ضعف وانحل شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى تلاشى وَيُقَال اضمحل السَّحَاب انقشع
ضعف وانحل شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى تلاشى وَيُقَال اضمحل السَّحَاب انقشع
ضمحل: اضْمَحَلَّ الشيءُ واضْمَحَنَّ، على البدل؛ عن يعقوب،
وامْضَحَلَّ، على القلب، كُلُّ ذلك: ذَهَب، والدليل على القلب أَن المصدر إِنما هو
على اضْمَحَلَّ دون امْضَحَلَّ، وهو الــاضْمِحْلــال، ولا يقولون
امْضِحْلال.
ضحل: الضَّحْلُ: القريبُ القَعْر. والضَّحْل: الماءُ الرقيق على وجه
الأَرض ليس له عَمْقٌ، وقيل: هو كالضَّحْضاح إِلاَّ أَن الضَّحْضاح أَعمُّ
منه لأَنه فيما قَلَّ أَو كثُر، وقيل: الضَّحْل الماء القليل يكون في
العين والبئر والجُمَّة ونحوها، وقيل: هو الماء القليل يكون في الغَدِير
ونحوه؛ أَنشد ابن بري لابن مقبل:
وأَظْهَرَ، في غُلاَّنِ رَقْدٍ وسَيْلُه،
عَلاجِيمُ لا ضَحلٌ، ولا مُتَضَحْضِحُ
والعُلْجُوم هنا: الماء الكثير، والجمع أَضْحال وضُحُولٌ. الجوهري:
الضَّحْلُ الماء القليل، ومنه أَتَانُ الضَّحْل لأَنه لا يَغْمُرها لقِلَّته؛
قال الأَزهري: أَتانُ الضَّحْل الصَّخْرةُ بعضها غَمَره الماءُ وبعضها
ظاهر. قال شمر: وغَدِيرٌ ضاحِلٌ إِذا رَقَّ ماؤه فذهب. وفي الحديث في
كتابه لأُكَيْدِرِ دومَةَ: ولنا الضّاحِيةُ من الضَّحْل؛ هو بالسكون القليل
من الماء، وقيل: الماء القريب المكان، وبالتحريك مكان الضَّحْل، ويروى
الضاحية من البَعْل. والمَضْحَلُ: مكانٌ يَقِلُّ فيه الماء من الضَّحْل، وبه
يُشَبَه السَّراب. قال ابن سيده: المَضْحَلُ مكان الضَّحْل؛ قال
العَجّاج:
حَسِبْتُ يوماً، غَيْر قَرٍّ، شامِلا
يَنْسُج غُدْراناً على مَضاحِلا
(* قوله «حسبت» هكذا في المحكم، وفي التكملة: كأن).
يصف السَّرابَ شبهه بالغُدُر. وضَحَلَتِ الغُدُرُ: قَلَّ ماؤها. ويقال:
إِنَّ خَيْرَكَ لضَحْلٌ أَي قليل. وما أَضْحَل خَيرَكَ أَي ما أَقَلَّه.
واضْمَحَلَّ السحابُ: تقَشَّعَ. واضْمَحَلَّ الشيءُ أَي ذهب، وفي لغة
الكِلابيِّين امْضَحَلَّ، بتقديم الميم، حكاها أَبو زيد.
ختعر: الخَيْتَعُورُ: السَّرَابُ؛ وقيل: هو ما يبقى من السراب لا يلبث
أَن يضمحل؛ وقال كراع: هو ما يبقى من آخر السراب حين يتفرّق فلا يلبث أَن
يضمحل، وخَتْعَرَتُه: اضمِحْلــالُه. والخَيْتَعُور: الذي ينزل من الهواء
في شدة الحر أَبيضَ الخُيوطِ أَو كنسج العنكبوت. والخُيْتَعُور: الغادِرُ.
والخَيْتَعورُ: الدنيا، على المَثَلِ، وقيل: الذئب، سمي بذلك لأَنه لا
عهد له ولا وفاء، وقيل: الغُولُ لتلّوّنها. وامرأَة خَيْتَعُورٌ: لا يدوم
وُدُّها، مشبهة بذلك، وقيل:كُلُّ شيء يتلوّن ولا يدوم على حال
خَيْتَعُورٌ؛ قال:
كلُّ أُنْثَى، وإِن بَدا لَكَ منها
آيةُ الحُبِّ، حُبُّها خَيْتَعُورُ
كذلك رواه ابن الأَعرابي بتاء ذات نقطتين. الفراء: يقال للسلطان
الخَيْتَعُورُ.
والخَيْتَعُورُ: دُوَيْبَّةٌ سوداء تكون على وجه الماء لا تلبث في موضع
إِلاَّ رَيْثَما تَطْرِفُ. والخَيْتَعُور: الداهية. ونَوًى خَيْتَعُورٌ،
وهي التي لا تستقيم؛ وقوله أَنشده يعقوب:
أَقولُ، وقد نَأَتْ بهم غُرْبَةُ النِّوَى:
نَوًى خَيْتَعُورٌ لا تَشِطُّ دِيارُك
يجوز أَن تكون الداهية، وأَن تكون الكاذبة، وأَن تكون التي لا تبقى. ابن
الأَثير: ذئب العقبة يقال له الخَيْتَعُورُ؛ يريد شيطان العَقَبَةِ فجعل
الختَعُورُ اسماً له، هو كل من يضمحل ولا يدوم على حالة واحدة أَو لا
يكون له حقيقة كالسراب ونحوه، والياء فيه زائدة.
زهق: زهَقَ الشيءُ يَزْهَقُ زُهوقاً، فهو زاهِقٌ وزَهوقٌ: بطَل وهلَك
واضْمَحَلّ. وفي التنزيل: إنَّ الباطل كان زَهوقاً. وزهَقَ الباطلُ إذا
غَلَبَه الحقّ، وقد زاهَقَ الحقُّ الباطلَ. وزَهَق الباطِلُ أي اضْمَحَلّ،
وأزْهَقَه الله. وقوله عز وجل: فإذا هو زاهِقٌ، أي باطِلٌ ذاهِبٌ. وزُهوقُ
النفسِ: بُطْلانُها. وقال قتادة: وزَهَقَ الباطلُ يعني الشيطان،
وزَهَقَتْ نفسُه تَزْهَقُ زُهُوقاً وزَهِقَت، لغتان: خرجت. وفي الحديث: إن
النحرَ في الحَلْق واللَّبّة وأقِرُّوا الأَنْفُسَ حتى تَزْهَقَ أي حتى تخرج
الروح من الذَّبيحة ولا يبقى فيها حركة، ثم تسلخ وتقطع. وقال تعالى:
وتَزْهَق أنْفُسُهم وهُمْ كافرون؛ أي تَخْرُج. وفي الحديث: دون الله سبعون ألف
حجاب من نور وظُلمة وما تَسْمَع نفسٌ مِنْ حِسِّ تلك الحجُب شيئاً إلا
زِهِقَتْ أي هلكت وماتت. وزَهَقَ فلانٌ بين أيدينا يَزْهَقُ زَهْقاً
وزُهوقاً وانْزَهقَ، كلاهما: سبق وتقدم أمام الخيل، وكذلك زهَق الدابّةُ،
والمنهزم زَاهقٌ. ابن السكيت: زَهَقَ الفرسُ وذَهَقَتِ الراحلة تَزْهَقُ
زهوقاً إذا سَبَقت وتقدَّمت، والجمع زُهَّق. وزَهَقَ مُخُّه، فهو زاهِق إذا
اكْتَنَزَ، وهو زاهِقُ المُخِّ. وفَرَسٌ زَهَقى إذا تقدَّم الخيل؛
وأنشد:عَلى قَراً مِنْ زَهَقى مِزَلِّ
والزَّاهِقُ من الدوابِّ: السَّمِينُ المُمِخُّ. وزَهَقَتِ الدابَّةُ
والناقةُ تَزْهَقُ زُهوقاً: انتهى مُخُّ عَظْمِها واكْتَنَزَ قَصَبُها.
وزَهِقَتْ عظامه وأزْهَقَتْ: سَمِنت؛ قال:
وأزْهَقَتْ عِظامُه وأخْلَصا
وقيل: الزاهِق والزَّهِقُ الذي ليس فوق سِمَنهِ سَمَنٌ، وقيل: الزاهِقُ
المُنْقي وليس بِمُتَناهي السِّمَن، وقيل: هو الشديد الهُزال الذي تَجِد
زُهومةَ غُثوثةِ لحمهِ، وقيل: هو الرقيق المُخّ. الأَزهري: الزاهِق الذي
اكْتَنَزَ لحمُه ومُخُّه. الأَزهري: الزاهِقُ من الأَضداد، يقال الهالك
زاهقٌ، والسمِينُ من الدوابّ زاهق؛ قال الشاعر:
القائدُ الخيلِ مَنْكُوباً دوابِرُها،
منها الشَّنُونُ ومنها الزاهِقُ الزَّهِمُ
وقال بعضهم: الزاهِق السَّمينُ والزَّهِمُ أسمَنُ منه. والزُّهومةُ في
اللحم: كراهية رائحتِه من غير تغيير ولا نَتْنٍ. وزَهَقَ العظمُ زُهوقاً
إذا اكْتَنَزَ مُخُّه. وزَهَقَ المُخُّ إذا اكْتَنَزَ، فهو زاهِق؛ عن
يعقوب؛ وأما قول عثمان بن طارق
(* قوله «عثمان بن طارق» في هامش الأصل هنا
وفما يأتي قريباً ما نصه صوابه: عمارة بن طارق اهـ. وكذلك نسبه في الصحاح
لعمارة في مادة مسد).
ومَسَدٍ أمِرَّ مِنْ أيانِقِ،
لسن بأنْيابٍ ولا حَقائِقِ،
ولا ضِعافٍ مُخُّهُنَّ زاهِقُ
فإنَّ الفراء يقول: هو مرفوعٌ والشعر مُكْفَأٌ، يقول: بل مُخُّهنَّ
مُكتَنِزٌ، رفَعَه على الابتداء، قال: ولا يجوز أن يريد ولا ضِعافٍ زاهقٍ
مُخُّهنَّ كما لا يجوز أن تقول مررت برجل أبوه قائمٍ بالخفضِ؛ قال ابن بري:
يريد أنه لا يجوز لك أن ترفع مُخَّهن بزاهِق فتُقدم الفاعل على فعله،
وعلى أنه قد جاء ذلك عن الكوفيين، من ذلك قراءة من قرأ: ونَخْلٍ طَلْعُها
هَضِيمٍ؛ وقول الزَّبَّاءِ:
ما للجِمال مشيُها وَئِيدا؟
وقول امرئ القيس:
فَقِلْ في مَقِيلٍ نَحْسُه مُتَغَيِّبِ
وقيل: الزاهِق ههنا بمعنى الذاهب كأنه قال: ولا ضِعافٍ مُخُّهنّ، ثم
رَدَّ الزاهِق على الضِّعاف؛ والذي وقع في شعر عثمان:
عِيسٌ عِتاقٌ ذاتُ مُخٍّ زاهِقِ
والذي أنشده أبو زيد:
لقد تَعَلَّلت على أيانِقِ
صُهْبٍ، قليلاتِ القُرادِ اللاّزِقِ،
وذاتِ ألْياطٍ ومُخٍّ زاهِقِ
وبئرٌ زهوقٌ وزاهِقٌ: بعيدةُ القَعْرِ، وكذلك فَجُّ الجبَل المُشْرِفُ؛
وقال أبو ذؤيب يصف مُشْتار العسل:
وأشْعَثَ مالُه فَضَلاتُ ثوْلٍ
على أركان مَهْلكَةٍ زَهُوقِ
قال ابن بري: قوله وأشعث مخفوضٌ بواو رُبَّ، والبيت أول القصيدة، وجوابُ
ربَّ فيما بعده وهو قوله:
تأبَّطَ خافَةً فيها مسابٌ،
فأضْحى يقْتري مَسَداً بِشِيقِ
والثَّوْلُ: جماعة النحل، وكذلك المَفازة النائية المَهْواةِ.
والزَّهْقُ والزَّهَقُ: الوَهْدةُ وربما وقعت فيها الدواب فهلكت. يقال: أزْهَقَت
أيديها في الحُفَر؛ وقال رؤبة:
تَكادُ أيديها تَهاوى في الزَّهَقْ
وأنشد أيضاً:
كأنَّ أيديهنَّ تَهْوي في الزَّهَقْ،
أيْدي جَوارٍ يتَعاطَيْنَ الوَرَقْ
وقيل: معنى الزَّهَق التقدمُ في هذا البيت. وانْزَهَقَتِ الدابةُ:
تردَّتْ. ورجل مَزْهوقٌ: مضيَّق عليه. والقومُ زُهاقُ مائة وزِهاق مائة أي هم
قريبٌ من ذلك في التقدير، كقولهم زُهاءُ مائة وزِهاءُ مائة. وقال
المؤرّج: المُزْهِقُ القاتِل، والمُزْهَقُ المقتول. وزَهَقَ السهمُ أي جاوز
الهَدَف؛ وأزْهَقَه صاحبُه. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف أنه تكلم يوم
الشُّورى فقال: إن جابِياً خيرٌ من زاهِقٍ؛ فالزاهِقُ من السهام: الذي وقَع
وراءَ الهَدَف دون الإصابة ولا يُصيب، والحابي: الذي وقَع دون الهَدَف ثم
زحَفَ إلى الهَدَف فأصابه، فأخبر أنَّ الضعيف الذي يُصيب الحق خيرٌ من
القويّ الذي لا يُصيبه، وضَرَبَ الزاهق والحابي من السِّهام لهما مثلاً.
وأزْهَقْتُ الإناء: قَلبتُه. ورأيتُ فلاناً مُزْهِقاً أي مُغِذّاً في سَيرِهِ.
وفرسٌ ذاتُ أزاهيقَ أي ذاتُ جَرْيٍ سريعٍ. قال أبو عبيد في المصنَّف:
وليس في شيء منه زَهِقَ، بالكسر، وحكى بعضهم زَهِقَت نفسه، بالكسر،
تَزْهَقُ زُهوقاً لغة في زَهَقَت. قال ابن بري: قال الهروي زَهِقَت نفسُه،
بالكسر، وقال ابن القُوطِيّة: زهِقت نفسُه، بالكسر، والفتح لغة. وفلان زَهِقٌ
أي نَزِقٌ. والزَّهَقُ: المُطْمئن من الأَرض. وأزهقَت الدابةُ السَّرْجَ
إذا قدَّمته وألقتْه على عُنُقها، ويقال بالراء؛ قال الراجز:
أخاف أن تُزْهِقَه أو يَنْزرِقْ
قال الجوهري: أنشدَنيه أبو الغوث بالزاي. وانزهقَتِ الدابةُ أي طَفَرت
من الضرْب أو النِّفارِ.
والزُّهْلُوقُ، بزيادة اللام: السَّمينُ. قال الأَصمعي في إناث حُمرُ
الوَحْشِ إذا استوت مُتونُها من الشحم قيل حُمُر زهالِقُ. قال ابن بري:
يقال الزَّهالِقُ واحدها زِهْلِق وهو الأَمْلَس؛ قال عُمارة:
مِثْل مُتون الحُمُر الزَّهالِق
أبو عبيد: جاءت الخيل أزاهِقَ وأزاهيقَ، وهي جماعات في تَفْرِقة.
ختع: خَتَعَ في الأَرض يَخْتَعُ خُتوعاً: ذهب وانطلق. وختَع الدليلُ
بالقوم يختَعُ خَتْعاً وخُتوعاً: سار بهم تحت الظلمة على القصْد؛ قال: وهو
ركوب الظلمة كما يفعل الدليلُ بالقوم؛ قال رؤبة:
أَعْيَت أَدِلاَّءَ الفَلاةِ الخُتَّعا
ورجل خُتَعٌ وخَتِعٌ وخوْتَعٌ: حاذقٌ بالدلالة ماهِرٌ بها. ورجل خُتَعةٌ
وخُتَعٌ: وهو السريع المشي الدليلُ. تقول: وجدته خُتَعَ لا سُكَعَ أَي
لا يتحير. والخَوْتَعُ: الدليل أَيضاً؛ وأَنشد:
بها يَضِلُّ الخَوْتَعُ المُشَهَّر
وانْخَتَعَ في الأَرض: أَبعد. وخَتَعَ على القوم: هَجَم. وخَتَعَ
الفحْلُ خلْفَ الإِبل إِذا قارب في مَشْيِه. وخُتوع السَّرابِ: اضْمحْلــالهُ.
والخَوْتَعُ: ضَرْب من الذُّباب كِبار، والخَوْتَعُ: ذُباب الكلب. قال أَبو
حنيفة: الخَوْتَعُ ذباب أَزْرقُ يكون في العُشْب؛ قال الراجز:
للخَوْتَعِ الأَزْرَقِ فيه صاهِلْ
عَزْفٌ كعَزْفِ الدُّفِّ والجَلاجِلْ
والخَتْعةُ: النَّمِرة الأُنثى، والخُتَعُ: من أَسماء الضبُع، وليس
بثبَت. والخَيْتَعةُ: هنةٌ
(* قوله «والخيتعة هنة إلخ» كذا بالأصل، وعبارة
القاموس وشرحه: والختيعة كسفينة كذا في الصحاح، ووجد بخط الجوهري الخيتعة
كحيدرة، والاوّل الصواب: قطعة من أدم يلفها الرامي على أَصابعه.) من أَدَم
يُغَشِّي بها الرامي إبهامَه لرَمْي السِّهام. ابن الأعرابي: الخِتاعُ
الدَّسْتَباتُ مثل ما يكون لأَصحاب البُزاة. والخَوْتَعُ: ولد الأَرْنب.
ومن أَمثالهم: أَشأَم من خَوْتعةَ؛ زعموا أَنه رجل من بني غُفَيلة بن
قاسطِ بن هِنْب بن أَفْصَى بن دُعْمِيّ ابن جَدِيلةَ بن أَسَد بن رَبِيعة
كان مَشْؤوماً لأَنه دلَّ كُثَيْف بنَ عمرو التَّغْلَبي على بني الزَّبّان
الذُّهْلي حتى قُتلوا وحُملت رؤُوسهم على الدُّهَيْم فأَبارَ الذُّهْليّ
بني غُفَيلةَ، فضربوا بخَوْتَعةَ المثل في الشُّؤْم وبحَمْل الدُّهَيْم
في الثَّقَل؛ قال أَبو جعفر محمد بن حَبِيب في كتاب مُتشابِه القبائل
ومُتَّفِقِها: وفي بني ذُهْل بن ثَعلبةَ بن عُكابةَ: الزَّبَّانُ بن الحرث
بن مالك بن شَيْبانَ بن سَدُوس بن ذُهْل، بالزاي والباء بواحدة، وذكر
القاضي أَبو الوليد هشام بن أَحمد الوَقَّشِي
(* قوله «الوقشي» نسبة إلى وقش
بالتشديد بلد بالمغرب، انظر ترجمته في معجم ياقوت.) في نَقْد الكتاب
الرَّيان، بالراء والياء.
غوص: الغَوْصُ: النُّزولُ تحت الماء، وقيل: الغَوْصُ الدخولُ في الماء،
غاصَ في الماء غَوْصاً، فهو غائصٌ وغَوّاصٌ، والجمع غاصَة وغَوّاصُون.
الليث: والغَوْصُ موضع يُخْرَج منه اللؤلؤ.
والغَوّاصُ: الذي يَغُوصُ في البحر على اللؤلؤ، والغاصةُ مُسْتخرجُوه،
وفعله الغِياصة. قال الأَزهري: يقال للذي يَغُوصُ على الأَصداف في البحر
فيستخرجها غائصٌ وغَوّاصٌ، وقد غاصَ يغُوصُ غَوْصاً، وذلك المكان يقال له
المَغاصُ، والغَوْصُ فعل الغائص، قال: ولم أَسمع الغَوْصَ بمعنى المَغاصِ
إِلا لليث. وفي الحديث: إِنه نَهَى عن ضَرْبةِ الغائص، هو أَن يقول له
أَغُوصُ في البحر غَوْصةً بكذا، فما أَخْرَجْتُه فهو لك، وإِنما نَهَى عنه
لأَنه غَرَرٌ. والغَوْصُ: الهجوم على الشيء، والهاجِمُ عليه غائصٌ.
والغائصة: الحائضُ التي لا تُعْلِم أَنها حائض. والمُتَغَوِّصةُ: التي
لا تكون حائضاً فتخبر زوجها أَنها حائض. وفي الحديث: لُعِنَت الغائصةُ
والمُتَغَوِّصة، وفي رواية: والمُغَوِّصة، فالغائصة الحائض التي لا تُعْلِم
زَوْجَها أَنها حائض ليجتَنِبَها فيُجامِعُها وهي حائض، والمُغَوِّصة
التي لا تكون حائضاً فتكذِبُ فتقول لزوجها إِني حائض.
كذب: الكَذِبُ: نقيضُ الصِّدْقِ؛ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً (2)
(2 قوله «كذباً» أي بفتح فكسر، ونظيره اللعب والضحك والحق، وقوله وكذباً، بكسر فسكون، كما هو مضبوط في المحكم والصحاح، وضبط في القاموس بفتح فسكون، وليس بلغة مستقلة بل بنقل حركة العين إلى الفاء تخفيفاً، وقوله: وكذبة وكذبة كفرية وفرحة كما هو بضبط المحكم ونبه عليه الشارح وشيخه.) وكِذْباً وكِذْبةً وكَذِبةً: هاتان عن اللحياني، وكِذاباً وكِذَّاباً؛ وأَنشد اللحياني:
نادَتْ حَليمةُ بالوَداع، وآذَنَتْ * أَهْلَ الصَّفَاءِ، ووَدَّعَتْ بكِذَابِ
ورجل كاذِبٌ، وكَذَّابٌ، وتِكْذابٌ، وكَذُوبٌ، وكَذُوبةٌ، وكُذَبَةٌ مثال هُمَزة، وكَذْبانٌ، وكَيْذَبانٌ، وكَيْذُبانٌ، ومَكْذَبانٌ، ومَكْذَبانة، وكُذُبْذُبانٌ (3)
(3 قوله «وكذبذبان» قال الصاغاني وزنه فعلعلان بالضمات
الثلاث ولم يذكره سيبويه في الأمثلة التي ذكرها. وقوله: واذا سمعت إلخ نسبه الجوهري لأبي زيد وهو لجريبة بن الأشيم كما نقله الصاغاني عن الأزهري، لكنه في التهذيب قد بعتكم وفي الصحاح قد بعتها؛ قال الصاغاني والرواية قد بعته يعني جمله وقبله:
قد طال ايضاعي المخدّم لا أرى * في الناس مثلي في معّد يخطب
حتى تأَوَّبت البيوت عشية * فحططت عنه كوره يتثأب)
، وكُذُبْذُبٌ، وكُذُّبْذُبٌ ؛ قال
جُرَيْبَةُ بنُ الأَشْيَمِ:
فإِذا سَمِعْـتَ بأَنـَّنِـي قد بِعْتُكم * بوِصَالِ غَانيةٍ، فقُلْ كُذُّبْذُبُ
قال ابن جني: أَما كُذُبْذُبٌ خفيف، وكُذُّبْذُبٌ ثَقِـيل، فهاتانِ
بناءَانِ لم يَحْكِهما سيبويه. قال: ونحوُه ما رَوَيْتُه عن بعض أَصحابنا، مِن قول بعضهم ذُرَحْرَحٌ، بفتح الراءَين. والأُنثى: كاذِبةٌ وكَذَّابة وكَذُوبٌ.
والكُذَّب: جمع كاذبٍ، مثل راكِـعٍ ورُكَّعٍ؛ قال أَبو دُواد الرُّؤَاسِي:
مَتَى يَقُلْ تَنْفَعِ الأَقوامَ قَوْلَتُه، * إِذا اضْمَحَلَّ حديثُ الكُذَّبِ الوَلَعَهْ
أَلَيْسَ أَقْرَبَهُم خَيْراً، وأَبعدَهُم * شَرّاً، وأَسْمَحَهُم كَفّاً لمَنْ مُنِعَه
لا يَحْسُدُ الناسَ فَضْلَ اللّه عندهُمُ، * إِذا تَشُوهُ نُفُوسُ الـحُسَّدِ الجَشِعَهْ
الوَلَعَةُ: جمع والِـعٍ، مثل كاتب وكَتَبة. والوالع: الكاذب، والكُذُبُ
جمع كَذُوب، مثل صَبُور وصُبُر، ومِنه قَرَأَ بعضُهم: ولا تقولوا لما تَصِفُ أَلسِنتُكُم الكُذُبُ، فجعله نعتاً للأَلسنة. الفراء: يحكى عن العرب أَن بني نُمير ليس لهم مَكْذُوبةٌ. وكَذَبَ الرجلُ: أَخْبَر بالكَذِبِ.
وفي المثل: ليس لـمَكْذُوبٍ رَأْيٌ. ومِنْ أَمثالهم: الـمَعاذِرُ مَكاذِبُ. ومن أَمثالهم: أَنَّ الكَذُوبَ قد يَصْدُقُ، وهو كقولهم: مع الخَواطِـئِ سَهْمٌ صائِبٌ. اللحياني: رجل تِكِذَّابٌ وتِصِدَّاقٌ أَي يَكْذِبُ ويَصْدُق.
النضر: يقال للناقة التي يَضْرِبُها الفَحْلُ فتَشُولُ، ثم تَرْجِـعُ
حائلاً: مُكَذِّبٌ وكاذِبٌ، وقد كَذَّبَتْ وكَذَبَتْ.
أَبو عمرو: يقال للرجل يُصاحُ به وهو ساكتٌ يُري أَنه نائم: قد أَكْذَب، وهو الإِكْذابُ. وقوله تعالى: حتى إِذا اسْتَيْأَسَ الرُّسلُ وظَنُّوا أَنهم قد كُذِّبُوا؛ قراءة أَهلِ المدينةِ، وهي قِراءة عائشة، رضي اللّه عنها، بالتشديد وضم الكاف. روي عن عائشة، رضي اللّه عنها، أَنها قالت: اسْتَيْأَسَ الرسلُ ممن كَذَّبَهم من قومهم أَن يُصَدِّقُوهم، وظَنَّتِ الرُّسُلُ أَن من قد آمَنَ من قومهم قد كَذَّبُوهم جاءهم نَصْرُ اللّهِ، وكانت تَقْرؤُه بالتشديد، وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأَبي عمرو، وابن عامر؛ وقرأَ عاصم وحمزة والكسائي: كُذِبُوا، بالتخفيف. ورُوي عن ابن عباس أَنه قال: كُذِبُوا، بالتخفيف، وضم الكاف. وقال: كانوا بَشَراً، يعني الرسل؛ يَذْهَبُ إِلى أَن الرسل ضَعُفُوا، فَظَنُّوا أَنهم قد أُخْلِفُوا.
قال أَبو منصور: إِن صح هذا عن ابن عباس، فوَجْهُه عندي، واللّه أَعلم، أَن الرسل خَطَر في أَوهامهم ما يَخْطُر في أَوهامِ البشر، مِن غير أَن حَقَّقُوا تلك الخَواطرَ ولا رَكَنُوا إِليها، ولا كان ظَنُّهم ظَنّاً اطْمَـأَنُّوا إِليه، ولكنه كان خاطراً يَغْلِـبُه اليقينُ. وقد روينا عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: تَجاوَزَ اللّه عن أُمتي ما حدَّثَتْ به أَنفُسَها. ما لم يَنْطِقْ به لسانٌ أَو تَعْمله يَدٌ، فهذا وجه ما رُوي عن ابن عباس. وقد رُوي عنه أَيضاً: أَنه قرأَ حتى إِذا اسْتَيْأَسَ الرسلُ من قَوْمهم الإِجابةَ، وظَنَّ قَوْمُهُم أَن الرُّسُل قد كذَبهم الوعيدُ. قال أَبو منصور: وهذه الرواية أَسلم، وبالظاهر أَشْبَهُ؛ ومما يُحَقّقها ما رُوي عن سعيد بن جُبَيْر أَنه قال: اسْتيأَسَ الرسلُ من قومهم، وظنَّ قومُهم أَن الرسل
قد كُذِّبُوا، جاءَهم نَصْرُنا؛ وسعيد أَخذ التفسير عن ابن عباس. وقرأَ بعضهم: وظَنُّوا أَنهم قد كَذَبوا أَي ظَنَّ قَوْمُهم أَن الرسلَ قد كَذَبُوهُمْ. قال أَبو منصور: وأَصَحُّ الأَقاويل ما روينا عن عائشة، رضي اللّه عنها، وبقراءَتها قرأَ أَهلُ الحرمين، وأَهلُ البصرة، وأَهلُ الشام. وقوله تعالى: ليس لوَقْعَتِها كاذِبةٌ؛ قال الزجاج: أَي ليس يَرُدُّها شيءٌ، كما تقول حَمْلَةُ فلان لا تَكْذِبُ أَي لا يَرُدُّ حَمْلَتُه شيء. قال: وكاذِبةٌ مصدر، كقولك: عافاه اللّهُ عافِـيةً، وعاقَبَه عاقِـبةً، وكذلك كَذَبَ كاذبةً؛ وهذه أَسماء وضعت مواضع المصادر، كالعاقبة والعافية والباقية. وفي التنزيل العزيز: فهل تَرَى لهم من باقيةٍ؟ أَي بقاءٍ. وقال الفراءُ: ليس لوَقْعَتِها كاذبةٌ أَي ليس لها مَرْدُودٌ ولا رَدٌّ، فالكاذبة، ههنا، مصدر.
يقال: حَمَلَ فما كَذَبَ. وقوله تعالى: ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رَأَى؛
يقول: ما كَذَبَ فؤَادُ محمدٍ ما رَأَى؛ يقول: قد صَدَقَه فُؤَادُه الذي
رأَى. وقرئَ: ما كَذَّبَ الفُؤَادُ ما رَأَى، وهذا كُلُّه قول الفراء. وعن أَبي الهيثم: أَي لم يَكْذِب الفُؤَادُ رُؤْيَتَه، وما رَأَى بمعنى
الرُّؤْية، كقولك: ما أَنْكَرْتُ ما قال زيدٌ أَي قول زيد.
ويقال: كَذَبَني فلانٌ أَي لم يَصْدُقْني فقال لي الكَذِبَ؛ وأَنشد
للأَخطل:
كَذَبَتْكَ عَيْنُك، أَم رأَيتَ بواسطٍ * غَلَسَ الظَّلامِ، مِن الرَّبابِ، خَيَالا؟
معناه: أَوْهَمَتْكَ عَيْنُكَ أَنها رَأَتْ، ولم تَرَ. يقول: ما أَوْهَمه الفؤَادُ أَنه رَأَى، ولم يَرَ، بل صَدَقَه الفُؤَادُ رُؤْيَتَه. وقوله: ناصِـيَةٍ كاذبةٍ أَي صاحِـبُها كاذِبٌ، فأَوْقَعَ الجُزْءَ موقع الجُملة. ورُؤْيَا كَذُوبٌ: كذلك؛ أَنشد ثعلب:
فَحَيَّتْ فَحَيَّاها فَهَبَّ فَحَلَّقَتْ، * معَ النَّجْمِ رُؤْيا، في الـمَنامِ، كَذُوبُ
والأُكْذُوبةُ: الكَذِبُ. والكاذِبةُ: اسم للمصدر، كالعَافية.
ويقال: لا مَكْذَبة، ولا كُذْبى، ولا كُذْبانَ أَي لا أَكْذُبك.
وكَذَّبَ الرجلَ تَكْذيباً وكِذَّاباً: جعله كاذِباً، وقال له: كَذَبْتَ؛ وكذلك كَذَّب بالأَمر تَكْذيباً وكِذَّاباً. وفي التنزيل العزيز: وكَذَّبُوا بآياتنا كِذَّاباً. وفيه: لا يَسْمَعُون فيها لغواً ولا كِذَّاباً أَي كَذِباً، عن اللحياني. قال الفراءُ: خَفَّفَهما عليُّ بن أَبي طالب، عليه السلام، جميعاً، وثَقَّلَهما عاصمٌ وأَهل المدينة، وهي لغة يمانية فصيحة. يقولون: كَذَّبْتُ به كِذَّاباً، وخَرَّقْتُ القميصَ خِرَّاقاً. وكلُّ فَعَّلْتُ فمصدرُه فِعَّالٌ، في لغتهم، مُشدّدةً. قال: وقال لي أَعرابي مَرَّةً على الـمَرْوَة يَسْتَفْتيني: أَلْحَلْقُ أَحَبُّ إِليك أَم القِصَّار؟ وأَنشدني بعضُ بني كُلَيْب:
لقدْ طالَ ما ثَبَّطْتَني عن صَحابتي، * وعن حِوَجٍ، قِضَّاؤُها منْ شِفائيا
وقال الفرَّاءُ: كان الكسائي يخفف لا يسمعون فيها لغواً ولا كِذاباً، لأَنها مُقَيَّدَة بفِعْلٍ يُصَيِّرُها مصدراً، ويُشَدِّدُ: وكَذَّبُوا
بآياتنا كِذَّاباً؛ لأَن كَذَّبُوا يُقَيِّدُ الكِذَّابَ. قال: والذي قال حَسَنٌ، ومعناه: لا يَسْمَعُون فيها لَغْواً أَي باطلاً، ولا كِذَّاباً أَي لا يُكَذِّبُ بَعْضُهم
بَعْضاً (1)
(1 زاد في التكملة: وعن عمر بن عبدالعزيز كذاباً، بضم الكاف وبالتشديد، ويكون صفة على المبالغة كوضاء وحسان، يقال كذب، أي بالتخفيف، كذاباً بالضم مشدداً أي كذباً متناهياً.) ،
غيره.ويقال للكَذِبِ: كِذابٌ؛ ومِنه قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً ولا كِذاباً أَي كَذِباً؛ وأَنشد أَبو العباس قولَ أَبي دُوادٍ:
قُلْتُ لـمَّا نَصَلا منْ قُنَّةٍ: * كَذَبَ العَيْرُ وإِنْ كانَ بَرَحْ
قال معناه: كَذَبَ العَيْرُ أَنْ يَنْجُوَ مني أَيَّ طَريقٍ أَخَذَ، سانِحاً أَو بارِحاً؛ قال: وقال الفراءُ هذا إِغراءٌ أَيضاً. وقال اللحياني، قال الكسائي: أَهلُ اليمن يجعلون مصدرَ فَعَّلْتُ فِعَّالاً، وغيرهم من
العرب تفعيلاً. قال الجوهري: كِذَّاباً أَحد مصادر المشدَّد، لأَن مصدره قد يجيءُ على التَّفْعِـيلِ مثل التَّكْلِـيم، وعلى فِعَّالٍ مثل
كِذَّابٍ، وعلى تَفعِلَة مثل تَوْصِـيَة، وعلى مُفَعَّلٍ مثل: ومَزَّقْناهم كلَّ مُمَزَّقٍ.
والتَّكاذُبُ مثل التَّصادُق. وتَكَذَّبُوا عليه: زَعَمُوا أَنه كاذِبٌ؛ قال أَبو بكر الصدِّيق، رضي اللّه عنه:
رسُولٌ أَتاهم صادِقٌ، فَتَكَذَّبُوا * عليه وقالُوا: لَسْتَ فينا بماكِثِ
وتَكَذَّبَ فلانٌ إِذا تَكَلَّفَ الكَذِبَ.
وأَكْذَبَهُ: أَلْفاه كاذِباً، أَو قال له: كَذَبْتَ. وفي التنزيل العزيز: فإِنهم لا يُكَذِّبُونَكَ؛ قُرِئَتْ بالتخفيف والتثقيل. وقال الفراءُ: وقُرِئَ لا يُكْذِبُونَكَ، قال: ومعنى التخفيف، واللّه أَعلم، لا يجعلونك كذَّاباً، وأَن ما جئتَ به باطلٌ، لأَنهم لم يُجَرِّبُوا عليه كَذِباً فَيُكَذِّبُوه، إِنما أَكْذَبُوه أَي قالوا: إِنَّ ما جئت به كَذِبٌ، لا يَعْرِفونه من النُّبُوَّة. قال: والتَّكْذيبُ أَن يقال: كَذَبْتَ. وقال الزجاج: معنى كَذَّبْتُه، قلتُ له: كَذَبْتَ؛ ومعنى أَكْذَبْتُه، أَرَيْتُه أَن ما أَتى به كَذِبٌ. قال: وتفسير قوله لا يُكَذِّبُونَك، لا يَقْدِرُونَ أَن يقولوا لك فيما أَنْبَأْتَ به مما في كتبهم: كَذَبْتَ. قال: ووَجْهٌ آخر لا يُكَذِّبُونَكَ بقلوبهم، أَي يعلمون أَنك صادق؛ قال: وجائز أَن يكون فإِنهم لا يُكْذِبُونكَ أَي أَنت عندهم صَدُوق، ولكنهم جحدوا بأَلسنتهم، ما تشهد قُلُوبُهم بكذبهم فيه. وقال الفراءُ في قوله تعالى: فما يُكَذِّبُكَ بعدُ بالدِّينِ؛ يقول فما الذي يُكَذِّبُكَ بأَن الناسَ يُدانُونَ بأَعمالهم، كأَنه قال: فمن يقدر على تكذيبنا بالثواب والعقاب، بعدما تبين له خَلْقُنا للإِنسان، على ما وصفنا لك؟ وقيل: قوله تعالى: فما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدِّين؛ أَي ما يَجْعَلُكَ مُكَذِّباً، وأَيُّ شيءٍ يَجْعَلُك مُكَذِّباً بالدِّينِ أَي بالقيامة؟ وفي التنزيل العزيز: وجاؤُوا على قميصه بدَمٍ كَذِبٍ. رُوِي في التفسير أَن إِخوةَ يوسف لما طَرَحُوه في الجُبِّ، أَخَذُوا قميصَه، وذَبَحُوا جَدْياً، فلَطَخُوا القَمِـيصَ بدَمِ الجَدْي، فلما رأَى يعقوبُ، عليه السلام، القَميصَ، قال: كَذَبْتُمْ، لو أَكَلَه الذِّئبُ لـمَزَّقَ قميصه. وقال الفراءُ في قوله تعالى: بدَمٍ كَذبٍ؛ معناه مَكْذُوبٍ. قال: والعرب تقول للكَذِبِ: مَكْذُوبٌ، وللضَّعْف مَضْعُوفٌ، وللْجَلَد: مَجْلُود، وليس له مَعْقُودُ رَأْيٍ، يريدون عَقْدَ رَأْيٍ، فيجعلونَ المصادرَ في كثير من الكلام مفعولاً. وحُكي عن أَبي ثَرْوانَ أَنه قال: إِن بني نُمَيْرٍ ليس لـحَدِّهم مَكْذُوبةٌ
أَي كَذِبٌ. وقال الأَخفش: بدَمٍ كَذِبٍ، جَعَلَ الدمَ كَذِباً، لأَنه كُذِبَ فيه، كما قال سبحانه: فما رَبِحَتْ تِجارَتُهم. وقال أَبو العباس: هذا مصدر في معنى مفعول، أَراد بدَمٍ مَكْذُوب. وقال الزجاج: بدَمٍ كذِبٍ أَي ذي كَذِب؛ والمعنى: دَمٍ مَكْذُوبٍ فيه. وقُرِئَ بدَمٍ كَدِبٍ، بالدال المهملة، وقد تقدم في ترجمة كدب. ابن الأَنباري في قوله تعالى: فإِنهم لا يُكَذِّبُونَك، قال: سأَل سائل كيف خَبَّر عنهم أَنهم لا يُكَذِّبُونَ النبي، صلى اللّه عليه وسلم، وقد كانوا يُظْهِرون تَكْذيبه ويُخْفُونه؟ قال: فيه ثلاثة أَقوال: أَحدها فإِنهم لا يُكَذِّبُونَك بقلوبهم، بل يكذبونك بأَلسنتهم؛ والثاني قراءة نافع والكسائي، ورُويَتْ عن عليّ، عليه السلام، فإِنهم لا يُكْذِبُونَك، بضم الياءِ، وتسكين الكاف، على معنى لا يُكَذِّبُونَ الذي جِئْتَ به، إِنما يَجْحدون بآيات اللّه ويَتَعَرَّضُون لعُقوبته. وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة، بأَن العرب تقول: كَذَّبْتُ الرجلَ إِذا نسبته إِلى الكَذِبِ؛ وأَكْذَبْتُه إِذا أَخبرت أَن الذي يُحَدِّثُ به كَذِبٌ؛ قال ابن الأَنباري: ويمكن أَن يكون: فإِنهم لا يُكْذِبُونَكَ، بمعنى لا يَجدونَكَ كَذَّاباً، عند البَحْث والتَّدَبُّر والتَّفْتيش. والثالث أَنهم لا يُكَذِّبُونَك فيما يَجِدونه موافقاً في كتابهم، لأَن ذلك من أَعظم الحجج عليهم. الكسائي: أَكْذَبْتُه إِذا أَخْبَرْتَ أَنه جاءَ بالكَذِبِ، ورواه: وكَذَّبْتُه إِذا أَخْبَرْتَ أَنه كاذِبٌ؛ وقال ثعلب: أَكْذَبه وكَذَّبَه، بمعنًى؛ وقد يكون أَكْذَبَه بمعنى بَيَّن كَذِبَه، أَو حَمَلَه على الكَذِب، وبمعنى وجَدَه كاذباً. وكاذَبْتُه مُكاذَبةً وكِذاباً: كَذَّبْتُه وكَذَّبني؛ وقد يُستعمل
الكَذِبُ في غير الإِنسان، قالوا: كَذَبَ البَرْقُ، والـحُلُمُ، والظَّنُّ، والرَّجاءُ، والطَّمَعُ؛ وكَذَبَتِ العَيْنُ: خانها حِسُّها. وكذَبَ
الرأْيُ: تَوهَّمَ الأَمْرَ بخلافِ ما هو به. وكَذَبَتْهُ نَفْسُه: مَنَّتْهُ
بغير الحق. والكَذوبُ: النَّفْسُ، لذلك قال:
إِني، وإِنْ مَنَّتْنيَ الكَذُوبُ، * لَعالِمٌ أَنْ أَجَلي قَريبُ
(يتبع...)
(تابع... 1): كذب: الكَذِبُ: نقيضُ الصِّدْقِ؛ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً (2)... ...
أَبو زيد: الكَذُوبُ والكَذُوبةُ: من أَسماءِ النَّفْس. ابن الأَعرابي:
الـمَكْذُوبة من النساءِ الضَّعيفة.
والـمَذْكُوبة: المرأَة الصالحة. ابن الأَعرابي: تقول العرب للكَذَّابِ: فلانٌ لا يُؤَالَفُ خَيْلاه، ولا يُسايَرُ خَيْلاه كَذِباً؛ أَبو الهيثم، انه قال في قول لبيد:
أَكْذِبِ النَّفْسَ إِذَا حَدَّثْتَها
يقول: مَنِّ نَفْسَكَ العَيْشَ الطويلَ، لتَـأْمُلَ الآمالَ البعيدة، فتَجِدَّ في الطَّلَب، لأَنـَّك إِذا صَدَقْتَها، فقلتَ: لعلك تموتينَ اليومَ أَو غداً، قَصُرَ أَمَلُها، وضَعُفَ طَلَبُها؛ ثم قال:
غَيْرَ أَنْ لا تَكْذِبَنْها في التُّقَى
أَي لا تُسَوِّفْ بالتوبة، وتُصِرَّ على الـمَعْصية. وكَذَبَتْهُ عَفَّاقَتُه، وهي اسْتُه ونحوه كثير.
وكَذَّبَ عنه: رَدَّ، وأَراد أَمْراً، ثم كَذَّبَ عنه أَي أَحْجَم.
وكَذَبَ الوَحْشِـيُّ وكَذَّبَ: جَرى شَوْطاً، ثم وَقَفَ لينظر ما
وراءه.وما كَذَّبَ أَنْ فَعَلَ ذلك تَكْذيباً أَي ما كَعَّ ولا لَبِثَ.
وحَمَلَ عليه فما كَذَّبَ، بالتشديد، أَي
ما انْثَنى، وما جَبُنَ، وما رَجَعَ؛ وكذلك حَمَلَ فما هَلَّلَ؛ وحَمَلَ ثم كَذَّبَ أَي لم يَصْدُقِ الـحَمْلَة؛ قال زهير:
لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرجالَ، إِذا * ما الليثُ كَذَّبَ عن أَقْرانه صَدَقا
وفي حديث الزبير: أَنه حمَلَ يومَ اليَرْمُوكِ على الرُّوم، وقال
للمسلمين: إِن شَدَدْتُ عليهم فلا تُكَذِّبُوا أَي لا تَجْبُنُوا وتُوَلُّوا.قال شمر: يقال للرجل إِذا حَملَ ثم وَلَّى ولم يَمْضِ: قد كَذَّبَ عن قِرْنه تَكْذيباً، وأَنشد بيت زهير. والتَّكْذِيبُ في القتال: ضِدُّ الصِّدْقِ فيه. يقال: صَدَقَ القِتالَ إِذا بَذَلَ فيه الجِدُّ. وكَذَّبَ إِذا جَبُن؛ وحَمْلةٌ كاذِبةٌ، كما قالوا في ضِدِّها: صادقةٌ، وهي الـمَصْدوقةُ والـمَكْذُوبةُ في الـحَمْلةِ. وفي الحديث: صَدَقَ اللّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أَخِـيك؛ اسْتُعْمِلَ الكَذِبُ ههنا مجازاً، حيث هو ضِدُّ الصِّدْقِ،
والكَذِبُ يَخْتَصُّ بالأَقوال، فجعَل بطنَ أَخيه حيث لم يَنْجَعْ فيه
العَسَلُ كَذِباً، لأَنَّ اللّه قال: فيه شفاء للناس. وفي حديث صلاةِ
الوِتْرِ: كَذَبَ أَبو محمد أَي أَخْطأَ؛ سماه كَذِباً، لأَنه يُشْبهه في كونه ضِدَّ الصواب، كما أَن الكَذِبَ ضدُّ الصِّدْقِ، وإِنِ افْتَرَقا من حيث النيةُ والقصدُ، لأَن الكاذبَ يَعْلَمُ أَن ما يقوله كَذِبٌ، والـمُخْطِـئُ لا يعلم، وهذا الرجل ليس بمُخْبِـرٍ، وإِنما قاله باجتهاد أَدَّاه إِلى أَن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذبُ، وإِنما يدخله الخطَـأُ؛ وأَبو محمد صحابي، واسمه مسعود بن زيد؛ وقد استعملت العربُ الكذِبَ في موضع الخطإِ؛ وأَنشد بيت الأَخطل:
كَذَبَتْكَ عينُكَ أَم رأَيتَ بواسِطٍ
وقال ذو الرمة:
وما في سَمْعِهِ كَذِبُ
وفي حديث عُرْوَةَ، قيل له: إِنَّ ابن عباس يقول إِن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، لَبِثَ بمكة بِضْعَ عَشْرَةَ سنةً، فقال: كَذَبَ، أَي
أَخْطَـأَ. ومنه قول عِمْرانَ لسَمُرَة حين قال: الـمُغْمَى عليه يُصَلِّي مع كل صلاةٍ صلاةً حتى يَقْضِـيَها، فقال: كَذَبْتَ ولكنه يُصَلِّيهن معاً، أَي أَخْطَـأْتَ.
وفي الحديث: لا يَصْلُحُ الكذِبُ إِلا في ثلاث؛ قيل: أَرادَ به
مَعارِيضَ الكلام الذي هو كَذِبٌ من حيث يَظُنُّه السامعُ، وصِدْقٌ من حيثُ يقوله القائلُ، كقوله: إِنَّ في الـمَعاريض لَـمَنْدوحةً عن الكَذِب، وكالحديث الآخر: أَنه كان إِذا أَراد سفراً ورَّى بغيره. وكَذَبَ عليكم الحجُّ، والحجَّ؛ مَنْ رَفَعَ، جَعَلَ كَذَبَ بمعنى وَجَبَ، ومَن نَصَبَ، فعَلى الإِغراءِ، ولا يُصَرَّفُ منه آتٍ، ولا مصدرٌ، ولا اسم فاعل، ولا مفعولٌ، وله تعليلٌ دقيقٌ، ومعانٍ غامِضةٌ تجيءُ في الأَشعار. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: كَذَبَ عليكم الحجُّ، كَذَبَ عليكم العُمْرةُ، كَذَبَ عليكم الجِهادُ، ثلاثةُ أَسفارٍ كَذَبْنَ عليكم؛ قال ابن السكيت: كأَن كَذَبْنَ، ههنا، إِغْراءٌ أَي عليكم بهذه الأَشياءِ الثلاثة.
قال: وكان وجهُه النصبَ على الإِغراءِ، ولكنه جاءَ شاذاً مرفوعاً؛ وقيل معناه: وَجَبَ عليكم الحجُّ؛ وقيل معناه: الـحَثُّ والـحَضُّ. يقول: إِنَّ الحجَّ ظنَّ بكم حِرصاً عليه، ورَغبةً فيه، فكذَبَ ظَنُّه لقلة رغبتكم فيه. وقال الزمخشري: معنى كَذَبَ عليكم الحجُّ على كلامَين: كأَنه قال كَذَب الحجُّ عليكَ الحجُّ أَي ليُرَغِّبْك الحجُّ، هو واجبٌ عليك؛ فأَضمَر الأَوَّل لدلالة الثاني عليه؛ ومَن نصب الحجَّ،
فقد جَعَلَ عليك اسمَ فِعْلٍ، وفي كذَبَ ضمير الحجِّ، وهي كلمةٌ نادرةٌ، جاءَت على غير القِـياس.
وقيل: كَذَب عليكم الـحَجُّ أَي وَجَبَ عليكم الـحَجُّ. وهو في الأَصل، إِنما هو: إِن قيل لا حَجَّ، فهو كَذِبٌ؛ ابن شميل: كذبَك الحجُّ أَي أَمكَنَك فحُجَّ، وكذَبك الصَّيدُ أَي أَمكنَك فارْمِه؛ قال: ورفْعُ الحجّ بكَذَبَ معناه نَصْبٌ، لأَنه يريد أَن يَـأْمُر بالحج، كما يقال أَمْكَنَك الصَّيدُ، يريدُ ارْمِه؛ قال عنترة يُخاطبُ زوجته:
كَذَبَ العَتيقُ، وماءُ شَنٍّ بارِدٌ، * إِنْ كُنْتِ سائِلَتي غَبُوقاً، فاذهبي!
يقول لها: عليكِ بأَكل العَتيق، وهو التمر اليابس، وشُرْبِ الماءِ
البارد، ولا تتعرَّضي لغَبُوقِ اللَّبن، وهو شُرْبه عَشِـيّاً، لأَنَّ اللبن
خَصَصْتُ به مُهري الذي أَنتفع به، ويُسَلِّمُني وإِياكِ من أَعدائي.
وفي حديث عُمَر: شكا إِليه عمرو بن معد يكرب أَو غيره النِّقْرِسَ، فقال: كذَبَتْكَ الظَّهائِرُ أَي عليك بالمشي فيها؛ والظهائر جمع ظهيرة، وهي شدة الحرّ. وفي رواية: كَذَبَ عليك الظواهرُ، جمع ظاهرة، وهي ما ظهر من الأَرض وارْتَفَع. وفي حديث له آخر: إِن عمرو بن معد يكرب شَكا إِليه الـمَعَص، فقال: كَذَبَ عليك العَسَلُ، يريد العَسَلانَ، وهو مَشْيُ الذِّئب،
أَي عليك بسُرعةِ المشي؛ والـمَعَصُ، بالعين المهملة، التواءٌ في عصَبِ الرِّجل؛ ومنه حديث عليٍّ، عليه السلام: كذَبَتْكَ الحارقَةُ أَي عليك بمثْلِها؛ والحارِقةُ: المرأَة التي تَغْلِـبُها شهوَتُها، وقيل: الضيقة الفَرْج. قال أَبو عبيد: قال الأَصمعي معنى كذَبَ عليكم، مَعنى الإِغراء، أَي عليكم به؛ وكأَن الأَصلَ في هذا أَن يكونَ نَصْباً، ولكنه جاءَ عنهم بالرفع شاذاً، على غير قياس؛ قال: ومما يُحَقِّقُ ذلك أَنه مَرفوعٌ قول الشاعر:
كَذَبْتُ عَلَيكَ لا تزالُ تَقوفُني، * كما قافَ، آثارَ الوَسيقةِ، قائفُ
فقوله: كذَبْتُ عليك، إِنما أَغْراه بنفسه أَي عَليكَ بي، فَجَعَلَ
نَفْسَه في موضع رفع، أَلا تراه قد جاءَ بالتاءِ فَجَعَلها اسْمَه؟ قال
مُعَقِّرُ بن حمار البارقيُّ:
وذُبْيانيَّة أَوصَتْ بَنِـيها * بأَنْ كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
قال أَبو عبيد: ولم أَسْمَعْ في هذا حرفاً منصوباً إِلا في شيءٍ كان
أَبو عبيدة يحكيه عن أَعرابيٍّ نَظر إِلى ناقة نِضْوٍ لرجل، فقال: كذَبَ عليكَ البَزْرُ والنَّوَى؛ وقال أَبو سعيد الضَّرِير في قوله:
كذَبْتُ عليك لا تزالُ تقُوفُني
أَي ظَنَنْتُ بك أَنك لا تَنامُ عن وِتْري، فَكَذَبْتُ عليكم؛ فأَذَلَّه بهذا الشعر، وأَخْمَلَ ذِكْرَه؛ وقال في قوله:
بأَن كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
قال: القَراطِفُ أَكْسِـيَةٌ حُمْر، وهذه امرأَة كان لها بَنُونَ يركَبُونَ في شارة حَسَنةٍ، وهم فُقَراء لا يَمْلكُون وراءَ ذلك شيئاً، فَساءَ
ذلك أُمَّهُم لأَنْ رأَتْهم فُقراءَ، فقالت: كَذَبَ القَراطِفُ أَي إِنَّ
زِينَتهم هذه كاذبةٌ، ليس وراءَها عندهم شيءٌ.
ابن السكيت: تقول للرجل إِذا أَمَرْتَه بشيءٍ وأَغْرَيْته: كَذَب علَيك
كذا وكذا أَي عليكَ به، وهي كلمة نادرةٌ؛ قال وأَنشدني ابن الأَعرابي
لخِداشِ بن زُهَير:
كَذَبْتُ عليكم، أَوْعِدُوني وعَلِّلُوا * بـيَ الأَرضَ والأَقْوامَ قِرْدانَ مَوْظِبِ
أَي عليكم بي وبهجائي إِذا كنتم في سفر، واقْطَعُوا بِذِكْري الأَرضَ، وأَنْشِدوا القومَ هجائي يا قِرْدانَ مَوْظِبٍ.
وكَذَبَ لَبنُ الناقة أَي ذهَبَ، هذه عن اللحياني. وكَذَبَ البعيرُ في
سَيره إِذا ساءَ سَيرُه؛ قال الأَعشى:
جُمالِـيَّةٌ تَغْتَلي بالرِّداف، * إِذا كَذَبَ الآثِماتُ الـهَجيرا
ابن الأَثير في الحديث: الحجامةُ على الرِّيق فيها شِفاءٌ وبَرَكة، فمن احْتَجَمَ فيومُ الأَحدِ والخميسِ كَذَباك أَو يومُ الاثنين والثلاثاء؛
معنى كَذَباك أَي عليك بهما، يعني اليومين المذكورين. قال الزمخشري: هذه كلمةٌ جَرَتْ مُجْرى الـمَثَل في كلامهم، فلذلك لم تُصَرَّفْ، ولزِمَتْ طَريقةً واحدة، في كونها فعلاً ماضياً مُعَلَّقاً بالـمُخاطَب وحْدَه، وهي في معنى الأَمْرِ، كقولهم في الدعاءِ: رَحِمَك اللّه أَي لِـيَرْحَمْكَ اللّهُ. قال: والمراد بالكذب الترغيبُ والبعثُ؛ مِنْ قول العرب: كَذَبَتْه نَفْسُه إِذا مَنَّتْه الأَمانيَّ، وخَيَّلَت إِليه مِنَ الآمال ما لا يكادُ يكون، وذلك مما يُرَغِّبُ الرجلَ في الأُمور، ويَبْعَثُه على التَّعرُّض لها؛ ويقولون في عكسه صَدَقَتْه نَفْسُه، وخَيَّلَتْ إِليه العَجْزَ والنَّكَدَ في الطَّلَب. ومِن ثَمَّ قالوا للنَّفْسِ: الكَذُوبُ. فمعنى قوله كذَباك أَي ليَكْذِباك ولْيُنَشِّطاكَ ويَبْعَثاك على الفعل؛ قال ابن الأَثير: وقد أَطْنَبَ فيه الزمخشري وأَطالَ، وكان هذا خلاصةَ قوله؛ وقال ابن السكيت: كأَنَّ كَذَبَ، ههنا، إِغراءٌ أَي عليك بهذا الأَمر، وهي كلمة نادرة، جاءَت على غير القياس. يقال: كَذَبَ عليك أَي وَجَبَ عليك.
والكَذَّابةُ: ثوبٌ يُصْبغ بأَلوانٍ يُنْقَشُ كأَنه مَوْشِـيٌّ. وفي حديث الـمَسْعُودِيِّ: رأَيتُ في بيت القاسم كَذَّابَتَين في السَّقْفِ؛ الكَذَّابةُ: ثوبٌ يُصَوَّرُ ويُلْزَقُ بسَقْفِ البيت؛ سُميت به لأَنها تُوهم أَنها في السَّقْف، وإِنما هي في الثَّوْب دُونَه. والكَذَّابُ: اسمٌ لبعض رُجَّازِ العَرب. والكَذَّابانِ: مُسَيْلِمةُ الـحَنَفِـيُّ والأَسوَدُ العَنْسِيُّ.
جفأ: جَفَأَ الرَّجلَ جَفْأً: صَرَعه، وفي التهذيب: اقتَلَعه وذَهَب به
الأَرضَ. وأَجْفَأَ به: طَرَحه.
وجَفَأَ به الأَرضَ: ضَرَبها به. وجَفَأَ البُرْمةَ في القَصْعةِ
جَفْأً: أَكْفأَها، أَو أَمالها فَصَبَّ ما فيها، ولا تقل أَجْفَأْتُها. وفي
الحديث: فاجْفَؤُوا القُدورَ بما فيها، والمعروف بغير أَلف؛ وقال الجوهري: هي لغة مجهولة؛ وقال الراجز:
جَفْؤُكَ ذا قِدْرِكَ للضِّيفانِ،
جَفْأً على الرُّغْفانِ في الجِفانِ
خَيْرٌ مِن العَكِيسِ بالأَلْبانِ
وفي حديث خيبر: أَنه حَرَّمَ الحُمُرَ الأَهْلية، فجَفَؤُوا القُدورَ
أَي فَرَّغُوها وقَلَبُوها؛ وروي: فأَجْفَؤُوا، وهي لغة فيه قليلة مثل
كَفَؤُوا وأَكْفَؤُوا.
وجَفَأَ الوادِي غُثاءَهُ يَجْفَأُ جَفْأً: رَمَى بالزَّبَدِ والقَذَى، وكذلك جَفَأَتِ الِقدْرُ: رَمَت بزَبَدِها عند الغَلَيانِ، وأَجْفَأَتْ به وأَجْفَأَتْه. واسم الزَّبَدِ: الجُفاء. وفي حديث جرير: خَلَقَ اللّهُ الأَرضَ السُّفْلى من الزَّبَدِ الجُفاء أَي مِن زَبَدٍ اجتمع للماء. يقال: جَفَأَ الوادي جَفْأً: إِذا رَمَى بالزَّبَد والقَذَى. وفي التنزيل: فأَمّا الزَّبَدُ فيَذْهَبُ جُفَاءً، أَي باطلاً. قال الفرَّاء: أَصله الهمزة، أَو الجُفاء ما نَفاه السيل. والجُفاء: الباطلُ أَيضاً. وجفأَ الواديَ: مَسَحَ غُثاءَه. وقيل: الجُفاء كما يقال الغُثاء. وكلُّ مصدرٍ اجتمع بعضُه إِلى بعض مثلُ القُماشِ والدُّقاقِ والحُطامِ مصدرٌ يكون في مذهبِ اسمٍ على المعنى كما كان العَطاء اسماً للاعطاء، كذلك القُماش لو أَردتَ مصدر
قَمَشْته قَمْشاً. الزجاج: موضع قوله جُفاء نَصْب على الحال. وفي حديث البَراء رضي اللّه عنه يوم حُنَيْن: انْطَلَق جُفاءٌ مِن الناس <ص:50> إِلى هذا الحيِّ مِن هوازِنَ، أَراد: سَرَعانَ الناسِ وأَوائلهم، شبَّهَهم بجُفاء السَّيْل. قال ابن الأَثير: هكذا جاء في كتاب الهروي، والذي قرأْناه في البخاري ومسلم: انْطَلَق أَخِفَّاءُ من الناسِ، جمع خَفِيفٍ. وفي كتاب الترمذي: سَرَعانُ الناس. ابن السكيت: الجُفاءُ: ما جَفَأَه الوادي: إِذا رَمَى به، وجَفَأْتُ الغُثاء عن الوادي وجَفَأْتُ القِدْرَ أَي مَسَحْتُ زَبَدها الذي فَوْقَها من غَلْيِها، فإِذا أَمَرْت قلت: اجْفَأْها. ويقال: أَجْفَأَتِ القِدْرُ إِذا عَلا زَبَدُها. وتصغير الجُفاء: جُفَيءٌ، وتصغير الغُثاء: غُثَيٌّ بلا همز.
وجَفَأَ البابَ جَفْأً وأَجْفَأَه: أَغْلَقَه. وفي التهذيب: فَتَحه.
وجَفأَ البقلَ والشجرَ يَجْفَؤُه جَفْأً واجْتَفَأَهُ: قَلَعَه من أَصْله. قال أَبو عبيد: سُئل بعضُ الأَعراب عن قوله صلى اللّه عليه وسلم: مَتى
تحِلُّ لنَا الـمَيْتَة؟ فقال: ما لم تَجْتَفِئوا. يقال اجْتَفأَ الشيء:
اقْتَلَعه ثمَّ رَمَى به. وفي النهاية: ما لم تَجْتَفِئوا بَقْلاً وتَرْمُوا به، مِنْ جَفَأَتِ القِدْرُ إِذا رمت بما يجتمع على رأْسِها من الزَّبد والوَسَخِ. وقيل: جَفَأَ النبتَ واجْتَفأَه: جَزَّه، عن ابن الاعرابي.
محق: المَحْق: النقصان وذهاب البركة. وشيء ماحِقٌ: ذاهب. وقد مَحَق
وامَّحَق وامْتَحَقَ ومَحَقهُ وأَمْحقه: لغة وأَباها الأَصمعي. قال الأزهري:
تقول مَحَقهُ الله فامَّحَقَ وامْتَحَقَ أَي ذهب خيره وبركته؛ وأَنشد
لرؤبة:
بِلالُ، يا ابن الأَنْجُمِ الأَطْلاقِ،
لسْنَ بنَحْساتٍ ولا أَمْحاقِ
قال أَبو زيد: مَحقَه الله وأَمْحقه، وأَبي الأصمعي إلاَّ مَحَقه.
وتَمَحَّقَ الشيء وامتَحَقَ. وشيءٌ مَحِيق: ممحوق؛ قال المفضل التكري يصف
رُمْحاً عليه سنان من حديد أَو قرن:
يُقَلِّبُ صَعْدَةً جَرداءَ فيها
نَقِيعُ السَّمِّ، أَو قَرْنٌ مَحِيقُ
ونصل مَحِيق أَي مُرَقَّق محدَّد، وهو فعِيل من مَحَقَه. وقرن مَحِيق
إذا دُلك فذهب حدّه ومَلُس، ومن المَحْق الخفي أَن تلد الإبل الذكور ولا
تلد الإناث لأَن فيه انقطاع النسل وذهاب اللبن، ومن المَحْق الخفيّ النخل
المُتقارَب. ابن سيده: المَحْق النخل المُقَارَب بينه في الغرس؛ وكل شيءٍ
أبطلته حتى لا يبقى منه شيء، فقد مَحَقْتهُ. وقد امَّحق أَي بطل، مَحَقه
يَمْحَقه مَحقْاً أي أبطله ومحاه. قال الله تعالى: يَمْحَقَ الله الرِّبا
ويُرْبي الصدقات، أي يستأْصل الله الربا فيُذْهب رَيعْه وبركته. ابن
الأَعرابي: المَحْق أَن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه شيء. الجوهري:
مَحَقهُ الله أَي أَذهب بركته، وأَمْحَقه لغة فيه رديئة. وفي حديث البيع:
الحَلِفُ مَنْفَقَة للسلْعة مَمْحَقَة للبركة. وفي حديث آخر: فإنه يَنْفَقُ ثم
يَمْحَقُ؛ المَحْقُ: النقص والمحو والإبطال، وقد مَحَقهُ يَمْحَقهُ،
ومَمْحَقَةٌ مَفْعلة منه أَي مَظنة له ومحراة به. ومنه الحديث: ما مَحَقَ
الإسلام شيء ما مَحَقَ الشُّحُّ، وقد تكرر في الحديث.
ابن سيده: المِحَاق والمُحاقُ آخر الشهر إذا امَّحق الهلال فلم يُرَ؛
قال:
أتَوْني بها قبل المُحاق بليلةٍ،
فكان مُحاقاً كله ذلك الشَّهْرُ
وأَنشد الأزهري:
يَزْدَادُ، حتى إذا ما تَمَّ أَعْقَبٍَهُ
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ منه، ثم يَمَّحِقُ
وقال ابن الأعرابي: سُمَّي المُحاق مُحاقاً لأَنه طلع مع الشمس
فَمَحَقَتْه فلم يرهُ أَحد، قال: والمُحاقُ أَيضاً أَن يسْتسرّ القمر ليلتين فلا
يُرى غُدْوة ولا عشية، ويقال لثلاث ليالٍ من الشهر ثلاثٌ مُحاق.
وامْتِحاق القمر: احتراقه وهو أَن يطلع قبل طلوع الشمس فلا يُرَى، يفعل ذلك
ليلتين من آخر الشهر. الأزهري: اختلف أَهل العربية في الليالي المِحاقِ، فمنهم
من جعلها الثلاث التي هي آخر الشهر وفيها السِّرارُ، وإلى هذا ذهب أَبو
عبيد وابن الأَعرابي، ومنهم من جعلها ليلة خمسٍ وستٍّ وسبعٍ وعشرين لأن
القمر يطلع، وهذا قول الأَصمعي وابن شميل، وإليه ذهب أَبو الهيثم والمبرد
والرياشي؛ قال الأزهري: وهو أَصح القولين عندي، قال: ويقال مُحَاق القمر
ومِحَاقه ومَحاقه. ومَحَّق فلان بفلان تَمْحِيقاً: وذلك أَن العرب في
الجاهلية إذا كان يومُ المِحَاقِ من الشهر بَدَرَ الرجل إلى ماءِ الرجل إذا
غاب عنه فينزل عليه ويسقي به مالَه، فلا يزال قَيِّمَ الماء ذلك الشهر
ورَبَّه حتى ينسلخ، فإذا انسلخ كان رَبّه الأَول أَحق به، وكانت العرب تدعو
ذلك المَحِيق. أَبو عمرو: الإمْحَاق أَن يهلك المال أَول الشيء كمِحاق
الهلال. ومُحِقَ الرجل وامَّحق: قارب الموت، من ذلك؛ قال سَبْرة بن عمرو
الأسدي يهجو خالد بن قيس:
أَبوك الذي يَكوْي أُنوف عُنُوقِهِ
بأَظفاره، حتى أَنَسَّ وأَمْحَقَا
أَنَسَّ الشيءُ: بلغ غاية الجهد، وهو نسيسه أَي بقية نفسه. وماحِقُ
الصَّيْف: شدته. ومحَقَهُ الحرُّ أَي أَحرقه. ويقال: جاءَ في ماحِقِ الصيف
أَي في شدة حَرِّة. ويوم ماحِقٌ بيِّن المَحْق: شديد الحر أَي أَنه يَمْحَق
كل شيء ويحرقه؛ قال ساعدة الهذلي يصف الحمر:
ظَلَّتْ صَوَافِنَ بالأَرْزان صاديةً،
في ماحِقٍ، من نهار الصَّيْف، مُحْتَدمِ
نفس: النَّفْس: الرُّوحُ، قال ابن سيده: وبينهما فرق ليس من غرض هذا
الكتاب، قال أَبو إِسحق: النَّفْس في كلام العرب يجري على ضربين: أَحدهما
قولك خَرَجَتْ نَفْس فلان أَي رُوحُه، وفي نفس فلان أَن يفعل كذا وكذا أَي
في رُوعِه، والضَّرْب الآخر مَعْنى النَّفْس فيه مَعْنى جُمْلَةِ الشيء
وحقيقته، تقول: قتَل فلانٌ نَفْسَه وأَهلك نفسه أَي أَوْقَتَ الإِهْلاك
بذاته كلِّها وحقيقتِه، والجمع من كل ذلك أَنْفُس ونُفُوس؛ قال أَبو خراش
في معنى النَّفْس الروح:
نَجَا سالِمٌ والنَّفْس مِنْه بِشِدقِهِ،
ولم يَنْجُ إِلا جَفْنَ سَيفٍ ومِئْزَرَا
قال ابن بري: الشعر لحذيفة بن أَنس الهذلي وليس لأَبي خراش كما زعم
الجوهري، وقوله نَجَا سَالِمٌ ولم يَنْجُ كقولهم أَفْلَتَ فلانٌ ولم يُفْلِتْ
إِذا لم تعدّ سلامتُه سلامةً، والمعنى فيه لم يَنْجُ سالِمٌ إِلا بجفن
سيفِه ومئزرِه وانتصاب الجفن على الاستثناء المنقطع أَي لم ينج سالم إِلا
جَفْنَ سيف، وجفن السيف منقطع منه، والنفس ههنا الروح كما ذكر؛ ومنه
قولهم: فَاظَتْ نَفْسُه؛ وقال الشاعر:
كادَت النَّفْس أَنْ تَفِيظَ عَلَيْهِ،
إِذْ ثَوَى حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرُودِ
قال ابن خالويه: النَّفْس الرُّوحُ، والنَّفْس ما يكون به التمييز،
والنَّفْس الدم، والنَّفْس الأَخ، والنَّفْس بمعنى عِنْد، والنَّفْس قَدْرُ
دَبْغة. قال ابن بري: أَما النَّفْس الرُّوحُ والنَّفْسُ ما يكون به
التمييز فَشاهِدُهُما قوله سبحانه: اللَّه يَتَوفَّى الأَنفُس حين مَوتِها،
فالنَّفْس الأُولى هي التي تزول بزوال الحياة، والنَّفْس الثانية التي تزول
بزوال العقل؛ وأَما النَّفْس الدم فشاهده قول السموأَل:
تَسِيلُ على حَدِّ الظُّبَّاتِ نُفُوسُنَا،
ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وإِنما سمي الدم نَفْساً لأَن النَّفْس تخرج بخروجه، وأَما النَّفْس
بمعنى الأَخ فشاهده قوله سبحانه: فإِذا دخلتم بُيُوتاً فسلموا على
أَنْفُسِكم، وأَما التي بمعنى عِنْد فشاهده قوله تعالى حكاية عن عيسى، على نبينا
محمد وعليه الصلاة والسلام: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛ أَي
تعلم ما عندي ولا أَعلم ما عندك، والأَجود في ذلك قول ابن الأَنباري: إِن
النَّفْس هنا الغَيْبُ، أَي تعلم غيبي لأَن النَّفْس لما كانت غائبة
أُوقِعَتْ على الغَيْبِ، ويشهد بصحة قوله في آخر الآية قوله: إِنك أَنت
عَلاَّمُ الغُيُوب، كأَنه قال: تعلم غَّيْبي يا عَلاَّم الغُيُوبِ. والعرب قد
تجعل النَّفْس التي يكون بها التمييز نَفْسَيْن، وذلك أَن النَّفْس قد
تأْمره بالشيء وتنهى عنه، وذلك عند الإِقدام على أَمر مكروه، فجعلوا التي
تأْمره نَفْساً وجعلوا التي تنهاه كأَنها نفس أُخرى؛ وعلى ذلك قول
الشاعر:يؤَامِرُ نَفْسَيْهِ، وفي العَيْشِ فُسْحَةٌ،
أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبَانَ أَمْ لا يَطُورُها؟
وأَنشد الطوسي:
لمْ تَدْرِ ما لا؛ ولَسْتَ قائِلَها،
عُمْرَك ما عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
وَلمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرياً
فِيهَا وفي أُخْتِها، ولم تَكَدِ
وقال آخر:
فَنَفْسَايَ نَفسٌ قالت: ائْتِ ابنَ بَحْدَلٍ،
تَجِدْ فَرَجاً مِنْ كلِّ غُمَّى تَهابُها
ونَفْسٌ تقول: اجْهَدْ نجاءك، لا تَكُنْ
كَخَاضِبَةٍ لم يُغْنِ عَنْها خِضَابُهَا
والنَّفْسُ يعبَّر بها عن الإِنسان جميعه كقولهم: عندي ثلاثة أَنْفُسٍ.
وكقوله تعالى: أَن تقول نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جنب
اللَّه؛ قال ابن سيده: وقوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛
أَي تعلم ما أَضْمِرُ ولا أَعلم ما في نفسك أَي لا أَعلم ما حقِيقَتُك ولا
ما عِنْدَكَ عِلمُه، فالتأَويل تعلَمُ ما أَعلَمُ ولا أَعلَمُ ما
تعلَمُ. وقوله تعالى: ويحذِّرُكم اللَّه نَفْسَه؛ أَي يحذركم إِياه، وقوله
تعالى: اللَّه يتوفى الأَنفس حين موتها؛ روي عن ابن عباس أَنه قال: لكل
إسنسان نَفْسان: إِحداهما نفس العَقْل الذي يكون به التمييز، والأُخرى نَفْس
الرُّوح الذي به الحياة. وقال أَبو بكر بن الأَنباري: من اللغويين من
سَوَّى النَّفْس والرُّوح وقال هما شيء واحد إِلا أَن النَّفْس مؤنثة
والرُّوح مذكر، قال: وقال غيره الروح هو الذي به الحياة، والنفس هي التي بها
العقل، فإِذا نام النائم قبض اللَّه نَفْسه ولم يقبض رُوحه، ولا يقبض الروح
إِلا عند الموت، قال: وسميت النَّفْسُ نَفْساً لتولّد النَّفَسِ منها
واتصاله بها، كما سَّموا الرُّوح رُوحاً لأَن الرَّوْحَ موجود به، وقال
الزجاج: لكل إِنسان نَفْسان: إِحداهما نَفْس التمييز وهي التي تفارقه إِذا
نام فلا يعقل بها يتوفاها اللَّه كما قال اللَّه تعالى، والأُخرى نفس
الحياة وإِذا زالت زال معها النَّفَسُ، والنائم يَتَنَفَّسُ، قال: وهذا الفرق
بين تَوَفِّي نَفْس النائم في النوم وتَوفِّي نَفْس الحيّ؛ قال: ونفس
الحياة هي الرُّوح وحركة الإِنسان ونُمُوُّه يكون به، والنَّفْس الدمُ؛ وفي
الحديث: ما لَيْسَ له نَفْس سائلة فإِنه لا يُنَجِّس الماء إِذا مات
فيه، وروي عن النخعي أَنه قال: كلُّ شيء له نَفْس سائلة فمات في الإِناء
فإِنه يُنَجِّسه، أَراد كل شيء له دم سائل، وفي النهاية عنه: كل شيء ليست له
نَفْس سائلة فإِنه لا يُنَجِّس الماء إِذا سقط فيه أَي دم سائل.
والنَّفْس: الجَسَد؛ قال أَوس بن حجر يُحَرِّض عمرو بن هند على بني حنيفة وهم
قتَلَة أَبيه المنذر بن ماء السماء يوم عَيْنِ أَباغٍ ويزعم أَن عَمْرو ابن
شمر
(* قوله «عمرو بن شمر» كذا بالأصل وانظره مع البيت الثاني فإنه يقتضي
العكس.) الحنفي قتله:
نُبِّئْتُ أَن بني سُحَيْمٍ أَدْخَلوا
أَبْياتَهُمْ تامُورَ نَفْس المُنْذِر
فَلَبئسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمرو رَهطَهُ
شمرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وبِمَنْظَرِ
والتامُورُ: الدم، أَي حملوا دمه إِلى أَبياتهم ويروى بدل رهطه قومه
ونفسه. اللحياني: العرب تقول رأَيت نَفْساً واحدةً فتؤنث وكذلك رأَيت
نَفْسَين فإِذا قالوا رأَيت ثلاثة أَنفُس وأَربعة أَنْفُس ذَكَّرُوا، وكذلك
جميع العدد، قال: وقد يجوز التذكير في الواحد والاثنين والتأْنيث في الجمع،
قال: حكي جميع ذلك عن الكسائي، وقال سيبويه: وقالوا ثلاثة أَنْفُس
يُذكِّرونه لأَن النَّفْس عندهم إنسان فهم يريدون به الإِمنسان، أَلا ترى أَنهم
يقولون نَفْس واحد فلا يدخلون الهاء؟ قال: وزعم يونس عن رؤبة أَنه قال
ثلاث أَنْفُس على تأْنيث النَّفْس كما تقول ثلاث أَعْيُنٍ للعين من الناس،
وكما قالوا ثلاث أَشْخُصٍ في النساء؛ وقال الحطيئة:
ثلاثَةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ،
لقد جار الزَّمانُ على عِيالي
وقوله تعالى: الذي خلقكم من نَفْس واحدة؛ يعي آدم، عليه السلام، وزوجَها
يعني حواء. ويقال: ما رأَيت ثمَّ نَفْساً أَي ما رأَيت أَحداً. وقوله في
الحديث: بُعِثْتُ في نَفَس الساعة أَي بُعِثْتُ وقد حان قيامُها وقَرُبَ
إِلا أَن اللَّه أَخرها قليلاً فبعثني في ذلك النَّفَس، وأَطلق النَّفَس
على القرب، وقيل: معناه أَنه جعل للساعة نَفَساً كَنَفَس الإِنسان،
أَراد: إِني بعثت في وقت قريب منها، أَحُس فيه بنَفَسِها كما يَحُس بنَفَس
الإِنسان إِذا قرب منه، يعني بعثت في وقتٍ بانَتْ أَشراطُها فيه وظهرت
علاماتها؛ ويروى: في نَسَمِ الساعة، وسيأْتي ذكره والمُتَنَفِّس: ذو
النَّفَس. ونَفْس الشيء: ذاته؛ ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم نزلت بنَفْس الجيل،
ونَفْسُ الجبل مُقابِلي، ونَفْس الشيء عَيْنه يؤكد به. يقال: رأَيت
فلاناً نَفْسه، وجائني بَنَفْسِه، ورجل ذو نَفس أَي خُلُق وجَلَدٍ، وثوب ذو
نَفس أَي أَكْلٍ وقوَّة. والنَّفْس: العَيْن. والنَّافِس: العائن.
والمَنْفوس: المَعْيون. والنَّفُوس: العَيُون الحَسُود المتعين لأَموال الناس
ليُصيبَها، وما أَنْفَسه أَي ما أَشدَّ عينه؛ هذه عن اللحياني.ويقال: أَصابت
فلاناً نَفْس، ونَفَسْتُك بنَفْس إِذا أَصَبْتَه بعين. وفي الحديث: نهى
عن الرُّقْيَة إِلا في النَّمْلة والحُمَة والنَّفْس؛ النَّفْس: العين،
هو حديث مرفوع إِلى النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، عن أَنس. ومنه الحديث:
أَنه مسح بطنَ رافع فأَلقى شحمة خَضْراء فقال: إِنه كان فيها أَنْفُس
سَبْعَة، يريد عيونهم؛ ومنه حديث ابن عباس: الكِلابُ من الجِنِّ فإِن
غَشِيَتْكُم عند طعامكم فأَلقوا لهن فإِن لهن أَنْفُساً أَي أَعْيناً. ويقالُ:
نَفِس عليك فلانٌ يَنْفُسُ نَفَساً ونَفاسَةً أَي حَسَدك. ابن الأَعرابي:
النَّفْس العَظَمَةُ والكِبر والنَّفْس العِزَّة والنَّفْس الهِمَّة
والنَّفْس عين الشيء وكُنْهُه وجَوْهَره، والنَّفْس الأَنَفَة والنَّفْس
العين التي تصيب المَعِين.
والنَّفَس: الفَرَج من الكرب. وفي الحديث: لا تسبُّوا الريح فإِنها من
نَفَس الرحمن، يريد أَنه بها يُفرِّج الكربَ ويُنشِئ السحابَ ويَنشر
الغيث ويُذْهب الجدبَ، وقيل: معناه أَي مما يوسع بها على الناس، وفي الحديث:
أَنه، صلى اللَّه عليه وسلم، قال: أَجد نَفَس ربكم من قِبَلِ اليمن، وفي
رواية: أَجد نَفَس الرحمن؛ يقال إِنه عنى بذلك الأَنصار لأَن اللَّه عز
وجل نَفَّس الكربَ عن المؤمنين بهم، وهم يَمانُونَ لأَنهم من الأَزد،
ونَصَرهم بهم وأَيدهم برجالهم، وهو مستعار من نَفَس الهواء الذي يَرُده
التَّنَفُّس إِلى الجوف فيبرد من حرارته ويُعَدِّلُها، أَو من نَفَس الريح
الذي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوِح إِليه، أَو من نفَس الروضة وهو طِيب روائحها
فينفرج به عنه، وقيل: النَّفَس في هذين الحديثين اسم وضع موضع المصدر
الحقيقي من نَفّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيساً ونَفَساً،كما يقال فَرَّجَ
يُفَرِّجُ تَفْريجاً وفَرَجاً، كأَنه قال: اَجد تَنْفِيسَ ربِّكم من قِبَلِ
اليمن، وإِن الريح من تَنْفيس الرحمن بها عن المكروبين، والتَّفْريج مصدر
حقيقي، والفَرَج اسم يوضع موضع المصدر؛ وكذلك قوله: الريح من نَفَس الرحمن
أَي من تنفيس اللَّه بها عن المكروبين وتفريجه عن الملهوفين. قال العتبي:
هجمت على واد خصيب وأَهله مُصْفرَّة أَلوانهم فسأَلتهم عن ذلك فقال شيخ
منهم: ليس لنا ريح. والنَّفَس: خروج الريح من الأَنف والفم، والجمع
أَنْفاس. وكل تَرَوُّح بين شربتين نَفَس.
والتَنَفُّس: استمداد النَفَس، وقد تَنَفَّس الرجلُ وتَنَفَّس
الصُّعَداء، وكلّ ذي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ، ودواب الماء لا رِئاتَ لها. والنَّفَس
أَيضاً: الجُرْعَة؛ يقال: أَكْرَع في الإِناء نَفَساً أَو نَفَسَين أَي
جُرْعة أَو جُرْعَتين ولا تزد عليه، والجمع أَنفاس مثل سبب وأَسباب؛ قال
جرجر:
تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها
بأَنْفاسٍ من الشَّبِمِ القَراحِ
وفي الحديث: نهى عن التَّنَفُّسِ في الإِناء. وفي حديث آخر: أَنه كان
يَتَنفّسُ في الإِناء ثلاثاً يعني في الشرب؛ قال الأَزهري: قال بعضهم
الحديثان صحيحان. والتَنَفُّس له معنيان: أَحدهما أَن يشرب وهو يَتَنَفَّسُ في
الإِناء من غير أَن يُبِينَه عن فيه وهو مكروه، والنَّفَس الآخر أَن
يشرب الماء وغيره من الإِناء بثلاثة أَنْفاسٍ يُبينُ فاه عن الإِناء في كل
نَفَسٍ. ويقال: شراب غير ذي نَفَسٍ إِذا كان كَرِيه الطعم آجِناً إِذا
ذاقه ذائق لم يَتَنَفَّس فيه، وإِنما هي الشربة الأُولى قدر ما يمسك رَمَقَه
ثم لا يعود له؛ وقال أَبو وجزة السعدي:
وشَرْبَة من شَرابٍ غَيْرِ ذي نََفَسٍ،
في صَرَّةٍ من نُجُوم القَيْظِ وهَّاجِ
ابن الأَعرابي: شراب ذو نَفَسٍ أَي فيه سَعَةٌ وريٌّ؛ قال محمد بن
المكرم: قوله النَّفَس الجُرْعة، وأَكْرَعْ في الإِناء نَفَساً أَو نَفَسين
أَي جُرْعة أَو جُرْعتين ولا تزد عليه، فيه نظر، وذلك أَن النّفَس الواحد
يَجْرع الإِنسانُ فيه عِدَّة جُرَع، يزيد وينقص على مقدار طول نَفَس
الشارب وقصره حتى إِنا نرى الإِنسان يشرب الإِناء الكبير في نَفَس واحد علة
عدة جُرَع. ويقال: فلان شرب الإِناء كله على نَفَس واحد، واللَّه أَعلم.
ويقال: اللهم نَفِّس عني أَي فَرِّج عني ووسِّع عليَّ، ونَفَّسْتُ عنه
تَنْفِيساً أَي رَفَّهْتُ. يقال: نَفَّس اللَّه عنه كُرْبته أَي فرَّجها.
وفي الحديث: من نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة نَفَّسَ اللَّه عنه كرْبة من
كُرَب الآخرة، معناه من فَرَّجَ عن مؤمن كُربة في الدنيا فرج اللَّه عنه
كُرْبة من كُرَب يوم القيامة. ويقال: أَنت في نَفَس من أَمرك أَي سَعَة،
واعمل وأَنت في نَفَس من أَمرك أَي فُسحة وسَعة قبل الهَرَم والأَمراض
والحوادث والآفات. والنَّفَس: مثل النَّسيم، والجمع أَنْفاس.
ودارُك أَنْفَسُ من داري أَي أَوسع. وهذا الثوب أَنْفَسُ من هذا أَي
أَعرض وأَطول وأَمثل. وهذا المكان أَنْفَسُ من هذا أَي أَبعد وأَوسع. وفي
الحديث: ثم يمشي أَنْفَسَ منه أَي أَفسح وأَبعد قليلاً. ويقال: هذا المنزل
أَنْفَس المنزلين أَي أَبعدهما، وهذا الثوب أَنْفَس الثوبين أَي أَطولهما
أَو أَعرضهما أَو أَمثلهما.
ونَفَّس اللَّه عنك أَي فرَّج ووسع. وفي الحديث: من نَفَّس عن غريمه أَي
أَخَّر مطالبته. وفي حديث عمار: لقد أَبْلَغْتَ وأَوجَزْتَ فلو كنت
تَنَفَّسْتَ أَي أَطلتَ؛ وأَصله أَن المتكلم إِذا تَنَفَّسَ استأْنف القول
وسهلت عليه الإِطالة. وتَنَفَّسَتْ دَجْلَةُ إِذا زاد ماؤها. وقال
اللحياني: إِن في الماء نَفَساً لي ولك أَي مُتَّسَعاً وفضلاً، وقال ابن
الأَعرابي: أَي رِيّاً؛ وأَنشد:
وشَربة من شَرابٍ غيرِ ذِي نَفَسٍ،
في كَوْكَبٍ من نجوم القَيْظِ وضَّاحِ
أَي في وقت كوكب. وزدني نَفَساً في أَجلي أَي طولَ الأَجل؛ عن اللحياني.
ويقال: بين الفريقين نَفَس أَي مُتَّسع. ويقال: لك في هذا الأَمر
نُفْسَةٌ أَي مُهْلَةٌ. وتَنَفَّسَ الصبحُ أَي تَبَلَّج وامتدَّ حتى يصير
نهاراً بيّناً. وتَنَفَّس النهار وغيره: امتدَّ وطال. ويقال للنهار إِذا زاد:
تَنَفَّسَ، وكذلك الموج إِذا نَضحَ الماءَ. وقال اللحياني: تَنَفَّس
النهار انتصف، وتنَفَّس الماء. وقال اللحياني: تَنَفَّس النهار انتصف،
وتنَفَّس أَيضاً بَعُدَ، وتنَفَّس العُمْرُ منه إِما تراخى وتباعد وإِما اتسع؛
أَنشد ثعلب:
ومُحْسِبة قد أَخْطأَ الحَقُّ غيرَها،
تَنَفَّسَ عنها جَنْبُها فهي كالشِّوا
وقال الفراء في قوله تعالى: والصبح إِذا تَنَفَّسَ، قال: إِذا ارتفع
النهار حتى يصير نهاراً بيّناً فهو تَنَفُّسُ الصبح. وقال مجاهد: إِذا
تَنَفَّس إِذا طلع، وقال الأَخفش: إِذا أَضاء، وقال غيره: إِذا تنَفَّس إِذا
انْشَقَّ الفجر وانْفَلق حتى يتبين منه. ويقال: كتبت كتاباً نَفَساً أَي
طويلاً؛ وقول الشاعر:
عَيْنَيَّ جُودا عَبْرَةً أَنْفاسا
أَي ساعة بعد ساعة. ونَفَسُ الساعة: آخر الزمان؛ عن كراع.
وشيء نَفِيسٌ أَي يُتَنافَس فيه ويُرْغب. ونَفْسَ الشيء، بالضم،
نَفاسَةً، فهو نَفِيسٌ ونافِسٌ: رَفُعَ وصار مرغوباً فيه، وكذلك رجل نافِسٌ
ونَفِيسٌ، والجمع نِفاسٌ. وأَنْفَسَ الشيءُ: صار نَفيساً. وهذا أَنْفَسُ مالي
أَي أَحَبُّه وأَكرمه عندي. وقال اللحياني: النَّفِيسُ والمُنْفِسُ
المال الذي له قدر وخَطَر، ثم عَمَّ فقال: كل شيء له خَطَرٌ وقدر فهو نَفِيسٌ
ومُنْفِس؛ قال النمر بن تولب:
لا تَجْزَعي إِنْ مُنْفِساً أَهْلَكْتُه،
فإِذا هَلَكْتُ، فعند ذلك فاجْزَعي
وقد أَنْفَسَ المالُ إِنْفاساً ونَفُس نُفُوساً ونَفاسَةً. ويقال: إِن
الذي ذكَرْتَ لمَنْفُوس فيه أَي مرغوب فيه. وأَنْفَسَني فيه ونَفَّسَني:
رغَّبني فيه؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
بأَحْسَنَ منه يومَ أَصْبَحَ غادِياً،
ونفَّسَني فيه الحِمامُ المُعَجَّلُ
أَي رغَّبني فيه. وأَمر مَنْفُوس فيه: مرغوب. ونَفِسْتُ عليه الشيءَ
أَنْفَسُه نَفاسَةً إِذا ضَنِنْتَ به ولم تحب أَن يصل إِليه. ونَفِسَ عليه
بالشيء نَفَساً، بتحريك الفاء، ونَفاسَةً ونَفاسِيَةً، الأَخيرة نادرة:
ضَنَّ. ومال نَفِيس: مَضْمون به. ونَفِسَ عليه بالشيء، بالكسر: ضَنَّ به
ولم يره يَسْتأْهله؛ وكذلك نَفِسَه عليه ونافَسَه فيه؛ وأَما قول
الشاعر:وإِنَّ قُرَيْشاً مُهْلكٌ مَنْ أَطاعَها،
تُنافِسُ دُنْيا قد أَحَمَّ انْصِرامُها
فإِما أَن يكون أَراد تُنافِسُ في دُنْيا، وإِما أَن يريد تُنافِسُ
أَهلَ دُنْيا. ونَفِسْتَ عليَّ بخيرٍ قليل أَي حسدت.
وتَنافَسْنا ذلك الأَمر وتَنافَسْنا فيه: تحاسدنا وتسابقنا. وفي التنزيل
العزيز: وفي ذلك فَلْيَتَنافَس المُتَنافِسون أَي وفي ذلك فَلْيَتَراغَب
المتَراغبون. وفي حديث المغيرة: سَقِيم النِّفاسِ أَي أَسْقَمَتْه
المُنافَسة والمغالبة على الشيء. وفي حديث إِسمعيل، عليه السلام: أَنه
تَعَلَّم العربيةَ وأَنْفَسَهُمْ أَي أَعجبهم وصار عندهم نَفِيساً. ونافَسْتُ في
الشيء مُنافَسَة ونِفاساً إِذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم.
وتَنافَسُوا فيه أَي رغبوا. وفي الحديث: أَخشى أَن تُبْسط الدنيا عليكم كما
بُسِطَتْ على من كان قبلكم فتَنافَسوها كما تَنافَسُوها؛ هو من
المُنافَسَة الرغبة في الشيء والانفرادية، وهو من الشيء النَّفِيسِ الجيد في
نوعه.ونَفِسْتُ بالشيء، بالكسر، أَي بخلت. وفي حديث علي، كرم اللَّه وجهه:
لقد نِلْتَ صِهْرَ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، فما نَفِسْناه عليك.
وحديث السقيفة: لم نَنْفَسْ عليك أَي لم نبخل.
والنِّفاسُ: ولادة المرأَة إِذا وضَعَتْ، فهي نُفَساءٌ. والنَّفْسُ:
الدم. ونُفِسَت المرأَة ونَفِسَتْ، بالكسر، نَفَساً ونَفاسَةً ونِفاساً وهي
نُفَساءُ ونَفْساءُ ونَفَساءُ: ولدت. وقال ثعلب: النُّفَساءُ الوالدة
والحامل والحائض، والجمع من كل ذلك نُفَساوات ونِفاس ونُفاس ونُفَّس؛ عن
اللحياني، ونُفُس ونُفَّاس؛ قال الجوهري: وليس في الكلام فُعَلاءُ يجمع على
فعالٍ غير نُفَسَاء وعُشَراءَ، ويجمع أَيضاً على نُفَساوات وعُشَراوات؛
وامرأَتان نُفساوان، أَبدلوا من همزة التأْنيث واواً. وفي الحديث: أَن
أَسماء بنت عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بمحمد بن أَبي بكر أَي وضَعَت؛ ومنه الحديث:
فلما تَعَلَّتْ من نِفاسها أَي خرجت من أَيام ولادتها. وحكى ثعلب:
نُفِسَتْ ولداً على فعل المفعول. وورِثَ فلان هذا المالَ في بطن أُمه قبل أَن
يُنْفَس أَي يولد. الجوهري: وقولهم ورث فلان هذا المال قبل أَن يُنْفَسَ
فلان أَي قبل أَن يولد؛ قال أَوس بن حجر يصف محاربة قومه لبني عامر بن
صعصعة:
وإِنَّا وإِخْواننا عامِراً
على مِثلِ ما بَيْنَنا نَأْتَمِرْ
لَنا صَرْخَةٌ ثم إِسْكاتَةٌ،
كما طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ
أَي بولد. وقوله لنا صرخة أَي اهتياجة يتبعها سكون كما يكون للنُّفَساء
إِذا طَرَّقَتْ بولدها، والتَطْريقُ أَن يعسر خروج الولد فَتَصْرُخ لذلك،
ثم تسكن حركة المولود فتسكن هي أَيضاً، وخص تطريق البِكر لأَن ولادة
البكر أَشد من ولادة الثيب. وقوله على مثل ما بيننا نأْتمر أَي نمتثل ما
تأْمرنا به أَنْفسنا من الإِيقاع بهم والفتك فيهم على ما بيننا وبينهم من
قرابة؛ وقولُ امرئ القيس:
ويَعْدُو على المَرْء ما يَأْتَمِرْ
أَي قد يعدو عليه امتثاله ما أَمرته به نفسه وربما كان داعَية للهلاك.
والمَنْفُوس: المولود. وفي الحديث: ما من نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا وقد
كُتِبَ مكانها من الجنة والنار، وفي رواية: إِلا :كُتِبَ رزقُها وأَجلها؛
مَنْفُوسَةٍ أَي مولودة. قال: يقال نَفِسَتْ ونُفِسَتْ، فأَما الحيض فلا
يقال فيه إِلا نَفِسَتْ، بالفتح. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَنه
أَجْبَرَ بني عَمٍّ على مَنْفُوسٍ أَي أَلزمهم إِرضاعَه وتربيتَه. وفي حديث
أَبي هريرة: أَنه صَلَّى على مَنْفُوسٍ أَي طِفْلٍ حين ولد، والمراد أَنه
صلى عليه ولم يَعمل ذنباً. وفي حديث ابن المسيب: لا يرثُ المَنْفُوس حتى
يَسْتَهِلَّ صارخاً أَي حتى يسمَع له صوت.
وقالت أُم سلمة: كنت مع النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، في الفراش
فَحِضْتُ فخَرَجْتُ وشددت عليَّ ثيابي ثم رجعت، فقال: أَنَفِسْتِ؟ أَراد:
أَحضتِ؟ يقال: نَفِسَت المرأَة تَنْفَسُ، بالفتح، إِذا حاضت.
ويقال: لفلان مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ أَي مال كثير. يقال: ما سرَّني بهذا
الأَمر مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ.
وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: كنا عنده فَتَنَفَّسَ رجلٌ أَي خرج من
تحته ريح؛ شَبَّهَ خروج الريح من الدبر بخروج النَّفَسِ من الفم.
وتَنَفَّسَت القوس: تصدَّعت، ونَفَّسَها هو: صدَّعها؛ عن كراع، وإِنما يَتَنَفَّس
منها العِيدانُ التي لم تفلق وهو خير القِسِيِّ، وأَما الفِلْقَة فلا
تَنَفَّسُ. ابن شميل: يقال نَفَّسَ فلان قوسه إِذا حَطَّ وترها، وتَنَفَّس
القِدْح والقوس كذلك. قال ابن سيده: وأَرى اللحياني قال: إِن النَّفْس
الشق في القوس والقِدح وما أَشْبهها، قال: ولست منه على ثقة. والنَّفْسُ من
الدباغ: قدرُ دَبْغَةٍ أَو دَبْغتين مما يدبغ به الأَديم من القرظ وغيره.
يقال: هب لي نَفْساً من دباغ؛ قال الشاعر:
أَتَجْعَلُ النَّفْسَ التي تُدِيرُ
في جِلْدِ شاةٍ ثم لا تَسِيرُ؟
قال الأَصمعي: بعثت امرأَة من العرب بُنَيَّةً لها إِلى جارتها فقالت:
تقول لكِ أُمي أَعطيني نَفْساً أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بها مَنِيئَتي
فإِني أَفِدَةٌ أَي مستعجلة لا أَتفرغ لاتخاذ الدباغ من السرعة، أَرادت قدر
دبغة أَو دبغتين من القَرَظ الذي يدبغ به. المَنِيئَةُ: المَدْبَغة وهي
الجلود التي تجعل في الدِّباغ، وقيل: النَّفْس من الدباغ مِلءُ الكفِّ،
والجمع أَنْفُسٌ؛ أَنشد ثعلب:
وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ به،
على الماء، إِحْدَى اليَعْمُلاتِ العَرَامِس
يعني الوَطْبَ من اللبن الذي دُبِغَ بهذا القَدْر من الدّباغ.
والنَّافِسُ: الخامس من قِداح المَيْسِر؛ قال اللحياني: وفيه خمسة فروض
وله غُنْمُ خمسة أَنْصباءَ إِن فاز، وعليه غُرْمُ خمسة أَنْصِباءَ إِن لم
يفز، ويقال هو الرابع.