Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فشا

جِلِّقُ

جِلِّقُ:
بكسرتين وتشديد اللام وقاف كذا ضبطه الأزهري والجوهري، وهي لفظة أعجمية، ومن عرّبها قال: هو من جلّق رأسه إذا حلقه: وهو اسم لكورة الغوطة كلها، وقيل بل هي دمشق نفسها، وقيل جلّق موضع بقرية من قرى دمشق، وقيل صورة امرأة يجري الماء من فيها في قرية من قرى دمشق، قاله نصر قال حسان بن ثابت الأنصاري:
لله درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزمان الأوّل
وقال حسان بن نمير المعروف بعرقلة الدمشقي يذكرها ويصف كثيرا من نواحيها من قصيدة وازن بها قصيدة أبي نواس فقال:
أجارة بيتينا أبوك غيور
مدح بها صلاح الدين يوسف بن أيوب وقصده بها إلى مصر كما فعل أبو نواس في قصيدة الخصيب حيث قال:
عسى من ديار الظاعنين بشير، ... ومن جور أيام الفراق مجير
لقد عيل صبري بعدهم، وتكاثرت ... همومي ولكنّ المحبّ صبور
وكم بين أكناف الثغور متيّم ... كثيب، غزته أعين وثغور
وكم ليلة بالماطرون قطعتها، ... ويوم إلى الميطور، وهو مطير
سقى الله من سطرا ومقرا منازلا، ... بها للندامى نضرة وسرور
ولا زال ظلّ النّير بين، فإنه ... طويل ويوم المرء فيه قصير
ويا بردى! لا زال ماؤك باردا، ... وماء الحيا من ساحتيك نمير
أبى العيش إلا بين أكناف جلّق، ... وقد لاح فيها أشمس وبدور
وكم بحمى جيرون سرب جآذر ... حبائلهنّ المال، وهو نفور
ولكن سأحويه، إذا سرت قاصدا ... إلى بلد فيه الصلاح أمير
وقال بعض الشعراء وجعلها مثلا في كثرة المياه والخير وغناها عن الأمطار:
الرّزق كالوسميّ ربّتما غدا ... روض القطا، وسقى حدائق جلّق
فإذا سمعت بحوّل متأدّب ... متألّه، فهو الذي لم يرزق
والرزق يخطي باب عاقل قومه، ... ويبيت بوّابا لباب الأحمق
وجلّق أيضا: ناحية بالأندلس بسرقسطة يسقي نهرها عشرين ميلا من باب سرقسطة، وليس بالأندلس أعذب من مائه، وهو يجري نحو المشرق، ويزعمون أن الماء إذا جرى مشرقا كان أعذب وأصحّ من الذي يجري نحو المغرب، وكان بنو أمية لما تملكوا الأندلس بعد انتقالهم من الشام أيام هربهم من بني العباس سموا عدة مواضع بالأندلس بأسماء مدن الشام، فسموا إشبيلية حمص وسموا موضعا آخر الرّصافة وموضعا آخر تدمر، ثم تلاعبت بها ألسنة أهل الأندلس فقالوا تدمير وسموا هذا الموضع جلق وقال الأديب أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني:
دعوت، فأسمعت بالمرهفا ... ت صمّ الأعادي وصمّ الصفا
وشمت سيوفك في جلّق، ... فشامت خراسان منك الحيا
قال ابن بسام الأندلسي بعد إيراده هذا البيت: جلق واد في شرقي الأندلس.

الحِجاز

الحِجاز:
بالكسر، وآخره زاي، قال أبو بكر الأنباري: في الحجاز وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجزه إذا شدّه شدّا يقيده به، ويقال للحبل حجاز، ويجوز أن يكون سمي حجازا لأنه يحتجز بالجبال، يقال:
احتجزت المرأة إذا شدّت ثيابها على وسطها واتّزرت، ومنه قيل حجزة السراويل، وقول العامة حزّة السراويل خطأ، قال عبيد الله المؤلف، رحمه الله تعالى: ذكر أبو بكر وجهين قصد فيهما الإعراب ولم يذكر حقيقة ما سمي به الحجاز حجازا، والذي أجمع عليه العلماء أنه من قولهم حجزه يحجزه حجزا أي منعه. والحجاز: جبل ممتدّ حالّ بين الغور غور تهامة ونجد فكأنه منع كلّ واحد منهما أن يختلط بالآخر فهو حاجز بينهما، وهذه حكاية أقوال العلماء، قال الخليل: سمي الحجاز حجازا لأنه فصل بين الغور والشام وبين البادية، وقال عمارة بن
عقيل: ما سال من حرّة بني سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطعه البحر، وما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلى أن تقطعه تهامة، وهو حجاز أسود حجز بين نجد وتهامة، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق، وقال الأصمعي: ما احتزمت به الحرار حرّة شوران وحرّة ليلى وحرّة واقم وحرّة النار وعامة منازل بني سليم إلى المدينة، فذلك الشقّ كله حجاز، وقال الأصمعي أيضا في كتاب جزيرة العرب: الحجاز اثنتا عشرة دارا: المدينة وخيبر وفدك وذو المروة ودار بليّ ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة ونفر من هوازن وجلّ سليم وجلّ هلال وظهر حرّة ليلى، ومما يلي الشام شغب وبدا، وقال الأصمعي في موضع آخر من كتابه: الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام، وإنما سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية، وقال غيره: حدّ الحجاز من معدن النقرة إلى المدينة، فنصف المدينة حجازيّ ونصفها تهاميّ، وبطن نخل حجازي وبحذائه جبل يقال له الأسود نصفه حجازي ونصفه نجديّ، وذكر ابن أبي شبّة أن المدينة حجازية، وروي عن أبي المنذر هشام أنه قال: الحجاز ما بين جبلي طيّء إلى طريق العراق لمن يريد مكة، سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، وقيل: لأنه حجز بين الغور والشام وبين السراة ونجد، وعن إبراهيم الحربي أن تبوك وفلسطين من الحجاز، وذكر بعض أهل السير أنه لما تبلبلت الألسن ببابل وتفرّقت العرب إلى مواطنها سار طسم بن إرم في ولده وولد ولده يقفو آثار إخوته وقد احتووا على بلدانهم، فنزل دونهم بالحجاز فسموها حجازا لأنها حجزتهم عن المسير في آثار القوم لطيبها في ذلك الزمان وكثرة خيرها، وأحسن من هذه الأقوال جميعها وأبلغ وأتقن قول أبي المنذر هشام بن أبي النضر الكلبي، قال في كتاب افتراق العرب وقد حدّد جزيرة العرب ثم قال: فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزولها وتوالدوا فيها على خمسة أقسام عند العرب في أشعارهم وأخبارهم: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وذلك أن جبل السراة، وهو أعظم جبال العرب وأذكرها، أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمّته العرب حجازا لأنه حجز بين الغور، وهو تهامة، وهو هابط، وبين نجد وهو ظاهر، فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعكّ وكنانة وغيرها، ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها، وغار من أرضها الغور غور تهامة، وتهامة تجمع ذلك كله، وصار ما دون ذلك الجبل في شرقيه من صحاري نجد إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجدا، ونجد تجمع ذلك كله، وصار الجبل نفسه، وهو سراته، وهو الحجاز وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة، ومن بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازا، والعرب تسميه نجدا وجلسا وحجازا، والحجاز يجمع ذلك كله، وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما العروض، وفيها نجد وغور لقربها من البحر وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها، والعروض يجمع ذلك كله، وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشّحر وعمان وما بينها اليمن، وفيها التهايم والنجد، واليمن تجمع ذلك كله.
قال أبو المنذر: فحدّثنى أبو مسكين محمد بن جعفر
ابن الوليد عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال: إنّ الله تعالى لما خلق الأرض مادت فضربها بهذا الجبل، يعني السراة، وهو أعظم جبال العرب وأذكرها، فإنه أقبل من ثغرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازا لأنه حجز بين الغور وهو هابط، وبين نجد وهو ظاهر، ومبدؤه من اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فقطعته الأودية حتى بلغ ناحية نخلة، فكان منها حيض ويسوم، وهما جبلان بنخلة، ثم طلعت الجبال بعد منه فكان منها الأبيض جبل العرج وقدس وآرة والأشعر والأجرد، وأنشد للبيد:
مرّيّة حلّت بفيد وجاورت ... أرض الحجاز، فأين منك مرامها؟
وقد أكثرت شعراء العرب من ذكر الحجاز واقتدى بهم المحدثون، وسأورد منه قليلا من كثير من الحنين والتشوق، قال بعض الأعراب:
تطاول ليلي بالعراق، ولم يكن ... عليّ بأكناف الحجاز يطول
فهل لي إلى أرض الحجاز ومن به ... بعاقبة، قبل الفوات، سبيل؟
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل، ... فريح الصّبا منّي إليك رسول
وقال أعرابيّ آخر:
سرى البرق من أرض الحجاز فشاقني، ... وكلّ حجازيّ له البرق شائق
فوا كبدي مما ألاقي من الهوى، ... إذا حنّ إلف أو تألّق بارق!
وقال آخر:
كفى حزنا أني ببغداد نازل، ... وقلبي بأكناف الحجاز رهين
إذا عنّ ذكر للحجاز استفزّني، ... إلى من بأكناف الحجاز، حنين
فو الله ما فارقتهم قاليا لهم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الأشجع بن عمرو السّلمي:
بأكناف الحجاز هوى دفين، ... يؤرّقني إذا هدت العيون
أحنّ إلى الحجاز وساكنيه، ... حنين الإلف فارقه القرين
وأبكي حين ترقد كل عين، ... بكاء بين زفرته أنين
أمرّ على طبيب العيس نأي، ... خلوج بالهوى الأدنى، شطون؟
فإن بعد الهوى وبعدت عنه، ... وفي بعد الهوى تبدو الشجون،
فأعذر من رأيت على بكاء، ... غريب عن أحبته حزين
يموت الصّبّ والكتمان عنه، ... إذا حسن التذكّر والحنين

حِصْنُ زِيادٍ

حِصْنُ زِيادٍ:
بأرض أرمينية ويعرف اليوم بخرتبرت، وهو بين آمد وملطية، وهو إلى ملطية أقرب، وفيه يقول النامي يخاطب ناصر الدولة بن حمدان:
وحصن زياد، غدوة السّبت، نافشا ... سماما أراك ابن الأراقم أرقما

الحُولَةُ

الحُولَةُ:
بالضم ثم السكون: اسم لناحيتين بالشام، إحداهما من أعمال حمص ثم من أعمال بارين بين حمص وطرابلس، والأخرى كورة بين بانياس وصور من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة، من إحداهما كان الحارث الكذاب الذي ادعى النبوة أيام عبد الملك بن مروان، قال أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن مبارك حدثنا الوليد بن مسلمة عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب من أهل دمشق وكان مولى لابن الجلاس وكان له أب بالحولة، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرأيت عليه زهادة، قال: وكان إذا أخذ في التحميد لم يستمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، قال:
فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه اعجل عليّ فإني رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان عرض لي، قال: فزاره أبوه غبّا وكتب إليه: يا بنيّ أقبل على ما أمرت به فإن الله تعالى يقول: عَلى من تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 26: 221- 222، ولست بأفاك ولا أثيم فامض لما أمرت به، وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن هو رأى ما يرضى قبل وإلا كتم عليه، قال: وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبّح، وكان يطعمهم فواكه الصيف في الشتاء، وكان يقول لهم اخرجوا حتى أريكم الليلة فيخرجهم إلى دير مرّان فيريهم رجالا على خيل، فتبعه بشر كثير وفشا الأمر في المسجد وكثر أصحابه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق إن رضي أمرا قبله وإن كره كتم عليه، فقال له: إني نبيّ، فقال له القاسم: كذبت يا عدوّ الله ما أنت نبي ولا لك عهد ولا ميثاق! فقال له أبو إدريس: ما صنعت شيئا إذ لم يبين حتى نأخذه الآن يفر، قال: وقام من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فأعلمه بأمر حادث من الحارث، فأمر عبد الملك بطلبه فلم يقدر عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصّبيرة، قال:
واتهم عامة عسكره، يعني بالحارث، أن يكونوا يرون رأيه، وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس فاختفى فيه، وكان أصحابه يخرجون فيلتمسون الرجال فيدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس فأتاه رجل من أصحاب الحارث فقال له:
ههنا رجل يتكلم فهل لك أن تسمع من كلامه؟
قال: نعم، فانطلق معه حتى دخل على الحارث فأخذ في التحميد، فسمع البصريّ كلاما حسنا، قال: ثم أخبره
بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل، فقال له: إن كلامك لحسن ولكن في هذا نظر فانظر، فخرج البصري ثم عاد إليه فرد كلامه فقال: إن كلامك لحسن وقد وقع في قلبي وقد آمنت بك وهذا الدين المستقيم، قال: فأمر أن لا يحجب، قال: فأقبل البصري يتردد ويعرف مداخله ومخارجه وأين يذهب وأين يهرب حتى صار من أخص الناس به، ثم قال له:
ائذن لي، فقال: إلى أين؟ فقال: إلى البصرة أكون أول داعية لك بها، قال: فأذن له فخرج البصري مسرعا إلى عبد الملك وهو بالصّبيرة، فلما دنا من سرادقه صاح النصيحة النصيحة! فقال أهل العسكر: وما نصيحتك؟
قال: هي نصيحة لأمير المؤمنين، قال: فأمر عبد الملك أن يأذنوا له فدخل وعنده أصحابه، قال:
فصاح النصيحة النصيحة! فقال: وما نصيحتك؟
قال: اخلني لا يكن عندك أحد، قال: فأخرج من كان عنده، وكان عبد الملك قد اتهم أهل عسكره أن يكون هواهم معه، ثم قال له: ادنني، فأدناه وعبد الملك على السرير، فقال: ما عندك؟ فقال:
عندي أخبار الحارث، فلما سمع عبد الملك بذكر الحارث طرد نفسه من السرير ثم قال: أين هو؟
قال: يا أمير المؤمنين هو بالبيت المقدس وقد عرفت مداخله، وقص عليه قصته وكيف صنع به، فقال له:
أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرها ههنا فمرني بما شئت، فقال: ابعث معي قوما لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلا من أهل فرغانة وقال لهم:
انطلقوا مع هذا فما أمركم به من شيء فأطيعوه، قال: وكتب إلى صاحب بيت المقدس إن فلانا لأمير عليك حتى تخرج فأطعه فيما يأمرك به، فلما قدم البيت المقدس أعطاه الكتاب فقال له: مرني بما شئت، فقال له: اجمع لي إن قدرت كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس فإذا قلت أسرجوا فليسرجوا جميعا، قال: فرتبهم في أزقة بيت المقدس وفي زواياها بالشمع، فأقبل البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب وقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، قال: في هذه الساعة ما يؤذن عليه حتى تصبح! قال: أعلمه إنما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل، قال: فدخل عليه فأعلمه كلامه ففتح الباب ثم صاح البصري أسرجوا فأسرجت الشموع حتى كان بيت المقدس كأنه نهار، ثم قال: كل من مرّ بكم فاضبطوه، قال: ودخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فنظره فلم يجده فقال أصحابه: هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله وقد رفعه الله إلى السماء! قال: فطلبه في شقّ كان هيأه سربا فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا بثوبه فاجتره فأخرجه إلى خارج ثم قال للفرغانيين: اربطوه فربطوه، فبينما هم كذلك يسيرون به على البريد إذ قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟
فقال أهل فرغانة أولئك العجم: هذا كراننا فهات كرانك أنت، فسار به حتى أتى عبد الملك، فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فأصاب ضلعا من أضلاعه فكاعت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح! فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى بها إليه ثم أقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذها فقتله، فقال الوليد: ولقد بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقتله! قال: ولم؟ قال: إنما كان به المذهب فلو جوعته لذهب عنه ذلك، والمذهب الوسوسة، ومنه المذهب وهو وسوسة الوضوء ونحوه. قال القاضي عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: كان
العرباض بن سارية السّلمي يسكن حولة حمص.

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.

دَيرُ مِيمَاسَ

دَيرُ مِيمَاسَ:
بين دمشق وحمص على نهر يقال له ميماس، وإليه نسب، وهو في موضع نزه، وبه شاهد على زعمهم من حواريّي عيسى، عليه السلام، زعم رهبانه أنه يشفي المرضى، وكان البطين الشاعر قد مرض فجاؤوا به إليه يستشفي فيه فقيل إنّ أهله غفلوا عنه فبال قدّام قبر الشاهد، واتفق أن مات عقيب ذلك، فشاع بين أهل حمص أنّ الشاهد قتله وقصدوا الدير ليهدموه وقالوا: نصرانيّ يقتل مسلما لا نرضى! أو تسلموا إلينا عظام الشاهد حتى نحرقها، فرشا النصارى أمير حمص حتى رفع عنهم العامة، فقال شاعر يذكر ذلك:
يا رحمتا لبطين الشعر إذ لعبت ... به شياطينه في دير ميماس
وافاه وهو عليل يرتجي فرجا، ... فردّه ذاك في ظلمات أرماس
وقيل شاهد هذا الدير أتلفه ... حقّا مقالة وسواس وخنّاس
أأعظم باليات ذات مقدرة ... على مضرّة ذي بطش وذي باس!
لكنهم أهل حمص لا عقول لهم، ... بهائم غير معدودين في الناس

الأهيم

(الأهيم) من الرِّجَال وَمن الْإِبِل العطشان أَشد الْعَطش وَهِي هيماء (ج) هيم وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {فشاربون شرب الهيم} وليل أهيم لَا نُجُوم فِيهِ

شَوّاشٌ

شَوّاشٌ:
بالفتح ثم التشديد، وآخره شين أيضا: اسم رجل نسب إليه موضع في متنزهات دمشق يقال له جسر ابن شوّاش، قال فيه الشهاب فتيان بن علي بن فتيان الدمشقي الشاغوري الأديب النحوي:
يا حبّذا جنّة باب البريد بها، ... والحسن قد حشيت منه حواشيه
فالمرج فالنهر فالقصر المنيف على ال ... قصور بالشرف الأعلى فشانيه
فالجسر جسر ابن شوّاش فنيربها ... حلو معانيه لا تخلو مغانيه
كأنّ في رأس علّيّين ربوتها، ... يجري بها كوثر سبحان مجريه!
تلك المرابع لا رضوى وكاظمة، ... ولا العقيق تواريه بواديه

الصِّينُ

الصِّينُ:
بالكسر، وآخره نون: بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك، قال ابن الكلبي عن الشرقي: سميت الصين بصين، وصين وبغرابنا بغبر بن كماد بن يافث، ومنه المثل: ما يدري شغر من بغر، وهما بالمشرق وأهلهما بين الترك والهند، قال أبو القاسم الزّجاجي: سميت بذلك لأن صين بن بغبر بن كماد أوّل من حلّها وسكنها، وسنذكر خبرهم ههنا، والصين في الإقليم الأوّل، طولها من المغرب مائة وأربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، قال الحازمي:
كان سعد الخير الأندلسي يكتب لنفسه الصيني لأنّه سافر إلى الصين، وقال العمراني: الصين موضع بالكوفة وموضع أيضا قريب من الإسكندرية، قال المفجّع في كتاب المنقذ، وهو كتاب وضعه على مثال الملاحن لابن دريد: الصين بالكسر موضعان الصين الأعلى والصين الأسفل، وتحت واسط بليدة مشهورة يقال لها الصينية ويقال لها أيضا صينية الحوانيت، ينسب إليها صينيّ، منها الحسن بن أحمد ابن ماهان أبو عليّ الصيني، حدث عن أحمد بن عبيد الواسطي، يروي عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان قاضي بلدته وخطيبها، وأمّا إبراهيم بن إسحاق الصيني فهو كوفيّ كان يتّجر إلى الصين فنسب إليها، وقال أبو سعد: وممن نسب إلى الصين أبو الحسن سعد الخير ابن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري الأندلسي، كان يكتب لنفسه الصيني لأنّه كان قد سافر من المغرب إلى الصين، وكان فقيها صالحا كثير المال، سمع الحديث من أبي الخطّاب بن بطر القاري وأبي عبد الله الحسين بن محمد بن طلحة النّعّال وغيرهما، وذكره أبو سعد في شيوخه، ومات سنة 541، ولهم صينيّ آخر لا يدرى إلى أيّ شيء هو منسوب، وهو حميد ابن محمد بن علي أبو عمرو الشيباني يعرف بحميد الصيني، سمع السريّ بن خزيمة وأقرانه، روى عنه أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان وغيره، وهذا شيء من أخبار الصين الأقصى ذكرته كما وجدته لا أضمن صحته فإن كان صحيحا فقد ظفرت بالغرض وإن كان كذبا فتعرف ما تقوّله الناس، فإن هذه بلاد شاسعة ما رأينا من مضى إليها فأوغل فيها وإنما يقصد التجار أطرافها، وهي بلاد تعرف بالجاوة على سواحل البحر شبيهة ببلاد الهند يجلب منها العود والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والعقاقير والغضائر الصينيّة، فأمّا بلاد الملك فلم نر أحدا رآها، وقرأت في كتاب عتيق ما صورته: كتب إلينا أبو دلف مسعر بن مهلهل في ذكر ما شاهده
ورآه في بلاد الترك والصين والهند قال: إنّي لما رأيتكما يا سيّديّ، أطال الله بقاءكما، لهجين بالتصنيف مولعين بالتأليف أحببت أن لا أخلي دستوركما وقانون حكمتكما من فائدة وقعت إليّ مشاهدتها وأعجوبة رمت بي الأيّام إليها ليروق معنى ما تتعلّمانه السمع ويصبو إلى استيفاء قراءته القلب، وبدأت بعد حمد الله والثناء على أنبيائه بذكر المسالك المشرقية واختلاف السياسة فيها وتباين ملكها وافتراق أحوالها وبيوت عبادتها وكبرياء ملوكها وحكوم قوّامها ومراتب أولي الأمر والنهي لديها لأن معرفة ذلك زيادة في البصيرة واجبة في السيرة قد حضّ الله تعالى عليها أولي التيقظ والاعتبار وكلّفه أهل العقول والأبصار فقال، جلّ اسمه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِ 12: 109، فرأيت معاونتكما لما وشج بيننا من الإخاء وتوكّد من المودّة والصفاء، ولما نبا بي وطني ووصل بي السير إلى خراسان ضاربا في الأرض أبصرت ملكها والموسوم بإمارتها نصر بن أحمد الساماني، عظيم الشأن كبير السلطان يستصغر في جنبه أهل الطّول وتخفّ عنده موازين ذوي القدرة والحول، ووجدت عنده رسل قالين بن الشخير ملك الصين راغبين في مصاهرته طامعين في مخالطته يخطبون إليه ابنته فأبى ذلك واستنكره لحظر الشريعة له، فلمّا أبى ذلك راضوه على أن يزوّج بعض ولده ابنة ملك الصين فأجاب إلى ذلك فاغتنمت قصد الصين معهم فسلكنا بلد الأتراك فأوّل قبيلة وصلنا إليها بعد أن جاوزنا خراسان وما وراء النهر من مدن الإسلام قبيلة في بلد يعرف بالخركاه فقطعناها في شهر نتغذّى بالبرّ والشعير، ثمّ خرجنا إلى قبيلة تعرف بالطخطاخ تغذّينا فيها بالشعير والدخن وأصناف من اللحوم والبقول الصحراويّة فسبرنا فيها عشرين يوما في أمن ودعة يسمع أهلها لملك الصين ويطيعونه ويؤدّون الإتاوة إلى الخركاه لقربهم إلى الإسلام ودخولهم فيه وهم يتّفقون معهم في أكثر الأوقات على غزو من بعد عنهم من المشركين، ثمّ وصلنا إلى قبيلة تعرف بالبجا فتغذّينا فيهم بالدخن والحمص والعدس وسرنا بينهم شهرا في أمن ودعة، وهم مشركون ويؤدّون الإتاوة إلى الطخطاخ ويسجدون لملكهم ويعظمون البقر ولا تكون عندهم ولا يملكونها تعظيما لها، وهو بلد كثير التين والعنب والزعرور الأسود وفيه ضرب من الشجر لا تأكله النار، ولهم أصنام من ذلك الخشب، ثمّ خرجنا إلى قبيلة تعرف بالبجناك طوال اللحى أولو أسبلة همج يغير بعضهم على بعض ويفترش الواحد المرأة على ظهر الطريق، يأكلون الدخن فقط، فسرنا فيهم اثني عشر يوما وأخبرنا أن بلدهم عظيم مما يلي الشمال وبلد الصقالبة ولا يؤدّون الخراج إلى أحد، ثم سرنا إلى قبيلة تعرف بالجكل يأكلون الشعير والجلبان ولحوم الغنم فقط ولا يذبحون الإبل ولا يقتنون البقر ولا تكون في بلدهم، ولباسهم الصوف والفراء لا يلبسون غيرهما، وفيهم نصارى قليل، وهم صباح الوجوه يتزوّج الرجل منهم بابنته وأخته وسائر محارمه، وليسوا مجوسا ولكن هذا مذهبهم في النكاح، يعبدون سهيلا وزحل والجوزاء وبنات نعش والجدي ويسمون الشعرى اليمانية ربّ الأرباب، وفيهم دعة ولا يرون الشّرّ، وجميع من حولهم من قبائل الترك يتخطفهم ويطمع فيهم، وعندهم نبات يعرف بالكلكان طيب الطعام يطبخ مع اللحم، وعندهم معادن البازهر وحياة الحبق، وهي بقر هناك، ويعملون من الدم والذاذي البرّي نبيذا يسكر سكرا شديدا، وبيوتهم من الخشب والعظام، ولا ملك لهم، فقطعنا بلدهم في أربعين يوما في أمن وخفض ودعة، ثم خرجنا إلى قبيلة
تعرف بالبغراج لهم أسبلة بغير لحى يعملون بالسلاح عملا حسنا فرسانا ورجّالة، ولهم ملك عظيم الشأن يذكر أنّه علويّ وأنّه من ولد يحيى بن زيد وعنده مصحف مذهّب على ظهره أبيات شعر رثي بها زيد، وهم يعبدون ذلك المصحف، وزيد عندهم ملك العرب وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عندهم إله العرب لا يملّكون عليهم أحدا إلّا من ولد ذلك العلوي، وإذا استقبلوا السماء فتحوا أفواههم وشخصوا أبصارهم إليها، يقولون: إن إله العرب ينزل منها ويصعد إليها، ومعجزة هؤلاء الذين يملّكونهم عليهم من ولد زيد أنّهم ذوو لحى وأنهم قيام الأنوف عيونهم واسعة وغذاؤهم الدخن ولحوم الذكران من الضأن، وليس في بلدهم بقر ولا معز، ولباسهم اللبود لا يلبسون غيرها، فسرنا بينهم شهرا على خوف ووجل، أدّينا إليهم العشر من كل شيء كان معنا، ثمّ سرنا إلى قبيلة تعرف بتبّت فسرنا فيهم أربعين يوما في أمن وسعة، يتغذّون بالبرّ والشعير والباقلّى وسائر اللحوم والسموك والبقول والأعناب والفواكه ويلبسون جميع اللباس، ولهم مدينة من القصب كبيرة فيها بيت عبادة من جلود البقر المدهونة، فيه أصنام من قرون غزلان المسك، وبها قوم من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والهند ويؤدون الإتاوة إلى العلوي البغراجي ولا يملكهم أحد إلّا بالقرعة، ولهم محبس جرائم وجنايات، وصلاتهم إلى قبلتنا، ثمّ سرنا إلى قبيلة تعرف بالكيماك، بيوتهم من جلود، يأكلون الحمص والباقلّى ولحوم ذكران الضأن والمعز ولا يرون ذبح الإناث منها، وعندهم عنب نصف الحبة أبيض ونصفها أسود، وعندهم حجارة هي مغناطيس المطر يستمطرون بها متى شاءوا، ولهم معادن ذهب في سهل من الأرض يجدونه قطعا، وعندهم ماس يكشف عنه السيل ونبات حلو الطعم ينوّم ويخدّر، ولهم قلم يكتبون به، وليس لهم ملك ولا بيت عبادة، ومن تجاوز منهم ثمانين سنة عبدوه إلّا أن يكون به عاهة أو عيب ظاهر، فكان مسيرنا فيهم خمسة وثلاثين يوما ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الغزّ، لهم مدينة من الحجارة والخشب والقصب ولهم بيت عبادة وليس فيه أصنام، ولهم ملك عظيم الشأن يستأدي منهم الخراج، ولهم تجارات إلى الهند وإلى الصين ويأكلون البرّ فقط وليس لهم بقول، ويأكلون لحوم الضأن والمعز الذكران والإناث ويلبسون الكتّان والفراء ولا يلبسون الصوف، وعندهم حجارة بيض تنفع من القولنج وحجارة خضر إذا مرّت على السيف لم يقطع شيئا، وكان مسيرنا بينهم شهرا في أمن وسلامة ودعة، ثمّ انتهينا إلى قبيلة يقال لهم التغزغز، يأكلون المذكّى وغير المذكّى ويلبسون القطن واللبود، وليس لهم بيت عبادة، وهم يعظمون الخيل ويحسنون القيام عليها، وعندهم حجارة تقطع الدم إذا علّقت على صاحب الرعاف أو النزف، ولهم عند ظهور قوس قزح عيد، وصلاتهم إلى مغرب الشمس، وأعلامهم سود، فسرنا فيهم عشرين يوما في خوف شديد ثمّ انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الخرخيز، يأكلون الدخن والأرز ولحوم البقر والضأن والمعز وسائر اللحوم إلّا الجمال، ولهم بيت عبادة وقلم يكتبون به، ولهم رأي ونظر، ولا يطفئون سرجهم حتى تطفأ موادّها، ولهم كلام موزون يتكلمون به في أوقات صلاتهم، وعندهم مسك، ولهم أعياد في السنة، وأعلامهم خضر، يصلّون إلى الجنوب ويعظمون زحل والزهرة ويتطيرون من المريخ، والسباع في بلدهم كثيرة، ولهم حجارة تسرج بالليل يستغنون بها عن المصباح ولا تعمل في غير بلادهم، ولهم ملك مطاع
لا يجلس بين يديه أحد منهم الّا إذا جاوز أربعين سنة، فسرنا فيهم شهرا في أمن ودعة ثمّ انتهينا الى قبيلة يقال لها الخرلخ، يأكلون الحمص والعدس ويعملون الشراب من الدخن ولا يأكلون اللحم إلّا مغموسا بالملح، ويلبسون الصوف، ولهم بيت عبادة في حيطانه صورة متقدّمي ملوكهم، والبيت من خشب لا تأكله النار، وهذا الخشب كثير في بلادهم، والبغي والجور بينهم ظاهر ويغير بعضهم على بعض، والزنا بينهم كثير غير محظور، وهم أصحاب قمار، يقامر أحدهم غيره بزوجته وابنه وابنته وأمه فما دام في مجلس القمار فللمقمور أن يفادى ويفكّ فإذا انصرف القامر فقد حصل له ما قمر به يبيعه من التجار كما يريد، والجمال والفساد في نسائهم ظاهر، وهم قليلو الغيرة، فتجيء ابنة الرئيس فمن دونه أو امرأته أو أخته الى القوافل إذا وافت البلد فتعرض للوجوه فإن أعجبها إنسان أخذته إلى منزلها وأنزلته عندها وأحسنت إليه وتصرّف زوجها وأخاها وولدها في حوائجه ولم يقربها زوجها ما دام من تريده عندها إلا لحاجة يقضيها ثم تتصرّف هي ومن تختاره في أكل وشرب وغير ذلك بعين زوجها لا يغيره ولا ينكره، ولهم عيد يلبسون الديباج ومن لا يمكنه رقّع ثوبه برقعة منه، ولهم معدن فضّة تستخرج بالزيبق، وعندهم شجر يقوم مقام الإهليلج قائم الساق وإذا طلي عصارته على الأورام الحارّة أبرأها لوقتها، ولهم حجر عظيم يعظمونه ويحتكمون عنده ويذبحون له الذبائح، والحجر أخضر سلقيّ، فسرنا بينهم خمسة وعشرين يوما في أمن ودعة ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لهم الخطلخ، فسرنا بين أهلها عشرة أيّام، وهم يأكلون البرّ وحده ويأكلون سائر اللحوم غير مذكاة، ولم أر في جميع قبائل الترك أشدّ شوكة منهم، يتخطّفون من حولهم ويتزوّجون الأخوات، ولا تتزوّج المرأة أكثر من زوج واحد، فإذا مات لم تتزوّج بعده، ولهم رأي وتدبير، ومن زنى في بلدهم أحرق هو والتي يزني بها، وليس لهم طلاق، والمهر جميع ما ملك الرجل، وخدمة الولي سنة، وللقتل بينهم قصاص وللجراح غرم، فإن تلف المجروح بعد أن يأخذ الغرم بطل دمه، وملكهم ينكر الشرّ ولا يتزوّج فإن تزوّج قتل، ثم انتهينا إلى قبيلة يقال لها الختيان، يأكلون الشعير والجلبان ولا يأكلون اللحم إلا مذكى، ويزوّجون تزويجا صحيحا وأحكامهم أحكام عقلية تقوم بها السياسة، وليس لهم ملك، وكلّ عشرة يرجعون إلى شيخ له عقل ورأي فيتحاكمون إليه، وليس لهم جور على من يجتاز بهم، ولا اغتيال، ولهم بيت عبادة يعتكفون فيه الشهر والأقلّ والأكثر، ولا يلبسون شيئا مصبوغا، وعندهم مسك جيّد ما دام في بلدهم فإذا حمل منه تغير واستحال، ولهم بقول كثيرة في أكثرها منافع، وعندهم حيّات تقتل من ينظر إليها إلّا أنّها في جبل لا تخرج عنه بوجه ولا سبب، ولهم حجارة تسكّن الحمّى ولا تعمل في غير بلدهم، وعندهم بازهر جيّد شمعيّ فيه عروق خضر، وكان مسيرنا فيهم عشرين يوما، ثمّ انتهينا إلى بلد بهيّ فيه نخل كثير وبقول كثيرة وأعناب ولهم مدينة وقرى وملك له سياسة يلقّب بهي، وفي مدينتهم قوم مسلمون ويهود ونصارى ومجوس وعبدة أصنام، ولهم أعياد، وعندهم حجارة خضر تنفع من الرمد وحجارة حمر تنفع من الطحال، وعندهم النيل الجيّد القانئ المرتفع الطافي الذي إذا طرح في الماء لم يرسب، فسرنا فيهم أربعين يوما في أمن وخوف ثمّ انتهينا إلى موضع يقال له القليب فيه بوادي عرب ممّن تخلف عن تبّع لما غزا بلاد الصين، لهم مصايف ومشات في مياه ورمال،
يتكلمون بالعربيّة القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالحميرية ولا يعرفون قلمنا، يعبدون الأصنام، وملكهم من أهل بيت منهم لا يخرجون الملك من أهل ذلك البيت، ولهم أحكام، وحظر الزنا والفسق، ولهم شراب جيّد من التمر، وملكهم يهادي ملك الصين، فسرنا فيهم شهرا في خوف وتغرير، ثم انتهينا إلى مقام الباب، وهو بلد في الرمل تكون فيه حجبة الملك، وهو ملك الصين، ومنه يستأذن لمن يريد دخول بلد الصين من قبائل الترك وغيرهم، فسرنا فيه ثلاثة أيام في ضيافة الملك يغيّر لنا عند رأس كل فرسخ مركوب، ثم انتهينا إلى وادي المقام فاستؤذن لنا منه وتقدّمنا الرّسل فأذن لنا بعد أن أقمنا بهذا الوادي، وهو أنزه بلاد الله وأحسنها، ثلاثة أيام في ضيافة الملك، ثمّ عبرنا الوادي وسرنا يوما تامّا فأشرفنا على مدينة سندابل، وهي قصبة الصين وبها دار المملكة، فبتنا على مرحلة منها، ثم سرنا من الغد طول نهارنا حتى وصلنا إليها عند المغرب، وهي مدينة عظيمة تكون مسيرة يوم ولها ستون شارعا ينفذ كل شارع منها إلى دار الملك، ثم سرنا إلى باب من أبوابها فوجدنا ارتفاع سورها تسعين ذراعا وعرضه تسعين ذراعا وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرّق على ستّين جزءا كلّ جزء منها ينزل على باب من الأبواب تتلقاه رحى تصبّه إلى ما دونها ثم إلى غيرها حتى يصبّ في الأرض ثمّ يخرج نصفه تحت السور فيسقي البساتين ويرجع نصفه إلى المدينة فيسقي أهل ذلك الشارع إلى دار الملك ثمّ يخرج في الشارع الآخر إلى خارج البلد فكل شارع فيه نهران وكلّ خلاء فيه مجريان كل واحد يخالف صاحبه، فالداخل يسقيهم والخارج يخرج بفضلاتهم، ولهم بيت عبادة عظيم، ولهم سياسة عظيمة وأحكام متقنة، وبيت عبادتهم يقال إنّه أعظم من مسجد بيت المقدس وفيه تماثيل وتصاوير وأصنام وبدّ عظيم، وأهل البلد لا يذبحون ولا يأكلون اللحوم أصلا، ومن قتل منهم شيئا من الحيوان قتل، وهي دار مملكة الهند والترك معا، ودخلت على ملكهم فوجدته فائقا في فنه كاملا في رأيه فخاطبه الرسل بما جاءوا به من تزويجه ابنته من نوح بن نصر فأجابهم إلى ذلك وأحسن إليّ وإلى الرسل وأقمنا في ضيافته حتى نجزت أمور المرأة وتمّ ما جهّزها به ثمّ سلمها إلى مائتي خادم وثلاثمائة جارية من خواص خدمه وجواريه وحملت إلى خراسان إلى نوح بن نصر فتزوّج بها، قال: وبلغنا أن نصرا عمل قبره قبل وفاته بعشرين سنة، وذلك أنّه حدّ له في مولده مبلغ عمره ومدة انقضاء أجله وأن موته يكون بالسّلّ وعرّف اليوم الذي يموت فيه، فخرج يوم موته إلى خارج بخارى وقد أعلم الناس أنّه ميّت في يومه ذلك وأمرهم أن يتجهزوا له بجهاز التعزية والمصيبة ليتصوّرهم بعد موته بالحال التي يراهم بها، فسار بين يديه ألوف من الغلمان الأتراك المرد وقد ظاهروا اللباس بالسواد وشقوا عن صدورهم وجعلوا التراب على رؤوسهم ثمّ تبعهم نحو ألفي جارية من أصناف الرقيق مختلفي الأجناس واللغات على تلك الهيئة ثمّ جاء على آثارهم عامة الجيش والأولياء يجنبون دوابّهم ويقودون قودهم وقد خالفوا في نصب سروجها عليها وسوّدوا نواصيها وجباهها حاثين التراب على رؤوسهم واتصلت بهم الرعية والتجار في غمّ وحزن وبكاء شديد وضجيج يقدمهم أولادهم ونساؤهم ثم اتصلت بهم الشاكرية والمكارون والحمالون على فرق منهم قد غيّروا زيّهم، وشهر نفسه بضرب من اللباس، ثم جاء أولاده يمشون بين يديه حفاة حاسرين والتراب على رؤوسهم وبين أيديهم وجوه كتّابه وجلّة خدمه ورؤساؤه وقواده، ثمّ أقبل القضاة والمعدلون والعلماء
يسايرونه في غمّ وكآبة وحزن، وأحضر سجلّا كبيرا ملفوفا فأمر القضاة والفقهاء والكتّاب بختمه فأمر نوحا ابنه أن يعمل بما فيه واستدعى شيئا من حسا في زبدية من الصيني الأصفر فتناول منه شيئا يسيرا ثمّ تغرغرت عيناه بالدموع وحمد الله تعالى وتشهّد وقال:
هذا آخر زاد نصر من دنياكم، وسار إلى قبره ودخله وقرأ عشرا فيه واستقرّ به مجلسه ومات، رحمه الله، وتولى الأمر نوح ابنه، قلت: ونحن نشك في صحة هذا الخبر لأن محدثنا به ربما كان ذكر شيئا فسأل الله أن لا يؤاخذه بما قال، ونرجع إلى كلام رسول نصر، قال: وأقمت بسندابل مدينة الصين مدة ألقى ملكها في الأحايين فيفاوضني في أشياء ويسألني عن أمور من أمور بلاد الإسلام، ثم استأذنته في الانصراف فأذن لي بعد أن أحسن إليّ ولم يبق غاية في أمري، فخرجت إلى الساحل أريد كله، وهي أوّل الهند وآخر منتهى مسير المراكب لا يتهيأ لها أن تتجاوزها وإلّا غرقت، قال: فلمّا وصلت إلى كله رأيتها وهي عظيمة عالية السور كثيرة البساتين غزيرة الماء ووجدت بها معدنا للرصاص القلعي لا يكون إلّا في قلعتها في سائر الدنيا، وفي هذه القلعة تضرب السيوف القلعية وهي الهندية العتيقة، وأهل هذه القلعة يمتنعون على ملكهم إذا أرادوا ويطيعونه إن أحبوا، ورسمهم رسم الصين في ترك الذباحة، وليس في جميع الدنيا معدن للرصاص القلعي إلّا في هذه القلعة، وبينها وبين مدينة الصين ثلاثمائة فرسخ، وحولها مدن ورساتيق وقرى، ولهم أحكام حبوس جنايات، وأكلهم البرّ والتمور، وبقولهم كلّها تباع وزنا وأرغفة خبزهم تباع عددا، وليس عندهم حمامات بل عندهم عين جارية يغتسلون بها، ودرهمهم يزن ثلثي درهم ويعرف بالقاهري، ولهم فلوس يتعاملون بها، ويلبسون كأهل الصين الإفرند الصيني المثمن، وملكهم دون ملك الصين ويخطب لملك الصين، وقبلته إليه، وبيت عبادته له، وخرجت منها إلى بلد الفلفل فشاهدت نباته، وهو شجر عاديّ لا يزول الماء من تحته فإذا هبت الريح تساقط حمله فمن ذلك تشنجه وإنما يجتمع من فوق الماء، وعليه ضريبة للملك، وهو شجر حرّ لا مالك له وحمله أبدا فيه لا يزول شتاء ولا صيفا، وهو عناقيد فإذا حميت الشمس عليه انطبق على العنقود عدة من ورقه لئلّا يحترق بالشمس، فإذا زالت الشمس زالت تلك الأوراق، وانتهيت منه إلى لحف الكافور، وهو جبل عظيم فيه مدن تشرف على البحر منها قامرون التي ينسب إليها العود الرطب المعروف بالمندل القامروني، ومنها مدينة يقال لها قماريان، وإليها ينسب العود القماري، وفيه مدينة يقال لها الصنف، ينسب إليها العود الصنفي، وفي اللحف الآخر من ذلك الجبل مما يلي الشمال مدينة يقال لها الصّيمور، لأهلها حظّ من الجمال وذلك لأن أهلها متولدون من الترك والصين فجمالهم لذلك، وإليها تخرج تجارات الترك، وإليها ينسب العود الصيموري وليس هو منها إنّما هو يحمل إليها، ولهم بيت عبادة على رأس عقبة عظيمة وله سدنة وفيه أصنام من الفيروزج والبيجاذق، ولهم ملوك صغار، ولباسهم لباس أهل الصين، ولهم بيع وكنائس ومساجد وبيوت نار، لا يذبحون ولا يأكلون ما مات حتف أنفه، وخرجت إلى مدينة يقال لها جاجلّى على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البرّ ولها ملك مثل ملك كله يأكلون البرّ والبيض ولا يأكلون السمك ولا يذبحون، ولهم بيت عبادة كبير معظّم، لم يمتنع على الإسكندر في بلدان الهند غيرها، وإليها يحمل الدارصيني ومنها يحمل إلى سائر الآفاق، وشجر
الدارصيني حرّ لا مالك له، ولباسهم لباس كله إلّا أنهم يتزيّنون في أعيادهم بالحبر اليمانية، ويعظمون من النجوم قلب الأسد، ولهم بيت رصد وحساب محكم ومعرفة بالنجوم كاملة، وتعمل الأوهام في طباعهم، ومنها خرجت إلى مدينة يقال لها قشمير وهي كبيرة عظيمة لها سور وخندق محكمان تكون مثل نصف سندابل مدينة الصين وملكها أكبر من ملك مدينة كله وأتم طاعة، ولهم أعياد في رؤوس الأهلّة وفي نزول النيرين شرفهما، ولهم رصد كبير في بيت معمول من الحديد الصيني لا يعمل فيه الزمان، ويعظمون الثّريّا، وأكلهم البرّ ويأكلون المليح من السمك ولا يأكلون البيض ولا يذبحون، وسرت منها إلى كابل فسرت شهرا حتى وصلت إلى قصبتها المعروفة بطابان، وهي مدينة في جوف جبل قد استدار عليها كالحلقة دوره ثلاثون فرسخا لا يقدر أحد على دخوله إلّا بجواز لأن له مضيقا قد غلّق عليه باب ووكل به قوم يحفظونه فما يدخله أحد إلّا بإذن، والإهليلج بها كثير جدّا، وجميع مياه الرساتيق والقرى التي داخل المدينة تخرج من المدينة، وهم يخالفون ملّة الصين في الذباحة ويأكلون السمك والبيض ويقتل بعضهم بعضا، ولهم بيت عبادة، وخرجت من كابل إلى سواحل البحر الهندي متياسرا فسرت إلى بلد يعرف بمندورقين منابت غياض القنا وشجر الصندل ومنه يحمل الطباشير، وذلك أن القنا إذا جفّ وهبّت عليه الريح احتك بعضه ببعض واشتدت فيه الحرارة للحركة فانقدحت منه نار فربما أحرقت منها مسافة خمسين فرسخا أو أكثر من ذلك فالطباشير الذي يحمل إلى سائر الدنيا من ذلك القنا، فأما الطباشير الجيد الذي يساوي مثقاله مائة مثقال أو أكثر فهو شيء يخرج من جوف القنا إذا هزّ، وهو عزيز جدّا، وما يفجر من منابت الطباشير حمل إلى سائر البلاد وبيع على أنّه توتيا الهند، وليس كذلك لان التوتيا الهندي هو دخان الرصاص القلعي، ومقدار ما يرتفع منه كلّ سنة ثلاثة أمنان أو أربعة أمنان ولا يتجاوز الخمسة، ويباع المنّ منه بخمسة آلاف درهم إلى ألف دينار، وخرجت منها إلى مدينة يقال لها كولم لأهلها بيت عبادة وليس فيه صنم وفيها منابت الساج والبقّم، وهو صنفان وهذا دون والآمرون هو الغاية، وشجر الساج مفرط العظم والطول ربّما جاوز مائة ذراع وأكثر، والخيزران والقنا بها كثير جدّا، وبها شيء من السّندروس قليل غير جيّد والجيّد منه ما بالصين، وهو من عرعر ينبت على باب مدينتها الشرقي، والسندروس شبه الكهربائيّة وأحلّها وفيها مغناطيس يجذب كل شيء إذا أحمي بالدّلك، وعندهم الحجارة التي تعرف بالسندانية يعمل بها السقوف، وأساطين بيوتهم من خرز أصلاب السمك الميت ولا يأكلونه، ولا يذبحون، وأكثرهم يأكل الميتة، وأهلها يختارون للصين ملكا إذا مات ملكهم، وليس في الهند طبّ إلّا في هذه المدينة، وبها تعمل غضائر تباع في بلداننا على أنّه صينيّ وليس هو صينيّ لأن طين الصين أصلب منه وأصبر على النار وطين هذه المدينة الذي يعمل منه الغضائر المشبه بالصيني يخمر ثلاثة أيام لا يحتمل أكثر منها وطين الصين يخمر عشرة أيام ويحتمل أكثر منها، وخزف غضائرها أدكن اللون وما كان من الصين أبيض وغيره من الألوان شفّافا وغير شفاف فهو معمول في بلاد فارس من الحصى والكلس القلعيّ والزجاج يعجن على البوائن وينفخ ويعمل بالماسك كما ينفخ الزجاج مثل الجامات وغيرها من الأواني، ومن هذه المدينة يركب إلى عمان، وبها راوند ضعيف العمل والصيني أجود منه، والراوند
قرع يكون هناك وورقه السادج الهندي، وإليها تنسب أصناف العود والكافور واللبان والقتار، وأصل العود نبت في جزائر وراء خطّ الاستواء، وما وصل إلى منابته أحد ولم يعلم أحد كيف نباته وكيف شجره ولا يصف إنسان شكل ورق العود وإنما يأتي به الماء إلى جانب الشمال، فما انقلع وجاء إلى الساحل فأخذ رطبا بكله وبقامرون أو في بلد الفلفل أو بالصنف أو بقماريان أو بغيرها من السواحل بقي إذا أصابته الريح الشمال رطبا أبدا لا يتحرّك عن رطبه، وهو المعروف بالقامروني المندلي، وما جف في البحر ورمي يابسا فهو الهندي المصمت الثقيل ومحنته أن ينال منه بالمبرد ويلقى على الماء فإن لم ترسب برادته فليس بمختار وإن رسبت فهو الخالص الذي ما بعده غاية، وما جفّ منه في مواضعه ونخر في البحر فهو القماري، وما نخر في مواضعه وحمله البحر نخرا فهو الصنفي، وملوك هذه المرافئ يأخذون ممن يجمع العود من السواحل ومن البحر العشر، وأمّا الكافور فهو في لحف جبل بين هذه المدينة وبين مندورقين مطلّ على البحر وهو لبّ شجر يشقّ فيوجد الكافور كامنا فيه فربما وجد مائعا وربما كان جامدا لأنّه صمغ يكون في لبّ هذا الشجر، وبها شيء من الإهليلج قليل والكابلي أجود منه لأن كابل بعيدة من البحر، وجميع أصناف الإهليلج بها وكل شجر مما نثرته الريح فجّا غير نضيج فهو الأصفر، وهو حامض بارد، وما بلغ وقطف في أوان إدراكه فهو الكابلي، وهو حلو حارّ، وما ترك في شجره في أيام الشتاء حتى يسود فهو الأسود مرّ حارّ، وبها معدن كبريت أصفر ومعدن نحاس يخرج من دخانه توتيا جيد، وجميع أصناف التوتيا كلها من دخان النحاس إلّا الهندي فإنّه كما ذكرنا يخرج من دخان الرصاص القلعي، وماء هذه المدينة وماء مندورقين من الصهاريج المختزن فيها من مياه الأمطار، ولا زرع فيها إلّا القرع الذي فيه الراوند فإنّه يزرع بين الشوك، وكذلك أيضا بطيخهم عزيز جدّا، وبها قنبيل يقع من السماء ويجمع بأخثاء البقر، والعربي أجود منه، وسرت من مدن السواحل إلى الملتان، وهي آخر مدن الهند ممّا يلي الصين وأوّلها ممّا يلينا وتلي أرض السند، وهي مدينة عظيمة جليلة القدر عند أهل الهند والصين لأنّها بيت حجهم ودار عبادتهم مثل مكّة عند المسلمين وبيت المقدس عند اليهود والنصارى، وبها القبة العظمى والبدّ الأكبر، وهذه القبة سمكها في السماء ثلاثمائة ذراع وطول الصنم في جوفها مائة ذراع، وبين رأسه وبين القبة مائة ذراع، وبين رجليه وبين الأرض مائة ذراع، وهو معلّق من جوفها لا بقائمة من أسفله يدعم عليها ولا بعلاقة من أعلاه تمسكه، قلت:
هذا هو الكذب الصراح لأن هذا الصنم ذكره المدائني في فتوح الهند والسند وذكر أن طوله عشرون ذراعا، قال أبو دلف: البلد في يد يحيى بن محمد الأموي هو صاحب المنصورة أيضا والسند كلّه في يده، والدولة بالملتان للمسلمين وملّاك عقرها ولد عمر بن علي بن أبي طالب، والمسجد الجامع مصاقب لهذه القبة، والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بها شامل، وخرجت منها إلى المنصورة، وهي قصبة السند، والخليفة الأموي مقيم بها يخطب لنفسه ويقيم الحدود ويملك السند كلّه بره وبحره، ومنها إلى البحر خمسون فرسخا، وبساحلها مدينة الدّيبل، وخرجت من المنصورة إلى بغانين، وهو بلد واسع يؤدي أهله الخراج إلى الأموي وإلى صاحب بيت الذهب، وهو بيت من ذهب في صحراء تكون أربعة فراسخ ولا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها،
وفي هذا البيت رصد الكواكب، وهو بيت تعظمه الهند والمجوس، وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت صاحب المجوس، ويقول أهل هذه البلدان:
إن هذه الصحراء متى خرج منها إنسان يطلب دولة لم يغلب ولم يهزم له عسكر حيثما توجه، ومنها إلى شهر داور ومنها إلى بغنين ومنها إلى غزنين وبها تتفرّق الطرق فطريق يأخذ يمنة إلى باميان وختلان وخراسان، وطريق يأخذ تلقاء القبلة إلى بست ثمّ إلى سجستان، وكان صاحب سجستان في وقت موافاتي إياها أبا جعفر محمد بن أحمد بن الليث وأمه بانويه أخت يعقوب بن الليث، وهو رجل فيلسوف سمح كريم فاضل، له في بلده طراز تعمل فيه ثياب، ويخلع في كل يوم خلعة على واحد من زوّاره ويقوّم عليه من طرازها بخمسة آلاف درهم ومعها دابّة النوبة ووليّ الحمام والمسند والمطرح ومسورتان ومخدّتان، وبذلك يعمل ثبت ويسلّم إلى الزائر فيستوفيه من الخازن، هذا آخر الرسالة.

عَثرٌ

عَثرٌ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم راء: بلد باليمن، واشتقاقه من أعثرت فلانا على الأمر أطلعته
عليه، أو من عثر الرجل يعثر عثرا إذا كبا، والعثر:
الكذب والباطل وهو الذي بعده يقينا، إلا أن أهل اليمن قاطبة لا يقولونه إلا بالتخفيف وإنما يجيء مشدّدا في قديم الشعر، قال عمرو بن زيد أخو بني عوف يذكر خروج بجيلة عن منازلهم إلى أطراف اليمن:
مضت فرقة منّا يحيطون بالقبا، ... فشاهر أمست دارهم وزبيد
وصلنا إلى عثر وفي دار وائل ... بهاليل منّا سادة وأسود

عَرْصَةُ

عَرْصَةُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وصاد مهملة:
وهما عرصتان بعقيق المدينة، قال الأصمعي: كل جوبة متسعة ليس فيها بناء فهي عرصة، وقال غيره:
العرصة ساحة الدار سميت لاعتراص الصبيان فيها أي للعبهم فيها، وقال: إن تبّعا مرّ بالعرصة وكانت تسمى السليل فقال: هذه عرصة الأرض، فسميت العرصة كأنه أراد ملعب الأرض أو ساحة الأرض، والعرصتان: بالعقيق من نواحي المدينة من أفضل بقاعها وأكرم أصقاعها، ذكر محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه أن بني أميّة كانوا يمنعون البناء في العرصة عرصة العقيق ضنّا بها وأن سلطان المدينة لم يكن يقطع بها قطيعة إلا بأمر الخليفة حتى خرج خارجة بن حمزة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العوّام إلى الوليد بن عبد الملك يسأله أن يقطعه موضع قصر فيها، فكتب إلى عامله بالمدينة بذلك فأقطعه موضع قصر وألحقه بالسراة أي بالحزم، فلم يزل في أيديهم حتى صار ليحيى بن عبد الله بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وقد كان سعيد بن العاصي ابتنى بها قصرا واحتفر بها بئرا وغرس النخل والبساتين، وكان نخل بستانه أبكر نخل بالمدينة، وكانت تسمّى عرصة الماء، وفيها يقول ذؤيب الأسلمي:
قد أقرّ الله عيني ... بغزال، يا ابن عون
طاف من وادي دجيل ... بفتى طلق اليدين
بين أعلى عرصة الما ... ء إلى قصر وبيني
فقضاني في منامي ... كلّ موعود ودين
وفيها يقول أبو الأبيض سهل بن أبي كثير:
قلت: من أنت؟ فقالت: ... بكرة من بكرات
ترتعي نبت الخزامى ... تحت تلك الشجرات
حبّذا العرصة دارا ... في الليالي المقمرات
طاب ذاك العيش عيشا ... وحديث الفتيات
ذاك عيش أشتهيه ... من فنون ألمات
وفي العرصة الصغرى يقول داود بن سلم:
أبرزتها كالقمر الزاهر، ... في عصفر كالشّرر الطائر
بالعرصة الصغرى إلى موعد ... بين خليج الواد والظّاهر
قال: وإنما قال العرصة الصغرى لأن العقيق الكبير يتبعها من أحد جانبيها ويتبعها عرصة البقل من الجانب الآخر وتختلط عرصة البقل بالجرف فتتسع، والخليج الذي ذكره خليج سعيد بن العاصي، وروى الحسن ابن خالد العدواني أن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم المنزل العرصة لولا كثرة الهوام، وكتب سعيد بن العاصي بن سليمان المساحقي إلى عبد الأعلى ابن عبد الله ومحمد بن صفوان الجمحي وهما ببغداد يذكّرهما طيب العقيق والعرصتين في أيام الربيع فقال:
ألا قل لعبد الله إمّا لقيته، ... وقل لابن صفوان على القرب والبعد:
ألم تعلما أن المصلّى مكانه، ... وأن العقيق ذو الأراك وذو المرد
وأن رياض العرصتين تزيّنت ... بنوّارها المصفّر والأشكل الفرد
وأنّ بها، لو تعلمان، أصائلا ... وليلا رقيقا مثل حاشية البرد
فهل منكما مستأنس فمسلّم ... على وطن، أو زائر لذوي الودّ؟
فأجابه عبد الأعلى:
أتاني كتاب من سعيد فشاقني، ... وزاد غرام القلب جهدا على جهد
وأذرى دموع العين حتى كأنها ... بها رمد عنه المراود لا تجدي
فان رياض العرصتين تزيّنت، ... وإن المصلّى والبلاط على العهد
وإن غدير اللابتين ونبته ... له أرج كالمسك، أو عنبر الهند
فكدت بما أضمرت من لاعج الهوى ... ووجد بما قد قال أقضي من الوجد
لعلّ الذي كان التفرّق أمره ... يمنّ علينا بالدّنوّ من البعد
فما العيش إلا قربكم وحديثكم، ... إذا كان تقوى الله منّا على عمد
وقال بعض المدنيين:
وبالعرصة البيضاء، إذ زرت أهلها، ... مها مهملات ما عليهنّ سائس
خرجن لحبّ اللهو من غير ريبة، ... عفائف باغي اللهو منهنّ آيس
يردن، إذا ما الشمس لم يخش حرّها، ... خلال بساتين خلاهنّ يابس
إذا الحرّ آذاهنّ لذن ببحرة، ... كما لاذ بالظلّ الظباء الكوانس
والقول في العرصة كثير جدّا وهذا كاف، وبنو إسحاق العرصيّ وهو إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب إليها منسوبون.

عَقَبَة

عَقَبَة:
بالتحريك، وهو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه، وهو طويل صعب إلى صعود الجبل، والعقبة: منزل في طريق مكة بعد واقصة وقبل القاع لمن يريد مكة، وهو ماء لبني عكرمة من بكر ابن وائل. وعقبة السير: بالثغور قرب الحدث وهي عقبة ضيقة طويلة. والعقبة: وراء نهر عيسى قريبة من دجلة بغداد محلة، ينسب إليها أبو احمد حمزة ابن محمد بن العباس بن الفضل بن الحارث الدهقان العقبي، سمع العباس بن محمد الدوري وأحمد بن عبد الجبّار العطاردي وكان ثقة، روى عنه الدارقطني وابن رزقويه وغيرهما، ومات سنة 347 في ذي القعدة. وعقبة الطين: موضع بفارس. وعقبة الرّكاب قرب نهاوند، قال سيف: لما توجّه المسلمون إلى نهاوند وقد ازدحمت ركابهم في هذه العقبة سمّوها عقبة الركاب، قال ابن الفقيه: بنهاوند قصب يتخذ منه ذريرة وهو هذا الحنوط فما دام بنهاوند أو شيء من رساتيقها فهو والخشب بمنزلة لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوز العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته وزالت الخشبيّة عنه، قال: وهو الصحيح لا يتمارى فيه أحد، وفي كتاب الفتوح للبلاذري: كان مسلمة بن عبد الملك لما غزا عمّورية حمل معه نساءه وحمل ناس ممن معه نساءهم فلم تزل بنو أميّة تفعل ذلك إرادة الجدّ في القتال للغيرة على الحرم، فلما صار في عقبة بغراس عند الطريق المستدقّة التي تشرف على الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض فأمر مسلمة أن تمشي سائر النساء فمشين فسميت تلك العقبة عقبة النساء إلى الآن، وقد كان المعتصم بنى على جدّ تلك الطريق حائطا من حجارة وبنى الجسر الذي على طريق أذنة من المصيصة، وأما العقبة التي بويع فيها النبي، صلى الله عليه وسلّم، بمكة فهي عقبة بين منى ومكة بينها وبين مكة نحو ميلين وعندها مسجد ومنها ترمى جمرة العقبة، وكان من حديثها أن النبي، صلى الله عليه وسلّم، كان في بدء أمره يوافي الموسم بسوق عكاظ وذي المجاز ومجنّة ويتتبّع القبائل في رحالها يدعوهم إلى أن يمنعوه ليبلّغ رسالات ربه فلا يجد أحدا ينصره حتى إذا كانت سنة إحدى عشرة من النّبوّة لقي ستة نفر من الأوس عند هذه العقبة فدعاهم، صلى الله عليه وسلّم، إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فقالوا: هذا والله النبيّ الذي تعدنا به اليهود يجدونه مكتوبا في توراتهم، فآمنوا به وصدّقوه، وهم: أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر بن حديدة ومعاذ بن عفراء وجابر بن عبد الله بن رئاب وعوف ابن عفراء وعقبة بن عامر، فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام، ثم لما كانت سنة اثنتي عشرة من النبوّة وافى الموسم منهم اثنا عشر رجلا هؤلاء الستة وستة أخر أبو الهيثم بن التّيّهان وعبادة بن الصامت وعويم بن أبي ساعدة ورافع بن مالك وذكوان بن عبد القيس وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة فآمنوا وأسلموا، فلما كانت سنة ثلاث عشرة من النبوّة أتى منهم سبعون رجلا وامرأتان أمّ عامر وأمّ منيع ورئيسهم البراء بن معرور ويطول تعدادهم إلا أنك إذا رأيت في الأنصار من يقال له بدريّ فهو منسوب إلى أنه شهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، غزاة بدر، وإذا قيل عقبيّ فهو منسوب إلى
مبايعة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في هذا الموضع.

عِمَوَاسُ

عِمَوَاسُ:
رواه الزمخشري بكسر أوله، وسكون الثاني، ورواه غيره بفتح أوله وثانيه، وآخره سين مهملة: وهي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس، قال البشاري: عمواس ذكروا أنها كانت القصبة في القديم وإنما تقدّموا إلى السهل والبحر من أجل الآبار لأن هذه على حدّ الجبل، وقال المهلبي:
كورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم فشا في أرض الشام فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة، رضي الله عنهم، ومن غيرهم، وذلك
في سنة 18 للهجرة، ومات فيه من المشهورين أبو عبيدة بن الجرّاح وعمره ثمان وخمسون سنة وهو أمير الشام، ولما بلغت وفاته عمر، رضي الله عنه، ولّى مكانه على الشام يزيد بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو والفضل بن العباس وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان، وقيل:
مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين، وفي هذه السنة كان عام الرّمادة بالمدينة أيضا، وقال الشاعر:
ربّ خرق مثل الهلال وبيضا ... ء حصان بالجزع من عمواس
قد لقوا الله غير باغ عليهم، ... وأقاموا في غير دار ائتناس
فصبرنا صبرا كما علم الل ... هـ وكنا في الصبر أهل إياس

فَجُّ حَيْوَةَ

فَجُّ حَيْوَةَ:
فجّ، بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وحيوة، بفتح الحاء، وسكون الياء، وفتح الواو، والفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين، وجمعه فجاج ثم كلّ طريق فجّ، والفجّ: الذي لم يبلغ من
البطيخ والفواكه وغيرها، وأما حيوة فشاذ في بابه لأن الياء والواو إذا التقتا وسبقت إحداهما بالسكون وجب إدغامها وأظهرت ههنا لئلا يلتبس بالحية، وحيوة: اسم رجل، وفجّ حيوة: موضع بالأندلس من أعمال طليطلة.

القُنّةُ

القُنّةُ:
بالضم، وهو ذروة الجبل وأعلاه، قال أبو عبيد الله السكوني: قنّة منزل قريب من حومانة الدّرّاج في طريق المدينة من البصرة، وقيل: القنة والقنان جبلان متصلان لبني أسد، وقنّة الحجر:
جبيل ليس بالشامخ بحذاء الحجر، والحجر: قرية بحذائها قرية يقال لها الرّحضيّة للأنصار وبني سليم من نجد وبها آبار عليها زروع كثيرة ونخيل، وإياه عنى الشاعر بقوله:
ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... أروم فلوّام فشابة فالحضر
وهل تركت إبلي سواد جبالها، ... وهل زال بعدي عن قنينته الحجر؟
قال نصر: قنة الحجر قرب معدن بني سليم. وقنّة الحمر: قريبة من حمى ضرية أحسبه ضراء. وقنّة:
جبل في ديار بني أسد متصل بالقنان، وقنّة إياد:
في ديار الأزد. وقنة الحجاز: بين مكة والمدينة.

القَيْرَوَان

القَيْرَوَان:
قال الأزهري: القيروان معرّب وهو بالفارسية كاروان، وقد تكلمت به العرب قديما، قال امرؤ القيس:
وغارة ذات قيروان ... كأنّ أسرابها الرّعال
والقيروان في الإقليم الثالث، طولها إحدى وثلاثون درجة، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة: وهذه مدينة عظيمة بإفريقية غبرت دهرا وليس بالغرب مدينة أجلّ منها إلى أن قدمت العرب إفريقية وأخربت البلاد فانتقل أهلها عنها فليس بها اليوم إلا صعلوك لا يطمع فيه، وهي مدينة مصرّت في الإسلام في أيام معاوية، رضي الله عنه، وكان من حديث تمصيرها ما ذكره جماعة كثيرة من أهل السير، قالوا:
عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج الكندي عن إفريقية واقتصر به على ولاية مصر وولى إفريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة، وكان مولده في أيام النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الكلبي: هو عبد الرحمن بن عدي ابن نافع بن قيس القرشي سنة 48، وكان مقيما بنواحي برقة وزويلة منذ ولاية عمرو بن العاص له فجمع إليه من أسلم من البربر وضمهم إلى الجيش الوارد من قبل معاوية، وكان جيش معاوية عشرة آلاف، وسار إلى إفريقية ونازل مدنها فافتتحها عنوة ووضع السيف في أهلها وأسلم على يده خلق من البربر وفشا فيهم دين الله حتى اتّصل ببلاد السودان فجمع عقبة حينئذ أصحابه وقال: إن أهل هذه البلاد قوم لا خلاق لهم، إذا عضّهم السيف أسلموا وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى عادتهم ودينهم، ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأيا، وقد رأيت أن أبني ههنا مدينة يسكنها المسلمون، فاستصوبوا رأيه فجاؤوا إلى موضع القيروان وهي في طرف البرّ وهي أجمة عظيمة وغيضة لا يشقها الحيّات من تشابك أشجارها، وقال: إنما اخترت هذا الموضع لبعده من البحر لئلا تطرقها مراكب الروم فتهلكها وهي في وسط البلاد، ثم أمر أصحابه بالبناء فقالوا: هذه غياض كثيرة السباع والهوام فنخاف على أنفسنا هنا، وكان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان في عسكره من الصحابة وكانوا ثمانية عشر ونادى: أيتها الحشرات والسباع نحن أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فارحلوا عنّا فإنّا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه، فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل، كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل أجراءه والحيّة تحمل أولادها وهم خارجون أسرابا أسرابا فحمل ذلك كثيرا من البربر على الإسلام، ثم اختطّ دارا للإمارة واختطّ الناس حوله وأقاموا بعد ذلك أربعين عاما لا يرون فيها حيّة ولا عقربا، واختطّ جامعها فتحير في قبلته فبقي مهموما فبات ليلة فسمع قائلا يقول: في غد ادخل الجامع فإنك تسمع تكبيرا فاتبعه فأيّ موضع انقطع الصوت فهناك القبلة التي رضيها الله للمسلمين بهذه الأرض، فلما أصبح سمع الصوت ووضع القبلة واقتدى بها بقية المساجد وعمّر الناس المدينة فاستقامت في سنة 55 للهجرة، وقد ذكرت بقية خبر عقبة ومقتله في كتابي المسمّى بالمبدإ والمآل، وكان مقتله في سنة 63 بعد أن فتح جميع بلاد المغرب، وينسب إلى القيروان قيروانيّ وقيرويّ، فمن جملة من ينسب إليها قيروانيّ:
محمد بن أبي بكر عتيق محمد بن أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبيد الله التميمي القيرواني المتكلم الثغري المعروف بابن أبي كدية، درس علم الأصول بالقيروان على أبي عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني وعلى غيره، وكان يذكر أنه سمع أبا عبد الله القضاعي بمصر، قرأ عليه نصر الله بن محمد بصور وكان يقرئ الكلام في النظامية ببغداد وأقام بالعراق إلى أن مات، وكان صلبا في الاعتقاد، ومات ببغداد في ثامن عشر ذي الحجّة سنة 512 ودفن مع أبي الحسن الأشعري في تربته بمشرعة الروايا خارج الكرخ.

المُشَقَّرُ

المُشَقَّرُ:
بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد القاف، وراء، كأنه مأخوذ من الشّقرة وهي الحمرة، أو من الشقر وهي شقائق النعمان، قال ابن الفقيه: هو حصن بين نجران والبحرين يقال إنه من بناء طسم وهو على تل عال ويقابله حصن بني سدوس ويقال إنه من بناء سليمان بن داود، عليهما السلام، وقال غيره: المشقّر حصن بالبحرين عظيم لعبد القيس يلي حصنا لهم آخر يقال له الصّفا قبل مدينة هجر والمسجد الجامع بالمشقر، وبين الصفا والمشقر نهر يجري يقال له العين وهو يجري إلى جانب مدينة محمد بن الغمر، ولذلك قال يزيد بن المفرّغ يهجو المنذر بن الجارود وكان قد أجاره فحقد عبيد الله بن زياد جواره وأخذه منه فنكّل به ونسب المشقّر إلى عبد القيس وهم أهل البحرين فقال:
تركت قريشا أن أجاور فيهم، ... وجاورت عبد القيس أهل المشقّر
أناسا أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من فسو العراق المبذّر
فهلّا بني اللّفّاء كنتم بني استها ... فعلتم فعال العامريّ ابن جعفر
حمى جاره بشر بن عمرو بن مرثد ... بألف كميّ في الحديد مكفّر
وخاض حياض الموت من دون جاره ... كهولا وشبّانا كجنّة عبقر
وأدّاه موفورا وقد جمعت له ... كتائب خضر للهمام بن منذر
ولما قدمت عبد القيس البحرين وبها إياد أخرجوهم منها قهرا ونزلوها فاستقرّوا بها إلى الآن، قال عمرو ابن أسوى العبقسي:
ألا بلّغا عمرو بن قيس رسالة ... فلا تجزعن من نائب الدهر واصبر
شحطنا إيادا عن وقاع وقلّصت، ... وبكرا نفينا عن حياض المشقّر
وفيه حبس كسرى بني تميم، وقد روي أن المشقر جبل لهذيل فيمن روى قول أبي ذؤيب وهو ابن الأعرابي:
حتى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع
قال الأصمعي: ولهذيل جبل يقال له المشقّر وهذا الذي قال فيه أبو ذؤيب وذكر البيت ثم قال: وبعض المشقّر لخزاعة، هذا نصّ قوي على أن المشقر في موضعين، ويروى المشرّق، وقال الحازمي: المشقر أيضا واد بأجإ، وقد قال امرؤ القيس في قصيدته التي يذكر فيها الشام فذكر فيها عدة مواضع ثم قال:
أو المكرعات من نخيل ابن يامن ... دوين الصفا اللائي يلين المشقّرا
ولعله شبّه موضعا بالشام به أو أراد أنه رحل من هناك إلى الشام، وقال عرفطة بن عبد الله المالكي ثم الأسدي:
لقد كنت أشقى بالغرام فشاقني ... بليلي على بنيان حمل مقدّر
فقلت وقد زال النهار كوارع ... من الثاج أو من نخل يثرب موقر
أو المكرعات من نخيل ابن يامن ... دوين الصفا اللائي يحفّ المشقّر

ناعِمٌ

ناعِمٌ:
بكسر العين: حصن من حصون خيبر عنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة ألقوا عليه رحا فقتلوه عام خيبر. والناعم: موضع آخر في قول عدي بن الرقاع:
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين الذؤيب وبين غيب الناعم
وقال أبو دؤاد:
أوحشت من سروب قومي تعار، ... فأروم فشابة فالستار
فإلى الدور فالمرورات منهم، ... فحفير فناعم فالديار
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.