بالنون: اسم جبل عظيم في شمالي الموصل من جانب دجلة الشرقي، فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لهم الداسنية.
داشيلوا:
قرية بينها وبين الريّ اثنا عشر فرسخا، بها كان مقتل تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان في صفر سنة 488، والله أعلم.
مرس: المَرَسُ والمِراسُ: المُمارَسَةُ وشدة العِلاج. مَرِسَ مَرَساً،
فهو مَرِسٌ، ومارَسَ مُمَارَسَةً ومِرَاساً. ويقال: إِنه لمَرِسٌ بَيِّنُ
المَرَسِ إِذا كان شديدَ المِرَاسِ. ويقال: هُمْ على مَرِسٍ واحد، بكسر
الراء، وذلك إِذا استَوَتْ أَخْلاقُهُم. ورجل مَرِسٌ: شديد العلاج بَيِّنُ
المَرَسِ. وفي حديث خَيْفانَ: أَما بنو فلان فَحَسَكٌ أَمْراسٌ؛ جَمعُ
مَرِسٍ، بكسر الراء، وهو الشديد الذي مارَسَ الأُمورَ وجَرَّبها؛ ومنه
حديث وحشيّ في مَقْتَل حمزة، رضي اللَّه عنه: فَطَلَعَ عَليَّ رَجُلٌ حَذِرٌ
مَرِسٌ أَي شديد مجرَّب للحروب. والمَرْسُ في غير هذا: الدَّلْكُ.
والتَّمَرُّسُ: شدة الالْتِواء والعُلُوقِ. وفي الحديث: أَنَّ من اقْتِراب
السَّاعة أَن يَتَمَرَّسَ الرَّجُلُ بِدِينِه كما يَتَمَرَّسُ البَعِيرُ
بالشجرة؛ القتيي: يَتَمَرَّسُ بِدينه أَي يَتَلَعَّبُ به ويَعْبَثُ به كما
يَعْبَثُ البعير بالشجرة ويَتَحَكَّكُ بها، وقيل: تَمَرُّسُ البعير
بالشجرة تَحَكُّكُهُ بها من جَرَبٍ وأُكالٍ، وتَمَرُّسُ الرجل
(* قوله «وتمرس
الرجل إلخ» عبارة النهاية: وقيل أَراد أَن يمارس الفتن إلخ.) بدينه أَن
يُمَارِسَ الفِتَنَ ويُشادَّها ويَخْرُجَ على إِمامه فيضرَّ بدينه ولا ينفعه
غُلُوُّه فيه كما أَن الأَجرب من الإِبل إِذا تَحَكَّكَ بالشجرة
أَدْمَتْه ولم تُبْرِئْهُ من جربه. ويقال: ما بِفُلانٍ مُتْمَرّسٌ إِذا نعت
بالجلَد والشدة حتى لا يقاومه من مارَسَه. وقال أَبو زيد: يقال للرجل اللئيم
لا ينظر إِلى صاحبه ولا يعطي خيراً: إِنما ينظر إِلى وجه أَمْرَسَ أَملس
لا خير فيه ولا يَتَمرَّس به أَحد لأَنه صلب لا يُسْتَغَلُّ منه شيء.
وتمَرَّسَ بالشيء: ضَرَبه؛ قال:
تَمَرَّسَ بي من جَهْلِهِ وأَنا الرَّقِم
وامْتَرَسَ الشُّجعان في القتال وامْتَرَسَ به أَي احْتَكَّ به
وتَمَرَّس به. وامْتَرَسَ الخُطَباءُ وامْتَرَسَت الأَلسُن في الخصومة: تَلاجَّتْ
وأَخذ بعضها بعضاً؛ قال أَبو ذؤيب يصف صائداً وأَن حُمُر الوحش قربت منه
بمنزلة من يَحْتَكُّ بالشيء فقال:
فَنَكِرْنَهُ فَنَفَرْنَ، وامْتَرَسَتْ بِهِ
هَوْجاءُ هادِيَةٌ، وهادٍ جُرْشُعُ
وفَحْلٌ مَرَّاسٌ: شديد المِراس.
والمَرَسَةُ: الحبل لِتَمَرُّسِ الأَيدي به، والجمع مرَسٌ، وأَمْراسٌ
جَمْعُ الجمعِ، وقد يكون المَرَسُ للواحد. والمَرَسَةُ أَيضاً: حبل الكلب؛
قال طرفة:
لو كُنْتَ كَلْب قَنِيصٍ كُنْت ذا جدَدٍ،
تكونُ أُرْبَتُه في آخِرِ المَرَسِ
والجمع كالجمع؛ قال:
يُوَدِّعُ بالأَمْراسِ كلَّ عَمَلَّسٍ،
من المُطْعِماتٍ اللَّحْمِ غَيرِ الشَّواحِنِ
والمَرْسُ: مصدر مَرَسَ الحَبْلُ يَمْرُسُ مَرْساً، وهو أَن يقع في أَحد
جانبي البَكْرَةِ بين الخُطَّافِ والبكرة. وأَمرسه: أَعاده إِلى مجراه.
يقال: أَمرسْ حبلك أَي أَعِدْهُ إِلى مجدراه؛ قال:
بِئْسَ مَقامُ الشَّيْخِ أَمْرِسْ أَمْرِسِ،
إِمَّا على قَعْوٍ وإِمَّا اقْعَنْسِسِ
أَراد مَقامٌ يقال فيه أَمْرِسْ؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
وقد جَعَلَتْ بَينَ التَّصَرُّفِ قامَتِي
وحُسْن القرى مِمَّا تقُولُ تَمَرَّسُ
لم يفسر معناه، قال غيره: ضَرَب هذا مثلاً، أَي قد زَلَّت بَكْرَتي عن
القَوام، فهي تَمْرَسُ بين القَعْو والدَّلْو. والمَرَسُ أَيضاً: مصدر
قولك مَرِسَت البَكْرَةُ تَمْرَسُ مَرَساً. وبكرة مَرُوسٌ إِذا كان من
عادتها أَن يَمْرُسَ حبلُها أَي يَنْشَب بينها وبين القَعْو؛ وأَنشد:
دُرْنا ودَارَتْ بَكْرَةٌ نَخِيسُ،
لا ضَيْقةُ المَجْرى ولا مَرُوسُ
وقد يكون الإِمْراسُ إِزالَةَ الرِّشاءِ عن مَجْراه فيكون بمعنيين
متضادّين. قال الجوهري: وإِذا أَنْشَبْتَ الحَبْلَ بين البَكْرَة والقَعْو
قلتَ: أَمْرَسْتُه، قال: وهو من الأَضداد؛ عن يعقوب؛ قال الكميت:
سَتَأْتِيكم، بُمُتْرَعَةٍ ذُعاقاً،
حِبالُكُمُ التي لا تُمْرِسُونا
أَي لا تُنْشِبُونَها إِلى البَكْرة والقَعْو. ومَرَسَ الدَّواءَ
والخبزَ في الماء يَمْرُسُه مَرْساً: أَنْقَعَه. ابن السكيت: المَرْسُ مصدر
مَرَسَ التَّمر يَمْرُسُه ومَرَثَهُ يَمْرُثُهُ إِذا دَلَكَه في الماء حتى
يَنْماثَ. ويقال للتريد: المَرِيسُ لأَن الخبزَ يُماتُ. ومَرَسْتُ التَّمر
وغيرَه في الماء إِذا أَنْقَعْتَه ومرثْتَه بيدك. ومَرَس الصَّبيُّ
إِصبعَه يَمْرُسُه: لغة في مَرَثَه أَو لُثْغَةٌ. ومَرَسْتُ يدي بالمنديل أَي
مسحت، وتَمَرَّسَ به. وفي حديث عائشة، رضي اللَّه عنها: كنت أَمْرُسُه
بالماء أَي أَدْلُكُه وأَذِيفُه، وقد يطلق على الملاعبة. وفي حديث عليّ،
كرم اللَّه وجهه: زعم أَني كنت أُعافِسُ واُُمارِسُ أَي أُلاعب النساء.
والمَرْسُ: السير الدائم. وبيننا وبين الماء وبيننا وبين مكانِ كذا ليلَةٌ
مَرَّاسَةٌ: لا وتِيرَة فيها، وهي الليلة الدَّائِبَةُ البَعيدة. وقالوا:
أَخْرسُ أَمْرَسُ
(* قوله «أَخرس أَمرس» هكذا بالأَصل. وفي شرح القاموس
في مادة خرس: وفيه هنا أَمرس أَملس.)، فبالغُوا به كما يقولون: شَحِيحٌ
بَحِيحٌ، ورواه ابن الأَعرابي.
ومَرِيسٌ: من بُلْدانِ الصعيد. والمَرِيسِيَّةُ، الريح الجَنُوبُ التي
تأْتي من قِبَلِ مَرِيسٍ. قال أَبو حنيفة: ومَرِيسٌ أَدنى بلاد النُّوبِ
التي تلي أَرض أُسْوانَ؛ هكذا حكاه مصروفاً.
والمَرْمَرِيس: الأَمْلَسُ ؛ ذكره أَبو عبيدة في باب فَعْلَليل؛ ومنه
قولهم في صفة فرس: والكَفَل المَرمَرِيس؛ قال الأَزهري: أَخذَ المَرْمَريس
من المَرْمَرِ وهو الرُّخام الأَملس وكسعه بالسين تأْكيداً.
والمَرْمَريسُ: الأَرض التي لا تُنْبِت. والمَزمَرِيس: الداهية والدَّرْدَبِيسُ، قال:
وهو فَعْفَعِيل، بتكرير الفاء والعين، فيقال: داهية مَرْمَرِيسٌ أَي
شديدة. قال محمد بن السريّ: هي من المَراسَةِ. والمَرْمَرِيسُ الدَّاهِي من
الرجال، وتحقيره مُرَيْرِيسٌ إِشعاراً بالثلاثيّة؛ قال سيبويه: كأَنهم
حقَّروا مَرَّاساً. قال ابن سيده: وقال مَرْمَرِيتٌ فلا أَدْري لُغَة أَم
لُثْغَة. قال: وقال ابن جني ليس من البعيد أَن تكون التاء بدلاً من السين
كما أُبدلت منها في سِتٍّ؛ وفيما أَنشد أَبو زيد من قول الشاعر:
يا قاتَلَ اللَّهُ بَني السَّعْلاتِ:
عَمْرَو بْنَ يَرْبُوعٍ شِرار النَّاتِ،
غَيْرَ أَعِفَّاءَ ولا أَكْياتِ
فأَبدل السين تاء، فإِن قلت فإِنا نجد لِمَرْمَرِيثٍ أَصلاً نختاره
إِليه، وهو المَرْتُ، قيل: هذا هو الذي دعانا إِلى أَنه يجوز أَن تكون التاء
في مَرْمَرِيثٍ بدلاً من السين في مَرْمَرِيسٍ، ولولا أَن معنا أَمْراتاً
لقلنا إِن التاء فيه بدل من السين البتة كما قلنا ذلك في سِتٍّ
والنَّاتِ وأَكْياتٍ.
والمِراسُ: داء يأْخذ الإِبل وهو أَهون أَدوائها ولا يكون في غيرها؛ عن
الهجري.
وبنو مُرَيْسٍ وبنو مُمَارِس: بَطْنان. الجوهري عن يعقوب:
الْمَارَسْتَانُ، بفتح الراء، دار المَرْضَى، وهو معرّب.
جدد: الجَدُّ، أَبو الأَب وأَبو الأُم معروف، والجمع أَجدادٌ وجُدود.
والجَدَّة: أُم الأُم وأُم الأَب، وجمعها جَدّات. والجَدُّ: والبَخْتُ
والحَِظْوَةُ. والجَدُّ: الحظ والرزق؛ يقال: فلان ذو جَدٍّ في كذا أَي ذو حظ؛
وفي حديث القيامة: قال، صلى الله عليه وسلم: قمت على باب الجنة فإِذا
عامّة من يدخلها الفقراء، وإِذا أَصحاب الجدِّ محبوسون أَي ذوو الحظ والغنى
في الدنيا؛ وفي الدعاء: لا مانع لما أَعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع
ذا الجدِّ منك الجَدُّ أَي من كان له حظ في الدنيا لم ينفعه ذلك منه في
الآخرة، والجمع أَجدادٌ وأَجُدٌّ وجُدودٌ؛ عن سيبويه. وقال الجوهري: أَي
لا ينفع ذا الغنى عندك أَي لا ينفع ذا الغنى منك غناه
(* قوله «لا ينفع
ذا الغنى منك غناه» هذه العبارة ليست في الصحاح ولا حاجة لها هنا إلاّ
أنها في نسخة المؤلف) ؛ وقال أَبو عبيد: في هذا الدعاءُ الجدّ، بفتح الجيم
لا غير، وهو الغنى والحظ؛ قال: ومنه قيل لفلان في هذا الأَمر جَدٌّ إِذا
كان مرزوقاً منه فتأَوَّل قوله: لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ أَي لا
ينفع ذا الغنى عنك غناه، إِنما ينفعه الإِيمان والعمل الصالح بطاعتك؛ قال:
وهكذا قوله: يوم لا ينفع مال ولا بنون إِلاَّ من أَتى الله بقلب سليم؛
وكقوله تعالى: وما أَموالكم ولا أَولادكم بالتي تقرِّبكم عندنا زلفى؛ قال
عبد الله محمد بن المكرم: تفسير أَبي عبيد هذا الدعاء بقوله أَي لا ينفع
ذا الغنى عنك غناه فيه جراءة في اللفظ وتسمح في العبارة، وكان في قوله أَي
لا ينفع ذا الغنى غناه كفاية في الشرح وغنية عن قوله عنك، أَو كان يقول
كما قال غيره أَي لا ينفع ذا الغنى منك غناه؛ وأَما قوله: ذا الغنى عنك
فإِن فيه تجاسراً في النطق وما أَظن أَن أَحداً في الوجود يتخيل أَن له
غنى عن الله تبارك وتعالى قط، بل أَعتقد أَن فرعون والنمروذ وغيرهما ممن
ادعى الإِلهية إِنما هو يتظاهر بذلك، وهو يتحقق في باطنه فقره واحتياجه
إِلى خالقه الذي خلقه ودبره في حال صغر سنه وطفوليته، وحمله في بطن أُمه قبل
أَن يدرك غناه أَو فقره، ولا سيما إِذا احتاج إِلى طعام أَو شراب أَو
اضطرّ إِلى اخراجهما، أَو تأَلم لأَيسر شيء يصيبه من موتِ محبوب له، بل من
موت عضو من أَعضائه، بل من عدم نوم أَو غلبة نعاس أَو غصة ريق أَو عضة
بق، مما يطرأُ أَضعاف ذلك على المخلوقين، فتبارك الله رب العالمين؛ قال
أَبو عبيد: وقد زعم بعض الناس أَنما هو ولا ينفع ذا الجِدِّ منك الجِدّ،
والجدّ إِنما هو الاجتهاد في العمل؛ قال: وهذا التأْويل خلاف ما دعا إِليه
المؤمنين ووصفهم به لأَنه قال في كتابه العزيز: يا أَيها الرسل كلوا من
الطيبات واعملوا صالحاً؛ فقد أَمرهم بالجدّ والعمل الصالح وحمدهم عليه،
فكيف يحمدهم عليه وهو لا ينفعهم؟ وفلان صاعدُ الجَدِّ: معناه البخت والحظ في
الدنيا.
ورجل جُدّ، بضم الجيم، أَي مجدود عظيم الجَدّ؛ قال سيبويه: والجمع
جُدّون ولا يُكَسَّرُ وكذلك جُدٌّ وجُدِّيّ ومَجْدُودٌ وجَديدٌ. وقد جَدَّ وهو
أَجَدُّ منك أَي أَحظ؛ قال ابن سيده: فإِن كان هذا من مجدود فهو غريب
لأَن التعجب في معتاد الأَمر إِنما هو من الفاعل لا من المفعول، وإِن كان
من جديد وهو حينئذ في معنى مفعول فكذلك أَيضاً، وأَما إِن كان من جديد في
معنى فاعل فهذا هو الذي يليق بالتعجب، أَعني أَن التعجب إِنما هو من
الفاعل في الغالب كما قلنا. أَبو زيد: رجل جديد إِذا كان ذا حظ من الرزق،
ورجل مَجدودٌ مثله.
ابن بُزُرْج: يقال هم يَجِدُّونَ بهم ويُحْظَوْن بهم أَي يصيرون ذا حظ
وغنى. وتقول: جَدِدْتَ يا فلان أَي صرت ذا جدّ، فأَنت جَديد حظيظ ومجدود
محظوظ.
وجَدَّ: حَظَّ. وجَدِّي: حَظِّي؛ عن ابن السكيت. وجَدِدْتُ بالأَمر
جَدًّا: حظيتُ به، خيراً كان أَو شرّاً. والجَدُّ: العَظَمَةُ. وفي التنزيل
العزيز: وإِنه تعالى جَدُّ ربنا؛ قيل: جَدُّه عظمته، وقيل: غناه، وقال
مجاهد: جَدُّ ربنا جلالُ ربنا، وقال بعضهم: عظمة ربنا؛ وهما قريبان من
السواء. قال ابن عباس: لو علمت الجن أَن في الإِنس جَدًّا ما قالت: تعالى
جَدُّ ربنا؛ معناه: أَن الجن لو علمت أَن أَبا الأَب في الإِنس يدعى جَدًّا،
ما قالت الذي اخبر الله عنه في هذه السورة عنها؛ وفي حديث الدعاء: تبارك
اسمك وتعالى جَدُّك أَي علا جلالك وعظمتك. والجَدُّ: الحظ والسعادة
والغنى: وفي حديث أَنس: أَنه كان الرجل منا إِذا حفظ البقرة وآل عمران جَدَّ
فينا أَي عظم في أَعيننا وجلَّ قدره فينا وصار ذا جَدّ، وخص بعضهم بالجَدّ
عظمة الله عزّ وجلّ، وقول أَنس هذا يردّ ذلك لأَنه قد أَوقعه على الرجل.
والعرب تقول: سُعِيَ بِجَدِّ فلانٍ وعُدِيَ بجدّه وأُحْضِرَ بِجدِّه
وأُدْرِكَ بِجَدِّه إِذا كان جَدُّه جَيِّداً. وجَدَّ فلان في عيني يَجِدُّ
جَدًّا، بالفتح: عظم.
وجِدَّةُ النهر وجُدَّتُه: ما قرب منه من الأَرض، وقيل: جِدَّتُه
وجُدَّتُه وجُدُّه وجَدُّه ضَفَّته وشاطئه؛ الأَخيرتان عن ابن الأَعرابي.
الأَصمعي: كنا عند جُدَّةِ النهر، بالهاء، وأَصله نبطيٌّ أَعجمي كُدٌّ
فأُعربت؛ وقال أَبو عمرو: كنا عند أَمير فقال جَبَلَةُ بن مَخْرَمَةَ: كنا عند
جُدِّ النهر، فقلت: جُدَّةُ النهر، فما زلت أَعرفهما فيه. والجُدُّ
والجُدَّةُ: ساحل البحر بمكة.
وجُدَّةُ: اسم موضع قريب من مكة مشتق منه.
وفي حديث ابن سيرين: كان يختار الصلاة على الجُدَّ إِن قدر عليه؛
الجُدُّ، بالضم: شاطئ النهر والجُدَّة أَيضاً وبه سمِّيت المدينة التي عند مكة
جُدَّةَ. وجُدَّةُ كل شيء: طريقته. وجُدَّتُه: علامته؛ عن ثعلب.
والجُدَّةُ: الطريقة في السماء والجبل، وقيل: الجُدَّة الطريقة، والجمع جُدَدٌ؛
وقوله عز وجل: جُدَدٌ بيض وحمر؛ أَي طرائق تخالف لون الجبل؛ ومنه قولهم:
ركب فلان جُدَّةً من الأَمر إِذا رأَى فيه رأْياً. قال الفراء: الجُدَدُ
الخِطَطُ والطُّرُق، تكون في الجبال خِطَطٌ بيض وسود وحمر كالطُّرُق،
واحدها جُدَّةٌ؛ وأَنشد قول امرئ القيس:
كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه
كنائِنُ يَجْرِي، فَوقَهُنَّ، دَلِيصُ
قال: والجُدَّة الخُطَّةُ السوداء في متن الحمار. وفي الصحاح: الجدة
الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. قال الزجاج: كل طريقة جُدَّةٌ
وجادَّة. قال الأَزهري: وجادَّةُ الطريق سميت جادَّةً لأَنها خُطَّة مستقيمة
مَلْحُوبَة، وجمعها الجَوادُّ. الليث: الجادُّ يخفف ويثقل، أَمَّا التخفيف
فاشتقاقه من الجوادِ إِذا أَخرجه على فِعْلِه، والمشدَّد مخرجه من الطريق
الجديد الواضح؛ قال أَبو منصور: قد غلط الليث في الوجهين معاً. أَما
التخفيف فما علمت أَحداً من أَئمة اللغة أَجازه ولا يجوز أَن يكون فعله من
الجواد بمعنى السخي، وأَما قوله إِذا شدِّد فهو من الأَرض الجَدَدِ، فهو
غير صحيح، إِنما سميت المَحَجَّة المسلوكة جادَّة لأَنها ذات جُدَّةٍ
وجُدودٍ، وهي طُرُقاتُها وشُرُكُها المُخَطَّطَة في الأَرض، وكذلك قال
الأَصمعي؛ وقال في قول الراعي:
فأَصْبَحَتِ الصُّهْبُ العِتاقُ، وقد بَدا
لهنَّ المَنارُ، والجوادُ اللَّوائحُ
قال: أَخطأَ الراعي حين خفف الجوادَ، وهي جمع الجادَّةِ من الطرق التي
بها جُدَدٌ. والجُدَّة أَيضاً: شاطئ النهر إِذا حذفوا الهاء كسروا الجيم
فقالوا جِدٌّ، ومنه الجُدَّةُ ساحل البحر بحذاء مكة.
وجُدُّ كل شيء: جانبه. والجَدُّ والجِدُّ والجَديدُ والجَدَدُ: كله وجه
الأَرض؛ وفي الحديث: ما على جديد الأَرض أَي ما على وجهها؛ وقيل:
الجَدَدُ الأَرض الغليظة، وقيل: الأَرض الصُّلْبة، وقيل: المستوية. وفي المثل:
من سَلَكَ الجَدَدَ أَمِنَ العثارَ؛ يريد من سلك طريق الإِجماع فكنى عنه
بالجَدَدِ. وأَجدَّ الطريقُ إِذا صار جَدَداً. وجديدُ الأَرض: وجهها؛ قال
الشاعر:
حتى إِذا ما خَرَّ لم يُوَسَّدِ،
إِلاَّ جَديدَ الأَرضِ، أَو ظَهْرَ اليَدِ
الأَصمعي: الجَدْجَدُ الأَرض الغليظة.
وقال ابن شميل: الجَدَدُ ما استوى من الأَرض وأَصْحَرَ؛ قال: والصحراء
جَدَدٌ والفضاء جَدَدٌ لا وعث فيه ولا جبل ولا أَكمة، ويكون واسعاً وقليل
السعة، وهي أَجْدادُ الأَرض؛ وفي حديث ابن عمر: كان لا يبالي أَن يصلي في
المكان الجَدَدِ أَي المستوي من الأَرض؛ وفي حديث أَسْرِ عُقبة بن أَبي
معيط: فَوَحِلَ به فرسُه في جَدَدٍ من الأَرض.
ويقال: ركب فلان جُدَّةً من الأَمر أَي طريقة ورأْياً رآه.
والجَدْجَدُ: الأرض الملساء. والجدجد: الأَرض الغليظة. والجَدْجَدُ:
الأَرض الصُّلبة، بالفتح، وفي الصحاح: الأَرض الصلبة المستوية؛ وأَنشد لابن
أَحمر الباهلي:
يَجْنِي بأَوْظِفَةٍ شِدادٍ أَسْرُها،
صُمِّ السَّنابك، لا تَقِي بالجَدْجَدِ
وأَورد الجوهري عجزه صُمُّ السنابك، بالضم؛ قال ابن بري: وصواب إِنشاده
صمِّ، بالكسر. والوظائف: مستدق الذراع والساق. وأَسرها: شدة خلقها.
وقوله: لا تقي بالجدجد أَي لا تتوقاه ولا تَهَيَّبُه. وقال أَبو عمرو:
الجَدْجَدُ الفَيْفُ الأَملس؛ وأَنشد:
كَفَيْضِ الأَتِيِّ على الجَدْجَدِ
والجَدَدُ من الرمل: ما استرق منه وانحدر. وأَجَدَّ القومُ: علوا جَديدَ
الأَرض أَو ركبوا جَدَدَ الرمل؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
أَجْدَدْنَ واسْتَوَى بهن السَّهْبُ،
وعارَضَتْهُنَّ جَنُوبٌ نَعْبُ
النعب: السريعة المَرِّ؛ عن ابن الأَعرابي.
والجادَّة: معظم الطريق، والجمع جَوادُّ، وفي حديث عبدالله بن سلام:
وإِذا جَوادُّ منهج عن يميني، الجَوادُّ: الطُّرُقُ، واحدها جادَّة وهي سواء
الطريق، وقيل: معظمه، وقيل: وسطه، وقيل: هي الطريق الأَعظم الذي يجمع
الطُّرُقَ ولا بد من المرور عليه. ويقال للأَرض المستوية التي ليس فيها رمل
ولا اختلاف: جَدَدٌ. قال الأَزهري: والعرب تقول هذا طريق جَدَد إِذا كان
مستوياً لا حَدَب فيه ولا وُعُوثة.
وهذا الطريق أَجَدّ الطريقين أَي أَوْطؤهما وأَشدهما استواء وأَقلهما
عُدَاوءَ.
وأَجَدَّتْ لك الأَرض إِذا انقطع عنك الخَبارُ ووضَحَتْ.
وجادَّة الطريق: مسلكه وما وضح منه؛ وقال أَبو حنيفة: الجادَّة الطريق
إِلى الماء، والجَدُّ، بلا هاء: البئر الجَيِّدَةُ الموضع من الكلإِ،
مذكر؛ وقيل: هي البئر المغزرة؛ وقيل: الجَدُّ القليلة الماء.
والجُدُّ، بالضم: البئر التي تكون في موضع كثير الكلإِ؛ قال الأَعشى
يفضل عامراً على علقمة:
ما جُعِلَ الجَدُّ الظَّنونُ، الذي
جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ
مِثْلَ الفُرَاتِيِّ إِذا ما طَمَى،
يَقْذِفُ بالبُوصِيِّ والماهِرِ
وجُدَّةُ: بلد على الساحل. والجُدُّ: الماء القليل؛ وقيل: هو الماء يكون
في طرف الفلاة؛ وقال ثعلب: هو الماء القديم؛ وبه فسر قول أَبي محمد
الحذلمي:
تَرْعَى إِلى جُدٍّ لها مَكِينِ
والجمع من ذلك كله أَجْدادٌ.
قال أَبو عبيد: وجاء في الحديث فأَتَيْنا على جُدْجُدٍ مُتَدَمِّنٍ؛
قيل: الجُدجُد، بالضم: البئر الكثيرة الماء. قال أَبو عبيد: الجُدْجُد لا
يُعرف إِنما المعروف الجُدُّ وهي البئر الجَيِّدَةُ الموضع من الكلإِ.
اليزيدي: الجُدْجُدُ الكثيرة الماء؛ قال أَبو منصور: وهذا مثل الكُمْكُمَة
للكُمّ والرَّفْرَف للرَّف.
ومفازة جدّاءُ: يابسة، قال:
وجَدَّاءَ لا يُرْجى بها ذو قرابة
لِعَطْفٍ، ولا يَخْشَى السُّماةَ رَبيبُها
السُّماةُ: الصيادون. وربيبها: وحشها أَي أَنه لا وحش بها فيخشى القانص،
وقد يجوز أَن يكون بها وحش لا يخاف القانص لبعدها وإِخافتها، والتفسيران
للفارسي. وسَنَةٌ جَدَّاءُ: مَحْلَةٌ، وعامٌ أَجَدُّ. وشاةٌ جَدَّاءُ:
قليلةُ اللبن يابسة الضَّرْعِ، وكذلك الناقة والأَتان؛ وقيل: الجدَّاءُ من
كل حَلوبةٍ الذاهبةُ اللبنِ عن عَيبٍ، والجَدودَةُ: القليلةُ اللبنِ من
غير عيب، والجمع جَدائدُ وجِدادٌ. ابن السكيت: الجَدودُ النعجة التي قلَّ
لبنُها من غير بأْس، ويقال للعنز مَصُورٌ ولا يقال جَدودٌ. أَبو زيد:
يُجْمَع الجَدودُ من الأُتُنِ جِداداً؛ قال الشماخ:
من الحَقْبِ لاخَتْه الجِدادُ الغَوارزُ
وفلاةٌ جَدَّاءُ: لا ماءَ بها. الأَصمعي: جُدَّتْ أَخلاف الناقة إِذا
أَصابها شيء يقطع أَخلافَها. وناقةٌ جَدودٌ، وهي التي انقطع لبنُها. قال:
والمجَدَّدة المصَرَّمة الأَطْباءِ، وأَصل الجَدِّ القطعُ. شَمِر:
الجدَّاءُ الشاةُ التي انقطعت أَخلافها، وقال خالد: هي المقطوعة الضَّرْعِ،
وقيل: هي اليابسة الأَخلافِ إِذا كان الصِّرار قد أَضرَّ بها؛ وفي حديث
الأَضاحي: لا يضحى بِجَدَّاءَ؛ الجَدَّاءُ: لا لَبَن لها من كلِّ حَلوبةٍ
لآفةٍ أَيْبَسَتْ ضَرْعَها. وتَجَدّد الضَّرْع: ذهب لبنه. أَبو الهيثم:
ثَدْيٌ أَجَدُّ إِذا يبس، وجدّ الثديُ والضرعُ وهو يَجَدُّ جَدَداً. وناقة
جَدَّاءُ: يابسة الضَّرع ومن أَمثالهم:...
(* هنا بياض في نسخة المؤلف ولعله لم يعثر على صحة المثل ولم نعثر عليه
فيما بأيدينا من النسخ) ولا تر... التي جُدَّ ثَدْياها أَي يبسا.
الجوهري: جُدَّتْ أَخلاف الناقة إِذا أَضرَّ بها الصِّرار وقطعها فهي ناقة
مُجَدَّدَةُ الأَخلاف. وتَجَدَّدَ الضرع: ذهب لبنُه. وامرأَةٌ جَدَّاءُ:
صغيرةُ الثدي. وفي حديث علي في صفة امرأَة قال: إِنها جَدَّاءُ أَي قصيرة
الثديين. وجَدَّ الشيءَ يَجُدُّهُ جدّاً: قطعه. والجَدَّاءُ من الغنم
والإِبل: المقطوعة الأُذُن. وفي التهذيب: والجدَّاء الشاةُ المقطوعة الأُذُن.
وجَدَدْتُ الشيءَ أَجُدُّه، بالضم، جَدّاً: قَطَعْتُه. وحبلٌ جديدٌ: مقطوع؛
قال:
أَبَى حُبِّي سُلَيْمَى أَن يَبيدا،
وأَمْسى حَبْلُها خَلَقاً جديدا
أَي مقطوعاً؛ ومنه: مِلْحَفَةٌ جديدٌ، بلا هاءٍ، لأَنها بمعنى مفعولة.
ابن سيده: يقال مِلحفة جديد وجديدة حين جَدَّها الحائكُ أَي قطعها. وثوبٌ
جديد، وهو في معنى مجدودٍ، يُرادُ به حين جَدَّهُ الحائك أَي قطعه.
والجِدَّةُ: نَقِيض البِلى؛ يقال: شيءٌ جديد، والجمع أَجِدَّةٌ وجُدُدٌ
وجُدَدٌ؛ وحكى اللحياني: أَصبَحَت ثيابُهم خُلْقاناً وخَلَقُهم جُدُداً؛
أَراد وخُلْقانُهم جُدُداً فوضَع الواحدَ موضعَ الجمع، وقد يجوز أَراد:
وخَلَقُهم جديداً فوضَع الجمع موضع الواحدِ، وكذلك الأُنثى. وقد قالوا:
مِلْحفَةٌ جديدةٌ، قال سيبويه: وهي قليلة. وقال أَبو عليّ وغيرهُ: جَدَّ
الثوبُ والشيءُ يجِدُّ، بالكسر، صار جديداً، وهو نقيض الخَلَقِ وعليه
وُجِّهَ قولُ سيبويه: مِلْحَفة جديدة، لا على ما ذكرنا من المفعول.
وأَجَدَّ ثَوْباً واسْتَجَدَّه: لَبِسَه جديداً؛ قال:
وخَرْقِ مَهارِقَ ذي لُهْلُهٍ،
أَجَدَّ الأُوامَ به مَظْؤُهُ
(* قوله «مظؤه» هكذا في نسخة الأصل ولم نجد هذه المادة في كتب اللغة
التي بأيدينا ولعلها محرفة وأصلها مظه يعني أن من تعاطى عسل المظ الذي في
هذا الموضع اشتد به العطش).
هو من ذلك أَي جَدَّد، وأَصل ذلك كله القطع؛ فأَما ما جاءَ منه في غير
ما يقبل القطع فعلى المثل بذلك كقولهم: جَدَّد الوضوءَ والعهدَ. وكساءٌ
مُجَدَّدٌ: فيه خطوط مختلفة. ويقال: كَبِرَ فلانٌ ثم أَصاب فرْحَةً وسروراً
فجدَّ جَدُّه كأَنه صار جديداً.
قال: والعرب تقول مُلاَءةٌ جديدٌ، بغير هاءٍ، لأَنها بمعنى مجدودةٍ أَي
مقطوعة. وثوب جديد: جُدَّ حديثاً أَي قطع. ويقال للرجل إِذا لبس ثوباً
جديداً: أَبْلِ وأَجِدَّ واحْمَدِ الكاسِيَ. ويقال: بَلي بيتُ فلانٍ ثم
أَجَدَّ بيتاً، زاد في الصحاح: من شعر؛ وقال لبيد:
تَحَمَّلَ أَهْلُها، وأَجَدَّ فيها
نِعاجُ الصَّيْفِ أَخْبِيَةَ الظِّلالِ
والجِدَّةُ: مصدر الجَدِيدِ. وأَجَدَّ ثوباً واسْتَجَدَّه. وثيابٌ
جُدُدٌ: مثل سَريرٍ وسُرُرٍ. وتجدَّد الشيءُ: صار جديداً. وأَجَدَّه وجَدَّده
واسْتَجَدَّه أَي صَيَّرَهُ جديداً. وفي حديث أَبي سفيان: جُدَّ ثَدْيا
أُمِّك أَي قطعا من الجَدِّ القطعِ، وهو دُعاءٌ عليه. الأَصمعي: يقال
جُدَّ ثديُ أُمِّهِ، وذلك إِذا دُعِيَ عليه بالقطيعة؛ وقال الهذلي:
رُوَيْدَ عَلِيّاً جُدَّ ما ثَدْيُ أُمِّهِ
إِلينا، ولكن وُدُّهُمْ مُتنابِرُ
قال الأَزهري: وتفسير البيت أَن عليّاً قبيلة من كنانة، كأَنه قال
رُوَيْدَكَ عَلِيّاً أَي أَرْوِدْ بِهِمْ وارفق بهم، ثم قال جُدَّ ثديُ
أُمِّهِمْ إِلينا أَي بيننا وبينهم خُؤُولةُ رَحِمٍ وقرابةٌ من قِبَلِ
أُمِّهِم، وهم منقطعون إِلينا بها، وإِن كان في وِدِّهِمْ لنا مَيْنٌ أَي كَذِبٌ
ومَلَق. والأَصمعي: يقال للناقة إِنها لَمِجَدَّةٌ بالرَّحْلِ إِذا كانت
جادَّة في السير.
قال الأَزهري: لا أَدري أَقال مِجَدَّة أَو مُجِدَّة؛ فمن قال مِجَدَّة،
فهي من جَدَّ يَجِدُّ، ومن قال مُجِدَّة، فهي من أَجَدَّت.
والأَجَدَّانِ والجديدانِ: الليلُ والنهارُ، وذلك لأَنهما لا يَبْلَيانِ
أَبداً؛ ويقال: لا أَفْعَلُ ذلك ما اختلف الأَجَدَّانِ والجديدانِ أَي
الليلُ والنهارُ؛ فأَما قول الهذلي:
وقالت: لن تَرى أَبداً تَلِيداً
بعينك، آخِرَ الدَّهْرِ الجَديدِ
فإِن ابن جني قال: إِذا كان الدهر أَبداً جديداً فلا آخر له، ولكنه جاءَ
على أَنه لو كان له آخر لما رأَيته فيه.
والجَديدُ: ما لا عهد لك به، ولذلك وُصِف الموت بالجَديد، هُذَلِيَّةٌ؛
قال أَبو ذؤيب:
فقلتُ لِقَلْبي: يا لَكَ الخَيْرُ إِنما
يُدَلِّيكَ، للْمَوْتِ الجَديدِ، حَبابُها
وقال الأَخفش والمغافص الباهلي: جديدُ الموت أَوَّلُه. وجَدَّ النخلَ
يَجُدُّه جَدّاً وجِداداً وجَداداً؛ عن اللحياني: صَرَمَهُ. وأَجَدَّ
النخلُ: حان له أَن يُجَدَّ.
والجَدادُ والجِدادُ: أَوانُ الصِّرامِ. والجَدُّ: مصدرُ جَدَّ التمرَ
يَجُدُّه؛ وفي الحديث: نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن جَدادِ الليلِ؛
الجَدادُ: صِرامُ النخل، وهو قطع ثمرها؛ قال أَبو عبيد: نهى أَن تُجَدَّ
النخلُ ليلاً ونَهْيُه عن ذلك لمكان المساكين لأَنهم يحضرونه في النهار
فيتصدق عليهم منه لقوله عز وجل: وآتوا حقه يوم حصاده؛ وإِذا فعل ذلك ليلاً
فإِنما هو فارّ من الصدقة؛ وقال الكسائي: هو الجَداد والجِداد والحَصادُ
والحِصادُ والقَطافُ والقِطافُ والصَّرامُ والصِّرام، فكأَنَّ الفَعال
والفِعالَ مُطَّرِدانِ في كل ما كان فيه معنى وقت الفِعْلِ، مُشبَّهانِ في
معاقبتهما بالأَوانِ والإِوانِ، والمصدر من ذلك كله على الفعل، مثل
الجَدِّ والصَّرْمِ والقَطْفِ.
وفي حديث أَبي بكر أَنه قال لابنته عائشة، رضي الله تعالى عنهما: إِني
كنت نَحَلْتُكَ جادَّ عشرين وَسْقاً من النخل وتَوَدِّين أَنكِ خَزَنْتِهِ
فأَما اليوم فهو مال الوارث؛ وتأْويله أَنه كان نَحَلَها في صحته نخلاً
كان يَجُدُّ منها كلَّ سنة عشرين وَسْقاً، ولم يكن أَقْبَضها ما نَحَلَها
بلسانه، فلما مرض رأَى النحل وهو غيرُ مقبوض غيرَ جائز لها، فأَعْلَمَها
أَنه لم يصح لها وأَن سائر الورثة شركاؤها فيها. الأَصمعي: يقال لفلان
أَرض جادٌ مائة وَسْقٍ أَي تُخْرجُ مائةَ وَسْقٍ إِذا زرعت، وهو كلام
عربي. وفي الحديث: أَنه أَوصى بِجادٍّ مائة وَسْقٍ للأَشعريين وبِجادِّ مائةِ
وَسْقٍ للشَّيْبِيِّين؛ الجادُّ: بمعنى المجدود أَي نخلاً يُجَدُّ منه
ما يبلغ مائةَ وَسْقٍ. وفي الحديث: من ربط فرساً فله جادٌّ مائةٍ وخمسين
وسقاً؛ قال ابن الأَثير: كان هذا في أَوّل الإِسلام لعزة الخيل وقلتها
عندهم.
وقال اللحياني: جُدادَةُ النخل وغيره ما يُسْتأْصَل. وما عليه جِدَّةٌ
أَي خِرْقَةٌ. والجِدَّةُ: قِلادةٌ في عنق الكلب، حكاه ثعلب؛ وأَنشد:
لو كنت كَلْبَ قَبِيصٍ كنتَ ذا جِدَدٍ،
تكون أُرْبَتُهُ في آخر المَرَسِ
وجَديدَتا السرج والرَّحْلِ: اللِّبْدُ الذي يَلْزَقُ بهما من الباطن.
الجوهري: جَديدَةُ السَّرْج ما تحت الدَّفَّتين من الرِّفادة واللِّبْد
المُلْزَق، وهما جديدتان؛ قال: هذا مولَّد والعرب تقول جَدْيَةُ
السَّرْجِ.وفي الحديث: لا يأْخذنَّ أَحدكم متاع أَخيه لاعباً جادّاً أَي لا
يأْخذْه على سبيل الهزل يريد لا يحبسه فيصير ذلك الهزلُ جِدّاً. والجِدُّ:
نقيضُ الهزلِ. جَدَّ في الأَمر يَجِدُّ ويَجُدُّ، بالكسر والضم، جِدّاً
وأَجَدَّ: حقق. وعذابٌ جِدٌّ: محقق مبالغ فيه. وفي القنوت: ونَخْشى عذابَكَ
الجِدَّ. وجَدَّ في أَمره يَجِدُّ ويَجُدُّ جَدّاً وأَجَدَّ: حقق.
والمُجادَّة: المُحاقَّةُ. وجادَّهُ في الأَمر أَي حاقَّهُ. وفلانٌ محسِنٌ
جِدّاً، وهو على جِدِّ أَمر أَي عَجَلَةِ أَمر. والجِدُّ: الاجتهادُ في
الأُمور. وفي الحديث: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِذا جَدَّ في السَّير
جَمع بين الصَّلاتينِ أَي اهتمّ به وأَسرع فيه. وجَدَّ به الأَمرُ
وأَجَدَّ إِذا اجتهد. وفي حديث أُحُدٍ: لئن أَشهَدَني الله مع النبي، صلى الله
عليه وسلم، قتلَ المشركين ليَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَجِدُّ أَي ما
أَجتهِدُ. الأَصمعي: يقال أَجَدَّ الرجل في أَمره يُجِدُّ إِذا بلغ فيه جِدَّه،
وجَدَّ لغةٌ؛ ومنه يقال: فلان جادٌّ مُجِدٌّ أَي مجتهد. وقال: أَجَدَّ
بها أَمراً أَي أَجَدَّ أَمرَه بها، نصبٌ على التمييز كقولك: قررْتُ به
عيناً أَي قرَّت عيني به؛ وقولهم: في هذا خطرٌ جِدُّ عظيمٍ أَي عظيمٌ
جِدّاً. وجَدَّ به الأَمرُ: اشتد؛ قال أَبو سهم:
أَخالِدُ لا يَرضى عن العبدِ ربُّه،
إِذا جَدَّ بالشيخ العُقوقُ المُصَمِّمُ
الأَصمعي: أَجَدَّ فلان أَمره بذلك أَي أَحكَمَه؛ وأَنشد:
أَجَدَّ بها أَمراً، وأَيقَنَ أَنه،
لها أَو لأُخْرى، كالطَّحينِ تُرابُها
قال أَبو نصر: حكي لي عنه أَنه قال أَجَدَّ بها أَمراً، معناه أَجَدَّ
أَمرَه؛ قال: والأَوّل سماعي، منه. ويقال: جدَّ فلانٌ في أَمرِه إِذا كان
ذا حقيقةٍ ومَضاءٍ. وأَجَدَّ فلانٌ السيرَ إِذا انكمش فيه. أَبو عمرو:
أَجِدَّكَ وأَجَدَّكَ معناهما ما لَكَ أَجِدّاً منك، ونصبهما على المصدر؛
قال الجوهري: معناهما واحد ولا يُتكلم به إِلا مضافاً. الأَصمعي:
أَجِدَّكَ معناه أَبِجِدّ هذا منك، ونصبُهما بطرح الباءِ؛ الليث: من قال
أَجِدَّكَ، بكسر الجيم، فإِنه يستحلفه بِجِدِّه وحقيقته، وإِذا فتح الجيم،
استحلفه بجَدِّه وهو بخته. قال ثعلب: ما أَتاك في الشعر من قولك أَجِدَّك، فهو
بالكسر، فإِذا أَتاك بالواو وجَدِّك، فهو مفتوح؛ وفي حديث قس:
أَجِدَّكُما لا تَقْضيانِ كَراكُما
أَي أَبِجِدِّ منكما، وهو نصب على المصدر. وأَجِدَّك لا تفعل كذا،
وأَجَدَّك، إِذا كسر الجيم استحلفه بِجِدِّه وبحقيقته، وإِذا فتحها استحلفه
بِجَدِّه وببخته؛ قال سيبويه: أَجِدَّكَ مصدر كأَنه قال أَجِدّاً منك،
ولكنه لا يستعمل إِلا مضافاً؛ قال: وقالوا هذا عربيٌّ جدًّا، نصبُه على
المصدر لأَنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو؛ قال: وقالوا هذا العالمُ جِدُّ
العالِمِ، وهذا عالِمٌ جِدُّ عالِمٍ، يريد بذلك التناهي وأَنه قد بلغ
الغاية فيما يصفه به من الخلال.
وصَرَّحْت بِجِدٍّ وجِدَّانَ وجِدَّاءَ وبِجِلْدانَ وجِلْداءَ؛ يضرب هذا
مثلاً للأَمر إِذا بان وصَرُحَ؛ وقال اللحياني: صرّحت بِجِدَّانَ
وجِدَّى أَي بِجِدٍّ. الأَزهري: ويقال صرّحت بِجِدَّاءَ غيرَ منصرف وبِجِدٍّ
منصرف وبِجِدَّ غير مصروف، وبِجِدَّانَ وبِجَذَّان وبِقِدَّان وبِقَذَّانَ
وبقِرْدَحْمَة وبقِذَحْمَة، وأَخرج اللبن رغوته، كل هذا في الشيء إِذا
وضَح بعد التباسه. ويقال: جِدَّانَ وجِلْدانَ صحراءَ، يعني برز الأَمر إِلى
الصحراء بعدما كان مكتوماً.
والجُدَّادُ: صغار الشجر، حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد للطرِمَّاح:
تَجْتَني ثامِرَ جُدَّادِه،
من فُرادَى بَرَمٍ أَو تُؤامْ
والجُدَّادُ: صِغارُ العضاهِ؛ وقال أَبو حنيفة: صغار الطلح، الواحدة من
كل ذلك جُدَّادةٌ. وجُدَّادُ الطلح: صغارُه. وكلُّ شيء تَعَقَّد بعضُه في
بعضٍ من الخيوط وأَغصانِ الشجر، فهو جُدَّادٌ؛ وأَنشد بيت الطرماح.
والجَدَّادُ: صاحب الحانوت الذي يبيع الخمر ويعالجها، ذكره ابن سيده، وذكره
الأَزهري عن الليث؛ وقال الأَزهري: هذا حاقُّ التصحيف الذي يستحيي من مثله
من ضعفت معرفته، فكيف بمن يدعي المعرفة الثاقبة؟ وصوابه بالحاءِ.
والجُدَّادُ: الخُلقانُ من الثياب، وهو معرّب كُداد بالفارسية. والجُدَّادُ:
الخيوط المعقَّدة يقال لها كُدَّادٌ بالنبطية؛ قال الأَعشى يصف حماراً:
أَضاءَ مِظَلَّتَه بالسرا
جِ، والليلُ غامرُ جُدَّادِها
الأَزهري: كانت في الخيوط أَلوان فغمرها الليل بسواده فصارت على لون
واحد. الأَصمعي: الجُدَّادُ في قول المسيَّب
(* قوله «الأصمعي الجدَّاد في
قول المسيَّب إلخ» كذا في نسخة الأصل وهو مبتدأ بغير خبر وان جعل الخبر
في قول المسيب كان سخيفاً) بن عَلس:
فِعْلَ السريعةِ بادَرتْ جُدَّادَها،
قَبْلَ المَساءِ، يَهُمُّ بالإِسراعِ
السريعة: المرأَة التي تسرع. وجَدودٌ: موضع بعينه، وقيل: هو موضع فيه
ماء يسمى الكُلابَ، وكانت فيه وقعة مرتين، يقال للكُلابِ الأَوّلِ: يَوْمُ
جَدود وهو لِتغْلِب على بكرِ بن وائل؛ قال الشاعر:
أَرى إِبِلِي عافَتْ جَدودَ فلم تَذُقْ
بها قَطْرَةً، إِلاَّ تَحِلَّةَ مُقْسِمِ
وجُدٌّ: موضع، حكاه ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
فلو أَنها كانت لِقاحِي كثيرةً،
لقد نَهِلتْ من ماءِ جُدٍّ وَعلَّتِ
قال: ويروى من ماء حُدٍّ، هو مذكور في موضعه.
وجَدَّاءُ: موضع؛ قال أَبو جندب الهذلي:
بَغَيْتُهُمُ ما بين جَدَّاءَ والحَشَى،
وأَوْرَدْتُهُمْ ماءَ الأُثَيْلِ وعاصِمَا
والجُدْجُدُ: الذي يَصِرُّ بالليل، وقال العَدَبَّس: هو الصَّدَى.
والجُنْدُبُ: الجُدْجُدُ، والصَّرصَرُ: صَيَّاحُ الليل؛ قال ابن سيده:
والجُدْجُدُ دُوَييَّةٌ على خِلقَةِ الجُنْدُبِ إِلا أَنها سُوَيْداءُ قصيرة،
ومنها ما يضرب إِلى البياض ويسمى صَرْصَراً، وقيل: هو صرَّارُ الليلِ وهو
قَفَّاز وفيه شَبه من الجراد، والجمع الجَداجِدُ؛ وقال ابن الأَعرابي: هي
دُوَيبَّةٌ تعلَقُ الإِهابَ فتأْكلُه؛ وأَنشد:
تَصَيَّدُ شُبَّانَ الرجالِ بِفاحِمٍ
غُدافٍ، وتَصطادينَ عُشّاً وجُدْجُدا
وفي حديث عطاء في الجُدْجُدِ يموت في الوَضوءِ قال: لا
بأْس به؛ قال: هو حيوان كالجراد يُصَوِّتُ بالليل، قيل هو الصَّرْصَرُ.
والجُدجُدُ: بَثرَة تخرُج في أَصل الحَدَقَة. وكلُّ بَثْرَةٍ في جفنِ
العين تُدْعى: الظَّبْظاب. والجُدْجُدُ: الحرُّ؛ قال الطرمَّاح:
حتى إِذا صُهْبُ الجَنادِبِ ودَّعَتْ
نَوْرَ الربيع، ولاحَهُنَّ الجُدْجُدُ
والأَجْدادُ: أَرض لبني مُرَّةَ وأَشجعَ وفزارة؛ قال عروة بن الورد:
فلا وَأَلَتْ تلك النفُوسُ، ولا أَتَتْ
على رَوْضَةِ الأَجْدادِ، وَهْيَ جميعُ
وفي قصة حنين: كإِمرار الحديد على الطست
(* قوله «على الطست» وهي مؤنثة
إلخ كذا في النسخة المنسوبة إلى المؤلف وفيها سقط. قال في المواهب:
وسمعنا صلصلة من السماء كإمرار الحديد على الطست الجديد. قال في النهاية وصف
الطست وهي مؤنثة بالجديد وهو مذكر اما لأن تأنيثها إلخ)، وهي مؤنثة
بالجديد، وهو مذكر إِما لأَن تأْنيثها غير حقيقي فأَوله على الإِناء والظرف،
أَو لاءن فعيلاً يوصف به المؤنث بلا علامة تأْنيث كما يوصف المذكر، نحو
امرأَة قتيل وكفّ خَضيب، وكقوله عز وجل: إن رحمة الله قريب. وفي حديث
الزبير: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له: احبس الماء حتى يبلغ الجَدَّ،
قال: هي ههنا المُسَنَّاةُ وهو ما وقع حول المزرعة كالجدار، وقيل: هو لغة
في الجدار، ويروى الجُدُر، بالضم. جمع جدار، ويروى بالذال وسيأْتي ذكره.
جذر: جَذَرَ الشيءَ يَجْذُرُه جَذْراً: قطعه واستأْصله. وجَذْرُ كل شيء:
أَصلُه. والجَذْرُ: أَصل اللسان وأَصلُ الذَّكَرِ وأَصل كل شيء. وقال
شمر: إِنه لَشَدِيدُ جَِذْرِ اللسان وشديد جَذْرِ الذكَر أَي أَصله؛ قال
الفرزدق:
رَأَتْ كَمَراً مثل الجَلامِيد أَفْتَحَتْ
أَحالِيلَها، حتى اسْمَأَدَّتْ جُذورُها
وفي حديث حذيفة بن اليمان: نزلت الأَمانَةُ في جَذْر قلوب الرجال أَي في
أَصلها؛ الجَذْرُ: الأَصلُ من كل شيء؛ وقال زهير يصف بقرة وحشية:
وسامِعتَيْنِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهما،
إِلى جَذْرِ مَدْلُوكِ الكُعُوبِ مُحَدَّدِ
يعني قرنها. وأَصلُ كل شيء: جَذْرُه، بالفتح؛ عن الأَصمعي، وجِذره،
بالكسر؛ عن أَبي عمرو. أَبو عمرو: الجذر، بالكسر، والأَصمعي بالفتح. وقال ابن
جَبَلَةَ: سأَلت ابن الأَعرابي عنه فقال: هو جَذْرٌ، قال: ولا أَقول
جِذْرٌ، قال: والجَذْر أَصل حِسابٍ ونَسَبٍ. والجَذْرُ: أَصلُ شجر ونحوه.
ابن سيده: وجَذِْرُ كل شيء أَصله، وجَذْرُ العُنُقِ: مَغْرِزُها؛ عن
الهجري؛ وأَنشد:
تَمُجُّ ذَفَارِيهنَّ ماءً كَأَنَّهُ
عَصِيمٌ، على جَذْرِ السَّوالِفِ، مُغْفُرُ
والجمع جُذُورٌ. والحسابُ الذي يقال له عَشَرَةٌ في عَشَرَة وكذا في كذا
تقول: ما جَذْرُه أَي ما يبلغ تمامه؟ فتقول: عَشَرَةٌ في عشرة مائةٌ،
وخمسة في خمسة خمسةٌ وعشرون، أَي فَجَذْرُ مائة عَشَرَةٌ وجَذْرُ خمسةٍ
وعشرين خمسةٌ. وعشرةٌ في حساب الضَّرْبِ: جَذْرُ مائة ابنُ جَنَبَةَ.
الجَذْرُ جَذْرُ الكلام وهو أَن يكون الرجل محكماً لا يستعين بأَحد ولا يردّ
عليه أَحد ولا يعاب فيقال: قاتَلَهُ اللهُ كيف يَجْذِرُ في المجادلة؟ وفي
حديث الزبير: احْبِس الماءَ حتى يبلغ الجَذْرَ؛ يريد مَبْلَغَ تمامِ
الشُّرْبِ من جَذْرِ الحساب وهو، بالفتح والكسر، أَصل كل شيء؛ وقيل: أَراد
أَصل الحائط، والمحفوظ بالدال المهملة، وقد تقدّم. وفي حديث عائشة:
سأَلتُهُ عن الجَذْرِ، قال: هو الشَّاذَرْوانُ الفارِغُ من البناء حولَ الكعبة.
والمُجَذَّرُ: القصير الغليظُ الشَّثْنُ الأَطرافِ، وزاد التهذيب: من
الرجال؛ قال:
إِنَّ الخِلافةَ لم تَزَلْ مَجْعُولَةً
أَبداً على جاذِي اليَدَيْنِ مُجَذَّرِ
وأَنشد أَبو عمرو:
البُحْتُر المُجَذَّر الزَّوَّال
يريد في مشيته، والأُنثى بالهاء، والجَيْذَرُ مثله؛ قال ابن بري: هذا
العجز أَنشده الجوهري وزعم أَن أَبا عمرو أَنشده، قال: والبيت كله مغير
والذي أَنشده أَبو عمرو لأَبي السَّوداءِ العِجْلِيِّ وهو:
البُهْتُرِ المُجَدَّرِ الزَّوَّاكِ
وقبله:
تَعَرَّضَتْ مُرَيْئَةُ الحَيَّاكِ
لِناشِئٍ دَمَكْمَكٍ نَيَّاكِ،
البُهْتُرِ المُجَدَّرِ الزَّوَّاكِ،
فأَرَّها بقاسِحٍ بَكَّاكِ،
فَأَوْزَكَتْ لِطَعْنِهِ الدَّرَّاكِ،
عِنْدَ الخِلاطِ، أَيَّما إِيزاكِ
وبَرَكَتْ لِشَبِقٍ بَرَّاكِ،
مِنها على الكَعْثَبِ والمَناكِ،
فَداكَها بِمُنْعِظٍ دَوَّاكِ،
يَدْلُكُها، في ذلك العِراكِ،
بالقَنْفَرِيشِ أَيَّما تَدْلاكِ
الحياك: الذي يحيك في مشيته فيقاربها. والبهتر: القصير. والمجدّر:
الغليظ، وكذلك الجادر. والدمكمك: الشديد. وأَرّها: نكحها. والقاسح: الصلب.
والبكاك: من البَكِّ، وهو الزَّحْمُ. وداكها: من الدِّوْك، وهو السَّحْقُ.
يقال: دُكْتُ الطِّيبَ بالفِهْرِ على المَدَاكِ. والقنفريش: الأَير
الغليظ، ويقال: القنفرش أَيضاً، بغير ياء؛ قال الراجز:
قد قَرَنُوني بِعَجُوزٍ جَحْمَرِشْ،
تُحِبُّ أَنْ يُغْمَزَ فيها القَنْفَرِشْ
وناقة مُجَذَّرَةٌ: قصيرة شديدة. أَبو زيد: جَذَرْتُ الشيء جَذْراً
وأَجْذَرْتُه استأْصلته. الأَصمعي: جذرت الشيء أَجْذُرُه قطعته. وقال أَبو
أُسَيْدٍ: الجَذْرُ الانقطاع أَيضاً من الحَبْلِ والصاحب والرُّفْقَة من كل
شيء؛ وأَنشد:
يا طِيبَ حالٍ قضاه الله دُونَكُمُ،
واسْتَحْصَدَ الحَبْلُ منك اليومَ فانَجذَرا
أَي انقطع. والجُؤْذُرُ والجُوذَرُ: ولد البقرة، وفي الصحاح: البقرة
الوحشية، والجمع جآذِرُ. وبقرة مُجْذِرٌ: ذات جُؤْذَر؛ قال ابن سيده: ولذلك
حكمنا بزيادة همزة جُؤْذُر ولأَنها قد تزاد ثانية كثيراً. وحكى ابن جني
جُؤْذُراً وجُؤْذَراً في هذا المعنى، وكَسَّرَه على جَواذِرَ. قال: فإِن
كان ذلك فَجُؤْذُر فُؤْعُلٌ وجُؤْذَرٌ فُؤْعَلٌ. ويكون جُوذُرٌ وجُوذَرٌ
مخففاً من ذلك تخفيفاً بدلياً أَو لغة فيه. وحكى ابن جني أَن جَوْذَراً
على مثال كَوْثَرٍ لغة في جُوذَرٍ، وهذا مما يشهد له أَيضاً بالزيادة لأَن
الواو ثانِيةً لا تكون أَصلاً في بنات الأَربعة. والجَيْذَرُ: لغة في
الجَوْذَرِ. قال ابن سيده: وعندي أَن الجَيْذَرَ والجَوْذَر عربيان،
والجُؤْذُر والجُؤْذَر فارسيان.
جير: جَيْرِ: بمعنى أَجَلْ؛ قال بعض الأَغفال:
قَالَتْ: أَراكَ هارِباً لِلْجَوْرِ
مِنْ هَدَّةِ السُّلْطانِ؟ قُلْتُ: جَيْرِ
قال سيبويه: حركوه لالتقاء الساكنين وإِلا فحكمه السكون لأَنه كالصوت.
وجَيْرِ: بمعنى اليمين، يقال: جَيْرِ لا أَفعل كذا وكذا. وبعضهم يقول:
جَيْرَ، بالنصب، معناها نَعَمْ وأَجَلْ، وهي خفض بغير تنوين. قال الكسائي في
الخفض بلا تنوين. شمر: لا جَيْرِ لا حَقّاً. يقال: جَيْرِ لا أَفعل ذلك
ولا جَيْر لا أَفعل ذلك، وهي كسرة لا تنتقل؛ وأَنشد:
جَامِعُ قَدْ أَسْمَعْتَ مَنْ يَدْعُو جَيْرِ،
وَلَيْسَ يَدْعُو جَامِعٌ إِلى جَيْرِ
قال ابن الأَنباري: جَيْرِ يوضع موضع اليمين. الجوهري: قولهم جَيْرِ لا
آتيك، بكسر الراء، يمين للعرب ومعناها حقّاً؛ قال الشاعر:
وقُلْنَ عَلى الفِرْدَوْسِ أَوَّلَ مَشْرَبٍ:
أَجَلْ جَيْرِ أَنْ كَانَتْ أُبِيحَتْ دَعاثِرُهْ
والجَيَّارُ: الصَّارُوجُ. وقد جَيَّرَ الحوضَ؛ قال الشاعر:
إِذا ما شَتَتْ لَمْ تَسْتُرِيها، وإِنْ تَقِظْ
تُباشرْ بِصُبْحِ المازِنِيِّ المُجَيَّرا
(* قوله: «إِذا ما شئت إلخ» كذا في الأصل).
ابن الأَعرابي: إِذا خُلط. الرَّمادُ بالنُّورَةِ والجِصِّ فهو
الجَيَّارُ؛ وقال الأَخطل يصف بيتاً:
بحُرَّةَ كأَتانِ الضَّحْلِ أَضْمَرَهَا،
بَعْدَ الرَّبالَةِ، تَرْحالي وتَسْيَارِي
كأَنها بُرْجُ رُومِيٍّ يُشَيِّدُهُ،
لُزَّ بِطِينٍ وآجُرٍّ وجَيَّارِ
والهاء في كأَنها ضمير ناقته، شبهها بالبرج في صلابتها وقُوَّتها.
والحُرَّةُ: الناقة الكريمة. وأَتانُ الضَّحْلِ: الصخرة العظيمة
المُلَمْلَمَةُ. والضحك: الماء القليل. والرَّبالة: السِّمَن.
وفي حديث ابن عمر: أَنه مر بصاحب جِير قد سقط فأَعانه؛ الجِيرُ: الجِصُّ
فإِذا خلط بالنورة فهو الجَيَّارُ، وقيل: الجَيَّار النورة وحدها.
والجَيَّارُ: الذي يجد في جوفه حَرّاً شديداً. والجائِرُ والجَيَّارُ:
حَرٌّ في الحَلْقِ والصَّدْرِ من غيظ أَو جوع؛ قال المُتَنَخِّلُ
الهُُذَلِيُّ، وقيل: هو لأَبي ذؤيب:
كأَنما بَيْنَ لَحْيَيْهِ ولَبَّتِهِ،
مِن جُلْبَةِ الجُوعِ، جَيَّارٌ وإِرْزِيزُ
وفي الصحاح:
قَدْ حَالَ بَيْنَ تَراقِيهِ ولَبَّتِهِ
وقال الشاعر في الجائر:
فَلَمَّا رأَيتُ القَوْمَ نادَوْا مُقاعِساً،
تَعَرَّضَ لِي دونَ التَّرائبِ جَائرُ
قال ابن جني: الظاهر في جَيَّارٍ أَن يكون فَعَّالاً كالكَلاَّءِ
والجَبَّانِ؛ قال: ويحتمل أَن يكون فَيْعالاً كخَيْتامٍ وأَن يكون فَوْعالاً
كَتَوْرابٍ. والجَيَّارُ: الشِّدَّةُ؛ وبه فسر ثعلب بيت المتنخل الهذلي
جَيَّارٌ وإِرْزِيزُ.
جمن: الجُمانُ: هَنَواتٌ تُتَّخَذُ على أَشكال اللؤلؤ من فضَّة، فارسي
معرب، واحدته جُمانة؛ وتوهَّمَه لبيدٌ لُؤلُؤَ الصدفِ البَحْرِيِّ فقال
يصف بقرة:
وتُضِيء في وَجْهِ الظَّلامِ، مُنِيرةً،
كجُمانةِ البَحْريِّ سُلَّ نِظامُها.
الجوهري: الجُمانةُ حبّة تُعْمَل من الفِضّة كالدُّرّة؛ قال ابن سيده:
وبه سميت المرأَة، وربما سميت الدُّرّة جُمانةً. وفي صفته، صلى الله عليه
وسلم: يَتَحَدَّرُ منه العَرَقُ مِثْل الجُمان، قال: هو اللؤلؤُ
الصِّغارُ، وقيل: حَبٌّ يُتَّخذ من الفضة أَمثال اللؤلؤ. وفي حديث المسيح، على
نبينا وعليه الصلاة والسلام: إذا رفَع رأْسَه تحدَّر منه جُمانُ اللؤلؤ.
والجُمانُ: سَفيفةٌ من أَدَمٍ يُنْسَج فيها الخَرَزُ من كل لون تَتَوَشَّحُ
به المرأَة؛ قال ذو الرمة:
أَسِيلة مُسْتَنِّ الدُّموعِ، وما جَرَى
عليه الجُمانُ الجائلُ المُتَوَشَّحُ.
وقيل: الجُمانُ خَرز يُبَيَّضُ بماء الفضة. وجُمانٌ: اسمُ جملِ العجّاج؛
قال:
أَمْسَى جُمانٌ كالرَّهينِ مُضْرعا
والجُمُن: اسم جبل؛ قال تميم بن مُقْبِل:
فقلت للقوم قد زالَتْ حَمائلُهم
فَرْجَ الحَزِيزِ من القَرْعاءِ فالجُمُن
(* قوله «من القرعا» كذا في النسخ، والذي في معجم ياقوت: إلى القرعاء).
جنن: جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره. وكلُّ شيء سُتر عنك فقد
جُنَّ عنك. وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ،
بالضم، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره؛ قال ابن بري: شاهدُ جَنَّه قول الهذلي:
وماء ورَدْتُ على جِفْنِه،
وقد جَنَّه السَّدَفُ الأَدْهَمُ
وفي الحديث: جَنَّ عليه الليلُ أَي ستَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم
واخْتِفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه.
وجِنُّ الليل وجُنونُه وجَنانُه: شدَّةُ ظُلْمتِه وادْلِهْمامُه، وقيل:
اختلاطُ ظلامِه لأَن ذلك كلَّه ساترٌ؛ قال الهذلي:
حتى يَجيء، وجِنُّ الليل يُوغِلُه،
والشَّوْكُ في وَضَحِ الرِّجْلَيْن مَرْكوزُ.
ويروى: وجُنْحُ الليل؛ وقال دريد بن الصَِّمَّة بن دنيان
(* قوله
«دنيان») كذا في النسخ. وقيل هو لِخُفافِ بن نُدْبة:
ولولا جَنانُ الليلِ أَدْرَكَ خَيْلُنا،
بذي الرِّمْثِ والأَرْطَى، عياضَ بنَ ناشب.
فَتَكْنا بعبدِ اللهِ خَيْرِ لِداتِه،
ذِئاب بن أَسْماءَ بنِ بَدْرِ بن قارِب.
ويروى: ولولا جُنونُ الليل أَي ما سَتَر من ظلمته. وعياضُ بن جَبَل: من
بني ثعلبة بن سعد. وقال المبرد: عياض بن ناشب فزاري، ويروى: أَدرَك
رَكْضُنا؛ قال ابن بري: ومثله لسَلامة بن جندل:
ولولا جَنانُ الليلِ ما آبَ عامرٌ
إلى جَعْفَرٍ، سِرْبالُه لم تُمَزَّقِ.
وحكي عن ثعلب: الجَنانُ الليلُ. الزجاج في قوله عز وجل: فلما جَنَّ عليه
الليلُ رأَى كَوْكباً؛ يقال جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليلُ إذا
أَظلم حتى يَسْتُرَه بظُلْمته. ويقال لكل ما سَتر: جنَّ وأَجنَّ. ويقال:
جنَّه الليلُ، والاختيارُ جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليل: قال ذلك أَبو
اسحق. واسْتَجَنَّ فلانٌ إذا استَتَر بشيء. وجَنَّ المَيّتَ جَنّاً
وأَجَنَّه: ستَره؛ قال وقول الأَعشى:
ولا شَمْطاءَ لم يَتْرُك شَفاها
لها من تِسْعةٍ، إلاّع جَنينا.
فسره ابن دريد فقال: يعني مَدْفوناً أَي قد ماتوا كلهم فَجُنُّوا.
والجَنَنُ، بالفتح: هو القبرُ لسَتْرِه الميت. والجَنَنُ أَيضاً: الكفَنُ
لذلك. وأَجَنَّه: كفَّنَه؛ قال:
ما إنْ أُبالي، إذا ما مُتُّ،ما فعَلوا:
أَأَحسنوا جَنَني أَم لم يُجِنُّوني؟
أَبو عبيدة: جَنَنْتُه في القبر وأَجْنَنْتُه أَي وارَيتُه، وقد أَجنَّه
إذا قبَره؛ قال الأََعشى:
وهالِك أَهلٍ يُجِنُّونَه،
كآخَرَ في أَهْلِه لم يُجَنُّ.
والجَنينُ: المقبورُ. وقال ابن بري: والجَنَنُ الميت؛ قال كُثَيّر:
ويا حَبَّذا الموتُ الكريهُ لِحُبِّها
ويا حَبَّذا العيْشُ المُجمّلُ والجَنَنْ
قال ابن بري: الجَنَنُ ههنا يحتمل أَن يراد به الميتُ والقبرُ. وفي
الحديث: وَليَ دَفْنَ سَيّدِنا رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، وإِجْنانَه
عليٌّ والعباسُ، أَي دَفْنه وسَتْرَه. ويقال للقبر الجَنَنُ، ويجمع على
أَجْنانٍ؛ ومنه حديث علي، رضي الله عنه: جُعِل لهم من الصفيح أَجْنانٌ.
والجَنانُ، بالفتح: القَلْبُ لاستِتاره في الصدر، وقيل: لِوَعْيه الأَشْياء
وجَمْعِه لها، وقيل: الجَنانُ رُوعُ القلب، وذلك أَذْهَبُ في الخَفاءِ،
وربما سمّي الرُّوحُ جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّه. وقال ابن دريد: سمّيت
الرُّوح جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّها فأَنَّث الروح، والجمع أَجْنانٌ؛ عن
ابن جني. ويقال: ما يستقرُّ جَنانُه من الفزَعِ. وأَجَنَّ عنه
واسْتَجَنَّ: استَتَر. قال شمر: وسمي القلبُ جَناناً لأَن الصدْرَ أَجَنَّه؛
وأَنشد لِعَدِيّ:
كلُّ حيّ تَقودُه كفُّ هادٍ
جِنَّ عينٍ تُعْشِيه ما هو لاقي.
الهادي ههنا: القَدَرُ. قال ابن الأَعرابي: جِنَّ عينٍ أَي ما جُنَّ عن
العين فلم تَرَه، يقول: المَنيَّةُ مستورةٌ عنه حتى يقع فيها؛ قال
الأَزهري: الهادي القَدَرُ ههنا جعله هادياً لأَنه تقدّم المنيَّة وسبَقها،
ونصبَ جِنَّ عينٍ بفعله أَوْقَعَه عليه؛ وأَنشد:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
(* قوله «ولا جن إلخ» صدره كما في تكملة الصاغاني: تحدثني عيناك ما
القلب كاتم).
ويروى: ولا جَنَّ، معناهما ولا سَتْر. والهادي: المتقدّم، أَراد أَن
القَدَر سابقُ المنيَّةِ المقدَّرة؛ وأَما قول موسى بن جابر الحَنفيّ:
فما نَفَرتْ جِنِّي ولا فُلَّ مِبْرَدي،
ولا أَصْبَحَتْ طَيْري من الخَوْفِ وُقَّعا.
فإنه أَراد بالجِنّ القَلْبَ، وبالمِبْرَدِ اللسانَ. والجَنينُ: الولدُ
ما دام في بطن أُمّه لاسْتِتاره فيه، وجمعُه أَجِنَّةٌ وأَجْنُنٌ، بإظهار
التضعيف، وقد جَنَّ الجنينُ في الرحم يَجِنُّ جَنّاً وأَجَنَّتْه
الحاملُ؛ وقول الفرزذق:
إذا غابَ نَصْرانِيُّه في جَنِينِها،
أَهَلَّتْ بحَجٍّ فوق ظهْر العُجارِم.
عنى بذلك رَحِمَها لأَنها مُسْتَتِرة، ويروى: إذا غاب نَصْرانيه في
جنيفها، يعني بالنَّصْرانيّ، ذكَر الفاعل لها من النصارى، وبجَنِيفِها:
حِرَها، وإنما جعله جَنيفاً لأَنه جزءٌ منها، وهي جَنيفة، وقد أَجَنَّت
المرأَة ولداً؛ وقوله أَنشد ابن الأَعرابي: وجَهَرتْ أَجِنَّةً لم تُجْهَرِ.
يعني الأَمْواهَ المُنْدَفِنةَ، يقول: وردَت هذه الإبلُ الماءَ
فكسَحَتْه حتى لم تدعْ منه شيئاً لِقِلَّتِه. يقال: جهَرَ البئرَ نزحَها.
والمِجَنُّ: الوِشاحُ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ. قال ابن سيده: وأُرى اللحياني قد
حكى فيه المِجَنَّة وجعله سيبويه فِعَلاً، وسنذكره، والجمع المَجانُّ،
بالفتح. وفي حديث السرقة: القَطْعُ في ثَمَنِ المِجَنِّ، هو التُّرْسُ
لأَنه يُواري حاملَه أَي يَسْتُره، والميم زائدة: وفي حديث علي، كرَّم الله
وجهَه: كتب إليَّ ابنُ عباسٍ قلَبْتَ لابنِ عَمِّكَ ظَهْرَ المِجَنِّ؛ قال
ابن الأَثير: هذه كلمة تُضْرَب مَثَلاً لمن كان لصاحبه على مودَّة أَو
رعايةٍ ثم حالَ عن ذلك. ابن سيده: وقَلَبْ فلانٌ مِجَنَّة أَي أَسقَط
الحياءَ وفعَل ما شاءَ. وقلَبَ أَيضاً مِجَنَّة: ملَك أَمرَه واستبدَّ به؛
قال الفرزدق: كيف تراني قالِباً مِجَنِّي؟
أَقْلِبُ أَمْري ظَهْرَه للبَطْنِ.
وفي حديث أَشراطِ الساعةِ: وُجوهُهم كالمَجانِّ المُطْرَقة، يعني
التُّرْكَ. والجُنَّةُ، بالضم: ما واراكَ من السِّلاح واسْتَتَرْتَ به منه.
والجُنَّةُ: السُّتْرة، والجمع الجُنَنُ. يقال: اسْتَجَنَّ بجُنَّة أَي
اسْتَتَر بسُتْرة، وقيل: كلُّ مستورٍ جَنِينٌ، حتى إنهم ليقولون حِقْدٌ
جَنينٌ وضِغْنٌ جَنينٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
يُزَمِّلونَ جَنِينَ الضِّغْن بينهمُ،
والضِّغْنُ أَسْوَدُ، أَو في وجْهِه كَلَفُ
يُزَمِّلون: يَسْتُرون ويُخْفُون، والجَنينُ: المَسْتُورُ في نفوسهم،
يقول: فهم يَجْتَهِدون في سَتْرِه وليس يَسْتَتِرُ، وقوله الضِّغْنُ
أَسْوَدُ، يقول: هو بيِّنٌ ظاهرٌ في وجوههم. ويقال: ما عليَّ جَنَنٌ إلا ما
تَرى أَي ما عليَّ شيءٌ
يُواريني، وفي الصحاح: ما عليَّ جَنانٌ إلاّ ما تَرى أَي ثوبٌ
يُوارِيني. والاجْتِنان؛ الاسْتِتار. والمَجَنَّة: الموضعُ الذي يُسْتَتر فيه.
شمر: الجَنانُ الأَمر الخفي؛ وأَنشد:
اللهُ يَعْلَمُ أَصحابي وقولَهُم
إذ يَرْكَبون جَناناً مُسْهَباً وَرِبا.
أَي يَرْكبون أَمْراً مُلْتَبِساً فاسداً. وأَجْنَنْتُ الشيء في صدري
أَي أَكْنَنْتُه. وفي الحديث: تُجِنُّ بَنانَه أَي تُغَطِّيه وتَسْتُره.
والجُّنَّةُ: الدِّرْعُ، وكل ما وَقاك جُنَّةٌ. والجُنَّةُ: خِرْقةٌ
تَلْبسها المرأَة فتغطِّي رأْسَها ما قبَلَ منه وما دَبَرَ غيرَ وسَطِه،
وتغطِّي الوَجْهَ وحَلْيَ الصدر، وفيها عَيْنانِ مَجُوبتانِ مثل عيْنَي
البُرْقُع. وفي الحديث: الصومُ جُنَّةٌ أَي يَقي صاحبَه ما يؤذِيه من الشهوات.
والجُنَّةُ: الوِقايةُ. وفي الحديث الإمامُ جُنَّةٌ، لأَنه يَقِي
المأْمومَ الزَّلَلَ والسَّهْوَ. وفي حديث الصدقة: كمِثْل رجُلين عليهما
جُنَّتانِ من حديدٍ أَي وِقايَتانِ، ويروى بالباء الموحدة، تَثْنِية جُبَّةِ
اللباس. وجِنُّ الناس وجَنانُهم: مُعْظمُهم لأَن الداخلَ فيهم يَسْتَتِر بهم؛
قال ابن أَحمر:
جَنانُ المُسْلِمين أَوَدُّ مَسّاً
ولو جاوَرْت أَسْلَمَ أَو غِفارا.
وروي:
وإن لاقَيْت أَسْلَم أَو غفارا.
قال الرِّياشي في معنى بيت ابن أَحمر: قوله أَوَدُّ مَسّاً أَي أَسهل
لك، يقول: إذا نزلت المدينة فهو خيرٌ لك من جِوار أَقارِبك، وقد أَورد
بعضهم هذا البيت شاهداً للجَنان السِّتْر؛ ابن الأَعرابي: جنَانُهم جماعتُهم
وسَوادُهم، وجَنانُ الناس دَهْماؤُهم؛ أَبو عمرو: جَنانُهم ما سَتَرك من
شيء، يقول: أَكون بين المسلمين خيرٌ لي، قال: وأَسْلَمُ وغفار خيرُ الناس
جِواراً؛ وقال الراعي يصف العَيْرَ:
وهابَ جَنانَ مَسْحورٍ تردَّى
به الحَلْفاء، وأْتَزَر ائْتِزارا.
قال: جنانه عينه وما واراه. والجِنُّ: ولدُ الجانّ. ابن سيده: الجِنُّ
نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار ولأَنهم
اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن، والجمع جِنانٌ، وهم الجِنَّة. وفي التنزيل
العزيز: ولقد عَلِمَت الجِنَّةُ إنهم لَمُحْضَرُون؛ قالوا: الجِنَّةُ ههنا
الملائكةُ عند قوم من العرب، وقال الفراء في قوله تعالى: وجعلوا بينَه وبين
الجِنَّةِ نَسَباً، قال: يقال الجِنَّةُ ههنا الملائكة، يقول: جعلوا بين
الله وبين خَلْقِه نَسَباً فقالوا الملائكةُ بناتُ الله، ولقد عَلِمَت
الجِنَّةُ أَن الذين قالوا هذا القولَ مُحْضَرون في النار. والجِنِّيُّ:
منسوبٌ إلى الجِنِّ أَو الجِنَّةِ. والجِنَّةُ: الجِنُّ؛ ومنه قوله تعالى:
من الجِنَّةِ والناسِ أَجمعين؛ قال الزجاج: التأْويلُ عندي قوله تعالى:
قل أَعوذ بربّ الناسِ ملِك الناسِ إله الناس من شَرِّ الوسواس الخَنَّاس
الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس من الجِنَّةِ، الذي هو من الجِن، والناس
معطوف على الوَسْوَاس، المعنى من شر الوسواس ومن شر الناس. الجوهري:
الجِنُّ خلاف الإنسِ، والواحد جنِّيٌّ، سميت بذلك لأَنها تخفى ولا تُرَى.
جُنَّ الرجلُ جُنوناً وأَجنَّه اللهُ، فهو مجنونٌ، ولا تقل مُجَنٌّ؛ وأَنشد
ابن بري:
رأَت نِضْوَ أَسْفار أُمَيَّةُ شاحِباً،
على نِضْوِ أَسْفارٍ، فَجُنَّ جُنونُها،
فقالت: من أَيِّ الناسِ أَنتَ ومَن تكن؟
فإِنك مَوْلى أُسْرةٍ لا يَدِينُها
وقال مُدرك بن حُصين:
كأَنَّ سُهَيْلاً رامَها، وكأَنها
حَليلةُ وخْمٍ جُنَّ منه جُنونها.
وقوله:
ويَحَكِ يا جِنِّيَّ، هل بَدا لكِ
أَن تَرْجِعِي عَقْلي، فقد أَنَى لكِ؟
إنما أَراد مَرْأَة كالجِنِّيَّة إمَّا في جمالها، وإما في تلَوُّنِها
وابتِدالها؛ ولا تكون الجِنِّيَّة هنا منسوبةً إلى الجِنِّ الذي هو خلاف
الإنس حقيقة، لأَن هذا الشاعر المتغزِّلَ بها إنْسيٌّ، والإنسيُّ لا
يَتعشَّقُ جنِّيَّة؛ وقول بدر بن عامر:
ولقد نطَقْتُ قَوافِياً إنْسِيّةً،
ولقد نَطقْتُ قَوافِيَ التَّجْنينِ.
أَراد بالإنْسِيَّة التي تقولها الإنْسُ، وأَراد بالتَّجْنينِ ما تقولُه
الجِنُّ؛ وقال السكري: أَراد الغريبَ الوَحْشِيّ. الليث: الجِنَّةُ
الجُنونُ أَيضاً. وفي التنزيل العزيز: أَمْ به جِنَّةٌ؛ والاسمُ والمصدرُ على
صورة واحدة، ويقال: به جِنَّةٌ وجنونٌ ومَجَنَّة؛ وأَنشد:
من الدَّارِميّينَ الذين دِماؤُهم
شِفاءٌ من الداءِ المَجَنَّة والخَبْل.
والجِنَّةُ: طائفُ الجِنِّ، وقد جُنَّ جَنّاً وجُنوناً واسْتُجِنَّ؛ قال
مُلَيح الهُذَليّ:
فلمْ أَرَ مِثْلي يُسْتَجَنُّ صَبابةً،
من البَيْن، أَو يَبْكي إلى غير واصِلِ.
وتَجَنَّن عليه وتَجانَّ وتجانَنَ: أَرَى من نفسِه أَنه مجنونٌ.
وأَجَنَّه الله، فهو مجنون، على غير قياس، وذلك لأَنهم يقولون جُنَّ، فبُني
المفعولُ من أَجنَّه الله على هذا، وقالوا: ما أَجنَّه؛ قال سيبويه: وقع
التعجبُ منه بما أَفْعَلَه، وإن كان كالخُلُق لأَنه ليس بلون في الجسد ولا
بِخِلْقة فيه، وإنما هو من نقْصان العقل. وقال ثعلب: جُنَّ الرجلُ وما
أَجنَّه، فجاء بالتعجب من صيغة فِعل المفعول، وإنما التعجب من صيغة فِعْل
الفاعل؛ قال ابن سيده: وهذا ونحوُه شاذٌّ. قال الجوهري: وقولهم في المَجْنون
ما أَجَنَّه شاذٌّ لا يقاس عليه، لأَنه لا يقال في المضروب ما
أَضْرَبَه، ولا في المَسْؤول ما أَسْأَلَه. والجُنُنُ، بالضم: الجُنونُ، محذوفٌ
منه الواوُ؛ قال يصف الناقة:
مِثْل النَّعامةِ كانت، وهي سائمةٌ،
أَذْناءَ حتى زَهاها الحَيْنُ والجُنُنُ
جاءت لِتَشْرِيَ قَرْناً أَو تُعَوِّضَه،
والدَّهْرُ فيه رَباحُ البَيْع والغَبَنُ.
فقيل، إذْ نال ظُلْمٌ ثُمَّتَ، اصْطُلِمَتْ
إلى الصَّماخِ، فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ.
والمَجَنَّةُ: الجُنُونُ. والمَجَنَّةُ: الجِنُّ. وأَرضُ مَجَنَّةٌ:
كثيرةُ الجِنِّ؛ وقوله:
على ما أَنَّها هَزِئت وقالت
هَنُون أَجَنَّ مَنْشاذا قريب.
أَجَنَّ: وقع في مَجَنَّة، وقوله هَنُون، أَراد يا هنون، وقوله مَنْشاذا
قريب، أَرادت أَنه صغيرُ السِّنّ تَهْزَأ به، وما زائدة أَي على أَنها
هَزِئَت. ابن الأَعرابي: باتَ فلانٌ ضَيْفَ جِنٍّ أَي بمكان خالٍ لا أَنيس
به؛ قال الأَخطل في معناه:
وبِتْنا كأَنَّا ضَيْفُ جِنٍّ بِلَيْلة.
والجانُّ: أَبو الجِنِّ خُلق من نار ثم خلق منه نَسْلُه. والجانُّ:
الجنُّ، وهو اسم جمع كالجامِل والباقِر. وفي التنزيل العزيز: لم
يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانّ. وقرأَ عمرو بن عبيد: فيومئذ لا يُسْأَل عن
ذَنْبِه إنْسٌ قَبْلَهم ولا جأَنٌّ، بتحريك الأَلف وقَلْبِها همزةً، قال:
وهذا على قراءة أَيوب السَّخْتِيالي: ولا الضَّأَلِّين، وعلى ما حكاه أَبو
زيد عن أَبي الإصبغ وغيره: شأَبَّة ومأَدَّة؛ وقول الراجز:
خاطِمَها زأَمَّها أَن تَذْهَبا
(* قوله «خاطمها إلخ» ذكر في الصحاح:
يا عجباً وقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأَمها أن تذهبا * فقلت أردفني فقال مرحبا).
وقوله:
وجلَّه حتى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهْ وعلى ما أَنشده أَبو علي لكُثيّر:
وأَنتَ، ابنَ لَيْلَى، خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهداً،
إذا ما احْمأََرَّت بالعَبِيطِ العَوامِلُ.
وقول عِمْران بن حِطَّان الحَرُورِيّ:
قد كنتُ عندَك حَوْلاً لا تُرَوِّعُني
فيه رَوائع من إنْسٍ ولا جاني.
إنما أَراد من إنسٍ ولا جانٍّ فأَبدل الونَ الثانية ياءً؛ وقال ابن جني:
بل حذف النونَ الثانية تخفيفاً. وقال أَبو إسحق في قوله تعالى:
أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ؛ روي أَن خَلْقاً يقال
لهم الجانُّ كانوا في الأَرض فأَفسَدوا فيا وسفَكوا الدِّماء فبعث اللهُ
ملائكتَه أَجْلَتْهم من الأَرض، وقيل: إن هؤلاء الملائكةَ صارُوا سُكَّانَ
الأَرض بعد الجانِّ فقالوا: يا رَبَّنا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسِد
فيها. أَبو عمرو: الجانُّ من الجِنِّ، وجمعُه جِنَّانٌ مثل حائطٍ وحِيطانٍ،
قال الشاعر:
فيها تَعَرَّفُ جِنَّانُها
مَشارِبها داثِرات أُجُنْ.
وقال الخَطَفَى جَدّ جرير يصف إبلاً:
يَرْفَعْنَ بالليل، إذا ما أَسْدَفا،
أَعْناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا.
وفي حديث زيد بن مقبل: جِنَّان الجبال أَي يأْمرون بالفَساد من شياطين
الإنس أَو من الجنِّ. والجِنَّةُ، بالكسر: اسمُ الجِنّ. وفي الحديث: أَنه
نَهى عن ذبائح الجِنّ، قال: هو أَن يَبْنِيَ الرجلُ الدارَ فإذا فرغ من
بِنائها ذَبح ذَبيحةً، وكانوا يقولون إذا فُعل ذلك لا يَضُرُّ أَهلَها
الجِنُّ. وفي حديث ماعزٍ: أَنه، صلى الله عليه وسلم: سأَل أَهلَه عنه فقال:
أَيَشْتَكي أَم به جِنَّةٌ؟ قالوا: لا؛ الجِنَّةُ، بالكسر: الجُنونُ. وفي
حديث الحسن: لو أَصاب ابنُ آدمَ في كلِّ شيء جُنَّ أَي أُعْجِبَ بنفسِه
حتى يصير كالمَجْنون من شدَّةِ إِعْجابِه؛ وقال القتيبي: وأَحْسِبُ قولَ
الشَّنْفَرى من هذا:
فلو جُنَّ إنْسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ.
وفي الحديث: اللهم إني أَعوذ بك من جُنونِ العَمَلِ أَي من الإعْجابِ
به، ويؤكِّد هذا حديثُه الآخر: أَنه رأَى قوماً مجتمعين على إنسان فقال: ما
هذا؟ فقالوا: مَجْنونٌ، قال: هذا مُصابٌ، إنما المَجْنونُ الذي يَضْرِبُ
بِمَنْكِبَيه وينظرُ في عَطْفَيْه ويتَمَطَّى في مِشْيَتِه. وفي حديث
فَضالة: كان يَخِرُّ رجالٌ من قامَتِهم في الصلاة من الخَصاصةِ حتى يقولَ
الأَعْرابُ مجانين أَو مَجانُون؛ المَجانِينُ: جمعُ تكسيرٍ لمَجْنونٍ،
وأَما مَجانون فشاذٌّ كما شذَّ شَياطُون في شياطين، وقد قرئ: واتَّبَعُوا
ما تَتْلُو الشَّياطون. ويقال: ضلَّ ضَلالَه وجُنَّ جُنونَه؛ قال الشاعر:
هَبَّتْ له رِيحٌ فجُنَّ جُنونَه،
لمَّا أَتاه نَسِيمُها يَتَوَجَّسُ.
والجانُّ: ضرْبٌ من الحيَّاتِ أَكحَلُ العَيْنَين يَضْرِب إلى الصُّفْرة
لا يؤذي، وهو كثير في بيوت الناس. سيبويه: والجمعُ جِنَّانٌ؛ وأَنشد بيت
الخَطَفَى جدّ جرير يصف إبلاً:
أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا،
وعَنَقاً بعدَ الرَّسيم خَيْطَفا.
وفي الحديث: أَنه نهَى عن قَتْلِ الجِنَّانِ، قال: هي الحيَّاتُ التي
تكون في البيوت، واحدها جانٌّ، وهو الدقيقُ الخفيف: التهذيب في قوله تعالى:
تَهْتَزُّ كأَنَّها جانٌّ، قال: الجانُّ حيَّةٌ بيضاء. أَبو عمرو:
الجانُّ حيَّةٌ، وجمعُه جَوانٌ، قال الزجاج: المعنى أَن العصا صارت تتحرَّكُ
كما يتحرَّكُ الجانُّ حركةً خفيفةً، قال: وكانت في صورة ثُعْبانٍ، وهو
العظيم من الحيَّاتِ، ونحوَ ذلك قال أَبو العباس، قال: شبَّهها في عِظَمِها
بالثعْبانِ وفي خِفَّتِها بالجانِّ، ولذلك قال تعالى مرَّة: فإذا هي
ثُعْبانٌ، ومرَّة: كأَنها جانٌّ؛ والجانُّ: الشيطانُ أَيضاً. وفي حديث زمزم:
أَن فيها جِنَّاناً كثيرةً أَي حيَّاتٍ، وكان أَهلُ الجاهليَّة يسمّون
الملائكةُ، عليهم السلام، جِنّاً لاسْتِتارِهم عن العيون؛ قال الأَعشى يذكر
سليمان، عليه السلام:
وسَخَّرَ من جِنِّ الملائِكِ تِسعةً،
قِياماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بلا أَجْرِ.
وقد قيل في قوله عز وجل: إلا إبليس كان من الجنِّ؛ إنه عَنى الملائكة،
قال أَبو إسحق: في سِياق الآية دليلٌ على أَن إبليس أُمِرَ بالسجود مع
الملائكة، قال: وأَكثرُ ما جاء في التفسير أَن إبليس من غير الملائكة، وقد
ذكر الله تعالى ذلك فقال: كان من الجنّ؛ وقيل أَيضاً: إن إبليس من الجنّ
بمنزلة آدمَ من الإنس، وقد قيل: إن الجِنّ ضرْبٌ من الملائكة كانوا
خُزَّانَ الأَرض، وقيل: خُزّان الجنان، فإن قال قائل: كيف استَثْنَى مع ذكْر
الملائكة فقال: فسجدوا إلا إبليس، كيف وقع الاستثناء وهو ليس من الأَول؟
فالجواب في هذا: أَنه أَمَره معهم بالسجود فاستثنى مع أَنه لم يَسْجُد،
والدليلُ على ذلك أَن تقول أَمَرْتُ عَبْدي وإخْوتي فأَطاعوني إلا عَبْدي،
وكذلك قوله تعالى: فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين، فرب العالمين ليس من
الأَول، لا يقد أَحد أَن يعرف من معنى الكلام غير هذا؛ قال: ويَصْلُحُ
الوقفُ على قوله ربَّ العالمين لأَنه رأْسُ آيةٍ، ولا يحسُن أَن ما بعده
صفةٌ له وهو في موضع نصب. ولا جِنَّ بهذا الأَمرِ أَي لا خَفاءِ؛ قال الهذلي:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
فأَما قول الهذلي:
أَجِنِي، كلَّما ذُكِرَتْ كُلَيْبٌ،
أَبِيتُ كأَنني أُكْوَى بجَمْر.
فقيل: أَراد بجِدِّي، وذلك أَن لفظ ج ن إنما هو موضوع للتستُّر على ما
تقدم، وإنما عبر عنه بجنِّي لأَن الجِدَّ مما يُلابِسُ الفِكْرَ ويُجِنُّه
القلبُ، فكأَنَّ النَّفْسَ مُجِنَّةٌ له ومُنْطوية عليه. وقالت امرأَة
عبد الله بن مسعود له: أَجَنَّك من أَصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛
قال أَبو عبيد: قال الكسائي وغيره معناه من أَجْلِ أَنك فترَكَتْ مِنْ،
والعرب تفعل ذلك تدَعُ مِن مع أَجْل، كما يقال فعلتُ ذلك أَجْلَك
وإِجْلَك، بمعنى مِن أَجْلِك، قال: وقولها أَجَنَّك، حذفت الأَلف واللام
وأُلْقِيَت فتحةُ الهمزة على الجيم كما قال الله عز وجل: لكنَّا هو الله ربِّي؛
يقال: إن معناه لكنْ أَنا هو الله ربِّي فحذف الأَلف، والتقى نُونانِ
فجاء التشديد، كما قال الشاعر أَنشده الكسائي:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيّة لَوَسيمةٌ
على هَنَواتٍ كاذِبٍ مَنْ يَقُولُها
أَراد لله إنَّك، فحذف إحدى اللامَينِ من لله، وحذَفَ الأَلف من إنَّك،
كذلك حُذِفَتْ اللامُ من أَجل والهمزةُ من إنَّ؛ أَبو عبيد في قول عدي
ابن زيد:
أَجْلَ أَنَّ اللهَ قد فَضَّلَكم،
فوقَ مَن أَحْكى بصُلْبٍ وإزار.
الأَزهري قال: ويقال إجْل وهو أَحبُّ إلي، أَراد من أجّل؛ ويروى:
فوق مَن أَحكأَ صلباً بإزار.
أَراد بالصلْب الحَسَبَ، وبالإزارِ العِفَّةَ، وقيل: في قولهم أَجِنَّك
كذا أَي من أَجلِ أَنك فحذفوا الأَلف واللام اختصاراً، ونقلوا كسرة اللام
إلى الجيم؛ قال الشاعر:
أَجِنَّكِ عنْدي أَحْسَنُ الناسِ كلِّهم،
وأَنكِ ذاتُ الخالِ والحِبَراتِ.
وجِنُّ الشَّبابِ: أَوَّلُه، وقيل: جِدَّتُه ونشاطُه. ويقال: كان ذلك في
جِنِّ صِباه أَي في حَدَاثَتِه، وكذلك جِنُّ كلِّ شيء أَوَّلُ شِدّاته،
وجنُّ المرَحِ كذلك؛ فأَما قوله:
لا يَنْفُخُ التَّقْريبُ منه الأَبْهَرا،
إذا عَرَتْه جِنُّه وأَبْطَرا.
قد يجوز أَن يكون جُنونَ مَرَحِه، وقد يكونُ الجِنُّ هنا هذا النوع
المُسْتَتِر عن العَين أَي كأَنَّ الجِنَّ تَسْتَحِثُّه ويُقوِّيه قولُه
عَرَتْه لأَن جنَّ المرَح لا يؤَنَّث إنما هو كجُنونه، وتقول: افْعَلْ ذلك
الأَمرَ بجِنِّ ذلك وحِدْثانِه وجِدِّه؛ بجِنِّه أَي بحِدْثانِه؛ قال
المتنخل الهذلي:
كالسُّحُل البيضِ جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ
أَرْوَى بجِنِّ العَهْدِ سَلْمَى، ولا
يُنْصِبْكَ عَهْدُ المَلِقِ الحُوَّلِ.
يريد الغيثَ الذي ذكره قبل هذا البيت، يقول: سقى هذا الغيثُ سَلْمى
بحِدْثانِ نُزولِه من السحاب قَبْل تغيُّره، ثم نهى نفسَه أَن يُنْصِبَه
حُبُّ من هو مَلِقٌ. يقول: من كان مَلِقاً ذا تَحوُّلٍ فَصَرَمَكَ فلا
ينْصِبْكَ صَرْمُه. ويقال: خُذ الأَمرَ بجِنِّه واتَّقِ الناقةَ فإِنها بجِنِّ
ضِراسِها أَي بحِدْثانِ نتاجِها. وجِنُّ النَّبْتِ: زَهْرُه ونَوْرُه،
وقد تجنَّنَتْ الأَرضُ وجُنَّتْ جُنوناً؛ قال:
كُوم تَظاهرَ نِيُّها لمّا رَعَتْ
رَوْضاً بِعَيْهَمَ والحِمَى مَجْنوناً
وقيل: جُنَّ النَّبْتُ جُنوناً غلُظ واكْتَهل. وقال أَبو حنيفة: نخلة
مَجْنونة إذا طالت؛ وأَنشد:
يا رَبِّ أَرْسِلْ خارِفَ المَساكِينْ
عَجاجةً ساطِعَةَ العَثانِينْ
تَنْفُضُ ما في السُّحُقِ المَجانِينْ.
قال ابن بري: يعني بخارفِ المساكين الريحَ الشديدةَ التي تنفُض لهم
التَّمْرَ من رؤُوس النخل؛ ومثله قول الآخر:
أَنا بارِحُ الجَوْزاءِ، ما لَك لا تَرى
عِيالَكَ قد أَمْسَوا مَرامِيلَ جُوَّعاً؟
الفراء: جُنَّت الأَرض إذا قاءتْ بشيء مُعْجِبٍ؛ وقال الهذلي:
أَلَمَّا يَسْلم الجِيرانُ منهم،
وقد جُنَّ العِضاهُ من العَميم.
ومرَرْتُ على أَرضِ هادِرة مُتَجَنِّنة: وهي التي تُهال من عشبها وقد
ذهب عُشْبها كلَّ مذهب. ويقال: جُنَّت الأَرضُ جُنوناً إذا اعْتَمَّ نبتها؛
قال ابن أَحمر:
تَفَقَّأَ فوقَه القَلَعُ السَّواري،
وجُنَّ الخازِبازِ به جُنونا.
جُنونُه: كثرةُ تَرَنُّمه في طَيَرانِه؛ وقال بعضهم: الخازِ بازِ
نَبْتٌ، وقيل: هو ذُبابٌ. وجنون الذُّباب: كثرةُ تَرَنُّمِه. وجُنَّ الذُّبابُ
أَي كثُرَ صوته. وجُنونُ النَّبْت: التفافُه؛ قال أَبو النجم:
وطالَ جَنُّ السَّنامِ الأَمْيَلِ.
أَراد تُمُوكَ السَّنامِ وطولَه. وجُنَّ النبتُ جُنوناً أَي طالَ
والْتَفَّ وخرج زهره؛ وقوله:
وجُنَّ الخازِ بازِ به جُنونا.
يحتمل هذين الوجهين. أَبو خيرة: أَرضٌ مجنونةٌ مُعْشِبة لم يَرْعَها
أَحدٌ. وفي التهذيب: شمر عن ابن الأَعرابي: يقال للنخل المرتفع طولاً
مجنونٌ، وللنبتِ الملتَفّ الكثيف الذي قد تأَزَّرَ بعضُه في بعض مجنونٌ.
والجَنَّةُ: البُسْتانُ، ومنه الجَنّات، والعربُ تسمِّي النخيلَ
جَنَّةً؛ قال زهير:
كأَنَّ عينيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلــةٍ،
من النَّواضِح، تَسْقي جَنَّةً سُحُقاً.
والجَنَّةُ: الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص،
ويقال للنخل وغيرها. وقال أَبو علي في التذكرة: لا تكون الجَنَّة في كلام
العرب إلا وفيها نخلٌ
وعنبٌ، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجَنَّةٍ،
وقد ورد ذكرُ الجَنَّة في القرآن العزيز والحديث الكريم في غير موضع.
والجَنَّةُ: هي دارُ النعيم في الدار الآخرة، من الاجْتنان، وهو السَّتْر
لتَكاثُفِ أَشْجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها، قال: وسميت بالجَنَّة
وهي المرَّة الواحدة من مَصْدر جَنَّة جَنّاً إذا ستَرَه، فكأَنها ستْرةٌ
واحدةٌ لشدَّةِ التِفافِها وإظْلالِها؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي وزعمَ
أَنه للبيد:
دَرَى باليَسَارَى جَنَّةً عَبْقَرِيَّةً،
مُسَطَّعةَ الأَعْناق بُلْقَ القَوادِم.
قال: يعني بالجَنَّة إبلاً كالبُسْتان، ومُسطَّعة: من السِّطاع وهي
سِمةٌ في العنق، وقد تقدم. قال ابن سيده: وعندي أَنه جِنَّة، بالكسر، لأَنه
قد وصف بعبقرية أَي إبلاً مثل الجِنة في حِدَّتها ونفارها، على أَنه لا
يبعد الأَول، وإن وصفها بالعبقرية، لأَنه لما جعلها جَنَّة اسْتَجازَ أَن
يَصِفَها بالعبقريّة، قال: وقد يجوز أَن يعني به ما أَخرج الربيعُ من
أَلوانِها وأَوبارها وجميل شارَتِها، وقد قيل: كلُّ جَيِّدٍ عَبْقَرِيٌّ،
فإذا كان ذلك فجائز أَن يوصَف به الجِنَّة وأَن يوصف به الجَنَّة.
والجِنِّيَّة: ثياب معروفة
(* قوله «والجنية ثياب معروفة» كذا في التهذيب. وقوله
«والجنية مطرف إلخ» كذا في المحكم بهذا الضبط فيهما. وفي القاموس:
والجنينة مطرف كالطيلسان اهـ. أي لسفينة كما في شرح القاموس). والجِنِّيّةُ:
مِطْرَفٌ مُدَوَّرٌ على خِلْقة الطَّيْلَسان تَلْبَسُها النساء. ومَجَنَّةُ:
موضعٌ؛ قال في الصحاح: المَجَنَّةُ اسمُ موضع على أَميال من مكة؛ وكان
بِلالٌ يتمثَّل بقول الشاعر:
أَلا ليْتَ شِعْري هل أَبِيتَنَّ ليلةً
بمكةَ حَوْلي إذْ خِرٌ وجَليلُ؟
وهل أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَنَّةٍ؟
وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ؟
وكذلك مِجَنَّة؛ وقال أَبو ذؤَيب:
فوافَى بها عُسْفانَ، ثم أَتى بها
مِجَنَّة، تَصْفُو في القِلال ولا تَغْلي.
قال ابن جني: يحتمل مَجَنَّةُ وَزْنَين: أَحدهما أَن يكون مَفْعَلة من
الجُنون كأَنها سميت بذلك لشيء يتصل بالجِنِّ أَو بالجِنَّة أَعني
البُسْتان أَو ما هذا سَبيلُه، والآخر أَن يكون فَعَلَّةً من مَجَنَ يَمْجُن
كأَنها سمِّيت بذلك لأَن ضَرْباً من المُجون كان بها، هذا ما توجبُه صنعةُ
عِلْمِ العرب، قال: فأَما لأَيِّ الأَمرَينِ وقعت التسمية فذلك أَمرٌ
طريقه الخبر، وكذلك الجُنَيْنة؛ قال:
مما يَضُمُّ إلى عِمْرانَ حاطِبُه،
من الجُنَيْنَةِ، جَزْلاً غيرَ مَوْزون.
وقال ابن عباس، رضي الله عنه: كانت مَجَنَّةٌ وذو المَجاز وعُكاظ
أَسواقاً في الجاهليَّة. والاسْتِجْنانُ: الاسْتِطْراب. والجَناجِنُ: عِظامُ
الصدر، وقيل: رؤُوسُ الأَضْلاع، يكون ذلك للناس وغيرهم؛ قال الأَسَْقَرُ
الجُعْفِيّ:
لكن قَعِيدةَ بَيْتِنا مَجْفُوَّةٌ،
بادٍ جَناجِنُ صَدْرِها ولها غِنا.
وقال الأعشى:
أَثَّرَتْ في جَناجِنٍ، كإِران الـ
ـمَيْت، عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ.
واحدها جِنْجِنٌ وجَنْجَنٌ، وحكاه الفارسي بالهاء وغير الهاء: جِنْجِن
وجِنْجِنة؛ قال الجوهري: وقد يفتح؛ قال رؤبة:
ومن عَجارِيهنَّ كلُّ جِنْجِن.
وقيل: واحدها جُنْجون، وقيل: الجَناجِنُ أَطرافُ الأَضلاع مما يلي قَصَّ
الصَّدْرِ وعَظْمَ الصُّلْب. والمَنْجَنُونُ: الدُّولابُ التي يُسْتَقى
عليها، نذكره في منجن فإِن الجوهري ذكره هنا، وردَّه عليه ابنُ الأَعرابي
وقال: حقُّه أَن يذكر في منجن لأَنه رباعي، وسنذكره هناك.
جنن: جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره. وكلُّ شيء سُتر عنك فقد
جُنَّ عنك. وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ،
بالضم، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره؛ قال ابن بري: شاهدُ جَنَّه قول الهذلي:
وماء ورَدْتُ على جِفْنِه،
وقد جَنَّه السَّدَفُ الأَدْهَمُ
وفي الحديث: جَنَّ عليه الليلُ أَي ستَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم
واخْتِفائهم عن الأبصار، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه.
وجِنُّ الليل وجُنونُه وجَنانُه: شدَّةُ ظُلْمتِه وادْلِهْمامُه، وقيل:
اختلاطُ ظلامِه لأَن ذلك كلَّه ساترٌ؛ قال الهذلي:
حتى يَجيء، وجِنُّ الليل يُوغِلُه،
والشَّوْكُ في وَضَحِ الرِّجْلَيْن مَرْكوزُ.
ويروى: وجُنْحُ الليل؛ وقال دريد بن الصَِّمَّة بن دنيان
(* قوله
«دنيان») كذا في النسخ. وقيل هو لِخُفافِ بن نُدْبة:
ولولا جَنانُ الليلِ أَدْرَكَ خَيْلُنا،
بذي الرِّمْثِ والأَرْطَى، عياضَ بنَ ناشب.
فَتَكْنا بعبدِ اللهِ خَيْرِ لِداتِه،
ذِئاب بن أَسْماءَ بنِ بَدْرِ بن قارِب.
ويروى: ولولا جُنونُ الليل أَي ما سَتَر من ظلمته. وعياضُ بن جَبَل: من
بني ثعلبة بن سعد. وقال المبرد: عياض بن ناشب فزاري، ويروى: أَدرَك
رَكْضُنا؛ قال ابن بري: ومثله لسَلامة بن جندل:
ولولا جَنانُ الليلِ ما آبَ عامرٌ
إلى جَعْفَرٍ، سِرْبالُه لم تُمَزَّقِ.
وحكي عن ثعلب: الجَنانُ الليلُ. الزجاج في قوله عز وجل: فلما جَنَّ عليه
الليلُ رأَى كَوْكباً؛ يقال جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليلُ إذا
أَظلم حتى يَسْتُرَه بظُلْمته. ويقال لكل ما سَتر: جنَّ وأَجنَّ. ويقال:
جنَّه الليلُ، والاختيارُ جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليل: قال ذلك أَبو
اسحق. واسْتَجَنَّ فلانٌ إذا استَتَر بشيء. وجَنَّ المَيّتَ جَنّاً
وأَجَنَّه: ستَره؛ قال وقول الأَعشى:
ولا شَمْطاءَ لم يَتْرُك شَفاها
لها من تِسْعةٍ، إلاّع جَنينا.
فسره ابن دريد فقال: يعني مَدْفوناً أَي قد ماتوا كلهم فَجُنُّوا.
والجَنَنُ، بالفتح: هو القبرُ لسَتْرِه الميت. والجَنَنُ أَيضاً: الكفَنُ
لذلك. وأَجَنَّه: كفَّنَه؛ قال:
ما إنْ أُبالي، إذا ما مُتُّ،ما فعَلوا:
أَأَحسنوا جَنَني أَم لم يُجِنُّوني؟
أَبو عبيدة: جَنَنْتُه في القبر وأَجْنَنْتُه أَي وارَيتُه، وقد أَجنَّه
إذا قبَره؛ قال الأََعشى:
وهالِك أَهلٍ يُجِنُّونَه،
كآخَرَ في أَهْلِه لم يُجَنُّ.
والجَنينُ: المقبورُ. وقال ابن بري: والجَنَنُ الميت؛ قال كُثَيّر:
ويا حَبَّذا الموتُ الكريهُ لِحُبِّها
ويا حَبَّذا العيْشُ المُجمّلُ والجَنَنْ
قال ابن بري: الجَنَنُ ههنا يحتمل أَن يراد به الميتُ والقبرُ. وفي
الحديث: وَليَ دَفْنَ سَيّدِنا رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، وإِجْنانَه
عليٌّ والعباسُ، أَي دَفْنه وسَتْرَه. ويقال للقبر الجَنَنُ، ويجمع على
أَجْنانٍ؛ ومنه حديث علي، رضي الله عنه: جُعِل لهم من الصفيح أَجْنانٌ.
والجَنانُ، بالفتح: القَلْبُ لاستِتاره في الصدر، وقيل: لِوَعْيه الأَشْياء
وجَمْعِه لها، وقيل: الجَنانُ رُوعُ القلب، وذلك أَذْهَبُ في الخَفاءِ،
وربما سمّي الرُّوحُ جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّه. وقال ابن دريد: سمّيت
الرُّوح جَناناً لأَن الجسم يُجِنُّها فأَنَّث الروح، والجمع أَجْنانٌ؛ عن
ابن جني. ويقال: ما يستقرُّ جَنانُه من الفزَعِ. وأَجَنَّ عنه
واسْتَجَنَّ: استَتَر. قال شمر: وسمي القلبُ جَناناً لأَن الصدْرَ أَجَنَّه؛
وأَنشد لِعَدِيّ:
كلُّ حيّ تَقودُه كفُّ هادٍ
جِنَّ عينٍ تُعْشِيه ما هو لاقي.
الهادي ههنا: القَدَرُ. قال ابن الأَعرابي: جِنَّ عينٍ أَي ما جُنَّ عن
العين فلم تَرَه، يقول: المَنيَّةُ مستورةٌ عنه حتى يقع فيها؛ قال
الأَزهري: الهادي القَدَرُ ههنا جعله هادياً لأَنه تقدّم المنيَّة وسبَقها،
ونصبَ جِنَّ عينٍ بفعله أَوْقَعَه عليه؛ وأَنشد:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
(* قوله «ولا جن إلخ» صدره كما في تكملة الصاغاني: تحدثني عيناك ما
القلب كاتم).
ويروى: ولا جَنَّ، معناهما ولا سَتْر. والهادي: المتقدّم، أَراد أَن
القَدَر سابقُ المنيَّةِ المقدَّرة؛ وأَما قول موسى بن جابر الحَنفيّ:
فما نَفَرتْ جِنِّي ولا فُلَّ مِبْرَدي،
ولا أَصْبَحَتْ طَيْري من الخَوْفِ وُقَّعا.
فإنه أَراد بالجِنّ القَلْبَ، وبالمِبْرَدِ اللسانَ. والجَنينُ: الولدُ
ما دام في بطن أُمّه لاسْتِتاره فيه، وجمعُه أَجِنَّةٌ وأَجْنُنٌ، بإظهار
التضعيف، وقد جَنَّ الجنينُ في الرحم يَجِنُّ جَنّاً وأَجَنَّتْه
الحاملُ؛ وقول الفرزذق:
إذا غابَ نَصْرانِيُّه في جَنِينِها،
أَهَلَّتْ بحَجٍّ فوق ظهْر العُجارِم.
عنى بذلك رَحِمَها لأَنها مُسْتَتِرة، ويروى: إذا غاب نَصْرانيه في
جنيفها، يعني بالنَّصْرانيّ، ذكَر الفاعل لها من النصارى، وبجَنِيفِها:
حِرَها، وإنما جعله جَنيفاً لأَنه جزءٌ منها، وهي جَنيفة، وقد أَجَنَّت
المرأَة ولداً؛ وقوله أَنشد ابن الأَعرابي: وجَهَرتْ أَجِنَّةً لم تُجْهَرِ.
يعني الأَمْواهَ المُنْدَفِنةَ، يقول: وردَت هذه الإبلُ الماءَ
فكسَحَتْه حتى لم تدعْ منه شيئاً لِقِلَّتِه. يقال: جهَرَ البئرَ نزحَها.
والمِجَنُّ: الوِشاحُ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ. قال ابن سيده: وأُرى اللحياني قد
حكى فيه المِجَنَّة وجعله سيبويه فِعَلاً، وسنذكره، والجمع المَجانُّ،
بالفتح. وفي حديث السرقة: القَطْعُ في ثَمَنِ المِجَنِّ، هو التُّرْسُ
لأَنه يُواري حاملَه أَي يَسْتُره، والميم زائدة: وفي حديث علي، كرَّم الله
وجهَه: كتب إليَّ ابنُ عباسٍ قلَبْتَ لابنِ عَمِّكَ ظَهْرَ المِجَنِّ؛ قال
ابن الأَثير: هذه كلمة تُضْرَب مَثَلاً لمن كان لصاحبه على مودَّة أَو
رعايةٍ ثم حالَ عن ذلك. ابن سيده: وقَلَبْ فلانٌ مِجَنَّة أَي أَسقَط
الحياءَ وفعَل ما شاءَ. وقلَبَ أَيضاً مِجَنَّة: ملَك أَمرَه واستبدَّ به؛
قال الفرزدق: كيف تراني قالِباً مِجَنِّي؟
أَقْلِبُ أَمْري ظَهْرَه للبَطْنِ.
وفي حديث أَشراطِ الساعةِ: وُجوهُهم كالمَجانِّ المُطْرَقة، يعني
التُّرْكَ. والجُنَّةُ، بالضم: ما واراكَ من السِّلاح واسْتَتَرْتَ به منه.
والجُنَّةُ: السُّتْرة، والجمع الجُنَنُ. يقال: اسْتَجَنَّ بجُنَّة أَي
اسْتَتَر بسُتْرة، وقيل: كلُّ مستورٍ جَنِينٌ، حتى إنهم ليقولون حِقْدٌ
جَنينٌ وضِغْنٌ جَنينٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
يُزَمِّلونَ جَنِينَ الضِّغْن بينهمُ،
والضِّغْنُ أَسْوَدُ، أَو في وجْهِه كَلَفُ
يُزَمِّلون: يَسْتُرون ويُخْفُون، والجَنينُ: المَسْتُورُ في نفوسهم،
يقول: فهم يَجْتَهِدون في سَتْرِه وليس يَسْتَتِرُ، وقوله الضِّغْنُ
أَسْوَدُ، يقول: هو بيِّنٌ ظاهرٌ في وجوههم. ويقال: ما عليَّ جَنَنٌ إلا ما
تَرى أَي ما عليَّ شيءٌ
يُواريني، وفي الصحاح: ما عليَّ جَنانٌ إلاّ ما تَرى أَي ثوبٌ
يُوارِيني. والاجْتِنان؛ الاسْتِتار. والمَجَنَّة: الموضعُ الذي يُسْتَتر فيه.
شمر: الجَنانُ الأَمر الخفي؛ وأَنشد:
اللهُ يَعْلَمُ أَصحابي وقولَهُم
إذ يَرْكَبون جَناناً مُسْهَباً وَرِبا.
أَي يَرْكبون أَمْراً مُلْتَبِساً فاسداً. وأَجْنَنْتُ الشيء في صدري
أَي أَكْنَنْتُه. وفي الحديث: تُجِنُّ بَنانَه أَي تُغَطِّيه وتَسْتُره.
والجُّنَّةُ: الدِّرْعُ، وكل ما وَقاك جُنَّةٌ. والجُنَّةُ: خِرْقةٌ
تَلْبسها المرأَة فتغطِّي رأْسَها ما قبَلَ منه وما دَبَرَ غيرَ وسَطِه،
وتغطِّي الوَجْهَ وحَلْيَ الصدر، وفيها عَيْنانِ مَجُوبتانِ مثل عيْنَي
البُرْقُع. وفي الحديث: الصومُ جُنَّةٌ أَي يَقي صاحبَه ما يؤذِيه من الشهوات.
والجُنَّةُ: الوِقايةُ. وفي الحديث الإمامُ جُنَّةٌ، لأَنه يَقِي
المأْمومَ الزَّلَلَ والسَّهْوَ. وفي حديث الصدقة: كمِثْل رجُلين عليهما
جُنَّتانِ من حديدٍ أَي وِقايَتانِ، ويروى بالباء الموحدة، تَثْنِية جُبَّةِ
اللباس. وجِنُّ الناس وجَنانُهم: مُعْظمُهم لأَن الداخلَ فيهم يَسْتَتِر بهم؛
قال ابن أَحمر:
جَنانُ المُسْلِمين أَوَدُّ مَسّاً
ولو جاوَرْت أَسْلَمَ أَو غِفارا.
وروي:
وإن لاقَيْت أَسْلَم أَو غفارا.
قال الرِّياشي في معنى بيت ابن أَحمر: قوله أَوَدُّ مَسّاً أَي أَسهل
لك، يقول: إذا نزلت المدينة فهو خيرٌ لك من جِوار أَقارِبك، وقد أَورد
بعضهم هذا البيت شاهداً للجَنان السِّتْر؛ ابن الأَعرابي: جنَانُهم جماعتُهم
وسَوادُهم، وجَنانُ الناس دَهْماؤُهم؛ أَبو عمرو: جَنانُهم ما سَتَرك من
شيء، يقول: أَكون بين المسلمين خيرٌ لي، قال: وأَسْلَمُ وغفار خيرُ الناس
جِواراً؛ وقال الراعي يصف العَيْرَ:
وهابَ جَنانَ مَسْحورٍ تردَّى
به الحَلْفاء، وأْتَزَر ائْتِزارا.
قال: جنانه عينه وما واراه. والجِنُّ: ولدُ الجانّ. ابن سيده: الجِنُّ
نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار ولأَنهم
اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن، والجمع جِنانٌ، وهم الجِنَّة. وفي التنزيل
العزيز: ولقد عَلِمَت الجِنَّةُ إنهم لَمُحْضَرُون؛ قالوا: الجِنَّةُ ههنا
الملائكةُ عند قوم من العرب، وقال الفراء في قوله تعالى: وجعلوا بينَه وبين
الجِنَّةِ نَسَباً، قال: يقال الجِنَّةُ ههنا الملائكة، يقول: جعلوا بين
الله وبين خَلْقِه نَسَباً فقالوا الملائكةُ بناتُ الله، ولقد عَلِمَت
الجِنَّةُ أَن الذين قالوا هذا القولَ مُحْضَرون في النار. والجِنِّيُّ:
منسوبٌ إلى الجِنِّ أَو الجِنَّةِ. والجِنَّةُ: الجِنُّ؛ ومنه قوله تعالى:
من الجِنَّةِ والناسِ أَجمعين؛ قال الزجاج: التأْويلُ عندي قوله تعالى:
قل أَعوذ بربّ الناسِ ملِك الناسِ إله الناس من شَرِّ الوسواس الخَنَّاس
الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس من الجِنَّةِ، الذي هو من الجِن، والناس
معطوف على الوَسْوَاس، المعنى من شر الوسواس ومن شر الناس. الجوهري:
الجِنُّ خلاف الإنسِ، والواحد جنِّيٌّ، سميت بذلك لأَنها تخفى ولا تُرَى.
جُنَّ الرجلُ جُنوناً وأَجنَّه اللهُ، فهو مجنونٌ، ولا تقل مُجَنٌّ؛ وأَنشد
ابن بري:
رأَت نِضْوَ أَسْفار أُمَيَّةُ شاحِباً،
على نِضْوِ أَسْفارٍ، فَجُنَّ جُنونُها،
فقالت: من أَيِّ الناسِ أَنتَ ومَن تكن؟
فإِنك مَوْلى أُسْرةٍ لا يَدِينُها
وقال مُدرك بن حُصين:
كأَنَّ سُهَيْلاً رامَها، وكأَنها
حَليلةُ وخْمٍ جُنَّ منه جُنونها.
وقوله:
ويَحَكِ يا جِنِّيَّ، هل بَدا لكِ
أَن تَرْجِعِي عَقْلي، فقد أَنَى لكِ؟
إنما أَراد مَرْأَة كالجِنِّيَّة إمَّا في جمالها، وإما في تلَوُّنِها
وابتِدالها؛ ولا تكون الجِنِّيَّة هنا منسوبةً إلى الجِنِّ الذي هو خلاف
الإنس حقيقة، لأَن هذا الشاعر المتغزِّلَ بها إنْسيٌّ، والإنسيُّ لا
يَتعشَّقُ جنِّيَّة؛ وقول بدر بن عامر:
ولقد نطَقْتُ قَوافِياً إنْسِيّةً،
ولقد نَطقْتُ قَوافِيَ التَّجْنينِ.
أَراد بالإنْسِيَّة التي تقولها الإنْسُ، وأَراد بالتَّجْنينِ ما تقولُه
الجِنُّ؛ وقال السكري: أَراد الغريبَ الوَحْشِيّ. الليث: الجِنَّةُ
الجُنونُ أَيضاً. وفي التنزيل العزيز: أَمْ به جِنَّةٌ؛ والاسمُ والمصدرُ على
صورة واحدة، ويقال: به جِنَّةٌ وجنونٌ ومَجَنَّة؛ وأَنشد:
من الدَّارِميّينَ الذين دِماؤُهم
شِفاءٌ من الداءِ المَجَنَّة والخَبْل.
والجِنَّةُ: طائفُ الجِنِّ، وقد جُنَّ جَنّاً وجُنوناً واسْتُجِنَّ؛ قال
مُلَيح الهُذَليّ:
فلمْ أَرَ مِثْلي يُسْتَجَنُّ صَبابةً،
من البَيْن، أَو يَبْكي إلى غير واصِلِ.
وتَجَنَّن عليه وتَجانَّ وتجانَنَ: أَرَى من نفسِه أَنه مجنونٌ.
وأَجَنَّه الله، فهو مجنون، على غير قياس، وذلك لأَنهم يقولون جُنَّ، فبُني
المفعولُ من أَجنَّه الله على هذا، وقالوا: ما أَجنَّه؛ قال سيبويه: وقع
التعجبُ منه بما أَفْعَلَه، وإن كان كالخُلُق لأَنه ليس بلون في الجسد ولا
بِخِلْقة فيه، وإنما هو من نقْصان العقل. وقال ثعلب: جُنَّ الرجلُ وما
أَجنَّه، فجاء بالتعجب من صيغة فِعل المفعول، وإنما التعجب من صيغة فِعْل
الفاعل؛ قال ابن سيده: وهذا ونحوُه شاذٌّ. قال الجوهري: وقولهم في المَجْنون
ما أَجَنَّه شاذٌّ لا يقاس عليه، لأَنه لا يقال في المضروب ما
أَضْرَبَه، ولا في المَسْؤول ما أَسْأَلَه. والجُنُنُ، بالضم: الجُنونُ، محذوفٌ
منه الواوُ؛ قال يصف الناقة:
مِثْل النَّعامةِ كانت، وهي سائمةٌ،
أَذْناءَ حتى زَهاها الحَيْنُ والجُنُنُ
جاءت لِتَشْرِيَ قَرْناً أَو تُعَوِّضَه،
والدَّهْرُ فيه رَباحُ البَيْع والغَبَنُ.
فقيل، إذْ نال ظُلْمٌ ثُمَّتَ، اصْطُلِمَتْ
إلى الصَّماخِ، فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ.
والمَجَنَّةُ: الجُنُونُ. والمَجَنَّةُ: الجِنُّ. وأَرضُ مَجَنَّةٌ:
كثيرةُ الجِنِّ؛ وقوله:
على ما أَنَّها هَزِئت وقالت
هَنُون أَجَنَّ مَنْشاذا قريب.
أَجَنَّ: وقع في مَجَنَّة، وقوله هَنُون، أَراد يا هنون، وقوله مَنْشاذا
قريب، أَرادت أَنه صغيرُ السِّنّ تَهْزَأ به، وما زائدة أَي على أَنها
هَزِئَت. ابن الأَعرابي: باتَ فلانٌ ضَيْفَ جِنٍّ أَي بمكان خالٍ لا أَنيس
به؛ قال الأَخطل في معناه:
وبِتْنا كأَنَّا ضَيْفُ جِنٍّ بِلَيْلة.
والجانُّ: أَبو الجِنِّ خُلق من نار ثم خلق منه نَسْلُه. والجانُّ:
الجنُّ، وهو اسم جمع كالجامِل والباقِر. وفي التنزيل العزيز: لم
يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانّ. وقرأَ عمرو بن عبيد: فيومئذ لا يُسْأَل عن
ذَنْبِه إنْسٌ قَبْلَهم ولا جأَنٌّ، بتحريك الأَلف وقَلْبِها همزةً، قال:
وهذا على قراءة أَيوب السَّخْتِيالي: ولا الضَّأَلِّين، وعلى ما حكاه أَبو
زيد عن أَبي الإصبغ وغيره: شأَبَّة ومأَدَّة؛ وقول الراجز:
خاطِمَها زأَمَّها أَن تَذْهَبا
(* قوله «خاطمها إلخ» ذكر في الصحاح:
يا عجباً وقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأَمها أن تذهبا * فقلت أردفني فقال مرحبا).
وقوله:
وجلَّه حتى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهْ وعلى ما أَنشده أَبو علي لكُثيّر:
وأَنتَ، ابنَ لَيْلَى، خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهداً،
إذا ما احْمأََرَّت بالعَبِيطِ العَوامِلُ.
وقول عِمْران بن حِطَّان الحَرُورِيّ:
قد كنتُ عندَك حَوْلاً لا تُرَوِّعُني
فيه رَوائع من إنْسٍ ولا جاني.
إنما أَراد من إنسٍ ولا جانٍّ فأَبدل الونَ الثانية ياءً؛ وقال ابن جني:
بل حذف النونَ الثانية تخفيفاً. وقال أَبو إسحق في قوله تعالى:
أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ؛ روي أَن خَلْقاً يقال
لهم الجانُّ كانوا في الأَرض فأَفسَدوا فيا وسفَكوا الدِّماء فبعث اللهُ
ملائكتَه أَجْلَتْهم من الأَرض، وقيل: إن هؤلاء الملائكةَ صارُوا سُكَّانَ
الأَرض بعد الجانِّ فقالوا: يا رَبَّنا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسِد
فيها. أَبو عمرو: الجانُّ من الجِنِّ، وجمعُه جِنَّانٌ مثل حائطٍ وحِيطانٍ،
قال الشاعر:
فيها تَعَرَّفُ جِنَّانُها
مَشارِبها داثِرات أُجُنْ.
وقال الخَطَفَى جَدّ جرير يصف إبلاً:
يَرْفَعْنَ بالليل، إذا ما أَسْدَفا،
أَعْناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا.
وفي حديث زيد بن مقبل: جِنَّان الجبال أَي يأْمرون بالفَساد من شياطين
الإنس أَو من الجنِّ. والجِنَّةُ، بالكسر: اسمُ الجِنّ. وفي الحديث: أَنه
نَهى عن ذبائح الجِنّ، قال: هو أَن يَبْنِيَ الرجلُ الدارَ فإذا فرغ من
بِنائها ذَبح ذَبيحةً، وكانوا يقولون إذا فُعل ذلك لا يَضُرُّ أَهلَها
الجِنُّ. وفي حديث ماعزٍ: أَنه، صلى الله عليه وسلم: سأَل أَهلَه عنه فقال:
أَيَشْتَكي أَم به جِنَّةٌ؟ قالوا: لا؛ الجِنَّةُ، بالكسر: الجُنونُ. وفي
حديث الحسن: لو أَصاب ابنُ آدمَ في كلِّ شيء جُنَّ أَي أُعْجِبَ بنفسِه
حتى يصير كالمَجْنون من شدَّةِ إِعْجابِه؛ وقال القتيبي: وأَحْسِبُ قولَ
الشَّنْفَرى من هذا:
فلو جُنَّ إنْسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ.
وفي الحديث: اللهم إني أَعوذ بك من جُنونِ العَمَلِ أَي من الإعْجابِ
به، ويؤكِّد هذا حديثُه الآخر: أَنه رأَى قوماً مجتمعين على إنسان فقال: ما
هذا؟ فقالوا: مَجْنونٌ، قال: هذا مُصابٌ، إنما المَجْنونُ الذي يَضْرِبُ
بِمَنْكِبَيه وينظرُ في عَطْفَيْه ويتَمَطَّى في مِشْيَتِه. وفي حديث
فَضالة: كان يَخِرُّ رجالٌ من قامَتِهم في الصلاة من الخَصاصةِ حتى يقولَ
الأَعْرابُ مجانين أَو مَجانُون؛ المَجانِينُ: جمعُ تكسيرٍ لمَجْنونٍ،
وأَما مَجانون فشاذٌّ كما شذَّ شَياطُون في شياطين، وقد قرئ: واتَّبَعُوا
ما تَتْلُو الشَّياطون. ويقال: ضلَّ ضَلالَه وجُنَّ جُنونَه؛ قال الشاعر:
هَبَّتْ له رِيحٌ فجُنَّ جُنونَه،
لمَّا أَتاه نَسِيمُها يَتَوَجَّسُ.
والجانُّ: ضرْبٌ من الحيَّاتِ أَكحَلُ العَيْنَين يَضْرِب إلى الصُّفْرة
لا يؤذي، وهو كثير في بيوت الناس. سيبويه: والجمعُ جِنَّانٌ؛ وأَنشد بيت
الخَطَفَى جدّ جرير يصف إبلاً:
أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا،
وعَنَقاً بعدَ الرَّسيم خَيْطَفا.
وفي الحديث: أَنه نهَى عن قَتْلِ الجِنَّانِ، قال: هي الحيَّاتُ التي
تكون في البيوت، واحدها جانٌّ، وهو الدقيقُ الخفيف: التهذيب في قوله تعالى:
تَهْتَزُّ كأَنَّها جانٌّ، قال: الجانُّ حيَّةٌ بيضاء. أَبو عمرو:
الجانُّ حيَّةٌ، وجمعُه جَوانٌ، قال الزجاج: المعنى أَن العصا صارت تتحرَّكُ
كما يتحرَّكُ الجانُّ حركةً خفيفةً، قال: وكانت في صورة ثُعْبانٍ، وهو
العظيم من الحيَّاتِ، ونحوَ ذلك قال أَبو العباس، قال: شبَّهها في عِظَمِها
بالثعْبانِ وفي خِفَّتِها بالجانِّ، ولذلك قال تعالى مرَّة: فإذا هي
ثُعْبانٌ، ومرَّة: كأَنها جانٌّ؛ والجانُّ: الشيطانُ أَيضاً. وفي حديث زمزم:
أَن فيها جِنَّاناً كثيرةً أَي حيَّاتٍ، وكان أَهلُ الجاهليَّة يسمّون
الملائكةُ، عليهم السلام، جِنّاً لاسْتِتارِهم عن العيون؛ قال الأَعشى يذكر
سليمان، عليه السلام:
وسَخَّرَ من جِنِّ الملائِكِ تِسعةً،
قِياماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بلا أَجْرِ.
وقد قيل في قوله عز وجل: إلا إبليس كان من الجنِّ؛ إنه عَنى الملائكة،
قال أَبو إسحق: في سِياق الآية دليلٌ على أَن إبليس أُمِرَ بالسجود مع
الملائكة، قال: وأَكثرُ ما جاء في التفسير أَن إبليس من غير الملائكة، وقد
ذكر الله تعالى ذلك فقال: كان من الجنّ؛ وقيل أَيضاً: إن إبليس من الجنّ
بمنزلة آدمَ من الإنس، وقد قيل: إن الجِنّ ضرْبٌ من الملائكة كانوا
خُزَّانَ الأَرض، وقيل: خُزّان الجنان، فإن قال قائل: كيف استَثْنَى مع ذكْر
الملائكة فقال: فسجدوا إلا إبليس، كيف وقع الاستثناء وهو ليس من الأَول؟
فالجواب في هذا: أَنه أَمَره معهم بالسجود فاستثنى مع أَنه لم يَسْجُد،
والدليلُ على ذلك أَن تقول أَمَرْتُ عَبْدي وإخْوتي فأَطاعوني إلا عَبْدي،
وكذلك قوله تعالى: فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين، فرب العالمين ليس من
الأَول، لا يقد أَحد أَن يعرف من معنى الكلام غير هذا؛ قال: ويَصْلُحُ
الوقفُ على قوله ربَّ العالمين لأَنه رأْسُ آيةٍ، ولا يحسُن أَن ما بعده
صفةٌ له وهو في موضع نصب. ولا جِنَّ بهذا الأَمرِ أَي لا خَفاءِ؛ قال الهذلي:
ولا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ
فأَما قول الهذلي:
أَجِنِي، كلَّما ذُكِرَتْ كُلَيْبٌ،
أَبِيتُ كأَنني أُكْوَى بجَمْر.
فقيل: أَراد بجِدِّي، وذلك أَن لفظ ج ن إنما هو موضوع للتستُّر على ما
تقدم، وإنما عبر عنه بجنِّي لأَن الجِدَّ مما يُلابِسُ الفِكْرَ ويُجِنُّه
القلبُ، فكأَنَّ النَّفْسَ مُجِنَّةٌ له ومُنْطوية عليه. وقالت امرأَة
عبد الله بن مسعود له: أَجَنَّك من أَصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛
قال أَبو عبيد: قال الكسائي وغيره معناه من أَجْلِ أَنك فترَكَتْ مِنْ،
والعرب تفعل ذلك تدَعُ مِن مع أَجْل، كما يقال فعلتُ ذلك أَجْلَك
وإِجْلَك، بمعنى مِن أَجْلِك، قال: وقولها أَجَنَّك، حذفت الأَلف واللام
وأُلْقِيَت فتحةُ الهمزة على الجيم كما قال الله عز وجل: لكنَّا هو الله ربِّي؛
يقال: إن معناه لكنْ أَنا هو الله ربِّي فحذف الأَلف، والتقى نُونانِ
فجاء التشديد، كما قال الشاعر أَنشده الكسائي:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيّة لَوَسيمةٌ
على هَنَواتٍ كاذِبٍ مَنْ يَقُولُها
أَراد لله إنَّك، فحذف إحدى اللامَينِ من لله، وحذَفَ الأَلف من إنَّك،
كذلك حُذِفَتْ اللامُ من أَجل والهمزةُ من إنَّ؛ أَبو عبيد في قول عدي
ابن زيد:
أَجْلَ أَنَّ اللهَ قد فَضَّلَكم،
فوقَ مَن أَحْكى بصُلْبٍ وإزار.
الأَزهري قال: ويقال إجْل وهو أَحبُّ إلي، أَراد من أجّل؛ ويروى:
فوق مَن أَحكأَ صلباً بإزار.
أَراد بالصلْب الحَسَبَ، وبالإزارِ العِفَّةَ، وقيل: في قولهم أَجِنَّك
كذا أَي من أَجلِ أَنك فحذفوا الأَلف واللام اختصاراً، ونقلوا كسرة اللام
إلى الجيم؛ قال الشاعر:
أَجِنَّكِ عنْدي أَحْسَنُ الناسِ كلِّهم،
وأَنكِ ذاتُ الخالِ والحِبَراتِ.
وجِنُّ الشَّبابِ: أَوَّلُه، وقيل: جِدَّتُه ونشاطُه. ويقال: كان ذلك في
جِنِّ صِباه أَي في حَدَاثَتِه، وكذلك جِنُّ كلِّ شيء أَوَّلُ شِدّاته،
وجنُّ المرَحِ كذلك؛ فأَما قوله:
لا يَنْفُخُ التَّقْريبُ منه الأَبْهَرا،
إذا عَرَتْه جِنُّه وأَبْطَرا.
قد يجوز أَن يكون جُنونَ مَرَحِه، وقد يكونُ الجِنُّ هنا هذا النوع
المُسْتَتِر عن العَين أَي كأَنَّ الجِنَّ تَسْتَحِثُّه ويُقوِّيه قولُه
عَرَتْه لأَن جنَّ المرَح لا يؤَنَّث إنما هو كجُنونه، وتقول: افْعَلْ ذلك
الأَمرَ بجِنِّ ذلك وحِدْثانِه وجِدِّه؛ بجِنِّه أَي بحِدْثانِه؛ قال
المتنخل الهذلي:
كالسُّحُل البيضِ جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ
أَرْوَى بجِنِّ العَهْدِ سَلْمَى، ولا
يُنْصِبْكَ عَهْدُ المَلِقِ الحُوَّلِ.
يريد الغيثَ الذي ذكره قبل هذا البيت، يقول: سقى هذا الغيثُ سَلْمى
بحِدْثانِ نُزولِه من السحاب قَبْل تغيُّره، ثم نهى نفسَه أَن يُنْصِبَه
حُبُّ من هو مَلِقٌ. يقول: من كان مَلِقاً ذا تَحوُّلٍ فَصَرَمَكَ فلا
ينْصِبْكَ صَرْمُه. ويقال: خُذ الأَمرَ بجِنِّه واتَّقِ الناقةَ فإِنها بجِنِّ
ضِراسِها أَي بحِدْثانِ نتاجِها. وجِنُّ النَّبْتِ: زَهْرُه ونَوْرُه،
وقد تجنَّنَتْ الأَرضُ وجُنَّتْ جُنوناً؛ قال:
كُوم تَظاهرَ نِيُّها لمّا رَعَتْ
رَوْضاً بِعَيْهَمَ والحِمَى مَجْنوناً
وقيل: جُنَّ النَّبْتُ جُنوناً غلُظ واكْتَهل. وقال أَبو حنيفة: نخلة
مَجْنونة إذا طالت؛ وأَنشد:
يا رَبِّ أَرْسِلْ خارِفَ المَساكِينْ
عَجاجةً ساطِعَةَ العَثانِينْ
تَنْفُضُ ما في السُّحُقِ المَجانِينْ.
قال ابن بري: يعني بخارفِ المساكين الريحَ الشديدةَ التي تنفُض لهم
التَّمْرَ من رؤُوس النخل؛ ومثله قول الآخر:
أَنا بارِحُ الجَوْزاءِ، ما لَك لا تَرى
عِيالَكَ قد أَمْسَوا مَرامِيلَ جُوَّعاً؟
الفراء: جُنَّت الأَرض إذا قاءتْ بشيء مُعْجِبٍ؛ وقال الهذلي:
أَلَمَّا يَسْلم الجِيرانُ منهم،
وقد جُنَّ العِضاهُ من العَميم.
ومرَرْتُ على أَرضِ هادِرة مُتَجَنِّنة: وهي التي تُهال من عشبها وقد
ذهب عُشْبها كلَّ مذهب. ويقال: جُنَّت الأَرضُ جُنوناً إذا اعْتَمَّ نبتها؛
قال ابن أَحمر:
تَفَقَّأَ فوقَه القَلَعُ السَّواري،
وجُنَّ الخازِبازِ به جُنونا.
جُنونُه: كثرةُ تَرَنُّمه في طَيَرانِه؛ وقال بعضهم: الخازِ بازِ
نَبْتٌ، وقيل: هو ذُبابٌ. وجنون الذُّباب: كثرةُ تَرَنُّمِه. وجُنَّ الذُّبابُ
أَي كثُرَ صوته. وجُنونُ النَّبْت: التفافُه؛ قال أَبو النجم:
وطالَ جَنُّ السَّنامِ الأَمْيَلِ.
أَراد تُمُوكَ السَّنامِ وطولَه. وجُنَّ النبتُ جُنوناً أَي طالَ
والْتَفَّ وخرج زهره؛ وقوله:
وجُنَّ الخازِ بازِ به جُنونا.
يحتمل هذين الوجهين. أَبو خيرة: أَرضٌ مجنونةٌ مُعْشِبة لم يَرْعَها
أَحدٌ. وفي التهذيب: شمر عن ابن الأَعرابي: يقال للنخل المرتفع طولاً
مجنونٌ، وللنبتِ الملتَفّ الكثيف الذي قد تأَزَّرَ بعضُه في بعض مجنونٌ.
والجَنَّةُ: البُسْتانُ، ومنه الجَنّات، والعربُ تسمِّي النخيلَ
جَنَّةً؛ قال زهير:
كأَنَّ عينيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلــةٍ،
من النَّواضِح، تَسْقي جَنَّةً سُحُقاً.
والجَنَّةُ: الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص،
ويقال للنخل وغيرها. وقال أَبو علي في التذكرة: لا تكون الجَنَّة في كلام
العرب إلا وفيها نخلٌ
وعنبٌ، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجَنَّةٍ،
وقد ورد ذكرُ الجَنَّة في القرآن العزيز والحديث الكريم في غير موضع.
والجَنَّةُ: هي دارُ النعيم في الدار الآخرة، من الاجْتنان، وهو السَّتْر
لتَكاثُفِ أَشْجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها، قال: وسميت بالجَنَّة
وهي المرَّة الواحدة من مَصْدر جَنَّة جَنّاً إذا ستَرَه، فكأَنها ستْرةٌ
واحدةٌ لشدَّةِ التِفافِها وإظْلالِها؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي وزعمَ
أَنه للبيد:
دَرَى باليَسَارَى جَنَّةً عَبْقَرِيَّةً،
مُسَطَّعةَ الأَعْناق بُلْقَ القَوادِم.
قال: يعني بالجَنَّة إبلاً كالبُسْتان، ومُسطَّعة: من السِّطاع وهي
سِمةٌ في العنق، وقد تقدم. قال ابن سيده: وعندي أَنه جِنَّة، بالكسر، لأَنه
قد وصف بعبقرية أَي إبلاً مثل الجِنة في حِدَّتها ونفارها، على أَنه لا
يبعد الأَول، وإن وصفها بالعبقرية، لأَنه لما جعلها جَنَّة اسْتَجازَ أَن
يَصِفَها بالعبقريّة، قال: وقد يجوز أَن يعني به ما أَخرج الربيعُ من
أَلوانِها وأَوبارها وجميل شارَتِها، وقد قيل: كلُّ جَيِّدٍ عَبْقَرِيٌّ،
فإذا كان ذلك فجائز أَن يوصَف به الجِنَّة وأَن يوصف به الجَنَّة.
والجِنِّيَّة: ثياب معروفة
(* قوله «والجنية ثياب معروفة» كذا في التهذيب. وقوله
«والجنية مطرف إلخ» كذا في المحكم بهذا الضبط فيهما. وفي القاموس:
والجنينة مطرف كالطيلسان اهـ. أي لسفينة كما في شرح القاموس). والجِنِّيّةُ:
مِطْرَفٌ مُدَوَّرٌ على خِلْقة الطَّيْلَسان تَلْبَسُها النساء. ومَجَنَّةُ:
موضعٌ؛ قال في الصحاح: المَجَنَّةُ اسمُ موضع على أَميال من مكة؛ وكان
بِلالٌ يتمثَّل بقول الشاعر:
أَلا ليْتَ شِعْري هل أَبِيتَنَّ ليلةً
بمكةَ حَوْلي إذْ خِرٌ وجَليلُ؟
وهل أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَنَّةٍ؟
وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ؟
وكذلك مِجَنَّة؛ وقال أَبو ذؤَيب:
فوافَى بها عُسْفانَ، ثم أَتى بها
مِجَنَّة، تَصْفُو في القِلال ولا تَغْلي.
قال ابن جني: يحتمل مَجَنَّةُ وَزْنَين: أَحدهما أَن يكون مَفْعَلة من
الجُنون كأَنها سميت بذلك لشيء يتصل بالجِنِّ أَو بالجِنَّة أَعني
البُسْتان أَو ما هذا سَبيلُه، والآخر أَن يكون فَعَلَّةً من مَجَنَ يَمْجُن
كأَنها سمِّيت بذلك لأَن ضَرْباً من المُجون كان بها، هذا ما توجبُه صنعةُ
عِلْمِ العرب، قال: فأَما لأَيِّ الأَمرَينِ وقعت التسمية فذلك أَمرٌ
طريقه الخبر، وكذلك الجُنَيْنة؛ قال:
مما يَضُمُّ إلى عِمْرانَ حاطِبُه،
من الجُنَيْنَةِ، جَزْلاً غيرَ مَوْزون.
وقال ابن عباس، رضي الله عنه: كانت مَجَنَّةٌ وذو المَجاز وعُكاظ
أَسواقاً في الجاهليَّة. والاسْتِجْنانُ: الاسْتِطْراب. والجَناجِنُ: عِظامُ
الصدر، وقيل: رؤُوسُ الأَضْلاع، يكون ذلك للناس وغيرهم؛ قال الأَسَْقَرُ
الجُعْفِيّ:
لكن قَعِيدةَ بَيْتِنا مَجْفُوَّةٌ،
بادٍ جَناجِنُ صَدْرِها ولها غِنا.
وقال الأعشى:
أَثَّرَتْ في جَناجِنٍ، كإِران الـ
ـمَيْت، عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ.
واحدها جِنْجِنٌ وجَنْجَنٌ، وحكاه الفارسي بالهاء وغير الهاء: جِنْجِن
وجِنْجِنة؛ قال الجوهري: وقد يفتح؛ قال رؤبة:
ومن عَجارِيهنَّ كلُّ جِنْجِن.
وقيل: واحدها جُنْجون، وقيل: الجَناجِنُ أَطرافُ الأَضلاع مما يلي قَصَّ
الصَّدْرِ وعَظْمَ الصُّلْب. والمَنْجَنُونُ: الدُّولابُ التي يُسْتَقى
عليها، نذكره في منجن فإِن الجوهري ذكره هنا، وردَّه عليه ابنُ الأَعرابي
وقال: حقُّه أَن يذكر في منجن لأَنه رباعي، وسنذكره هناك.
كهب: الكُهْبَةُ: غُبرة مُشْرَبةٌ سواداً في أَلوان الإِبل، زاد
الأَزهري: خاصة.
بعير أَكْهَبُ: بَيِّن الكَهَب، وناقة كَهْباء. الجوهري: الكُهْبة لونٌ
مثل القُهبة. قال أَبو عمرو: الكُهبة لون ليس بخالصٍ في الـحُمرة، وهو في الـحُمْرة خاصَّةً. وقال يعقوب: الكُهْبة لونٌ إِلى الغُبرة ما هو، فلم يَخُصَّ شيئاً دون شيء. قال الأَزهري: لم أَسمع الكُهْبة في أَلوان الإِبل، لغير الليث؛ قال: ولعله يُسْتَعْمَلُ في أَلوان الثيابِ. الأَزهري: قال ابن الأَعرابي: وقيل الكَهَبُ لونُ الجاموسِ، والكُهْبةُ: الدُّهْمة؛ والفعل من كل ذلك
كَهِبَ وكَهُبَ كَهَباً وكُهْبةً، فهو أَكْهَبُ، وقد قيل: كاهِبٌ؛ وروى بيت ذي الرُّمَّة:
جَنُوحٌ على باقٍ سَحِـيقٍ، كأَنـَّهُ * إِهابُ ابنِ آوى كاهِبُ اللَّوْنِ أَطْحَلُهْ
ويروى: أَكْهَبُ.
كتت: كَتَّتِ القِدْرُ والجَرَّةُ ونحوُهما تَكِتُّ كَتِيتاً إِذا
غَلَتْ، وهو صوتُ الغَلَيان؛ وقيل: هو صوتُها إِذا قَلَّ ماؤُها، وهو أَقَلُّ
صَوْتاً وأَخْفَضُ حالاً من غَلَيانها إِذا كثُر ماؤُها، كأَنها تقول:
كَتْ كَتْ، وكذلك الجَرَّة الحديدُ إِذا صُبَّ فيها الماءُ. وكَتَّ النبيذُ
وغيرُه كَتّاً وكَتِيتاً: ابْتَدأَ غَلَيانُه قبل أَن يَشْتَدَّ.
والكَتِيتُ: صوتُ البَكْرِ، وهو فوق الكَشِيشِ. وكَتَّ البَكْرُ يَكِتُّ
كَتّاً وكَتِيتاً إِذا صاحَ صِياحاً لَيِّناً، وهو صَوتٌ بين الكَشِيشِ
والهَديرِ. وقيل: الكَتِيتُ ارتفاع البَكْرِ عن الكَشِيشِ، وهو أَوَّل
هَديره. الأَصمعي: إِذا بلغ الذَّكَرُ من الإِبل الهَدير، فأَوّله
الكَشِيشُ، فإِذا ارْتَفع قليلاً، فهو الكَتِيتُ؛ قال الليث: يَكِتُّ، ثم
يَكِشُّ، ثم يَهْدِرُ. قال الأَزهري: والصواب ما قال الأَصمعي. والكَتِيتُ: صوتٌ
في صَدْر الرجل يُشْبِهُ صوتَ البَكارة، من شدَّةِ الغَيْظ؛ وكَتَّ
الرجُلُ من الغَضَب. وفي حديث وَحْشِيٍّ ومَقْتلِ حمزة، وهو مُكَبِّسٌ: له
كَتِيتٌ أَي هديرٌ وغَطيط. وفي حديث أَبي قتادة: فتَكاتَّ الناسُ على
المِيضَأَة، فقال: أَحْسِنُوا المَلْءَ، فكُلُّكُمْ سَيَرْوَى. التَّكاتُّ:
التَّزاحُمُ مع صَوتٍ، وهو من الكَتِيتِ الهَدير والغَطِيط. قال ابن
الأَثير: هكذا رواه الزمخشري وشرحه،والمحفوظُ تَكابَّ، بالباء الموحدة، وقد مضى
ذكره.
وكَتَّ القومَ يَكُتُّهم كَتّاً: عَدَّهم وأَحْصاهم، وأَكثرُ ما
يستعملونه في النفي، يقال: أَتانا في جَيشٍ ما يُكَتُّ أَي ما يُعْلَمُ عَدَدُهم
ولا يُحْصَى؛ قال:
إِلاَّ بِجَيْشٍ، ما يُكَتُّ عَدِيدُه،
سُودِ الجُلُودِ، من الحديدِ، غِضابِ
وفي المثل: لا تَكُتُّه أَو تَكُتُّ النجومَ أَي لا تَعُدُّه ولا
تُحْصِيه. ابن الأَعرابي: جَيْشٌ لا يُكَتُّ أَي لا يُحْصَى، ولا يُسْهَى أَي
لا يُحْزَرُ، ولا يُنْكَفُ أَي لا يُقْطَعُ. وفي حديث حُنَين: قد جاء جيش
لا يُكَتُّ، ولا يُنْكَفُ أَي لا يُحْصى، ولا يُبْلَغُ آخِرُه.
والكَتُّ: الإِحْصاءُ.
وفَعَل به ما كَتَّه أَي ما ساءَه.
ورجل كَتٌّ: قليلُ اللحم؛ ومَرْأَةٌ كَتٌّ، بغير هاء. ورجل كَتِيتٌ:
بخيل؛ قال عمرو بن هُمَيْل اللحياني:
تَعَلَّمْ أَنَّ شَرَّ فَتَى أُناسٍ
وأَوضَعَه، خُزاعِيٌّ كَتِيتُ
إِذا شَرِبَ المُرِضَّةَ قال: أَوكي
على ما في سِقائِكِ، قد رَوِيتُ
وفي التهذيب: هو الكَتِيتة واللَّوِيَّة والمَعْصُودة والضَّويطَة؛
والكَتِيتُ: الرجلُ البخيلُ السيّء الخُلُق المُغْتاظُ؛ وأَورد هذين البيتين
ونسبهما لبعض شعراء هُذَيل، ولم يُسَمِّه. ويقال: إِنه لكَتِيتُ اليَدَين
أَي بخيلٌ؛ قال ابن جني: أَصلُ ذلك من الكَتيتِ الذي هو صَوتُ غَلَيانِ
القِدْرِ.
وكَتَّ الكلامَ في أُذنه يَكُتُّه كَتّا: سارَّه به، كقولك: قَرَّ
الكلامَ في أُذُنِه. ويقال: كُتَّني الحديثَ وأَكِتَّنِيه، وقُرَّني
وأَقِرَّنِيه أَي أَخْبرْنِيه كما سمعتَه. ومِثْله فِرَّني وأَفِرَّنِيه،
وقُذَّنِيه. وتقول: اقْتَرَّه مني يا فلانُ، واقْتَذَّه، واكْتَتَّه أَي اسمعه
مني كما سمِعتُه. التهذيب عن اللحياني عن أَعرابي فصيح، قال له: ما
تَصْنَعُ بي؟ قال: ما كَتَّكَ وعَظاكَ وأَوْرَمَك وأَرْغَمكَ، بمعنى
واحد.والكَتْكَتةُ: صَوْتُ الحُبَارَى. ورجل كَتْكاتٌ: كثير الكلام، يُسْرِعُ
الكلامَ ويُتْبِعُ بعضَه بعضاً.
والكَتِيتُ والكَتْكَتَةُ: المَشْيُ رُوَيْداً. والكَتِيتُ والكَتْكَتة:
تَقَارُبُ الخَطْوِ في سُرْعةٍ، وإِنه لكَتْكاتٌ، وقد تَكَتْكَتَ.
والكَتْكَتةُ في الضحك: دون القَهْقَهة.
وكَتْكَتَ الرجلُ: ضَحِكَ ضَحِكاً دُوناً؛ قال ثعلب: وهو مثلُ الخَنين.
الأَحمر: كَتْكَتَ فلانٌ بالضك كَتْكَتَةً، وهو مثل الخَنينِ.
الفراء: الكُتَّة شَرَطُ المال وقَزَمُه، وهو رُذالُه. وفي الحديث
ذِكْرُ كُتاتَة، وهي بضم الكاف، وتخفيف التاء الأُولى: ناحية من أَعراض
المدينة لآل جَعْفر بن أَبي طالب، عليه وعليهم السلام.
كثر: الكَثْرَةُ والكِثْرَةُ والكُثْرُ: نقيض القلة. التهذيب: ولا تقل
الكِثْرَةُ، بالكسر، فإِنها لغة رديئة، وقوم كثير وهم كثيرون. الليث:
الكَثْرَة نماء العدد. يقال: كَثُرَ الشيءُ يَكْثُر كَثْرَةً، فهو كَثِيرٌ.
وكُثْرُ الشيء: أَكْثَرُه، وقُلُّه: أَقله. والكُثْرُ، بالضم، من المال:
الكثيرُ؛ يقال: ما له قُلٌّ ولا كُثْرٌ؛ وأَنشد أَبو عمرو لرجل من
ربيعة:فإِنَّ الكُثْرَ أَعياني قديماً،
ولم أُقْتِرْ لَدُنْ أَنِّي غُلامُ
قال ابن بري: الشعر لعمرو بن حَسَّان من بني الحرث ابن هَمَّام؛ يقول:
أَعياني طلبُ الكثرة من المال وإِن كنتُ غيرَ مُقْتِرٍ من صِغَرِي إِلى
كِبَرِي، فلست من المُكْثِرِين ولا المُقْتِرِين؛ قال: وهذا يقوله لامرأَته
وكانت لامته في نابين عقرهما لضيف نزل به يقال له إِساف فقال:
أَفي نابين نالهما إِسافٌ
تَأَوَّهُ طَلَّتي ما أَن تَنامُ؟
أَجَدَّكِ هل رأَيتِ أَبا قُبَيْسٍ،
أَطالَ حَياتَه النَّعَمُ الرُّكامُ؟
بَنى بالغَمْرِ أَرْعَنَ مُشْمَخِرًّا،
تَغَنَّى في طوئقِه الحَمامُ
تَمَخَّضَت المَنُونُ له بيَوْمٍ
أَنَى، ولكلِّ حامِلَةٍ تَمامُ
وكِسْرى، إِذ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ
بأَسيافٍ، كما اقْتُسِمَ اللِّحامُ
قوله: أَبا قبيس يعني به النعمان بن المنذر وكنيته أَبو قابوس فصغره
تصغير الترخيم. والركام: الكثير؛ يقول: لو كانت كثرة المال تُخْلِدُ أَحداً
لأَخْلَدَتْ أَبا قابوس. والطوائق: الأَبنية التي تعقد بالآجُرِّ. وشيء
كَثِير وكُثارٌ: مثل طَويل وطُوال. ويقال: الحمد على القُلِّ والكُثْرِ
والقِلِّ والكِثْرِ. وفي الحديث: نعم المالُ أَربعون والكُثْرُ سِتُّون؛
الكُثْرُ، بالضم: الكثير كالقُلِّ في القليل، والكُثْرُ معظم الشيء
وأَكْثَرُه؛ كَثُرَ الشيءُ كَثارَةً فهو كَثِير وكُثارٌ وكَثْرٌ. وقوله تعالى:
والْعَنْهم لَعْناً كثيراً، قال ثعلب: معناه دُمْ عليه وهو راجع إِلى
هذا لأَنه إِذا دام عليه كَثُرَ. وكَثَّر الشيءَ: جعله كثيراً. وأَكْثَر:
أَتى بكَثِير، وقيل: كَثَّرَ الشيء وأَكْثَره جعله كَثيراً. وأَكْثَر اللهُ
فينا مِثْلَكَ: أَدْخَلَ ؛ حكاه سيبويه. وأَكثَر الرجلُ أَي كَثُر مالُه.
وفي حديث الإِفْك: ولها ضَرائِرُ إِلا كَثَّرْنَ فيها أَي كَثَّرْنَ
القولَ فيها والعَنَتَ لها؛ وفيه أَيضاً: وكان حسانُ ممن كَثَّرَ عليها،
ويروى بالباء الموحدة، وقد تقدّم. ورجل مُكْثِرٌ: ذو كُثْرٍ من المال؛
ومِكْثارٌ ومِكْثير: كثير الكلام، وكذلك الأُنثى بغير هاء؛ قال سيبويه: ولا
يجمع بالواو والنون لأَن مؤنثه لا تدخله الهاء. والكاثِرُ: الكَثِير.
وعَدَدٌ كاثِرٌ: كَثِير؛ قال الأَعشى:
ولَسْتُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى،
وإِنما العِزَّةُ للكاثِرِ
الأَكثر ههنا بمعنى الكثير، وليست للتفضيل، لأَن الأَلف واللام ومن
يتعاقبان في مثل هذا؛ قال ابن سيده: وقد يجوز أَن تكون للتفضيل وتكون من غير
متعلقة بالأَكثر، ولكن على قول أَوْسِ بن حَجَرٍ:
فإِنَّا رَأَيْنا العِرْضَ أَحْوَجَ، ساعةً،
إِلى الصِّدْقِ من رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ
ورجل كَثِيرٌ: يعني به كَثْرَة آبائه وضُرُوبَ عَلْيائة. ابن شميل عن
يونس: رِجالٌ كَثير ونساء كَثِير ورجال كَثيرة ونساء كَثِيرة. والكُثارُ،
بالضم: الكَثِيرُ. وفي الدار كُثار وكِثارٌ من الناس أَي جماعات، ولا يكون
إِلا من الحيوانات.وكاثَرْناهم فَكَثَرناهم أَي غلبناهم بالكَثْرَةِ.
وكاثَرُوهم فَكَثَرُوهُمْ يَكْثُرونَهُمْ: كانوا أَكْثَرَ منهم؛ ومنه قول
الكُمَيْتِ يصف الثور والكلاب:
وعاثَ في غابِرٍ منها بعَثْعَثَةٍ
نَحْرَ المُكافئِ، والمَكْثورُ يَهْتَبِلُ
العَثْعَثَة: اللَّيِّنْ من الأَرض. والمُكافئُ: الذي يَذْبَحُ شاتين
إِحداهما مقابلة الأُخرى للعقيقة. ويَهْتَبِلُ: يَفْتَرِصُ ويَحْتال.
والتَّكاثُر: المُكاثَرة. وفي الحديث: إِنكم لمع خَلِيقَتَيْنِ ما كانتا مع
شيء إِلا كَثَّرتاه؛ أَي غَلَبناه بالكَثْرَةِ وكانَتا أَكْثَر منه.
الفراء في قوله تعالى: أَلهاكم التكاثر حتى زُرْتُم المقابر؛ نزلت في
حَيَّيْنِ تَفاخَرُوا أَيُّهم أَكْثَرُ عَدداً وهم بنو عبد مناف وبنو سَهْم
فكَثَرَتْ بنو عبد مناف بني سهم، فقالت بنو سهم: إِن البَغْيَ أَهلكنا في
الجاهلية فعادُّونا بالأَحياء والأَموات. فكَثَرَتْهم بنو سَهْم، فأَنزل الله
تعالى: أَلهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر؛ أَي حتى زرتم الأَموات؛ وقال
غيره: أَلهاكم التفاخر بكثرة العدد والمال حتى زرتم المقابر أَي حتى متم؛
قال جرير للأَخطل:
زَارَ القُبورَ أَبو مالكٍ،
فأَصْبَحَ أَلأَمَ زُوَّارِها
(* وفي رواية أخرى: فكان كأَلأَمِ زُوّارِها)
فجعل زيارةَ القبور بالموت؛ وفلان يَتَكَثَّرُ بمال غيره. وكاثَره
الماءَ واسْتَكْثَره إِياه إِذا أَراد لنفسه منه كثيراً ليشرب منه، وإِن كان
الماء قليلاً. واستكثر من الشيء: رغب في الكثير منه وأَكثر منه أَيضاً.
ورجل مَكْثُورٌ عليه إِذا كَثُرَ عليه من يطلب منه المعروفَ، وفي
الصحاح: إِذا نَفِدَ ما عنده وكَثُرَتْ عليه الحُقوقُ مِثْل مَثْمُودٍ
ومَشْفوهٍ ومَضْفوفٍ. وفي حديث قَزَعَةَ: أَتيتُ أَبا سعيد وهو مَكْثُور عليه.
يقال: رجل مكثور عليه إِذا كَثُرَتْ عليه الحقوقُ والمطالَباتُ؛ أَراد أَنه
كان عنده جمع من الناس يسأَلونه عن أَشياء فكأَنهم كان لهم عليه حقوق
فهم يطلبونها. وفي حديث مقتل الحسين، عليه السلام: ما رأَينا مَكْثُوراً
أَجْرَأَ مَقْدَماً منه؛ المكثور: المغلوب، وهو الذي تكاثر عليه الناس
فقهروه، أَي ما رأَينا مقهوراً أَجْرَأَ إِقْداماً منه.
والكَوْثَر: الكثير من كل شيء. والكَوْثَر: الكثير الملتف من الغبار
إِذا سطع وكَثُرَ، هُذَليةٌ؛ قال أُمَيَّةُ يصف حماراً وعانته:
يُحامي الحَقِيقَ إِذا ما احْتَدَمْن،
وحَمْحَمْنَ في كَوْثَرٍ كالجَلالْ
أَراد: في غُبار كأَنه جَلالُ السفينة. وقد تَكَوْثَر الغُبار إِذا كثر؛
قال حَسّان بن نُشْبَة:
أَبَوْا أَن يُبِيحوا جارَهُمْ لعَدُوِّهِمْ،
وقد ثارَ نَقْعُ المَوْتِ حتى تَكَوْثَرا
وقد تَكَوْثَرَ. ورجل كَوْثَرٌ: كثير العطاء والخير.
والكَوْثَرُ: السيد الكثير لخير؛ قال الكميت:
وأَنتَ كَثِيرٌ،يا ابنَ مَرْوانَ، طَيِّبٌ،
وكان أَبوك ابنُ العقائِل كَوْثَرا
وقال لبيد:
وعِنْدَ الرِّداعِ بيتُ آخرَكَوْثَرُ
والكَوْثَرُ: النهر؛ عن كراع. والكوثر: نهر في الجنة يتشعب منه جميع
أَنهارها وهو للنبي، صلى الله عليه وسلم، خاصة. وفي حديث مجاهد: أُعطِيتُ
الكَوْثَر، وهو نهر في الجنة، وهو فَوْعَل من الكثرة والواو زائدة، ومعناه
الخير الكثير. وجاء في التفسير: أَن الكوثر القرآن والنبوّة. وفي
التنزيل العزيز: إِنا أَعطيناك الكوثر؛ قيل: الكوثر ههنا الخير الكثير الذي
يعطيه الله أُمته يوم القيامة، وكله راجع إِلى معنى الكثرة. وفي الحديث عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَن الكوثر نهر في الجنة أَشد بياضاً من اللبن
وأَحلى من العسل، في حافَتَيه قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، وجاء أَيضاً
في التفسير: أَن الكوثر الإِسلام والنبوّة، وجميع ما جاء في تفسير الكوثر
قد أُعطيه النبي، صلى الله عليه وسلم، أُعطي النبوّة وإِظهار الدين الذي
بعث به على كل دين والنصر على أَعدائه والشفاعة لأُمته، وما لا يحصى من
الخير، وقد أُعطي من الجنة على قدر فضله على أَهل الجنة، صلى الله عليه
وسلم. وقال أَبو عبيدة: قال عبد الكريم أَبو أُمية: قَدِمَ فلانٌ بكَوْثَرٍ
كَثير، وهو فوعل من الكثرة. أَبو تراب: الكَيْثَرُ بمعنى الكَثِير؛
وأَنشد:
هَلِ العِزُّ إِلا اللُّهى والثَّرَا
ءُ والعَدَدُ الكَيْثَرُ الأَعْظَمُ؟
فالكَيْثَرُ والكَوْثَرُ واحد. والكَثْرُ والكَثَرُ، بفتحتين: جُمَّار
النخل، أَنصارية، وهو شحمه الذي في وسط النخلة؛ في كلام الأَنصار: وهو
الجَذَبُ أَيضاً. ويقال: الكَثْرُ طلع النخل؛ ومنه الحديث: لا قَطْعَ في
ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ، وقيل: الكَثَرُ الجُمَّارُ عامَّةً، واحدته كَثَرَةٌ.
وقد أَكثر النخلُ أَي أَطْلَعَ.
وكَثِير: اسم رجل؛ ومنه كُثَيِّرُ بن أَبي جُمْعَةَ، وقد غلب عليه لفظ
التصغير. وكَثِيرَةُ: اسم امرأَة. والكَثِيراءُ: عِقِّيرٌ معروف.
مهر: المَهْرُ: الصَّداق، والجمع مُهور؛ وقد مهر المرأَة يَمْهَرها
ويَمْهُرها مَهْراً وأَمهرها. وفي حديث أُمِّ حبيبة: وأَمهرها النجاشيُّ من
عنده؛ ساق لها مهرها، وهو الصداق وفي المثل: أَحمقُ من المَمْهُورة إِحدى
خَدَمَتَيْها؛ يضرب مثلاً للأَحمق البالغ في الحمق الغايةَ؛ وذلك أَنّ
رجلاً تزوج امرأَة فلما دخل عليها قالت: لا أُطيعك أَو تُعطِيَني مهري
فنزع إِحدى خدمتَيْها من رجلها ودفعها إِليها فرضيت بذلك لحمقها؛ وقال ساعدة
بن جؤية:
إِذا مُهِرتْ صُلْباً قليلاً عِراقُهُ
تَقول: أَلا أَدّيْتَني فَتَقَرَّبِ
وقال آخر:
أُخِذْنَ اغْتِصاباً خِطْبَةً عَجْرَفِيَّةً،
وأُمْهِرْنَ أَرْماحاً مِنَ الخَطِّ ذُبَّلا
وقال بعضهم: مَهَرْتها، فهي ممهورة، أَعطيتها مهراً. وأَمهرتها: زوّجتها
غيري على مهر. والمَهِيرة: الغالية المهر.
والمَهارة: الحِذق في الشيء. والماهر: الحاذق بكل عمل، وأَكثر ما يوصف
به السابح المُجِيد، والجمع مَهَرَة؛ قال الأَعشى يذكر فيه تفضيل عامر على
علقمة ابن عُلاثة:
إِنّ الذي فيه تمارَيْتُما
بَيَّنَ لِلسامِع والنَّاظرِ
ما جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الذي
جُنِّب صَوْب اللَّجِبِ المَاطِر
مثلَ الفُراتيِّ، إِذا ما طَما
يَقْذِف بالبُوصِيِّ والماهِر
قال: الجُدُّ البئر، والظَّنون: التي لا يوثق بمائها، والفراتيّ: الماء
المنسوب إِلى الفرات، وطما: ارتفع، والبُوصي: الملاَّح، والماهر: السابح.
ويقال: مَهَرْتُ بهذا الأَمر أَمهَرُ به مَهارة أَي صرتُ به حاذقاً. قال
ابن سيده: وقد مَهَر الشيءَ وفيه وبه يَمْهَر مَهْراً ومُهُوراً ومَهارة
ومِهارة.
وقالوا: لم تفعل به المِهَرَة ولم تُعْطِه المِهَرَة، وذلك إِذا عالجت
شيئاً فلم ترفُق به ولم تُحسِن عملَه، وكذلك إِن غَذَّى إِنساناً أَو
أَدّبه فلم يحسن. أَبو زيد: لم تعط هذا الأَمر المِهَرَة أَي لم تأْته من
قِبَل وجهه. ويقال أَيضاً: لم تأْت إِلى هذا البناء المِهَرَة أَي لم تأْته
من قِبَل وجهه ولم تَبْنِه على ما كان ينبغي. وفي الحديث: مَثَلُ الماهِر
بالقرآن مَثَل السَّفَرَة؛ الماهر: الحاذق بالقراءة، والسفَرة:
الملائكة.الأَزهري: والمُهْر ولد الرَّمَكَة والفرسِ، والأُنثى مُهْرة، والجمع
مُهَر ومُهَرات؛ قال الربيع بن زياد العبسي يحرِّض قومه في طلب دم مالك بن
زهير العبسي،وكانت فزارة قتلته لما قَتَلَ حذيفة بن بدر الفزاري:
أَفبَعْدَ مَقْتَلِ مالك بنِ زُهَيْر
تَرْجو النساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ؟
ما إِنْ أَرَى في قتله لِذوِي الحِجى،
إِلا المَطِيَّ تُشدُّ بالأَكْوارِ
ومُجَنَّباتٍ ما يَذُقْنَ عَذُوفاً
يَقْذِفْنَ بالمُهَرات والأَمْهارِ
(* وقوله« عذوفاً» أورده المؤلف هنا وأورده في عدف بمهملتين وهاء
تأنيث.)المجنبات: الخيل تُجَنَّب إِلى الإِبل. ابن سيده: المُهْر ولدُ الفرس
أَوّل ما يُنْتَج من الخيل والحُمُرِ الأَهلية وغيرها، والجمع القليل
أَمْهار؛ قال عدي بن زيد:
ودي تَناوِيرَ مَمْعُونٍ، له صَبَحٌ،
يَغْذُو أَوابِدَ قَدْ أَفْلَيْنَ أَمْهارا
يعني بالأَمْهار ههنا أَولادَ الوحش، والكثير مِهار ومِهارة؛ قال:
كأَن عَتِيقاً مِن مِهارة تَغلِب،
بأَيْدِي الرِّجال الدَّافِنين ابنَ عَتَّابْ
وقد فَرَّ حَرْبٌ هارباً وابنُ عامِرٍ،
ومن كان يرجو أَنْ يَؤُوبَ، فلا آبْ
قال ابن سيده: هكذا روته الرواة بإِسكان الباء ووزن نَعَتْتَابْ؛ ووزن
فلا آب مفاعيلْ، والأُنثى مُهْرَة؛ قال الأَزهري: ومنه قولهم لا يَعْدَمُ
شَقِيٌّ مُهَيْراً. يقول: من الشَّقاءِ مُعالَجَة المِهارَةِ. وفرس
مُمْهِرٌ: ذات مُهْر. وأُمُّ أَمْهار: اسم قارَة، وفي التهذيب: هَضْبَة، وقال
ابن جبلة: أُمُّ أَمْهار أُكُمٌ حُمْر بأَعْلى الصَّمَّان، ولعلها شبهت
بالأَمْهار من الخيل فسميت بذلك؛ قال الراعي:
مَرَّتْ على أُمِّ أَمْهارٍ مُشَمِّرَةً،
تَهْوِي بها طُرُقٌ، أَوساطُها زُورُ
وأَما قول أَبي زبيد في صفة الأَسد:
أَقْبَلَ يَرْدِي، كما يَرْدِي الحِصانُ، إِلى
مُسْتَعْسِبٍ أَرِبٍ مِنْهُ بِتَمْهِيرِ
أَرِبٍ: ذي إِرْبَةٍ أَي حاجة. وقوله بِتَمْهِير أَي يَطْلُب مُهْراً.
ويقال للخَرَزَة: المُهْرة، قال: وما أُراه عربيّاً.
والمِهارُ: عُود غليظ يُجْعَل في أَنْفِ البُخْتيِّ.
والمُهَرُ: مَفاصِلُ مُتلاحِكَةٌ في الصَّدْرِ، وقيل: هي غَراضِيفُ
الضُّلوعِ، واحدتها مُهْرَةٌ؛ قال أَبو حاتم: وأُراها بالفارسية، أَراد
فُصُوصَ الصدْرِ أَو خَرَزَ الصدْرِ في الزوْر؛ أَنشد ابن الأَعراي لغُداف:
عن مُهْرَةِ الزَّوْرِ وعنْ رَحاها
وأَنشد أَيضاً:
جافي اليدَين عن مُشاشِ المُهْر
الفراء: تحت القلب عُظَيْم يقال له المُهْر والزِّرُّ، وهو قِوامُ
القلب. وقال الجوهري في تفسير قوله مشاش المهر: يقال هو عَظْم في زُوْر
الفرس.ومَهْرَةُ بن حَيْدان: أَبو قبيلة، وهم حيّ عظيم، وإِبل مَهْرِيَّة
منسوبة إِليهم، والجمع مَهارِيُّ ومَهارٍ ومَهارَى، مخففة الياء؛ قال
رؤبة:به تَمَطَّتْ غَوْلَ كلِّ مِيلَهِ
بنا حَراجِيجُ المَهارَى النُّفَّهِ
وأَمْهَرَ الناقةَ: جلعها مَهْرِيَّة. والمَهْرِيَّة: ضَرْب من
الحِنْطَة، قال أَبو حنيفة: وهي حمراء، وكذلك سَفاها، وهي عظيمة السُّنْبُلِ
غَلِيظة القَصَب مُرَبَّعة. وماهِرٌ ومُهَيْر: اسمان.
ومَهْوَرٌ: موضع؛ قال ابن سيده: وإِنما حملناه على فَعْوَل دون مَفْعل
من هار يَهُورُ لأَنه لو كان مفعلاً منه كان مُعْتَلاًّ ولا يحمل على
مُكرَّرِه لأَن ذلك شاذ للعلمية. ونَهْرُ مِهْرانَ: نَهر بالسند، وليس بعربي.
الجوهري: المَهِيرَةُ الحُرّةُ، والمَهائِرُ الحرائِرُ، وهي ضِدُّ
السَّرائرِ.
مقل: المُقْلة: شَحْمة العين التي تجمع السوادَ والبياضَ، وقيل: هي
سوادُها وبياضُها الذي يَدُورُ كله في العين، وقيل: هي الحَدَقة؛ عن كراع،
وقيل: هي العين كلُّها، وإِنما سميت مُقْلة لأَنها تَرْمِي بالنظر.
والمَقْل: الرَّمْيُ. والحدَقة: السوادُ دون البياضِ، قال ابن سيده: وأَعرف ذلك
في الإِنسان، وقد يستعمل ذلك في الناقة؛ أَنشد ثعلب:
من المُنْطِياتِ المَوْكِبَ المَعْجَ بعدَما
يُرَى، في فُرُوعِ المُقْلَتَيْنِ، نُضُوبُ
وقال أَبو داود: سمعت بالغَرّاف يقولون: سخِّن جَبِينَك بالمُقْلة؛
شبَّه عين الشمس بالمُقْلةِ. والمَقْل: النظر. ومَقَله بعينه يَمْقُله
مَقْلاً: نظر إِليه؛ قال القطامي:
ولقد يَرُوعُ قُلوبَهُنَّ تَكَلُّمِي،
ويَرُوعُني مَقْلُ الصِّوارِ المُرْشق
ويروى: مُقَل، ومَقْل أَحسن لقوله تكلُّمِي. ويقال: ما مَقَلَتْه عيني
منذ اليوم. وحكى اللحياني. ما مَقَلَتْ عيني مثلَه مَقْلاً أَي ما أَبصرتْ
ولا نظرتْ، وهو فَعَلَتْ من المُقْلة، وفي حديث ابن مسعود وسئل عن مَسْح
الحَصى في الصلاة فقال مرَّةً: وتركُها خير من مائة ناقة لِمُقْلةٍ؛ قال
أَبو عبيد: المُقْلة هي العين، يقول: تركها خير من مائة ناقة يختارها
الرجل على عينه ونظره كما يريد، قال: وقال الأَوزاعي ولا يريد أَنه
يقتنيها؛ وفي حديث ابن عمر: خيرٌ من مائة ناقة كلّها أَسْوَدُ المُقْلةِ أَي كل
واحد منها أَسودُ العين.
والمَقْلة، بالفتح: حَصاة القَسْم توضع في الإِناء ليُعْرَف قدرُ ما
يُسْقَى كلُّ واحد منهم، وذلك عند قلَّة الماء في المَفاوِزِ، وفي المحكم:
تُوضَع في الإِناء إِذا عَدِموا الماء في السفر ثم يُصَبُّ فيه من الماء
قَدْرُ ما يَغْمُرُ الحَصاة فيُعطاها كل رجل منهم؛ قال يزيد بن
طُعْمة الخَطْمِيّ وخَطْمةُ من الأَنصار بنو عبدِ الله بن مالك بن
أَوْس:قَذَفُوا سيِّدَهم في وَرْطةٍ،
قَذْفَك المَقْلةَ وسْطَ المُعْتَرَكْ
ومَقَلَ المَقْلة: أَلقاها في الإِناء وصبَّ عليها ما يغمُرها من الماء.
وحكى ابن بري عن أَبي حمزة: يقال مَقْلة ومُقْلة، شبهت بمُقْلة العين
لأَنها في وسط بياض العين، وأَنشد بيت الخَطْمِيّ. وفي حديث عليٍّ: لم يبق
منها إِلا جُرْعة كجُرْعة المَقْلة؛ هي بالفتح حَصاة القَسْم، وهي بالضم
واحدة المُقْل الثمر المعروف، وهي لصِغَرِها لا تسَعُ إِلا الشيء اليسير
من الماء.
ومَقَله في الماء يَمْقُله مَقْلاً: غَمَسه وغطَّه. ومَقَل الشيء في
الشيء يَمْقُله مَقْلاً: غَمَسَه. وفي الحديث: إِذا وقَع الذُّبابُ في إِناء
أَحدِكم فامْقُلوه فإِن في أَحد جَناحيه سُمّاً وفي الآخر شِفاء وإِنه
يقدِّم السُّمَّ ويؤخر الشِّفاء؛ قال أَبو عبيدة: قوله فامْقُلوه يعني
فاغْمِسوه في الطعام أَو الشراب ليُخْرِج الشفاء كما أَخرج الداء. والمَقْل:
الغَمْس. ويقال للرَّجُلَين إِذا تَغاطَّا في الماء: هما يَتَماقَلان،
والمَقْل في غير هذا النظرُ. وتَماقَلوا في الماء: تَغاطُّوا. وفي حديث
عبد الرحمن وعاصم: يَتماقَلان في البحر، ويروى: يَتَماقَسان. ومَقَل في
الماء يَمْقُل مَقْلاً: غاصَ. ويروى أَن ابن لقمان الحكيم سأَل أَباه لقمان
فقال: أَرأَيت الحَبَّة التي تكون في مَقْل البحر أَي في مَغاص البحر،
فأَعلمه أَن الله يعلم الحَبَّة حيث هي، يعلمها بعِلمه ويستخرجها بلُطفه؛
وقوله في مَقْل البحر، أَراد في موضع المَغاص من البحر. والمَقْل: أَن
يَخَاف الرجل على الفصيل من شربه اللبن فيسقيَه في كفّه قليلاً قليلاً؛ قال
شمر: قال بعضهم لا يعرف المَقْل الغَمْس، ولكن المَقْل أَن يُمْقَل
الفصيلُ الماءَ إِذا آذاه حَرُّ اللبن فيُوجَر الماءَ فيكون دواءٍ. والرجل
يمرض فلا يسمع شيئاً فيقال: امْقُلوه الماءَ واللبنَ أَو شيئاً من الدواء
فهذا المَقْل الصحيح. وقال أَبو عبيد: إِذا لم يَرْضَع الفَصِيل أُخِذ
لسانه ثم صُبَّ الماء في حَلْقه، وهو المَقْل، وقد مَقَلْته مَقْلاً، قال:
وربما خرج على لسانه قُروح فلا يقدر على الرضاع حتى يُمْقَل؛ وأَنشد:
إِذا اسْتَحَرَّ فامْقُلوه مَقْلا،
في الحَلْقِ واللَّهاةِ صُبُّوا الرِّسْلا
والمَقْل: ضرْب من الرضاع؛ وأَنشد في وصف الثَّدْي:
كَثَدْي كَعابٍ لم يُمَرَّثَ بالمَقْلِ
قال الليث: نصَب الثاء على طلَب النون، قال الأَزهري: وكأَنَّ المَقْل
مقلوب من المَلْق وهو الرضاع. ومَقْل البئر: أَسفلها.
والمُقْل: الكُنْدُر الذي تُدَخِّن به اليهودُ ويجعل في الدواء.
والمُقْل: حمل الدَّوْم، واحدته مُقْلة، والدَّوْم شجرة تشبه النخلة في حالاتها.
قال أَبو حنيفة: المُقْل الصمغ الذي يسمى الكُور، وهو من الأَدوية.
غوي: الغَيُّ: الضَّلالُ والخَيْبَة. غَوَى، بالفَتح، غَيّاً وغَوِيَ
غَوايَةً؛ الأَخيرة عن أَبي عبيد: ضَلَّ. ورجلٌ غاوٍ وغَوٍ وغَوِيٌّ
وغَيَّان: ضالٌّ، وأَغْواه هو؛ وأَنشد للمرقش:
فمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ الناسُ أَمْرَه
ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائمَا
وقال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
وهَلْ أَنا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّة، إِن غَوَتْ
غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ؟
ابن الأَعرابي: الغَيُّ الفَسادُ، قال ابن بري: غَوٍ هو اسمُ الفاعِلِ
مِنْ غَوِيَ لا من غَوَى، وكذلك غَوِيٌّ، ونظيره رَشَدَ فهو راشِدٌ
ورَشِدَ فهو رَشِيدٌ. وفي الحديث: مَنْ يُطِع اللهَ ورَسُولَه فقَدْ رَشَد ومن
يَعْصِمها فقَدْ غَوَى؛ وفي حديث الإِسراء: لو أَخَذْت الخَمْرَ غَوَتْ
أُمَّتُك أَي ضَلَّت؛ وفي الحديث: سَيكونُ عَلَيْكم أَئِمَّةٌ إِن أَطَعْتُوهُم
غَوَيْتُهم؛ أَي إِنْ أَطاعُوهم فيما يأْمُرُونَهم به من الظُّلْم
والمعاصي غَوَوْا أَي ضَلّوا. وفي حديث موسى وآدم، عليهما السلام: أَغْوَيْتَ
الناس أَي خَيَّبْتَهُم؛ يقال: غَوَى الرجُلُ خابَ وأَغْواه غَيْرُه،
وقوله عز وجل: فعَصَى آَدَمُ ربَّه فَغَوَى؛ أَي فسَدَ عليه عَيْشُه، قال:
والغَوَّةُ والغَيَّةُ واحد. وقيل: غَوَى أَي ترَك النَّهْيَ وأَكلَ من
الشَّجَرة فعُوقِبَ بأَنْ أُخْرِجَ من الجنَّة. وقال الليث: مصدر غَوَى
الغَيُّ، قال: والغَوايةُ الانْهِماكُ في الغَيِّ. ويقال: أَغْواه الله إِذا
أَضلَّه. وقال تعالى: فأَغْويْناكمْ إِنَّا كُنا غاوِينَ؛ وحكى المُؤَرِّجُ
عن بعض العرب غَواهُ بمعنى أَغْواهُ؛ وأَنشد:
وكائِنْ تَرَى منْ جاهِلٍ بعدَ عِلْمِهِ
غَواهُ الهَوَى جَهْلاً عَنِ الحَقِّ فانغَوَى
قال الأَزهري: لو كان عَواه الهَوَى بمعنى لَواهُ وصَرَفه فانْعَوَى كان
أَشبَه بكلامِ العرب وأَقرب إِلى الصواب. وقوله تعالى: فَبِما
أَغْوَيْتَني لأَقْعُدَنَّ لهُمْ صِراطَك المُسْتَقِيمَ؛ قيلَ فيه قَولانِ، قال
بَعْضُهُم: فَبما أَضْلَلْتَني، وقال بعضهم: فَبما دَعَوْتَنِي إِلى شيءٍ
غَوَيْتُ به أَي غَوَيْت من أَجلِ آدَمَ، لأَقْعُدَنَّ لهُم صِراطَك أَي على
صِراطِك، ومثله قوله ضُرِبَ زيدٌ الظَّهْرَ والبَطْنَ المعنى على الظهر
والبَطْنِ. وقوله تعالى: والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُم الغاووُن؛ قيل في
تفسيره: الغاوون الشياطِينُ، وقيل أَيضاً: الغاوُونَ من الناس، قال الزجاج:
والمعنى أَنَّ الشاعرَ إِذا هَجَا بما لا يجوزُ هَوِيَ ذلك قَوْمٌ
وأَحَبُّوه فهم الغاوون، وكذلك إِن مَدَح ممدوحاً بما ليس فيه وأَحَبَّ ذلك
قَوْمٌ وتابَعوه فهم الغاوُون. وأَرْضٌ مَغْواةٌ: مَضَلة. والأُغْوِيَّةُ:
المَهْلَكة: والمُغَوَّياتُ، بفتح الواو مشددة، جمع المُغَوَّاةِ: وهي
حُفْرَةٌ كالزُّبْية تُحْتَفَر للأَسَدِ؛ وأَنشد ابن بري لمُغَلّس بن
لَقِيط:وإِنْ رَأَياني قد نَجَوْتُ تَبَغَّيَا
لرِجْلي مُغَوَّاةً هَياماً تُرابُها
وفي مثل للعرب: مَن حَفَرَ مُغَوَّاةً أَوْشَكَ أَن يَقَع فيها. ووَقَعَ
الناسُ في أَغْوِيَّةٍ أَي في داهيَة. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أَنه قال:
إِن قُرَيْشاً تريدُ أَن تكونَ مُغْوِياتٍ لمال اللهِ؛ قال أَبو عبيد: هكذا
روي بالتخفيف وكسر الواو، قال: وأَما الذي تَكَلَّمَت به العرب
فالمُغَوَّياتُ، بالتشديد وفتح الواو، واحدتها مُغَوَّاةٌ، وهي حُفْرةٌ
كالزُّبْية تُحْتَفَرُ للذئْبِ ويجعلُ فيها جَدْيٌ إِذا نَظر الذئبُ إِليه سقَط
عليه يريدهُ فيُصادُ، ومن هذا قيلَ لكلْ مَهْلَكة مُغَوَّاةٌ؛ وقال
رؤبة:إِلى مُغَوَّاةِ الفَتى بالمِرْصاد
يريد إِلى مَهْلَكَتِه ومَنِيَّتِه، وشَبَّهَها بتلك المُغَوَّاةِ، قال:
وإِنما أَراد عمر، رضي الله عنه، أَن قريشاً تريدُ أَن تكونَ مهلكَةً
لِمالِ اللهِ كإِهلاكِ تلك المُغَوَّاة لما سقط فيها أَي تكونَ مصايدَ للمالِ
ومَهالِكَ كتلك المُغَوَّياتِ. قال أَبو عمرو: وكلُّ بئرٍ مُغَوَّاةٌ،
والمُغَوَّاة في بيت رُؤبة: القَبْرُ. والتَّغاوي: التَّجَمُّع وتَغاوَوْا
عليه تَعاوَنُوا عليه فقَتَلُوه وتَغاوَوْا عليه: جاؤوه من هُنا وهُنا وإِن
لم يَقْتُلُوه. والتَّعاوُن على الشَّرِّ، وأَصلُه من الغَواية أَو
الغَيِّ؛ يُبَيِّن ذلك شِعْرٌ لأُخْتِ المنذِرِ بنِ عمرو الأَنصارِيّ قالَتْه
في أَخيها حين قَتَله الكفار:
تَغاوَتْ عليه ذِئابُ الحِجاز
بَنُو بُهْثَةٍ وبَنُو جَعْفَرِ
وفي حديث عثمان، رضي الله عنه، وقتْلَته قال: فتَغاوَوْا واللهِ عليه حتى
قَتلوه أَي تَجَمَّعوا. والتَّغاوي: التَّعاوُنُ في الشَّرِّ، ويقال بالعين
المهملة، ومنه حديث المسلِم قاتِل المشرِكِ الذي كان يَسُبُّ النبيَّ،
صلى الله عليه وسلم ، فتَغاوى المشركون عليه حتى قتلوه، ويروى بالعين
المهملة، قال: والهرويّ ذكرَ مَقْتَل عثمانَ في المعجمة وهذا في المهملة .
أَبو زيد: وقَع فلان في أُغْوِيَّة وقي وامِئة أَي في داهية. الأَصمعي: إذا
كانت الطيرف تَحُومُ على الشيء قيل هي تَغايا عليه وهي تَسُومُ عليه ،
وقال شمر: تَغايا وتَغاوَى بمعنى واحدٍ ؛ قال العجاج :
وإنْ تَغاوَى باهِلاً أَو انْعَكَرْ
تَغاوِيَ العِقْبانِ يَمْزِقْنَ الجَزَرْ
قال: والتَّغاوي الارتقاءُ والانْحِدارُ كأَنه شيءٌ بعضُه فوْق بعضٍ،
والعِقْبانُ: جمع العُقابِ، والجَزَرُ: اللحْمُ. وغَوِيَ الفصيلُ
والسَّخْلَة يَغْوي غَوىً فهو غَوٍ: بَشِمَ من اللَبنِ وفَسَدَ جَوْفُه ، وقيل :
هو أَن يُمْنَع من الرَّضاعِ فلا يَرْوى حتى يُهْزَل ويَضُرَّ به الجوعُ
وتَسُوءَ حالُه ويموتَ هُزالاً أَو يكادَ يَهْلِكُ؛ قال يصف قوساً:
مُعَطَّفَة الأثْناء ليس فَصِيلُها
بِرازِئِها دَراً ولا مَيِّت غَوَى
وهو مصدرٌ يعني القوسَ وسَهْمَاً رمى به عنها ، وهذا من اللُّغَزِ.
والغَوى: البَشَمُ، ويقال: العَطَش، ويقال: هو الدَّقى؛ وقال الليث: غَوِيَ
الفَصِيلُ يَغْوى غَوىً إذا لم يُصِبْ رِيّاً من اللَّبن حتى كاد يَهْلِك،
قال أَبو عبيد: يقال غَويتُ أَغْوى وليست بمعروفة، وقال ابن شميل: غَويَ
الصبيُّ والفَصِيلُ إذا لم يَجِدْ من اللَّبَنِ إلاَّ عُلْقَةً، فلاَ
يَرْوَى وتَراهُ مُحْثَلاً، قال شمر: وهذا هو الصحيح عند أَصحابنا.
والجوهري: والغَوى مصدرُ قولِكَ: غَوِيَ الفَصِيلُ والسَّخْلَة ، بالكسر،
يَغْوَى غوىً، قال ابن السكيت: هو أَنْ لا يَرْوى من لِبَإ أُمّه ولا يَرْوى
من اللبن حتى يموتَ هُزالاً . قال ابن بري: الظاهر في هذا البيت قولُ ابن
السكيت والجمهور على أَن الغَوَى البَشَم من اللَّبَن. وفي نوادر الأَعراب
يقال: بتُّ مغْوًى وغَوًى وغَوِيّاً وقاوِياً وقَوًى وقَويّاً
ومُقْوِياً إذا بِتَّ مُخْلِياً مُوحِشاً. ويقال رأَيته غَوِيًّا من الجوع
وقَويًّا وَضوِيًّا وطَوِيًّا إذا كان جائِعًا؛ وقول أَبي وجزة:
حتَّى إذا جَنَّ أَغْواءُ الظَّلامِ لَهُ
مِنْ فَوْرِ نَجْمٍ من الجَوزاء مُلْتَهِبِ
أَغْواءُ الظَّلام: ما سَتَرَكَ بسَوادِهِ، وهو لِغَيَّة ولِغِيَّة أَي
لزَنْيَةٍ، وهو نَقِيضُ قولك لِرَشْدَةٍ. قال اللحياني: الكسر في
غِيَّةٍ قليلٌ.
والغاوي: الجَرادُ. تقول العرب: إذا أَخْصَبَ الزمانُ جاء الغاوي
والهاوي؛ الهادي: الذئبُ. والغَوْغاء: الجَرادُ إذا احْمَرَّ وانْسَلَخ من
الأَلْوان كلِّها وبَدَتْ أَجنِحتُه بعد الدَّبى. أَبو عبيد: الجَرادُ أَوّل
ما يكونُ سَرْوَةٌ، فإذا تَحَرَّكَ فهو دَبًى قبل أَن تَنْبُتَ
أَجنِحَتُه، ثم يكونُ غَوْغاء، وبه سُمِّي الغَوْغاءُ.
والغاغَةُ من الناس: وهم الكثير المختلطون ، وقيل: هو الجراد إذا صارت
له أَجنحة وكادَ يَطيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِلَّ فيَطِيرَ، يُذَكَّر
ويُؤَنَّث ويُصْرَفُ ولا يُصْرف، واحِدتُه غَوْغاءةٌ وغَوْغاةٌ، وبه سُمِّي
الناسُ. والغَوْغاء: سَفِلَة الناسِ، وهو من ذلك. والغَوْغاء: شيءٌ يُشبهُ
البَعُوضَ ولا يَعَضُّ ولا يُؤذي وهو ضعيف ، فمَن صَرَفه وذَكَّرَهُ
جَعَله بمنزلة قَمْقام، والهمزةُ بدلٌ من واو، ومن لم يَصْرِفْه جَعَله
بمنزلة عَوْراء. والغَوْغاء: الصَّوتُ والجَلَبة؛ قال الحرث بنُ حِلِّزة
اليشكري:
أَجْمَعُوا أَمْرَهم بلَيْلٍ، فلمَّا
أَصْبَحُوا أَصْبَحَت لهم غَوْغاءُ
ويروى: ضَوْضاءُ. وحكى أَبو عليّ عن قُطْرُب في نوادِرَ له: أَنّ
مُذَكَّرَ الغَوْغاء أَغْوَغُ، وهذا نادرٌ غيرُ معروف. وحكي أَيضاً: تَغَاغى
عليه الغَوْغاء إذا رَكِبُوه بالشَّرِّ. أَبو العباس: إذا سَمَّيْتَ
رجلاً بغَوْغاء فهو على وجهين: إن نَوَيْتَ به ميزانَ حَمراءَ لم تصرفه، وإن
نَوَيتَ به ميزانَ قعْقاع ٍ صَرَفْتَه.
وغَوِيٌّ وغَوِيَّةُ وغُوَيَّةُ: أَسماءٌ. وبَنُو غَيَّانَ: حَيٌّ همُ
الذين وَفَدوا على النبي، صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم: من أَنتم؟
فقالوا: بَنو غَيّانَ، قال لهم: بَنُو رَشْدانَ، فبناه على فَعْلانَ علماً
منه أَن غَيّانَ فَعْلانُ، وأَنَّ فَعْلانَ في كلامهم مما في آخره الألفُ
والنونُ أَكثرُ من فَعَّالٍ مما في آخره الألف والنون، وتعليلُ رَشْدانَ
مذكور في مَوْضِعه. وقوله تعالى فسوفَ يَلْقَونَ غَيًّا؛ قيل: غيٌّ وادٍ في
جَهَنَّم، وقيل: نهر، وهذا جدير أَن يكون نهراً أَعَدَّه الله للغاوين سَمَّاه
غَيًّا، وقيل: معناه فسَوْفَ يَلْقَوْنَ مُجازاة غَيِّهم، كقوله تعالى:
ومَنْ يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثاماً؛ أَي مُجازاةَ الأَثامِ. وغاوَةُ:
اسمُ جَبَل؛ قال المُتَلَمّس يخاطب عمرو بنَ هِنْدِ:
فإذا حَلَلْتُ ودُونَ بَيْتيَ غاوَةٌ،
فابْرُقْ بأَرْصِكَ ما بَدا لَكَ وارْعُدِ
نخل: نَخَل الشيءَ يَنْخُله نَخْلاً وتَنَخَّله وانتَخَله: صَفَّاه
واختارَه؛ وكل ما صُفِّيَ ليُعْزَل لُبابُه فقد انتُخِل وتُنُخِّل،
والنُّخالة: ما تُنُخِّل منه. والنَّخْل: تَنْخِيلُك الدقيقَ بالمُنْخُل لِتَعْزِل
نخالته عن لُبابه. والنُّخالة أَيضاً: ما نُخِل من الدقيق. ونَخْلُ
الدقيق: غَرْبَلتُه. والنُّخالة أَيضاً: ما بَقي في المُنْخُل مما يُنْخَل؛
حكاه أَبو حنيفة، قال: وكلُّ ما نُخِل فما يبقى فلم يَنْتَحِلْ نُخالةٌ،
وهذا على السلب. والمُنْخُل والمُنْخَل: ما يُنْخَل به، لا نظير له إِلاَّ
قولهم مُنْصُل ومُنْصَل، وهو أَحد ما جاء من الأَدوات على مُفْعل،
بالضم. وأَما قولهم فيه مُنْغُل، فعَلى البدل للمضارعة.
وانتَخَلْتُ الشيء: استقصبت أَفضله، وتَنَخَّلْتُه: تَخَيَّرْته.
ورجل ناخِلُ الصَّدْر أَي ناصحٌ. وإِذا نخلْت الأَدوية لتَسْتَصْفي
أَجودَها قلت: نَخَلْت وانْتَخَلْت، فالنَّخْل التَّصْفِية، والانتِخالُ
الاختيار لنفسك أَفضله، وكذلك التَّنَخُّل؛ وأَنشد:
تنَخَّلْتُها مَدْحاً لقومٍ، ولم أَكنْ
لِغيرهمُ، فيما مضَى، أَتَنَخَّل
وانتَخَلْت الشيء: استَقْصَيْت أَفضَله، وتنَخَّلْته: تخيَّرته. وفي
الحديث: لا يقبل الله من الدعاء إِلاَّ الناخِلة أَي المنخولة الخالصة،
فاعلة بمعنى مفعولة كماءٍ دافِق؛ وفيه أَيضاً: لا يقبلُ الله إِلا نخائلَ
القلوب أَي النِّيّات الخالصة. يقال: نخَلْتُ له النصيحة إِذا أَخلصتها.
والنَّخْلُ: تَنْخيلُ الثَّلج والوَدْق؛ تقول: انتَخَلتْ ليلتُنا الثلجَ أَو
مطراً غير جَوْد. والسَّحاب يَنْخُل البرَدَ والرَّذاذَ ويَنْتَخِلُه.
والنَّخلة: شجرة التمر، الجمع نَخْل ونَخِيل وثلاث نَخَلات، واستعار
أَبو حنيفة النخْلَ لشجر النارَجيل تحمِل كَبائِس فيها الفَوْفَل
(* قوله
«لشجر النارجيل تحمل كبائس فيها الفوفل» كذا في الأصل. وعبارة المحكم: لشجر
النارجيل وما شاكله، فقال: أخبرت ان شجرة الفوفل نخلة مثل نخلة النارجيل
تحمل كبائس فيها الفوفل إلخ. ففي عبارة الأصل سقط ظاهر) أَمثال التمر؛
وقال مرة يصف شجر الكاذِي: هو نخْلة في كل شيء من حِليتها، وإِنما يريد في
كل ذلك أَنه يشبه النَّخْلة، قال: وأَهل الحجاز يؤنثون النخل؛ وفي
التنزيل العزيز: والنخلُ ذاتُ الأَكمام؛ وأَهل نجد يذكِّرون؛ قال الشاعر في
تذكيره:
كنَخْل من الأَعْراض غير مُنَبَّقِ
قال: وقد يُشْبِه غيرُ النَّخْل في النِّبْتة النَّخْلَ ولا يسمى شيء
منه نَخْلاً كالدَّوْم والنارَجيل والكاذِي والفَوْفَل والغَضَف والخَزَم.
وفي حديث ابن عمر: مَثَل المؤمن كمثَل النَّحْلة، والمشهور في الرواية:
كمثل النَّخْلة؛ بالخاء المعجمة، وهي واحدة النَّخْل، وروي بالحاء
المهملة، يريد نحْلة العسَل، وقد تقدم. وأَبو نَخْلة: كنية؛ قال أَنشده بن جني
عن أَبي علي:
أُطْلُبْ، أَبا نخْلة، مَنْ يأْبُوكا
فقد سأَلنا عنك مَنْ يَعْزُوكا
إِلى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا
وأَبو نُخَيلة: شاعر معروف كُنِّي بذلك لأَنه وُلِد عند جِذْع نخلة،
وقيل: لأَنه كانت له نُخَيْلة يَعْتَهِدها؛ وسماه بَخْدَجٌ الشاعر
النُّخَيْلات فقال يهجوه:
لاقى النُّخَيْلاتُ حِناذاً مِحْنَذا
مِنِّي، وشَلاًّ لِلِّئام مِشْقَذا
(* قوله «للئام» هو رواية المحكم هنا، وروايته في حنذ: للاعادي).
ونَخْلة: موضع؛ أَنشد الأَخفش:
يا نخْلَ ذاتِ السِّدْر والجَراوِلِ،
تَطاوَلي ما شئتِ أَن تَطاوَلي،
إِنَّا سَنَرْمِيكِ بكلِّ بازِلِ
جمع بين الكسرة والفتحة. ونُخَيْلةُ: موضع بالبادية. وبَطن نَخْلة
بالحجاز: موضع بين مكة والطائف. ونَخْل: ماءٌ معروف. وعَين نَخْل: موضع؛
قال:من المتعرِّضات بعَيْن نخْل،
كأَنَّ بَياضَ لَبَّتِها سَدِينُ
وذو النُّخَيْل: موضع؛ قال:
قَدَرٌ أَحَلَّكِ ذا النُّخَيْل، وقد أَرى
وأبيَّ مالكِ ذو النُّخَيْل بدار
(* قوله: وأبيّ مالك ذو النخيل؛ هكذا في الأصل).
أَبو منصور: في بلاد العرب واديان يُعرفان بالنَّخْلتَين: أَحدهما
باليمامة ويأْخذ إِلى قُرى الطائف، والآخر يأْخذ إِلى ذات عِرْق.
والمُنَخَّل، بفتح الخاء مشددة: اسم شاعر؛ ومن أَمثال العرب في الغائب
الذي لا يُرْجى إِيابُه: حتى يَؤُوبَ المُنَخَّل، كما يقال: حتى يؤُوبَ
القارِظ العَنزيّ؛ قال الأَصمعي: المُنَخَّل رجل أُرسل في حاجة فلم يرجِع،
فصار مثلاً يضرب في كل من لا يرجى؛ يقال: لا أَفعله حتى يؤُوب المنَخَّل.
والمتنخِّل: لقب شاعر من هذيل، وهو مالك بن عُوَيمِر أَخي بني لِحْيان
من هذيل. وبنو نَخْلان: بطن من ذي الكَلاع؛ وقول الشاعر:
رأَيتُ بها قضيباً فوق دِعْصٍ،
عليه النَّخْل أَيْنَع والكُروم
فالنَّخْل قالوا: ضرْب من الحُليّ، والكُرومُ: القلائد، والله أَعلم.
نعثل: النَّعْثَلُ: الشيخُ الأَحمقُ. ويقال: فيه نَعْثَلةٌ أَي حمق.
والنَّعْثَلُ: الذِّيخُ وهو الذكَر من الضباع. ونَعْثَلَ: خَمَع.
والنَّعْثَلة: أَن يمشِيَ الرجل مُفاجًّا ويَقْلِب قَدَمَيْه كأَنه يَغْرِفُ بهما،
وهو من التبختُر. ونَعْثَل: رجل من أَهل مِصْر كان طويل اللِّحْية، قيل:
إِنه كان يُشْبِه عثمان، رضي الله عنه؛ هذا قول أَبي عبيد، وشاتِمُو
عثمان، رضي الله عنه، يسمونه نَعْثَلاً. وفي حديث عثمان: أَنه كان يخطب ذات
يوم فقام رجل فنال منه، فَوَذَأَهُ ابنُ سَلام فاتَّذَأَ، فقال له رجل: لا
يَمْنَعَنَّك مكان ابن سلام أَن تَسُبَّ نَعْثَلاً فإِنه من شِيعته،
وكان أَعداءُ عثمان يسمونه نَعْثَلاً تشبيهاً بالرجل المِصْريّ المذكور
آنفاً. وفي حديث عائشة: اقْتُلُوا نَعْثَلاً قَتَل اللهُ نَعْثَلاً تعني
عثمان، وكان هذا منها لما غاضَبَتْه وذهبتْ إِلى مكة، وكان عثمان إِذا نِيلَ
منه وعيب شبِّه بهذا الرجل المِصْريّ لطول لحيته ولم يكونوا يجدون فيه
عيباً غير هذا. والنَّعْثَلةُ مثل النَّقْثَلة: وهي مِشْية الشيخ. ابن
الأَعرابي: نَعْثَل الفرسُ في جريه إِذا كان يَقْعُد على رجليه من شدة
العدْوِ وهو عيب؛ وقال أَبو النجم:
كلّ مُكِبِّ الجَرْي أَو مُنَعْثِلهْ
وفرس مُنَعْثِل: يفرق قوائمه فإِذا رفعها فكأَنما يَنْزِعها من وَحَل
يَخْفِق برأْسه ولا تتبعه رجلاه.
نشم: النَّشَمُ، بالتحريك: شجر جبليّ تتخذ منه القسيّ، وهو من عُتُق
العِيدان؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة:
يأْوي إِلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ
شُمٍّ، بِهِنّ فُروعُ القانِ والنَّشَم
واحدتُه نَشَمةٌ. الأَصمعي: من أَشجار الجبال النَّبْع والنَّشَمُ وغيره
تتَّخذ من النَّشَم القِسِيُّ؛ ومنه قول امرئ القيس:
عارِضٍ زَوْراءَ من نَشَمٍ،
غَيْرِ باناتٍ على وتَرِهْ
والنَّشَمُ أَيضاً: مثل النَّمَش على القلب؛ يقال منه: نَشِم، بالكسر،
فهو ثورٌ نَشِمٌ إِذا كان فيه نقط بيض ونقط سود.
ونَشَّمَ اللحمُ تَنْشيماً: تغيَّر وابتدأَتْ فيه رائحةٌ كريهة، وقيل:
تغيرت ريحُه ولم يبلغ النَّتْنَ، وفي التهذيب: إِذا تغيرت ريحُه لا من
نَتْنٍ ولكن كَراهةً. يقال: يَدِي من الجُبْنِ ونحوِه نَشِمةٌ.
والمُنَشِّمُ: الذي قد ابتدأَ يتغيَّر؛ وأَنشد:
وقد أُصاحِبُ فِتْياناً شَرابُهُمُ
خُضْرُ المَزاد، ولَحْمٌ فيه تَنْشِيمُ
قال: خضر المَزادِ الفَظُّ وهو ماءُ الكَرِش. ويقال: إِن الماء بَقِي في
الأَداوي فاخْضَرَّت من القِدَم. وتَنَشَّمْتُ منه علْماً إِذا استفَدْت
منه علماً. ونَشَّمَ القومُ في الأَمر تَنْشِيماً: نَشَبوا فيه وأَخذوا
فيه. قال: ولا يكون ذلك إِلا في الشرّ؛ ومنه قولهم: نَشَّم الناسُ في
عُثْمان. ونَشَّمَ في الأَمر: ابتدأَ فيه؛ عن اللحياني، هكذا قال فيه، ولم
يقل به. ونَشَّمه ونشَّمَ فيه: نال منه وطَعَن عليه. وقال أَبو عبيد في
حديث مَقْتل عثمان: لما نَشَّمَ للناسُ في أَمره؛ قال: معناه طعنوا فيه
ونالوا منه، أَصلُه من تَنْشِيم اللحم أَوَّلَ ما يُنْتِن. وتَنَشَّمَ في
الشيء ونَشَّم فيه إذا ابتدأَ فيه؛ قال الشاعر:
قد أَغْتَدي، والليلُ في جَرِيمه،
مُعَسْكِراً في الغُرِّ من نجُومِه
والصُّبْحُ قد نَشَّم في أَديمِه،
يَدُعُّه بِضَفَّتَيْ حَيْزُومِه،
دَعَّ الرَّبِيب لحْيَتَيْ يَتِيمِه
قال: نَشَّم في أَديمِه يريد تَبدَّى في أَول الصبح، قال: وأَديمُ الليل
سواده، وجريمُه: نفسه. والتَّنشيم: الابتداءُ في كل شيء. وفي النوادر:
نَشَمْتُ في الأمر ونَشَّمْت ونَشَّبْت أي ابتدأْت. ونَشَّمَتِ الأَرضُ:
نَزَّتْ بالماء.
والمَنْشِم: حبُّ
(*
قوله «والمنشم حب إلخ» هو كمجلس ومقعد) من العِطْر شاقٌّ الدَّقّ.
والمَنْشَم والمَنْشِم: شيء يكون في سنبل العِطر يُسَمِّيه العطّارون رَوْقاً،
وهو سَمٌّ ساعةٍ، وقال بعضهم: هي ثمرة سوادء مُنْتِنَة، وقد أَكثرت
الشعراءُ ذِكْر مَنْشِمٍ في أَشعارهم؛ قال الأَعشى:
أَراني وعَمْراً بيننا دَقُّ مَنْشِمٍ،
فلم يبق إلا أَن أُجَنَّ ويَكْلَبَا
ومَنْشِمُ، بكسر الشين: امرأَة عطّارة من هَمْدان كانوا إذا تطيَّبوا من
ريحها اشتدَّت الحرب فصارت مثلاً في الشرّ؛ قال زهير:
تَدارَكْتُمُ عَبْساً وذُبْيانَ، بعدما
تَفانَوْا، ودَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمِ
صرفه للشِّعر. وقال أَبو عمرو بن العلاء: هو من ابتداء الشرّ، ولم يكن
يذهب إلى أَن مَنْشِمَ امرأَةٌ كما يقول غيره؛ وقال ابن الكلبي في عِطْرِ
مَنْشِم: مَنْشِمُ امرأَةٌ من حِمْيَر، وكانت تبيع الطيب، فكانوا إذا
تطيبوا بطيبِها اشتدَّت حربُهم فصارت مثلاً في الشرّ؛ قال الجوهري: مَنْشِمُ
امرأَةٌ كانت بمكة عطّارة، وكانت خُزاعةُ وجُرْهُم إذا أَرادوا القتال
تطيَّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كَثُرَ القَتْلى فيما بينهم فكان
يقال: أَشْأَمُ من عِطْرِ مَنْشِم، فصار مثلاً: قال: ويقال هو حبُّ
بَلَسانٍ. وحكى ابن بري قال: يقال عطرُ مَنْشَم ومَنْشِم، قال: وقال أَبو
عمرو مَنْشَمٌ الشرُّ بعينه، قال: وزعم آخرون أَنه شيء من قُرون السُّنْبُل
يقال له البَيْش، وهو سَمُّ ساعةٍ؛ قال: وقال الأَصمعي هو اسم امرأَة
عطَّارة كانوا إذا قصدوا الحرب غَمَسوا أَيْدِيَهم في طِيبها، وتحالفوا عليه
بأَن يسْتَمِيتُوا في الحرب ولا يُوَلُّوا أو يُقْتَلوا، قال: وقال أَبو
عمرو الشَّيْباني: مَنْشِم امرأَة عطارة تبيع الحَنُوط، وهي من خُزاعة،
قال: وقال هشامٌ الكَلْبيُّ من قال مَنْشِم، بكسر الشين، فهي مَنشِم بنت
الوَجيه من حِمْير، وكانت تبيع العِطْرَ، ويتشاءمون بعطرها، ومن قال
مَنشَم، بفتح الشين، فهي امرأَة كانت تَنْتجع العربَ تبيعُهم عِطرها، فأَغار
عليها قومٌ من العرب فأَخذوا عِطْرَها، فبلغ ذلك قومَها فاستأْصلوا كلَّ
مَنْ شَمُّوا عليه ريحَ عطرها؛ وقال الكلبي: هي امرأَة من جُرهُم، وكانت
جُرْهُم إذا خرجت لقتال خُزاعة خرجت معهم فطيَّبتهم، فلا يتطيب بطيبها
أَحد إِلا قاتلَ حتى يُقتل أَو يجرح، وقيل: مَنْشِمُ امرأَةٌ كانت صنعت
طيباً تُطَيِّب به زوجها، ثم إنها صادقت رجلاً وطيّبته بطيبِها، فلقِيَه
زوجُها فشمَّ ريحَ طيبها عليه فقتَله، فاقتتل الحيّانِ من أَجله.
نصا: النَّاصِيةُ: واحدة النَّواصي. ابن سيده: الناصِيةُ والنَّصاةُ،
لغة طيئية، قُصاصُ الشعر في مُقدَّم الرأْس؛ قال حُرَيْث بن عَتاب
الطائي:لقَدْ آذَنَتْ أَهْلَ اليَمامةِ طَيِّءٌ
بحَرْبٍ كناصاةِ الحِصانِ المُشَهَّرِ
وليس لها نظير إِلا حرفين: بادِيةٌ وباداةٌ وقارِيةٌ وقاراةٌ، وهي
الحاضِرةُ. ونَصاه نَصْواً: قبض على ناصِيَتِه، وقيل: مَدَّ بها. وقال الفراء
في قوله عز وجل: لنَسْفَعَنْ بالنّاصِيةِ؛ ناصِيَتُه مقدَّمُ رأْسه أَي
لنَهْصُرَنَّها لنَأْخُذَنَّ بها أَي لنُقِيمَنَّه ولَنُذِلَّنَّه. قال
الأَزهري: الناصِية عند العرب مَنْبِتُ الشعر في مقدَّم الرأْس، لا الشعَرُ
الذي تسميه العامة الناصية، وسمي الشعر ناصية لنباته من ذلك الموضع،
وقيل في قوله تعالى: لنَسْفَعَنْ بالناصِية؛ أَي لنُسَوِّدَنَّ وجهه،
فكَفَتِ الناصِيةُ لأَنها في مقدّم الوجه من الوجه؛ والدليل على ذلك قول
الشاعر:وكُنتُ، إِذا نَفْس الغَوِيِّ نَزَتْ به،
سَفَعْتُ على العِرْنِينِ منه بِمِيسَمِ
ونَصَوْته: قبضت على ناصِيَتِه. والمُناصاةُ: الأَخْذُ بالنَّواصي.
وقوله عز وجل: ما من دابة إِلا هو آخِذٌ بناصِيَتِها؛ قال الزجاج: معناه في
قَبْضَته تَنالُه بما شاء قُدرته، وهو سبحانه لا يَشاء إِلا العَدْلَ.
وناصَيْتُه مُناصاةً ونِصاء: نَصَوْتُه ونَصاني؛ أَنشد ثعلب:
فأَصْبَحَ مِثْلَ الحِلْسِ يَقْتادُ نَفْسَه،
خَلِيعاً تُناصِيه أُمُورٌ جَلائِلُ
وقال ابن دريد: ناصَيْتُه جَذَبْت ناصِيَتَه؛ وأَنشد:
قِلالُ مَجْدٍ فَرَعَتْ آصاصا،
وعِزَّةً قَعْساءَ لَنْ تُناصى
وناصَيْتُه إِذا جاذبْته فيأْخذ كل واحد منكما بناصِيةِ صاحبه. وفي حديث
عائشة، رضي الله عنها: لم تكن واحدةٌ من نساء النبي، صلى الله عليه
وسلم، تُناصِيني غير زَيْنَبَ أَي تُنازِعُني وتباريني، وهو أَن يأْخذ كه
واحد من المُتنازعين بناصِيةِ الآخر. وفي حديث مقتل عُمر: فثارَ إِليه
فتَناصَيا أَي تَواخَذا بالنَّواصِي؛ وقال عمرو بن مَعْدِ يكرب:
أَعَبَّاسُ لو كانت شَناراً جِيادُنا
بتَثْلِيثَ، ما ناصَيْتَ بَعْدي الأَحامِسا
وفي حديث ابن عباس: قال للحسين حين أَراد العِراق لولا أَني أَكْرَهْ
لنَصَوْتك أَي أَخذت بناصِيَتِك ولم أَدَعْك تخرج.
ابن بري: قال ابن دريد النَّصِيُّ عَظْم العُنُق؛ ومنه قول ليلى
الأَخيلية:
يُشَبّهُونَ مُلوكاً في تَجِلَّتِهمْ،
وطولِ أَنْصِيةِ الأَعْناقِ والأُمَمِ
ويقال: هذه الفلاة تُناصِي أَرض كذا وتُواصِيها أَي تَتَّصل بها.
والمفازة تَنْصُو المَفازة وتُناصيها أَي تتصل بها؛ وقول أَبي ذؤيب:
لِمَنْ طَلَلٌ بالمُنْتَصى غَيْرُ حائلِ،
عَفا بَعْدَ عَهْدٍ من قِطارٍ ووابِلِ؟
قال السكري: المُنْتَصى أَعلى الوادِيين. وإِبل ناصِيةٌ إِذا ارتَفَعتْ
في المرعى؛ عن ابن الأَعرابي.
وإِني لأَجِد في بطني نَصْواً ووَخْزاً أَي وَجَعاً، والنَّصْوُ مثل
المَغَس، وإِنما سمي بذلك لأَنه يَنْصوك أَي يُزْعِجُك عن القَرار. قال أَبو
الحسن: ولا أَدري ما وجه تعليله له بذلك. وقال الفراء: وجدْتُ في بطني
حَصْواً ونَصْواً وقَبْصاً بمعنى واحد. وانْتَصى الشيءَ: اخْتارَه؛ وأَنشد
ابن بري لحميد بن ثور يصف الظبية:
وفي كلِّ نَشْزٍ لها مَيْفَعٌ،
وفي كلِّ وَجْهٍ لها مُنْتَصى
قال: وقال آخر في وصف قطاة:
وفي كلِّ وَجْهٍ لها وِجْهةٌ،
وفي كلِّ نَحْوٍ لها مُنْتَصى
قال: وقال آخر:
لَعَمْرُكَ ما ثَوْبُ ابنِ سَعْدٍ بمُخْلِقٍ،
ولا هُوَ مِمّا يُنْتَصى فيُصانُ
يقول: ثوبه من العُذْر لا يُخْلِقُ، والاسم النِّصْيةُ، وهذه نَصِيَّتي.
وتَذَرَّيت بني فلان وتَنَصَّيْتُهم إِذا تَزَوَّجت في الذِّروة منهم
والنّاصِية. وفي حديث ذِي المِشْعارِ: نَصِيّةٌ من هَمْدان من كلِّ حاضِر
وبادٍ؛ النَّصِيّةُ منْ يُنْتَصى من القوم أَي يُخْتار من نَواصِيهم، وهمُ
الرُّؤوس والأَشْراف، ويقال للرُّؤساء نواصٍ كما يقال للأَتباع
أَذْنابٌ. وانْتَصَيْتُ من القوم رَجلاً أَي اخترته. ونَصِيّةُ القومِ: خِيارُهم.
ونَصِيَّةُ المال: بَقِيَّتُه. والنَّصِيّة: البَقِيَّة؛ قاله ابن
السكيت؛ وأَنشد للمَرّار الفَقْعَسي:
تَجَرَّدَ مِنْ نَصِيَّتها نَواجٍ،
كما يَنْجُو من البَقَر الرَّعِيلُ
(* قوله« تجرد من لخ» ضبط تجرد بصيغة الماضي كما ترى في التهذيب
والصحاح، وتقدم ضبطه في مادة رعل برفع الدال بصيغة المضارع تبعاً لما وقع في
نسخة من المحكم.)
وقال كعب بن مالك الأَنصاري:
ثَلاثةُ آلافٍ ونحنُ نَصِيّةٌ
ثلاثُ مِئينٍ، إِن كَثُرْنا، وأَربَعُ
وقال في موضع آخر: وفي الحديث أَن وفْدَ هَمْدانَ قَدِمُوا على
النبي،صلى الله عليه وسلم، فقالوا نحْنُ نَصِيَّةٌ من هَمْدانَ؛ قال الفراء:
الأَنْصاء السابقُونَ، والنَّصِيَّةُ الخِيار الأَشراف، ونَواصي القوم
مَجْمَعُ أَشرافِهم، وأَما السَّفِلة فهم الأَذْنابُ؛ قالت أُمّ قُبَيْسٍ
الضَّبِّيّة:
ومَشْهَدٍ قد كفَيْتُ الغائِبينَ به
في مَجْمَعٍ، من نَواصي النّاسِ، مَشْهُودِ
والنَّصِيَّةُ من القوم: الخِيارُ، وكذلك من الإِبل وغيرها.
ونَصَتِ الماشِطةُ المرأَةَ ونَصَّتْها فتَنَصَّتْ، وفي الحديث: أَن أُم
سلمة
(* قوله« أن أم سلمة» كذا بالأصل، والذي في نسخة التهذيب: ان بنت
أبي سلمة، وفي غير نسخة من النهاية: أن زينب.) تَسَلَّبَت على حمزة ثلاثة
أَيام فدعاها رسول الله،صلى الله عليه وسلم، وأَمرها أَن تنَصَّى
وتَكْتَحِلَ؛ قوله: أَمرها أَن تنَصَّى أَي تُسَرِّح شَعَرَها، أَراد تَنَصَّى
فحذف التاء تخفيفاً. يقال: تنَصَّتِ المرأَةُ إِذا رجَّلت شَعْرَها. وفي
حديث عائشة، رضي الله عنها، حين سُئِلت عن الميت يُسرَّح رأْسه فقالت:
عَلامَ تَنْصُون ميِّتَكم؟ قولها: تَنْصُون مأْخوذ من الناصِية، يقال:
نَصَوْتُ الرجل أَنْصُوه نَصْواً إِذا مَدَدْت ناصِيَتَه، فأَرادت عائشة أَنَّ
الميتَ لا يَحتاجُ إِلى تَسْريحِ الرَّأْس، وذلك بمنزلة الأَخذ
بالناصِيةِ؛ وقال أَبو النَّجم:
إِنْ يُمْسِ رأْسي أَشْمَطَ العَناصي،
كأَنما فَرَّقَه مُناصي
قال الجوهري: كأَنَّ عائشةَ، رضي الله عنها، كَرِهَت تَسْريحَ رأْسِ
الميّتِ. وانْتَصى الشعَرُ أَي طال.
والنَّصِيُّ: ضَرْب من الطَّريفةِ ما دام رَطْباً، واحدتُه نَصِيّةٌ،
والجمع أَنْصاء، وأَناصٍ جمعُ الجمع؛ قال:
تَرْعى أَناصٍ مِنْ حرير الحَمْضِ
(* قوله« حرير الحمض» كذا في الأصل وشرح القاموس بمهملات، والذي في بعض
نسخ المحكم بمعجمات.)
وروي أَناضٍ، وهو مذكور في موضعه. قال ابن سيده: وقال لي أَبو العلاء لا
يكون أَناضٍ لأَنَّ مَنْبِتَ النصيِّ غير منبت الحمض. وأَنْصَتِ
الأَرضُ: كثر نَصِيُّها. غيره: النَّصِيُّ نَبت معروف، يقال له نَصِيٌّ ما دام
رَطباً، فإِذا ابْيضَّ فهو الطَّريفة، فإِذا ضَخُمَ ويَبِس فهو الحَلِيُّ؛
قال الشاعر:
لَقَدْ لَقِيَتْ خَيْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ
نَصِيّاً، كأَعْرافِ الكَوادِنِ، أَسْحَما
(* قوله «لقيت خيل» كذا في الأصل والصحاح هنا، والذي في مادة بون من
اللسان شول ومثله في معجم ياقوت.)
وقال الراجز:
نَحْنُ مَنَعْنا مَنْبِتَ النَّصِيِّ،
ومَنْبِتَ الضَّمْرانِ والحَلِيِّ
وفي الحديث: رأَيتُ قبُورَ الشُّهداء جثاً قد نَبَتَ عليها النَّصِيُّ؛
هو نَبْتٌ سَبْطٌ أَبيضُ ناعِمٌ من أَفضل المَرْعى. التهذيب: الأَصْناء
الأَمْثالُ، والأَنْصاءُ السَّابقُون.