق وهي ابنة تسع سنين في الخامس عشر من شهر الله المحرم سنة 1263هـ، وأتت إليها خلعة فاخرة من جهة ملكة البرطانية حاكمة الهند والإنكلند وربت في حجر أمها: نواب سكندر بيكم وحصلت الفنون الفارسية وتعلمت الخط والكتابة واستفادت سليقة الرياسة والسياسة حتى برعت في ذلك على الأقران وامتازت بينهم في القدرة على ترجمة القرآن وتحرير الرسائل الدينية وتقرير المسائل الدولية جامعة للفضائل الدنيوية والأخروية يضرب بها المثل في: الذكاء والحفظ والكرم والرحمة والجود فهي إنسان عين الشهود وعين إنسان الوجود. ولما بلغت من العمر اثنتين وعشرين سنة فوضت عنان الرياسة إلى يد اقتدار أمها واكتفت لنفسها بولاية العهد وهذا غاية الهمة والجود فإنه لا يسمح بذلك إلا القليل النادر وحين توفت والدتها الشريفة في شهر رجب من شهور سنة 1285هـ، جلست على مسند الرياسة وشرفت محل السياسة من جهة الأبوين ثم تزوجت بي في سنة 1288هـ، بعد ما أجازته بذلك السلطنة البرطانية في عهد حكومة لارد ميو حاكم الهند - نزيل دار الإمارة: كلكته وتاريخ هذا العقد: بتعمية العدد الواحد وأخرى تحبونها ويا له من تاريخ ينبئ عن حسنات الدارين.
أما الأولى: وهي حسنة الدنيا فعموم النفع الذي سألت سيوله بهذا السبب.
وأما الثانية: فهي حب عقبي الدار وفي نحو هذا المحل يقال: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
ثم إنها سافرت في شهر رمضان إلى بندر ممبيء في سنة 1289هـ، وهناك حصل له الخطاب العالي من الدرجة الأولى والنشان السلطاني المعنون بقلم الوزير الأعظم الذي يقال له: ممبراف دي امبرئيل آردر أف دي كرند كمندر اشتاراف إنديا ورجعت قريرة العين بإعزاز خاص واختصاص عام إلى دار مملكتها.
وسافرت بعد ذلك في أواخر ذي قعدة سنة 1292هـ الهجرية إلى دار الإمارة: كلكته ولاقت بها برنس: اف ويلز أكبر أولاد ملكة إنكنلد وولي عهدها.
وقد عظمها تعظيما بليغا وأعطاها تمغة نبيلة وتحائف جليلة من التي تعمل بإقليم إفرنج
وكذلك لاقت قبل ذلك أخاه: برنس ايدنبرا ورأت من تلقائه تشريفا كبيرا وأرسل لها من لندرة أشياء نفيسة وكنت رفيقها في هذه الأسفار كما جرت بذلك العادة.
ثم سافرت أخرى إلى دهلي في سنة 1294هـ، وحصل لها النشان القيصري العظيم الشأن المكتوب عليه العز من الله وأعطاها كورنر جنرل سيفا فرنجيا مع نطاق مطلي وصندوق محلى وهو موجود عندنا نربطه في المحافل ورجعت قرينة السرورة العظيم راقية على مقام كريم وفي هذا الاحتفال الكبير والجمع الغفير الذي حضر فيه رؤساء الهند جميعهم قاصيهم ودانيهم ولا يلفى له نظير في الأزمنة الخالية على هذه الحالة تقرر لنا ضرب سبعة عشر مدفعا من جهة ملكة إنكلند في جميع أرضها المعمولة فيها عند ورودنا وصدورنا في تلك البلاد ثم جاء لها خطاب آخر لفظه: كرون أف إنديا وترجمته: تاج الهند وفي هذا العام الحاضر أعني سنة 1296هـ الهجرية ورد مثالان عظيمان على اسمها الشريف مع نشان الدرجة العليا التي يقال لها شفقت من جهة السلطان المعظم مالك رقاب الأمم: عبد الحميد خان ملك الدولة العثمانية خلد الله ملكه وجعل الدنيا بتمامها ملكه وهذه عبارتها مترجمة.
والحاصل: أن مليكة بهوبال المحمية زمانها هذا زمان السعادة وأوان ترقي العلوم وموسم المسرة والرفعة لكل خادم ومخدوم كيف وهي تاج الهند ورأس الرؤوس؟ وقد قيل في المثل السائر: لا عطر بعد عروس وهي التي عمرت الديار بعد خرابها وأحيت المدارس العلمية بعد دروسها وتبابها وبنت المساجد العظيمة وقررت الوظائف الفخيمة وحفرت الآبار وغرست الحدائق والأشجار وأحدثت العمائر الكبار وأكرمت الصغائر والصغار وأحيت السنن وأماتت البدع وقلعت أسباب الفجور والفسوق وأخمدت نار الصبوح والغبوق وطهرت الديار عن أدناس الإشراك والمحدثات.
وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل المكرمات وجمعت من نفائس الكتب على اختلاف أنواعها وتباين علومها ما يعظم قدره ويجل وصفه وأعطت الطلبة ألوفا من المصاحف والرسائل الدينية مجانا ولم تحرم من نوالها وجودها إنسانا وأوقفت أرزاقا كثيرة على الفقراء والمحاويج وقررت لهم وظائف جمة من النقود والغلات ولا تزال تعطي العفاة والواردين بمملكتها من الحجاج والغزاة والمسافرين والطلبة والمساكين من الأموال والأقمشة والبيوت ما يعسر حده ويطول عده إلى أن سالت سيول فيوضها العامة لكل حاضر وبادي وجالت خيول جودها في كل بادية ووادي وأمن الناس في ظلها الوارف من كل خوف تالد وطارف تتحرى الصدق والصواب في كل إياب وذهاب وتقيم الصلاة والصوم عند كل يقظة ونوم لها يد عاملة في النظم فارسيا كان أو هنديا ويمنى جارحة في النثر إنشاء سويا ونظمها مضبوط في ديوان الشعر وفي تذكرة الشعراء وقد حرر ترجمتها جمع جم من عصابة الأدباء.
وبالجملة: فقد جاءت في هذا الزمان الأخير والدهر الفقير جامعة للفضائل التي قلما تجتمع في رجل فضلا عن النسوان حاوية للفواضل التي قصر دون تبيانها لسان الترجمان وهذه ذرة من ميدان مناقبها العلية وقطرة من بحار مكارمها الجلية.
فلنقتصر هاهنا على هذا القدر النذر فإن المقام لا يتسع لذكرها على وجه الكمال أدام الله أيامها وسخر لها الدنيا تمامها وجعل آخرتها خيرا من الأولى وأولاها مزرعة للأخرى إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.