Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=87685#ad5808
(أنصحــه) أرواه
نصح: نَصَحَ الشيءُ: خَلَصَ. والناصحُ: الخالص من العسل وغيره. وكل شيءٍ
خَلَصَ، فقد نَصَحَ؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ الهذلي يصف رجلاً مزج
عسلاً صافياً بماءٍ حتى تفرق فيه:
فأَزالَ مُفْرِطَها بأَبيضَ ناصِحٍ،
من ماءِ أَلْهابٍ، بهنَّ التَّأْلَبُ
وقال أَبو عمرو: الناصح الناصع في بيت ساعدة، قال: وقال النضر أَراد
أَنه فرّق به خالصها ورديئها بأَبيض مُفْرِطٍ أَي بماء غدير مملوء.
والنُّصْح: نقيض الغِشّ مشتق منه نَصَحه وله نُصْحاً ونَصِيحة ونَصاحة
ونِصاحة ونَصاحِيةً ونَصْحاً، وهو باللام أَفصح؛ قال الله تعالى:
وأَنْصَحُ لكم.ويقال: نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصوحاً أَي أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ،
والاسم النصيحة.
والنصيحُ: الناصح، وقوم نُصَحاء؛ وقال النابغة الذبياني:
نَصَحْتُ بني عَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلوا
رَسُولي، ولم تَنْجَحْ لديهم وَسائِلي
ويقال: انْتَصَحْتُ فلاناً وهو ضدّ اغْتَشَشْتُه؛ ومنه قوله:
أَلا رُبَّ من تَغْتَشُّه لك ناصِحٌ،
ومُنْتَصِحٍ بادٍ عليك غَوائِلُهْ
تَغْتَشُّه: تَعْتَدُّه غاشّاً لك. وتَنْتَصِحُه: تَعْتَدُّه ناصحاً لك.
قال الجوهري: وانْتَصَحَ فلان أَي قبل النصيحة. يقال: انْتَصِحْني إِنني
لك ناصح؛ وأَنشده ابن بري:
تقولُ انْتَصِحْنُ إِنني لك ناصِحٌ،
وما أَنا، إِن خَبَّرْتُها، بأَمِينِ
قال ابن بري: هذا وَهَمٌ منه لأَن انتصح بمعنى قبل النصيحة لا يتعدَّى
لأَنه مطاوع نصحته فانتصح، كما تقول رددته فارْتَدَّ، وسَدَدْتُه
فاسْتَدَّ، ومَدَدْتُه فامْتَدَّ، فأَما انتصحته بمعنى اتخذته نصيحاً، فهو متعدّ
إِلى مفعول، فيكون قوله انتصحْني إِنني لك ناصح، يعني اتخذني ناصحاً لك؛
ومنه قولهم: لا أُريد منك نُصْحاً ولا انتصاحاً أَي لا أُريد منك أَن
تنصحني ولا أَن تتخذني نصيحاً، فهذا هو الفرق بين النُّصْح والانتصاح.
والنُّصْحُ: مصدر نَصَحْتُه. والانتصاحُ: مصدر انْتَصَحْته أَي اتخذته نصيحاً،
ومصدر انْتَصَحْتُ أَيضاً أَي قبلت النصيحة، فقد صار للانتصاح معنيان.
وفي الحديث: إِن الدِّينَ النصيحةُ لله ولرسوله ولكتابه ولأَئمة
المسلمين وعامّتهم؛ قال ابن الأَثير: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إِرادة
الخير للمنصوح له، فليس يمكن أَن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع
معناها غيرها. وأَصل النُّصْحِ: الخلوص. ومعنى النصيحة لله: صحة الاعتقاد في
وحدانيته وإِخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله: هو التصديق به
والعمل بما فيه. ونصيحة رسوله: التصديق بنبوّته ورسالته والانقياد لما
أَمر به ونهى عنه. ونصيحة الأَئمة: أَن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج
عليهم إِذا جاروا. ونصيحة عامّة المسلمين: إِرشادهم إِلى المصالح؛ وفي شرح
هذا الحديث نظرٌ وذلك في قوله نصيحة الأَئمة أَن يطيعهم في الحق ولا يرى
الخروج عليهم إِذا جاروا، فأَيّ فائدة في تقييد لفظه بقوله يطيعهم في الحق
مع إِطلاق قوله ولا يرى الخروج عليهم إِذا جاروا؟ وإِذا منعه الخروج إِذا
جاروا لزم أَن يطيعهم في غير الحق. وتَنَصَّح أَي تَشَبَّه بالنُّصَحاء.
واسْتَنْصَحه: عَدَّه نصيحاً.
ورجل ناصحُ الجَيْب: نَقِيُّ الصدر ناصح القلب لا غش فيه، كقولهم طاهر
الثوب، وكله على المثل؛ قال النابغة:
أَبْلِغِ الحرثَ بنَ هِنْدٍ بأَني
ناصِحُ الجَيْبِ، بازِلٌ للثوابِ
وقومٌ نُصَّح ونُصَّاحٌ. والتَّنَصُّح: كثرة النُّصْحِ؛ ومنه قول
أَكْثَمَ بن صَيْفِيٍّ: إِياكم وكثرةَ التَّنَصُّح فإِنه يورث
التُّهَمَة.والتوبة النَّصُوح: الخالصة، وقيل: هي أَن لا يرجع العبد إِلى ما تاب
عنه؛ قال الله عز وجل: توبةً نَصُوحاً؛ قال الفراء: قرأَ أَهل المدينة
نَصُوحاً، بفتح النون، وذكر عن عاصم نُصُوحاً، بضم النون؛ وقال الفراء: كأَنّ
الذين قرأُوا نُصُوحاً أَرادوا المصدر مثل القُعود، والذين قرأُوا
نَصُوحاً جعلوه من صفة التوبة؛ والمعنى أَن يُحَدّث نفسه إِذا تاب من ذلك
الذنب أَن لا يعود إِليه أَبداً، وفي حديث أُبيّ: سأَلت النبي، صلى الله عليه
وسلم، عن التوبة النصوح فقال: هي الخالصة التي لا يُعاوَدُ بعدها
الذنبُ؛ وفَعُول من أَبنية المبالغة يقع على الذكر والأُنثى، فكأَنَّ الإِنسانَ
بالغ في نُصْحِ نفسه بها، وقد تكرّر في الحديث ذكر النُّصْح والنصيحة.
وسئل أَبو عمرو عن نُصُوحاً فقال: لا أَعرفه؛ قال الفراء وقال المفضَّل:
بات عَزُوباً وعُزُوباً وعَرُوساً وعُرُوساً؛ وقال أَبو إِسحق: توبةٌ
نَصُوح بالغة في النُّصْح، ومن قرأَ نُصُوحاً فمعناه يَنْصَحُون فيها
نُصوحاً. وقال أَبو زيد: نَصَحْتُه أَي صَدَقْتُه؛ ومنه التوبة النصوح، وهي
الصادقة.
والنِّصاحُ: السِّلكُ يُخاط به. وقال الليث: النِّصاحة السُّلوك التي
يخاط بها، وتصغيرها نُصَيِّحة. وقميص مَنْصُوح أَي مَخِيط.
ويقال للإِبرة: المِنْصَحة فإِذا غَلُظَتْ، فهي الشعيرة. والنُّصْحُ:
مصدر قولك نَصَحْتُ الثوبَ إِذا خِطْتَه. قال الجوهري: ومنه التوبة النصوح
اعتباراً بقوله، صلى الله عليه وسلم: من اغتابَ خَرَقَ ومن استغفر الله
رَفَأَ. ونَصَحَ الثوبَ والقميص يَنْصَحُه نَصْحاً وتَنَصَّحه: خاطه. ورجل
ناصح وناصِحِيٌّ ونَصَّاحٌ: خائط. والنِّصاحُ: الخَيْطُ وبه سمي الرجل
نِصاحاً، والجمع نُصُحٌ ونِصاحةٌ، الكسرة في الجمع غير الكسرة في الواحد،
والأَلف فيه غير الأَلف، والهاء لتأْنيث الجمع.
والمِنْصَحة: المِخْيَطة. والمِنْصَحُ: المِخْيَطُ. وفي ثوبه
مُتَنَصِّحٌ لم يُصلحه أَي موضع إِصلاح وخياطة، كما يقال: إِن فيه مُتَرَقَّعاً؛
قال ابن مقبل:
ويُرْعِدُ إِرعادَ الهجِينِ أَضاعه،
غَداةَ الشَّمالِ، الشُّمْرُخُ المُتَنَصَّحُ
وقال أَبو عمرو: المُتَنَصَّحُ المَخيطُ، وأَنشد بيت ابن مقبل.
وأَرض مَنْصوحة: متصلة بالغيت كما يُنْصَحُ الثوبُ، حكاه ابن الأَعرابي؛
قال ابن سيده: وهذه عبارة رديئة إِنما المَنْصُوحة الأَرض المتصلة
النبات بعضه ببعض، كأَنَّ تلك الجُوَبَ التي بين أَشخاص النبات خيطت حتى اتصل
بعضها ببعض.
قال النضر: نَصَحَ الغيثُ البلادَ نَصْحاً إِذا اتصل نبتها فلم يكن فيه
فَضاء ولا خَلَلٌ؛ وقال غيره: نَصَحَ الغيثُ البلادَ ونَضَرها بمعنى
واحد؛ وقال أَبو زيد: الأَرض المنصوحة هي المَجُودةُ نُصِحتْ نَصْحاً.
ونَصَحَ الرجلُ الرِّيَّ نَصْحاً إِذا شرب حتى يَرْوى؛ وكذلك نَصَحتِ الإِبلُ
الشُّرْبَ تَنْصَحُ نُصُوحاً: صَدَقَتْه. وأَنْصَحْــتُها أَنا: أَرويتها؛
قال:
هذا مَقامِي لكِ حتى تَنْصَحِي
رِيّاً، وتَجْتازي بَلاطَ الأَبْطَحِ
ويروى: حتى تَنْضَحِي، بالضاد المعجمة، وليس بالعالي. البَلاطُ: القاعُ.
وأَنْصَح الإِبلَ: أَرْواها.
والنِّصاحاتُ: الجلودُ؛ قبال الأَعشى يصف شَرْباً:
فتَرى القومَ نَشاوى كلَّهُمْ،
مثلما مُدَّتْ نِصاحاتُ الرُّبَحْ
قال الأَزهري: أَراد بالرُّبَحِ الرُّبَعَ في قول بعضهم؛ وقال ابن سيده:
الرُّبَحُ من أَولاد الغنم، وقيل: هو الطائر الذي يسمى بالفارسية زاغ؛
وقال المُؤَرِّج: النِّصاحاتُ حبال يجعل لها حَلَقٌ وتنصب للقُرود إِذا
أَرادوا صيدها: يَعْمدُ رجل فيجعلُ عِدّة حبال ثم يأْخذ قرداً فيجعله في
حبل منها، والقرود تنظر إِليه من فوق الجبل، ثم يتنحى الحابل فتنزل القرود
فتدخل في تلك الحبال وهو ينظر إِليها من حيث لا تراه، ثم ينزل إِليها
فيأْخذ ما نَشِبَ في الحبال؛ قال وهو قول الأَعشى:
مثلما مدّت نصاحات الربح
قال: والرُّبَحُ القرود وأَصلها الرُّباح.
وشَيْبَةُ بن نِصاحٍ: رجل من القرّاء.
والنَّصْحاء ومَنْصَح: موضعان؛ قال ساعدة بن جؤية
(* قوله «قال ساعدة بن
جؤية لهن إلخ» قبله:
ولو أنه إذ كان ما حمَّ واقعاً
بجانب من يخفى ومن يتودّد والأصاغي، بالصاد المهملة والغين المعجمة:
موضع، كما أنشده ياقوت في مادته.):
لهنَّ بما بين الأَصاغِي ومَنْصَحٍ
تَعاوٍ، كما عَجَّ الحَجِيحُ المُبَلِّدُ
رسل: الرَّسَل: القَطِيع من كل شيء، والجمع أَرسال. والرَّسَل: الإِبل،
هكذا حكاه أَبو عبيد من غير أَن يصفها بشيء؛ قال الأَعشى:
يَسْقِي رياضاً لها قد أَصبحت غَرَضاً،
زَوْراً تَجانف عنها القَوْدُ والرَّسَل
والرَّسَل: قَطِيع بعد قَطِيع. الجوهري: الرَّسَل، بالتحريك، القَطِيع
من الإِبل والغنم؛ قال الراجز:
أَقول للذَّائد: خَوِّصْ برَسَل،
إِني أَخاف النائبات بالأُوَل
وقال لبيد:
وفِتْيةٍ كالرَّسَل القِمَاح
والجمع الأَرْسال؛ قال الراجز:
يا ذائدَيْها خَوِّصا بأَرْسال،
ولا تَذُوداها ذِيادَ الضُّلاَّل
ورَسَلُ الحَوْض الأَدنى: ما بين عشر إِلى خمس وعشرين، يذكر ويؤَنث.
والرَّسَل: قَطيعٌ من الإِبِل قَدْر عشر يُرْسَل بعد قَطِيع.
وأَرْسَلو إِبلهم إِلى الماء أَرسالاً أَي قِطَعاً. واسْتَرْسَل إِذا
قال أَرْسِلْ إِليَّ الإِبل أَرسالاً. وجاؤوا رِسْلة رِسْلة أَي جماعة
جماعة؛ وإِذا أَورد الرجل إِبله متقطعة قيل أَوردها أَرسالاً، فإِذا أَوردها
جماعة قيل أَوردها عِراكاً. وفي الحديث: أَن الناس دخلوا عليه بعد موته
أَرسالاً يُصَلُّون عليه أَي أَفواجاً وفِرَقاً متقطعة بعضهم يتلو بعضاً،
واحدهم رَسَلٌ، بفتح الراء والسين. وفي حديث فيه ذكر السَّنَة: ووَقِير
كثير الرَّسَل قليل الرِّسْل؛ كثير الرَّسَل يعني الذي يُرْسَل منها إِلى
المرعى كثير، أَراد أَنها كثيرة العَدَد قليلة اللَّبن، فهي فَعَلٌ بمعنى
مُفْعَل أَي أَرسلها فهي مُرْسَلة؛ قال ابن الأَثير: كذا فسره ابن
قتيبة، وقد فسره العُذْري فقال: كثير الرَّسَل أَي شديد التفرق في طلب
المَرْعى، قال: وهو أَشبه لأَنه قد قال في أَول الحديث مات الوَدِيُّ وهَلَك
الهَدِيُّ، يعني الإِبل، فإِذا هلكت الإِبل مع صبرها وبقائها على الجَدْب
كيف تسلم الغنم وتَنْمي حتى يكثر عددها؟ قال: والوجه ما قاله العُذْري وأَن
الغنم تتفرَّق وتنتشر في طلب المرعى لقلته. ابن السكيت: الرَّسَل من
الإِبل والغنم ما بين عشر إِلى خمس وعشرين. وفي الحديث: إِني لكم فَرَطٌ على
الحوض وإِنه سَيُؤتي بكم رَسَلاً رَسَلاً فتُرْهَقون عني، أَي فِرَقاً.
وجاءت الخيل أَرسالاً أَي قَطِيعاً قَطِيعاً.
وراسَلَه مُراسَلة، فهو مُراسِلٌ ورَسِيل.
والرِّسْل والرِّسْلة: الرِّفْق والتُّؤَدة؛ قال صخر الغَيِّ ويئس من
أَصحابه أَن يَلْحَقوا به وأَحْدَق به أَعداؤه وأَيقن بالقتل فقال:
لو أَنَّ حَوْلي من قُرَيْمٍ رَجْلا،
لمَنَعُوني نَجْدةً أَو رِسْلا
أَي لمنعوني بقتال، وهي النَّجْدة، أَو بغير قتال، وهي الرِّسْل.
والتَّرسُّل كالرِّسْل. والتَّرسُّلُ في القراءة والترسيل واحد؛ قال:
وهو التحقيق بلا عَجَلة، وقيل: بعضُه على أَثر بعض. وتَرَسَّل في قراءته:
اتَّأَد فيها. وفي الحديث: كان في كلامه تَرْسِيلٌ أَي ترتيل؛ يقال:
تَرَسَّلَ الرجلُ في كلامه ومشيه إِذا لم يَعْجَل، وهو والترسُّل سواء. وفي
حديث عمر، رضي الله عنه: إِذا أَذَّنْتَ فتَرَسَّلْ أَي تَأَنَّ ولا
تَعْجَل. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إِن الأَرض إِذا
دُفِن
(* قوله «ان الأرض إذا دفن إلخ» هكذا في الأصل وليس في هذا الحديث
ما يناسب لفظ المادة، وقد ذكره ابن الأثير في ترجمة فدد بغير هذا اللفظ)
فيها الإِنسان قالت له رُبَّما مَشَيت عليَّ فَدَّاداً ذا مالٍ وذا
خُيَلاء. وفي حديث آخر: أَيُّما رجلٍ كانت له إِبل لم يُؤَدِّ زكاتها بُطِحَ
لها بِقاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤه بأَخفافها إِلاَّ من أَعْطَى في نَجْدتها
ورِسْلها؛ يريد الشِّدَّة والرخاء، يقول: يُعْطي وهي سِمانٌ حِسانٌ يشتدُّ
على مالكها إِخراجُها، فتلك نَجْدَتها، ويُعْطِي في رِسْلِها وهي
مَهازِيلُ مُقارِبة، قال أَبو عبيد: معناه إِلاَّ من أَعْطى في إِبله ما يَشُقُّ
عليه إِعطاؤه فيكون نَجْدة عليه أَي شدَّة، أَو يُعْطي ما يَهُون عليه
إِعطاؤُه منها فيعطي ما يعطي مستهيناً به على رِسْله؛ وقال ابن الأَعرابي
في قوله: إِلا من أَعْطى في رِسْلها؛ أَي بطِيب نفس منه. والرِّسْلُ في
غير هذا: اللَّبَنُ؛ يقال: كثر الرِّسْل العامَ أَي كثر اللبن، وقد تقدم
تفسيره أَيضاً في نجد. قال ابن الأَثير: وقيل ليس للهُزال فيه معنى لأَنه
ذكر الرِّسْل بعد النَّجْدة على جهة التفخيم للإِبل، فجرى مجرى قولهم إِلا
من أَعْطى في سِمَنها وحسنها ووفور لبنها، قال: وهذا كله يرجع إِلى معنى
واحد فلا معنى للهُزال، لأَن من بَذَل حق الله من المضنون به كان إِلى
إِخراجه مما يهون عليه أَسهل، فليس لذكر الهُزال بعد السِّمَن معنى؛ قال
ابن الأَثير: والأَحسن، والله أَعلم، أَن يكون المراد بالنَّجْدة الشدة
والجَدْب، وبالرِّسْل الرَّخاء والخِصْب، لأَن الرِّسْل اللبن، وإِنما يكثر
في حال الرخاء والخِصْب، فيكون المعنى أَنه يُخْرج حق الله تعالى في حال
الضيق والسعة والجَدْب والخِصْب، لأَنه إِذا أَخرج حقها في سنة الضيق
والجدب كان ذلك شاقّاً عليه فإِنه إَجحاف به، وإِذا أَخرج حقها في حال
الرخاء كان ذلك سهلاً عليه، ولذلك قيل في الحديث: يا رسول الله، وما نَجْدتها
ورِسْلها؟ قال: عُسْرها ويسرها، فسمى النَّجْدة عسراً والرِّسْل يسراً،
لأَن الجَدب عسر، والخِصْب يسر، فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب
والضيق وهو المراد بالنجدة، وفي حال الخِصب والسعة وهو المراد بالرسل. وقولهم:
افعلْ كذا وكذا على رِسْلك، بالكسر، أَي اتَّئدْ فيه كما يقال على
هِينتك. وفي حديث صَفِيَّة: فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: على رِسْلكما أَي
اتَّئِدا ولا تَعْجَلا؛ يقال لمن يتأَنى ويعمل الشيء على هينته.
الليث: الرَّسْل، بفتح الراء، الذي فيه لين واسترخاء، يقال: ناقة رَسْلة
القوائم أَي سَلِسة لَيِّنة المفاصل؛ وأَنشد:
برَسْلة وُثّق ملتقاها،
موضع جُلْب الكُور من مَطاها
وسَيْرٌ رَسْلٌ: سَهْل. واسترسل الشيءُ: سَلِس. وناقة رَسْلة: سهلة
السير، وجَمَل رَسْلٌ كذلك، وقد رَسِل رَسَلاً ورَسالة. وشعر رَسْل:
مُسْترسِل. واسْتَرْسَلَ الشعرُ أَي صار سَبْطاً. وناقة مِرْسال: رَسْلة القوائم
كثيرة الشعر في ساقيها طويلته. والمِرْسال: الناقة السهلة السير، وإِبِل
مَراسيلُ؛ وفي قصيد كعب بن زهير:
أَضحت سُعادُ بأَرض، لا يُبَلِّغها
إِلا العِتاقُ النَّجيبات المَراسِيل
المَراسِيل: جمع مِرْسال وهي السريعة السير. ورجل فيه رَسْلة أَي كَسَل.
وهم في رَسْلة من العيش أَي لين. أَبو زيد: الرَّسْل، بسكون السين،
الطويل المسترسِل، وقد رَسِل رَسَلاً ورَسالة؛ وقول الأَعشى:
غُولَيْن فوق عُوَّجٍ رِسال
أَي قوائم طِوال. الليث: الاسترسال إِلى الإِنسان كالاستئناس
والطمأْنينة، يقال: غَبْنُ المسترسِل إِليك رِباً. واستَرْسَل إِليه أَي انبسط
واستأْنس. وفي الحديث: أَيُّما مسلمٍ اسْتَرْسَل إِلى مسلم فغَبَنه فهو كذا؛
الاسترسال: الاستئناس والطمأْنينة إِلى الإِنسان والثِّقةُ به فيما
يُحَدِّثه، وأَصله السكون والثبات.
قال: والتَّرسُّل من الرِّسْل في الأُمور والمنطق كالتَّمهُّل والتوقُّر
والتَّثَبُّت، وجمع الرِّسالة الرَّسائل. قال ابن جَنْبة: التَّرسُّل في
الكلام التَّوقُّر والتفهمُ والترفق من غير أَن يرفع صوته شديداً.
والترسُّل في الركوب: أَن يبسط رجليه على الدابة حتى يُرْخِي ثيابه على رجليه
حتى يُغَشِّيَهما، قال: والترسل في القعود أَن يتربَّع ويُرْخي ثيابه على
رجليه حوله.
والإِرْسال: التوجيه، وقد أَرْسَل إِليه، والاسم الرِّسالة والرَّسالة
والرَّسُول والرَّسِيل؛ الأَخيرة عن ثعلب؛ وأَنشد:
لقد كَذَب الواشُون ما بُحْتُ عندهم
بلَيْلى، ولا أَرْسَلْتُهم برَسِيل
والرَّسول: بمعنى الرِّسالة، يؤنث ويُذكَّر، فمن أَنَّث جمعه أَرْسُلاً؛
قال الشاعر:
قد أَتَتْها أَرْسُلي
ويقال: هي رَسُولك. وتَراسَل القومُ: أَرْسَل بعضُهم إِلى بعض.
والرَّسول. الرِّسالة والمُرْسَل؛ وأَنشد الجوهري في الرسول الرِّسالة للأَسعر
الجُعفي:
أَلا أَبْلِغ أَبا عمرو رَسُولاً،
بأَني عن فُتاحتكم غَنِيُّ
عن فُتاحتكم أَي حُكْمكم؛ ومثله لعباس بن مِرْداس:
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُفافاً
رَسُولاً، بَيْتُ أَهلك مُنْتهاها
فأَنت الرَّسول حيث كان بمعنى الرِّسالة؛ ومنه قول كثيِّر:
لقد كَذَب الواشُون ما بُحتُ عندهم
بسِرٍّ، ولا أَرْسَلْتهم برَسُول
وفي التنزيل العزيز: إِنَّا رَسُول رب العالمين؛ ولم يقل رُسُل لأَن
فَعُولاً وفَعِيلاً يستوي فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع مثل عَدُوٍّ
وصَدِيق؛ وقول أَبي ذؤيب:
أَلِكْني إِليها، وخَيْرُ الرَّسو
ل أَعْلَمهُم بنواحي الخَبَر
أَراد بالرَّسول الرُّسُل، فوضع الواحد موضع الجمع كقولهم كثر الدينار
والدرهم، لا يريدون به الدينار بعينه والدرهم بعينه، إِنما يريدون كثرة
الدنانير والدراهم، والجمع أَرْسُل ورُسُل ورُسْل ورُسَلاء؛ الأَخيرة عن
ابن الأَعرابي، وقد يكون للواحد والجمع والمؤنث بلفظ واحد؛ وأَنشد ابن بري
شاهداً على جمعه على أَرْسُل للهذلي:
لو كان في قلبي كقَدْرِ قُلامة
حُبًّا لغيرك، ما أَتاها أَرْسُلي
وقال أَبو بكر بن الأَنباري في قول المؤذن: أَشهد أَن محمداً رسول الله،
أَعلم وأُبَيِّن أَن محمداً مُتابِعٌ للإِخبار عن الله عز وجل.
والرَّسول: معناه في اللغة الذي يُتابِع أَخبار الذي بعثه أَخذاً من قولهم جاءت
الإِبل رَسَلاً أَي متتابعة. وقال أَبو إِسحق النحوي في قوله عز وجل حكاية
عن موسى وأَخيه: فقُولا إِنَّا رسول رب العالمين؛ معناه إِنا رِسالة
رَبّ العالمين أَي ذَوَا رِسالة رب العالمين؛ وأَنشد هو أَو غيره:
... ما فُهْتُ عندهم
بسِرٍّ ولا أَرسلتهم برَسول
أَراد ولا أَرسلتهم برِسالة؛ قال الأَزهري: وهذا قول الأَخفش. وسُمِّي
الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رَسُول أَي ذو رِسالة. والرَّسول: اسم من أَرسلت
وكذلك الرِّسالة. ويقال: جاءت الإِبل أَرسالاً إِذا جاء منها رَسَلٌ بعد
رَسَل. والإِبل إِذا وَرَدت الماء وهي كثيرة فإِن القَيِّم بها يوردها
الحوض رَسَلاً بعد رَسَل، ولا يوردها جملة فتزدحم على الحوض ولا تَرْوَى.
وأَرسلت فلاناً في رِسالة، فهو مُرْسَل ورَسول. وقوله عز وجل: وقومَ نوح
لما كَذَّبوا الرُّسُل أَغرقناهم؛ قال الزجاج: يَدُلُّ هذا اللفظ على أَن
قوم نوح قد كَذَّبوا غير نوح، عليه السلام، بقوله الرُّسُل، ويجوز أَن
يُعْنى به نوح وحده لأَن من كَذَّب بنبيٍّ فقد كَذَّب بجميع الأَنبياء،
لأَنه مخالف للأَنبياء لأَن الأَنبياء، عليهم السلام، يؤمنون بالله وبجميع
رسله، ويجوز أَن يكون يعني به الواحد ويذكر لفظ الجنس كقولك: أَنت ممن
يُنْفِق الدراهم أَي ممن نَفَقَتُه من هذا الجنس؛ وقول الهذلي:
حُبًّا لغيرك ما أَتاها أَرْسُلي
ذهب ابن جني إِلى أَنه كَسَّر رسولاً على أَرْسُل، وإِن كان الرسول هنا
إِنما يراد به المرأَة لأَنها في غالب الأَمر مما يُسْتَخْدَم في هذا
الباب.
والرَّسِيل: المُوافِق لك في النِّضال ونحوه. والرَّسِيل: السَّهْل؛ قال
جُبَيْهاء الأَسدي:
وقُمْتُ رَسِيلاً بالذي جاء يَبْتَغِي
إِليه بَلِيجَ الوجه، لست بِباسِر
قال ابن الأَعرابي: العرب تسمي المُراسِل في الغِناء والعَمل المُتالي.
وقوائم البعير: رِسالٌ. قال الأَزهري: سمعت العرب تقول للفحل العربي
يُرْسَل في الشَّوْل ليضربها رَسِيل؛ يقال: هذا رَسِيل بني فلان أَي فحل
إِبلهم. وقد أَرْسَل بنو فلان رَسِيلَهم أَي فَحْلهم، كأَنه فَعِيل بمعنى
مُفْعَل، من أَرْسَل؛ قال: وهو كقوله عز وجل أَلم تلك آيات الكتاب الحكيم؛
يريد، والله أَعلم، المُحْكَم، دَلَّ على ذلك قوله: الر كتاب أُحْكِمَتْ
آياته؛ ومما يشاكله قولهم للمُنْذَرِ نَذير، وللمُسْمَع سَمِيع. وحديثٌ
مُرْسَل إِذا كان غير متصل الأَسناد، وجمعه مَراسيل. والمُراسِل من النساء:
التي تُراسِل الخُطَّاب، وقيل: هي التي فارقها زوجها بأَيِّ وجه كان،
مات أَو طلقها، وقيل: المُراسِل التي قد أَسَنَّتْ وفيها بَقِيَّة شباب،
والاسم الرِّسال. وفي حديث أَبي هريرة: أَن رجلاً من الأَنصار تزوَّج
امرأَة مُراسِلاً، يعني ثَيِّباً، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: فهَلاَّ
بِكْراً تُلاعِبُها وتلاعِبك وقيل: امرأَة مُراسِل هي التي يموت زوجها أَو
أَحَسَّت منه أَنه يريد تطليقها فهي تَزَيَّنُ لآخر؛ وأَنشد المازني
لجرير:
يَمْشِي هُبَيرةُ بعد مَقْتَل شيخه،
مَشْيَ المُراسِل أُوذِنَتْ بطلاق
يقول: ليس يطلب بدم أَبيه، قال: المُراسِل التي طُلِّقت مرات فقد
بَسَأَتْ بالطلاق أَي لا تُباليه، يقول: فهُبَيرة قد بَسَأَ بأَن يُقْتَل له
قتيل ولا يطلب بثأْره مُعَوَّدٌ ذلك مثل هذه المرأَة التي قد بَسَأَتْ
بالطلاق أَي أَنِسَتْ به، والله أَعلم. ويقال: جارية رُسُل إِذا كانت صغيرة
لا تَخْتَمر؛ قال عديّ بن زيد:
ولقد أَلْهُو بِبِكْرٍ رُسُلٍ،
مَسُّها أَليَنُ من مَسِّ الرَّدَن
وأَرْسَل الشيءَ: أَطلقه وأَهْمَله. وقوله عز وجل: أَلم تر أَنا أَرسلنا
الشياطين على الكافرين تَؤُزُّهم أَزًّا؛ قال الزجاج في قوله أَرْسَلْنا
وجهان: أَحدهما أَنَّا خَلَّينا الشياطين وإِياهم فلم نَعْصِمهم من
القَبول منهم، قال: والوجه الثاني، وهو المختار، أَنهم أُرْسِلوا عليهم
وقُيِّضوا لهم بكفرهم كما قال تعالى: ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيِّضْ له
شيطاناً؛ ومعنى الإِرسال هنا التسليط؛ قال أَبو العباس: الفرق بين إِرسال
الله عز وجل أَنبياءه وإِرْساله الشياطين علىأَعدائه في قوله تعالى: أَنا
أَرسلنا الشياطين على الكافرين، أَن إِرساله الأَنبياء إِنما هو وَحْيُه
إِليهم أَن أَنذِروا عبادي، وإِرساله الشياطينَ على الكافرين
تَخْلِيَتُه وإِياهم كما تقول: كان لي طائر فأَرْسَلْته أَي خليته وأَطلقته.
والمُرْسَلات، في التنزيل: الرياح، وقيل الخَيْل، وقال ثعلب: الملائكة.
والمُرْسَلة: قِلادة تقع على الصدر، وقيل: المُرْسَلة القِلادة فيها
الخَرَزُ وغيرها.
والرِّسْل: اللَّبن ما كان. وأَرْسَل القومُ فهم مُرْسلون: كَثُر
رِسْلُهم، وصار لهم اللبن من مواشيهم؛ وأَنشد ابن بري:
دعانا المُرْسِلون إِلى بِلادٍ،
بها الحُولُ المَفارِقُ والحِقاق
ورَجُلٌ مُرَسِّلٌ: كثير الرِّسْل واللبن والشِّرْب؛ قال تأَبَّط
شَرًّا:ولست براعي ثَلَّةٍ قام وَسْطَها،
طوِيل العصا غُرْنَيْقِ ضَحْلٍ مُرَسِّل
مُرَسِّل: كثير اللبن فهو كالغُرْنَيْق، وهو شبه الكُرْكِيّ في الماء
أَبداً. والرَّسَلُ: ذوات اللبن. وفي حديث أَبي سعيد الخُدْري: أَنه قال
رأَيت في عام كثر فيه الرِّسْل البياضَ أَكثر من السَّواد، ثم رأَيت بعد
ذلك في عام كثر فيه التمر السَّوادَ أَكثر من البياض؛ الرِّسْل: اللبن وهو
البياض إِذا كَثُر قَلَّ التَّمْر وهو السَّواد، وأَهل البَدْو يقولون
إِذا كثر البياض قَلَّ السواد، وإِذا كثر السواد قَلَّ البياض. والرِّسْلان
من الفرس: أَطراف العضدين. والراسِلان: الكَتِفان، وقيل عِرْقان فيهما،
وقيل الوابِلَتان.
وأَلقَى الكلامَ على رُسَيْلاته أَي تَهاوَن به. والرُّسَيْلي، مقصور:
دُوَيْبَّة. وأُمُّ رِسالة: الرَّخَمة.
عنق: العُنْقُ والعُنُقُ: وُصْلة ما بين الرأس والجسد، يذكر ويؤنث. قال
ابن بري: قولهم عُنُق هَنْعَاءُ وعُنُق سَطْعاءُ يشهد بتأنيث العُنُق،
والتذكير أَغلب.
يقال: ضربت عُنُقه، قاله الفراء وغيره؛ وقال رؤبة يصف الآل والسَّراب:
تَبْدُوا لَنا أعْلامُه، بعد الفَرَقْ،
خارِجَةً أعناقُها من مُعْتَنَقْ
ذكر السراب وانْقِماسَ الحِبال فيه إلى أَعاليها، والمُعْتَنَقُ: مَخْرج
أَعناق الحِبال من السراب، أَي اعْتَنَقَتْ فأَخرجت أَعناقها، وقد يخفف
العُنُق فيقال عُنْق، وقيل: مَنْ ثَقَّل أَنَّث ومَن خَفَّف ذكَّر؛ قال
سيبويه: عُنْق مخفف من عُنُق، والجمع فيهما أَعناق، لم يجاوزوا هذا
البناء.والعَنَقُ: طول العُنُقِ وغِلظه، عَنِقَ عَنَقاً فهو أَعنق، والأْنثى
عَنْقاء بيِّنة العَنَق. وحكى اللحياني: ما كان أَعْنَقَ ولقد عَنِقَ
عَنَقاً يذهب إلى النّقلة. ورجل مُعْنِقٌ وامرأة مُعْنِقَةٌ: طويلا العُنُقِ.
وهَضْبة معْنقة وعَنْقاءُ: مرتفعة طويلة؛ أَبو كبير الهذلي:
عَنْقاءُ مُعْنِقةٌ يكون أَنِيسُها
وُرْقَ الحَمام، جَميمُها لم يُؤكل
ابن شميل: مَعَانيق الرمال حبال صغار بين أَيدي الرمل، الواحدة
مُعْنِقة.وعانَقهُ مُعَانقةً وعِناقاً: التزمه فأدنى عُنُقَه من عُنُقِه، وقيل:
المُعَانقة في المودة والإعْتِناقُ في الحرب؛ قال:
يَطْعُنُهم، وما ارْتَمَوْا، حتى إذا اطَّعَنُوا
ضارَبَ، حتى إذا ما ضَارَبُوا اعْتَنَقَا
وقد يجوز الافتعالُ في موضع المُفاعلة، فإذا خصصت بالفعل واحداً دون
الآخر لم تقل إلاّ عانَقه في الحالين، قال الأَزهري: وقد يجوز الاعتناقُ في
المودَّةِ كالتَّعانُقِ، وكلٌّ في كلٍّ جائزٌ.
والعَنِيقُ: المُعانِقُ؛ عن أَبي حنيفة؛ وأَنشد:
وما راعَني إلاَّ زُهاءُ مُعانِقِي،
فأَيُّ عَنِيقٍ بات لي لا أَبالِيَا
وفي حديث أُم سلمة قالت: دخَلَتْ شاة فأَخذت قُرْصاً تحت دَنٍّ لنا فقمت
فأَخذته من بين لَحْييها فقال: ما كان ينبغي لكِ أَن تُعَنِّقِيها أَي
تأخذي بعُنُقِها وتَعْصِريها، وقيل: التَّعْنِيقُ التَّخْييبُ من
العَنَاقِ وهي الخيبة. وفي الحديث أَنه قال لنساء عثمان بن مظعون لما مات:
ابْكِينَ وإياكنَّ وتَعَنُّقَ الشيطان؛ هكذا جاء في مسند أَحمد، وجاء في غيره:
ونَعِيقَ الشيطان، فإن صَحَّت الأُولى فتكون من عَنَّقَه إذا أَخذ
بعُنُقِه وعَصَرَ في حلقه لِيَصِيح، فجعل صياح النساء عند المصيبة مسبَّباً عن
الشيطان لأنه الحامل لهنَّ عليه.
وكلب أَعْنَقُ: في عُنُقِه بياض. والمِعْنَقَةُ: قلادة توضع في عُنُق
الكلب؛ وقد أَعْنَقَه: قلَّده إياها. وفي التهذيب: والمِعْنَقَةُ القلادة،
ولم يخصص. والمِعْنَقةُ: دُوَيبة.
واعْتَنَقَت الدابةُ: وقعت في الوَحْل فأخرجت عُنقَها. والعانِقاءُ:
جُحْرٌ مملوءٌ تراباً رِخْواً يكون للأَرنب واليَرْبوع يُدْخِل فيه عُنُقَه
إذا خاف. وتَعَنَّقَت الأَرنب بالعانِقاء وتَعَنَّقَتْها كلاهما: دَسَّتْ
عُنقها فيه وربما غابت تحته، وكذلك اليربوع، وخصَّ الأَزهري به اليربوع
فقال: العانقاءُ جُحْر من جِحَرة اليربوع يملؤه تراباً، فإذا خاف
انْدَسَّ فيه إلى عُنُقه فيقال تَعَنَّقَ، وقال المفضل: يقال لجِحَرة اليربوع
النّاعِقاءُ والعانِقاء والقاصِعاءُ والنافِقاءُ والرَّاهِطماءُ
والدامّاءُ.ويقال: كان ذلك على عُنُق الدهر أَي على قديم الدهر. وعُنُق كل شيء.
عُنُق الصيف والشتاء: أَولهما ومقدَّمتهما على المثل، وكذلك عُنُق السِّنّ.
قال ابن الأَعرابي: قلت لأَعرابي كم أَتى عليك؟ قال: أخذت بعُنُق الستين
أي أَولها، والجمع كالجمع. والمُعْتنَق: مَخْرج أَعناق الحبال
(* قوله
«أعناق الحبال» أي حبال الرمل.) قال:
خارجة أَعْناقُها من مُعْتَنَقْ
وعُنُق الرَّحِم: ما اسْتدق منها مما يلي الفرج. والأَعناق: الرؤساء.
والعُنُق: الجماعة الكثيرة من الناس، مذكَّر، والجمع أَعْناق. وفي التنزيل:
فظلَّت أَعناقهم لها خاضعين؛ أَي جماعاتهم، على ما ذهب إليه أكثر
المفسرين، وقيل: أَراد بالأَعناق هنا الرِّقاب كقولك ذَلَّتْ له رقاب القوم
وأَعْناقهم، وقد تقدم تفسير الخاضعين على التأويلين، والله أَعلم بما أَراد.
وجاء بالخبر على أصحاب الأَعناق لأنه إذا خضع عُنُقهِ فقد خضع هو، كما
يقال قُطِع فلان إذا قُطِعَتْ يده. وجاءَ القوم عُنُقاً عُنُقاً أَي
طوائف؛ قال الأَزهري: إذا جاؤوا فِرَقاً، كل جماعة منهم عُنُق؛ قال الشاعر
يخاطب أَمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه:
أَبْلِغْ أَميرَ المؤمنيـ
ـن أخا العِراقِ، إذا أَتَيْتا
أَن العِراقَ وأَهلَهُ
عُنُقٌ إليكَ، فَهْيتَ هَيْتَا
أَراد أَنهم أَقبلواإليك بجماعتهم، وقيل: هم مائلون إليك ومنتظروك.
ويقال: جاء القوم عُنُقاً عُنُقاً أَي رَسَلاً رَسَلاً وقَطِيعاً قطيعاً؛ قال
الأَخطل:
وإذا المِئُونَ تواكَلَتْ أَعْناقُها،
فاحْمِدْ هُناكَ على فَتىً حَمّالِ
قال ابن الأَعرابي: أَعْناقُها جماعاتها، وقال غيره: سادَاتها. وفي
حديث: يخرج عُنُقٌ من النار أَي تخرج قطعة من النار. ابن شميل: إذا خرج من
النهر ماء فجرى فقد خرج عُنُق. وفي الحديث: لا يزال الناس مختلفةً
أَعْناقُهم في طلب الدنيا أَي جماعات منهم، وقيل: أَراد بالأَعناق الرؤساء
والكُبَرَاء كما تقدم، ويقال: هم عُنُق عليه كقولك هم إلْبٌ عليه، وله عُنُق في
الخير أَي سابقة. وقوله: المؤذِّنون أَطول الناس أَعْناقاً يوم القيامة؛
قال ثعلب: هو من قولهم له عُنُق في الخير أَي سابقة، وقيل: إنهم أكثر
الناس أَعمالاً، وقيل: يُغْفَرُ لهم مَدَّ صوتهم، وقيل: يُزَادونَ على
الناس، وقال غيره: هو من طول الأَعْناقِ أي الرقاب لأَن الناس يومئذ في
الكرب، وهم في الرَّوْح والنشاط متطلعون مُشْرَئِبُّونَ لأَنْ يُؤذَنَ لهم في
دخول الجنة؛ قال ابن الأَثير: وقيل أَراد أَنهم يكونون يومئذ رؤساء
سادةً، والعرب تصف السادة بطول الأَعناق، وروي أَطولُ إعْناقاً، بكسر الهمزة،
أَي أَكثر إسراعاً وأَعجل إلى الجنة. وفي الحديث: لا يزال المؤمن
مُعْنِقاً صالحاً ما لم يُصِبْ دماً حراماً أَي مسرعاً في طاعته منبسطاً في
عمله، وقيل: أَراد يوم القيامة. والعُنُق: القطعة من المال. والعُنُق أَيضاً:
القطعة من العمل، خيراً كان أَو شرّاً. والعَنَق من السير: المنبسط،
والعَنِيقُ كذلك. وسير عَنَقٌ وعَنِيقٌ: معروف، وقد أَعْنَقَت الدابةُ، فهي
مُعْنِقٌ ومِعْناق وعَنِيق؛ واستعار أَبو ذؤيب الإعْناق للنجوم فقال:
بأَطْيَبَ منها، إذا ما النُّجُو
م أَعْنَقْنَ مِثْلَ هَوَادِي
(* هكذا ورد عجز هذا البيت في الأصل وهو مختل الوزن).
وفي حديث مُعاذٍ وأَبي موسى: أَنهما كانا مع النبي، صلى الله عليه وسلم،
في سفر أَصحابه فأناخُوا ليلةً وتَوَسَّدَ كلُّ رجل منهم بذراع راحلته،
قالا: فانتبهنا ولم نَرَ رسول الله، صلى الله عليهم وسلم، عند راحلته
فاتبعناه؛ فأَخبرنا، عليه السلام، أَنه خُيِّرَ بين أَن يدخل نصفُ أُمته
الجنة وبين الشفاعة، قال شمر: قوله مَعََانيق أَي مسرعين؛ يقال: أَعْنَقْتُ
إليه أُعْنَقَ إعْناقاً. وفي حديث أصحاب الغارِ: فانفرجت الصخرة فانطلقوا
مُعَانقينَ إلى الناس نبشّرهم، قال شمر: قوله معانيق أَي مسرعين، من
عانَقَ مثل أَعْنِقَ إذا سارَع وأَسرع، ويروى: فانطلقوا مَعانيقَ؛ ورجل
مُعْنِقٌ وقوم مُعْنِقون ومَعانيق؛ قال القطامي:
طَرَقَتْ جَنُوبُ رحالَنا من مُطْرِق،
ما كنت أَحْسَبُها قريبَ المُعْنِقِ
وقال ذو الرمة:
أَشَاقَتْكَ أخْلاقُ الرُّسوم الدوائرِ،
بأََدْعاصِ حَوضَى المُعْنِقاتِ النَّوادِرِ؟
المُعْنِقات: المتقدمات منها. والعَنَقُ والعَنِيقُ من السير: معروف
وهما اسمان من أَعْنَقَ إعْناقاً. وفي نوادر الأَعراب: أَعْلَقْتُ
وأَعْنَقْتُ. وبلاد مُعْلِقة ومُعْنِقة: بعيدة. وقال أَبو حاتم: المَعانقُ هي
مُقَرِّضات الأَسَاقي لها أَطواق في أَعناقها ببياض. ويقال عَنَقَت السحابةُ
إذا خرجت من معظم الغيم تراها بيضاء لإشراق الشمس عليها؛ وقال:
ما الشُّرْبُ إلاّ نَغَباتٌ فالصَّدَرْ،
في يوم غَيْمٍ عَنَقَتْ فيه الصُّبُرْ
قال: والعَنَقُ ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير مُسْبَطِرٌّ؛ قال
أَبو النجم:
يا ناقَ سِيرِي عَنَقاً فَسِيحاً،
إلى سليمانَ، فَنَسْترِيحا
ونَصب نَسْتريح لأَنه جواب الأمر بالفاء. وفرس مِعْناق أي جيد العَنَق.
وقال ابن بري: يقال ناقة مِعْناق تسير العَنَق؛ قال الأَعشى:
قد تجاوَزْتُها وتَحْتي مَرُوحٌ،
َعنْتَرِيسٌ نَعّابة مِعْناقُ
وفي الحديث: أنه كان يسير العَنَقَ فإذا وجد فَجْوةً نَصَّ. وفي الحديث:
أَنه بعث سَرِيّةً فبعثوا حَرَامَ بن مِلْحان بكتاب رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، إلى بني سُلَيْم فانْتَحَى له عامرُ بن الطُّفَيْل فقتله،
فلما بلغ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَتْلُه قال: أَعْنَقَ لِيَمُوتَ،
أَي أَن المنية أَسرعت به وساقته إلى مصرعه.
والمُعْنِق: ما صُلب وراتفع عن الأَرض وحوله سَهْل، وهو منقاد نحو مِيلٍ
وأَقل من ذلك، والجمع مَعانيقُ، توهموا فيه مِفْعالاً لكثرة ما يأتيان
معاً نحو مُتْئِم ومِتْآم ومُذْكِر ومِذْكار.
والعَناق: الحَرَّة. والعَناق: الأُنثى من المَعَز؛ أَنشد ابن الأَعرابي
لقُريْطٍ يصف الذئب:
حَسِبْتَ بُغامَ راحِلتي عَناقاً،
وما هي، وَيْبَ غَيرِك، بالعَناقِ
فلو أَني رَمَيْتُك من قريب،
لعاقَكَ عن دُعاءِ الذَّئبِ عاقِ
والجمع أَعْنُق وعُنُق وعُنُوق. قال سيبويه: أَمُّا تكسيرهم إياه على
أَفْعُل فهو الغالب على هذا البناء من المؤنث، وأَما تكسيرهم له على فُعُول
فلتكسيرهم إياه على أَفْعُل، إذ كانا يعتقبان على باب فَعْل. وقال
الأَزهري: العَنَاق الأُنثى من أَولاد المِعْزَى إذا أتت عليها سنة، وجمعها
عنوق، وهذا جمع نادر، وتقول في العدد الأَقل: ثلاث أَعْنُقٍ وأَربع
أََعْنُقٍ؛ قال الفرزدق:
دَعْدِِعْ بأَعْنُقِك القَوائِم، إنَّني
في باذِخٍ، يا ابن المَراغة، عالِ
وقال أَوس بن حجر في الجمع الكثير:
يَصُوعُ عُنُوقَها أَحْوَى زَنِيمُ،
له ظأبٌ كما صَخِبَ الغِرِيمُ
وفي حديث الضحية: عندي عَناقٌ جَذَعةٌ؛ هي الأُنثى من أَولاد المعز ما
لم يتم له سنة. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: لو مَنَعوني عَناقاً مما
كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لقاتلتُهم عليه؛ قال
ابن الأَثير: فيه دليل على وجوب الصدقة في السِّخَال وأَن واحدة منها
تجزئ عن الواجب في الأَربعين منها إذا كانت كلها سِخَالاً ولا يُكَلَّفُ
صاحبها مُسِنَّةً؛ قال: وهو مذهب الشافعي، وقال أَبو حنيفة: لا شيء في
السخال، وفيه دليل على أن حَوْل النَّتَاجِ حوْلُ الأُمّهاتِ، ولو كانَ
يُستأنَف لها الحَوْلُ لم يوجد السبيلُ إلى أَخذ العَناق. وفي حديث الشعبي:
نحن في العُنُوق ولم نبلغ النُّوق؛ قال ابن سيده: وفي المثل هذه العُنُوق
بعد النُّوق؛ يقول: مالُكَ العُنُوق بعد النّوق، يضرب للذي يكون على حالة
حَسَنة ثم يركب القبيح من الأَمر ويَدَعُ حاله الأُولى، وينحطّ من عُلُو
إلى سُفل؛ قال الأَزهري: يضرب مثلاَ للذي يُحَطُّ عن مرتبته بعد الرفعة،
والمعنى أَنه صار يرعى العُنُوق بعدما كان يرعى الإبل، وراعي الشّاءِ
عند العرب مَهِينٌ ذليل، وراعي الإبل عزيز شريف؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
لا أَذَبحُ النّازِيَ الشّبُوبَ، ولا
أَسْلُخُ، يومَ المَقامةِ، العُنُقَا
لا آكلُ الغَثَّ في الشِّتاءِ، ولا
أَنْصَحُ ثوبي إذا هو انْخَرَقَا
وأَنشد ابن السكيت:
أَبوكَ الذي يَكْوي أُنُوف عُنُوقِه
بأَظفارِهِ حتى أَنَسَّ وأَمْحَقا
وشاة مِعْناق: تلد العُنُوق؛ قال:
لَهْفِي على شاةِ أَبي السِّبّاقِ
عَتِيقةٍ من غنمٍ عِتَاقٍ،
مَرْغُوسَةٍ مأمورةٍ مِعْناقِ
والعَناقُ: شيءٌ من دوابِّ الأَرض كالفَهْد، وقيل: عَناق الأَرض
دُوَيْبَّة أَصفر من الفَهْد طويلة الظهر تصيد كل شيء حتى الطير؛ قال الأَزهري:
عَناقُ الأَرض دابة فوق الكلب الصيني يصيد كما يصيد الفَهْدُ، ويأكل
اللحم وهو من السباع؛ يقال: إنه ليس شيء من الدواب يُؤَبِّرُ أَي يُعَقّي
أَثرَه إذا عدا غيره وغير الأَرْنب، وجمعه عُنُوق أَيضاً، والفُرْسُ تسميه
سِيَاهْ كُوشَ، قال: وقد رأَيته بالبادية وهو أَسود الرأس أَبيض سائره.
وفي حديث قتادة: عَناقُ الأَرض من الجوارح؛ هي دابة وحشية أَكبر من
السَّنَّوْر وأَصغر من الكلب. ويقال في المثل: لقي عَنَاقَ الأرض، وأُذُنَيْ
عَنَاقٍ أَي داهية؛ يريد أَنها من الحيوان الذي يُصْطاد به إذا عُلِّم.
والعَنَاقُ: الداهية والخيبة؛ قال:
أَمِنْ تَرْجِيعِ قارِيَةٍ تَرَكْتُمْ
سَبَاياكُمْ، وأُبْتُمْ بالعَنَاقِ؟
القاريةُ: طير أَخضر تحبّه الأَعراب، يشبهون الرجل السخيّ بها، وذلك
لأَنه يُنْذِرُ بالمطر؛ وصفهم بالجُبْن فهو يقول: فَزِعتُمْ لمَّا سمعتم
ترجيع هذا الطائر فتركتم سباياكم وأُبْتُمْ بالخيبة. وقال علي بن حمزة:
العَنَاقُ في البيت المُنْكَرُ أَي وأُبْتُم بأَمر مُنْكَر. وأُذُنا عَناقٍ،
وجاء بأُذنَيْ عَناقٍ الأَرض أَي بالكذب الفاحش أَو بالخيبة؛ وقال:
إذا تَمَطَّيْنَ على القَيَاقي،
لاقَيْنَ منه أُذُنَيْ عَنَاقِ
يعني الشدَّة أَي من الحادي أَو من الجمل. ابن الأَعرابي: يقال منه
لقيتُ أُذُنَيْ عَناقٍ أَي داهية وأمراً شديداً. وجاء فلان يأُذني عنَاق إذا
جاء بالكذب الفاحش. ويقال: رجع فلان بالعَناق إذا رجع خائباً، يوضع
العَناق موضع الخيبة. والعنَاق: النجم الأَوسط من بنات نَعْش الكُبْرى:
والعَنْقاءُ: الداهية؛ قال:
يَحْمِلْنَ عَنْقاء وعَنْقَفِيرا،
وأُمَّ خَشّافٍ وخَنْشَفِيرا،
والدَّلْوَ والدَّيْلَمَ والزَّفِيرَا
وكلهن دَواهِ، ونكرَّ عَنْقاء وعَنْقَفِيراً، وإنما هي العَنْقاء
والعَنْقَفِير، وقد يجوز أن تحذف منهما اللام وهما باقيان على تعريفهما.
والعَنْقاء: طائر ضخم ليس بالعُقاب، وقيل: العَنْقاءُ المُغْرِبُ كلمة لا أَصل
لها، يقال: إنها طائر عظيم لا ترى إلا في الدهور ثم كثر ذلك حتى سموا
الداهية عَنْقاء مُغْرِباً ومُغْرِبةً؛ قال:
ولولا سليمانُ الخليفةُ، حَلَّقَتْ
به، من يد الحَجّاج، عَنْقاءُ مُغْرِب
وقيل: سمِّيت عَنْقاء لأنه كان في عُنُقها بياض كالطوق، وقال كراع:
العَنْقاء فيما يزعمون طائر يكون عند مغرب الشمس، وقال الزجاج: العَنْقاءُ
المُغْرِبُ طائر لم يره أَحد، وقيل في قوله تعالى؛ طيراً أَبابِيلَ؛ هي
عَنْقاءُ مُغْرِبَة. أَبو عبيد؛ من أَمثال العرب طارت بهم العَنْقاءُ
المُغْرِبُ، ولم يفسره. قال ابن الكلبي: كان لأهل الرّس نبيٌّ يقال له حنظلة بن
صَفْوان، وكان بأَرضهم جبل يقال له دَمْخ، مصعده في السماء مِيلٌ، فكان
يَنْتابُهُ طائرة كأَعظم ما يكون، لها عنق طويل من أَحسن الطير، فيها من
كل لون، وكانت تقع مُنْقَضَّةً فكانت تنقضُّ على الطير فتأْكلها، فجاعت
وانْقَضَّت على صبيِّ فذهبت به، فسميت عَنْقاءَ مُغْرباً، لأَنها تَغْرُب
بكل ما أَخذته، ثم انْقَضَّت على جارية تَرعْرَعَت وضمتها إلى جناحين
لها صغيرين سوى جناحيها الكبيرين، ثم طارت بها، فشكوا ذلك إلى نبيهم، فدعا
عليها فسلط الله عليها آفةً فهلكت، فضربتها العرب مثلاً في أَشْعارها،
ويقال: أَلْوَتْ به العَنْقاءُ المُغْرِبُ، وطارت به العَنْقاء.
والعَنْقاء: العُقاب، وقيل: طائر لم يبق في أَيدي الناس من صفتها غير اسمها.
والعَنْقاءُ: لقب رجل من العرب، واسمه ثعلبة بن عمرو. والعَنْقاءُ: اسم مَلِكِ،
والتأنيث عند الليث للفظ العَنْقاءِ. والتَّعانِيقُ: موضع؛ قال زهير:
صَحَا القلبُ عن سَلْمَى، وقد كاد لا يَسْلُو،
وأَقْفَرَ، من سَلْمَى، التَّعانِيقُ فالثِّقْلُ
قال الأَزهري: ورأَيت بالدهناء شبه مَنارة عاديَّةٍ مبنية بالحجارة،
وكان القوم الذين كنت معهم يسمونها عَناقَ ذي الرمة لذكره إياها في شعره
فقال:
ولا تَحْسَبي شَجِّي بك البِيدَ، كلَّما
تَلأْلأَ بالغَوْرِ النُّجومُ الطَّوامِسُ
مُرَاعاتَكِ الأَحْلالَ ما بين شارعٍ،
إلى حيثُ حادَتْ عن عَنَاق الأَواعِسُ
قال الأَصمعي: العَناق بالحِمَى وهو لَغَنِيٍّ وقيل: وادي العَناق
بالحِمَى في أَرض غنِيّ؛ قال الراعي:
تَحمَّلْنَ من وادي العَناق فثَهْمَدِ
والأَعْنَق: فحل من خيل العرب معروف، إليه تنسب بنات أَعْنَق من الخيل؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
تَظَلُّ بناتُ أَعْنَقَ مُسْرَجاتٍ،
لرؤيتِها يَرُحْنَ ويَغْتَدِينا
ويروى: مُسْرِجاتٍ. قال أَبو العباس: اختلفوا في أَعْنَق فقال قائل: هم
اسم فرس، وقال آخرون: هو دُهْقان كثير المال من الدَّهَاقِين، فمن جعله
رجلاً رواه مُسْرِجات، ومن جعله فرساً رواه مُسْرَجات.
وأَعْنَقَت الثُّرَيّا إذا غابت؛ وقال:
كأنِّي، حين أَعْنَقَتِ الثُّرَيّا،
سُقِيتُ الرَّاح أَو سَمّاً مَدُوفا
وأَعْنَقَتِ النجومُ إذا تقدمت للمَغيب.
والمُعْنِقُ: السابق، يقال: جاء الفرس مُعْنِقاً، ودابة مِعْناقٌ وقد
أَعْنَق؛ وأَما قول ابن أَحمر:
في رأس خَلْقاءَ من عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ،
لا يُبْتَغَى دونها سَهْلٌ ولا جَبَلُ
فإنه يصف جبلاً، يقول: لا ينبغي أَن يكون فوقها سهل ولا جبل أَحصن منها.
وقد عَانَقه إذا جعل يديه على عُنُقه وضمَّه إلى نفسه وتَعَانَقَا
واعْتَنَقا، فهو عَنِيقُه؛ وقال:
وباتَ خَيالُ طَيْفك لي عَنِيقاً،
إلى أَن حَيْعَل الدَّاعِي الفَلاحَا
رقع: رقَع الثوبَ والأَديم بالرِّقاع يَرْقَعُه رَقْعاً ورقَّعَه:
أَلحَمَ خَرْقه، وفيه مُتَرَقَّعٌ لمن يُصْلِحه أَي موضعُ تَرْقِيع كما قالوا
فيه مُتَنَصَّح أَي موضع خِياطة. وفي الحديث: المؤمنُ واهٍ راقِعٌ
فالسَّعِيدُ مَن هلَك على رَقْعِه، قوله واهٍ أَي يَهِي دِينُه بمعصيته
ويَرْقَعُهُ بتوبته، من رَقَعْت الثوبَ إِذا رَمَمْته. واسْتَرْقَع الثوبُ أَي
حانَ له أَن يُرْقَعَ. وتَرْقِيعُ الثوب: أَن تُرَقِّعَه في مواضع. وكلّ
ما سَدَدْت من خَلّة، فقد رَقَعْتَه ورَقَّعْته؛ قال عُمر بن أَبي
رَبِيعةَ:
وكُنَّ، إِذا أبْصَرْنَني أَو سَمِعْنَني، خَرَجْن فَرَقَّعْنَ الكُوى
بالمَحاجِرِ
(* في ديوان عمر: سَعَين مكان خرجن.)
وأَراه على المثل. وقد تَجاوَزُوا به إِلى ما ليس بِعَيْن فقالوا: لا
أَجِدُ فيكَ مَرْقَعاً للكلام. والعرب تقول: خَطِيب مِصْقَعٌ، وشاعِرٌ
مِرْقَعٌ، وحادٍ قُراقِرٌ مِصْقع يَذْهَب في كل صُقْع من الكلام، ومِرْقع يصل
الكلام فيَرْقَع بعضَه ببعض.
والرُّقْعةُ: ما رُقِع به: وجمعها رُقَعٌ ورِقاعٌ. والرُّقْعة: واحدة
الرِّقاع التي تكتب. وفي الحديث: يَجِيء أَحدُكم يومَ القِيامة على رقَبته
رِقاع تَخْفِق؛ أَراد بالرِّقاعِ ما عليه من الحُقوق المكتوبة في الرقاع،
وخُفُوقُها حرَكَتُها. والرُّقْعة: الخِرْقة.
والأَرْقَعُ والرَّقِيعُ:اسمان للسماء الدُّنيا لأَنّ الكواكب
رَقَعَتْها، سميت بذلك لأَنها مَرْقُوعة بالنجوم، والله أَعلم، وقيل: سميت بذلك
لأَنها رُقِعت بالأَنوار التي فيها، وقيل: كل واحدة من السموات رَقِيع
للأُخرى، والجمع أَرْقِعةٌ، والسموات السبع يقال إِنها سبعة أَرْقِعة، كلٌ
سَماء منها رَقَعت التي تليها فكانت طَبَقاً لها كما تَرْقَع الثوبَ
بالرُّقعة. وفي الحديث عن قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لسعْد بن معاذ، رضي
الله عنه، حين حكم في بني قُرَيْظةَ: لقدْ حَكَمْتَ بحكم الله من فَوقِ
سَبعة أَرْقِعة، فجاء به على التذكير كأَنه ذَهب به إِلى معنى السقْف، وعنى
سبع سموات، وكلُّ سماء يقال لها رَقِيع، وقيل: الرَّقِيع اسم سماء
الدنيا فأَعْطَى كُلَّ سَماء اسْمَها. وفي الصحاح: والرَّقِيع سماء الدنيا
وكذلك سائر السموات. والرَّقِيعُ: الأَحمق الذي يَتَمَزَّقُ عليه عَقْلُه،
وقد رَقُع، بالضم، رَقاعةً، وهو الأَرْقَعُ والمَرْقَعانُ، والأُنثى
مَرْقَعانة، ورَقْعاءُ، مولَّدة، وسمي رَقِيعاً لأَن عقله قد أَخْلَق
فاسْتَرَمَّ واحتاج إِلى أَن يُرْقَع.
وأَرْقَع الرَّجلُ أَي جاء برَقاعةٍ وحُمْقٍ. ويقال: ما تحت الرَّقِيع
أَرْقَعُ منه.
والرُّقْعة: قِطْعة من الأَرض تَلْتَزِق بأُخرى. والرُّقعة: شجرة عظيمة
كالجَوْزة، لها ورق كورق القَرْع، ولها ثمر أَمثال التّين العُظام
الأَبيض، وفيه أَيضاً حَبٌّ كحب التِّين، وهي طيّبة القِشْرة وهي حُلوة طيبة
يأْكلها الناس والمَواشِي، وهي كثيرة الثمر تؤكل رَطْبة ولا تسمى ثمرتها
تيناً، ولكن رُقَعاً إِلا أَن يقال تين الرُّقَع.
ويقال: قَرَّعني فلان بِلَوْمِه فما ارْتَقَعْت به أَي لم أَكْتَرِث به.
وما أَرْتَقِعُ بهذا الشيء وما أَرْتَقِعُ له أَي ما أَبالي به ولا
أَكترث؛ قال:
ناشَدتُها بكتاب اللهِ حُرْمَتَنا،
ولم تَكُن بِكتابِ اللهِ تَرْتَقِعُ
وما تَرْتَقِعُ مني برَقاع ولا بِمِرْقاعٍ أَي ما تُطِيعُني ولا تَقْبَل
مما أَنصحــك به شيئاً، لا يتكلم به إِلا في الجحد. ويقال: رَقَع الغَرضَ
بسهمه إِذا أَصابه، وكلُّ إِصابةٍ رَقْعٌ. وقال ابن الأَعرابي: رَقْعةُ
السهم صوته في الرُّقْعة. ورقَعَه رَقْعاً قبيحاً أَي هَجاه وشَتَمه؛
يقال: لأَرْقَعَنَّه رَقْعاً رَصِيناً. وأَرى فيه مُتَرَقَّعاً أَي موضعاً
للشتْمِ والهِجاء؛ قال الشاعر:
وما تَرَكَ الهاجونَ لي في أَدِيمكمْ
مَصَحًّا، ولكِنِّي أَرى مُتَرَقَّعا
وأَما قول الشاعر:
أَبى القَلْبُ إِلاَّ أُمّ عَمْروٍ وحُبّها
عَجُوزاً، ومَن يُحْبِبْ عَجُوزاً يُفَنَّدِ
كثَوْبِ اليماني قد تَقادَمَ عَهْدُه،
ورُقْعَتُه ما شِئْتَ في العينِ واليدِ
فإِنما عنى به أَصلَه وجَوْهَره. وأَرْقَع الرجلُ أَي جاء برَقاعةٍ
وحُمْق. ويقال: رَقَع ذَنَبَه بسَوْطه إِذا ضربه به. ويقال: بهذا البعير
رُقْعة من جَرَب ونُقْبة من حرب، وهو أَوّل الجرَب. وراقع الخمرَ: وهو قلب
عاقَرَ.
والرَّقْعاء من النساء: الدَّقِيقةُ الساقَيْنِ، ابن السكيت، في
الأَلفاظ: الرَّقْعاء والجَبّاء والسَّمَلَّقةُ: الزَّلاَّءُ من النساء، وهي
التي لا عَجِيزةَ لها. وامرأَة ضَهْيَأَةٌ بوزن فَعْلة مهموزة: وهي التي لا
تحيض؛ وأَنشد أَبو عمرو:
ضَهْيأَة أَو عاقِر جَماد
ويقال للذي يزيد في الحديث: وهو تَنْبُِيق وتَرْقِيع وتَوْصِيل، وهو
صاحب رمية يزيد في الحديث. وفي حديث مُعاوية: كان يَلْقَم بيد ويَرْقَعُ
بالأُخرى أَي يَبسُط إِحدى يديه لينتثر عليها ما يسقطُ من لُقَمه.
وجُوعٌ يَرْقوع ودَيْقُوع ويُرْقُوعٌ: شديد؛ عن السيرافي. وقال أَبو
الغوث: جُوعٌ دَيْقُوع ولم يعرف يَرْقُوع.
والرُّقَيْعُ: اسم رجل من بني تميم. والرُّقَيْعِيُّ: ماء بين مكة
والبصرة. وقَنْدةُ الرّقاعِ: ضَرْبٌ من التمر؛ عن أَبي حنيفة. وابن الرِّقاعِ
العامِلِيّ: شاعر معروف؛ وقال الرّاعِي:
لو كُنْتَ مِن أَحَدٍ يُهْجَى هَجَوْتُكمُ،
يا ابْنَ الرِّقاع، ولكن لسْتَ مِن أَحَدِ
فأَجابه ابن الرِّقاع فقال:
حُدِّثْتُ أَنّ رُوَيْعِي الإِبْلِ يَشْتُمُني،
واللهُ يَصْرِفُ أَقْواماً عن الرَّشَدِ
فإِنْكَ والشِّعْرَ ذُو تُزْجِي قَوافِيَه،
كَمُبْتَغِي الصَّيْدِ في عِرِّيسةِ الأَسَدِ
غوي: الغَيُّ: الضَّلالُ والخَيْبَة. غَوَى، بالفَتح، غَيّاً وغَوِيَ
غَوايَةً؛ الأَخيرة عن أَبي عبيد: ضَلَّ. ورجلٌ غاوٍ وغَوٍ وغَوِيٌّ
وغَيَّان: ضالٌّ، وأَغْواه هو؛ وأَنشد للمرقش:
فمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ الناسُ أَمْرَه
ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائمَا
وقال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
وهَلْ أَنا إِلاَّ مِنْ غَزِيَّة، إِن غَوَتْ
غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ؟
ابن الأَعرابي: الغَيُّ الفَسادُ، قال ابن بري: غَوٍ هو اسمُ الفاعِلِ
مِنْ غَوِيَ لا من غَوَى، وكذلك غَوِيٌّ، ونظيره رَشَدَ فهو راشِدٌ
ورَشِدَ فهو رَشِيدٌ. وفي الحديث: مَنْ يُطِع اللهَ ورَسُولَه فقَدْ رَشَد ومن
يَعْصِمها فقَدْ غَوَى؛ وفي حديث الإِسراء: لو أَخَذْت الخَمْرَ غَوَتْ
أُمَّتُك أَي ضَلَّت؛ وفي الحديث: سَيكونُ عَلَيْكم أَئِمَّةٌ إِن أَطَعْتُوهُم
غَوَيْتُهم؛ أَي إِنْ أَطاعُوهم فيما يأْمُرُونَهم به من الظُّلْم
والمعاصي غَوَوْا أَي ضَلّوا. وفي حديث موسى وآدم، عليهما السلام: أَغْوَيْتَ
الناس أَي خَيَّبْتَهُم؛ يقال: غَوَى الرجُلُ خابَ وأَغْواه غَيْرُه،
وقوله عز وجل: فعَصَى آَدَمُ ربَّه فَغَوَى؛ أَي فسَدَ عليه عَيْشُه، قال:
والغَوَّةُ والغَيَّةُ واحد. وقيل: غَوَى أَي ترَك النَّهْيَ وأَكلَ من
الشَّجَرة فعُوقِبَ بأَنْ أُخْرِجَ من الجنَّة. وقال الليث: مصدر غَوَى
الغَيُّ، قال: والغَوايةُ الانْهِماكُ في الغَيِّ. ويقال: أَغْواه الله إِذا
أَضلَّه. وقال تعالى: فأَغْويْناكمْ إِنَّا كُنا غاوِينَ؛ وحكى المُؤَرِّجُ
عن بعض العرب غَواهُ بمعنى أَغْواهُ؛ وأَنشد:
وكائِنْ تَرَى منْ جاهِلٍ بعدَ عِلْمِهِ
غَواهُ الهَوَى جَهْلاً عَنِ الحَقِّ فانغَوَى
قال الأَزهري: لو كان عَواه الهَوَى بمعنى لَواهُ وصَرَفه فانْعَوَى كان
أَشبَه بكلامِ العرب وأَقرب إِلى الصواب. وقوله تعالى: فَبِما
أَغْوَيْتَني لأَقْعُدَنَّ لهُمْ صِراطَك المُسْتَقِيمَ؛ قيلَ فيه قَولانِ، قال
بَعْضُهُم: فَبما أَضْلَلْتَني، وقال بعضهم: فَبما دَعَوْتَنِي إِلى شيءٍ
غَوَيْتُ به أَي غَوَيْت من أَجلِ آدَمَ، لأَقْعُدَنَّ لهُم صِراطَك أَي على
صِراطِك، ومثله قوله ضُرِبَ زيدٌ الظَّهْرَ والبَطْنَ المعنى على الظهر
والبَطْنِ. وقوله تعالى: والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُم الغاووُن؛ قيل في
تفسيره: الغاوون الشياطِينُ، وقيل أَيضاً: الغاوُونَ من الناس، قال الزجاج:
والمعنى أَنَّ الشاعرَ إِذا هَجَا بما لا يجوزُ هَوِيَ ذلك قَوْمٌ
وأَحَبُّوه فهم الغاوون، وكذلك إِن مَدَح ممدوحاً بما ليس فيه وأَحَبَّ ذلك
قَوْمٌ وتابَعوه فهم الغاوُون. وأَرْضٌ مَغْواةٌ: مَضَلة. والأُغْوِيَّةُ:
المَهْلَكة: والمُغَوَّياتُ، بفتح الواو مشددة، جمع المُغَوَّاةِ: وهي
حُفْرَةٌ كالزُّبْية تُحْتَفَر للأَسَدِ؛ وأَنشد ابن بري لمُغَلّس بن
لَقِيط:وإِنْ رَأَياني قد نَجَوْتُ تَبَغَّيَا
لرِجْلي مُغَوَّاةً هَياماً تُرابُها
وفي مثل للعرب: مَن حَفَرَ مُغَوَّاةً أَوْشَكَ أَن يَقَع فيها. ووَقَعَ
الناسُ في أَغْوِيَّةٍ أَي في داهيَة. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أَنه قال:
إِن قُرَيْشاً تريدُ أَن تكونَ مُغْوِياتٍ لمال اللهِ؛ قال أَبو عبيد: هكذا
روي بالتخفيف وكسر الواو، قال: وأَما الذي تَكَلَّمَت به العرب
فالمُغَوَّياتُ، بالتشديد وفتح الواو، واحدتها مُغَوَّاةٌ، وهي حُفْرةٌ
كالزُّبْية تُحْتَفَرُ للذئْبِ ويجعلُ فيها جَدْيٌ إِذا نَظر الذئبُ إِليه سقَط
عليه يريدهُ فيُصادُ، ومن هذا قيلَ لكلْ مَهْلَكة مُغَوَّاةٌ؛ وقال
رؤبة:إِلى مُغَوَّاةِ الفَتى بالمِرْصاد
يريد إِلى مَهْلَكَتِه ومَنِيَّتِه، وشَبَّهَها بتلك المُغَوَّاةِ، قال:
وإِنما أَراد عمر، رضي الله عنه، أَن قريشاً تريدُ أَن تكونَ مهلكَةً
لِمالِ اللهِ كإِهلاكِ تلك المُغَوَّاة لما سقط فيها أَي تكونَ مصايدَ للمالِ
ومَهالِكَ كتلك المُغَوَّياتِ. قال أَبو عمرو: وكلُّ بئرٍ مُغَوَّاةٌ،
والمُغَوَّاة في بيت رُؤبة: القَبْرُ. والتَّغاوي: التَّجَمُّع وتَغاوَوْا
عليه تَعاوَنُوا عليه فقَتَلُوه وتَغاوَوْا عليه: جاؤوه من هُنا وهُنا وإِن
لم يَقْتُلُوه. والتَّعاوُن على الشَّرِّ، وأَصلُه من الغَواية أَو
الغَيِّ؛ يُبَيِّن ذلك شِعْرٌ لأُخْتِ المنذِرِ بنِ عمرو الأَنصارِيّ قالَتْه
في أَخيها حين قَتَله الكفار:
تَغاوَتْ عليه ذِئابُ الحِجاز
بَنُو بُهْثَةٍ وبَنُو جَعْفَرِ
وفي حديث عثمان، رضي الله عنه، وقتْلَته قال: فتَغاوَوْا واللهِ عليه حتى
قَتلوه أَي تَجَمَّعوا. والتَّغاوي: التَّعاوُنُ في الشَّرِّ، ويقال بالعين
المهملة، ومنه حديث المسلِم قاتِل المشرِكِ الذي كان يَسُبُّ النبيَّ،
صلى الله عليه وسلم ، فتَغاوى المشركون عليه حتى قتلوه، ويروى بالعين
المهملة، قال: والهرويّ ذكرَ مَقْتَل عثمانَ في المعجمة وهذا في المهملة .
أَبو زيد: وقَع فلان في أُغْوِيَّة وقي وامِئة أَي في داهية. الأَصمعي: إذا
كانت الطيرف تَحُومُ على الشيء قيل هي تَغايا عليه وهي تَسُومُ عليه ،
وقال شمر: تَغايا وتَغاوَى بمعنى واحدٍ ؛ قال العجاج :
وإنْ تَغاوَى باهِلاً أَو انْعَكَرْ
تَغاوِيَ العِقْبانِ يَمْزِقْنَ الجَزَرْ
قال: والتَّغاوي الارتقاءُ والانْحِدارُ كأَنه شيءٌ بعضُه فوْق بعضٍ،
والعِقْبانُ: جمع العُقابِ، والجَزَرُ: اللحْمُ. وغَوِيَ الفصيلُ
والسَّخْلَة يَغْوي غَوىً فهو غَوٍ: بَشِمَ من اللَبنِ وفَسَدَ جَوْفُه ، وقيل :
هو أَن يُمْنَع من الرَّضاعِ فلا يَرْوى حتى يُهْزَل ويَضُرَّ به الجوعُ
وتَسُوءَ حالُه ويموتَ هُزالاً أَو يكادَ يَهْلِكُ؛ قال يصف قوساً:
مُعَطَّفَة الأثْناء ليس فَصِيلُها
بِرازِئِها دَراً ولا مَيِّت غَوَى
وهو مصدرٌ يعني القوسَ وسَهْمَاً رمى به عنها ، وهذا من اللُّغَزِ.
والغَوى: البَشَمُ، ويقال: العَطَش، ويقال: هو الدَّقى؛ وقال الليث: غَوِيَ
الفَصِيلُ يَغْوى غَوىً إذا لم يُصِبْ رِيّاً من اللَّبن حتى كاد يَهْلِك،
قال أَبو عبيد: يقال غَويتُ أَغْوى وليست بمعروفة، وقال ابن شميل: غَويَ
الصبيُّ والفَصِيلُ إذا لم يَجِدْ من اللَّبَنِ إلاَّ عُلْقَةً، فلاَ
يَرْوَى وتَراهُ مُحْثَلاً، قال شمر: وهذا هو الصحيح عند أَصحابنا.
والجوهري: والغَوى مصدرُ قولِكَ: غَوِيَ الفَصِيلُ والسَّخْلَة ، بالكسر،
يَغْوَى غوىً، قال ابن السكيت: هو أَنْ لا يَرْوى من لِبَإ أُمّه ولا يَرْوى
من اللبن حتى يموتَ هُزالاً . قال ابن بري: الظاهر في هذا البيت قولُ ابن
السكيت والجمهور على أَن الغَوَى البَشَم من اللَّبَن. وفي نوادر الأَعراب
يقال: بتُّ مغْوًى وغَوًى وغَوِيّاً وقاوِياً وقَوًى وقَويّاً
ومُقْوِياً إذا بِتَّ مُخْلِياً مُوحِشاً. ويقال رأَيته غَوِيًّا من الجوع
وقَويًّا وَضوِيًّا وطَوِيًّا إذا كان جائِعًا؛ وقول أَبي وجزة:
حتَّى إذا جَنَّ أَغْواءُ الظَّلامِ لَهُ
مِنْ فَوْرِ نَجْمٍ من الجَوزاء مُلْتَهِبِ
أَغْواءُ الظَّلام: ما سَتَرَكَ بسَوادِهِ، وهو لِغَيَّة ولِغِيَّة أَي
لزَنْيَةٍ، وهو نَقِيضُ قولك لِرَشْدَةٍ. قال اللحياني: الكسر في
غِيَّةٍ قليلٌ.
والغاوي: الجَرادُ. تقول العرب: إذا أَخْصَبَ الزمانُ جاء الغاوي
والهاوي؛ الهادي: الذئبُ. والغَوْغاء: الجَرادُ إذا احْمَرَّ وانْسَلَخ من
الأَلْوان كلِّها وبَدَتْ أَجنِحتُه بعد الدَّبى. أَبو عبيد: الجَرادُ أَوّل
ما يكونُ سَرْوَةٌ، فإذا تَحَرَّكَ فهو دَبًى قبل أَن تَنْبُتَ
أَجنِحَتُه، ثم يكونُ غَوْغاء، وبه سُمِّي الغَوْغاءُ.
والغاغَةُ من الناس: وهم الكثير المختلطون ، وقيل: هو الجراد إذا صارت
له أَجنحة وكادَ يَطيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِلَّ فيَطِيرَ، يُذَكَّر
ويُؤَنَّث ويُصْرَفُ ولا يُصْرف، واحِدتُه غَوْغاءةٌ وغَوْغاةٌ، وبه سُمِّي
الناسُ. والغَوْغاء: سَفِلَة الناسِ، وهو من ذلك. والغَوْغاء: شيءٌ يُشبهُ
البَعُوضَ ولا يَعَضُّ ولا يُؤذي وهو ضعيف ، فمَن صَرَفه وذَكَّرَهُ
جَعَله بمنزلة قَمْقام، والهمزةُ بدلٌ من واو، ومن لم يَصْرِفْه جَعَله
بمنزلة عَوْراء. والغَوْغاء: الصَّوتُ والجَلَبة؛ قال الحرث بنُ حِلِّزة
اليشكري:
أَجْمَعُوا أَمْرَهم بلَيْلٍ، فلمَّا
أَصْبَحُوا أَصْبَحَت لهم غَوْغاءُ
ويروى: ضَوْضاءُ. وحكى أَبو عليّ عن قُطْرُب في نوادِرَ له: أَنّ
مُذَكَّرَ الغَوْغاء أَغْوَغُ، وهذا نادرٌ غيرُ معروف. وحكي أَيضاً: تَغَاغى
عليه الغَوْغاء إذا رَكِبُوه بالشَّرِّ. أَبو العباس: إذا سَمَّيْتَ
رجلاً بغَوْغاء فهو على وجهين: إن نَوَيْتَ به ميزانَ حَمراءَ لم تصرفه، وإن
نَوَيتَ به ميزانَ قعْقاع ٍ صَرَفْتَه.
وغَوِيٌّ وغَوِيَّةُ وغُوَيَّةُ: أَسماءٌ. وبَنُو غَيَّانَ: حَيٌّ همُ
الذين وَفَدوا على النبي، صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم: من أَنتم؟
فقالوا: بَنو غَيّانَ، قال لهم: بَنُو رَشْدانَ، فبناه على فَعْلانَ علماً
منه أَن غَيّانَ فَعْلانُ، وأَنَّ فَعْلانَ في كلامهم مما في آخره الألفُ
والنونُ أَكثرُ من فَعَّالٍ مما في آخره الألف والنون، وتعليلُ رَشْدانَ
مذكور في مَوْضِعه. وقوله تعالى فسوفَ يَلْقَونَ غَيًّا؛ قيل: غيٌّ وادٍ في
جَهَنَّم، وقيل: نهر، وهذا جدير أَن يكون نهراً أَعَدَّه الله للغاوين سَمَّاه
غَيًّا، وقيل: معناه فسَوْفَ يَلْقَوْنَ مُجازاة غَيِّهم، كقوله تعالى:
ومَنْ يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثاماً؛ أَي مُجازاةَ الأَثامِ. وغاوَةُ:
اسمُ جَبَل؛ قال المُتَلَمّس يخاطب عمرو بنَ هِنْدِ:
فإذا حَلَلْتُ ودُونَ بَيْتيَ غاوَةٌ،
فابْرُقْ بأَرْصِكَ ما بَدا لَكَ وارْعُدِ
بخع: بخَعَ نفْسَه يَبْخَعُها بَخْعاً وبُخوعاً: قتلَها غيْظاً أَو
غَمّاً. وفي التنزيل: فلعلَّك باخعٌ نفْسَك على آثارِهم؛ قال الفرّاء: أَي
مُخْرِجٌ نفسَك وقاتلٌ نفسَك؛ وقال ذو الرمة:
أَلا أَيُّهذا الباخِعُ الوَجْدِ نفسَه
بشيءٍ نَحَتْه عن يدَيْكَ المَقادِرُ
قال الأَخفش: يقال بَخَعْتُ لك نفْسي ونُصْحِي أَي جَهَدْتها أَبْخَعُ
بُخوعاً. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، أَنها ذكرت عمر، رضي الله عنه،
فقالت: بَخَعَ الأَرضَ فقاءتْ أُكُلَها أَي قَهر أَهلَها وأَذلَّهم
واستخرَج ما فيها من الكُنوز وأَموال المُلوك. وبَخَعْتُ الأَرضَ بالزِّراعةِ
أَبْخَعُها إِذا نَهَكْتُهَا وتابَعْت حِراثَتها ولم تُجِمَّها عاماً.
وبخَع الوَجْدُ نفسَه إِذا نَهَكَها. وبخَعَ له بحقّه يَبْخَعُ بُخوعاً
وبَخاعةً: أَقرَّ به وخضَع له، وكذلك بَخِعَ، بالكسر، بُخوعاً وبَخاعةً،
وبَخَعَ لي بالطاعة بُخوعاً كذلك. وبَخَعْت له: تذَلَّلْت وأَطَعت وأَقرَرْت.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه: فأَصبَحْتُ بجَنبتَي الناسِ ومَن لم يكن
يَبْخَعُ لنا بطاعة. وفي حديث عُقْبة بن عامر: أَن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قال: أَتاكُم أَهلُ اليَمنِ هم أَرَقُّ قُلوباً وأَلْيَنُ أَفئدةً
وأَبْخَعُ طاعةً أَي أَنْصَحُ وأَبْلَغُ في الطاعةِ من غيرهم كأَنهم
بالَغُوا في بَخْعِ أَنفسهم أَي قَهرِها وإِذْلالِها بالطاعةِ. قال ابن
الأَثير: قال الزمخشري هو من بَخَع الذَّبِيحةَ إِذا بالَغ في ذَبْحِها وهو أَن
يَقْطَع عظْم رقبتها ويَبْلُغَ بالذَّبْح البِخاع، بالباء، وهو العِرْق
الذي في الصُّلْب؛ والنخْعُ، بالنون، دون ذلك وهو أَن يبلُغ بالذبح
النُّخاع، وهو الخيْط الأَبيض الذي يَجري في الرَّقبة، هذا أَصله ثم كثُر حتى
استعمل في كل مبالغة؛ قال ابن الأَثير: هكذا ذكره في الكشاف وفي كتاب
الفائق في غريب الحديث ولم أَجده لغيره، قال: وطالما بحثت عنه في كتب اللغة
والطب والتشريح فلم أَجد البِخاع، بالباء، مذكوراً في شيء منها. وبَخَعْت
الرَّكيّة بَخْعاً إِذا حَفرْتها حتى ظَهر ماؤها.
حصن: حَصُنَ المكانُ يَحْصُنُ حَصانةً، فهو حَصِين: مَنُع، وأَحْصَنَه
صاحبُه وحَصَّنه. والحِصْنُ: كلُّ موضع حَصِين لا يُوصَل إلى ما في
جَوْفِه، والجمع حُصونٌ. وحِصْنٌ حَصِينٌ: من الحَصانة. وحَصَّنْتُ القرية إذا
بنيتَ حولَها، وتَحَصَّنَ العَدُوُّ. وفي حديث الأَشعث: تَحَصَّنَ في
مِحْصَنٍ
(* قوله «في محصن» كذا ضبط في الأصل، وقال شارح القاموس كمنبر،
والذي في بعض نسخ النهاية كمقعد). المِحْصَنُ: القصرُ والحِصْنُ. وتَحَصَّنَ
إذا دخل الحِصْنَ واحْتَمى به. ودرْعٌ حَصِين
وحَصِينة: مُحْكمَة؛ قال ابن أَحمر:
همُ كانوا اليَدَ اليُمْنى، وكانوا
قِوامَ الظِّهْرِ والدِّرعَ الحَصِينا.
ويروى: اليدَ العُلْيا، ويروى: الوُثْقَى؛ قال الأََعشى:
وكلُّ دِلاصٍ، كالأَضاةِ، حَصِينةٍ،
ترى فَضْلَها عن رَبِّها يَتَذَبْذَبُ
(* قوله «عن ربها» كذا في الأصل،
وفي التهذيب والمحكم عن ريعها). وقال شمر: الحَصِينة من الدروع الأَمينة
المُتدانية الحِلَق التي لا يَحِيكُ فيها السِّلاح؛ قال عَنْترة
العَبْسيُّ:
فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حَصِيناً،
وعَطْعَطَ ما أَعَدَّ من السِّهام. وقال الله تعالى في قصة داود، على
نبينا وعليه الصلاة والسلام: وعَلَّمْناه صنعةَ لَبُوسٍ لكم لتُحْصِنَكم
مِنْ بأْسِكم؛ قال الفراء: قُرئ لِيُحْصِنَكم ولِتُحْصِنَكم ولنحصنكم، فمن
قرأَ ليُحْصِنكم فالتذكير لِلَّبُوس، ومن قرأَ لتُحْصِنَكم ذهب إلى
الصنعة، وإن شئت جعلته للدرع لأَنها هي اللبوسُ وهي مؤنثة، ومعنى ليُحْصِنَكم
ليمنعكم ويُحْرِزَكم، ومن قرأَ لِنُحْصِنَكم، بالنون، فمعنى لنُحْصِنَكم
نحنُ، الفعلُ لله عز وجل. وامرأَة حَصانٌ، بفتح الحاء: عفيفة بَيِّنة
الحَصانةِ والحُصْنِ ومتزوِّجَةٌ أَيضاً من نسوة حُصُنٍ وحَصاناتٍ، وحاصِنٌ
من نِسْوَةٍ حَواصِنَ وحاصِنات، وقد حَصُنَت تَحْصُنُ حِصْناً وحُصْناً
وحَصْناً إذا عَفَّتْ عن الرِّيبة، فهي حَصانٌ؛ أَنشد ابن بري:
الحُصْنُ أَدْنى، لو تآيَيْتِهِ،
مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ على الرَّاكِبِ.
وحَصَّنَت المرأَةُ نفسَها وتَحَصَّنَتْ وأَحْصَنَها وحَصَّنها
وأَحْصَنَت نفسها. وفي التنزيل العزيز: والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها. وقال شمر:
امرأَة حَصانٌ وحاصِنٌ وهي العفيفة، وأَنشد:
وحاصِن منْ حاصِنات مُلْسِ
مِنَ الأَذَى، ومن قِرافِ الوَقْسِ.
وفي الصحاح: فهي حاصِنٌ وحَصانٌ وحَصْناء أَيضاً بَيِّنة الحَصانةِ.
والمُحْصَنةُ: التي أَحصنها زوجها، وهن المُحْصَنات، فالمعنى أَنهن
أُحْصِنَّ بأَزْواجِهنَّ. والمُحْصَنات: العَفائِفُ من النساء. وروى الأَزهري عن
ابن الأَعرابي أَنه قال: كلامُ العرب كلُّه على أَفْعَلَ فهو مُفْعِل إلا
ثلاثة أَحرف: أَحْصَنَ فهو مُحْصَنٌ، وأَلْفَجَ فهو مُلْفَجٌ، وأَسْهَبَ
في كلامِهِ فهو مُسْهَب؛ زاد ابن سيده: وأَسْهَمَ فهو مُسْهَم. وفي
الحديث ذِكْرُ الإحْصان والمُحْصَناتِ في غير موضع، وأَصل الإحْصانِ المنعُ،
والمرأَة تكون مُحْصَنة بالإسلام والعَفافِ والحريّة والتزويج. يقال:
أَحْصَنَت المرأَة، فهي مُحْصَنة ومُحْصِنَة، وكذلك الرجل. والمُحْصَنُ،
بالفتح: يكون بمعنى الفاعل والمفعول؛ وفي شعر حسَّان يُثْني على عائشة، رضي
الله عنها:
حَصَانٌ رَازانٌ ما تُزَنُّ بِريبةٍ،
وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحومِ الغَوافِل.
وكلُّ امرأَةٍ عفيفةٍ مُحْصَنةٌ ومُحْصِنَةٌ، وكلُّ امرأَة متزوِّجة
مُحْصَنةٌ، بالفتح لا غير؛ وقال:
أَحْصَنُوا أُمَّهُمُ مِنْ عَبْدِهم،
تلك أَفْعالُ القِزام الوَكَعهْ أَي زَوَّجُوا. والوَكَعة: جمع
أَوْكَعَ. يقال: عبدٌ أَوْكَعُ، وكان قياسُهُ وُكع، فشُبِّه بفاعِل فجُمِع
جَمْعَه، كما قالوا أَعْزَل وعُزَّل كأَنه جمع عازِل؛ وقال أَبو عبيد: أَجمع
القرَّاء على نصب الصاد في الحرف الأََول من النساء، فلم يختلفوا في فتح
هذه لأَن تأْويلها ذوات الأَزواج يُسْبَيْنَ فيُحِلُّهنَّ السِّباء لِمَنْ
وطئِها من المالِكين لها، وتنقطع العِصْمةُ بينهنَّ وبين أَزواجهن بأَن
يَحِضْنَ حيضة ويَطْهُرْنَ منها، فأَما سوى الحرف الأول فالقُرَّاءُ
مختلفون: فمنهم من يكسر الصاد، ومنهم من يفتحها، فمَنْ نَصَبَ ذَهَبَ إلى ذوات
الأَزواج اللاتي قد أَحْصَنَهُنَّ أَزواجُهن، ومَنْ كسَر ذهبَ إلى أَنهن
أَسْلَمْنَ فأَحْصَنْ أَنفسهن فهنَّ مُحْصِنات. قال الفراء:
والمُحْصَنات من النساء، بِنَصْب الصاد، أَكثر في كلام العرب. وأَحْصَنَتْ المرأَةُ:
عَفَّت، وأَحْصَنَها زَوْجُها، فهي مُحْصَنة ومُحْصِنة. ورجل مُحْصَنٌ:
متزوِّج، وقد أَحْصَنَه التزوّجُ. وحكى ابن الأَعرابي: أَحْصَنَ الرجلُ
تزوجَ، فهو مُحصَن، بفتح الصاد فيهما نادر. قال الأَزهري: وأَما قوله
تعالى: فإِذا أُحْصِنَّ فإِن أَتَيْنَ بفاحشةٍ فعليهنَّ نِصْفُ ما على
المُحْصَناتِ من العذاب؛ فإن ابن مسعود قرأَ: فإذا أَحْصَنَّ، وقال: إِحْصانُ
الأَمةِ إسلامُها، وكان ابن عباس يقرؤها: فإِذا أُحْصِنَّ، على ما لم
يسمَّ فاعله، ويفسره: فإِذا أُحْصِنَّ بِزَوْجٍ، وكان لا يرَى على الأَمة
حدّاً ما لم تزوّج، وكان ابن مسعود يرى عليها نِصْفَ حدّ الحرَّة إذا أَسلمت
وإن لم تزوّج، وبقوله يقولُ فقهاء الأَمصار، وهو الصواب. وقرأَ ابن كثير
ونافع وأَبو عمرو وعبد الله بن عامر ويعقوب: فإِذا أُحْصِنّ، بضم
الأَلف، وقرأَ حفص عن عاصم مثلَه، وأَما أَبو بكر عن عاصم فقد فتح الأَلف،
وقرأَ حمزة والكسائي فإِذا أُحْصَنَّ، بفتح الألف، وقالَ شمر: أَصلُ
الحَصانةِ المنعُ، ولذلك قيل: مَدِينةَ حَصينة ودِرْعٌ حَصِينة؛ وأَنشد يونس:
زَوْجٌ حصان حُصْنُها لم يُعْقَم.
وقال: حُصْنُها تَحْصِينُها نفسَها. وقال الزجاج في قوله تعالى:
مُحْصِنينَ غيرَ مُسافحِين؛ قال: مُتَزَوِّجين غير زُناةٍ، قال: والإحْصانُ
إِحْصانُ الفرج وهو إِعْفافُه؛ ومنه قوله تعالى: أَحْصَنَتْ فَرْجَها؛ أَي
أَعفَّتْه. قال الأَزهري: والأَمة إذا زُوِّجَتْ جازَ أَن يقال قد
أُحْصِنَت لأَن تزويجها قد أَحْصَنَها، وكذلك إذا أُعْتِقَتْ فهي مُحْصَنة، لأَن
عِتْقَها قد أَعَفَّها، وكذلك إذا أَسْلَمت فإِن إسْلامَها إِحْصانٌ لها.
قال سيبويه: وقالوا بناءٌ حَصِينٌ وامرأَة حَصَان، فَرقوا بين البِنَاء
والمرأَةِ حين أَرادُوا أَن يخبروا أَن البناء مُحْرِز لمن لجأَ إليه،
وأَن المرأَة مُحْرِزة لفَرْجها. والحِصَانُ: الفحلُ من الخيل، والجمع
حُصُنٌ. قال ابن جني: قولهم فرَسٌ
حِصانٌ بَيِّنُ التحصُّن هو مُشْتَقٌّ من الحَصانةِ لأَنه مُحْرِز
لفارسه، كما قالوا في الأُنثى حِجْر، وهو من حَجَر عليه أَي منعه. وتَحَصَّنَ
الفَرسُ: صارَ حِصاناً. وقال الأَزهري: تَحَصَّنَ إذا تَكَلَّف ذلك،
وخَيْلُ العرب حُصونها. قال الأَزهري: وهُمْ إلى اليوم يُسَمُّونها حُصوناً
ذُكورَها وإناثَها، وسئل بعض الحُكَّام عن رجلٍ جعل مالاً له في الحُصونِ
فقال: اشْتَرُوا خَيْلاً واحْمِلوا عليها في سبيل الله؛ ذهب إلى قول
الجعفي:
ولقد عَلِمْتُ على تَوَقِّي الرَّدَى
أَن الحُصونَ الخَيْلُ، لا مَدَرُ القُرى.
وقيل: سُمِّيَ الفرسُ حِصاناً لأَنه ضُنَّ بمائه فلم يُنْزَ إلا على
كريمة، ثم كثُر ذلك حتى سَمَّوا كلَّ ذَكَر من الخيل حِصاناً، والعرب تسمي
السِّلاحَ كلَّه حِصْناً؛ وجعل ساعِدةُ الهذليّ النّصالَ أَحْصِنة فقال:
وأَحْصِنةٌ ثُجْرُ الظُّباتِ كأَنَّها،
إذا لم يُغَيِّبْها الجفيرُ، جَحِيمُ.
الثُّجْرُ: العراضُ، ويروى: وأَحصَنه ثجرُ الظبات أَي أَحْرَزَه؛ وقول
زهير:
وما أَدْرِي، وسَوْفَ إِخالُ أَدْرِي،
أَقومٌ آلُ حِصْنٍ أَم نِساءُ
يريد حِصْنَ بنَ حُذَيْفَةَ الفزاريَّ. والحَواصِنُ من النساء:
الحَبالى؛ قال:
تُبِيل الحَواصِنُ أَبْوالَها
والمِحْصَنُ
(* زاد في المحكم: وأحصنت المرأة حملت وكذلك الأتان، قال
رؤبة:
قد أحصنت مثل دعاميص الرفق * أجنة في مستكنات الحلق
عدّاه لما كان معناه حملت، والمحصن القفل إلخ).: القُفْلُ. والمِحْصَنُ
أَيضاً: المِكْتلةُ التي هي الزَّبيلُ، ولا يقال مِحْصَنة. والحِصْنُ:
الهِلالُ. وحُصَيْنٌ: موضع؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَقول، إذا ما أَقلعَ الغَيْثُ عَنْهُمُ:
أَمَا عَيْشُنا يومَ الحُصَيْن بعائد؟
والثعلبُ يُكْنى أَبا الحِصْنِ. قال الجوهري: وأَبو الحُصَيْن كنية
الثعلب؛ وأَنشد ابن بري:
لله دَرُّ أَبي الحُصَيْنِ لقدْ بَدَتْ
منه مَكايِدُ حُوَّلِيٍّ قُلَّبِ.
قال: ويقال له أَبو الهِجْرِس وأَبو الحِنْبِص. والحِصْنانِ: موضعٌ،
النسب إليه حِصْنيٌّ كراهية اجتماع إعرابين، وهو قول سيبويه، وقال بعضهم:
كراهية اجتماع النونين، قال الجوهري: وحِصْنانِ بلد. قال اليَزِيديُّ:
سأَلني والكسائيَّ المهديُّ عن النِّسْبة إلى البحرين وإلى حِصْنَين لِمَ
قالوا حِصْنِيٌّ وبَحْرانِيٌّ فقال الكسائي: كرهوا أََن يقولوا حِصْنانيٌّ
لاجتماع النونين، وقلتُ أَنا: كرهوا أن يقولوا بَحْرِيٌّ فيُشْبه
النِّسبةَ إلى البَحْر. وبنو حِصْنٍ: حَيٌّ. والحِصْنُ: ثَعْلبة بن عُكابَة
وتَيْم اللاتِ وذُهْل. ومِحْصَن: اسمٌ. ودارةُ مِحْصَن: موضعٌ؛ عن كراع.
وحُصَيْنٌ: أَبو الراعي عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْريّ الشاعر. وقد سمَّت
العربُ حِصْناً وحَصِيناً.
عقن: قال الأَزهري: أَما عَقَنَ فإِني لم أَسمع من مُشْتقاته شيئاً
مستعملاً إلا أَن يكون العِقْيَانُ فِعْيالاً منه، وهو الذَّهَبُ، ويجوز أَن
يكون فِعَْلاناً من عَقَى يَعْقِي، وهو مذكور في بابه.