Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=76530#03b6d1
(تصالحــوا) اصْطَلحُوا
صلح: الصَّلاح: ضدّ الفساد؛ صَلَح يَصْلَحُ ويَصْلُح صَلاحاً وصُلُوحاً؛
وأَنشد أَبو زيد:
فكيفَ بإِطْراقي إِذا ما شَتَمْتَني؟
وما بعدَ شَتْمِ الوالِدَيْنِ صُلُوحُ
وهو صالح وصَلِيحٌ، الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، والجمع صُلَحاءُ
وصُلُوحٌ؛ وصَلُح: كصَلَح، قال ابن دريد: وليس صَلُحَ بثَبَت. ورجل صالح في نفسه
من قوم صُلَحاء ومُصْلِح في أَعماله وأُموره، وقد أَصْلَحه الله، وربما
كَنَوْا بالصالح عن الشيء الذي هو إِلى الكثرة كقول يعقوب: مَغَرَتْ في
الأَرض مَغْرَةٌ من مطر؛ هي مَطَرَةٌ صالحة، وكقول بعض النحويين، كأَنه
ابن جني: أُبدلت الياء من الواو إِبدالاً صالحاً. وهذا الشيء يَصْلُح لك
أَي هو من بابَتِك. والإِصلاح: نقيض الإِفساد.
والمَصْلَحة: الصَّلاحُ. والمَصعلَحة واحدة المصالح. والاسْتِصْلاح:
نقيض الاستفساد.
وأَصْلَح الشيءَ بعد فساده: أَقامه. وأَصْلَحَ الدابة: أَحسن إِليها
فَصَلَحَتْ. وفي التهذيب: تقول أَصْلَحْتُ إِلى الدابة إِذا أَحسنت
إِليها.والصُّلْحُ: تَصالُح القوم بينهم. والصُّلْحُ: السِّلْم. وقد
اصْطَلَحُوا وصالحوا واصَّلَحُوا وتَصالحــوا واصَّالحوا، مشدّدة الصاد، قلبوا التاء
صاداً وأَدغموها في الصاد بمعنى واحد. وقوم صُلُوح: مُــتصالِحُــون، كأَنهم
وصفوا بالمصدر.
والصِّلاحُ، بكسر الصاد: مصدر المُصالَحةِ، والعرب تؤنثها، والاسم
الصُّلح، يذكر ويؤنث. وأَصْلَح ما بينهم وصالَحهم مُصالَحة وصِلاحاً؛ قال
بِشْرُ ابن أَبي خازم:
يَسُومُونَ الصِّلاحَ بذاتِ كَهْفٍ،
وما فيها لهمْ سَلَعٌ وقارُ
وقوله: وما فيها أَي وما في المُصالَحة، ولذلك أَنَّث الصِّلاح.
وصَلاحِ وصَلاحٌ: من أَسماء مكة، شرفها الله تعالى، يجوز أَن يكون من
الصُّلْح لقوله عز وجل: حَرَماً آمناً؛ ويجوز أَن يكون من الصَّلاحِ، وقد
ُصرف؛ قال حَرْبُ بن أُمية يخاطب أَبا مَطَرٍ الحَضْرَمِيَّ؛ وقيل هو
للحرث بن أُمية:
أَبا مَطَرٍ هَلُمَّ إِلى صَلاحٍ،
فَتَكْفِيكَ النَّدَامَى من قُرَيْشِ
وتَأْمَنُ وَسْطَهُمْ وتَعِيشُ فيهم،
أَبا مَطَرٍ، هُدِيتَ بخَيْرِ عَيْشِ
وتَسْكُنُ بَلْدَةً عَزَّتْ لَقاحاً،
وتأْمَنُ أَن يَزُورَك رَبُّ جَيْشِ
قال ابن بري: الشاهد في هذا الشعر صرف صلاح؛ قال: والأَصل فيها أَن تكون
مبنية كقطام. ويقال: حَيٌّ لَقاحٌ إِذا لم يَدينوا للمَلِك؛ قال: وأَما
الشاهد على صلاحِ بالكسر من غير صَرْف، فقول الآخر:
مِنَّا الذي بصَلاحِ قامَ مُؤَذِّناً،
لم يَسْتَكِنْ لِتَهَدُّدٍ وتَنَمُّرِ
يعني خُبَيْبَ بنَ عَدِيٍّ.
قال ابن بري: وصَلاحِ اسم علم لمكة.
وقد سمَّت العربُ صالحاً ومُصْلِحاً وصُلَيحاً.
والصِّلْحُ: نهر بمَيْسانَ.
ودع: الوَدْعُ والوَدَعُ والوَدَعاتُ: مناقِيفُ صِغارٌ تخرج من البحر
تُزَيَّنُ بها العَثاكِيلُ، وهي خَرَزٌ بيضٌ جُوفٌ في بطونها شَقٌّ كَشَقِّ
النواةِ تتفاوت في الصغر والكبر، وقيل: هي جُوفٌ في جَوْفها دُوَيْبّةٌ
كالحَلَمةِ؛ قال عَقِيلُ بن عُلَّفَة:
ولا أُلْقِي لِذي الوَدَعاتِ سَوْطِي
لأَخْدَعَه، وغِرَّتَه أُرِيدُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده:
أُلاعِبُه وزَلَّتَه أُرِيدُ
واحدتها ودْعةٌ وودَعةٌ. ووَدَّعَ الصبيَّ: وضَعَ في عنُقهِ الوَدَع.
وودَّعَ الكلبَ: قَلَّدَه الودَعَ؛ قال:
يُوَدِّعُ بالأَمْراسِ كُلَّ عَمَلَّسٍ،
مِنَ المُطْعِماتِ اللَّحْمَ غيرَ الشَّواحِنِ
أَي يُقَلِّدُها وَدَعَ الأَمْراسِ. وذُو الودْعِ: الصبيُّ لأَنه
يُقَلَّدُها ما دامَ صغيراً؛ قال جميل:
أَلَمْ تَعْلَمِي، يا أُمَّ ذِي الوَدْعِ، أَنَّني
أُضاحِكُ ذِكْراكُمْ، وأَنْتِ صَلُودُ؟
ويروى: أَهَشُّ لِذِكْراكُمْ؛ ومنه الحديث: من تَعَلَّقَ ودَعةً لا
وَدَعَ الله له، وإِنما نَهَى عنها لأَنهم كانوا يُعَلِّقُونَها مَخافةَ العين،
وقوله: لا ودَعَ اللهُ له أَي لا جعله في دَعةٍ وسُكُونٍ، وهو لفظ مبنيّ
من الودعة، أَي لا خَفَّفَ الله عنه ما يَخافُه. وهو يَمْرُدُني الوَدْعَ
ويَمْرُثُني أَي يَخْدَعُني كما يُخْدَعُ الصبيّ بالودع فَيُخَلَّى
يَمْرُثُها. ويقال للأَحمق: هو يَمْرُدُ الوْدَع، يشبه بالصبي؛ قال
الشاعر:والحِلْمُ حِلْم صبيٍّ يَمْرُثُ الوَدَعَهْ
قال ابن بري: أَنشد الأَصمعي هذا البيت في الأَصمعيات لرجل من تميم
بكماله:
السِّنُّ من جَلْفَزِيزٍ عَوْزَمٍ خلَقٍ،
والعَقْلُ عَقْلُ صَبيٍّ يَمْرُسُ الوَدَعَهْ
قال: وتقول خرج زيد فَوَدَّعَ أَباه وابنَه وكلبَه وفرسَه ودِرْعَه أَي
ودَّع أَباه عند سفره من التوْدِيعِ، ووَدَّع ابنه: جعل الوَدعَ في
عُنُقه، وكلبَه: قَلَّدَه الودع، وفرسَه: رَفَّهَه، وهو فرس مُوَدَّعُ
ومَوْدُوع، على غير قِياسٍ، ودِرْعَه، والشيءَ: صانَه في صِوانِه.
والدَّعةُ والتُّدْعةُ
(* قوله« والتدعة» أي بالسكون وكهمزة أفاده
المجد) على البدل: الخَفْضُ في العَيْشِ والراحةُ، والهاء عِوَضٌ من
الواو.والوَديعُ: الرجل الهادئ الساكِنُ ذو التُّدَعةِ. ويقال ذو وَداعةٍ،
وَدُعَ يَوْدُعُ دَعةً ووَداعةً، زاد ابن بري: ووَدَعَه، فهو وَديعٌ
ووادِعٌ أَي ساكِن؛ وأَنشد شمر قول عُبَيْدٍ الراعي:
ثَناءٌ تُشْرِقُ الأَحْسابُ منه،
به تَتَوَدَّعُ الحَسَبَ المَصُونا
أي تَقِيه وتَصُونه، وقيل أَي تُقِرُّه على صَوْنِه وادِعاً. ويقال:
وَدَعَ الرجلُ يَدَعُ إِذا صار إِلى الدَّعةِ والسُّكونِ؛ ومنه قول سويد بن
كراع:
أَرَّقَ العينَ خَيالٌ لم يَدَعْ
لِسُلَيْمى، ففُؤادِي مُنْتَزَعْ
أَي لم يَبْقَ ولم يَقِرَّ. ويقال: نال فلان المَكارِمَ وادِعاً أَي من
غير أَن يَتَكَلَّفَ فيها مَشَقّة. وتوَدَّعَ واتَّدعَ تُدْعةً وتُدَعةً
وودَّعَه: رَفَّهَه، والاسم المَوْدوعُ. ورجل مُتَّدِعٌ أَي صاحبُ دَعَةٍ
وراحةٍ؛ فأَما قول خُفافِ بن نُدْبة:
إِذا ما اسْتَحَمَّتْ أَرضُه من سَمائِه
جَرى، وهو موْدوعٌ وواعِدُ مَصْدَق
فكأَنه مفعول من الدَّعةِ أَي أَنه ينال مُتَّدَعاً من الجرْيِ متروكاً
لا يُضْرَبُ ولا يْزْجَرُ ما يسْبِقُ به، وبيت خفاف بن ندبة هذا أَورده
الجوهري وفسره فقال أَي متروك لا يضرب ولا يزجر؛ قال ابن بري: مَوْدوعٌ
ههنا من الدَّعةِ التي هي السكون لا من الترك كما ذكر الجوهري أي أَنه جرى
ولم يَجْهَدْ كما أَوردناه، وقال ابن بزرج: فرَسٌ ودِيعٌ وموْدوعٌ
ومُودَعٌ؛ وقال ذو الإِصبَع العَدواني:
أُقْصِرُ من قَيْدِه وأُودِعُه،
حتى إِذا السِّرْبُ رِيعَ أَو فَزِعا
والدَّعةُ: من وَقارِ الرجُلِ الوَدِيعِ. وقولهم: عليكَ بالمَوْدوع أَي
بالسكِينة والوقار، فإِن قلت: فإِنه لفظ مفْعولٍ ولا فِعْل له إِذا لم
يقولوا ودَعْتُه في هذا المعنى؛ قيل: قد تجيء الصفة ولا فعل لها كما حُكي
من قولهم رجل مَفْؤودٌ للجَبانِ، ومُدَرْهَمٌ للكثير الدِّرهم، ولم يقولوا
فُئِدَ ولا دُرْهِمَ. وقالوا: أَسْعَده الله، فهو مَسْعودٌ، ولا يقال
سُعِدَ إِلا في لغة شاذة. وإِذا أَمَرْتَ الرجل بالسكينةِ والوَقارِ قلت له:
تَوَدَّعْ واتَّدِعْ؛ قال الأزهري: وعليك بالموْدوعِ من غير أَن تجعل له
فعلاً ولا فاعاً مِثْل المَعْسورِ والمَيْسورِ، قال الجوهري: وقولهم عليك
بالمودوع أَي بالسكينةِ والوقار، قال: لا يقال منه ودَعه كما لا يقال من
المَعْسور والمَيْسور عَسَرَه ويَسَرَه. ووَدَعَ الشيءُ يَدَعُ
واتَّدَعَ، كلاهما: سكَن؛ وعليه أَنشد بعضهم بيت الفرزدق:
وعَضُّ زَمانٍ يا ابنَ مَرْوانَ، لم يَدَعْ
من المال إِلاّ مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّفُ
فمعنى لم يَدَعْ لم يَتَّدِعْ ولم يَثْبُتْ، والجملة بعد زمان في موضع
جرّ لكونها صفة له، والعائد منها إِليه محذوف للعلم بموضعه، والتقدير فيه
لم يَدَعْ فيه أَو لأَجْلِه من المال إِلا مُسحَتٌ أَو مُجَلَّف، فيرتفع
مُسْحت بفعله ومجَلَّفُ عطف عليه، وقيل: معنى قوله لم يدع لم يَبْقَ ولم
يَقِرَّ، وقيل: لم يستقر، وأَنشده سلمةُ إِلا مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفُ
أَي لم يترك من المال إِلاَّ شيئاً مُسْتأْصَلاً هالِكاً أَو مجلف كذلك،
ونحو ذلك رواه الكسائي وفسره، قال: وهو كقولك ضربت زيداً وعمروٌ، تريد
وعمْرٌو مضروب، فلما لم يظهر له الفعل رفع؛ وأَنشد ابن بري لسويد بن أَبي
كاهل:
أَرَّقَ العَيْنَ خَيالٌ لم يَدَعْ
من سُلَيْمى، فَفُؤادي مُنْتَزَعْ
أَي لم يَسْتَقِرّ. وأَودَعَ الثوبَ ووَدَّعَه: صانَه. قال الأَزهري:
والتوْدِيعُ أَن تُوَدِّعَ ثوباً في صِوانٍ لا يصل إِليه غُبارٌ ولا رِيحٌ.
وودَعْتُ الثوبَ بالثوب وأَنا أَدَعُه، مخفف. وقال أَبو زيد: المِيدَعُ
كل ثوب جعلته مِيدَعاً لثوب جديد تُوَدِّعُه به أَي تَصُونه به. ويقال:
مِيداعةٌ، وجمع المِيدَعِ مَوادِعُ، وأَصله الواو لأَنك ودَّعْتَ به ثوبَك
أَي رفَّهْتَه به؛ قال ذو الرمة:
هِيَ الشمْسُ إِشْراقاً، إِذا ما تَزَيَّنَتْ،
وشِبْهُ النَّقا مُقْتَرَّةً في المَوادِعِ
وقال الأَصمعي: المِيدَعُ الثوبُ الذي تَبْتَذِلُه وتُودِّعُ به ثيابَ
الحُقوق ليوم الحَفْل، وإِنما يُتَّخَذ المِيدعُ لِيودَعَ به المَصونُ.
وتودَّعَ فلان فلاناً إِذا ابتذله في حاجته. وتودَّع ثيابَ صَونِه إِذا
ابتذلها. وفي الحديث: صَلى معه عبدُ الله ابن أُنَيْسٍ وعليه ثوب
مُتَمَزِّقٌ فلما انصرف دعا له بثوب فقال: تَوَدَّعْه بخَلَقِكَ هذا أَي
تَصَوَّنْه به، يريد الْبَسْ هذا الذي دفعته إِليك في أَوقات الاحتفال والتزَيُّن.
والتَّوديعُ: أَن يجعل ثوباً وقايةَ ثوب آخر. والمِيدَعُ والميدعةُ
والمِيداعةُ: ما ودَّعَه به. وثوبٌ مِيدعٌ: صفة؛ قال الضبي:
أُقَدِّمُه قُدَّامَ نَفْسي، وأَتَّقِي
به الموتَ، إِنَّ الصُّوفَ للخَزِّ مِيدَعُ
وقد يُضاف. والمِيدع أَيضاً: الثوب الذي تَبْتَذِله المرأَة في بيتها.
يقال: هذا مِبْذَلُ المرأَة ومِيدعُها، ومِيدَعَتُها: التي تُوَدِّعُ بها
ثيابها. ويقال للثوب الذي يُبْتَذَل: مِبْذَلٌ ومِيدَعٌ ومِعْوز ومِفْضل.
والمِيدعُ والمِيدَعةُ: الثوب الخَلَقُ؛ قال شمر أَنشد ابن أَبي عدْنان:
في الكَفِّ مِنِّي مَجَلاتٌ أَرْبَعُ
مُبْتَذَلاتٌ، ما لَهُنَّ مِيدَعُ
قال: ما لهنَّ مِيدع أَي ما لهن من يَكْفيهنَّ العَمَل فيَدَعُهُنَّ أَي
يصونهُنَّ عن العَمَل. وكلامٌ مِيدَعٌ إِذا كان يُحْزِنُ، وذلك إِذا كان
كلاماً يُحْتَشَمُ منه ولا يستحسن.
والمِيداعةُ: الرجل الذي يُحب الدَّعةَ؛ عن الفراء.
وفي الحديث: إِذا لم يُنْكِر الناسُ المُنْكَرَ فقد تُوُدِّعَ منهم أَي
أُهْمِلو وتُرِكوا وما يَرْتَكِبونَ من المَعاصي حتى يُكثِروا منها، ولم
يهدوا لرشدهم حتى يستوجبوا العقوبة فيعاقبهم الله، وأَصله من التوْدِيع
وهو الترك، قال: وهو من المجاز لأَن المُعْتَنيَ بإِصْلاحِ شأْن الرجل
إِذا يَئِسَ من صلاحِه تركه واسْتراحَ من مُعاناةِ النَّصَب معه، ويجوز أَن
يكون من قولهم تَوَدَّعْتُ الشيءَ أَي صُنْتُه في مِيدَعٍ، يعني قد صاروا
بحيث يتحفظ منهم ويُتَصَوَّن كما يُتَوَقَّى شرار الناس. وفي حديث علي،
كرم الله وجهه: إِذا مََشَتْ هذه الأُمّةُ السُّمَّيْهاءَ فقد تُوُدِّعَ
منها. ومنه الحديث: اركبوا هذه الدوابَّ سالمةً وابْتَدِعُوها سالمة أَي
اتْرُكُوها ورَفِّهُوا عنها إِذا لم تَحْتاجُوا إِلى رُكُوبها، وهو
افْتَعَلَ من وَدُعَ، بالضم، ودَاعةً ودَعةً أَي سَكَنَ وتَرَفَّهَ.
وايْتَدَعَ، فهو مُتَّدِعٌ أَي صاحب دَعةٍ، أَو من وَدَعَ إِذا تَرَكَ، يقال
اتهَدَعَ وابْتَدَعَ على القلب والإِدغام والإِظهار. وقولهم: دَعْ هذا أَي
اتْرُكْه، ووَدَعَه يَدَعُه: تركه، وهي شاذة، وكلام العرب: دَعْني وذَرْني
ويَدَعُ ويَذَرُ، ولا يقولون ودَعْتُكَ ولا وَذَرْتُكَ، استغنوا عنهما
بتَرَكْتُكَ والمصدر فيهما تركاً، ولا يقال ودْعاً ولا وَذْراً؛ وحكاهما
بعضهم ولا وادِعٌ، وقد جاء في بيت أَنشده الفارسي في البصريات:
فأَيُّهُما ما أَتْبَعَنَّ، فإِنَّني
حَزِينٌ على تَرْكِ الذي أَنا وادِعُ
قال ابن بري: وقد جاء وادِعٌ في شعر مَعْنِ بن أَوْسٍ:
عليه شَرِيبٌ لَيِّنٌ وادِعُ العَصا،
يُساجِلُها حمَّاته وتُساجِلُه
وفي التنزيل: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى؛ أَي لم يَقْطَعِ اللهُ
الوحيَ عنك ولا أَبْغَضَكَ، وذلك أَنه، صلى الله عليه وسلم، اسْتأَخر
الوحْيُ عنه فقال ناس من الناس: إِن محمداً قد ودّعه ربه وقَلاه، فأَنزل الله
تعالى: ما ودعك ربك وما قلى، المعنى وما قَلاكَ، وسائر القُرّاء قرؤوه:
ودّعك، بالتشديد، وقرأَ عروة بن الزبير: ما وَدَعَك ربك، بالتخفيف، والمعنى
فيهما واحد، أَي ما تركك ربك؛ قال:
وكان ما قَدَّمُوا لأَنْفُسِهم
أَكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الذي وَدَعُوا
وقال ابن جني: إِنما هذا على الضرورة لأَنّ الشاعر إذا اضْطُرَّ جاز له
أَن ينطق بما يُنْتِجُه القِياسُ، وإِن لم يَرِدْ به سَماعٌ؛ وأَنشد قولَ
أَبي الأَسودِ الدُّؤلي:
لَيْتَ شِعْرِي، عن خَلِيلي، ما الذي
غالَه في الحُبِّ حتى وَدَعَهْ؟
وعليه قرأَ بعضهم: ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وما قَلى، لأَن الترْكَ ضَرْبٌ
من القِلى، قال: فهذا أَحسن من أَن يُعَلَّ باب اسْتَحْوَذَ واسْتَنْوَقَ
الجَمَلُ لأَنّ اسْتِعْمالَ ودَعَ مُراجعةُ أَصل، وإِعلالُ استحوذ
واستنوق ونحوهما من المصحح تركُ أَصل، وبين مراجعة الأُصول وتركها ما لا خَفاء
به؛ وهذا بيت روى الأَزهري عن ابن أَخي الأَصمعي أَن عمه أَنشده لأَنس بن
زُنَيْمٍ الليثي:
لَيْتَ شِعْرِي، عن أَمِيري، ما الذي
غالَه في الحبّ حتى ودَعْه؟
لا يَكُنْ بَرْقُك بَرْقاً خُلَّباً،
إِنَّ خَيْرَ البَرْقِ ما الغَيْثُ مَعَهْ
قال ابن بري: وقد رُوِيَ البيتان للمذكورين؛ وقال الليث: العرب لا تقول
ودَعْتُهُ فأَنا وادعٌ أَي تركته ولكن يقولون في الغابر يَدَعُ، وفي
الأَمر دَعْه، وفي النهي لا تَدَعْه؛ وأَنشد:
أَكْثَرَ نَفْعاً من الذي ودَعُوا
يعني تركوا. وفي حديث ابن عباس: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
لَيَنْتَهيَنَّ أَقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعاتِ أَو ليُخْتَمَنَّ على
قلوبهم أَي عن تَرْكهم إِيّاها والتَّخَلُّفِ عنها من وَدَعَ الشيءَ يَدَعُه
وَدْعاً إِذا تركه، وزعمت النحويةُ أَنّ العرب أَماتُوا مصدر يَدَعُ
ويَذَرُ واسْتَغْنَوْا عنه بتَرْكٍ، والنبي، صلى الله عليه وسلم، أَفصح العرب
وقد رويت عنه هذه الكلمة؛ قال ابن الأَثير: وإِنما يُحْمل قولهم على قلة
استعماله فهو شاذٌّ في الاستعمال صحيح في القياس، وقد جاء في غير حديث
حتى قرئ به قوله تعالى: ما وَدَعَك ربك وما قَلى، بالتخفيف؛ وأَنشد ابن
بري لسُوَيْدِ بن أَبي كاهِلٍ:
سَلْ أَمِيري: ما الذي غَيَّرَه
عن وِصالي، اليوَْمَ، حتى وَدَعَه؟
وأَنشد لآخر:
فَسَعَى مَسْعاتَه في قَوْمِه،
ثم لَمْ يُدْركْ، ولا عَجْزاً وَدَعْ
وقالوا: لم يُدَعْ ولم يُذَرْ شاذٌّ، والأَعرف لم يُودَعْ ولم يُوذَرْ،
وهو القياس. والوَداعُ، بالفتح: التَّرْكُ. وقد ودَّعَه ووَادَعَه
ووَدَعَه ووادَعَه دُعاءٌ له من ذلك؛ قال:
فهاجَ جَوًى في القَلْبِ ضُمِّنَه الهَوَى،
بِبَيْنُونةٍ يَنْأَى بها مَنْ يُوادِعُ
وقيل في قول ابن مُفَرِّغٍ:
دَعيني مِنَ اللَّوْم بَعْضَ الدَّعَهْ
أي اتْرُكِيني بعضَ الترْك. وقال ابن هانئ في المرريه
(* قوله« في
المرريه» كذا بالأصل ) الذي يَتَصَنَّعُ في الأَمر ولا يُعْتَمَدُ منه على
ثِقةٍ: دَعْني من هِنْدَ فلا جَدِيدَها ودَعَتْ ولا خَلَقَها رَقَعَتْ. وفي
حديث الخَرْصِ: إِذا خَرَصْتُم فخُذُوا ودَعُوا الثلث، فإِن لم تَدَعُوا
الثلث فدَعوا الرُّبعَ؛ قال الخطابي: ذهب بعض أَهل العلم إِلى أَنه
يُتْرَكُ لهم من عُرْضِ المالِ تَوْسِعةً عليهم لأَنه إِن أُخِذَ الحقُّ منهم
مُسْتَوْفًى أَضَرَّ بهم، فإِنه يكون منها الساقِطةُ والهالِكةُ وما
يأْكله الطير والناس، وكان عمر، رضي الله عنه، يأْمر الخُرّاصَ بذلك. وقال
بعض العلماء: لا يُترك لهم شيءٌ شائِعٌ في جملة النخل بل يُفْرَدُ لهم
نَخلاتٌ مَعْدودةٌ قد عُلِمَ مِقْدارُ ثمرها بالخَرْصِ، وقيل: معناه أَنهم
إِذا لم يرضوا بِخَرْصِكُم فدَعوا لهم الثلث أَو الربع ليتصرفوا فيه
ويضمنوا حقّه ويتركوا الباقي إِلى أَن يَجِفَّ ويُؤخذ حَقُّه، لا أَنه يترك لهم
بلا عوض ولا اخراج؛ ومنه الحديث: دَعْ داعِيَ اللَّبنِ أَي اتْرُكْ منه
في الضَّرْع شيئاً يَسْتَنْزِلُ اللَّبَنَ ولا تَسْتَقْصِ حَلْبَه.
والوَداعُ: تَوْدِيعُ الناس بعضهم بعضاً في المَسِيرِ. وتَوْدِيعُ
المُسافِرِ أَهلَه إِذا أَراد سفراً: تخليفُه إِيّاهم خافِضِينَ وادِعِينَ،
وهم يُوَدِّعُونه إِذا سافر تفاؤُلاً بالدَّعةِ التي يصير إِليها إِذا
قَفَلَ. ويقال ودَعْتُ، بالتخفيف، فَوَوَدَعَ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
وسِرْتُ المَطِيّةَ مَوْدُوعةً،
تُضَحّي رُوَيْداً، وتُمْسي زُرَيْقا
وهو من قولهم فرَسٌ ودِيعٌ ومَوْدُوعٌ وموَدَّعٌ. وتَوَدَّعَ القومُ
وتَوادَعُوا: وَدَّعَ بعضهم بعضاً. والتوْدِيعُ عند الرَّحِيل، والاسم
الوَادع، بالفتح. قال شمر: والتوْدِيعُ يكون للحيّ والميت؛ وأَنشد بيت
لبيد:فَوَدِّعْ بالسَّلام أَبا حُرَيْزٍ،
وقَلَّ وداعُ أَرْبَدَ بالسلامِ
وقال القطامي:
قِفي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يا ضُباعا،
ولا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْك الوَداعا
أَراد ولا يَكُ مِنْكِ مَوْقِفَ الوَداعِ وليكن موقف غِبْطةٍ وإِقامة
لأَنَّ موقف الوداع يكون لِلفِراقِ ويكون مُنَغَّصاً بما يتلوه من
التبارِيحِ والشوْقِ. قال الأَزهريّ: والتوْدِيعُ،وإِن كان أَصلُه تَخْليفَ
المُسافِرِ أَهْله وذَوِيه وادِعينَ، فإِنّ العرب تضعه موضع التحيةِ والسلام
لأَنه إِذا خَلَّفَ دعا لهم بالسلامة والبقاء ودَعوْا بمثْلِ ذلك؛ أَلا
ترى أَن لبيداً قال في أخيه وقد مات:
فَوَدِّعْ بالسلام أَبا حُرَيْزٍ
أَراد الدعاء له بالسلام بعد موته، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر وودَّعَه
تَوْدِيعَ الحيّ إِذا سافر، وجائز أَن يكون التوْدِيعُ تَرْكَه إِياه في
الخفْضِ والدَّعةِ. وفي نوادر الأَعراب: تُوُدِّعَ مِنِّي أَي سُلِّمَ
عَلَيَّ. قال الأَزهري: فمعنى تُوُدِّعَ منهم أَي سُلِّمَ عليهم للتوديع؛
وأَنشد ابن السكيت قول مالك بن نويرة وذكر ناقته:
قاظَتْ أُثالَ إِلى المَلا، وتَرَبَّعَتْ
بالحَزْنِ عازِبةً تُسَنُّ وتُودَعُ
قال: تُودَعُ أَي تُوَدَّعُ، تُسَنُّ أَي تُصْقَلُ بالرَّعْي. يقال:
سَنَّ إِبلَه إِذا أَحْسَنَ القِيامَ عليها وصَقَلَها، وكذلك صَقَلَ فَرَسَه
إِذا أَراد أَن يَبْلُغَ من ضُمْرِه ما يبلغ الصَّيْقَلُ من السيف، وهذا
مثل؛ وروى شمر عن محارب: ودَّعْتُ فلاناً من وادِع السلام. ووَدَّعْتُ
فلاناً أَي هَجَرْتُه. والوَداعُ: القِلى.
والمُوادَعةُ والتَّوادُعُ: شِبْهُ المُصالحةِ والــتَّصالُحِ.
والوَدِيعُ: العَهْدُ. وفي حديث طَهْفةَ: قال عليه السلام: لكم يا بني نهْدٍ
ودائِعُ الشِّرْكِ ووضائعُ المال؛ ودائِعُ الشرْكِ أَي العُهودُ والمَواثِيقُ،
يقال: أَعْطَيْتُه وَدِيعاً أَي عَهْداً. قال ابن الأَثير: وقيل يحتمل
أَن يريدوا بها ما كانوا اسْتُودِعُوه من أَمْوالِ الكفار الذين لم يدخلوا
في الإِسلام، أَراد إِحْلالَها لهم لأَنها مال كافر قُدِرَ عليه من غير
عَهْدٍ ولا شرْطٍ، ويدل عليه قوله في الحديث: ما لم يكن عَهْدٌ ولا
مَوْعِدٌ. وفي الحديث: أَنه وادَعَ بَني فلان أَي صالَحَهم وسالَمَهم على ترك
الحرب والأَذى، وحقيقة المُوادعةِ المُتاركةُ أَي يَدَعُ كل واحد منهما ما
هو فيه؛ ومنه الحديث: وكان كعب القُرَظِيُّ مُوادِعاً لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم. وفي حديث الطعام: غَيْرَ مَكْفُورٍ ولا مُوَدَّعٍ ،لا
مُسْتَغْنًى عنه رَبّنا أَي غير مَتْرُوكِ الطاعةِ، وقيل: هو من الوَداعِ
وإِليه يَرْجِعُ. وتَوادَعَ القوم: أَعْطى بعضُهم بعضاً عَهْداً، وكله من
المصالحة؛ حكاه الهرويّ في الغريبين. وقال الأَزهري: تَوادَعَ الفَريقانِ
إِذا أَعْطى كل منهم الآخرِينَ عهداً أَن لا يَغْزُوَهُم؛ تقول: وادَعْتُ
العَدُوَّ إِذا هادَنْتَه مُوادَعةً، وهي الهُدْنةُ والمُوادعةُ. وناقة
مُوَدَّعةٌ: لا تُرْكَب ولا تُحْلَب. وتَوْدِيعُ الفَحلِ: اقْتِناؤُه
للفِحْلةِ. واسْتَوْدَعه مالاً وأَوْدَعَه إِياه: دَفَعَه إِليه ليكون عنده
ودِيعةً. وأَوْدَعَه: قَبِلَ منه الوَدِيعة؛ جاء به الكسائي في باب
الأَضداد؛ قال الشاعر:
اسْتُودِعَ العِلْمَ قِرْطاسٌ فَضَيَّعَهُ،
فبِئْسَ مُسْتَودَعُ العِلْمِ القَراطِيسُ
وقال أَبو حاتم: لا أَعرف أَوْدَعْتُه قَبِلْتُ وَدِيعَته، وأَنكره شمر
إِلا أَنه حكى عن بعضهم اسْتَوْدَعَني فُلانٌ بعيراً فأَبَيْتُ أَن
أُودِعَه أَي أَقْبَلَه؛ قال الأَزهري: قاله ابن شميل في كتاب المَنْطِقِ
والكسائِيُّ لا يحكي عن العرب شيئاً إِلا وقد ضَبَطَه وحفِظه. ويقال:
أَوْدَعْتُ الرجل مالاً واسْتَوْدَعْتُه مالاً؛ وأَنشد:
يا ابنَ أَبي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ،
أَوْدَعْتُكَ اللهَ الذي هُو حَسْبِيَهْ
وأَنشد ابن الأَعرابي:
حتى إِذا ضَرَبَ القُسُوس عَصاهُمُ،
ودَنا منَ المُتَنَسِّكينَ رُكُوعُ،
أَوْدَعْتَنا أَشْياءَ واسْتَوْدعْتَنا
أَشْياءَ، ليْسَ يُضِيعُهُنَّ مُضِيعُ
وأَنشد أَيضاً:
إِنْ سَرَّكَ الرّيُّ قُبَيْلَ النَّاسِ،
فَوَدِّعِ الغَرْبَ بِوَهْمٍ شاسِ
ودِّعِ الغَرْبَ أَي اجعله ودِيعةً لهذا الجَمَل أَي أَلْزِمْه
الغَرْبَ.والوَدِيعةُ:واحدة الوَدائِعِ، وهي ما اسْتُودِعَ. وقوله تعالى:
فمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ؛ المُسْتَوْدَعُ ما في الأَرحام، واسْتَعاره علي،
رضي الله عنه، للحِكْمة والحُجّة فقال: بهم يَحفظ اللهُ حُجَجَه حتى
يودِعوها نُظراءَهُم ويَزرَعُوها في قُلوبِ أَشباهِهِم؛ وقرأَ ابن كثير وأَبو
عمرو: فمستقِرّ، بكسر القاف، وقرأَ الكوفيون ونافع وابن عامر بالفتح وكلهم
قال: فَمُسْتَقِرّ في الرحم ومستودع في صلب الأَب، روي ذلك عن ابن مسعود
ومجاهد والضحاك. وقال الزجاج: فَلَكُم في الأَرْحامِ مُسْتَقَرٌّ ولكم
في الأَصْلاب مُسْتَوْدَعٌ، ومن قرأَ فمستقِرّ، بالكسر، فمعناه فمنكم
مُسْتَقِرٌّ في الأَحياء ومنكم مُسْتَوْدَعٌ في الثَّرى. وقال ابن مسعود في
قوله: ويعلم مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعها أَي مُستَقَرَّها في الأَرحام
ومُسْتَوْدَعَها في الأَرض. وقال قتادة في قوله عز وجل: ودَعْ أَذاهُم
وتَوَكَّلْ على الله؛ يقول: اصْبِرْ على أَذاهم. وقال مجاهد: ودع أَذاهم أَي
أَعْرِضْ عنهم؛ وفي شعر العباس يمدح النبي، صلى الله عليه وسلم:
مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفي
مُسْتَوْدَعٍ، حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
المُسْتَوْدَعُ: المَكانُ الذي تجعل فيه الوديعة، يقال: اسْتَوْدَعْتُه
ودِيعةً إِذا اسْتَحْفَظْتَه إَيّاها، وأَراد به الموضع الذي كان به آدمُ
وحوّاء من الجنة، وقيل: أَراد به الرَّحِمَ.
وطائِرٌ أَوْدَعُ: تحتَ حنَكِه بياض. والوَدْعُ والوَدَعُ: اليَرْبُوعُ،
والأَوْدَع أَيضاً من أَسماء اليربوع.
والوَدْعُ: الغَرَضُ يُرْمَى فيه. والوَدْعُ: وثَنٌ. وذاتُ الوَدْعِ:
وثَنٌ أَيضاً. وذات الوَدْعِ: سفينة نوح، عليه السلام، كانت العرب تُقْسِمُ
بها فتقول: بِذاتِ الودْع؛ قال عَدِيّ بن زيد العبّادِي:
كَلاّ، يَمِيناً بذاتِ الوَدْعِ، لَوْ حَدَثَتْ
فيكم، وقابَلَ قَبْرُ الماجِدِ الزّارا
يريد سفينةَ نوح، عليه السلام، يَحْلِفُ بها ويعني بالماجِدِ النُّعمانَ
بنَ المنذِرِ، والزَّارُ أَراد الزارة بالجزيرة، وكان النعمان مَرِضَ
هنالك. وقال أَبو نصر: ذاتُ الودْعِ مكةُ لأَنها كان يعلق عليها في
سُتُورِها الوَدْعُ؛ ويقال: أَراد بذات الوَدْعِ الأَوْثانَ. أَبو عمرو:
الوَدِيعُ المَقْبُرةُ. والودْعُ، بسكون الدال: جائِرٌ يُحاطُ عليه حائطٌ
يَدْفِنُ فيه القومُ موتاهم؛ حكاه ابن الأَعرابي عن المَسْرُوحِيّ؛
وأَنشد:لَعَمْرِي، لقد أَوْفى ابنُ عَوْفٍ عشِيّةً
على ظَهْرِ وَدْعٍ، أَتْقَنَ الرَّصْفَ صانِعُهْ
وفي الوَدْعِ، لو يَدْري ابنُ عَوْفٍ عشِيّةً،
غِنى الدهْرِ أَو حَتْفٌ لِمَنْ هو طالِعُهْ
قال المسروحيّ: سمعت رجلاً من بني رويبة بن قُصَيْبةَ بن نصر بن سعد بن
بكر يقول: أَوْفَى رجل منا على ظهر وَدْعٍ بالجُمْهُورةِ، وهي حرة لبني
سعد بن بكر، قال: فسمعت قائلاً يقول ما أَنْشَدْناه، قال: فخرج ذلك الرجل
حتى أَتى قريشاً فأَخبر بها رجلاً من قريش فأَرسل معه بضعة عشر رجلاً،
فقال: احْفِرُوه واقرؤوا القرآن عنده واقْلَعُوه، فأَتوه فقلعوا منه فمات
ستة منهم أَو سبعة وانصرف الباقون ذاهبة عقولهم فَزَعاً، فأَخبروا صاحبهم
فكَفُّوا عنه، قال: ولم يَعُدْ له بعد ذلك أَحد؛ كلّ ذلك حكاه ابن
الأَعرابي عن المسروحيّ، وجمع الوَدْعِ وُدُوعٌ؛ عن المسروحي أَيضاً.
والوَداعُ: وادٍ بمكةَ، وثَنِيّةُ الوَداعِ منسوبة إِليه. ولما دخل
النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة يوم الفتح استقبله إِماءُ مكةَ يُصَفِّقْنَ
ويَقُلْن:
طَلَعَ البَدْرُ علينا
من ثَنيّاتِ الوداعِ،
وجَبَ الشكْرُ علينا،
ما دَعا للهِ داعِ
ووَدْعانُ: اسم موضع؛ وأَنشد الليث:
ببيْض وَدْعانَ بِساطٌ سِيُّ
ووادِعةُ: قبيلة إِما أَن تكون من هَمْدانَ، وإِمّا أَن تكون هَمْدانُ
منها، وموْدُوعٌ: اسم فرس هَرِمِ بن ضَمْضَمٍ المُرّي، وكان هَرِمٌ قُتِلَ
في حَرْبِ داحِسٍ؛ وفيه تقول نائحتُه:
يا لَهْفَ نَفْسِي لَهَفَ المَفْجُوعِ،
أَنْ لا أَرَى هَرِماً على مَوْدُوعِ
هدن: الأَزهري عن الهَوَازنيّ: الهُدْنَة انتقاضُ عَزْم الرجل بخبر
يأْتيه فيَهْدِنُه عما كان عليه فيقال انْهَدَنَ عن ذلك، وهَدَنَه خَبَرٌ
أَتاه هَدْناً شديداً. ابن سيده: الهُدْنة والهِدَانَةُ المصالحة بعد الحرب؛
قال أُسامة الهذلي:
فسامونا الهِدانَةَ من قريبٍ،
وهُنَّ معاً قيامٌ كالشُّجُوبِ
والمَهْدُون: الذي يُْطْمَعُ منه في الصلح؛ قال الراجز:
ولم يَعَوَّدْ نَوْمَةَ المَهْدُونِ
وهَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. وهِدَنَِ أَي سكَّنه، يتعدَّى ولا
يتعدَّى. وهادَنه مُهادنَةً: صالحه، والاسم منهما الهُدْنَة. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكر الفتَنَ فقال: يكون بعدها هُدْنَةٌ
على دَخَنٍ وجماعةٌ
على أَقْذاءٍ؛ وتفسيره في الحديث؛ لا ترجع قلوبُ قوم على ما كانت عليه،
وأَصل الهُدْنةِ السكونُ بعد الهَيْج. ويقال للصلح بعد القتال والمُوادعة
بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين: هُدْنَةٌ، وربما جعلت للهُدْنة
مُدّة معلومة، فإذا انقضت المدة عادوا إلى القتال، والدَّخَنُ قد مضى
تفسيره؛ وقوله هُدْنَة على دَخَنٍ أَي سكونٌ
على غِلّ. وفي حديث علي، عليه السلام: عُمْياناً في غَيْبِ الهُدْنة أَي
لا يعرفون ما في الفتنة من الشر ولا ما في السكون من الخير. وفي حديث
سلمان: مَلْغاةُ أَوّل الليل مَهْدَنَةٌ
لآخره؛ معناه إذا سَهِر أَوّلَ الليل ولَغا في الحديث لم يستيقظ في آخره
للتهجد والصلاة أَي نومه في آخر الليل بسبب سهره في أَوّله. والمَلْغاة
والمَهْدَنة: مَفْعَلة من اللَّغْو، والهُدُونُ: السكون أَي مَظِنّة لهما
(* قوله «لهما» هكذا في الأصل والنهاية). والهُدْنَة والهُدُون
والمَهْدَنة: الدَّعة والسكون. هَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. الليث:
المَهْدَنة من الهُدْنة وهو السكون، يقال منه: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُوناً إذا
سَكَنْتَ فلم تتحرّك. شَمِرٌ: هَدَّنْتُ الرجلَ سَكَّنته وخَدَعْتُه كما
يُهْدَن الصبي؛ قال رؤبة:
ثُقِّفْتَ تَثْقِيفَ امْرِئٍ لم يُهْدَنِ
أَي لم يُخْدَعْ ولم يُسَكَّنْ فيطمع فيه. وهادَنَ القومَ: وادَعهم.
وهَدَنَهم يَهْدِنُهم هَدْناً رَبَّثَهم بكلام وأَعطاهم عهداً لا ينوي أَن
يَفِيَ به؛ قال:
يَظَلُّ نَهارُ الوالِهين صَبابةً،
وتَهْدِنُهم في النائمين المَضاجعُ
وهو من التسكين. وهَدَنَ الصبيَّ وغيره يَهْدِنه وهَدَّنه: سكَّنه
وأَرضاه. وهُدِنَ عنك فلانٌ: أَرضاه منك الشيءُ اليسير. ويقال: هَدَّنتِ
المرأَةُ صبيَّها إذا أَهْدَأَته لينام، فهو مُهَدَّنٌ. وقال ابن الأَعرابي:
هَدَنَ عَدُوَّه إذا كافَّه، وهَدَنَ إذا حَمُقَ. وتَهْدِينُ المرأَة
ولدها: تسكينها له بكلام إذا أَرادت إنامته. والتَّهْدِينُ البُطْءُ.
وتَهادَنت الأُمورُ: استقامت.
والهَوْدَناتُ: النُّوقُ.
ورجل هِدانٌ، وفي التهذيب مَهْدُونٌ: بليد يرضيه الكلام، والاسم
الهَدْنُ والهُدْنةُ. ويقال: قد هَدَنوه بالقول دون الفعل. والهِدانُ: الأَحمقُ
الجافي الوَخِمُ الثقيل في الحرب، والجمع الهُدونُ؛ قال رؤبة:
قد يَجْمَعُ المالَ الهِدانُ الجافي،
من غير ما عَقْلٍ ولا اصْطِرافِ
وفي حديث عثمان: جَباناً هِداناً، الهِدانُ: الأَحمقُ الثقيل، وقيل:
الهِدان والمَهْدُون النَّوَّام الذي لا يُصَلِّي ولا يُبَكِّر في حاجة؛ عن
ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
هِدَانٌ كشحم الأُرْنةِ المُتَرَجْرِج
وقد تَهَدَّنَ، ويقال: هو مَهْدُونٌ؛ وقال:
ولم يُعَوَّدْ نومةَ المَهْدُونِ
والاسم من كل ذلك الهَدْنُ؛ وأَنشد الأَزهري في المَهْدُون:
إنَّ العَواويرَ مأْكولٌ حظُوظَتُها،
وذو الكَهامةِ بالأَقْوالِ مَهْدُونُ
والهَدِنُ المُسْتَرْخِي. وإنَّه عنك لَهَيْدانٌ
إذا كانَ يهابه. أَبو عبيد في النوادر: الهَيْدانُ والهِدَانُ واحد،
قال: والأَصل الهِدانُ، فزادوا الياء؛ قال الأَزهري: وهو فَيْعالٌ مثل
عَيْدانِ النخل، النون أَصلية والياء زائدة.
والهَدْنَةُ: القليل الضعيف من المطر؛ عن ابن الأَعرابي، وقال: هو
الرَّكُّ والمعروف الدَّهْنَةُ.
عسف: العَسْفُ: السَّير بغير هداية والأخْذُ على غير الطريق، وكذلك
التَّعَسُّفُ والاعْتِسافُ، والعَسْف: رُكوب المَفازَةِ وقطْعُها بغير قَصْد
ولا هِداية ولا تَوَخِّي صَوْب ولا طَريق مَسْلوك. يقال: اعْتسف الطريقَ
اعتِسافاً إذا قَطَعَه دون صوْب تَوَخّاه فأَصابه. والتعسِيفُ: السَّيْرُ
على غير عَلَم ولا أَثرٍ. وعَسَفَ المَفازةَ: قَطَعَها كذلك ؛ ومنه قيل:
رجل عَسوفٌ إذا لم يَقْصِد الحقِّ؛ وقول كثيِّر:
عَسُوق بأَجْواز الفَلا حِمْيَريّة
العَسُوف: التي تمرّ على غير هداية فتركب رأْسها في السير ولا يَثْنيها
شيء. والعَسْفُ: ركوب الأَمر بلا تدبير ولا رَويّة، عسَفَه يَعْسِفُه
عَسْفاً وتَعَسَّفَه واعْتَسَفه؛ قال ذو الرمة:
قد أَعْسِفُ النَّازِحَ المَجْهُولَ مَعْسِفُه
في ظِلِّ أَغْضَفَ، يَدْعُو هامَه البُومُ
ويروى: في ظل أَخْضَر، وأَنشد ابن الأَعرابي:
وعَسَفَتْ مَعاطِناً لم تَدْثُر
مدح إبلاً فقال: إذا ثبتت ثَفناتُها في الأَرض بَقِيَت آثارُها فيها
ظاهرة لم تدْثُر، قال: وقيل ترد الظِّمء الثاني، وأَثَرُ ثفناتها الأَوَّل
في الأَرض ومَعاطِنُها لم تدْثُر؛ وقال ذو الرمة:
ورَدْتُ اعْتِسافاً، والثُّرَيّا كأَنها،
على هامةِ الرأْس، ابن ماءٍ مُحَلِّقُ
وقال أَيضاً:
يَعْتَسِفانِ الليلَ ذا الحُيودِ
أَمّاً بكلِّ كوْكَبٍ حَريدِ
(* قوله «الحيود» كذا في الأصل هنا، وتقدم للمؤلف في مادة حرد: السدود.)
وعسَف فلان فلاناً عَسْفاً: ظلَمه. وعسَف السلطانُ يَعْسِفُ واعْتَسَف
وتعَسَّفَ: ظلَم، وهو من ذلك. وفي الحديث: لا تبلُغ شفاعتي إماماً
عَسُوفاً أَي جائراً ظلُوماً. والعَسْف في الأَصل: أَن يأْخذ المسافر على غير
طريق ولا جادّة ولا عَلَم فنقل إلى الظُّلم والجَوْر. وتعسَّف فلام فلاناً
إذا ركبه بالظلم ولم يُنْصِفه. ورجل عَسُوف إذا كان ظلوماً. والعَسِيفُ:
الأَجيرُ المُسْتهانُ به. وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: أَن رجلاً
جاء إلى النبي، صلى اللّه عليه وسلم، فقال: إنَّ ابْني كان عَسِيفاً على
رجل كان معه وإنه زنى بامرأَته، أَي كان أَجيراً. والعُسَفاء:
الأُجَراء، وقيل: العَسِيفُ الممْلوك المُسْتهان به؛ قال نبيه بن
الحجّاج:أَطَعْتُ النفْسَ في الشَّهَواتِ حتى
أَعادَتْني عَسِيفاً، عَبدَ عَبْدِ
ويروى: أَطعت العِرْس، وهو فَعِيل بمعنى مفعول كأَسير أَو بمعنى فاعل
كعليم من العَسْف الجَوْر والكفاية. يقال: هو يَعْسِفُهم أَي يَكْفِيهم.
وكم أَعْسِفُ عليك أَي كم أَعْمَل لك، وقيل: كل خادم عَسِيف. وفي الحديث:
لا تقتلوا عَسِيفاً ولا أَسيفاً. والأَسِيفُ: العَبْدُ، وقيل: الشيخ
الفاني، وقيل: هو الذي تشتريه بمالِه، والجمع عُسَفاء على القياس، وعِسَفةٌ
على غير القياس. وفي الحديث: أَنه بَعث سَرِيّة فنَهى عن قتل العُسَفاء
والوُصَفاء، ويروى الأُسَفاء. واعْتَسَفَه: اتّخَذه عَسِيفاً. وعسَف
البعيرُ يَعْسِفُ عَسْفاً وعُسوفاً: أَشرف على الموت من الغُدّة، فهو عاسِف،
وقيل: العَسْف أَن يَتَنَفّس حتى تَقْمُصَ حَنْجَرتُه أَي تَنْتفخ؛ وأَما
قول أَبي وجْزة السعْديّ:
واسْتَيْقَنَت أَنّ الصَّلِيفَ مُنْعَسِفْ
فهو من عَسْفِ الحَنْجرة إذا قَمَصَت للموت. وأَعْسَف الرجلُ إذا أَخذ
بعيرَه العَسْفُ، وهو نفَسُ الموت؛ وناقة عاسِفٌ، بغير هاء: أَصابها ذلك.
والعُساف للإبل: كالنِّزاع للإنسان. قال الأَصمعي: قلت لرجل من أهل
البادية: ما العُساف؟ قال: حين تَقمُص حَنجرتُه أَي ترجف من النفَس؛ قال عامر
بن الطفيل في قُرْزُل يوم الرَّقَم:
ونِعْم أَخُو الصُّعْلُوكِ أَمْسِ تَرَكْتُه
بتَضْرُعَ، يَمْري باليدينِ ويَعْسِف
وأَعسَف الرجلُ إذا أَخذ غلامَه بعمَل شديد، وأَعْسفَ إذا سار بالليل
خَبطَ عَشْواء. والعَسْفُ: القَدَحُ الضخْم. والعُسوفُ: الأقْداح
الكِبار.وعُسْفانُ: موضع وقد ذكر في الحديث؛ قال ابن الأَثير: هي قَرْية جامعة
بين مكة والمدينة، وقيل: هي مَنْهلة من مَناهِل الطريق بين الجُحفة ومكة؛
قال الشاعر:
يا خَلِيلَيَّ ارْبَعا واسْـ
ـتَخْبِرا رَسْماً بعُسفانْ
والعَسّاف: اسم رجل.
لأم: اللُّؤْم: ضد العِتْقِ والكَرَمِ. واللَّئِيمُ: الدَّنيءُ الأَصلِ
الشحيحُ النفس، وقد لَؤُم الرجلُ، بالضم، يَلْؤُم لُؤْماً، على فُعْلٍ،
ومَلأَمةً على مَفْعَلةٍ، ولآمةً على فَعالةَ، فهو لَئِيمٌ من قوم لِئامٍ
ولُؤَماءَ، ومَلأَمانُ؛ وقد جاء في الشعر أَلائمُ على غير قياس؛ قال:
إِذا زالَ عنكمْ أَسْودُ العينِ كنتُمُ
كِراماً، وأَنتم ما أَقامَ أَلائِمُ
وأَسْودُ العين: جبل معروف، والأُنثى مَلأَمانةٌ. وقالوا في النِّداء:
يا مَلأَمانُ خلاف قولك يا مَكْرَمانُ. ويقال للرجل إِذا سُبَّ: يا
لُؤْمانُ ويا مَلأمانُ ويا مَلأمُ. وأَلأَمَ: أَظْهَرَ
خصالَ اللُّؤْم. ويقال: قد أَلأمَ الرجل إِلآماً إِذا صنع ما يدعوه
الناس عليه لَئيماً، فهو مُلْئِمٌ. وأَلأمَ: ولَدَ اللِّئامَ؛ هذه عن ابن
الأَعرابي، واسْتَلأمَ أَصْهاراً
(* قوله «واستلأم اصهاراً لئاماً» هكذا في
الأصل، وعبارة القاموس: واستلأم أصهاراً اتخذهم لئاماً). لِئاماً،
واسْتلأمَ أَباً إِذا كان له أَبٌ سوءٌ لئيمٌ ولأَّمَه: نسبَه
(* قوله «ولأمه
نسبه إلخ» عبارة شرح القاموس: ورجل ملأم كمعظم منسوب إلى اللؤم وكذا ملآم،
وأنشد ابن الأَعرابي:
يروم أذى الأحرار كلّ ملأم). إِلى اللُّؤْمِ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
يرومُ أَذَى الأَحرارِ كلُّ مُلأَّمٍ،
ويَنْطِقُ بالعَوْراء مَن كانَ مُعْوِرا
والمِلأمُ والمِلآمُ: الذي يُعْذِرُ اللِّئامَ. والمُلْئِمُ: الذي يأْتي
اللِّئام. والمُلْئِمُ: الذي يأْتي اللِّئام. والمُلْئِمُ: الرجل
اللَّئيم. والمِلأمُ والمِلآمُ على مِفْعَل ومِفْعال: الذي يقوم يُعْذِرُ
اللئام. والَّلأْم: الاتفاقُ: وقد تلاءمَ القومُ والْتأَمُوا: اجتمعوا
واتَّفقوا. وتَلاءَمَ الشيئان إِذا اجتمعا واتصلا. ويقال: الْتأَم الفَرِيقان
والرجلان إِذا تَصالحــا واجتمعا؛ ومنه قول الأَعشى:
يَظُنُّ الناسُ بالمَلِكيـ
ـن أَنَّهما قد الْتَأَما
فإِنْ تَسْمَعْ بِلأْمِهما،
فإِنَّ الأَمْرَ قد فَقِما
وهذا طعامٌ يُلائُمني أَي يوافقني، ولا تقل يُلاوِمني. وفي حديث ابن
أُمّ مكتوم: لي قائدٌ لا يُلائُمني أَي يُوافِقني ويُساعدني، وقد تخفف
الهمزة فتصير ياء، ويروى يُلاوِمني، بالواو، ولا أَصل له، وهو تحريف من
الرُّواة، لأَن المُلاوَمة مُفاعَلة من اللَّوْم. وفي حديث أَبي ذر: مَن
لايَمَسكم من مملوكِيكم فأَطْعِموه مما تأْكلون؛ قال ابن الأَثير: هكذا يروى
بالياء منقلبة عن الهمزة، والأَصل لاءَمكم. ولأَم الشيءَ لأْماً ولاءَمَه
ولأَّمَه وأَلأَمَه: أَصلحه فالْتَأَمَ وتَلأَّمَ. واللِّئْمُ: الصلح،
مهموز. ولاءَمْت بين الفريقين إِذا أَصلحت بينهما. وشيء لأْمٌ أَي مُلْتئِم.
ولاءمْت بين القوم مُلاءمة إِذا أَصلحتَ وجمعت، وإِذا اتَّفق الشيئان
فقد التَأَما؛ ومنه قولهم: هذا طعامٌ لا يُلائمُني، ولا تقل يُلاوِمُني،
فإِنما هذا من اللَّوْم. واللِّئْم: الصُّلح والاتفاقُ بين الناس؛ وأَنشد
ثعلب:
إِذا دُعِيَتْ يَوْماً نُمَيْرُ بنُ غالب،
رأَيت وُجوهاً قد تَبَيَّنَ لِيمُها
وليَّن الهمز كما يُلَيَّنُ في اللِّيام جمع اللَّئيم. واللِّئْم:
فِعْلٌ من الملاءَمة، ومعناه الصلح. ولاءَمَني الأَمرُ: وافقني. وريشٌ
لُؤَامٌ: يُلائم بعضُه بعضاً، وهو ما كان بَطْنُ القُذَّة منه يلي
ظَهْرَ الأُخرى، وهو أَجود ما يكون، فإِذا التقى بَطْنان أَو ظَهْران فهو لُغاب
ولَغْب؛ وقال أَوْس بن حَجَر:
يُقَلِّبُ سَهْماً راشَه بمَناكبٍ
ظُهارٍ لُؤامٍ، فهو أَعْجَفُ شاسِفُ
وسهم لأْمٌ: عليه ريشٌ لُؤامٌ؛ ومنه قول امرئ القيس:
نَطْعَنهم سُلْكَى ومُخْلوجةً،
لَفْتَكَ لأْمَيْنِ على نابِل
ويروى: كَرَّكَ لأْمَيْنِ. ولأَمْتُ السهم، مثل فَعَلْت: جعلت له
لُؤاماً. واللُّؤامُ: القُذَذُ الملتَئِمة، وهي التي يلي بطنُ القُذّة منها
ظهرَ الأُخرى، وهو أَجود ما يكون ولأَم السهمَ لأْماً: جعل عليه ريشاً
لُؤاماً. والْتَأَمَ الجرحُ التِئاماً إِذا بَرَأَ والتَحَمَ. الليث:
أَلأَمْتُ الجُرحَ بالدَّواء وألأَمْتُ القُمْقُم إِذا سدَدْت صُدوعَه، ولأَمْت
الجرحَ والصَّدْعَ إِذا سددته فالتأَم. وفي حديث جابر: أَنه أَمر
الشَّجَرَتَين فجاءتا، فلما كانتا بالمَنْصَفِ لأم بينهما. يقال: لأَمَ ولاءَمَ
بين الشيئين إِذا جمع بينهما ووافق. وتلاءَمَ الشيئان والْتَأَما بمعنى.
وفلانٌ لَِئْمُ فلانٍ ولِئامُه أَي مثلُه وشِبهه، والجمع أَلآمٌ ولِئامٌ؛
عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَنَقْعُد العامَ لا نَجْني على أَحدٍ
مُجَنَّدِينَ، وهذا الناسُ أَلآمُ؟
وقالوا: لولا الوِئام هلك اللِّئام؛ قيل: معناه الأَمثال، وقيل:
المتلائمون. وفي حديث عمر: أَن شابَة زُوِّجت شيخاً فقتلته، فقال: أَيها الناس،
ليَنْكِح الرجلُ لُمَتَه من النساء، ولتَنْكِح المرأَةُ لُمَتها من
الرجال أَي شكله وتِرْبَه ومثلَه، والهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه؛
وأَنشد ابن بري:
فإِن نَعْبُرْ فإِنَّ لنا لُماتٍ،
وإِن نَغْبُرْ فنحنُ على نُدورِ
أَي سنموت لا محالة. وقوله لُمات أَي أَشباهاً. واللُّمَة أَيضاً:
الجماعة من الرجال ما بين الثلاثة إِلى العشرة. واللِّئْمُ: السيْف؛
قال:ولِئْمُك ذُو زِرَّيْنِ مَصْقولُ
والَّلأْمُ: الشديد من كل شيء. والَّلأْمةُ واللُّؤْمةُ: متاع الرجل من
الأَشِلّةِ والوَلايا؛ قال عديّ بن زيد:
حتى تَعاوَنَ مُسْتَكٌّ له زَهَرٌ
من التَناويرِ، شَكْل العِهْنِ في اللُّؤَمِ
والَّلأْمةُ: الدرع، وجمعها لُؤَم، مِثل فُعَل، وهذا على غير قياس. وفي
حديث عليّ، كرم الله وجهه: كان يُحرِّضُ أَصحابَه يقول تَجَلْبَبُوا
السكِينةَ وأَكمِلُوا اللُّؤَمَ؛ هو جمع لأْمة على غير قياس فكأَنَّ واحدَته
لُؤْمة. واسْتَلأَم لأْمَتَه وتلأَّمَها؛ الأَخيرة عن أَبي عبيدة:
لَبِسَها. وجاء مُلأَّماً عليه لأْمَةٌ؛ قال:
وعَنْتَرة الفَلْحاء جاء مُلأَّماً،
كأَنَّكَ فِنْدٌ مِن عَمايةَ أَسْودُ
(* قوله «كأنك» تقدم له في مادة فلح: كأنه)
قال الفَلْحاء فأَنَّث حملاً له على لفظ عنترة لمكان الهاء، أَلا ترى
أَنه لما استغنى عن ذلك ردّه إِلى التذكير فقال كأَنَّك؟ والَّلأْمةُ:
السّلاح؛ كلها عن ابن الأَعرابي. وقد اسْتَلأَم الرجلُ إِذا لبِس ما عنده من
عُدّةٍ رُمْحٍ وبيضة ومِغْفَر وسيف ونَبْل؛ قال عنترة:
إِن تُغْدِفي دُوني القِناعَ، فإِنَّني
طَبٌّ بأَخْذِ الفارِسِ المُسْتَلْئِمِ
الجوهري: اللأْم جمع لأْمة وهي الدرع، ويجمع أَيضاً على لُؤَم مثل
نُغَر، على غير قياس أَنه جمع لُؤْمة. غيره: اسْتَلأَم الرجلُ لبِس اللأْمة.
والمُلأَّم، بالتشديد: المُدَرَّع. وفي الحديث: لما انصرف النبي، صلى الله
عليه وسلم، من الخَنْدقِ ووضَع لأْمته أَتاه جبريلُ، عليه السلام،
فأَمره بالخروج إِلى بني قُرَيْظة؛ اللأْمة، مهموزةً: الدرعُ، وقيل: السلاح.
ولأْمةُ الحرب: أَداتها، وقد يترك الهمز تخفيفاً. ويقال للسيف لأْمة
وللرمح لأْمة، وإِنما سمّي لأْمةً لأَنها تُلائم الجسد وتلازمه؛ وقال بعضهم:
الَّلأْمة الدرع الحصِينة، سميت لأْمة لإِحْكامِها وجودة حلَقِها؛ قال ابن
أَبي الحُقَيق فجعل اللأْمة البَيْضَ:
بفَيْلَقٍ تُسْقِطُ الأحْبالَ رؤيتُها،
مُسْتَلْئِمِي البَيْضِ من فوق السَّرابِيل
وقال الأَعشى فجعل اللأْمة السلام كله:
وقُوفاً بما كان من لأْمَةٍ،
وهنَّ صِيامٌ يَلُكْنَ اللُّجُم
وقال غيره فجعل الَّلأْمة الدرع وفروجها بين يديها ومن خلفها:
كأَنَّ فُروجَ الَّلأمةِ السَّرْد شَكَّها،
على نفسِه، عَبْلُ الذِّراعَيْن مُخْدِرُ
واسْتَلأَم الحَجَر: من المُلاءَمة، عنه أَيضاً، وأَما يعقوب فقال: هو
من السِّلام، وهو مذكور في موضعه.
واللُّؤْمة: جماعة أَداةِ
الفدَّان؛ قاله أَبو حنيفة، وقال مرة: هي جماع آلة الفدّان حديدها
وعيدانها. الجوهري: اللُّؤْمة جماعةُ أَداة الفدّان، وكل ما يبخل به الإنسان
لحسنه من متاع البيت. ابن الأَعرابي: اللُّؤْمة السِّنَّة التي تحرث بها
الأَرض، فإِذا كانت على الفدّان فهي العِيانُ، وجمعها عُيُنٌ. قال ابن
بري: اللُّؤْمة السِّكَّة؛ قال:
كالثَّوْرِ تحت اللُّؤْمةِ المُكَبِّس
أَي المُطأْطئ الرأْس.
وَلأْم: اسم رجل؛ قال:
إِلى أَوْسِ بنِ حارِثَةَ بنِ لأْم،
ليَقْضِيَ حاجَتي فِيمنْ قَضاها
فما وَطِئَ الحصى مثلُ ابن سُعْدى،
ولا لَبس النِّعالَ ولا احْتَذاها
سهل: السَّهْلُ: نَقيضُ الحَزْن، والنسبة إِليه سُهْلِيٌّ. ونَهَرٌ
سَهِلٌ: ذو سِهْلَةٍ. والسُّهولة: ضد الحُزُونة، وقد سَهُل الموضعُ، بالضم.
ابن سيده: السَّهْلُ كل شيء إِلى اللِّين وقِلة الخشونة، والنسب إِليه
سُهْلِيٌّ، بالضم، على غير قياس. والسَّهِلُ: كالسَّهْل؛ قال الجعدي يصف
سحاباً:
حتى إِذا هَبَط الأَفْلاحَ وانْقَطَعَتْ
عنه الجَنوبُ، وحَلَّ الغائطَ السَّهِلا
وقد سَهُلَ سُهولةً. وسَهَّله: صَيَّره سَهْلاً. وفي الدعاء: سَهَّل
اللهُ عليك الأَمرَ ولك أَي حَمَل مؤنَته عنك وخَفَّفَ عليك. والسَّهْل من
الأَرض: نقيض الحَزن، وهو من الأَسماء التي أُجريت مُجْرى الظروف، والجمع
سُهول. وأَرض سَهْلة، وقد سَهُلَتْ سُهولةً، جاؤوا به على بناء ضده، وهو
قولهم حَزُنَتْ حُزُونةً. وأَسْهَلَ القومُ: صاروا في السَّهْل.
وأَسْهَلَ القومُ إِذا نزلوا السَّهْل بعدما كانوا نازلين بالحَزْن. وفي حديث رمي
الجمار: ثم يأْخذ ذاتَ الشِّمال فيُسْهِل فيقوم مُسْتقبلَ القبلة؛
أَسْهَلَ يُسْهِل إِذا صار إِلى السَّهْل من الأَرض، وهو ضد الحَزْن، أَراد
أَنه صار إِلى بطن الوادي. وأَسْهَلوا إِذا استعملوا السُّهولة مع الناس،
وأَحْزَنوا إِذا استعملوا الحُزونة؛ قال لبيد:
فإِن يُسْهِلوا فالسَّهْلُ حَظِّي وطُرْقَتي،
وإِن يُحْزِنوا أَرْكَبْ بهم كُلَّ مَرْكَب
وقول غَيْلان الرَّبَعي يَصف حَلْبة:
وأَسْهَلوهُنَّ دُقاقَ البَطْحا
إِنما أَراد أَسْهَلوا بهنَّ في دُقاق البطحاء فحذف الحرف وأَوْصَل.
وبعيرٌ سُهْليٌّ: يَرْعى في السُّهولة.
والتسهيل: التيسير. والتَّساهُل: التسامُح. واسْتَسْهَلَ الشيءَ: عَدَّه
سَهْلاً. وفي الحديث: من كَذَبَ عليّ مُتَعَمِّداً فقد اسْتَهَلَ مكانَه
من جهنم أَي تَبَوَّأَ واتخذ مكاناً سَهْلاً من جهنَّم، وهو افْتَعَل من
السَّهْل، وليس في جهنم سَهْلٌ أَعاذنا الله منها برحمته.
ورَجُلٌ سَهْلُ الوجه؛ عن اللحياني ولم يفسره؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه
يُعْنى بذلك قلة لحمه وهو ما يُسْتَحْسَن. وفي صفته، صلى الله عليه
وسلم: أَنه سَهْل الخَدَّين صَلْتُهُما أَي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين،
ورَجُلٌ سَهْلُ الخُلُق.
والسِّهْلة والسِّهْل: تراب كالرمل يجيء به الماء. وأَرض سَهِلةٌ: كثيرة
السِّهْلة، فإِذا قلت سَهْلة فهي نقيض حَزْنة. قال أَبو منصور: لم أَسمع
سَهِلة لغير الليث. ابن الأَعرابي: يقال لرَمْل البحر السِّهْلة؛ هكذا
قاله بكسر السين. أَبو عمرو بن العلاء: ينسب إِلى الأَرض السَّهْلة
سُهْلِيٌّ، بضم السين. الجوهري: السِّهْلة، بكسر السين، رَمْلٌ ليس بالدُّقاق.
وفي حديث أُم سلمة في مَقْتَل الحسين، عليه السلام: أَن جبريل، عليه
السلام، أَتاه بسِهْلة أَو تراب أَحمر؛ السِّهْلة: رمل خَشِن ليس بالدّقاق
الناعم.
وإِسْهالُ البَطْن: كالخِلْفَة، وقد أُسْهِل الرَّجُلُ وأُسْهِل بطنُه،
وأَسْهَله الدَّواءُ، وإِسْهالُ البطن: أَن يُسْهِله دَواءٌ، وأَسْهَل
الدواءُ طبيعتَه. والسَّهْل: الغُرابُ.
وسَهْلٌ وسُهَيْلٌ: اسمان. وسُهَيْلٌ: كوكبٌ يَمانٍ. الأَزهري: سُهَيْلٌ
كوكب لا يُرى بخُراسان ويُرى بالعراق؛ قال الليث: بَلَغَنا أَن
سُهَيْلاً كان عَشَّاراً على طريق اليمن ظَلوماً فمسَخَه الله كوكباً. وقال ابن
كُناسة: سُهَيْلٌ يُرى بالحجاز وفي جميع أَرض العرب ولا يُرى بأَرض
أَرمِينِيَة، وبين رُؤية أَهل الحجاز سُهَيْلاً ورؤية أَهل العراق إِيَّاه
عشرون يوماً؛ قال الشاعر:
إِذا سُهَيْلٌ مَطْلَعَ الشَّمْسِ طَلَعْ،
فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ، والحِقُّ جَذَعْ
ويقال: إِنه يَطْلُع عند نَتاج الإِبل، فإِذا حالَتِ السَّنَةُ
تَحَوَّلَت أَسنانُ الإِبل.
رجع: رَجَع يَرْجِع رَجْعاً ورُجُوعاً ورُجْعَى ورُجْعاناً ومَرْجِعاً
ومَرْجِعةً: انصرف. وفي التنزيل: إِن إِلى ربك الرُّجْعى، أَي الرُّجوعَ
والمَرجِعَ، مصدر على فُعْلى؛ وفيه: إِلى الله مَرْجِعُكم جميعاً، أَي
رُجُوعكم؛ حكاه سيبويه فيما جاء من المصادر التي من فَعَلَ يَفْعِل على
مَفْعِل، بالكسر، ولا يجوز أَن يكون ههنا اسمَ المكان لأَنه قد تعدَّى بإِلى،
وانتصبت عنه الحالُ، واسم المكان لا يتعدَّى بحرف ولا تنتصب عنه الحال
إِلا أَنّ جُملة الباب في فَعَلَ يَفْعِل أَن يكون المصدر على مَفْعَل،
بفتح العين. وراجَع الشيءَ ورَجع إِليه؛ عن ابن جني، ورَجَعْته أَرْجِعه
رَجْعاً ومَرْجِعاً ومَرْجَعاً وأَرْجَعْتُه، في لغة هذيل، قال: وحكى أَبو
زيد عن الضََّّبِّيين أَنهم قرؤُوا: أَفلا يرون أَن لا يُرْجِع إِليهم
قولاً، وقوله عز وجل: قال رب ارْجِعُونِ لعلّي أَعمل صالحاً؛ يعني العبد
إِذا بعث يوم القيامة وأَبصر وعرف ما كان ينكره في الدنيا يقول لربه:
ارْجِعونِ أَي رُدُّوني إِلى الدنيا، وقوله ارجعون واقع ههنا ويكون لازماً
كقوله تعالى: ولما رَجَع موسى إِلى قومه؛ ومصدره لازماً الرُّجُوعُ، ومصدره
واقعاً الرَّجْع. يقال: رَجَعْته رَجْعاً فرجَع رُجُوعاً يستوي فيه لفظ
اللازم والواقع.
وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: من كان له مال يُبَلِّغه حَجَّ بيتِ
الله أَو تَجِب عليه فيه زكاة فلم يفعل سأَل الرَّجعةَ عند الموت أَي
سأَل أَن يُرَدّ إِلى الدنيا ليُحْسن العمل ويَسْتَدْرِك ما فات.
والرَّجْعةُ: مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم، ومذهب طائفة من فِرَق
المسلمين من أَُولي البِدَع والأَهْواء، يقولون: إِن الميت يَرْجِعُ إِلى
الدنيا ويكون فيها حيّاً كما كان، ومن جملتهم طائفة من الرَّافضة يقولون:
إِنَّ عليّ بن أَبي طالب، كرم الله وجهه، مُسْتتِر في السحاب فلا يخرج مع
من خرج من ولده حتى ينادِيَ مُنادٍ من السماء: اخرج مع فلان، قال: ويشهد
لهذا المذهب السوء قوله تعالى: حتى إِذا جاء أَحدَهم الموتُ قال رب
ارجعون لعلي أَعمل صالحاً فيما تركت؛ يريد الكفار. وقوله تعالى: لعلّهم
يَعْرِفونها إِذا انقلبوا إِلى أَهلهم لعلهم يرجعون، قال: لعلهم يرجعون أَي
يَرُدُّون البِضاعةَ لأَنها ثمن ما اكتالوا وأَنهم لا يأْخذون شيئاً إِلا
بثمنه، وقيل: يرجعون إِلينا إِذا عَلِموا أَنّ ما كِيلَ لهم من الطعام
ثمنه يعني رُدّ إِليهم ثمنه، ويدل على هذا القول قوله: ولما رجعوا إِلى
أَبيهم قالوا يا أَبانا ما نَبْغي هذه بِضاعتنا. وفي الحديث: أَنه نَفَّل في
البَدْأَة الرُّبع وفي الرَّجْعة الثلث؛ أَراد بالرَّجعة عَوْدَ طائفةٍ
من الغُزاة إِلى الغَزْو بعد قُفُولهم فَيُنَفِّلهم الثلث من الغنيمة
لأَنّ نهوضهم بعد القفول أَشق والخطر فيه أَعظم. والرَّجْعة: المرة من
الرجوع. وفي حديث السّحُور: فإِنه يُؤذِّن بليل ليَرْجِعَ قائمَكم ويُوقِظَ
نائمكم؛ القائم: هو الذي يصلي صلاة الليل. ورُجُوعُه عَوْدُه إِلى نومه أَو
قُعُوده عن صلاته إِذا سمع الأَذان، ورَجع فعل قاصر ومتَعَد، تقول:
رَجَعَ زيد ورَجَعْته أَنا، وهو ههنا متعد ليُزاوج يُوقِظ، وقوله تعالى: إِنه
على رَجْعه لقادر؛ قيل: إِنه على رَجْع الماء إِلى الإِحْليل، وقيل إِلى
الصُّلْب، وقيل إِلى صلب الرجل وتَرِيبةِ المرأَة، وقيل على إِعادته
حيّاً بعد موته وبلاه لأَنه المبدئ المُعيد سبحانه وتعالى، وقيل على بَعْث
الإِنسان يوم القيامة، وهذا يُقوّيه: يوم تُبْلى السّرائر؛ أَي قادر على
بعثه يوم القيامة، والله سبحانه أَعلم بما أَراد.
ويقال: أَرجع اللهُ همَّه سُروراً أَي أَبدل همه سروراً. وحكى سيبويه:
رَجَّعه وأَرْجَعه ناقته باعها منه ثم أَعطاه إِياها ليرجع عليها؛ هذه عن
اللحياني. وتَراجَع القومُ: رَجعُوا إِلى مَحَلِّهم.
ورجّع الرجلُ وتَرجَّع: رَدَّدَ صوته في قراءة أَو أَذان أَو غِناء أَو
زَمْر أَو غير ذلك مما يترنم به. والترْجيع في الأَذان: أَن يكرر قوله
أَشهد أَن لا إِله إِلاَّ الله، أَشهد أَن محمداً رسول الله. وتَرْجيعُ
الصوت: تَرْدِيده في الحَلق كقراءة أَصحاب الأَلحان. وفي صفة قراءته، صلى
الله عليه وسلم، يوم الفتح: أَنه كان يُرَجِّع؛ الترجِيعُ: ترديد القراءة،
ومنه ترجيع الأَذان، وقيل: هو تَقارُب ضُروب الحركات في الصوت، وقد حكى
عبد الله بن مُغَفَّل ترجيعه بمد الصوت في القراءة نحو آء آء آء. قال ابن
الأَثير: وهذا إِنما حصل منه، والله أَعلم، يوم الفتح لأَنه كان راكباً
فجعلت الناقة تُحرِّكه وتُنَزِّيه فحدَثَ الترجِيعُ في صوته. وفي حديث
آخر: غير أَنه كان لا يُرَجِّع، ووجهه أَنه لم يكن حينئذ راكباً فلم يَحْدُث
في قراءته الترجيع. ورجَّع البعيرُ في شِقْشِقَته: هَدَر. ورجَّعت
الناقةُ في حَنِينِها: قَطَّعَته، ورجَّع الحمَام في غِنائه واسترجع كذلك.
ورجّعت القَوْسُ: صوَّتت؛ عن أَبي حنيفة. ورجَّع النقْشَ والوَشْم والكتابة:
ردَّد خُطُوطها، وترْجيعها أَن يُعاد عليها السواد مرة بعد أُخرى. يقال:
رجَّع النقْشَ والوَشْم ردَّد خُطوطَهما. ورَجْعُ الواشِمة: خَطُّها؛
ومنه قول لبيد:
أَو رَجْع واشِمةٍ أُسِفَّ نَؤُورها
كِفَفاً، تعرَّضَ فَوْقهُنَّ وِشامُها
وقال الشاعر:
كتَرْجيعِ وَشْمٍ في يَدَيْ حارِثِيّةٍ،
يَمانِية الأَسْدافِ، باقٍ نَؤُورُها
وقول زهير:
مَراجِيعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ
هو جمع المَرْجُوع وهو الذي أُعِيد سواده. ورَجَع إِليه: كَرَّ. ورَجَعَ
عليه وارْتَجَع: كرَجَعَ. وارْتَجَع على الغَرِيم والمُتَّهم: طالبه.
وارتجع إِلي الأَمرَ: رَدَّه إِليّ؛ أَنشد ثعلب:
أَمُرْتَجِعٌ لي مِثْلَ أَيامِ حَمّةٍ،
وأَيامِ ذي قارٍ عَليَّ الرَّواجِعُ؟
وارْتَجَعَ المرأَةَ وراجَعها مُراجعة ورِجاعاً: رَجَعها إِلى نفسه بعد
الطلاق، والاسم الرِّجْعة والرَّجْعةُ. يقال: طلَّق فلان فلانة طلاقاً
يملك فيه الرَّجْعة والرِّجْعةَ، والفتح أَفصح؛ وأَما قول ذي الرمة يصف
نساء تَجَلَّلْنَ بجَلابيبهن:
كأَنَّ الرِّقاقَ المُلْحَماتِ ارْتَجَعْنَها
على حَنْوَةِ القُرْيانِ ذاتِ الهَمَائِم
أَراد أَنهن ردَدْنها على وجُوه ناضِرة ناعِمة كالرِّياض.
والرُّجْعَى والرَّجِيعُ من الدوابّ، وقيل من الدواب ومن الإِبل: ما
رَجَعْتَه من سفر إِلى سفر وهو الكالُّ، والأُنثى رَجِيعٌ ورَجِيعة؛ قال
جرير:
إِذا بَلَّغَت رَحْلي رَجِيعٌ، أَمَلَّها
نُزُوليَ بالموماةِ، ثم ارْتِحالِيا
وقال ذو الرمة يصف ناقة:
رجِيعة أَسْفارٍ، كأَنَّ زِمامَها
شُجاعٌ لدى يُسْرَى الذِّراعَينِ مُطْرِق
وجمعُهما معاً رَجائع؛ قال معن بن أَوْس المُزَني:
على حينَ ما بي مِنْ رِياضٍ لصَعْبةٍ،
وبَرَّحَ بي أَنْقاضُهُن الرَّجائعُ
كنَى بذلك عن النساء أَي أَنهن لا يُواصِلْنه لِكِبَره، واستشهد
الأَزهري بعجز هذا البيت وقال: قال ابن السكيت: الرَّجِيعةُ بعير ارْتَجعْتَه
أَي اشترَيْتَه من أَجْلاب الناس ليس من البلد الذي هو به، وهي الرَّجائع؛
وأَنشد:
وبَرَّحَ بي أَنقاضُهن الرَّجائع
وراجَعت الناقة رِجاعاً إِذا كانت في ضرب من السير فرَجعت إِلى سَير
سِواه؛ قال البَعِيث يصف ناقته:
وطُول ارْتِماء البِيدِ بالبِيدِ تَعْتَلي
بها ناقتي، تَخْتَبُّ ثُمَّ تُراجِعُ
وسَفَر رَجيعٌ: مَرْجُوع فيه مراراً؛ عن ابن الأَعرابي. ويقال للإِياب
من السفَر: سفَر رَجِيع؛ قال القُحَيْف:
وأَسْقِي فِتْيةً ومُنَفَّهاتٍ،
أَضَرَّ بِنِقْيِها سَفَرٌ رَجِيعُ
وفلان رِجْعُ سفَر ورَجِيعُ سفَر. ويقال: جعلها الله سَفْرة مُرْجِعةً.
والمُرْجِعةُ: التي لها ثَوابٌ وعاقبة حَسَنة.
والرَّجْع: الغِرْس يكون في بطن المرأَة يخرج على رأْس الصبي.
والرِّجاع: ما وقع على أَنف البعير من خِطامه. ويقال: رَجَعَ فلان على
أَنف بعيره إِذا انفسخ خَطْمُه فرَدَّه عليه، ثم يسمى الخِطامُ رِجاعاً.
وراجَعه الكلامَ مُراجَعةً ورِجاعاً: حاوَرَه إِيَّاه. وما أَرْجَعَ
إِليه كلاماً أَي ما أَجابَه. وقوله تعالى: يَرْجِعُ بعضُهم إِلى بعض القول؛
أَي يَتَلاوَمُونَ. والمُراجَعَة: المُعاوَدَةُ. والرَّجِيعُ من الكلام:
المَرْدُودُ إِلى صاحبه.
والرَّجْعُ والرَّجِيعُ: النَّجْوُ والرَّوْثُ وذو البَطن لأَنه رَجَع
عن حاله التي كان عليها. وقد أَرْجَعَ الرجلُ. وهذا رَجِيعُ السَّبُع
ورَجْعُه أَيضاً يعني نَجْوَه. وفي الحديث: أَنه نهى أَن يُسْتَنْجَى
بِرَجِيعٍ أَو عَظْم؛ الرَّجِيعُ يكون الرَّوْثَ والعَذِرةَ جَميعاً، وإِنما سمي
رَجِيعاً لأَنه رَجَع عن حاله الأُولى بعد أَن كان طعاماً أَو علَفاً
أَو غير ذلك. وأَرْجَع من الرَّجِيع إِذا أَنْجَى. والرَّجِيعُ: الجِرَّةُ
لِرَجْعِه لها إِلى الأَكل؛ قال حميد بن ثَوْر الهِلالي يَصِف إِبلاً
تُرَدِّد جِرَّتها:
رَدَدْنَ رَجِيعَ الفَرْثِ حتى كأَنه
حَصى إِثْمِدٍ، بين الصَّلاءِ، سَحِيقُ
وبه فسر ابن الأَعرابي قول الراجز:
بَمْشِينَ بالأَحْمال مَشْيَ الغِيلانْ،
فاسْتَقْبَلَتْ ليلةَ خِمْسٍ حَنّانْ،
تَعْتَلُّ فيه بِرَجِيعِ العِيدانْ
وكلُّ شيءٍ مُرَدَّدٍ من قول أَو فعل، فهو رَجِيع؛ لأَن معناه مَرْجُوع
أَي مردود، ومنها سموا الجِرَّة رَجِيعاً؛ قال الأَعشى:
وفَلاةٍ كأَنَّها ظَهْر تُرْسٍ،
ليس إِلاّ الرَّجِيعَ فيها عَلاقُ
يقول لا تَجِد الإِبل فيها عُلَقاً إِلاَّ ما تُرَدِّدُه من جِرَّتها.
الكسائي: أَرْجَعَتِ الإِبلُ إِذا هُزِلَت ثم سَمِنت. وفي التهذيب: قال
الكسائي إِذا هُزِلَت الناقة قيل أَرْجَعت. وأَرجَعَت الناقة، فهي مُرْجِع:
حَسُنت بعد الهُزال. وتقول: أَرْجَعْتُك ناقة إِرْجاعاً أَي
أَعطيْتُكَها لتَرْجِع عليها كما تقول أَسْقَيْتُك إِهاباً. والرَّجيعُ: الشِّواء
يُسَخَّن ثانية؛ عن الأَصمعي، وقيل: كلُّ ما رُدِّد فهو رَجِيع، وكلُّ طعام
بَرَد فأُعِيد إِلى النار فهو رَجِيع. وحبْل رَجِيع: نُقض ثم أُعِيد
فَتْلُه، وقيل: كلُّ ما ثَنَيْتَه فهو رَجِيع. ورَجِيعُ القول: المكروه.
وتَرَجَّع الرجل عند المُصِيبة واسْتَرْجَع: قال إِنّا لله وإِنا إِليه
راجعون. وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: أَنه حين نُعي له قُثَم
استرجع أَي قال إِنا لله وإِنا إِليه راجعون، وكذلك الترجيع؛ قال جرير:
ورَجَّعْت من عِرْفانِ دار، كأَنَّها
بَقِيّةُ وَشْمٍ في مُتُون الأَشاجِعِ
(* في ديوان جرير: من عِرفانِ رَبْع كأنّه، مكانَ: من عِرفانِ دارٍ
كأنّها.)
واسْتَرْجَعْت منه الشيءَ إِذا أَخذْت منه ما دَفَعْته إِليه،
والرَّجْع: رَدّ الدابة يديها في السير ونَحْوُه خطوها. والرَّجْع: الخطو.
وتَرْجِيعُ الدابة يدَيْها في السير: رَجْعُها؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
يَعْدُو به نَهْشُ المُشاشِ، كأَنّه
صَدَعٌ سَلِيمٌ رَجْعُه لا يَظْلَعُ
(* قوله «نهش المشاش» تقدم ضبطه في مادتي مشش ونهش: نهش ككتف.)
نَهْشُ المُشاشِ: خَفيفُ القوائم، وصفَه بالمصدر، وأَراد نَهِش القوائم
أَو مَنْهُوش القوائم. وفي حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: أَنه قال
للجَلاَّد: اضْرِب وارجِعْ يدك؛ قيل: معناه أَن لا يرفع يده إِذا أَراد الضرب
كأَنه كان قد رفَع يده عند الضرب فقال: ارْجِعْها إِلى موضعها. ورَجْعُ
الجَوابِ ورَجْع الرَّشْقِ في الرَّمْي: ما يَرُدُّ عليه.
والرَّواجِعُ: الرِّياح المُخْتلِفَةُ لمَجِيئها وذَهابها.
والرَّجْعُ والرُّجْعَى والرُّجْعان والمَرْجُوعَةُ والمَرْجُوعُ: جواب
الرسالة؛ قال يصف الدار:
سأَلْتُها عن ذاك فاسْتَعْجَمَتْ،
لم تَدْرِ ما مَرْجُوعةُ السَّائلِ
ورُجْعان الكتاب: جَوابه. يقال: رجَع إِليَّ الجوابُ يَرْجِعُ رَجْعاً
ورُجْعاناً. وتقول: أَرسلت إِليك فما جاءني رُجْعَى رِسالتي أَي
مَرْجُوعها، وقولهم: هل جاء رُجْعةُ كتابك ورُجْعانُه أَي جوابه، ويجوز رَجْعة،
بالفتح. ويقال: ما كان من مَرْجُوعِ أَمر فلان عليك أَي من مَردُوده
وجَوابه. ورجَع إِلى فلان من مَرْجوعِه كذا: يعني رَدّه الجواب. وليس لهذا
البيع مَرْجُوع أَي لا يُرْجَع فيه. ومتاع مُرْجِعٌ: له مَرْجُوع. ويقال:
أَرْجَع الله بَيْعة فلان كما يقال أَرْبَح الله بَيْعَته. ويقال: هذا
أَرْجَعُ في يَدِي من هذا أَي أَنْفَع، قال ابن الفرج: سمعت بعض بني سليم
يقول: قد رجَع كلامي في الرجل ونَجَع فيه بمعنى واحد. قال: ورَجَع في الدابّة
العَلَفُ ونَجَع إِذا تَبيّن أَثَرُه. ويقال: الشيخ يَمْرض يومين فلا
يَرْجِع شَهراً أَي لا يَثُوب إِليه جسمه وقوّته شهراً. وفي النوادر: يقال
طَعام يُسْتَرْجَعُ عنه، وتَفْسِير هذا في رِعْي المال وطَعام الناس ما
نَفَع منه واسْتُمْرِئَ فسَمِنُوا عنه.
وقال اللحياني: ارْتَجَع فلان مالاً وهو أَن يبيع إِبله المُسِنة
والصغار ثم يشتري الفَتِيّة والبِكار، وقيل: هو أَن يبيع الذكور ويشتري
الإِناث؛ وعمَّ مرة به فقال: هو أَن يبيع الشيء ثم يشتري مكانه ما يُخَيَّل
إِليه أَنه أَفْتى وأَصلح.
وجاء فلان بِرِجْعةٍ حَسَنةٍ أَي بشيء صالح اشتراه مكان شيء طالح، أَو
مَكان شيء قد كان دونه، وباع إِبله فارْتَجع منها رِجْعة صالحة ورَجْعةً:
رَدّها. والرِّجْعةُ والرَّجْعة: إِبل تشتريها الأَعراب ليست من نتاجهم
وليست عليها سِماتُهم. وارْتَجَعها: اشتراها؛ أَنشد ثعلب:
لا تَرْتَجِعْ شارفاً تَبْغِي فَواضِلَها،
بدَفِّها من عُرى الأَنْساعِ تَنْدِيبُ
وقد يجوز أَن يكون هذا من قولهم: باع إِبله فارتجع منها رِجْعة صالحة،
بالكسر، إِذا صرف أَثْمانها فيما تَعود عليه بالعائدة الصالحة، وكذلك
الرِّجْعة في الصدقة، وفي الحديث: أَنه رأَى في إِبل الصدقة ناقة كَوْماء
فسأَل عنها المُصَدِّق فقال: إِني ارْتَجَعْتها بإِبل، فسكت؛ الارْتِجاعُ:
أَن يَقدُم الرجل المصر بإِبله فيبيعها ثم يشتري بثمنها مثلها أَو غيرها،
فتلك الرِّجعة، بالكسر؛ قال أَبو عبيد: وكذلك هو في الصدقة إِذا وجب على
رَبّ المال سِنّ من الإِبل فأَخذ المُصَدِّقُ مكانها سنّاً أُخرى فوقها
أَو دونها، فتلك التي أَخَذ رِجْعةٌ لأَنه ارتجعها من التي وجبت له؛ ومنه
حديث معاوية: شكت بنو تَغْلِبَ إِليه السنة فقال: كيف تَشْكُون الحاجةَ
مع اجْتِلاب المِهارة وارْتجاعِ البِكارة؟ أَي تَجْلُبون أَولاد الخيل
فتَبِيعُونها وترجعون بأَثمانها؛ البكارة للقِنْية يعني الإِبل؛ قال الكميت
يصف الأَثافي:
جُرْدٌ جِلادٌ مُعَطَّفاتٌ على الـ
أَوْرَقِ، لا رِجْعةٌ ولا جَلَبُ
قال: وإِن ردَّ أَثمانها إِلى منزله من غير أَن يشتري بها شيئاً فليست
برِجْعة. وفي حديث الزكاة: فإِنهما يَتراجَعانِ بينهما بالسَّويّة؛
التَّراجُع بين الخليطين أَن يكون لأَحَدهما مثلاً أَربعون بقرة وللآخر ثلاثون،
ومالُهما مُشتَرَك، فيأْخذ العامل عن الأَربعين مُسنة، وعن الثلاثين
تَبيعاً، فيرجع باذِلُ المسنة بثلاثة أَسْباعها على خَليطه، وباذلُ
التَّبِيع بأَربعة أَسْباعِه على خَلِيطه، لأَن كل واحد من السنَّين واجب على
الشُّيوعِ كأَن المال ملك واحد، وفي قوله بالسوية دليل على أَن الساعي إِذا
ظلم أَحدهما فأَخذ منه زيادة على فرْضه فإِنه لا يرجع بها على شريكه،
وإِنما يَغْرم له قيمة ما يخصه من الواجب عليه دون الزيادة؛ ومن أَنواع
التراجع أَن يكون بين رجلين أَربعون شاة لكل واحد عشرون، ثم كل واحد منهما
يعرف عين ماله فيأْخذ العاملُ من غنم أَحدهما شاة فيرجع على شريكه بقيمة
نصف شاة، وفيه دليل على أَن الخُلْطة تصح مع تمييز أَعيان الأَموال عند من
يقول به. والرِّجَع أَيضاً: أَن يبيع الذكور ويشتري الإِناث كأَنه مصدر
وإِن لم يصح تَغْييرُه، وقيل: هو أَن يبيع الهَرْمى ويشتري البِكارة؛ قال
ابن بري: وجمع رِجْعةٍ رِجَعٌ، وقيل لحَيّ من العرب: بمَ كثرت أَموالكم؟
فقالوا: أَوصانا أَبونا بالنُّجَع والرُّجَع، وقال ثعلب: بالرِّجَع
والنِّجَع، وفسره بأَنه بَيْع الهَرْمى وشراء البِكارة الفَتِيَّة، وقد فسر
بأَنه بيع الذكور وشراء الإِناث، وكلاهما مما يَنْمي عليه المال. وأَرجع
إِبلاً: شَراها وباعَها على هذه الحالة.
والرّاجعةُ: الناقة تباع ويشترى بثمنها مثلها، فالثانية راجعة ورَجِيعة،
قال علي بن حمزة: الرَّجيعة أَن يباع الذكور ويشترى بثمنه الأُنثى،
فالأُنثى هي الرَّجيعة، وقد ارتجعتها وترَجَّعْتها ورَجَعْتها. وحكى
اللحياني:جاءت رِجْعةُ الضِّياع، ولم يفسره، وعندي أَنه ما تَعُود به على صاحبها
من غلَّة.
وأَرْجَع يده إِلى سيفه ليستَلّه أَو إِلى كِنانته ليأْخذَ سهماً:
أَهْوى بها إِليها؛ قال أَبو ذؤيب:
فبَدا له أَقْرابُ هذا رائغاً
عنه، فعَيَّثَ في الكِنانةِ يُرْجِعُ
وقال اللحياني: أَرْجَع الرجلُ يديه إِذا رَدّهما إِلى خلفه ليتناوَل
شيئاً، فعمّ به. ويقال: سيف نَجِيحُ الرَّجْعِ إِذا كان ماضِياً في
الضَّريبة؛ قال لبيد يصف السيف:
بأَخْلَقَ مَحْمودٍ نَجِيحٍ رَجِيعُه
وفي الحديث: رَجْعةُ الطلاق في غير موضع، تفتح راؤه وتكسر، على المرة
والحالة، وهو ارْتِجاع الزوجة المطلَّقة غير البائنة إِلى النكاح من غير
استئناف عقد.
والرَّاجِعُ من النساء: التي مات عنها زوجها ورجعت إِلى أَهلها، وأَمّا
المطلقة فهي المردودة. قال الأَزهري: والمُراجِعُ من النساء التي يموت
زوجها أَو يطلقها فتَرجِع إِلى أَهلها، ويقال لها أَيضاً راجع. ويقال
للمريض إِذا ثابَتْ إِليه نفْسه بعد نُهوك من العِلَّة: راجع. ورجل راجع إِذا
رجعت إِليه نفسه بعد شدَّة ضَنىً.
ومَرْجِعُ الكتف ورَجْعها: أَسْفَلُها، وهو ما يلي الإِبط منها من جهة
مَنْبِضِ القلب؛ قال رؤبة:
ونَطْعَن الأَعْناق والمَراجِعا
يقال: طعَنه في مَرْجِع كتفيه. ورَجَع الكلب في قَيْئه: عاد فيه.
وهو يُؤمِن بالرِّجْعة، وقالها الأَزهري بالفتح، أَي بأَنّ الميت يَرْجع
إِلى الدنيا بعد الموت قبل يوم القيامة. وراجَع الرجلُ: رجَع إِلى خير
أَو شر. وتَراجعَ الشيء إِلى خلف.
والرِّجاعُ: رُجوع الطير بعد قِطاعها. ورَجَعَت الطير رُجوعاً ورِجاعاً:
قَطعت من المواضع الحارَّة إِلى البارِدة. وأَتانٌ راجِعٌ وناقة راجِع
إِذا كانت تَشُول بذنبها وتجمع قُطْرَيْها وتُوَزِّع ببولها فتظن أَنّ بها
حَمْلاً ثم تُخْلِف. ورجَعت الناقةُ تَرْجع رِجاعاً ورُجوعاً، وهي
راجِع: لَقِحت ثم أَخْلَفت لأَنها رجَعت عما رُجِيَ منها، ونوق رَواجِعُ،
وقيل: إِذا ضربها الفَحل ولم تَلْقَح، وقيل: هي إِذا أَلقت ولدها لغير تمام،
وقيل: إِذا نالت ماء الفحل، وقيل: هو أَن تطرحه ماء. الأَصمعي: إِذا
ضُربت الناقة مراراً فلم تَلْقَح فهي مُمارِنٌ، فإِن ظهر لهم أَنها قد لَقِحت
ثم لم يكن بها حَمل فهي راجِع ومُخْلِفة. وقال أَبو زيد: إِذا أَلقت
الناقة حملها قبل أَن يَستبِين خلقه قيل رَجَعَت تَرْجِعُ رِجاعاً؛ وأَنشد
أَبو الهيثم للقُطامي يصف نجِيبة لنَجِيبَتَين
(* قوله: نجيبة لنجيبتين،
هكذا في الأصل.):
ومن عيْرانةٍ عَقَدَتْ عليها
لَقاحاً ثم ما كَسَرَتْ رِجاعا
قال: أَراد أَن الناقة عقدَت عليها لَقاحاً ثم رمت بماء الفحل وكسرت
ذنبها بعدما شالَت به؛ وقول المرّار يَصِف إِبلاً:
مَتابيعُ بُسْطٌ مُتْئِماتٌ رَواجِعٌ،
كما رَجَعَتْ في لَيْلها أُمّ حائلِ
بُسْطٌ: مُخَلاَّةٌ على أَولادها بُسِطَت عليها لا تُقْبَض عنها.
مُتْئمات: معها ابن مَخاض. وحُوار رَواجِعُ: رجعت على أَولادها. ويقال: رواجِعُ
نُزَّعٌ. أُم حائل: أُمُّ ولدِها الأُنثى.
والرَّجِيعُ: نباتُ الربيع. والرَّجْعُ والرجيعُ والراجعةُ: الغدير
يتردَّد فيه الماء؛ قال المتنخل الهُذلي يصف السيف:
أَبيض كالرَّجْع رَسوبٌ، إِذا
ما ثاخَ في مُحْتَفَلٍ يَخْتَلي
وقال أَبو حنيفة: هي ما ارْتَدّ فيه السَّيْل ثم نَفَذَ، والجمع رُجْعان
ورِجاع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وعارَضَ أَطْرافَ الصَّبا وكأَنه
رِجاعُ غَدِيرٍ، هَزَّه الريحُ، رائِعُ
وقال غيره: الرِّجاع جمع ولكنه نعته بالواحد الذي هو رائع لأَنه على لفظ
الواحد كما قال الفرزدق:
إِذا القُنْبُضاتُ السُّودُ طَوَّفْنَ بالضُّحى،
رَقَدْنَ عليهِن السِّجالُ المُسَدَّفُ
(* قوله «السجال المسدف» كذا بالأصل هنا، والذي في غير موضع وكذا
الصحاح: الحجال المسجف.)
وإِنما قال رِجاعُ غدير ليَفْصِله من الرِّجاع الذي هو غير الغدير، إِذ
الرجاع من الأَسماء المشتركة؛ قال الآخر:
ولو أَنّي أَشاء، لكُنْتُ منها
مَكانَ الفَرْقَدَيْن من النُّجومِ
فقال من النجوم ليُخَلِّص معنى الفَرقدين لأَن الفرقدين من الأَسماء
المشتركة؛ أَلا ترى أَنَّ ابن أَحمر لما قال:
يُهِلُّ بالفَرقدِ رُكْبانُها،
كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ
ولم يُخَلِّص الفَرْقَد ههنا اختلفوا فيه فقال قوم: إِنه الفَرْقَد
الفَلَكي، وقال آخرون: إِنما هو فرقد البقرة وهو ولدها. وقد يكون الرِّجاعُ
الغَدير الواحد كما قالوا فيه الإِخاذ، وأَضافه إِلى نفسه ليُبَيِّنه
أَيضاً بذلك لأَن الرِّجاع كان واحداً أَو جمعاً، فهو من الأَسماء المشتركة،
وقيل: الرَّجْع مَحْبِس الماء وأَما الغدير فليس بمحبس للماء إِنما هو
القِطعة من الماء يُغادِرها السَّيْلُ أَي يتركها. والرَّجْع: المطر لأَنه
يرجع مرة بعد مرة. وفي التنزيل: والسماء ذاتِ الرَّجْع، ويقال: ذات
النفْع، والأَرض ذات الصَّدْع؛ قال ثعلب: تَرْجع بالمطر سنة بعد سنة، وقال
اللحياني: لأَنها ترجع بالغيث فلم يذكر سنة بعد سنة، وقال الفراء: تبتدئ
بالمطر ثم ترجع به كل عام، وقال غيره: ذاتِ الرجع ذات المطر لأَنه يجيء
ويرجع ويتكرّر.
والراجِعةُ: الناشِغةُ من نَواشِغ الوادي. والرُّجْعان: أَعالي التِّلاع
قبل أَن يجتمع ماء التَّلْعة، وقيل: هي مثل الحُجْرانِ، والرَّجْع عامة
الماء، وقيل: ماء لهذيل غلب عليه. وفي الحديث ذكر غَزوة الرَّجيعِ؛ هو
ماء لهُذَيْل. قال أَبو عبيدة: الرَّجْع في كلام العرب الماء، وأَنشد قول
المُتَنَخِّل: أَبيض كالرَّجْع، وقد تقدم: الأَزهري: قرأْت بخط أَبي
الهيثم حكاه عن الأَسدي قال: يقولون للرعد رَجْع. والرَّجِيعُ: العَرَق، سمي
رَجيعاً لأَنه كان ماء فعاد عرَقاً؛ وقال لبيد:
كَساهُنَّ الهَواجِرُ كلَّ يَوْمٍ
رَجِيعاً، في المَغَابنِ، كالعَصِيمِ
أَراد العَرَقَ الأَصفر شبَّهه بعصيم الحِنَّاء وهو أَثره. ورَجِيعُ:
اسم ناقة جرير؛ قال:
إِذا بلَّغتْ رَحْلي رَجِيعُ، أَمَلَّها
نُزُوليَ بالمَوْماةِ ثم ارْتحاليا
(* ورد هذا البيت سابقاً في هذه المادة، وقد صُرفت فيه رجيع فنُوّنت،
أما هنا فقد منعت من الصرف.)
ورَجْعٌ ومَرْجَعةُ: اسمان.
قطع: القَطْعُ: إِبانةُ بعض أَجزاء الجِرْمِ من بعضٍ فَضْلاً. قَطَعَه
يَقْطَعُه قَطْعاً وقَطِيعةً وقُطوعاً؛ قال:
فما بَرِحَتْ، حتى اسْتبانَ سقابها
قُطُوعاً لِمَحْبُوكٍ من اللِّيفِ حادِرِ
والقَطْعُ: مصدر قَطَعْتُ الحبْلَ قَطْعاً فانْقَطَع. والمِقْطَعُ،
بالكسر: ما يُقْطَعُ به الشيء. وقطَعه واقتطَعه فانقطَع وتقطَّع، شدد للكثرة.
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبُراً أَي تقَسَّمُوه. قال الأَزهري: وأَما
قوله: وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبراً فإِنه واقع كقولك قَطَّعُوا أَمرهم؛
قال لبيد في الوجه اللازم:
وتَقَطَّعَتْ أَسْبابُها ورِمامُها
أَي انْقَطَعَتْ حِبالُ مَوَدَّتِها، ويجوز أَن يكون معنى قوله:
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم؛ أَي تفرقوا في أَمرهم، نصب أَمرهم بنزع في منه؛ قال
الأَزهري: وهذا القول عندي أَصوب. وقوله تعالى: وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ؛ أَي
قَطَعْنَها قَطْعاً بعد قَطْعٍ وخَدَشْنَها خدشاً كثيراً ولذلك شدد،
وقوله تعالى: وقطَّعْناهم في الأَرض أُمَماً؛ أَي فرّقْناهم فِرَقاً، وقال:
وتَقَطَّعَتْ بهم الأَسبابُ؛ أَي انْقَطَعَتْ أَسْبابُهم ووُصَلُهُم؛ قول
أَبي ذؤَيب:
كأَنّ ابْنةَ السَّهْمِيّ دُرَّةُ قامِسٍ
لها، بعدَ تَقْطِيعِ النُّبُوح، وَهِيجُ
أَراد بعد انْقِطاعِ النُّبُوحِ، والنُّبُوحُ: الجماعات، أَراد بعد
الهُدُوِّ والسكون بالليل، قال: وأَحْسَبُ الأَصل فيه القِطْع وهو طائفة من
الليل. وشيءٌ قَطِيعٌ: مقطوعٌ.
والعرب تقول: اتَّقُوا القُطَيْعاءَ أَي اتقوا أَن يَتَقَطَّعَ بعضُكم
من بعض في الحرب.
والقُطْعةُ والقُطاعةُ: ما قُطِعَ من الحُوّارَى من النُّخالةِ.
والقُطاعةُ، بالضم: ما سقَط عن القَطْعِ. وقَطَعَ النخالةَ من
الحُوّارَى: فَصَلَها منه؛ عن اللحياني.
وتَقاطَعَ الشيءُ: بانَ بعضُه من بعض، وأَقْطَعَه إِياه: أَذن له في
قطعه. وقَطَعاتُ الشجرِ: أُبَنُها التي تَخْرُجُ منها إِذا قُطِعَت، الواحدة
قَطَعَةٌ. وأَقْطَعْتُه قُضْباناً من الكَرْمِ أَي أَذِنْتُ له في
قَطْعِها. والقَطِيع: الغُصْنُ تَقْطَعُه من الشجرة، والجمع أَقْطِعةٌ وقُطُعٌ
وقُطُعاتٌ وأَقاطِيعُ كحديثٍ وأَحاديثَ. والقِطْعُ من الشجر: كالقَطِيعِ،
والجمع أَقطاعٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
عَفا غيرُ نُؤْيِ الدارِ ما إِنْ تُبِينُه،
وأَقْطاعُ طُفْيٍ قد عَفَتْ في المَعاقِلِ
والقِطْعُ أَيضاً: السهم يعمل من القَطِيعِ والقِطْعِ اللذين هما
المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو السهم العَرِيضُ، وقيل: القِطْعُ نصل قَصِيرٌ
عَرِيضُ السهم، وقيل: القِطْعُ النصل القصير، والجمع أَقْطُعٌ وأَقْطاعٌ
وقُطُوعٌ وقِطاعٌ ومَقاطِيعُ، جاء على غير واحده نادراً كأَنه إِنما جمع
مِقْطاعاً، ولم يسمع، كما قالوا مَلامِحَ ومَشابِهَ ولم يقولوا مَلْمَحَةً
ولا مَشْبَهةً؛ قال بعض الأَغفالِ يصف دِرْعاً:
لها عُكَنٌ تَرُدُّ النَّبْلَ خُنْساً،
وتَهْزَأُ بالمَعابِلِ والقِطاعِ
وقال ساعدة بن جُؤَيَّةَ:
وشَقَّتْ مَقاطِيعُ الرُّماةِ فُؤَادَه،
إِذا يَسْمَعُ الصوتَ المُغَرِّدَ يَصْلِدُ
والمِقْطَعُ والمِقْطاعُ: ما قَطَعْتَه به.
قال الليث: القِطْعُ القضيبُ الذي يُقْطَعُ لبَرْيِ السِّهامِ، وجمعه
قُطْعانٌ وأَقْطُعٌ؛ وأَنشد لأَبي ذؤَيب:
ونَمِيمَةً من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ،
في كَفِّه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطُعُ
قال: أَراد السِّهامَ، قال الأَزهري: وهذا غلط، قال الأَصمعي: القِطْعُ
من النِّصالِ القصير العريضُ، وكذلك قال غيره، سواء كان النصل مركباً في
السهم أَو لم يكن مركباً، سُمِّيَ قِطْعاً لأَنه مقطوعٌ من الحديث، وربما
سَمَّوْه مقطوعاً، والمَقاطِيعُ جمعه؛ وسيف قاطِعٌ وقَطَّاعٌ ومِقْطَعٌ.
وحبل أَقْطاعٌ: مقطوعٌ كأَنهم جعلوا كل جزء منه قِطْعاً، وإِن لم يتكلم
به، وكذلك ثوب أَقْطاعٌ وقِطْعٌ؛ عن اللحياني. والمَقْطُوعُ من المديد
والكامل والرَّجَزِ: الذي حذف منه حرفان نحو فاعلاتن ذهب منه تن فصار
محذوفاً فبقي فاعلن ثم ذهب من فاعِلن النون ثم أُسكنت اللام فنقل في التقطيع إِلى
فعْلن، كقوله في المديد:
إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتةٌ،
أُخْرِجَتْ من كِيسِ دِهْقانِ
فقوله قاني فعْلن، وكقوله في الكامل:
وإِذا دَعَوْنَكَ عَمَّهُنَّ، فإِنَّه
نَسَبٌ يَزِيدُكَ عِنْدَهُنَّ خَبالا
فقوله نَخَبالا فعلاتن وهو مقطوع؛ وكقوله في الرجز:
دار لِسَلْمَى، إِذ سُلَيْمَى جارةٌ،
قَفْرٌ تُرى آياتها مِثْلَ الزُّبُرْ
(* قوله« دار لسلمى إلخ» هو موفور لا مقطوع فلا شاهد فيه كما لا يخفى.)
وكقوله في الرجز:
القَلْبُ منها مُسْتَرِيحٌ سالِمٌ،
والقلبُ مِنِّي جاهِدٌ مَجْهُودُ
فقوله مَجْهُود مَفْعُولُنْ.
وتَقْطِيعُ الشعر: وَزْنه بأَجزاء العَرُوضِ وتَجْزئته بالأَفعالِ.
وقاطَعَ الرجُلانِ بسيفيهما إِذا نظرا أَيُّهما أَقْطَعُ؛ وقاطَعَ فلان
فلاناً بسيفيهما كذلك. ورجل لَطّاع قَطّاعٌ: يَقْطَعُ نصف اللُّقْمةِ
ويردّ الثاني، واللَّطّاعُ مذكور في موضعه. وكلامٌ قاطِعٌ على المَثَلِ:
كقولهم نافِذٌ.
والأَقْطَعُ: المقطوعُ اليَدِ، والجمع قُطْعٌ وقُطْعانٌ مثل أَسْوَدَ
وسُودانٍ. ويَدٌ قَطعاءُ: مقطوعةٌ، وقد قَطَعَ وقطِعَ قَطعاً. والقَطَعَةُ
والقُطْعةُ، بالضم، مثل الصَّلَعةِ والصُّلْعةِ: موضع القَطْعِ من اليد،
وقيل: بقيّةُ اليدِ المقطوعةِ، وضربَه بقَطَعَتِه. وفي الحديث: أَنَّ
سارِقاً سَرَقَ فَقُطِعَ فكان يَسْرِقُ بقَطَعَتِه، بفتحتين؛ هي الموضعُ
المقطوعُ من اليد، قال: وقد تضم القاف وتسكن الطاء فيقال: بقُطْعَتِه، قال
الليث: يقولون قُطِعَ الرجلُ ولا يقولون قُطِعَ الأَقْطَعُ لأَنَّ
الأَقْطَعَ لا يكون أَقْطَعَ حتى يَقْطَعَه غيره، ولو لزمه ذلك من قبل نفسه لقيل
قَطِعَ أَو قَطُعَ، وقَطَعَ الله عُمُرَه على المَثَلِ. وفي التنزيل:
فَقُطِعَ دابِرُ القوم الذين ظَلَموا؛ قال ثعلب: معناه استُؤْصِلُوا من
آخرهم.ومَقْطَعُ كل شيءٍ ومُنْقَطَعُه: آخره حيث يَنْقَطِعُ كمَقاطِعِ
الرِّمالِ والأَوْدِيةِ والحَرَّةِ وما أَشبهها. ومَقاطِيعُ الأَوديةِ:
مآخيرُها. ومُنْقَطَعُ كلِّ شيءٍ: حيث يَنْتَهي إِليه طَرَفُه. والمُنْقَطِعُ:
الشيءُ نفسُه. وشرابٌ لذيذُ المَقْطَعِ أَي الآخِر والخاتِمَةِ. وقَطَعَ
الماءَ قَطْعاً: شَقَّه وجازَه. وقطَعَ به النهرَ وأَقْطَعَه إِياه
وأَقطَعَه به: جاوَزَه، وهو من الفصل بين الأَجزاء. وقَطَعْتُ النهر قَطْعاً
وقُطُوعاً: عَبَرْتُ. ومَقاطِعُ الأَنهار: حيث يُعْبَرُ فيه. والمَقْطَعُ:
غايةُ ما قُطِعَ. يقال: مَقْطَعُ الثوبِ ومَقْطَعُ الرمْلِ للذي لا رَمْلَ
وراءه. والمَقْطَعُ: الموضع الذي يُقْطَعُ فيه النهر من المَعابرِ.
ومَقاطِعُ القرآنِ: مواضعُ الوقوفِ، ومَبادِئُه: مواضعُ الابتداءِ. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه، حين ذَكَر أَبا بكر، رضي الله عنه: ليس فيكم مَنْ
تَقَطَّعُ عليه
(* قوله« تقطع عليه» كذا بالأصل، والذي في النهاية: دونه)
الأَعْناقُ مثلَ أَبي بكر؛ أَراد أَن السابِقَ منكم الذي لا يَلْحَقُ شَأْوَه
في الفضل أَحدٌ لا يكون مِثْلاً لأَبي بكر لأَنه أَسْبَقُ السابقين؛ وفي
النهاية: أَي ليس فيكم أَحدٌ سابقٌ إِلى الخيراتِ تَقَطَّعُ أَعْناقُ
مُسابقِيه حتى لا يَلْحَقَه أَحدٌ مِثْلَ أَبي بكر، رضي الله عنه. يقال للفرَس
الجَوادِ: تَقَطَّعَت أَعناقُ الخيْلِ عليه فلم تَلْحَقْه؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي للبَعِيثِ:
طَمِعْتُ بِلَيْلى أَن تَرِيعَ، وإِنَّما
تُقَطِّعُ أَعناقَ الرِّجالِ المَطامِعُ
وبايَعْتُ لَيْلى في الخَلاءِ، ولم يَكُنْ
شُهُودي على لَيْلى عُدُولٌ مَقانِعُ
ومنه حديث أَبي ذر: فإِذا هي يُقَطَّعُ دونَها السَّرابُ أَي تُسْرِعُ
إِسْراعاً كثيراً تقدمت به وفاتت حتى إن السراب يظهر دونها أَي من ورائها
لبعدها في البر.
ومُقَطَّعاتُ الشيء: طرائقُه التي يتحلَّلُ إِليها ويَتَرَكَّبُ عنها
كَمُقَطَّعاتِ الكلامِ، ومُقَطَّعاتُ الشعْرِ ومَقاطِيعُه: ما تَحَلَّل
إِليه وترَكَّبَ عنه من أَجْزائِه التي يسميها عَرُوضِيُّو العرب الأَسْبابَ
والأَوْتادَ.
والقِطاعُ والقَطاعُ: صِرامُ النخْلِ مِثْلُ الصِّرامِ والصَّرامِ.
وقَطَعَ النخلَ يَقْطَعُه قَطْعاً وقِطاعاً وقَطاعاً؛ عن اللحياني: صرَمه.
قال سيبويه: قَطَعْتُه أَوْصَلْتُ إِليه القَطْعَ واستعملته فيه. وأَقْطَعَ
النخلُ إِقْطاعاً إِذا أَصرَمَ وحانَ قِطاعُه. وأَقْطَعْتُه: أَذِنْتُ
له في قِطاعه.
وانْقَطَعَ الشيءُ: ذهَب وقْتُه؛ ومنه قولهم: انْقَطَعَ البَرْدُ
والحرُّ. وانْقَطَع الكلامُ: وَقَفَ فلم يَمْضِ.
وقَطَعَ لسانه: أَسْكَتَه بإِحسانِه إِليه. وانْقَطَعَ لسانه: ذهبت
سَلاطَتُه. وامرأَة قَطِيعُ الكلامِ إِذا لم تكن سَلِيطةً. وفي الحديث لما
أَنشده العباس ابن مِرْداسٍ أَبياته العينية: اقْطَعُوا عني لِسانه أَي
أَعْطُوه وأَرْضُوه حتى يسكت، فكنى باللسانِ عن الكلامِ. ومنه الحديث: أَتاه
رجل فقال: إِني شاعر، فقال: يا بلال، اقْطَعْ لسانه فأَعطاه أَربعين
درهماً. قال الخطابي: يشبه أَن يكون هذا ممن له حق في بيت المال كابن السبيل
وغيره فتعرّض له بالشعر فأَعطاه لحقه أَو لحاجته لا لشعره.
وأَقْطَعَ الرجلُ إِذا انْقَطَعَت حُجَّتُه وبَكَّتُوه بالحق فلم
يُجِبْ، فهو مُقْطِعٌ. وقَطَعَه قَطْعاً أَيضاً: بَكَّتَه، وهو قَطِيعُ القولِ
وأَقْطَعُه، وقد قَطَعَ وقَطِعَ قَطاعةً. واقْطَعَ الشاعِرُ: انْقَطَعَ
شِعْرُه. وأَقْطََعَت الدجاجةُ مثل أَقَفَّت: انْقَطَعَ بيضُها، قال
الفارسيّ: وهذا كما عادلوا بينهما بأَصْفَى. وقُطِعَ به وانْقُطِعَ وأُقْطِعَ
وأَقْطَعَ: ضَعُفَ عن النكاح. وأُقْطِعَ به إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ إِذا
لم يُرِدِ النساءَ ولم يَنْهَض عُجارِمُه. وانْقُطِعَ بالرجل والبعيرِ:
كَلاَّ. وقفطِعَ بفلان، فهو مَقْطُوعٌ به، وانْقُطِعَ به، فهو مُنْقَطَعٌ
به إِذا عجز عن سفره من نَفَقَةٍ ذهبت، أَو قامَت عليه راحِلَتُه، أَو
أَتاه أَمر لا يقدر على أَن يتحرك معه، وقيل: هو إِذا كان مسافراً
فأُبْدِعَ به وعَطِبَت راحلته وذَهَبَ زادُه وماله. وقُطِعَ به إِذا انْقَطَعَ
رَجاؤُهُ. وقُطِعَ به قَطْعاً إِذا قُطِعَ به الطريقُ. وفي الحديث:
فَخَشِينا أَن يُقْتَطَعَ دُونَنا أَي يُؤْخَذَ ويُنْفَرَدَ به. وفي الحديث: ولو
شئنا لاقْتَطَعْناهم. وفي الحديث: كان إِذا أَراد أَن يَقْطَعَ بَعْثاً
أَي يُفْرِدَ قوماً يبعثُهم في الغَزْوِ ويُعَيِّنَهُم من غيرهم. ويقال
للغريب بالبلد: أُقْطِعَ عن أَهله إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ عنهم ومُنْقَطِعٌ،
وكذلك الذي يُفْرَضُ لنظرائه ويترك هو. وأَقْطَعْتُ الشيء إِذا
انْقَطَعَ عنك يقال: قد أَقْطَعْتُ الغَيْثَ. وعَوْدٌ مُقْطَعٌ إِذا انْقَطَعَ عن
الضِّراب. والمُقْطَعُ، بفتح الطاءِ: البعير إِذا جَفَرَ عن الصواب؛ قال
النمر بن تَوْلَبٍ يصف امرأَته:
قامَت تَباكَى أَن سَبَأْتُ لِفِتْيةٍ
زِقًّا وخابِيَةً بِعَوْدٍ مُقْطَعِ
وقد أُقْطِعَ إِذا جَفَرَ. وناقةٌ قَطُوعٌ: يَنْقَطِعُ لبنها سريعاً.
والقَطْعُ والقَطِيعةُ: الهِجْرانُ ضِدُّ الوصل، والفعل كالفعل والمصدر
كالمصدر، وهو على المثل. ورجل قَطُوعٌ لإِخْوانه ومِقْطاعٌ: لا يثبت على
مُؤاخاةٍ. وتَقَاطَعَ القومُ: تَصارَمُوا. وتَقَاطَعَتْ أَرْحامُهُمْ:
تَحاصَّتْ. وقَطَعَ رَحِمَه قَطْعاً وقَطِيعةً وقَطَّعَها: عَقَّها ولم
يَصِلْها، والاسم القَطِيعةُ. ورجل قُطَعَةٌ وقُطَعٌ ومِقْطَعٌ وقَطَّاعٌ:
يَقْطَعُ رَحِمَه. وفي الحديث: من زَوَّجَ كَرِيمَةً من فاسِقٍ فقد قَطَعَ
رَحمها، وذلك أَن الفاسِقَ يطلقها ثم لا يبالي أَن يضاجعها. وفي حديث
صِلَةِ الرَّحِمِ: هذا مقام العائذ بك من القَطِيعَةِ؛ القَطِيعَةُ:
الهِجْرانُ والصَّدُّ، وهيَ فَعِيلَةٌ من القَطْعِ، ويريد به ترك البر والإِحسان
إِلى الأَهل والأَقارب، وهي ضِدّ صِلَة الرَّحمِ. وقوله تعالى: أَن تفسدوا
في الأَرض وتُقَطِّعُوا أَرحامَكم؛ أَي تعُودوا إِلى أَمر الجاهلية
فتفسدوا في الأَرض وتَئِدُوا البناتِ، وقيل: تقطعوا أَرحامكم تقتل قريش بني هاشم
وبنو هاشم قريشاً. ورَحِمٌ قَطعاءُ بيني وبينك إِذا لم توصل. ويقال:
مَدّ فلان إِلى فلان بِثَدْيٍ غير أَقْطَعَ ومَتَّ، بالتاء، أَي تَوَسَّلَ
إِليه بقرابة قريبة؛ وقال:
دَعاني فلم أُورَأْ بِه، فأَجَبْتُه،
فَمَدّ بِثَدْيٍ بَيْنَنا غَيْرِ أَقْطَعا
والأُقْطوعةُ: ما تبعثه المرأَة إِلى صاحبتها علامة للمُصارَمةِ
والهِجْرانِ، وفي التهذيب: تبعث به الجارية إِلى صاحبها؛ وأَنشد:
وقالَتْ لِجارِيَتَيْها: اذْهَبا
إِليه بأُقْطُوعةٍ إِذْ هَجَرْ
والقُطْعُ: البُهْرُ لقَطْعِه الأَنفاسَ. ورجل قَطِيعٌ: مَبْهُورٌ
بَيّنُ القَطاعةِ، وكذلك الأُنثى بغير هاء. ورجل قَطِيعُ القيام إِذا وصف
بالضعف أَو السِّمَنِ. وامرأَة قَطُوعٌ وقَطِيعٌ: فاتِرةُ القِيامِ. وقد
قَطُعَتِ المرأَةُ إِذا صارت قَطِيعاً. والقُطْعُ والقُطُعُ في الفرس وغيره:
البُهْرُ وانْقِطاعُ بعض عُرُوقِه. وأَصابه قُطْعٌ أَو بُهْر: وهو النفَس
العالي من السمن وغيره. وفي حديث ابن عمر: أَنه أَصابه قُطْعٌ أَو بهر
فكان يُطْبَخُ له الثُّومُ في الحَسا فيأْكله؛ قال الكسائي: القُطْعُ
الدَّبَرُ
(* قوله «القطع الدبر» كذا بالأصل. وقوله «لأبي جندب» بهامش الأصل بخط
السيد مرتضى صوابه:
وإني إذا ما الصبح آنست ضوءه * يعاودني قطع علي ثقيل
والبيت لأبي خراش الهذلي). وأَنشد أَبو عبيد لأَبي جندب الهذلي:
وإِنِّي إِذا ما آنسٌ . . .* مُقْبَلاً،
(* كذا بياض بالأصل ولعله:
وإني إذا ما آنس شمت مقبلاً،)
يُعاوِدُني قُطْعٌ جَواه طَوِيلُ
يقول: إِذا رأَيت إِنساناً ذكرته. وقال ابن الأَثير: القُطْعُ انْقِطاعُ
النَّفَسِ وضيقُه. والقُطْعُ: البُهْرُ يأْخذ الفرس وغيره. يقال: قُطِعَ
الرجلُ، فهو مقطوعٌ، ويقال للفرس إِذا انْقَطَعَ عِرْقٌ في بطنه أَو
شَحْمٌ: مقطوعٌ، وقد قُطِعَ.
واقْتَطَعْتُ من الشيء قِطْعةً، يقال: اقتَطَعْتُ قَطِيعاً من غنم فلان.
والقِطْعةُ من الشيء: الطائفةُ منه. واقْتَطَعَ طائفة من الشيء: أَخذها.
والقَطِيعةُ: ما اقْتَطَعْتَه منه. وأَقْطَعَني إِياها: أَذِنَ لي في
اقْتِطاعِها. واسْتَقْطَعَه إِياها: سأَلَه أَن يُقْطِعَه إِياها.
وأَقْطَعْتُه قَطِيعةً أَي طائفة من أَرض الخراج. وأَقْطَعَه نهراً: أَباحَه له.
وفي حديث أَبْيَضَ بن حَمّالٍ: أَنه اسْتَقْطَعَه المِلْحَ الذي بِمَأْرِبَ
فأَقْطَعَه إِياه؛ قال ابن الأَثير: سأَله أَن يجعله له إِقطاعاً
يتملَّكُه ويسْتَبِدُّ به وينفرد، والإِقطاعُ يكون تمليكاً وغير تمليك. يقال:
اسْتَقْطَعَ فلان الإِمامَ قَطيعةً فأَقْطَعَه إِيّاها إِذا سأَلَه أَن
يُقْطِعَها له ويبنيها مِلْكاً له فأَعطاه إِياها، والقَطائِعُ إِنما تجوز
في عَفْوِ البلاد التي لا ملك لأَحد عليها ولا عِمارةَ فيها لأَحد
فيُقْطِعُ الإِمامُ المُسْتَقْطِعَ منها قَدْرَ ما يتهيَّأْ له عِمارَتُه
بإِجراء الماء إِليه، أَو باستخراج عين منه، أَو بتحجر عليه للبناء فيه. قال
الشافعي: ومن الإِقْطاعِ إِقْطاعُ إِرْفاقِ لا تمليكٍ، كالمُقاعَدةِ
بالأسواق التي هي طُرُقُ المسلمين، فمن قعد في موضع منها كان له بقدر ما
يَصْلُحُ له ما كان مقيماً فيه، فإِذا فارقه لم يكن له منع غيره منه كأَبنية
العرب وفساطِيطِهمْ، فإِذا انْتَجَعُوا لم يَمْلِكُوا بها حيث نزلوا، ومنها
إِقْطاعُ السكنى. وفي الحديث عن أُمّ العلاءِ الأَنصارية قالت: لما قَدِمَ
النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، المدينةَ أَقْطَع الناسَ الدُّورَ فطار
سَهْمُ عثمانَ ابن مَظْعُونٍ علَيّ؛ ومعناه أَنزلهم في دُورِ الأَنصارِ
يسكنونها معهم ثم يتحوّلون عنها؛ ومنه الحديث: أَنه أَقْطَعَ الزبير نخلاً،
يشبه أَنه إِنما أَعطاه ذلك من الخُمُسِ الذي هو سَهْمُه لأَنَّ النخل
مالٌ ظاهِرُ العين حاضِرُ النفْعِ فلا يجوز إِقْطاعُه، وكان بعضهم يتأَوّل
إِقْطاعَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، المهاجرين الدُّورَ على معنى
العارِيّةِ، وأَما إِقْطاعُ المَواتِ فهو تمليك. وفي الحديث في اليمين: أَو
يَقْتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مُسْلِمٍ أَي يأْخذه لنفسه متملكاً، وهو
يَفْتَعِلُ من القَطْعِ. ورجل مُقْطَعٌ: لا دِيوانَ له. وفي الحديث: كانوا أَهلَ
دِيوانٍ أَو مُقْطَعِينَ، بفتح الطاء، ويروى مُقْتَطِعينَ لأَن الجند لا
يَخْلُونَ من هذين الوجهين.
وقَطَعَ الرجلُ بحبل يَقْطَعُ قَطْعاً: اخْتَنَقَ به. وفي التنزيل:
فَلْيَمْدُدْ بسبب إِلى السماء ثم ليَقْطَعْ فلينظر؛ قالوا: لِيَقْطَعْ أَي
لِيَخْتَنِقْ لأَن المُخْتَنِقَ يَمُدّ السبب إِلى السقف ثم يَقْطَعُ نفسَه
من الأَرض حتى يختنق، قال الأَزهري: وهذا يحتاج إِلى شرح يزيد في إِيضاحه،
والمعنى، والله أَعلم، من كان يظن أَن لن ينصر الله محمداً حتى يظهره على
الدين كله فليمت غيظاً، وهو تفسير قوله فليمدد بسَبَبٍ إِلى السماء،
والسببُ الحبل يشدّه المختنق إِلى سَقْفِ بيته، وسماءُ كل شيء سقفه، ثم ليقطع
أَي ليمد الحبل مشدُوداً في عنقه مدّاً شديداً يُوَتِّرُه حتى ينقطع فيموت
مختنقاً؛ وقال الفراء: أَراد ليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق به، فذلك
قوله ثم ليقطع اختناقاً. وفي قراءة عبد الله: ثم ليقطعه، يعني السبب وهو
الحبل، وقيل: معناه ليمد الحبل المشدود في عنقه حتى ينقطعَ نفَسُه
فيموتَ.وثوبٌ يَقْطَعُكَ ويُقْطِعُكَ ويُقَطِّعُ لك تَقْطِيعاً: يَصْلُح عليك
قميصاً ونحوَه. وقال الأَزهري: إِذا صلح أَن يُقْطَعَ قميصاً، قال
الأَصمعي: لا أَعرف هذا ثوب يَقْطَعُ ولا يُقَطِّعُ ولا يُقَطِّعُني ولا
يَقْطَعُني، هذا كله من كلام المولّدين؛ قال أَبو حاتم: وقد حكاه أَبو عبيدة عن
العرب.
والقُطْعُ: وجَعٌ في البطن ومَغَسٌ. والتقطِيعُ مَغَسٌ يجده الإِنسان في
بطنه وأَمْعائِه. يقال: قُطِّعَ فلان في بطنه تَقْطِيعاً.
والقَطِيعُ: الطائفة من الغنم والنعم ونحوه، والغالب عليه أَنه من عشر
إِلى أَربعين، وقيل: ما بين خمس عشرة إِلى خمس وعشرين، والجمع أَقْطاعٌ
وأَقْطِعةٌ وقُطْعانٌ وقِطاعٌ وأَقاطِيعُ؛قال سيبويه: وهو مما جمع على غير
بناء واحده، ونظيره عندهم حديثٌ وأَحاديثُ. والقِطْعةُ: كالقَطِيع.
والقَطِيعُ: السوط يُقْطَعُ من جلد سير ويعمل منه، وقيل: هو مشتق من القَطِيعِ
الذي هو المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو المُنْقَطِعُ الطرَف، وعَمَّ أَبو
عبيد بالقَطِيعِ، وحكى الفارسي: قَطَعْتُه بالقَطِيع أَي ضربته به كما
قالوا سُطْتُه بالسوط؛ قال الأَعشى:
تَرى عَينَها صَغْواءَ في جَنْبِ مُوقِها،
تُراقِبُ كَفِّي والقَطِيعَ المُحَرَّما
قال ابن بري: السوط المُحَرَّمُ الذي لم يُليَّن بَعْد. الليث:
القَطِيعُ السوط المُنْقَطِعُ. قال الأَزهري: سمي السوط قَطِيعاً لأَنهم يأْخذون
القِدّ المُحَرَّمَ فيَقْطَعونه أَربعة سُيُور، ثم يَفْتِلونه ويَلْوُونه
ويتركونه حتى يَيْبَسَ فيقومَ قِياماً كأَنه عَصاً، سمي قَطِيعاً لأَنه
يُقْطَعُ أَربع طاقات ثم يُلْوى.
والقُطَّعُ والقُطَّاعُ: اللُّصوص يَقْطَعون الأَرض. وقُطَّاعُ الطريق:
الذين يُعارِضون أَبناءَ السبيل فيَقْطَعون بهم السبيلَ.
ورجل مُقَطَّعٌ: مُجَرَّبٌ. وإِنه لحسَنُ التقْطِيع أَي القَدِّ. وشيء
حسن التقْطِيعِ إِذا كان حسن القَدِّ. ويقال: فلان قَطِيعُ فلان أَي
شَبيهُه في قَدِّه وخَلْقِه، وجمعه أَقْطِعاءُ.
ومَقْطَعُ الحقِّ: ما يُقْطَعُ به الباطل، وهو أَيضاً موضع التِقاءِ
الحُكْمِ، وقيل: هو حيث يُفْصَلُ بين الخُصومِ بنص الحكم؛ قال زهير:
وإِنَّ الحَقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ:
يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ
ويقال: الصوْمُ مَقْطَعةٌ للنكاح.
والقِطْعُ والقِطْعةُ والقَطِيعُ والقِطَعُ والقِطاعُ: طائفة من الليل
تكون من أَوّله إِلى ثلثه، وقيل للفزاريِّ: ما القِطْعُ من الليل؟ فقال:
حُزْمةٌ تَهُورُها أَي قِطْعةٌ تَحْزُرُها ولا تَدْرِي كمْ هِيَ.
والقِطْعُ: ظلمة آخر الليل؛ ومنه قوله تعالى: فأَسْرِ بأَهلك بقِطْعٍ من الليل؛
قال الأَخفش: بسواد من الليل؛ قال الشاعر:
افْتَحي الباب، فانْظُري في النُّجومِ،
كَمْ عَلَيْنا مِنْ قِطْعِ لَيْلٍ بَهِيمِ
وفي التنزيل: قِطَعاً من الليل مظلماً، وقرئ: قِطْعاً، والقِطْعُ: اسم
ما قُطِعَ. يقال: قَطَعْتُ الشيءَ قَطْعاً، واسم ما قُطِعَ فسقط قِطْعٌ.
قال ثعلب: من قرأَ قِطْعاً، جعل المظلم من نعته، ومن قرأَ قِطَعاً جعل
المظلم قِطَعاً من الليل، وهو الذي يقول له البصريون الحال. وفي الحديث:
إِنَّ بين يَدَيِ الساعة فِتَناً كقِطْعِ الليل المُظْلِمِ؛ قِطْعُ الليلِ
طلئفةٌ منه وقِطْعةٌ، وجمع القِطْعةِ قِطَعٌ، أَراد فتنة مظلمة سوْداءَ
تعظيماً لشأْنها.
والمُقَطَّعاتُ من الثيابِ: شِبْه الجِبابِ ونحوها من الخَزِّ وغيره. وفي
التنزيل: قُطِّعَتْ لهم ثيابٌ من نار؛ أَي خِيطَتْ وسُوِّيَتْ وجُعِلَتْ
لبَوساً لهم. وفي حديث ابن عباس في صفة نخل الجنة قال: نخل الجنة سَعَفُها
كِسْوةٌ لأَهل الجنة منها مُقَطَّعاتُهم وحُلَلُهم؛ قال ابن الأَثير: لم
يكن يَصِفُها بالقِصَر لأَنه عيب. وقال ابن الأَعرابي: لا يقال للثياب
القِصار مُقَطَّعاتٌ، قال شمر: ومما يقوِّي قوله حديث ابن عباس في وصف
سَعَفِ الجنة لأَنه لا يصف ثياب أَهل الجنة بالقَصَرِ لأَنه عيب، وقيل:
المقطَّعات لا واحد لها فلا يقال لجملة للجُبّةِ القصيرة مُقَطَّعةٌ، ولا
للقَمِيصِ مُقَطَّعٌ، وإِنما يقال الثياب القصار مُقَطَّعات، وللواحد ثوب. وفي
الحديث: أَن رجلاً أَتى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعليه مُقَطَّعاتٌ
له؛ قال ابن الأَثير: أَي ثياب قصار لأَنها قُطِعَتْ عن بلوغ التمام،
وقيل: المُقَطَّع من الثياب كلُّ ما يُفَصَّلُ ويُخاطُ من قميصٍ وجِبابٍ
وسَراوِيلاتٍ وغيرها، وما لا يقطع منها كالأَردية والأُزُر والمَطارِفِ
والرِّياطِ التي لم تقطع، وإِنما يُتَعَطَّفُ بها مرَّة ويُتَلَفَّعُ بها
أُخرى؛ وأَنشد شمر لرؤبة يصف ثوراً وحشيّاً:
كأَنَّ نِصْعاً فَوْقَه مُقَطَّعا،
مُخالِطَ التَّقْلِيصِ، إِذْ تَدَرَّعا
(* وقوله« كأن إلخ» سيأتي في نصع: تخال بدل كأن.)
قال ابن الأَعرابي: يقول كأَنَّ عليه نِصْعاً مُقَلَّصاً عنه، يقول:
تخال أَنه أُلْبِسَ ثوباً أَبيض مقلصاً عنه لم يبلغ كُراعَه لأَنها سُود لست
على لونه؛ وقول الراعي:
فَقُودُوا الجِيادَ المُسْنِفاتِ، وأَحْقِبوا
على الأَرْحَبِيّاتِ الحَديدَ المُقَطَّعا
يعني الدروع. والحديدُ المُقَطَّعُ: هو المتخذ سلاحاً. يقال: قطعنا
الحديد أَي صنعناه دُروعاً وغيره من السِّلاح. وقال أَبو عمرو: مُقَطَّعاتُ
الثياب والشِّعرْ قِصارُها. والمقطَّعات: الثياب القصار، والأَبياتُ
القِصارُ، وكل قصيرٍ مُقَطَّعٌ ومُتَقَطِّعٌ؛ ومنه حديث ابن عباس:وقتُ صلاةِ
الضُّحى إِذا تقَطَّعتِ الظِّلالُ، يعين قَصُرَتْ لأَنها تكون ممتدة في
أَول النهار، فكلما ارتفعت الشمسُ تَقَطَّعَتِ الظِّلالُ وقصرت، وسميت
الأَراجيز مُقَطِّعاتِ لقصرها، ويروى أَن جرير بن الخَطَفى كان بينه وبين رؤبة
اختلاف في شيء فقال: أَما والله لئن سَهِرْتُ له ليلة لأَدَعَنَّه
وقلَّما تغني عنه مقطَّعاته، يعني أَبيات الرجز. ويقال للرجُل القصير: إِنه
لَمُقَطَّعٌ مُجَذَّرٌ.
والمِقْطَعُ: مثالٌ يُقْطَعُ عليه الأَديم والثوب وغيره. والقاطِعُ:
كالمِقْطَعِ اسم كالكاهل والغارِبِ. وقال أَبو الهيثم: إِنما هو القِطاعُ لا
القاطِعُ، قال: وهو مثل لِحافٍ ومِلْحَفٍ وقِرامٍ ومِقْرَمٍ وسِرادٍ
ومِسْرَدٍ.
والقِطْعُ: ضرب من الثياب المُوَشَّاةِ، والجمع قُطوعٌ. والمُقَطَّعاتُ:
بُرود عليها وشْيٌ مُقَطَّعٌ. والقِطْعُ: النُّمْرُقةُ أَيضاً.
والقِطْعُ: الطِّنْفِسةُ تكون تحت الرَّحْلِ على كَتِفَيِ البعير، والجمع كالجمع؛
قال الأَعشى:
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُراها،
تَكَشَّفُ عن مَناكِبها القُطوعُ
قال ابن بري: الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أَبي العاص يمدح معاوية
ويقال لِزيادٍ الأَعْجَمِ؛ وبعده:
بأَبيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ مَضْرَحِيٍّ،
كأَنَّ جَبِينَه سَيْفٌ صَنِيعُ
وفي حديث ابن الزبير والجِنِّيِّ: فجاء وهو على القِطع فنَفَضَه،
وفُسِّرَ القِطْعُ بالطِّنْفِسةِ تحت الرَّحْلِ على كتفي البعير.
وقاطَعَه على كذا وكذا من الأَجْرِ والعَمَلِ ونحوه مُقاطعةً.
قال الليث: ومُقَطَّعةُ الشعَر هناتٌ صِغار مثل شعَرِ الأَرانِبِ؛ قال
الأَزهري: هذا ليس بشيء وأُراه إِنما أَراد ما يقال للأَرْنَبِ السريعة؛
ويقال للأَرنب السريعة: مُقَطِّعةُ الأَسْحارِ ومقطِّعةُ النِّياطِ
ومقطِّعةُ السحورِ كأَنها تَقْطَعُ عِرْقاً في بطن طالبها من شدّةِ العَدْوِ،
أَو رِئاتِ من يَعْدُو على أَثرها ليصيدها، وهذا كقولهم فيها مُحَشِّئةُ
الكِلاب، ومن قال النِّياطُ بُعْدُ المَفازةِ فهي تَقْطَعُه أَيضاً أَي
تُجاوِزُه؛ قال يصف الأَرنب:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ خَيْري،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ النِّياطِ
وقال الشاعر:
مَرَطى مُقَطِّمةٍ سُحُورَ بُغاتِها
مِنْ سُوسِها التَّوْتِيرُ، مهما تُطْلَبِ
ويقال لها أَيضاً: مُقَطِّعةُ القلوب؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ فَضْلي،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ القُلُوبِ
أُرَيْنِبِ خُلّةٍ، باتَتْ تَغَشَّى
أَبارِقَ، كلُّها وَخِمٌ جَدِيب
ويقال: هذا فرس يُقَطِّعُ الجَرْيَ أَي يجري ضُرُوباً من الجَرْيِ
لِمَرحِه ونشاطِه. وقَطَّعَ الجَوادُ الخيلَ تَقْطِيعاً: خَلَّفَها ومضى؛ قال
أَبو الخَشْناءِ، ونسبه الأَزهري إِلى الجعدي:
يُقَطِّعُهُنَّ بِتَقْرِيبه،
ويَأْوي إِلى حُضُرٍ مُلْهِبِ
ويقال: جاءت الخيل مُقْطَوْطِعاتٍ أَي سِراعاً بعضها في إِثر بعض. وفلان
مُنْقَطِعُ القَرِينِ في الكرم والسّخاء إِذا لم يكن له مِثْلٌ، وكذلك
مُنْقَطِعُ العِقالِ في الشرّ والخُبْثِ؛ قال الشماخ:
رأَيْتُ عَرابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إِلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرِينِ
أَبو عبيدة في الشِّياتِ: ومن الغُرَرِ المُتَقَطِّعةُ وهي التي
ارْتَفَعَ بياضُها من المَنْخَرَيْنِ حتى تبلغ الغُرَّةُ عينيه دون جَبْهته. وقال
غيره: المُقَطَّعُ من الحَلْي هو الشيء اليسيرُ منه القليلُ،
والمُقَطَّعُ من الذَّهَبِ اليسِيرِ كالحَلْقةِ والقُرْطِ والشَّنْفِ والشَّذْرةِ
وما أَشبهها؛ ومنه الحديث: أَنه نَهى عن لُبْسِ الذهب إِلا مُقَطَّعاً؛
أَراد الشيء اليسير وكره الكثير الذي هو عادة أَهل السَّرَفِ والخُيَلاء
والكِبْر، واليسيرُ هو ما لا تجب فيه الزكاة؛ قال ابن الأَثير: ويشبه أَن
يكون إِنما كره استعمال الكثير منه لأَن صاحبه ربما بَخِلَ بإِخراج زكاته
فيأْثم بذلك عند منْ أَوْجَب فيه الزكاةَ. وقَطَّعَ عليه العذابَ:
لوَّنَه وجَزَّأَه ولَوَّنَ عليه ضُرُوباً من العذاب. والمُقَطَّعاتُ:
الدِّيارُ. والقَطِيعُ: شبيه بالنظير. وأَرض قَطِيعةٌ: لا يُدْرى أَخُضْرَتُها
أَكثر أَم بياضُها الذي لا نبات به، وقيل: التي بها نِقاطٌ من الكَلإِ.
والقُطْعةُ: قِطْعةٌ من الأَرض إِذا كانت مَفْروزةً، وحكي عن أَعرابي
أَنه قال: ورثت من أَبي قُطْعةً. قال ابن السكيت: ما كان من شيء قُطِعَ من
شيء، فإِن كان المقطوعُ قد يَبْقى منه الشيء ويُقْطَعُ قلت: أَعطِني
قِطْعةً، ومثله الخِرْقةُ، وإِذا أَردت أَن تجمع الشيء بأَسره حتى تسمي به
قلت: أَعْطِني قُطْعةً، وأَما المرة من الفِعْل فبالفتح قَطَعْتُ قَطْعةً،
وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول غَلَبَني فلان على قُطْعةٍ من الأَرض،
يريد أَرضاً مَفْروزةً مثل القِطْعةِ، فإِن أَردت بها قِطْعةً من شيء
قُطِعَ منه قلت قِطْعةٍ. وكل شيء يُقْطَعُ منه، فهو مَقْطَع. والمَقْطَعُ:
موضع القَطْعِ. والمَقْطعُ: مصدر كالقَطْعِ. وقَطَّعْتُ الخمر بالماء إِذا
مَزَجْتَه، وقد تَقَطَّعَ فيه الماءُ؛ وقال ذو الرمة:
يُقَطِّعُ مَوْضُوعَ الحَدِيثِ ابْتِسامُها،
تَقَطُّعَ ماءِ المُزْنِ في نُزَفِ الخَمْر
موضوعُ الحديثِ: مَحْفُوظُه وهو أَن تخْلِطَه بالابْتِسام كما يُخْلَطُ
الماءُ بالخَمْرِ إِذا مُزِجَ. وأَقْقَعَ القومُ
(* قوله« القوم» بهامش
الأصل صوابه: القرم.) إِذا انْقَطَعَتْ مِياهُ السماء فرجَعوا إِلى أَعدادِ
المياهِ؛ قال أَبو وَجْزةَ:
تَزُورُ بيَ القومَ الحَوارِيّ، إِنهم
مَناهلُ أَعدادٌ، إِذا الناسُ أَقْطَعوا
وفي الحديث: كانت يهودُ قوماً لهم ثِمارٌ لا تُصِيبها قُطْعةٌ أَي عَطَشٌ
بانْقِطاعِ الماءِ عنها. ويقال: أَصابت الناسَ قُطْعةٌ أَي ذَهَبَتْ
مِياهُ رَكاياهُم. ويقال للقوم إِذا جَفَّتْ مِياهُهم قُطْعةٌ مُنْكَرةٌ.
وقد قَطَعَ ماءُ قَلِيبِكُم إِذا ذهَب أَو قلّ ماؤه. وقَطَعَ الماءُ
قُطُوعاً وأَقْطَعَ؛ عن ابن الأَعرابي: قلَّ وذهب فانْقَطَعَ، والاسم
القُطْعةُ. يقال: أَصابَ الناسَ قُطْعٌ وقُطْعةٌ إِذا انْقَطَعَ ماءُ بئرهم في
القيظ. وبئر مِقْطاعٌ: يَنْقَطِعُ ماؤها سريعاً. ويقال: قَطَعْتُ الحوْضَ
قَطْعاً إِذا مَلأْتَه إِلى نصْفِه أَو ثُلثه ثم قَطَعْتُ الماء؛ ومنه قول
ابن مقبل يذكر الإِبل:
قَطَعْنا لَهُنَّ الحوْضَ فابْتَلَّ شَطْرُه
بِشِرْبٍ غشاشٍ، وهْوَ ظَمْآنُ سائِرُهْ
أَي باقِيه. وأَقْطَعَت السماء بموضع كذا إِذا انْقَطعَ المطر هناك
وأَقْلَعَتْ. يقال: مَطَرَتِ السماءُ ببلد كذا وأَقْطَعَتْ ببلد كذا.
وقَطَعَتِ الطَّيْرُ قَطاعاً وقِطاعاً وقُطوعاً واقْطوطعَت: انْحَدَرَت من بلاد
البرد إِلى بلاد الحر. والطير تَقْطَعُ قُطُوعاً إِذا جاءت من بلد إِلى بلد
في وقت حر أَو برد،وهي قَواطِعُ. ابن السكيت: كان ذلك عند قَطاعِ الطير
وقَطاعِ الماءِ، وبعضهم يقول قُطُوعِ الطير وقُطوعِ الماء، وقَطاعُ الطير:
أَن يجيء من بلد إِلى بلد، وقَطاعُ الماء: أَن َينْقَطِعَ. أَبو زيد:
قطَعَتِ الغِرْبانُ إِلينا في الشتاء قُطُوعاً ورجعت في الصيف رُجُوعاً،
والطير التي تقيم ببلد شِتاءَها وصَيْفها هي الأَوابدُ، ويقال: جاءَت الطير
مُقْطَوْطِعاتٍ وقَواطِعَ بمعنى واحد. والقُطَيْعاءُ، ممدود مثال
الغُبَيْراءِ: التمر الشِّهْرِيزُ، وقال كراع: هو صِنْفٌ من التمر فلم يُحَلِّه؛
قال:
باتُوا يُعَشُّونَ القُطَيْعاءَ جارَهُمْ،
وعِنْدَهُمُ البَرْنيُّ في جُلَلٍ دُسْمِ
وفي حديث وفد عبد القيس: تَقْذِفُونَ فيه من القُطَيْعاءِ، قال: هو نوع
من التمر، وقيل: هو البُسْرُ قبل أَن يُدْرِكَ. ويقال: لأَقْطَعَنَّ
عُنُقَ دابتي أَي لأَبيعنها؛ وأَنشد لأَعرابي تزوج امرأَة وساق إِليها
مَهْرَها إِبلاً:
أَقُولُ، والعَيْساءُ تَمْشي والفُصُلْ
في جِلّةٍ منها عَرامِيسٌ عُطُلْ:
قَطَّعَتِ الأَحْراجُ أَعناقَ الإِبلْ
ابن الأَعرابي: الأَقْطَعُ الأَصم؛ قال وأَنشدني أَبو المكارم:
إِنَّ الأُحَيْمِرَ، حين أَرْجُو رِفْدَه
عُمُراً، لأَقْطَعُ سَيِّءُ الإِصْرانِ
قال: الإِصْرانُ جمع إِصْرٍ وهو الخِنَّابةُ، وهو شَمُّ الأَنْفِ.
والخِنَّابَتانِ: مَجْرَيا النفَسِ من المَنْخَرَيْنِ. والقُطْعَةُ في طَيِّءٍ
كالعَنْعَنة في تَميمٍ، وهو أَن يقول: يا أَبا الحَكا، يريد يا أَبا
الحَكَمِ، فيَقْطَعُ كلامه. ولبن قاطِعٌ أَي حامِضٌ.
وبنو قُطَيْعةَ: قبيلة حيٌّ من العرب، والنسبة إِليهم قُطَعِيٌّ. وبنو
قُطْعةَ: بطن أَيضاً. قال الأَزهري: في آخر هذه الترجمة: كلّ ما مر في هذا
الباب من هذه الأَلفاظ فالأَصل واحد والمعاني مُتَقارِبةٌ وإِن اختلفت
الأَلفاظ، وكلام العرب يأْخذ بعضه برقاب بعض، وهذا دليل على أَنه أَوسع
الأَلسنة.
نزل: النُّزُول: الحلول، وقد نَزَلَهم ونَزَل عليهم ونَزَل بهم يَنْزل
نُزُولاً ومَنْزَلاً ومَنْزِلاً، بالكسر شاذ؛ أَنشد ثعلب:
أَإِنْ ذَكَّرَتْك الدارَ مَنْزِلُها جُمْلُ
أَراد: أَإِن ذكَّرتكُ نُزولُ جُمْلٍ إِياها، الرفع في قوله منزلُها
صحيح، وأَنَّث النزولَ حين أَضافه إِلى مؤنَّث؛ قال ابن بري: تقديره أَإِن
ذكَّرتك الدار نُزولَها جُمْلُ، فَجُمْلُ فاعل بالنُّزول، والنُّزولُ
مفعول ثانٍ بذكَّرتك.
وتَنَزَّله وأَنْزَله ونَزَّله بمعنىً؛ قال سيبويه: وكان أَبو عمرو
يفرُق بين نَزَّلْت وأَنْزَلْت ولم يذكر وجهَ الفَرْق؛ قال أَبو الحسن: لا
فرق عندي بين نَزَّلْت وأَنزلت إِلا صيغة التكثير في نزَّلت في قراءة ابن
مسعود: وأَنزَل الملائكة تَنْزِيلاً؛ أَنزل: كنَزَّل؛ وقول ابن جني:
المضاف والمضاف إِليه عندهم وفي كثير من تَنْزِيلاتِهم كالاسم الواحد، إِنما
جمع تَنْزِيلاً هنا لأَنه أَراد للمضاف والمضاف إِليه تَنْزيلات في وجُوه
كثيرة منزلةَ الاسم الواحد، فكنى بالتَّنْزيلات عن الوجوه المختلفة، أَلا
ترى أَن المصدر لا وجه له إِلاَّ تشعُّب الأَنواع وكثرتُها؟ مع أَن ابن
جني تسمَّح بهذا تسمُّح تحضُّرٍ وتحذُّق، فأَما على مذهب العرب فلا وجه
له إِلاَّ ما قلنا.
والنُّزُل: المَنْزِل؛ عن الزجاج، وبذلك فسر قوله تعالى: وجعلنا جهنم
للكافرين نُزُلاً؛ وقال في قوله عز وجل: جناتٌ تجري من تحتها الأَنهارُ
خالدين فيها نُزُلاً من عِند الله؛ قال: نُزُلاًمصدر مؤكد لقوله خالدين فيها
لأَن خُلودهم فيها إِنْزالُهم فيها. وقال الجوهري: جناتُ الفِرْدَوْسِ
نُزُلاً؛ قال الأَخفش: هو من نُزول الناس بعضهم على بعض. يقال: ما وجدْنا
عندكم نُزُلاً.
والمَنْزَل، بفتح الميم والزاي: النُّزول وهو الحلول، تقول: نزلْت
نُزولاً ومَنْزَلاً؛ وأَنشد أَيضاً:
أَإِن ذَكَّرَتك الدارُ مَنْزَلَها جُمْلُ
بَكيْتَ، فدَمْعُ العَيْنِ مُنْحَدِر سَجْلُ؟
نصب المَنْزَل لأَنه مصدر.
وأَنزَله غيرُه واستنزله بمعنى، ونزَّله تنزيلاً، والتنزيل أَيضاً:
الترتيبُ. والتنزُّل: النُّزول في مُهْلة. وفي الحديث: إِن الله تعالى وتقدّس
يَنزِل كل ليلة إِلى سماء الدنيا؛ النُّزول والصُّعود والحركة والسكونُ
من صفات الأَجسام، والله عز وجل يتعالى عن ذلك ويتقدّس، والمراد به نُزول
الرحمة والأَلطافِ الإِلهية وقُرْبها من العباد، وتخصيصُها بالليل
وبالثُلث الأَخيرِ منه لأَنه وقتُ التهجُّد وغفلةِ الناس عمَّن يتعرَّض لنفحات
رحمة الله، وعند ذلك تكون النيةُ خالصة والرغبةُ إِلى الله عز وجل
وافِرة، وذلك مَظِنَّة القبول والإِجابة. وفي حديث الجهاد: لا تُنْزِلْهم على
حُكْم الله ولكن أَنزِلْهم على حُكْمِك أَي إذا طَلب العدوُّ منك الأَمان
والذِّمامَ على حكم اللّه فلا تُعْطيهم، وأَعطِهم على حكمك، فإِنك
ربَّما تخطئ في حكم الله تعالى أَو لا تفي به فتأْثَم. يقال: نزلْت عن الأَمر
إِذا تركتَه كأَنك كنت مستعلياً عليه مستولياً.
ومكان نَزِل: يُنزَل فيه كثيراً؛ عن اللحياني.
ونَزَل من عُلْوٍ إِلى سُفْل: انحدر. والنِّزالُ في الحربْ: أَن
يتَنازَل الفريقان، وفي المحكم: أَن يَنْزل الفَرِيقان عن إِبِلهما إِلى
خَيْلهما فيَتضاربوا، وقد تنازلوا.
ونَزالِ نَزالِ أَي انزِلْ، وكذا الاثنان والجمعُ والمؤنثُ بلفظ واحد؛
واحتاج الشماخ إِليه فثقَّله فقال:
لقد عَلِمَتْ خيلٌ بمُوقانَ أَنَّني
أَنا الفارِسُ الحامي، إِذا قيل: نَزَّال
(* قوله «لقد علمت خيل إلخ» هكذا في الأصل بضمير التكلم، وأَنشده ياقوت
عند التكلم على موقان للشماخ ضمن ابيات يمدح بها غيره بلفظ:
وقد علمت خيل بموقان أنه * هو الفارس الحامي إذا قيل
تنزال).الجوهري: ونَزَالِ مثل قَطامِ بمعنى انْزِل، وهو معدول عن المُنازَلة،
ولهذا أَنثه الشاعر بقوله:
ولَنِعْم حَشْوُ الدِّرْعِ أَنتَ، إِذا
دُعِيَتْ نَزالِ، ولُجَّ في الذُّعْرِ
قال ابن بري: ومثله لزيد الخيل:
وقد علمتْ سَلامةُ أَن سَيْفي
كَرِيهٌ، كلما دُعِيَتْ نزالِ
وقال جُرَيبة الفقعسي:
عَرَضْنا نَزالِ، فلم يَنْزِلوا،
وكانت نَزالِ عليهم أَطَمْ
قال: وقول الجوهري نَزالِ معدول من المُنازلة، يدل على أَن نَزالِ بمعنى
المُنازلة لا بمعنى النُّزول إِلى الأَرض؛ قال: ويقوِّي ذلك قول الشاعر
أَيضاً:
ولقد شهدتُ الخيلَ، يومَ طِرادِها،
بسَلِيم أَوْظِفةِ القَوائم هَيْكل
فَدَعَوْا: نَزالِ فكنتُ أَولَ نازِلٍ،
وعَلامَ أَركبُه إِذا لم أَنْزِل؟
وصف فرسه بحسن الطراد فقال: وعلامَ أَركبُه إِذا لم أُنازِل الأَبطال
عليه؟ وكذلك قول الآخر:
فلِمْ أَذْخَر الدَّهْماءَ عند الإِغارَةِ،
إِذا أَنا لم أَنزِلْ إِذا الخيل جالَتِ؟
فهذا بمعنى المُنازلة في الحرب والطِّراد لا غير؛ قال: ويدلُّك على أَن
نَزالِ في قوله: فَدعَوْا نَزالِ بمعنى المُنازلة دون النُّزول إِلى
الأَرض قوله:
وعَلامَ أَركبه إِذا لم أَنزل؟
أَي ولِمَ أَركبُه إِذا لم أُقاتل عليه أَي في حين عدم قتالي عليه،
وإِذا جعلت نَزالِ بمعنى النزول إِلى الأَرض صار المعنى: وعَلام أَركبه حين
لم أَنزل إِلى الأَرض، قال: ومعلوم أَنه حين لم ينزل هو راكب فكأَنه قال:
وعلام أَركبه في حين أَنا راكب؛ قال ومما يقوي ذلك قول زهير:
ولَنِعْم حَشْوُ الدِّرْعِ أَنت، إِذا
دُعِيَتْ نَزال، ولُجَّ في الدُّعْرِ
أَلا تَرى أَنه لم يمدحه بنزوله إِلى الأَرض خاصة بل في كل حال؟ ولا
تمدَح الملوك بمثل هذا، ومع هذا فإِنه في صفة الفرس من الصفات الجليلة وليس
نزوله إِلى الأَرض مما تمدَح به الفرس، وأَيضاً فليس النزول إِلى الأَرض
هو العلَّة في الركوب. وفي الحديث: نازَلْت رَبِّي في كذا أَي راجعته
وسأَلته مرَّة بعد مرَّة، وهو مُفاعَلة من النّزول عن الأَمر، أَو من
النِّزال في الحرب.
والنَّزِيلُ: الضيف؛ وقال:
نَزِيلُ القومِ أَعظمُهم حُقوقاً،
وحَقُّ اللهِ في حَقِّ النَّزِيلِ
سيبويه: ورجل نَزيل نازِل. وأَنْزالُ القومِ: أَرزاقهم.
والنُّزُل وتلنُّزْل: ما هُيِّئَ للضيف إِذا نزل عليه. ويقال: إِن
فلاناً لحسن النُّزْل والنُّزُل أَي الضيافة؛ وقال ابن السكيت في قوله:
فجاءت بِيَتْنٍ للنِّزَالة أَرْشَما
قال: أَراد لِضِيافة الناس؛ يقول: هو يَخِفُّ لذلك، وقال الزجاج في
قوله: أَذَلكَ خيرٌ نُزُلاً أَم شجرة الزَّقُّوم؛ يقول: أَذلك خير في باب
الأَنْزال التي يُتَقَوَّت بها وتمكِن معها الإِقامة أَم نُزُل أَهلِ النار؟
قال: ومعنى أَقمت لهم نُزُلهم أَي أَقمت لهم غِذاءَهم وما يصلُح معه أَن
ينزلوا عليه. الجوهري: والنُّزْل ما يهيَّأُ للنَّزِيل، والجمع
الأَنْزال. وفي الحديث: اللهم إِني أَسأَلك نُزْلَ الشهداء؛ النُّزْل في الأَصل:
قِرَى الضيف وتُضَمّ زايُه، يريد ما للشهداء عند الله من الأَجر والثواب؛
ومنه حديث الدعاء للميت: وأَكرم نُزُله.
والمُنْزَلُ: الإِنْزال، تقول: أَنْزِلْني مُنْزَلاً مُباركاً.
ونَزَّل القومَ: أَنْزَلهم المَنازل. وتَزَّل فلان عِيرَه: قَدَّر لها
المَنازل. وقوم نُزُل: نازِلون.
والمَنْزِل والمَنْزِلة: موضع النُّزول. قال ابن سيده: وحكى اللحياني
مَنْزِلُنا بموضع كذا، قال: أُراه يعني موضع نُزولنا؛ قال: ولست منه على
ثقة؛ وقوله:
دَرَسَ المَنَا بِمُتالِعٍ فأَبَانِ
إِنما أَراد المَنازل فحذف؛ وكذلك قول الأَخطل:
أَمستْ مَناها بأَرض ما يبلِّغُها،
بصاحب الهمِّ، إِلا الجَسْرةُ الأُجُدُ
أَراد: أَمستْ مَنازلها فحذف، قال: ويجوز أَن يكون أَراد بمناها قصدَها،
فإِذا كان كذلك فلا حذف. الجوهري: والمَنْزِل المَنْهَل، والدارُ
والمنزِلة مثله؛ قال ذو الرمة:
أَمَنْزِلَتَيْ مَيٍّ، سلامٌ عليكما
هلِ الأَزْمُنُ اللاَّئي مَضَيْنَ رَواجِعُ؟
والمنزِلة: الرُّتبة، لا تجمَع. واستُنْزِل فلان أَي حُطَّ عن مرتبته.
والمَنْزِل: الدرجة. قال سيبويه: وقالوا هو مني منزِلة الشَّغَاف أَي هو
بتلك المنزِلة، وكلنه حذف كما قالوا دخلت البيت وذهبت الشامَ لأَنه بمنزلة
المكان وإِن لم يكن مكاناً، يعني بمنزلة الشَّغَاف، وهذا من الظروف
المختصة التي أُجريت مُجرى غير المختصَّة. وفي حديث ميراث الجدِّ: أَن أَبا
بكر أَنزله أَباً أَي جعل الجدَّ في منزلة الأَب وأَعطاه نصيبَه من
الميراث.
والنُّزَالة: ما يُنْزِل الفحلُ من الماء، وخص الجوهري فقال: النُّزالة،
بالضم، ماءُ الرجل. وقد أَنزل الرجلُ ماءه إِذا جامع، والمرأَة تستنزِل
ذلك. والنَّزْلة: المرة الواحدة من النُّزول.
والنازِلة: الشديدة تنزِل بالقوم، وجمعها النَّوازِل. المحكم: والنازِلة
الشدَّة من شدائد الدهر تنزل بالناس، نسأَل الله العافية. التهذيب: يقال
تنزَّلَت الرحمة. المحكم: نزَلَتْ عليهم الرحمة ونزَل عليهم العذاب
كِلاهما على المثل. ونزَل به الأَمر: حلَّ؛ وقوله أَنشده ثعلب:
أَعْزْرْ عليَّ بأَن تكون عَلِيلا
أَو أَن يكون بك السَّقام نَزيلا
جعله كالنَّزِيل من الناس أَي وأَن يكون بك السَّقام نازِلاً. ونزَل
القومُ: أَتَوْا مِنَى؛ قال ابن أَحمر:
وافَيْتُ لمَّا أَتاني أَنَّها نزلتْ،
إِنّ المَنازلَ مما تجمَع العَجَبَا
أَي أَتت مِنَى؛ وقال عامر بن الطفيل:
أَنازِلةٌ أَسماءُ أَم غيرُ نازِلَه؟
أَبيني لنا، يا أَسْمَ، ما أَنْت فاعِلَه
والنُّزْل: الرَّيْعُ والفَضْلُ، وكذلك النَّزَل. المحكم: النُّزْل
والنَّزَل، بالتحريك، رَيْعُ ما يُزرع أَي زَكاؤه وبركتُه، والجمع أَنْزال،
وقد نَزِل نَزَلاً. وطعامٌ نَزِل: ذو نَزَل، ونَزِيلٌ: مبارك؛ الأَخيرة عن
ابن الأَعرابي. وطعام قليل النُّزْل والنَّزَل، بالتحريك، أَي قليل
الرَّيْع، وكثير النُّزْل والنَّزَل، بالتحريك. وأَرض نَزْلة: زاكية الزَّرْع
والكَلإِ. وثوب نِزِيل: كامِلٌ. ورجل ذو نَزَلٍ: كثير الفَضْل والعطاءِ
والبركة؛ قال لبيد:
ولَنْ تَعْدَمُوا في الحرْب لَيْثاً مُجَرَّباً
وَذا نَزَلٍ، عندَ الرَّزِيَّةِ، باذِلا
والنَّزْلةُ: كالزُّكام؛ يقال: به نَزْلة، وقد نُزِلَ
(* قوله «وقد نزل»
هكذا ضبط بالقلم في الأصل والصحاح، وفي القاموس: وقد نزل كعلم) وقوله
عز وجل: ولقد رآه نَزْلةً أُخرى؛ قالوا: مرَّة أُخرى.
والنَّزِلُ: المكان الصُّلب السريعُ السَّيْل. وأَرض نَزِلة: تَسيلُ من
أَدنى مطر. ومكان نَزِل: سريعُ السيل. أَبو حنيفة: وادٍ نَزِلٌ يُسِيله
القليل الهيِّن من الماء. والنَّزَل: المطرُ. ومكان نَزل: صُلب شديدٌ.
وقال أَبو عمرو: مكان نَزْل واسعٌ بعيدٌ؛ وأَنشد:
وإِنْ هَدَى منها انتِقالُ النَّقْلِ،
في مَتْنِ ضَحَّاكِ الثَّنايا نَزْلِ
وقال ابن الأَعرابي: مكان نَزِل إِذا كان مَجالاً مَرْتاً، وقيل:
النَّزِل من الأَودية الضيِّق منها. الجوهري: أَرض نَزِلة ومكان نَزِلٌ بيِّن
النَّزالة إِذا كانت تَسِيل من أَدنى مطر لصَلابتها، وقد نَزِل، بالكسر.
وحَظٌّ نَزِل أَي مجتَمِع.
ووجدت القوم على نَزِلاتهم أَي مَنازلهم. وتركت القوم على نَزَلاتهم
ونَزِلاتهم أَي على استقامة أَحوالهم مثل سَكِناتهم؛ زاد ابن سيده: لا يكون
إِلا في حسن الحال.
ومُنازِلُ بن فُرْعان
(* قوله «ومنازل بن فرعان» ضبط في الأصل بضم
الميم، وفي القاموس بفتحها، وعبارة شرحه: هو بفتح الميم كما يقتضيه اطلاقه
ومنهم من ضبطه بضمها اهـ. وفي الصاغاني: وسموا منازل ومنازلاً بفتح الميم
وضمها): من شعرائهم؛ وكان مُنازِل عقَّ أَباه فقال فيه:
جَزَتْ رَحِمٌ، بيني وبين مُنازِلٍ،
جَزاءً كما يَسْتَخْبِرُ الكَلْبَ طالِبُهْ
فعَقَّ مُنازلاً ابنُه خَلِيج فقال فيه:
تَظَلَّمَني مالي خَلِيجٌ، وعقَّني
على حين كانت كالحِنِيِّ عِظامي
خرج: الخُروج: نقيض الدخول. خَرَجَ يَخْرُجُ خُرُوجاً ومَخْرَجاً، فهو
خارِجٌ وخَرُوجٌ وخَرَّاجٌ، وقد أَخْرَجَهُ وخَرَجَ به. الجوهري: قد يكون
المَخْرَجُ موضعَ الخُرُوجِ. يقال: خَرَجَ مَخْرَجاً حَسَناً، وهذا
مَخْرَجُه. وأَما المُخْرَجُ فقد يكون مصدرَ قولك أَخْرَجَه، والمفعولَ به
واسمَ المكان والوقت، تقول: أَخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ، وهذا مُخْرَجُه،
لأَن الفعل إِذا جاوز الثلاثة فالميم منه مضمومة، مثل دَحْرَجَ، وهذا
مُدَحْرَجُنا، فَشُبِّهَ مُخْرَجٌ ببنات الأَربعة.
والاستخراجُ: كالاستنباط.
وفي حديث بَدْرٍ: فاخْتَرَجَ تَمَراتٍ من قِرْبةٍ أَي أَخْرَجَها، وهو
افْتَعَلَ منه.
والمُخارَجَةُ: المُناهَدَةُ بالأَصابع.
والتَّخارُجُ: التَّناهُدُ؛ فأَما قول الحسين بن مُطَيْرٍ:
ما أَنْسَ، لا أَنْسَ مِنْكُمْ نَظْرَةً شَغَفَتْ،
في يوم عيدٍ، ويومُ العيدِ مَخْرُوجُ
فإِنه أَراد مخروجٌ فيه، فحذف؛ كما قال في هذه القصيدة:
والعينُ هاجِعَةٌ والرُّوح مَعْرُوجُ
أَراد معروج به.
وقوله عز وجل: ذلك يَوْمُ الخُروجِ؛ أَي يوم يخرج الناس من الأَجداث.
وقال أَبو عبيدة: يومُ الخُروجِ من أَسماء يوم القيامة؛ واستشهدَ بقول
العجاج:
أَلَيسَ يَوْمٌ سُمِّيَ الخُرُوجا،
أَعْظَمَ يَوْمٍ رَجَّةً رَجُوجا؟
أَبو إِسحق في قوله تعالى: يوم الخروج أَي يوم يبعثون فيخرجون من
الأَرض. ومثله قوله تعالى: خُشَّعاً أَبصارُهُمُ يَخْرُجون من الأَجْداثِ. وفي
حديث سُوَيْدِ بن عَفَلَةَ: دخل عليَّ عليٌّ، رضي الله عنه، في يوم
الخُرُوج، فإِذا بين يديه فاتُورٌ عليه خُبْزُ السَّمْراء وصحفةٌ فيها
خَطِيفَةٌ. يَوْم الخُروجِ؛ يريد يوم العيد، ويقال له يوم الزينة ويوم المشرق.
وخُبْزُ السَّمْراءِ: الخُشْكارُ، كما قيل لِلُّبابِ الحُوَّارَى
لبياضه.واخْتَرَجَهُ واسْتَخْرجَهُ: طلب إِليه أَن منه أَن يَخْرُجَ. وناقَةٌ
مُخْتَرِجَةٌ إِذا خرجت على خِلْقَةِ الجَمَلِ البُخْتِيِّ. وفي حديث قصة:
أَن الناقة التي أَرسلها الله، عز وجل،آيةً لقوم صالح، عليه السلام، وهم
ثمود، كانت مُخْتَرَجة، قال: ومعنى المختَرَجة أَنها جُبلت على خلقة
الجمل، وهي أَكبر منه وأَعظم.
واسْتُخْرِجَتِ الأَرضُ: أُصْلِحَتْ للزراعة أَو الغِراسَةِ، وهو من ذلك
عن أَبي حنيفة. وخارجُ كلِّ شيءٍ: ظاهرُه. قال سيبويه: لا يُستعمل ظرفاً
إِلا بالحرف لأَنه مخصوص كاليد والرجل؛ وقول الفرزدق:
عَلى حِلْفَةٍ لا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِماً،
ولا خارِجاً مِن فِيِّ زُورُ كلامِ
أَراد: ولا يخرج خروجاً، فوضع الصفة موضع المصدر لأَنه حمله على عاهدت.
والخُروجُ: خُروجُ الأَديب والسائق ونحوهما يُخَرَّجُ فيَخْرُجُ.
وخَرَجَتْ خَوارجُ فلان إِذا ظهرتْ نَجابَتُهُ وتَوَجَّه لإِبرام
الأُمورِ وإِحكامها، وعَقَلَ عَقْلَ مِثْلِه بعد صباه.
والخارِجِيُّ: الذي يَخْرُجُ ويَشْرُفُ بنفسه من غير أَن يكون له قديم؛
قال كثير:
أَبا مَرْوانَ لَسْتَ بِخارِجيٍّ،
وليس قَديمُ مَجْدِكَ بانْتِحال
والخارِجِيَّةُ: خَيْل لا عِرْقَ لها في الجَوْدَة فَتُخَرَّجُ سوابقَ،
وهي مع ذلك جِيادٌ؛ قال طفيل:
وعارَضْتُها رَهْواً على مُتَتَابِعٍ،
شَديدِ القُصَيْرى، خارِجِيٍّ مُجَنَّبِ
وقيل: الخارِجِيُّ كل ما فاق جنسه ونظائره. قال أَبو عبيدة: من صفات
الخيل الخَرُوجُ، بفتح الخاء، وكذلك الأُنثى، بغير هاءٍ، والجمع الخُرُجُ،
وهو الذي يَطول عُنُقُهُ فَيَغْتالُ بطولها كلَّ عِنانٍ جُعِلَ في لجامه؛
وأَنشد:
كلّ قَبَّاءَ كالهِراوةِ عَجْلى،
وخَروجٍ تَغْتالُ كلَّ عِنانِ
الأَزهري: وأَما قول زهير يصف خيلاً:
وخَرَّجَها صَوارِخَ كلِّ يَوْمٍ،
فَقَدْ جَعَلَتْ عَرائِكُها تَلِينُ
فمعناه: أَن منها ما به طِرْقٌ، ومنها ما لا طِرْقَ به؛ وقال ابن
الأَعرابي: معنى خَرَّجَها أَدَّبها كما يُخَرِّجُ المعلم تلميذه.
وفلانٌ خَرِيجُ مالٍ وخِرِّيجُه، بالتشديد، مثل عِنِّينٍ، بمعنى مفعول
إِذا دَرَّبَهُ وعَلَّمَهُ. وقد خَرَّجَهُ في الأَدبِ فَتَخَرَّجَ.
والخَرْجُ والخُرُوجُ: أَوَّلُ ما يَنْشَأُ من السحاب. يقال: خَرَجَ
لَهُ خُرُوجٌ حَسَنٌ؛ وقيل: خُرُوجُ السَّحَاب اتِّساعُهُ وانْبِساطُه؛ قال
أَبو ذؤَيب:
إِذا هَمَّ بالإِقْلاعِ هَبَّتْ له الصَّبا،
فَعَاقَبَ نَشْءٌ بعْدها وخُرُوجُ
الأَخفش: يقال للماء الذي يخرج من السَّحاب: خَرْجٌ وخُرُوجٌ. الأَصمعي:
يقال أَوَّل ما يَنْشَأُ السحابُ، فهو نَشْءٌ. التهذيب: خَرَجَت السماء
خُروجاً إِذا أَصْحَتْ بعد إِغامَتِها؛ وقال هِمْيان يصف الإِبل
وورودها:فَصَبَّحَتْ جابِيَةً صُهارِجَا؛
تَحْسَبُه لَوْنَ السَّماءِ خارِجَا
يريد مُصْحِياً؛ والسحابةُ تُخْرِجُ السحابةَ كما تُخْرِجُ الظَّلْمَ.
والخَرُوجُ من الإِبل: المِعْناقُ المتقدمة. والخُرَاجُ: ورَمٌ يَخْرُجُ
بالبدن من ذاته، والجمع أَخْرِجَةٌ وخِرْجَانٌ. غيره: والخُرَاجُ ورَمُ
قَرْحٍ يخرج بداية أَو غيرها من الحيوان. الصحاح: والخُرَاجُ ما يَخْرُجُ
في البدن من القُرُوح.
والخَوَارِجُ: الحَرُورِيَّةُ؛ والخَارِجِيَّةُ: طائفة منهم لزمهم هذا
الاسمُ لخروجهم عن الناس. التهذيب: والخَوَارِجُ قومٌ من أَهل الأَهواء
لهم مَقالَةٌ على حِدَةٍ.
وفي حديث ابن عباس أَنه قال: يَتَخَارَجُ الشَّريكانِ وأَهلُ الميراث؛
قال أَبو عبيد: يقول إِذا كان المتاع بين ورثة لم يقتسموه أَو بين شركاء،
وهو في يد بعضهم دون بعض، فلا بأْس أَن يتبايعوه، وإِن لم يعرف كل واحد
نصيبه بعينه ولم يقبضه؛ قال: ولو أَراد رجل أَجنبي أَن يشتري نصيب بعضهم
لم يجز حتى يقبضه البائع قبل ذلك؛ قال أَبو منصور: وقد جاءَ هذا عن ابن
عباس مفسَّراً على غير ما ذكر أَبو عبيد. وحدَّث الزهري بسنده عن ابن عباس،
قال: لا بأْس أَن يَتَخَارَج القومُ في الشركة تكون بينهم فيأْخذ هذا
عشرة دنانير نقداً، ويأْخذ هذا عشرة دنانير دَيْناً. والتَّخارُجُ:
تَفاعُلٌ من الخُروج، كأَنه يَخْرُجُ كلُّ واحد من شركته عن ملكه إِلى صاحبه
بالبيع؛ قال: ورواه الثوري بسنده على ابن عباس في شريكين: لا بأْس أَن
يتخارجا؛ يعني العَيْنَ والدَّيْنَ؛ وقال عبد الرحمن بن مهدي: التخارج أَن
يأْخذ بعضهم الدار وبعضهم الأَرض؛ قال شمر: قلت لأَحمد: سئل سفيان عن أَخوين
ورثا صكّاً من أَبيهما، فذهبا إِلى الذي عليه الحق فتقاضياه؛ فقال: عندي
طعام، فاشتريا مني طعاماً بما لكما عليَّ، فقال أَحد الأَخوين: أَنا آخذ
نصيبي طعاماً؛ وقال الآخر: لا آخذ إِلاّ دراهم، فأَخذ أَحدهما منه عشرة
أَقفرة بخمسين درهماً بنصيبه؛ قال: جائز، ويتقاضاه الآخر، فإِن تَوَى ما
على الغريم، رجع الأَخ على أَخيه بنصف الدراهم التي أَخذ، ولا يرجع
بالطعام. قال أَحمد: لا يرجع عليه بشيء إِذا كان قد رضي به، والله
أَعلم.وتَخَارَجَ السَّفْرُ: أَخْرَجُوا نفقاتهم.
والخَرْجُ والخَرَاجُ، واحدٌ: وهو شيء يُخْرِجُه القومُ في السَّنَةِ
مِن مالهم بقَدَرٍ معلوم. وقال الزجاج: الخَرْجُ المصدر، والخَرَاجُ: اسمٌ
لما يُخْرَجُ. والخَرَاجُ: غَلَّةُ العبد والأَمة. والخَرْجُ والخَراج:
الإِتاوَةُ تُؤْخذ من أَموال الناس؛ الأَزهري: والخَرْجُ أَن يؤَدي إِليك
العبدُ خَرَاجَه أَي غلته، والرَّعِيَّةُ تُؤَدِّي الخَرْجَ إِلى
الوُلاةِ. وروي في الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: الخَرَاجُ
بالضمان؛ قال أَبو عبيد وغيره من أَهل العلم: معنى الخراج في هذا الحديث
غلة العبد يشتريه الرجلُ فيستغلُّه زماناً، ثم يَعْثُرُ منه على عَيْبٍ
دَلَّسَهُ البائعُ ولم يُطْلِعْهُ عليه، فله رَدُّ العبد على البائع
والرجوعُ عليه بجميع الثمن، والغَّلةُ التي استغلها المشتري من العبد طَيِّبَةٌ
له لأَنه كان في ضمانه، ولو هلك هلك من ماله. وفسر ابن الأَثير قوله:
الخراج بالضمان؛ قال: يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة، عبداً
كان أَو أَمة أَو ملكاً، وذلك أَن يشتريه فيستغله زماناً، ثم يعثر فيه على
عيب قديم، فله رد العين المبيعة وأَخذ الثمن، ويكون للمشتري ما استغله
لأَن المبيع لو كان تلفَ في يده لكان من ضمانه، ولم يكن له على البائع شيء؛
وباء بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان أَي بسببه،
وهذا معنى قول شريح لرجلين احتكما إِليه في مثل هذا، فقال للمشتري: رُدَّ
الداءَ بدائه ولك الغلةُ بالضمان. معناه: رُدَّ ذا العيب بعيبه، وما حصل
في يدك من غلته فهو لك.
ويقال: خَارَجَ فلانٌ غلامَه إِذا اتفقا على ضريبة يَرُدُّها العبدُ على
سيده كلَّ شهر ويكون مُخَلًّى بينه وبين عمله، فيقال: عبدٌ مُخَارَجٌ.
ويُجْمَعُ الخَراجُ، الإِتَاوَةُ، على أَخْراجٍ وأَخَارِيجَ وأَخْرِجَةٍ.
وفي التنزيل: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ. قال
الزجاج: الخَرَاجُ الفَيْءُ، والخَرْجُ الضَّريبَةُ والجزية؛ وقرئ: أَم
تسأَلهم خَرَاجاً. وقال الفراء. معناه: أَمْ تسأَلهم أَجراً على ما جئت
به، فأَجر ربك وثوابه خيرٌ. وأَما الخَرَاجُ الذي وظفه عمرُ بن الخطاب، رضي
الله عنه، على السواد وأَرضِ الفَيْء فإِن معناه الغلة أَيضاً، لأَنه
أَمر بِمَسَاحَةِ السَّوَادِ ودفعها إِلى الفلاحين الذين كانوا فيه على غلة
يؤدونها كل سنة، ولذلك سمي خَراجاً، ثم قيل بعد ذلك للبلاد التي افتتحت
صُلْحاً ووظف ما صولحوا عليه على أَراضيهم: خراجية لأَن تلك الوظيفة
أَشبهت الخراج الذي أُلزم به الفلاَّحون، وهو الغلة، لأَن جملة معنى الخراج
الغلة؛ وقيل للجزية التي ضربت على رقاب أَهل الذِّمَّة: خراج لأَنه كالغلة
الواجبة عليهم. ابن الأَعرابي: الخَرْجُ على الرؤوس، والخَرَاجُ على
الأَرضين. وفي حديث أَبي موسى: مثلُ الأُتْرُجَّةِ طَيِّبٌ رِيحُها، طَيِّبٌ
خَرَاجُها أَي طَعْمُ ثمرها، تشبيهاً بالخَرَاجِ الذي يقع على الأَرضين
وغيرها.
والخُرْجُ: من الأَوعية، معروفٌ، عربيٌّ، وهو هذا الوعاء، وهو جُوالِقٌ
ذو أَوْنَيْنِ، والجمع أَخْراجٌ وخِرَجَةٌ مثلُ جُحْرٍ وجِحَرَة.
وأَرْضٌ مُخَرَّجَةٌ أَي نَبْتُها في مكانٍ دون مكانٍ. وتَخْريجُ
الراعية المَرْتَعَ: أَن تأْكل بعضَه وتترك بعضه. وخَرَّجَت الإِبلُ المَرْعَى:
أَبقت بعضه وأَكلت بعضه.
والخَرَجُ، بالتحريك: لَوْنانِ سوادٌ وبياض؛ نعامة خَرْجَاءُ، وظَلِيمٌ
أَخْرَجُ بَيِّنُ الخَرَجِ، وكَبْشٌ أَخْرَجُ. واخْرَجَّتِ النعامةُ
اخْرِجاجاً، واخْرَاجَّتْ اخْرِيجاجاً أَي صارت خَرْجاءَ. أَبو عمرو:
الأَخْرَجُ من نَعْتِ الظَّلِيم في لونه؛ قال الليث: هو الذي لون سواده أَكثر من
بياضه كلون الرماد. التهذيب: أَخْرَجَ الرجلُ إِذا تزوج بِخِلاسِيَّةٍ.
وأَخْرَجَ إِذا اصْطادَ الخُرْجَ، وهي النعام؛ الذَّكَرُ أَخْرَجُ
والأُنثى خَرْجاءُ، واستعاره العجاج للثوب فقال:
إِنَّا، مُذْكِي الحُرُوبِ أَرَّجا،
ولَبِسَتْ، للْمَوتِ، ثَوباً أَخْرَجا
أَي لبست الحروب ثوباً فيه بياض وحمرة من لطخ الدم أَي شُهِّرَتْ
وعُرِفَتْ كشهرة الأَبلق؛ وهذا الرجز في الصحاح:
ولبست للموت جُلاًّ أَخرجها
وفسره فقال: لبست الحروب جُلاًّ فيه بياض وحمرة. وعامٌ فيه تَخْرِيجٌ
أَي خِصْبٌ وجَدْبٌ. وعامٌ أَخْرَجُ: فيه جَدْبٌ وخِصْبٌ؛ وكذلك أَرض
خَرْجَاءُ وفيها تَخرِيجٌ. وعامٌ فيه تَخْرِيجٌ إِذا أَنْبَتَ بعضُ المواضع
ولم يُنْبِتْ بَعْضٌ. وأَخْرَجَ: مَرَّ به عامٌ نصفُه خِصبٌ ونصفه جَدْبٌ؛
قال شمر: يقال مررت على أَرض مُخَرَّجة وفيها على ذلك أَرْتاعٌ.
والأَرتاع: أَماكن أَصابها مطر فأَنبتت البقل، وأَماكن لم يصبها مطر، فتلك
المُخَرَّجةُ. وقال بعضهم: تخريج الأَرض أَن يكون نبتها في مكان دون مكان، فترى
بياض الأَرض في خضرة النبات. الليث: يقال خَرَّجَ الغلامُ لَوْحَه
تخْريجاً إِذا كتبه فترك فيه مواضع لم يكتبها؛ والكتابٌ إِذا كُتب فترك منه
مواضع لم تكتب، فهو مُخَرَّجٌ. وخَرَّجَ فلانٌ عَمَله إِذا جعله ضروباً
يخالف بعضه بعضاً.
والخَرْجاءُ: قرية في طريق مكة، سمِّيَت بذلك لأَن في أَرضها سواداً
وبياضاً إِلى الحمرة.
والأَخْرَجَةُ: مرحلة معروفة، لونها ذلك.
والنجوم تُخَرِّجُ اللَّوْنَ
(* قوله «والنجوم تخرج اللون إلخ» كذا
بالأصل ومثله في شرح القاموس والنجوم تخرج لون الليل فيتلون إلخ بدليل الشاهد
المذكور.) فَتَلَوَّن بِلَوْنَيْنِ من سواده وبياضها؛ قال:
إِذا اللَّيْلُ غَشَّاها، وخَرَّج لَوْنَهُ
نُجُومٌ، كأَمْثالِ المصابيحِ، تَخْفِقُ
وجَبَلٌ أَخْرَجُ، كذلك. وقارَةٌ خَرْجَاءُ: ذاتُ لَوْنَيْنِ. ونَعْجَةٌ
خَرْجاءٌ: وهي السوداء البيضاءُ إِحدى الرجلين أَو كلتيهما والخاصرتين،
وسائرُهما أَسودُ. التهذيب: وشاةٌ خَرْجاءُ بيضاء المُؤَخَّرِ، نصفها
أَبيض والنصف الآخر لا يضرك ما كان لونه. ويقال: الأَخْرَجُ الأَسْوَدُ في
بياض، والسوادُ الغالبُ. والأَخْرَجُ من المِعْزَى: الذي نصفه أَبيض ونصفه
أَسود. الجوهري: الخَرْجاءُ من الشاء التي ابيضت رجلاها مع الخاصرتين؛
عن أَبي زيد. والأَخْرَجُ: جَبَلٌ معروف للونه، غلب ذلك عليه، واسمه
الأَحْوَلُ. وفرسٌ أَخْرَجُ: أَبيض البطن والجنبين إِلى منتهى الظهر ولم يصعد
إِليه، ولَوْنُ سائره ما كان. والأَخْرَجُ: المُكَّاءُ، لِلَوْنِهِ.
والأَخْرَجانِ: جبلان معروفان، وأَخْرَجَةُ: بئر احتفرت في أَصل
أَحدهما؛ التهذيب: وللعرب بئر احتفرت في أَصل جبلٍ أَخْرَجَ يسمونها أَخْرَجَةَ،
وبئر أُخرى احتفرت في أَصل جبل أَسْوَدَ يسمونها أَسْوَدَةَ، اشتقوا
لهما اسمين من نعت الجبلين. الفراءُ: أَخْرَجَةُ اسم ماءٍ وكذلك أَسْوَدَةُ؛
سميتا بجبلين، يقال لأَحدهما أَسْوَدُ وللآخر أَخْرَجُ.
ويقال: اخْترَجُوه، بمعنى استخرجُوه.
وخَرَاجِ والخَرَاجُ وخَرِيجٌ والتَّخْريجُ، كلُّه: لُعْبةٌ لفتيان
العرب. وقال أَبو حنيفة: الخَرِيجُ لعبة تسمى خَرَاجِ، يقال فيها: خَراجِ
خَرَاجِ مثل قَطامِ؛ وقول أَبي ذؤَيب الهذلي:
أَرِقْتُ له ذَاتَ العِشَاءِ، كأَنَّهُ
مَخَارِيقُ، يُدْعَى تَحْتَهُنَّ خَرِيجُ
والهاء في له تعود على برق ذكره قبل البيت، شبهه بالمخاريق وهي جمع
مِخْرَاقٍ، وهو المِنْديلُ يُلَفُّ ليُضْرَبَ به. وقوله: ذاتَ العِشاءِ أَراد
به الساعة التي فيها العِشاء، أَراد صوت اللاعبين؛ شبه الرعد به؛ قال
أَبو علي: لا يقال خَرِيجٌ، وإِنما المعروف خَراجِ، غير أَن أَبا ذؤيب
احتاج إِلى إِقامة القافية فأَبدل الياءَ مكان الأَلف. التهذيب: الخَرَاجُ
والخَرِيجُ مُخَارجة: لعبة لفتيان الأَعراب.؛ قال الفراء: خَرَاجِ اسم لعبة
لهم معروفة، وهو أَن يمسك أَحدهم شيئاً بيده، ويقول لسائرهم: أَخْرِجُوا
ما في يدي؛ قال ابن السكيت: لعب الصبيان خَرَاجِ، بكسر الجيم، بمنزلة
دَرَاكِ وقَطَامِ.
والخَرْجُ: وادٍ لا مَنفذ فيه، ودارَةُ الخَرْجِ هنالك.
وبَنُو الخَارِجِيَّةِ: بَطْنٌ من العرب ينسبون إِلى أُمّهم، والنسبة
إِليهم خارِجِيٌّ؛ قال ابن دريد: وأَحسبها من بني عمرو بن تميم.
وخارُوجٌ: ضرب من النَّخل.
قال الخليل بن أَحمد: الخُرُوجُ الأَلف التي بعد الصلة في القافية، كقول
لبيد:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها
فالقافية هي الميم، والهاء بعد الميم هي الصلة، لأَنها اتصلت بالقافية،
والأَلف التي بعد الهاء هي الخُرُوجُ؛ قال الأَخفَش: تلزم القافية بعد
الروي الخروج، ولا يكون إِلا بحرف اللين، وسبب ذلك أَن هاء الإِضمار لا
تخلو من ضم أَو كسر أَو فتح نحو: ضربه، ومررت به، ولقيتها، والحركات إِذا
أُشبعت لم يلحقها أَبداً إِلا حروف اللين، وليست الهاء حرف لين فيجوز أَن
تتبع حركة هاء الضمير؛ هذا أَحد قولي ابن جني، جعل الخروج هو الوصل، ثم
جعل الخروج غير الوصل، فقال: الفرق بين الخروج والوصل أَن الخروج أَشد
بروزاً عن حرف الروي واكتنافاً من الوصل لأَنه بعده، ولذلك سمي خروجاً لأَنه
برز وخرج عن حرف الروي، وكلما تراخى الحرف في القافية وجب له أَن يتمكن
في السكون واللين، لأَنه مقطع للوقف والاستراحة وفناء الصوت وحسور النفس،
وليست الهاء في لين الأَلف والياء والواو، لأَنهن مستطيلات ممتدات.
والإِخْرِيجُ: نَبْتٌ.
وخَرَاجِ: فَرَسُ جُرَيْبَةَ بن الأَشْيَمِ الأَسدي. والخَرْجُ: اسم
موضع باليمامة. والخَرْجُ: خِلافُ الدَّخْلِ.
ورجل خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ مثال هُمَزة أَي كثير الخروج والولوج.
زيد بن كثوة: يقال فلانٌ خَرَّاجٌ وَلاّجٌ؛ يقال ذلك عند تأْكيد
الظَّرْفِ والاحتيال. وقيل: خَرّاجٌ وَلاّجٌ إِذا لم يسرع في أَمر لا يسهل له
الخروج منه إِذا أَراد ذلك.
وقولهم: أَسْرَعُ من نِكاحِ أُمِّ خارجَةَ، هي امرأَة من بَجِيلَةَ،
ولدت كثيراً في قبائلَ من العرب، كانوا يقولون لها: خِطْبٌ فتقول: نِكْحٌ
وخارجةُ ابنها، ولا يُعْلَمُ ممن هو؛ ويقال: هو خارجة بن بكر بن يَشْكُرَ
بن عَدْوانَ بن عمرو بن قيس عَيْلانَ.
وخَرْجاءُ: اسمُ رَكِيَّة بعينها.
وخَرْجٌ: اسم موضع بعينه.
ضغط: الضَّغْطُ والضَّغْطةُ: عصر شيء إِلى شيء. ضَغَطَه يَضْغَطُه
ضَغْطاً: زَحَمه إِلى حائطٍ ونحوه، ومنه ضَغْطةُ القبر. وفي الحديث:
لتَضْغَطُنّ على باب الجنة أَي تُزْحَمُون. يقال: ضَغَطَه إِذا عصَره وضيَّق عليه
وقَهَره.
ومنه حديث الحُدَيْبِيةِ: لا يتحدّث العرب أَنَّا أُخِذْنا ضُغْطةً أَي
عَصْراً وقَهراً. وأَخذت فلاناً ضُغْطة، بالضم، إِذا ضيَّقت عليه
لتُكْرِهَهُ على الشيء. وفي الحديث: لا يَشْتَرِيَنَّ أَحدُكم مالَ امرِئٍ في
ضُغْطةٍ من سُلطان أَي قَهْرٍ. والضُّغْطةُ: الضِّيق. والضُّغطة:
الإِكْراه.
والضِّغاطُ: المُزاحَمةُ. والتَّضاغُطُ: التَّزاحُم. وفي التهذيب:
تَضاغَطَ الناسُ في الزِّحامِ.
والضُّغطة، بالضم: الشدة والمَشقة. يقال: ارفع عنا هذه الضُّغطة.
والضاغِطُ: كالرَّقِيبِ والأَمِين يُلْزَمُ به العامل لئلا يَخُونَ فيما
يَجْبي. يقال: أَرسَلَه ضاغِطاً على فلان، سمي بذلك لتضييقه على العامل؛
ومنه الحديث: قالت امرأَةُ مُعاذٍ له وقد قَدِمَ من اليمن لمّا رجع عن
العمل: أَين ما يَحْمِلُه العامِلُ من عُراضة أَهله؟ فقال: كان معي ضاغِطٌ
أَي أَمِينٌ حافِظٌ، يعني اللّه عزّ وجلّ المُطَّلِعَ على سَرائرِ
العِباد، وقيل: أَراد بالضَّاغِط أَمانةَ اللّه التي تَقَلَّدَها فأَوْهَمَ
امرأَته أَنه كان معه حافظ يُضيِّق عليه ويمنعه على الأَخذ ليُرْضِيَها.
ويقال: فعل ذلك ضُغطة أَي قَهْراً واضْطِراراً. وضَغط عليه واضْتَغَطَ:
تَشدّد عليه في غُرْمٍ أَو نحوه؛ عن اللحياني، كذا حكاه اضْتَغَطَ
بالإِظهار، والقِياسُ اضْطَغَطَ. والضاغِطُ: أَن يتحرّكَ مِرْفَقُ البعير حتى يقعَ
في جنبه فيَخْرِقَه. والضاغِطُ في البعير: انْفِتاقٌ من الإِبْطِ وكثرةٌ
من اللحم، وهو الضَّبُّ أَيضاً. والضاغطُ في الإِبل: أَن يكون في البعير
تحت إِبطه شِبه جِرابٍ أَو جِلْد مجتمع؛ وقال حَلْحلةُ بن قيس بن اشيم
وكان عبد الملك قد أَقْعده ليُقادَ منه وقال له: صَبْراً حَلْحَل،
فأَجابه:أَصْبَرُ من ذي ضاغِطٍ عَرَكْرَك
قال: الضاغط الذي أَصل كِرْكِرَتِه يَضْغَط موضع إِبطه ويؤثِّر فيه
ويَسْحَجُه.
والمَضاغِطُ: مواضع ذاتُ أَمْسِلةٍ مُنخفضة، واحدها مَضْغَطٌ.
والضغيط: رَكِيّةٌ يكون إِلى جنبها رَكِيّةٌ أُخرى فتَنْدَفِنُ إِحداهما
فتَحْمَأُ فيُنْتِنُ ماؤُها فيَسِيلُ في ماء العذْبة فيُفْسِدُها فلا
يُشْرَبُ، قال: فتلك الضَّغِيطُ والمَسِيطُ؛ وأَنشد:
يَشْرَبْنَ ماء الأَجْنِ والضَّغِيطِ،
ولا يَعَفْنَ كَدَرَ المَسِيطِ
أَراد ماء المَنْهلِ الآجِن أَو إِضافةَ الشيء إِلى نفسه. ورجل ضَغِيطٌ:
ضعيفُ الرأْي لا يَنْبَعِثُ مع القوم، وجمعه ضَعْطى لأَنه كأَنه داء.
وضُغاطٌ: موضع.
وروي عن شريح أَنه كان لا يُجِيزُ الضُّغْطةَ، يُفَسَّر تفسيرين:
أَحدهما الإِكْراهُ، والآَخَر أَن يُماطِل بائعه بأَداء الثَّمن ليَحُطّ عنه
بعضَه؛ قال النضر: الضُّغْطةُ المُجاحَدةُ، يقول: لا أُعْطِيك أَو تَدَعَ
ممّا لك عليَّ شيئاً؛ وقال ابن الأَثير في حديث شريح: هو أَن يَمْطُلَ
الغريمُ بما عليه من الدِّينِ حتى يَضْجَرَ صاحب الحقّ ثم يقول له: أَتَدَعُ
منه كذا وكذا وتأْخذ الباقيَ مُعَجَّلاً؟ فيَرْضى بذلك. وفي الحديث:
يُعتق الرجل من عبده ما شاء إِن شاء ثلثاً أَو ربعاً أَو خمساً ليس بينه
وبين اللّه ضُغْطة. وفي الحديث: لا تجوز الضُّغْطة؛ قيل: هي أَن تُصالِحَ من
لك عليه مالٌ على بعضه ثم تَجِد البينة فتأْخذه بجميع المال.
دمل: الدَّمَالُ: التمر العَفِن الأَسود الذي قد قَدُم، يقال: جاء بتمر
دَمَال، والدَّمَالُ فساد الطلع قبل إِدْراكه حتى يَسْوَدّ. والدَّمَال:
ما رَمَى به البحرُ من الصَّدَف والمناقِيف والنَّبَّاح. الليث: الدَّمال
السِّرْقِينُ ونحوُه، وما رَمَى به البحرُ من خُشارة ما فيه من الخَلْق
مَيِّتاً نحو الأَصداف والمَناقِيف والنَّبَّاح، فهو دَمَال؛ وأَنشد:
دَمالُ البُحورِ وحيِتانُها
وقول أُمية بن أَبي عائذ الهُذَلي:
خَيال لعَبْدَة قد هاجَ لي
خَبالاً من الدَّاء، بعدَ انْدِمالِ
قال: الاندمالُ الذَّهابُ. انْدملَ القَوْمُ إِذا ذهبوا. والدَّمال: ما
تَوَطَّأَتْهُ الدابة من البعر والوَأْلةِ وهي البعر مع التراب؛ قال:
فَصَبَّحَتْ أَرْعَلَ كالنِّقال،
ومُظْلِماً ليس على دَمال
وقد فسر هذا البيت في موضعه. والدَّمال، بالفتح: السِّرجين ونحوه.
ودَمَل الأَرضَ يَدْمُلُها دَمْلاً دَمْلاً ودَمَلاناً وأَدْمَلَها:
أَصْلَحها بالدَّمال، وقيل: دَمَلها أَصْلَحها، وأَدْمَلَها: سَرْقَنَها.
والدَّمَّال: الذي يُدْمِل الأَرض يُسَرْقِنُها. وتَدَمَّلَتِ الأَرضُ:
صَلَحت بالدَّمال؛ أَنشد يعقوب:
وقد جَعَلَتْ منازِلُ آل لَيْلى،
وأُخْرَى لم تُدَمَّلْ يَسْتَوِينا
وفي حديث سعد بن أَبي وَقَّاص: أَنه كان يَدْمُل أَرْضه بالعُرَّة؛ قال
الأَحمر: يَدْمُل أَرْضَه أَي يُصْلِحُها ويُحْسِن معالجتها بها وهي
السِّرْجِين؛ ومنه قيل للجرح: قد انْدَمل إِذا تَماثَل وصَلَح. ودَمَل بين
القوم يَدْمُل دَمْلاً: أَصْلح. وتَدامَلوا: تصالحــوا؛ قال الكميت:
رَأَى إِرَةً منها تُحَشُّ لِفتْنة،
وإِيقاد راجٍ أَن يكون دَمالَها
يقول: يرجو أَن يكون سبب هذه الحرب كما أَن الدَّمَالَ يكون سبباً
لإِشعال النار.
والدُّمَّلُ: واحد دَماميل القُروح. والدُّمَلُ: الخُرَاجُ على
التَّفاؤل بالصَّلاح، والجمع دَمامِيلُ نادر. ودَمِل جُرحُه وانْدَمَلَ بَرِيءَ
والتَحم وتَماثَل؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
فكيفَ بِنَفْسٍ كُلَّما قلتُ: أَشْرَفَتْ
على البُرْءِ من دَهْماء، هِيضَ اندِمالُها؟
ودَمَله الدَّواءُ يَدْمُله؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وجُرْحُ السيفِ تَدْمُلُه فَيَبْرا،
ويَبْقَى الدَّهْرَ، ما جَرَح اللِّسانُ
(* قوله «ويبقى الدهر» كذا في النسخ، والذي في المحكم وشرح القاموس:
وجرح الدهر).
والانْدِمال: التَّماثُل من المرض والجُرْحِ، وقد دَمَلَه الدَّواءُ
فانْدَمَل. وفي حديث أَبي سَلمةَ: دَمِل جُرْحُه على بَغْيٍ ولا يَدْري به
أَي انخَتَم على فساد ولا يعلم به. والدُّمَّل: مستعمل بالعربية يجمع
دَمامِيل؛ وأَنشد:
وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلَ الدُّمَّلِ
(* قوله «وامتهد الغارب فعل الدمل» هكذا ضبط في التهذيب هنا وعدة نسخ من
الصحاح، وتقدم لنا ضبطه في مهد برفع اللام من فعل، ووقع في المحكم
والتهذيب في مادة مهد بالنصب فيهما).
وقيل لهذه القُرْحَة دُمَّل لأَنها إِلى البُرْء والانْدِمال ما هي.
وانْدَمَل المريض: تماثَل، واندمَل من وجَعه كذلك، ومن مرَضه إِذا ارتفع من
مرضِه ولم يَتِمِّ بُرْؤه. والدَّمْل: الرِّفْق. ودامَلَ الرجلَ: داراه
ليُصْلح ما بينه وبينه؛ قال أَبو الأَسود:
شَنِئْتُ من الإِخْوان من لستُ زائِلاً
أُدامِلُه دَمْلَ السِّقاء المُخَرَّقِ
والمُدامَلةُ: كالمُداجاة؛ وأَنشد ابن بري لابن الطَّيْفان الدارِمي
والطَّيْفانُ أُمُّه:
ومَوْلىً كمَوْلى الزِّبْرِقان دَمَلْتُه،
كما اندَمَلَتْ ساقٌ يُهاضُ بها الكَسْر
ويقال: ادْمُل القومَ أَي اطْوِهم على ما فيهم، ويقال للسِّرْجين
الدَّمال لأَن الأَرض تُصْلَح به.
حصل: الحاصِل من كل شيء: ما بَقِي وثَبَتَ وذَهَب ما سواه، يكون من
الحِساب والأَعمال ونحوها؛ حَصَل الشيءُ يَحْصُل حُصُولاً. والتحصيل: تمييز
ما يَحْصُل، والاسم الحَصِيلة؛ قال لبيد:
وكُلُّ امرئ يوماً سَيُعْلَم سعيُه،
إِذا حُصِّلت عند الإِله الحَصائِل
والحَصائل: البَقايا، الواحدة حَصِيلة. وقد حَصَّلْتُ الشيء تحصيلاً.
وحاصِلُ الشيءِ ومَحْصُوله: بَقِيَّتُه. وقال الفراء في قوله تعالى:
وحُصِّل ما في الصدور؛ أَي بُيِّن؛ وقال غيره: مُيِّز، وقال بعضهم: جُمِع.
وتَحَصَّل الشيءُ: تَجَمَّع وثبت. والمحصول: الحاصل، وهو أَحد المصادر التي
جاءت على مفعول كالمَعْقُول والمَيْسُور والمَعْسور. وتحصيل الكلام:
رَدُّه إِلى محصوله.
ومن أَدْواء الخَيْل الحَصَل والقَصَل، فالحَصَل سفُّ الفرس الترابَ من
البَقْل فيجتمع منه تراب في بطنه فيقتله فإِن قتله الحَصَل قيل إِنه
لَحَصِلٌ. قال ابن سيده: وحَصِلَت الدابةُ حَصَلاً أَكلت التراب فبقي في
جوفها ثابتاً، وإِذا وقع في الكَرِش لم يضرها، وإِذا وقع في القِبَة قتَلَها.
قال الجوهري: والحَصِيل نَبْتٌ. وقد حَصِل الفَرَسُ حَصَلاً إِذا اشتكى
بطنه من أَكل تراب النَّبْت، وقيل: الحَصَل أَن يثبت الحَصَى في لاقِطَة
الحصى وهي ذوات الأَطباق من قِطْنة البعير فلا تخرج في الجِرَّة حين
يَجْتَرُّ، فربما قُتِل إِذا تَوَكَّأْت على جُرْدانه؛ وقال الأَزهري:
الحَصَل في أَولاد الإِبل أَن تأْكل التراب ولا تخرج الجِرَّة وربما قتلها ذلك.
وحَصَّل النخلُ: استدار بَلَحُه. قال ابن سيده: والحَصَل ما تناثر من
حَمْل النخلة وهو أَخضر غَضٌّ مثل الخَرَز الخُصْر الصِّغار. والحَصَل:
البَلَح قبل أَن يشتد وتظهر تَفَاريقه، واحدته حَصَلة؛ قال:
مُكَمَّمٌ جَبّارُها، والجَعْلُ
يَنْحَتُّ منهن السَّدَى، والحَصْلُ
سكن للضرورة، وقيل: هو الطَّلْع إِذا اصفرَّ، وقد أَحْصَل النخلُ، وقيل:
التحصيل استدارة البلح؛ وقد أَحْصَل البَلَحُ إِذا خَرَجَ من تفاريقه
صغاراً. وأَحْصَل القومُ، فهم مُحْصِلون إِذا حَصَّل نَخْلُهم، وذلك إِذا
استبان البُسْر وتَدَحْرَج. والحَصَل من الطعام: ما يُخْرَج منه فيُرْمى
به من دَنْقة وزؤَان ونحوهما. وقال أَبو حنيفة: الحَصَل والحُصالة ما يبقى
من الشعير والبرّ في البَيْدَر إِذا نُقِّي وعُزِل رديئه. وقال
اللحياني: الحُصالة ما يُخْرَج منه فيُرْمى به إِذا كان أَجَلَّ من التراب
والدُّقاق قليلاً. ابن الأَعرابي: وفي الطعام مُرَيْراؤه وحَصَلُه وغَفَاه
وفَغَاه وحُثَالته وحُفَالَته بمعنى واحد.
قال الجوهري: والحُصَالة، بالضم، ما يبقى في الأَنْدَر من الحَبّ بعدما
يُرْفَع الحَبُّ وهو الكُنَاسة. والحَصِيل: ضَرْب من النبات؛ حكاه ابن
دريد عن الحِرْمازي؛ قال ولا أَدري ما صحته. والحَوْصَل والحَوْصَلة
والحَوْصَلَّة والحَوْصَلاء، ممدود، من الطائر والظَّلِيم: بمنزلة المَعِدة من
الإِنسان وهي المَصارين لذي الظِّلْف والخُفِّ، قال: والقانِصَة من الطير
تُدْعَى الجِرِّيئة، مهموز على فِعِّيلة، وقد حَوْصَل أَي مَلأَ
حَوْصَلته. ويقال: حَوْصِلي وطِيري. واحْوَنْصَل الطائر: ثَنَى عنقه وأَخرج
حَوْصلته. وحَوْصَلة الإِنسان وكلِّ شيء: مُجْتَمَع الثُّفْل أَسفلَ من
السُّرَّة، وقيل: الحَوْصَلة المُرَيْطاء، وهو أَسفل البطن إِلى العانة، وقيل:
هو ما بين السرة إِلى العانة. وناقة ضَخْمة الحَوْصَلة أَي البطن.
والمُحَوْصِل والمُحَوْصَل: الذي يَخْرج أَسفله من قِبَل سُرَّته مثل بطن
الحُبْلى. والحَوْصَلة: الشاة التي عَظُم من بطنها ما فوق سُرَّتها؛
وأَنشد:أَو ذَات أَوْنَينِ لها حَوْصَل
وحَوْصَلة الحوض: مُسْتَقَرُّ الماء في أَقصاه؛ قال أَبو النجم:
وأَصبح الروضُ لَوِيّاً حَوْصَلُه
وحَوْصَلُ الروضِ: قَرارُه وهو أَبطؤُها هَيْجاً، وبه سميت حَوْصَلة
الطائر لأَنها قرار ما يأْكله. ابن الأَعرابي: زَاوِرَةُ القَطَاة ما
تَحْمِل فيه الماءَ لفِراخها وهي حَوْصَلتها، قال: والغَراغِر
الحَواَصِل.ابن الأَعرابي: الحاصِل ما خَلَص من الفِضَّة من حجارة المَعْدِن، ويقال
للذي يُخَلِّصه مُحَصِّل.
الجوهري: والمُحَصِّلة المرأَة التي تُحصِّل تراب المَعْدِن؛ قال
الشاعر:أَلا رَجُلٌ جَزَاه افيفي خيراً،
يَدُلُّ على مُحَصِّلة تُبِيتُ
قال الأَزهري: أَي تُبِيتُني عندها لأُجامِعَها؛ وقال الجوهري: أَي
تَبيتُ تفعل كذا، والبيت مُضَمَّن؛ قال ابن بري: رجل فاعل بإِضمار فعل يفسره
يدل تقديره هَلاّ يَدُلُّ رجل على مُحَصِّلة، وأَنشده سيبويه: أَلا
رَجُلاً، بالنصب، وقال: تقديره أَلا تُرُوني رجلاً، وقيل: بمعنى هات لي
رَجُلاً، قال الجوهري: ويروى أَلا رجلٍ، بمعنى أَما من رَجُلٍ؛ قال ابن بري:
وقيل المُحَصِّلة التي تُمَيِّز الذهب من الفضة؛ وبعد البيت:
تُرَجِّل جُمَّتي وتَقُمُّ بَيْتي،
وأُعْطِيها الإِتاوَة، إِنْ رَضِيتُ
وفي الحديث: بذَهَب
(* قوله «بذهب» هكذا في الأصل، والذي في نسخة
النهاية التي بأَيدينا: بذهبة بالهاء) لم تُحَصَّل من ترابها أَي لم تُخَلَّص،
والذهب يُذَكَّر ويؤَنث. وحَصَّلْت الأَمر: حَقَّقْتُه وأَبَنْته.
وحَوْصَلاءُ والحَوْصَلاء: موضع.
وهب: في أَسماءِ اللّه تعالى: الوَهَّابُ.
الـهِبةُ: العَطِـيَّة الخاليةُ عن الأَعْواضِ والأَغْراضِ، فإِذا كَثُرَتْ سُمِّي صاحِـبُها وَهَّاباً، وهو من أَبنية الـمُبالغة. غيره: الوَهَّابُ، من صفاتِ اللّه، الـمُنعِمُ على العباد، واللّهُ تعالى الوهَّابُ الواهِبُ.
وكلُّ ما وُهِبَ لك، من ولَد وغيره: فهو مَوهُوبٌ. والوَهُوبُ: الرجلُ الكثيرُ الـهِباتِ.
ابن سيده: وَهَبَ لك الشيءَ يَهَبُه وَهْباً، ووَهَباً، بالتحريك،
وهِـبَةً؛ والاسم الـمَوهِبُ، والـمَوهِـبةُ، بكسر الهاءِ فيهما. ولا يقال: وَهَبَكَه، هذا قول سيبويه. وحكى السيرافي عن أَبي عمرو: أَنه سمع أَعرابياً يقول لآخر: انْطَلِقْ معي، أَهَبْكَ نَبْلاً. ووَهَبْتُ له هِـبةً، ومَوهِـبَةً، ووَهْباً، ووَهَباً إِذا أَعْطَيْتَهُ. ووهَبَ اللّهُ له
الشيءَ، فهو يَهَبُ هِـبةً؛ وتَواهَبَ الناسُ بينهم؛ وفي حديث الأَحْنَفِ: ولا التَّواهُبُ فيما بينَهم ضَعَةٌ؛ يعني أَنهم لا يَهَبُونَ مُكْرَهِـينَ.
ورجلٌ واهِبٌ. ووَهَّابٌ ووَهُوبٌ ووَهَّابةٌ أَي كثيرُ الـهِـبة
لأَمْواله، والهاء للمبالغة. والـمَوهُوبُ: الولدُ، صفة غالبة. وتَواهَبَ الناسُ: وَهَبَ بَعْضُهم لبعض. والاسْتِـيهابُ: سُؤَالُ الـهِـبَةِ. واتَّهَبَ: قَبِلَ الـهِبَةَ. واتَّهَبْتُ منكَ دِرْهَماً، افْتَعَلْتُ، من
الـهِـبَةِ. والاتِّهابُ: قَبُولُ الـهِبة. وفي الحديث: لقد هَمَمْتُ أَن لا أَتَّهِبَ إِلاَّ من قُرَشِـيٍّ أَو أَنصارِيٍّ أَو ثَقَفِـيٍّ أَي لا أَقبلُ هبةً إِلاَّ من هؤُلاء، لأَنهم أَصحابُ مُدُنٍ وقُـرًى، وهم أَعْرَفُ بمكارم الأَخلاق. قال أَبو عبيد: رأَى النبـيُّ، صلى اللّه عليه وسلم، جَفاءً في أَخلاقِ البادية، وذَهاباً عن الـمُروءة، وطَلباً للزيادة على ما وَهَبُوا، فخَصَّ أَهلَ القُرى العربيةِ خاصَّةً بقَبولِ الـهَدِيَّةِ منهم، دون أَهل البادية، لغلبة الجَفاء على أَخلاقهم، وبُعْدِهم من ذوي النُّهَى والعُقُولِ. وأَصلُه: اوْتَهَب، فقلبت الواو تاء، وأُدغمت في تاء الافتعالِ، مثل
اتَّزَن واتَّعَدَ، من الوَزْنِ والوَعْدِ.
والـمَوْهِـبةُ: الـهِـبةُ، بكسر الهاءِ، وجمعُها مواهبُ. وواهَبَه، فَوَهَبَه يَهَبُهُ ويَهِـبُهُ: كان أَكثر هِـبَةً منه. والـمَوْهِـبةُ: العطيَّةُ. ويقال للشيء إِذا كان مُعَدّاً عند الرَّجُل، مثل الطعام: هو مُوهَبٌ، بفتح الهاء.
وأَصْبَحَ فلان مُوهِـباً، بكسر الهاء، أَي مُعِدّاً قادراً. وأَوهَبَ
لك الشيءَ: أَعدَّه. وأَوْهَبَ لك الشيءُ: دامَ. قال أَبو زيد وغيره:
أَوهَبَ الشيءُ إِذا دام، وأَوهَبَ الشيءُ إِذا كان مُعَدّاً عند الرجل، فهو مُوهِب؛ وأَنشد:
عَظِـيمُ القَفا، ضَخْمُ الخَواصِرِ، أَوهَبَتْ * له عَجْوَةٌ مَسْمُونةٌ، وخَمِـيرُ(1)
(1 قوله «ضخم الخواصر» كذا بالمحكم والتهذيب والذي في الصحاح رخو الخواصر.)
وأَوهَبَ لك الشيءُ: أَمْكَنَك أَن تأْخُذَه وتَنالهُ؛ عن ابن الأَعرابي
وحده. قال : ولم يقولوا أَوهَبْتُه لك. والـمَوهَبة والـمَوهِـبَةُ: غديرُ
ماءٍ صغيرٌ؛ وقيل: نُقْرة في الجبل يَسْتَنْقِـع فيها الماءُ. وفي التهذيب: وأَما النُّقْرةُ في الصَّخْرة، فمَوْهَبَة، بفتح الهاء، جاء نادراً؛ قال:
ولَفُوكِ أَطْيَبُ، إِن بَذَلْتِ لنا، * مِنْ ماءِ مَوهَبَةٍ، على خَمْر(2) (2 قوله «ولفوك أطيب إلخ» كذا أنشده في المحكم والذي في التهذيب كالصحاح ولفوك أشهى لو يحل لنا من ماء إلخ.)
أَي موضوع على خَمْر، ممزوج بماء. والـمَوهَبةُ: السَّحابةُ تَقَعُ حيث وَقَعَتْ، والجمع مَواهِبُ. ويقال: هذا وادٍ مُوهِبُ الـحَطَبِ أَي كثير الحطب. وتقول: هَبْ زَيْداً مُنْطَلِقاً، بمعنى احْسُبْ، يَتَعَدَّى إِلى مفعولين، ولا يستعمل منه ماضٍ ولا مُسْتَقْبلٌ في هذا المعنى. ابن سيده: وهَبْني فَعَلْتُ ذلك أَي احْسُبْني واعْدُدْني، ولا يقال: هَبْ أَني فَعَلْتُ. ولا يقال في الواجب: وَهَبْتُك فَعَلْتَ ذلك، لأَنها كلمة وُضِعَتْ للأَمر؛ قال ابن هَمَّامٍ السَّلوليُّ:
فقلتُ: أَجِرْني أَبا خالِدٍ، * وإِلاَّ فهَبْني امْرأً هالِكا
قال أَبو عبيد: وأَنشد المازني:
فكُنْتُ كذي داءٍ، وأَنْتَ شِفاؤُهُ، * فهَبْني لِدائي، إِذ مَنَعْتَ شِفائِـيا
أَي احْسُبْني. قال الأَصمعي: تقول العرب: هَبْني ذلك أَي احْسُبْني ذلك، واعْدُدْني. قال: ولا يقال: هَبْ، ولا يقال في الواجب: قد وَهَبْتُكَ، كما يقال: ذَرْني ودَعْني، ولا يقال: وَذَرْتُك. وحكى ابن الأَعرابي: وَهَبَني اللّهُ فِداكَ أَي جَعَلَني فِداك؛ ووُهِـبْتُ فِداكَ، جُعِلْتُ فِداكَ. وقد سَمَّتْ وَهْباً، ووُهَيْباً، ووَهْبانَ، وواهِـباً، ومَوْهَباً. قال سيبويه: جاؤوا به على مَفْعَلٍ، لأَنه اسم ليس على الفعل، إِذ لو كان على الفعل، لكان مَفْعِلاً، وقد يكون ذلك لمكان العلمية، لأَنَّ الأَعلام مما تُغَيَّر عن القياس.
وأُهْبانٌ: اسمٌ، وقد ذكر تعليله في موضعه. وواهِبٌ: موضع؛ قال بِشْرُ بن أَبي خازم:
كأَنـَّها، بَعْدَ عَهْدِ العاهِدينَ بها، * بينَ الذَّنوبِ، وحَزْمَيْ واهِبٍ صُحُفُ
ومَوْهَبٌ: اسم رجل؛ قال أَبَّاقٌ الدُّبَيْرِيّ:
قد أَخَذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ، * ومَوْهَبٌ مُبْزٍ بها مُصِنُّ
قال: وهو شاذٌّ، مثل مَوْحَدٍ. وقوله مُبْزٍ أَي قوِيٌّ عليها أَي هو
صَبُور على دَفْعِ النوم، وإِن
كان شديد النُّعاس.
ووَهْبُ بن مُنَبِّه، تسكين الهاء فيه أَفصح.
الأَزهري: ووَهْبِـينُ جبلٌ من جِـبال الدَّهْناء، قال: وقد رأَيته. ابن
سيده: وَهْبِـينُ اسم موضع؛ قال الراعي:
رَجاؤُك أَنساني تَذَكُّرَ إِخْوَتي، * ومالُكَ أَنساني، بوَهْبِـينَ، مالِيا