Donate to support the Arabic Lexicon.

Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ثقف

ثَبت

(ثَبت) الشَّيْء أثْبته وَفُلَانًا مكنه من الثَّبَات عِنْد الشدَّة وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
(ثَبت)
ثباتا وثبوتا اسْتَقر وَيُقَال ثَبت بِالْمَكَانِ أَقَامَ وَالْأَمر صَحَّ وَتحقّق

(ثَبت) ثباتة وثبوتة صَار ذَا حزم ورزانة يُقَال فلَان ثَابت الْقلب وثابت الْقدَم فَهُوَ ثَبت وثبيت
ثَبت
: (ثَبَتَ) الشَّيْءُ، يَثْبُتُ، (ثَبَاتاً) بِالْفَتْح، (وثُبُوتاً) بالضمّ، (فَهُوَ ثابِتٌ، وثَبِيتٌ، وثَبْتٌ) بِفَتْح فَسُكُون. شيءٌ ثَبْتٌ: أَي ثابِتٌ. (وأَثْبَتَه) هُوَ، (وثَبَّتَه) ، بِمَعْنى. ويُقال: ثَبَتَ فلانٌ فِي المكانِ، يَثْبُتُ، ثُبُوتاً: إِذا أَقامَ بِهِ، فَهُوَ ثابِتٌ.
(والثَّبِيتُ) ، كأَمِيرٍ: (الفارِسُ الشُّجَاعُ) الصّادِقُ الحَمْلَةِ، (كالثَّبْتِ) بفتحٍ فَسُكُون.
(وَقد ثَبُتَ) الرَّجُلُ (ككَرُمَ، ثَبَاتَةً) كَكَرَامَةٍ، (وثُبُوتَةً) بالضَّمّ: أَي صارَ ثَبِيتاً.
(و) الثَّبِيتُ، أَيضاً: (الثّابِتُ) العقلِ. قَالَ العَجاج:
ثَبْتٌ إِذا مَا صِيحَ بالقَوْم وَقَرْ
والثّبِيتُ: الثّابتُ القُوَّةِ و (العَقْلِ) ، قَالَ طَرَفةُ:
الهَبِيتُ لَا فُؤادَ لَه
والثَّبِيتُ قَلْبُهُ قِيَمُهْ هَكَذَا أَنشدَه فِي الصَّحاح، وَالَّذِي بخطِّ الأَزهريّ هاكذا:
فالهبِيتُ لَا فُؤادَ لَهُ
والثَّبِيتُ قَلْبُهُ فَهمُه
ورجُلٌ ثَبْتُ الجَنَانِ من رِجالٍ ثُبَّتٍ، وثبْتُ القَدَمِ: لم يَزِلَّ فِي خِصامٍ أَو قِتال. وفارِس ثَبْتٌ، ورجلٌ ثَبْتٌ وثَبِيتٌ: عَاقل مُتَمَاسِكٌ، أَو قليلُ السَّقَط، كَذَا فِي الأَساس. وَفِي اللِّسان: رجل ثَبْتُ الغَدَرِ إِذا كَانَ ثَابتا فِي قِتالٍ أَو كَلَام؛ وَفِي الصَّحاح: إِذا كَانَ لِسانُهُ لَا يزِلُّ عِنْد الخُصُومات.
(و) الثَّبْتُ (مِنَ الخَيْلِ: الــثَّقِفُ فِي عَدْوِهِ) ، أَي: جَرْيِهِ، (كالثَّبِيتِ) أَيضاً.
(والثِّبَاتُ، بِالْكَسْرِ: شِبَامُ البُرْقُعِ) ، وَهُوَ خُيُوطُه. (و) الثِّبَاتُ: (سَيْرٌ يُشَدُّ بِهِ الرَّحْلُ) ، وجَمْعُه: أَثْبِتَةٌ.
(والمُثْبَتُ، كمُكْرَمٍ: الرَّحْلُ المَشْدُودُ بِهِ) ، أَي: بالسَّيْر؛ قَالَ الأَعْشَى:
زيَّافَة بالرَّحْلِ خَطَّارَة
تُلْوِي بِشَرْخَيْ مُثْبَتٍ قاتِرِ
وَفِي حديثِ مَشُورةِ قُرَيْشٍ فِي أَمر النَّبيّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعضُهم: إِذا أَصْبَحَ فأَثْبِتُوهُ بالوَثَاق.
(و) المُثْبَتُ: (مَنْ لَا حَرَاكَ بِهِ من المَرَضِ) ، يُقَال: أُثْبِتَ فلانٌ، فَهُوَ مُثْبَتٌ: إِذا اشتَدّت بِهِ عِلَّتُه، وَهُوَ مَجاز (و) كَذَا المُثْبِتُ، (بِكَسْرِ الباءِ) وَهُوَ (الّذِي ثَقُلَ) من الكِبَرِ وغيرِه، (فَلمْ يَبْرَحِ الفِرَاشَ، و) مِنْهُ قولُهم: بِهِ (داءٌ ثُباتٌ، بالضَّمِّ) ، أَي: (مُعجِزٌ عَن الحَرَكةِ) ، أَي: يُثْبِتُ الإِنسانَ حتّى لَا يَتحرّكَ.
(و) من الْمجَاز أَيضاً: (ثَابَتَه) مُثابَتَةً، (وأَثْبَتَه) إِثْباتاً: إِذا (عرَفَهُ حقَّ المَعْرِفَةِ) . وأَثبتَ الشَّيْءَ مَعْرِفَةً: قَتَله علْماً. ونَظَرْتُ إِليه، فَمَا أَثْبتُّهُ ببَصرِي.
(وإِثْبِيتُ) ، بِالْكَسْرِ (كإِزْمِيلٍ) : اسْم (أَرْضٍ، أَو مَاء لِبَنِي يَرْبُوعِ) بْنِ حَنْظَلَةَ، ثمّ لبني المُحِلّ مِنْهُم، قَالَه نَصْر، وأَنشد للرَّاعِي:
نَثَرْنَا عَلَيْهِم يَوْمَا إِثْبِيتَ بَعْدَما
شَفَيْنَا الغَلِيلَ بالرِّمَاحِ البَوَاتِر
(أَو) هُوَ ماءٌ (لِبَنِي المُحِلِّ بنِ جَعْفَرٍ) بأَود، كَذَا رُوِيَ عَن السُّكَّرِيّ فِي شرح قَول جَريرٍ:
أَتَعْرِفُ أَمْ أَنْكَرْتَ أَطْلالَ دِمْنَةٍ
بإِثْبِيتَ فالجَوْنَيْنِ بالٍ جَدِيدُهَا
وَفِي اللّسان: أَرضٌ، أَو موضعٌ، أَو جَبلٌ وَقَالَ الرّاعِي:
تُلاعِبُ أَولادَ المَها بِكُرَاتها
بِإِثْبِيتَ فالجَرْعَاءِ ذاتِ الأَباتِر
(وثابِتٌ، وثَبِيتٌ: اسمانِ) ، ويُصَغَّرُ ثابتٌ من الأَسماء ثُبَيْتاً. فأَمّا ثابتٌ، إِذا أَردتَ بِهِ نَعْتَ شَيْءٍ، فتصغيرُه ثُوَيْبت.
(و) أَبو نَصْرٍ (أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ ابنِ أَحْمَدَ) بْن ثَابت البُخَارِيُّ (الثَّابِتِيّ، نِسْبة إِلى جَدِّ والدِه ثابتٍ) الْمَذْكُور (فَقِيهٌ) شافِعِيٌّ من أَهْل بُخَارَى سكنَ بغدادَ، وحدَّثَ بهَا عَن أَبي الْقَاسِم بن حبابةَ، وتَفَقَّه على أَبِي حَامِد الأَسْفَرَايِينيّ، وأَفْتَى، وَكَانَ لَهُ حَلْقَةً بِجَامِع الْمَنْصُور، وتُوُفِّيَ فِي رَجَب سنة 449.
وممّا بَقِيَ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ:
الإِمام أَبو بكر أَحْمَدُ بْن عليّ بنِ ثابتِ بنِ أَحمدَ بنِ مَهْدِيّ بنِ ثابِتٍ الْحَافِظ، صَاحب التّصانيف الْمَشْهُورَة، تُوفِّيَ ببغدادَ فِي شَوّال سنة 463.
وأَبو سَعْدِ أَسْعدُ بنُ مُحَمَّدِ بْن أَحمدَ بْنِ أَبِي سعدِ بْن عليِّ الثَّابِتِيّ؛ قيل: إِنّه من أَولاد زَيْدِ بْن ثابتٍ الأَنصاريّ من أَهل بَنْجْدِيه، تَفقَّه على مَذْهَب الشافعِيّ، وروى عَن أَبي سعيد البَغَوِيّ، وتُوفِّي سنَة 545 بهَا.
وقَرِيبُه أَبو الفَتح محمّد بن عبد الرّحمن بْنِ أَحمَد الثّابِتيّ، صُوفِيٌّ سَمِعَ الكثيرَ، قُتِل سنة 548 بدُولابِ الخازنِ بمَرْوَ.
وأَبو طاهرٍ محمّد بنُ عليّ بنِ أَحمدَ بْنِ الحُسين، الثّابتيّ من ولد ثابتِ بن قَيس بن شَمّاس الأَنصارِيِّ، بغدادِيٌّ صالِحٌ، عَن عبد الْكَرِيم بن الحُسين بن رزبة، وتوفِّيَ فِي سنة 536.
وَعبد الرَّحْمان بنُ محمَّد بن ثَابت بن أَحمدَ الثّابتيِّ الخَرْقيّ أَبو الْقَاسِم، الْمَعْرُوف بمُفْتِي الحَرَمَيْنِ، روى عَن أَبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ أَحمدَ وغيرِه، وَعنهُ أَبو بَكْرٍ البَشّارِيّ، وَمَات سنة 495.
(وأَبُو ثُبَيْت، كزُبَيْرٍ: يَزِيدُ بنُ مُسْهِرٍ) ، من بَني هَمّام بن مُرَّةَ، ذكرَه الأَعشى فِي شعره.
(وأَبُو ثُبَيْتٍ الجَمّازِيُّ) شيخٌ لعبد الحميد بن جَعْفَر.
(وثُبَيْتُ بنُ كَثِيرٍ) ، عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأَنصاريّ، وَعنهُ يَحْيَى بنُ حمزَةَ.
(وهانِىءُ بنُ ثُبَيْتٍ) الحَضْرَمِيُّ، عَن ابْن عَبَّاسٍ.
(وعُقْبَةُ بْن أَبي ثُبَيْتٍ) الْبَصْرِيّ شَيخٌ لِشُعْبَةَ.
(مُحَدِّثون) .
(و) من المَجَاز: أُثْبِتَ فلانٌ، فَهُوَ مُثْبَتٌ، إِذا اشتَدَّتْ بِهِ عِلَّتُه، أَو أَثْبَتَتْهُ جِراحُه فَلم يَتحرَّكْ.
و (قَوْلُهُ تَعَالَى) وعزَّ ( {لِيُثْبِتُوكَ} (الْأَنْفَال: 30) ، أَي: لِيَجْرَحُوك جِراحةً لَا تَقوم مَعها، أَو ليَحْبِسوك) ، وَهُوَ أَيضاً مجازٌ. وَفِي حديثِ أَبي قَتَادَةَ: (فَطَعَنْتُه، فَأَثْبَتُّه) ، أَي: حَبَسْتُهُ وجَعلتُه ثَابتا فِي مَكانِه لَا يُفارِقُه، وَمِنْه أَيضاً: ضَرَبوه حَتَّى أَثْبتُوه، أَي: أَثْخَنوه.
(و) وجَدْتُه من (الأَثْباتِ) والأَعْلام (الثِّقاتِ) ، وَهُوَ ثَبَتٌ من الأَثْباتِ: إِذا كَانَ حُجَّةً، لثِفَتِه فِي رِوايته، وَهُوَ جمع ثَبَتٍ، محرَّكة، وَهُوَ الأَقيسُ. وَقد يُسكَّن وَسَطُه.
وَفِي المِصْباح: رجلٌ ثَبْتٌ: مُتَثَبِّتٌ فِي أُمُورِه. وثَبْتُ الجَنَانِ: ثابتُ القلْبِ، والاسمُ ثَبَتٌ بِفتْحَتَيْنِ. وقيلَ للحُجَّةِ: ثَبَتٌ، بِفتْحَتَيْنِ، إِذا كَانَ عدْلاً ضابطاً، والجمعُ الأَثبات، كسَبَبٍ وأَسباب.
وَفِي اللِّسان: ورجُلٌ لَهُ ثَبْتٌ عِنْد الحَمْلَة، بالتحرِيك، أَي: ثَباتٌ. وتقولُ أَيضاً: لَا أَحْكُم بِكَذَا إِلاَّ بِثَبَتٍ، أَي: بحُجَّةِ. وَفِي حديثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ: (بغَيرِ بيِّنَةٍ، وَلَا ثَبَت) . وَفِي حَدِيث صَومِ يومِ الشكِّ: (ثُمَّ جاءَ الثَّبَتُ أَنَّهُ من رَمَضَان) الثَّبَتُ، بالتَّحريك: الحُجَّةُ والبَيِّنَة.
(و) تَثَبَّتَ فِي الأَمْرِ والرَّأْيِ، و (اسْتَثْبَتَ) : إِذا (تَأَتَّى) فِيهِ، وَلم يَعْجَلْ.
واستَثْبَتَ فِي أَمرِه: إِذا شاوَرَ، وفَحَصَ عَنهُ.
(وثُبيْتَة، كجُهيْنَةَ: بِنْت الضَّحَّاكِ، أَو هِيَ) نُبَيْتَة (بالنُّون) ، لَهَا إِدراكٌ.
(و) ثُبَيْتَة (بِنْتُ يَعَارٍ) الأَنصارِيَّةُ، وَبنت النُّعْمان، بايعتْ، قَالَه ابنُ سعد؛ (صَحابِيَّتان) .
وثُبَيْتَةُ بنتُ الرَّبِيع بن عمْرٍ والأَنصاريَّة؛ وثُبَيْتَةُ بنتُ سَلِيط، ذكرهمَا ابنُ حبِيب.
(و) ثُبَيْتَةُ (بِنْتُ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِيَّةُ، تابعيّةٌ) رَوَتْ عَن أُمِّها، قَالَه الحافظُ.
ومِمّا يُستدرَكُ عَلَيْهِ: يُقال للجَرادِ، إِذا رَزَّ أَذْنابَهُ لِيَبِيضَ: ثَبَتَ، وأَثبَتَ.
وأَثبتَهُ السُّقْمُ: إِذا لم يُفارِقْه.
وثَبَّتَه عَن الأَمرِ: كَثَبَّطَه.
وطَعَنَهُ، فأَثبتَ فِيهِ الرُّمْحَ: أَي أَنفَذَه.
وأَثْبَتَ حُجَّتَهُ: أَقامَها وأَوْضَحَها.
وقولٌ ثابتٌ: صحيحٌ. وَفِي التَّنْزيل الْعَزِيز: {يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (إِبْرَاهِيم: 27) ، وكلُّه من الثَّباتِ.
والثَّبَتُ، محرَّكَةً: الفِهْرِسُ الّذِي يَجمع فِيهِ المُحدِّثُ مَرْوِيَّاتِه وأَشياخَه، كأَنّه أُخِذَ من الحُجَّة؛ لأَن أَسانيدَه وشُيُوخَه حُجَّةٌ لَهُ، وَقد ذكَره كثيرٌ من المُحَدِّثينَ. وَقيل: إِنَّه من اصطلاحاتِ المُحَدِّثينَ، ويُمْكِنُ تَخريجُه على المَجَاز.
وأَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ ثَبَاتٍ، كسَحَاب، الأَندَلُسيُّ الفَقِيهُ، سَمِعَ أَبا عَلِيَ الغَسّانِيَّ، وَعنهُ أَبو عبدِ اللَّهِ بْن أَبي الخِصال.
وَمن الْمجَاز: أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الدِّيوانِ: كتَبَه.
وثَبَتَ لِبْدُك: دعاءٌ بدَوَامِ الأَمْرِ. وهاذان من الأَساس.

الجهاد

الجهاد
قوبل الدين الجديد بأعنف مظاهر المعارضة، واجتمع أعداؤه يريدون القضاء عليه، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يخنقوه في مهده، وأن يبيدوا فكرته ومبادئه، ولم يقفوا عند حد الجدل اللسانى، أو المعارضة القولية، بل تعدوا ذلك إلى أشد ألوان الإيذاء، فحملوا بقسوة على من اعتنق هذا الدين الجديد، حتى أصبح مقامهم في وطنهم عبئا لا يحتمل، وجحيما لا يطاق، ففروا بدينهم إلى المدينة، وضحوا في سبيل عقيدتهم بأموالهم. وأهليهم، فكان من الطبيعى أن يسمح لمعتنقى هذا الدين الذى اتخذ شعاره: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125). أن يعدوا العدة للدفاع عن أنفسهم، والدفاع عن عقيدتهم، حتى يتدبر الناس أمرها في حرية وأمن، ويتدبروا ما فيها من الحق والصواب، فيعتنقوها عن اقتناع، ويدخلوها مطمئنين، لا يخافون، وقد بين القرآن ذلك في قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (الحج 39، 40). وإن أحق ما يعطاه المظلوم من الحقوق الدفاع عن النفس، ليعيش آمنا في سربه، مطمئنّا إلى حياته، لا يخشى أحدا على نفسه ولا عقيدته، والجهاد هو الذى يدفع شرّة العدو، ويحول بينه وبين الاعتداء والتعدى، فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (النساء 84).
وإذا كان للجهاد، هذا الأثر القوى في تأمين الجماعة الناشئة على نفسها وعقيدتها، فلا جرم كان له مكانه الممتاز بين مبادئ هذا الدين وقواعده، حتى إنه لينكر أن يسوى به غيره مما لا يبلغ قدره وقيمته، فيقول: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التوبة 19 - 22).
ويقول: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء 95).
أرأيت هذا التكرير وما يحمله من معانى التوكيد، مثبتا في النفس فضل الجهاد وقدره وقيمته.
والقرآن يعترف بأن الجهاد فريضة ثقيلة على النفوس، لا تتقبله في يسر، ولا تنقاد إليه في سهولة، فهو يعلم ما لغريزة حب الذات من أثر قوى في حياة الإنسان وتوجيه أفعاله، ولذلك تحدث في صراحة، مقررا موقف النفس الإنسانية، من تلك الفريضة الشاقة، التى يعرض المرء فيها حياته لخطر الموت، وقد طبعت النفوس على بغضه وكراهيته، فقال كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة 216). ويقرر في صراحة أن نفوس المسلمين قد رغبت في أن تظفر بتجارة المكيين الآئبة من الشام، والتى يستطيعون الاستيلاء عليها من غير أن يريقوا دماءهم في قتال مرير مع القرشيين، إذ يقول: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (الأنفال 7).
وإذا كانت النفس الإنسانية تجد الجهاد فريضة شاقة، فقد جمع القرآن حولها من المغريات ما يدفع إلى قبولها قبولا حسنا، بل إلى حبها والرغبة فيها.
وإذا كان أول ما يثنى المرء عن الجهاد هو حبه للحياة وبغضه للموت، فقد أكد القرآن مرارا أن هذا الذى يقتل في سبيل الله حىّ عند ربه يرزق، وإن كنا لا نشعر بحياته ولا نحس بها، فقال: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 169 - 171). وإذا كان من يقتل في سبيل الله حيا يرزق، ويظفر بحياة سعيدة، فرحا بما أنعم الله به عليه، ولا يمسه خوف، ولا يدركه حزن، فلا معنى للإحجام عن الجهاد، حرصا على حياة لا تنقطع بالموت في ميدان القتال، ولا تنتهى بالاستشهاد، بل يستأنف صاحبها حياة أخرى آمنة، خالصة مما يشوب حياة الدنيا من القلق والمخاوف والأحزان.
ويمضى بعدئذ، غارسا في نفوسهم أن الموت قدر مقدور، لا يستطيع المرء تجنبه أو الهرب منه، فلا معنى إذا لتجنب الجهاد الذى لا يدنى الأجل، إذا كان في العمر فسحة، إذ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (الأعراف 34). فيقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (الأعراف 34). ويقول: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ (آل عمران 154). ويرد على أولئك الذين يزعمون الجهاد مجلبة للموت ردّا رفيقا حازما في قوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 167، 168). وإذا كان المرء يموت عند انقضاء أجله، فلا معنى كذلك للفرار من ميدان القتال خوفا من الموت إذ لا
شىء يحول بينهم وبينه إن كان أجلهم قد دنا، قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (الأحزاب 16، 17).
وإذا كانت الدنيا زائلة لا محالة والموت قادما لا ريب فيه، وإذا كان الباقى الدائم هو الدار الآخرة والجهاد وسيلة من وسائل السعادة في هذه الدار- كان العاقل الحازم هو هذا الذى يقبل على الجهاد بنفس راضية، مؤثرا ما يبقى على ما يزول قال سبحانه: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 74). ويرد على هؤلاء الذين اعترضوا على فرض القتال بقوله: وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (النساء 77، 78).
ويثير فيهم النخوة الإنسانية، وشهامة الرجولة، حينما يمثل لهم واجبهم المقدس إزاء إنقاذ قوم ضعاف يسامون الذل، ويقاسون الظلم، على أيدى قرية ظالم أهلها، فلا يجدون ملجأ يتجهون إليه سوى الله، يرجونه ويطلبون نصرته، أليس هؤلاء الضعاف أجدر الناس بأن يهب من لديهم نخوة لإنقاذهم من أيدى ظالميهم؟ قال سبحانه: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (النساء 75).
ويمثلهم وأعداءهم معسكرين، أحدهما ينصر الله، وثانيهما ينصر الشيطان، أحدهما يدافع عن الحق، وثانيهما يدافع عن الباطل والغواية، والدفاع عن الحق من عمل الإنسان الكامل، أما الباطل فلا يلبث أن ينهار في سرعة، لأنه هشّ ضعيف، الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (النساء 76).
أما جزاء الجهاد فقد أعد الله للمجاهد مغفرة منه ورحمة خيرا مما يتكالب الناس على جمعه في هذه الحياة، وهيأ له جنات تجرى من تحتها الأنهار، فقد عقد معه عقد بيع وشراء، يقاتل في سبيله، فيقتل ويقتل، وله في مقابل ذلك جنة الخلد، ذلك عهد قد أكد الله تحقيقه في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 111). وأكّد القرآن هذا، وكرره في مواضع عدة، فقال مرة: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (آل عمران 195). وقال أخرى حاثا على الجهاد مغريا به: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الصف 10 - 12).
ويشجعهم على تتبع أعدائهم بلا تباطؤ ولا وهن، مبينا لهم أن أعداءهم ليسوا بأسعد حالا منهم، فهم يتألمون مثلهم ثمّ هم يمتازون عليهم بأن لهم آمالا في الله، ورجاء في ثوابه وجنته، ما ليس لدى أعدائهم، ولذا كانوا أجدر منهم بالصبر، وأحق منهم بالإقدام، فيقول: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء 104).
تلك هى المغريات التى بثها القرآن هنا وهناك، يحث بها على الجهاد، ويوطن النفس على الرغبة فيه والإقبال عليه، وأنت تراها مغريات طبيعية تدفع النفس إلى الإقدام على مواطن الخطر غير هيابة ولا وجلة، مؤمنة بأنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، فلا الخوف بمنجّ من الردى، ولا الإحجام بمؤخر للأجل، مؤملة خير الآمال في حياة سعيدة قادمة، لا يعكر صوفها خوف ولا حزن.
وإذا كان الله قد حث النفس الإنسانية على الجهاد، وحببه إليها، فقد حذرها من الفرار من ميدان القتال تحذيرا كله رهبة وخوف، وإن الفرار يوم الزحف لجدير أن يظفر بهذا التهديد، لأنه يوهن القوى، ويفت في العضد، ويسلم إلى الانحدار، والهزيمة، فلا غرابة أن نسمع هذا الزجر العنيف في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال 15، 16).
ويشير القرآن إلى أن الإعداد للحرب وسيلة من وسائل تجنّبها، وهو من أجل ذلك يحث على إعداد العدة واتخاذ الأهبة، حتى يرهب العدو ويحذر، فيكون ذلك مدعاة إلى العيش في أمن وسلام، ويدعو القرآن إلى البذل في سبيل هذا الإعداد، حتى ليتكفل بوفاء النفقة لمن أنفق من غير ظلم ولا إجحاف به، والقرآن بتقرير هذا المبدأ عليم بالنفس الإنسانية التى يردعها الخوف فيثنيها عن الاعتداء، قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال 60).
وبهذه القوة التى أمرنا القرآن بإعدادها نرهب العدو، ونستطيع القضاء عليه، إذا هو حاول الهجوم، أو نقض عهدا كان قد أبرمه معنا، وبها نقلّم أظافره، فلا نغتر بما قد يبديه من خضوع، يخفى وراءه رغبة في الانقضاض إن واتته الفرصة، أو وجد عندنا غفلة، وبهذه القوة يشعر العدو بخشونة ملمسنا، وأننا لسنا لقمة سائغة الازدراء،
فالقتال مباح حتى يأمن سرب الجماعة، ويهدأ بالها، فلا تخشى هجوما ولا مباغتة، ولكن من غير أن تحملنا القوة على الزّهو فنعتدى، وبهذه القوة نقابل الاعتداء بمثله، من غير أن نظهر وهنا ولا استكانة يظنها العدو ضعفا، وبها نقضى على أسباب الفتنة، حتى تصبح حرّيّة العبادة مكفولة، وحرية العقيدة، موطدة الأركان، واستمع إلى هذه المبادئ القوية مصوغة في أسلوب قوى في قوله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْــتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة 190 - 193).
وإِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَــثْقَفَــنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأنفال 55 - 57)، وكَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة 7 - 15). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 123). فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد 35).
ولم يدع القرآن بابا لتقوية الروح المعنوية لدى المسلمين إلا سلكه، ففضلا عن المغريات التى أسلفنا الحديث عنها، يؤكد لهم مرارا أن الله معهم، وأنه وعد من ينصره بالنصر المؤزر، ويطمئنهم بأنه يمدهم بالملائكة يساعدونهم ويشدون عضدهم، ويخبرهم بأنه ينزل السكينة على قلوبهم، والأمن على أفئدتهم، ويربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم، وهو يعلم ما للإيمان الصادق، وما للروح المعنوية القوية من أثر بالغ في صدق الدفاع والنصر، ولهذا جعل المؤمن الصابر الصادق يساوى فى المعركة عشرة رجال، ثم رأى أن هذا الجندى المثالى قليل الوجود، فجعل المؤمن الواحد يساوى اثنين، فللقوة المعنوية أثرها الذى لا ينكر في ميدان القتال، واستمع إليه يقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال 65).
ويقرر القرآن ما للرعب الذى يلقيه في قلوب أعدائهم من الأثر فيما يلحقهم من الهزائم، وفي كل ذلك تثبيت لقلوب المؤمنين، وتقوية لروحهم المعنوية.
هذا، ومن أهم ما عنى به القرآن وهو يصف القتال الناجح- وصفه المقاتلين يتقدمون إلى العدو في صفوف ملتحمة متجمعة، لا ثغرة للعدو ينفذ منها، ولا جبان بين الصفوف يتقدم في خوف ووهن، وذلك حين يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). وفي كلمة البنيان والرصّ ما يصور لك صفوف المجاهدين يتقدمون في قوة وحزم، يملأ قلوبهم الإيمان، ويحدوهم اليقين.
كما عنى بالحديث عن الجند الخائن، وأن الخير في تطهير الجيش منهم، فهم آفة يبثون الضعف، ويبذرون بذور الوهن في النفس، ويقودون الجيش إلى الانهيار والهزيمة، وقد أطال القرآن في وصف هؤلاء الجند وتهديدهم وتحذير الرسول من صحبتهم، فقال مرة: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (النساء 72، 73). ويصفهم مهددا منذرا فى قوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (التوبة 81 - 87). ويبين أن الخير في عدم استصحابهم، فيقول: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (المائدة 47). وهذه النذر القوية تؤذن بما للجهاد من أثر في صيانة الدين، والتمكين له في الأرض.
الجهاد:
[في الانكليزية] Effort ،holywar ،struggle against the desires
[ في الفرنسية] Effort ،guerre sainte ،lutte contre les desirs
بالكسر في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل كما قال ابن الأثير. وفي الشريعة قتال الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيرها كذا في جامع الرموز. ومثله في فتح القدير حيث قال:
الجهاد غلب في عرف الشرع على جهاد الكفار وهو دعوتهم إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا، وهو في اللغة أعمّ من هذا انتهى.
والسّير أشمل من الجهاد كما في البرجندي.
وعند الصوفية هو الجهاد الأصغر. والجهاد الأكبر عندهم هو المجاهدة مع النفس الأمّارة كذا في كشف اللغات.

علم الْفَرَائِض

علم الْفَرَائِض: علم يعرف بِهِ مصارف تَركه الْمُتَوفَّى وحقوقها بهَا إِرْثا. وموضوعه الصّرْف من حَيْثُ تعلقه بتركة الْمُتَوفَّى من حَيْثُ الوراثة وَقيل تَرِكَة من حَيْثُ صرفهَا فِي مصارفها من تِلْكَ الْجِهَة. وغرضه يجوز أَن يكون أمورا مِنْهَا دفع الْحَاجة عِنْد احْتِيَاج النَّاس إِلَيْهِ فَإِن احتياجهم بِهِ أَشد ومسائله أوقع وَمِنْهَا نيل السَّعَادَة وَالثَّوَاب لِأَنَّهُ نصف الْعلم من جِهَة الثَّوَاب قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم. وَإِنَّمَا جعل الْعلم بهَا نصف الْعلم إِمَّا لاختصاصها بِإِحْدَى حالتي الْإِنْسَان وَهِي الْمَمَات، وَإِمَّا من جِهَة الثَّوَاب فَإِنَّهُ إِذا قَالَ رجل فِي الْمَقَابِر أَن رجلا مَاتَ وَترك ابْنا لَا غير فتركته لَهُ بعد التَّجْهِيز والتكفين وَأَدَاء الدُّيُون وتنفيذ الْوَصَايَا من ثلث مَاله بعد الدّين وَيجْعَل ثَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة لأهل الْقُبُور رفع الْعَذَاب مِنْهُم جَمِيعًا.
والفرائض بِهَذَا الْمَعْنى جمع فَرِيضَة وَهِي مَا قدر من السِّهَام فِي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم فَرَائض لِأَن الْفَرْض التَّقْدِير وسهام هَذَا الْعلم مقدرَة والعالم بِهِ فَرضِي كَذَا فِي الْكَافِي لِأَن فِي النِّسْبَة يرد الْجمع إِلَى الْوَاحِد ثمَّ ينْسب إِلَيْهِ بِحَذْف الْيَاء كَمَا يُقَال فِي ثَقِيف ثقفــي. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. وَلَا يبعد أَن يَجْعَل لفظ الْفَرَائِض فِي الِاصْطِلَاح جَارِيا مجْرى الْأَعْلَام كالأنصار فَيُقَال فِي النِّسْبَة فرائضي كَمَا يُقَال أَنْصَارِي وَإِن كَانَ قِيَاسه فِي أَصله أَن يُقَال فَرضِي. وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام نصف الْعلم باعبتار الْمَشَقَّة لِأَن فِي تَصْحِيح الْفَرَائِض مشقة كَثِيرَة وَفِي تَصْحِيح مسَائِل الْفِقْه لَيْسَ بِمَشَقَّة كَثِيرَة. وَالْحَاصِل أَن مشقة الْفِقْه مَعَ كَثْرَة أَجْزَائِهِ وَكَثْرَة مشقة الْفَرَائِض مَعَ قلَّة أَجْزَائِهِ نزلها منزلَة شَيْئَيْنِ متساويين فَيكون الْفَرَائِض نصف الْعلم بِاعْتِبَار هَذَا ومغالطات هَذَا الْعلم فِي الْفَرَائِض إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الغريب

الغريب: في الحديث: ما تفرد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند. ثم الغرابة في أصل السند أولا، فالأول الفرد المطلق، والثاني الفرد النسبي.
الغريب
نقصد بالغريب ما قل دورانه على الألسنة، فلم يستعمله الخطباء ولا الشعراء استعمال غيره من الألفاظ، ويحوى القرآن الكريم عددا منه، فكان العرب في عصر نزول القرآن، يمضون إلى كبار الصحابة، يسألونهم عن معانى هذه الألفاظ الغريبة، فيجيبونهم ويقربون لهم هذه المعانى، مستشهدين بأبيات الشعر، والواقع أن قدرة الصحابة على فهم نصوص القرآن لم تكن في درجة واحدة: فكان منهم المــثقف ثقافة أدبية ممتازة، ولم يكن ما نسميه الآن غريبا، بغريب عند هؤلاء الذين تحداهم القرآن، فلم يكن استخدامه حينئذ معيبا ولا مستكرها، ومثال ذلك استعمال عباقرة الشعراء ألفاظا يعرفها جمهور المتأدبين، ويتذوقون جمالها، وإن كانت غير دائرة على ألسنة العامة، فلا يعاب الشاعر على هذا الاستخدام، ولا ينقص ذلك من قدر كلامه، بل يضع أدبه في مستوى الأدب الرفيع، الذى هدره وتدرك قيمته الصفوة الممتازة من الأدباء.
ومما يدل على أن القرآن يؤثر رفعة الأسلوب أنه يفضل أحيانا كلمة أدبية، على أخرى شائعة عامية، فتراه يستخدم إِلْحافاً فى قوله تعالى: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً (البقرة 273). مكان «إلحاحا» وربما كان لتكرير الحاءين في الكلمة أثر في الإعراض عنها، وليس ذلك بعجيب على كتاب نزل، ليتحدى أبلغ البلغاء، مستخدما أجمل وأرقى ما يعرفونه من الألفاظ.
وينبغى أن نقرر أن ما نسميه اليوم غريب القرآن، قد برئ من الثقل على اللسان، والكراهة على السمع، والقرآن الكريم لا يستخدم هذا النوع من الألفاظ إلا قليلا، وليس كل ما ذكره المؤلفون في القرآن مما يندرج في هذا النوع، بل يضعون فيه كل ما يرتفع قليلا عن مستوى العام الشائع، فتجد السجستانى مثلا يعد منه كلمات «انفصام، وإسرافا، وادرءوا، وإعصار» ، وليس ذلك بغريب.
أما ما نعده اليوم غريبا فعدد محدود من الكلمات، مثل قَضْباً و (أبا) فى قوله تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً
وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا
(عبس 25 - 31).
والقضب: القث، والأب ما ترعاه الأنعام، ويقال: الأب للبهائم كالفاكهة للناس ، وقد جاءت الكلمتان فاصلتين محافظتين أقوى محافظة على النغم الموسيقى، كما أن الكلمة الثانية استخدمت في معناها الدقيق.
وعلى هذا الوجه جاءت إِدًّا فى قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (مريم 89).
بمعنى الأمر العظيم.
وقد يكون ما يحيط بالكلمة دالا على معناها، كما نجد ذلك في «أركس» فى قوله تعالى: كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها (النساء 91). وفي أَكِنَّةً فى قوله تعالى:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (الأنعام 25). وأَمْتاً بمعنى ارتفاعا وهبوطا من قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (طه 105 - 107). و (ألتنا) بمعنى نقصنا، من قوله تعالى: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (الطور 21).
ويكاد يكون هذا الأمر مبدأ عاما في معظم ما نسميه اليوم بالغريب، فهو مع قلته يحاط بما يشير إلى معناه، وقد يتولى القرآن نفسه تفسير ما يرد من تلك الألفاظ، ويكون ذلك في موضع الترهيب والزجر، أو الوعد بالخير، فيكون النطق بهذه الكلمة الغريبة، مثيرا في نفس سامعها السؤال عنها، والتنبه القوى لمعناها، حتى إذا جاء هذا المعنى استقر في النفس، فملأها خوفا، أو غمرها بالبهجة والحبور، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (المدثر 26 - 31). وقوله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (المطففين 7 - 11). ومثله قوله سبحانه: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (المطففين 18 - 21).
ولعل من وجوه بلاغة استخدام هذه الألفاظ الأدبية التى لم تشع على الألسنة إلّا قليلا، ما نراه من اختيار ما حسن وقعه على الأذن، وجريه على اللسان منها، ثم في وضعه حيث لا يغنى غيره من الألفاظ غناءه، لتناسب موسيقاه، أو لأنه يؤدى المعنى الدقيق دون سواه، وفي ذلك من براعة الاستعمال ما لا نجده في الألفاظ المستعملة الشائعة.
وإذا أردت أن تعرف ما عده العلماء من غريب القرآن، فارجع إلى مؤلف السجستانى، وإلى كتاب الإتقان (ج 1 ص 115) وفيهما تفسير هذا الغريب، وفي الإتقان أبيات الشعر، التى استشهد بها على معانى ما ورد في القرآن من هذه الألفاظ.
الغريب:
[في الانكليزية] lntruder ،odd ،unusual ،strange
[ في الفرنسية] lntrus ،bizzarre ،insolite ،etrange
هو فعيل من الغرابة بالراء المهملة وهو يطلق على معان. منها الكوكب الواقع في موضع لا حظّ له فيه، وهذا مصطلح المنجّمين.
ومنها ما هو مصطلح أهل العروض وهو البحر الذي وزنه فاعلن ثماني مرات ويسمّى بالمتدارك أيضا كما في عروض سيفي. ومنها ما هو مصطلح أهل المعاني قالوا الغرابة كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال، سواء كانت بالنظر إلى الأعراب الخلّص أو بالنظر إلينا، وتلك الكلمة تسمّى غريبا ويقابله المعتاد ويرادفه الوحشي. فالغريب منه ما هو غريب حسن وهو الذي لا يعاب استعماله على الأعراب الخلّص لأنّه لم يكن غير ظاهر المعنى ولا غير مأنوس الاستعمال عندهم، وذلك مثل شرنبث واشمخر واقمطر وهي في النظم أحسن منها في النشر، ومنه غريب القرآن والحديث، وهذا غير مخلّ بالفصاحة، ومنه غريب قبيح وهو الذي يعاب استعماله مطلقا أي عند الخلّص من الأعراب وغيرهم سواء كان كريها على السمع والذوق أو لم يكن، فمنه ما يسمّى الوحشي الغليظ وهو أن يكون مع كونه غريب الاستعمال ثقيلا على السّمع كريها على الذوق ويسمّى المتوعّر أيضا وذلك مثل جحيش للفريد واطلخم الأمر وأمثال ذلك، ويجب الخلوص عن مثل هذا الغريب في الفصاحة إلّا أنّ الخلوص عن التنافر يستلزم الخلوص عن الوحشي الغليظ. ومن الغريب المخلّ بالفصاحة ما يحتاج في معرفته إلى أن ينقر ويبحث عنه في كتب اللغة المبسوطة كتكأكأتم وافرنقعوا في قول عيسى بن عمر ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّة افرنقعوا عنّي، أي اجتمعتم تنحّوا عنّي كذا ذكره الجواهري في الصحاح. ومنه ما يحتاج إلى أن يخرّج له وجه بعيد نحو مسرّج في قول العجاج: وفاحما ومرسنا مسرّجا.
أي كالسيف السريجي في الدقّة والاستواء، وسريج اسم قين ينسب إليه السيوف. وبالجملة فالغريب الغير المخلّ بالفصاحة هو الذي يكون غير ظاهر المعنى وغير مأنوس الاستعمال لا بالنسبة إلى الأعراب الخلّص بل بالنسبة إلينا، والغريب المخلّ بالفصاحة هو الذي يكون غير ظاهر المعنى وغير مأنوس الاستعمال بالنسبة إليهم كلّهم لا بالنسبة إلى العرب كلّه، فإنّه لا يتصوّر إذ لا أقلّ من تعارفه عند قوم يتكلمون به، فإنّ الغرابة مما يتفاوت بالنسبة إلى قوم دون قوم كالاعتياد الذي يقابله هكذا يستفاد من الأطول والمطول والچلپى وغيرها. ومنها ما هو مصطلح الأصوليين وهو وصف ثبت اعتبار عينه في عين الحكم بمجرّد ترتّب الحكم على وفقه، وهذا قسم من المناسب قسيم للمرسل. وقد يطلق أيضا عندهم على قسم من المرسل ويجيء في لفظ المناسبة. ومنها ما هو مصطلح المحدّثين وهو حديث يتفرّد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرّد من السّند سواء كان التفرّد في أصل السّند أي الموضع الذي يدور الإسناد عليه ويرجع إليه وهو طرفه الذي فيه الصحابي ويسمّى غريبا مطلقا، أو في أثناء السّند ويسمّى غريبا نسبيا، ويرادف الغريب الفرد.
اعلم أنّ ما تفرّد به الصحابي ثم كثر الرواية عنه لا يسمّى فردا فإنّ الصحابة كلهم عدول على الإطلاق صغيرهم وكبيرهم ممن خالط الفتن وغيرهم لقوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً أي عدولا. وقوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني) وهو الصحيح. وحكى الآمدي وابن الحاجب قولا إنّهم كغيرهم في لزوم البحث عمّن ليس ظاهر العدالة. فقولهم طرفه أرادوا به التابعي فإنّ الصحابة وإن كانوا من رجال الإسناد إلّا أنّهم لم يعدوا لما ذكرنا أنّهم عدول كلهم لا يبحث عن أحوالهم. وقولهم فيه الصحابي أي في ذلك الطرف من تسامحاتهم أي ينتهي ذلك الطرف إلى الصحابي ويتصل به. وبالجملة فالغريب المطلق هو ما رواه تابعي واحد مثلا عن صحابي ولم يتابعه غيره رواية عن ذلك الصحابي سواء تعدّد الصحابي في تلك الرواية أو لا، وسواء كان الصحابي واحدا أو أكثر كحديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته، تفرّد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وقد يتفرّد به راو عن ذلك المتفرّد كحديث شعب الإيمان تفرّد به أبو صالح عن أبي هريرة، وتفرّد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح. وقد يستمرّ التفرّد في جميع رواته أو أكثرهم. والغريب النسبي هو ما وقع التفرّد في أثناء سنده أي قبل التابعي كما يروي عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرّد بالرواية منهم شخص واحد، سمّي نسبيا لكون التفرّد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معيّن وإن كان الحديث مشهورا من وجه آخر لم يتفرّد فيه راو، هكذا في شرح النخبة وشرحه.

وفي مقدّمة شرح المشكاة: الحديث صحيح لو أنّ راويه كان واحدا. ويسمّونه الغريب أو الفرد. والمراد مع كون راويه واحدا هو: إذا وقع هكذا في أحد المواضع فهو غريب. ولكن يقولون له الفرد النسبي. وإذا كان في كلّ مكان هكذا يأتي فهو الفرد المطلق. انتهى. فهذا يدلّ على أنّ ما تفرّد به الصحابي ثم كثر عنه الرواية يسمّى غريبا. وعلى أنّه يشترط تفرّد جميع الرواة في الغريب المطلق.
اعلم أنّ الغريب كما ينقسم إلى مطلق ونسبي كما عرفت كذلك ينقسم إلى غريب متنا وإسنادا، وهو ما تفرّد بروايته واحد وإلى غريب إسنادا لا متنا وهو ما تفرّد بروايته واحد عن صحابي ومتنه معروف عن جماعة من الصحابة بطريق آخر، ومنه قول الترمذي غريب من هذا الوجه. ولا يوجد ما هو غريب متنا لا إسنادا إلّا إذا اشتهر الحديث الفرد بأن رواه عمّن تفرّد جماعة كثيرة فإنّه يصير غريبا متنا لا إسنادا بالنسبة إلى آخر الإسناد، فإنّ إسناده متّصف بالغرابة في طرفه الأول وبالشهرة في الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات، ونسمّيه غريبا مشهورا كذا في خلاصة الخلاصة.
فائدة:
قولهم ما يتفرّد بروايته شخص واحد يعمّ ما تفرّد فيه الراوي بزيادة في المتن أو الإسناد، ولذا وقع في شرح شرح النخبة في بحث المتابعة الغريب جمعه الغرائب، وهو الحديث الذي تفرّد به بعض الرواة أو الحديث الذي تفرّد فيه بعضهم بأمر لا يذكر فيه غيره إمّا في متنه أو في إسناده انتهى. وقال القسطلاني: الغريب ما تفرّد راو بروايته أو برواية زيادة فيه عمّن يجمع حديثه في المتن أو السّند.
فائدة:
إنّما يحكم بالتفرّد إذا لم يوجد له شاهد ولا متابع، فإن وجدا لا يحكم بالفردية.
فائدة:
الغرابة لا تنافي الصّحة فالحديث الغريب الصحيح يوجد إذا كان كلّ واحد من رجال الإسناد ثقة.
فائدة:
الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحا إلّا أنّ أهل الاصطلاح تمايزوا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته. فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، وهذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما، وأمّا من حيث استعمالهم الفعل المشتقّ فلا يفرّقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرّد به فلان وأغرب به فلان كذا في شرح النخبة.
اعلم أنّه قد يطلق الغريب بمعنى الشاذ الذي ذكر في أقسام الطّعن في الضبط وهو ما كان سوء الحفظ لازما لراويه في جميع حالاته، وهذا هو مراد صاحب المصابيح حيث يقول في بعض الأحاديث بطريق الطّعن هذا حديث غريب كذا في مقدمة شرح المشكاة.

الطَّوْقُ

الطَّوْقُ: حَلْيٌ للعُنُقِ، وكُلُّ ما اسْتدارَ بشيءٍ، ج: أطْواقٌ.
وتَطَوَّقَ: لَبِسَه،
و=: الوُسْعُ والطاقَةُ، وحابولُ النَّخْلِ.
ومالكُ بنُ طَوْقٍ: كان في زَمَنِ هارونَ، وهو صاحبُ رَحَبَةِ الفُراتِ.
و"كَبِرَ عَمْرٌو عن الطَّوْقِ": يُضْرَبُ لمُلابِسِ ما هو دون قَدْرِه، وهو عَمْرُو بنُ عَدِيٍّ، وكان خالُه جَذِيْمَةُ جَمَعَ غِلْمَاناً من أبْناء المُلوكِ يَخْدِمونَهُ، منهم عَدِيٌّ، وكان جميلاً، فَعَشِقَتْه رَقاشِ أخْتُ جَذِيمَةَ، فقالت له: إذا سَقَيْتَ المَلِكَ فَسَكِرَ فاخْطُبْنِي إليه، فَسَقَى عَدِيٌّ جَذِيمَةَ، وألْطَفَ له، فلما سَكِرَ قال له: سَلْني ما أحْبَبْتَ، فقالَ: زَوِّجْنِي رَقاشِ أخْتَكَ، قال: قد فَعَلْتُ، فَعَلِمَتْ رَقاشِ أنه سَيُنْكِرُ إذا أفاقَ، فقالت للغُلامِ: ادْخُلْ على أهْلِكَ، فَفَعَلَ، وأصْبَحَ في ثيابٍ جُددٍ وطيبٍ، فلما رَآهُ جَذِيْمَةُ، قال: ما هذا؟ قال: أنْكَحْتَنِي أخْتَكَ البارِحَةَ، فقال: ما فَعَلْتُ، وجَعَلَ يَضْرِبُ وَجْهَهُ ورأسَه، وأقْبَلَ على رَقاشِ، وقال:
حَدِّثِيني وأنتِ غيرُ كَذُوبٍ ... أبِحُرٍّ زَنَيْتِ أمْ بهَجينِ
أمْ بعَبْدٍ وأنتِ أهْلٌ لعَبْدٍ ... أمْ بدونٍ وأنتِ أهْلٌ لدُونِ
قالتْ: بل زَوَّجتَني كُفُؤاً كريماً من أبناءِ المُلوكِ، فأطْرَقَ جَذيمةُ، فلما أُخْبِرَ عَدِيٌّ بذلك خافَ، فَهَرَبَ، ولَحِقَ بِقَوْمِهِ، وماتَ هُنالِكَ وعَلِقَتْ منهُ رَقاشِ، فأتَتْ بابْنٍ سَمَّاهُ جَذيمَةُ عَمْراً، وتَبَنَّاهُ، وأحَبَّهُ حُبّاً شَديداً، وكانَ لا يولَدُ له، فلمَّا تَرَعْرَعَ كانَ يَخْرُجُ مع الخَدَمِ يَجْتَنونَ للمَلِكِ الكَمْأَةَ، فَكانوا إذا وَجَدوا كَمْأَةً خِياراً أكَلوها، وأتَوا بالباقي إلى المَلِكِ، وكانَ عَمْرٌو لا يأكُلُ منه، ويَأتِي به كما هو، ويقولُ:
هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيهِ ... إذْ كُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فِيهِ
ثم إِنَّهُ خَرَجَ يَوْماً وعليه حَلْيٌ وثِيابٌ، فاسْتُطيرَ، فَفُقِدَ زَماناً، فَضُرِبَ في الآفاقِ، فلم يوجَدْ، ثم وجَدَهُ مالِكٌ وعَقيلٌ ابنا فارِجٍ، رَجُلانِ من بَلْقَيْنِ كانا مُتَوَجِّهَيْنِ إلى جَذيمَةَ بِهَدايا، فبينما هُما بوادٍ في السَّماوَةِ، انْتهَى إليهما عَمرُو بنُ عَدِيٍّ، فَسألاهُ مَنْ أنْتَ؟ فقالَ: ابنُ التَّنوخِيَّة، فقالا لجارِيَةٍ مَعَهُما: أطْعِمينا، فأطْعَمَتْهُما، فأشارَ عَمْرٌو إليها: أنْ أطْعِميني، فأطْعَمَتْهُ ثم سَقَتْهُما، فقال عَمْرٌو: اسْقيني، فقالت الجارِيَةُ: "لا تُطْعِمِ العَبْدَ الكُراعَ فَيطَمَعَ في الذراعِ"، ثُمَّ إِنَّهما حَمَلاهُ إلى جَذيمَةَ، فَعَرَفَهُ وضَمَّهُ وقَبَّلَهُ، وقالَ لَهُما: حُكْمَكُما! فَسألاهُ مُنادَمَتَهُ، فَلَمْ يَزالا نَديمَيْهِ، وبَعَثَ عَمْراً إلى أُمِّهِ، فأدْخَلَتْهُ الحَمَّامَ، وألْبَسَتْهُ وطَوَّقَتْهُ طَوْقاً كانَ له مِنْ ذَهبٍ، فَلَمَّا رآه جَذيمَة، قالَ: كَبِرَ عَمْرٌو عَنِ الطَّوْقِ.
والأَطْواقُ: لَبَنُ النارِجيلِ، وهو مُسْكِرٌ جِدّاً سُكْراً مُعْتَدِلاً ما لَم يَبْرُزْ شارِبُهُ للريحِ، فإِنْ بَرَزَ أفْرَطَ سُكْرُهُ، وإذا أدامَهُ منْ لَم يَعْتَدْهُ أفْسَدَ عَقْلَهُ، فإنْ بَقِيَ إلى الغَدِ كانَ أثْقَفَ خَلٍّ.
والطَّوْقَةُ: أرْضٌ تَسْتَديرُ سَهْلَةٌ بين أرَضينَ غِلاظٍ.
والطاقُ: ما عُطِفَ من الأَبْنِيَةِ، ج: طاقاتٌ وطيقانٌ، وضَرْبٌ من الثيابِ، والطَّيْلَسانُ أوِ الأَخْضَرُ،
ود بِسِجِسْتانَ، وحِصْنٌ بطَبَرِسْتانَ،
وبه سَكَنَ محمدُ بنُ النُّعْمانِ شَيطانُ الطاقِ، وناشِزٌ يَنْدُرُ من الجَبَلِ،
كالطائِق، وكذلك في البِئْرِ، وفيما بين كُلِّ خَشَبَتَينِ من السَّفينَةِ، ويُقالُ: طاقُ نَعْلٍ، وطاقَةُ رَيْحانٍ.
وطائقانُ: ة بِبَلْخَ.
وطَوَّقْتُكَهُ: كَلَّفْتُكَهُ.
وطَوَّقَني اللهُ أداءَ حَقِّهِ: قَوَّاني عليه.
وطَوَّقَتْ له نفسُه: طَوَّعَتْ، أي: رَخَّصَتْ وسَهَّلَتْ،
وقُرِئَ: {وعلى الذينَ يُطَوَّقونَهُ} ، أي: يُجْعَلُ كالطَّوْقِ في أعْناقِهِم.
يَطَّوَّقُونَهُ: أَصلُهُ: يَتَطَوَّقُونَهُ، قُلِبَتِ التّاءُ طاءً وأُدْغِمَتْ.
يُطَيَّقُونه: أَصلُهُ: يُطَيْوَقُونَهُ، قُلِبَتِ الواوُ ياءً. يَطَّيَّقونَهُ، يَتَفَيْعَلُونَهُ: أَصلُهُ: يَتَطَيْوَقُونَهُ، قُلِبَت الواوُ ياءً.
والمُطَوَّقَةُ: الحَمَامَةُ ذاتُ الطَّوْقِ،
والقارورةُ الكَبيرةُ لها عُنُقٌ مُطَوَّقَةٌ.
والإِطاقَةُ: القُدْرَةُ على الشَّيْءِ. وقد طاقَهُ طَوْقاً، وأَطاقَهُ، وعليه، والاسمُ: الطاقَةُ.

لَقِفَهُ

لَقِفَهُ، كَسَمِعَهُ، لَقْفاً ولَقَفاناً، مُحرَّكةً: تَناوَلَهُ بِسُرْعَةٍ.
ورجُلٌ ثَقْفٌ لَقْفٌ، بالفتح، وككَتِفٍ وأميرٍ: خَفيفٌ حاذِقٌ.
واللَّقَفُ، مُحرَّكةً: جانِبُ البِئْرِ والحَوْضِ، ج: ألْقافٌ، وسُقوطُ الحائِطِ، وتَهَوُّرُ الحَوْضِ من أسْفَلِهِ،
كالتَّلَقُّفِ، وهو لَقِفٌ، ككَتِفٍ وأميرٍ، أو هو ما لم يُحْكَمْ بِناؤُهُ، وقد بُنِيَ بالمَدَرِ، أو يُحْفَرُ وهو مَمْلُوءٌ، فيُحْملُ عليه الماءُ، فَيُفَجِّرُهُ.
ولِقْفٌ، بالكسر: ماءُ آبارٍ كثيرةٍ، عَذْبٌ بأعْلَى قَوْرانَ.
والتَّلْقيفُ: بَلْعُ الطَّعامِ،
كالتَّلَقُّفِ، والإِبلاعُ، وتَخَبُّطُ الفَرَسِ بِيَدَيْهِ في اسْتِنانِهِ، لا يُقِلُّهُما نَحْوَ بَطْنِهِ، أو شِدَّةُ رَفْعِها يَدَيها، كأنما تَمُدُّ مَدّاً، أو ضَرْبُ البُعْرانِ بأيْديها لَبَّاتِها في السَّيْرِ.
وبَعيرٌ مُتَلَقِّفٌ: إذا كانَ يَهْوِي بِخُفَّيْ يَدَيْهِ إلى وَحْشِيِّهِ في سَيْرِهِ.

وَهَبَ

وَهَبَ
الجذر: و هـ ب

مثال: وهبه مالاً
الرأي: مرفوضة
السبب: لتعدية الفعل «وهب» بنفسه إلى مفعولين.

الصواب والرتبة: -وهب له مالاً [فصيحة]-وهبه مالاً [فصيحة]
التعليق: ورد الفعل «وهب» في المعاجم متعديًا بنفسه إلى مفعول واحد ويتعدى إلى الثاني بحرف الجر ومنه قوله تعالى: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} الشعراء/21، ويصح كذلك تعديته بنفسه إلى مفعولين اعتمادًا على ما نقله اللسان والتاج من أن أبا عمرو سمع أعرابيًّا يقول لآخر: انطلق معي أَهَبْك نَبْلاً، على معنى «أمنحك»، أو «أعطك».
(وَهَبَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى «الْوَهَّابُ» *
الْهِبَةُ: العَطيَّة الخاليَة عَنِ الأعْوَاضِ والأغْراض، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صاحبُها وَهَّاباً، وَهُوَ مِنْ أبْنِيَةِ المُبالَغَة.
(هـ) وَفِيهِ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أَتَّهبَ إِلَّا مِنْ قُرَشيّ، أَوْ أنْصارِيّ، أَوْ ثَقَفِــيّ» أَيْ لَا أقْبَل هَديَّةً إِلَّا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ مُدُنٍ وَقُرىً، وهُم أعْرَف بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلِأَنَّ فِي أَخْلَاقِ الْبَادِيَةِ جَفاءً وذَهَاباً عَنِ المُروءة، وطَلَباً لِلزِّيَادَةِ.
وأصْلُه: أوْتَهِبُ، فقُلِبت الْوَاوُ تَاءً وأدغِمت فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ، مِثْلُ اتَّزَن واتَّعَدَ. مِنَ الْوَزْنِ والوَعْد. يُقَالُ: وَهَبْتُ لَهُ شَيْئًا وَهْباً، ووَهَباً، وهِبَةً، وَالِاسْمُ: الْمَوْهِبُ والْمَوْهِبَةُ، بِالْكَسْرِ.
والِاسْتِيهَابُ: سُؤَالُ الهِبة. وتَوَاهَبَ القَوْمُ، إِذَا وَهَبَ بَعْضُهم بَعْضاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَحْنَفِ:
وَلَا التَّوَاهُبُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ضَعَةٌ
يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَهَبُونَ مكرهين. 

لَقَنَ

(لَقَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «ويَبِيت عندَهما عبدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ» أَيْ فَهِمٌ حَسَنُ التَّلَقُّن لِمَا يَسْمَعُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الأُخدود «انْظُروا لِي غُلاماً فَطِناً لَقِناً» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ هَاهُنَا علْماً- وَأَشَارَ إِلَى صَدره- لَوْ أصبتُ لَهُ حَمَلَةً، بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ» أَيْ فِهماً غَيْرَ ثِقة.

فَرَمَ

(فَرَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أيَّام التَّشْريق أيَّام لَهْو وفِرَام» هُوَ كِناية عَنِ المُجَامَعة، وَأَصْلُهُ مِنَ الفَرْم، وَهُوَ تَضْييق الْمَرْأَةِ فَرْجَها بِالْأَشْيَاءِ العَفِصَة، وَقَدِ اسْتَفْرَمَتْ إِذَا احْتَشَت بِذَلِكَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ لمَّا شَكَا مِنْهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: يَا ابْن المُسْتَفْرِمَة بِعَجَم الزَّبيب» أَيِ المُضَيِّقَة فَرْجَها بِحَبّ الزَّبِيبِ، وَهُوَ مِمَّا يُسْتَفْرَمُ بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ لرجُل: عَلَيْكَ بفِرَام أمِّك» سُئل عَنْهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: كَانَتْ أمُّه ثَقَفِــيَّة، وَفِي أحْراحِ نِسَاءِ ثَقيفٍ سَعَة، وَلِذَلِكَ يُعَالِجْنَ بِالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «حَتَّى تَكُونُوا أذلَّ مِنْ فَرَمِ الأمَة» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: مَا تُعَالج بِهِ المَرْأة فَرْجها ليَضِيق.
وَقِيلَ: هُوَ خِرْقة الحَيْض.

خَطَطَ

(خَطَطَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَم «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَطِّ، فَقَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وافَق خَطَّهُ عَلِمَ مِثْلَ عِلْمه» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ وافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَطُّ هُوَ الَّذِي يَخُطُّهُ الحازِي، وَهُوَ عِلْمٌ قَدْ تَركه النَّاسُ، يَأْتِي صاحبُ الحاجةِ إِلَى الحازِي فيُعْطِيه حُلْواناً، فيقولُ لَهُ اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ يَدَي الْحَازِي غُلام لَهُ مَعَهُ مِيلٌ، ثُمَّ يَأْتِي إِلَى أرضٍ رِخْوة فَيَخُطُّ فِيهَا خُطُوطاً كَثِيرَةً بالعَجَلة لِئَلَّا يَلْحَقَها العَدَدُ، ثُمَّ يَرْجع فيَمْحو مِنْهَا عَلَى مَهَل خَطَّين خَطَّين، وغُلامه يَقُولُ للتَّفاؤُل: اْبنَىْ عِيان أسْرِعا الْبَيَانَ، فَإِنْ بَقِيَ خَطَّان فَهُمَا علامةُ النُّجْح، وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ عَلَامَةُ الخَيْبة. وَقَالَ الحَرْبيُّ: الْخَطُّ هُوَ أَنْ يَخُطَّ ثَلَاثَةَ خُطُوطٌ، ثُمَّ يَضْرِبَ عَلَيْهِنَّ بِشَعِيرٍ أَوْ نَوًى وَيَقُولَ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْكِهَانَةِ. قُلْتُ: الخَطُّ المُشار إِلَيْهِ عِلْم مَعْرُوفٌ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ تصانِيفُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ إِلَى الْآنِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَوْضَاعٌ وَاصْطِلَاحٌ وأسامٍ وعَملٌ كَثِيرٌ، ويَسْتَخرِجون بِهِ الضمير وغيره، وكثيرا ما يصيبون فيه.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أُنيسٍ «ذَهب بِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ فدعا بِطَعَامٍ قَلِيلٍ، فَجَعلْت أُخَطِّطُ ليَشْبَع رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ أَخُطُّ فِي الطعام أُرِيه أني آكل ولست بآكل.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَيْلة «أيُلام ابْنُ هَذِهِ أَنْ يَفْصِل الْخُطَّة» أَيْ إِذَا نَزَلَ بِهِ أمْرٌ مُشْكل فَصَلَهُ برَأيه. الْخُطَّةُ: الحالُ وَالْأَمْرُ والخَطْبُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ «لَا يَسألوني خُطَّة يُعَظِّمون فِيهَا حُرُماتِ اللَّهِ إِلَا أعْطَيتهم إيَّاها» .
وَفِي حَدِيثِهَا أَيْضًا «أَنَّهُ قَدْ عرضَ عَلَيْكُمْ خُطَّة رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا» أَيْ أَمْرًا وَاضِحًا فِي الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ ورَّث النِّسَاءَ خِطَطَهُنَّ دُونَ الرِّجَالِ» الخِطَطُ جَمْعُ خِطَّةٍ بِالْكَسْرِ، وَهِيَ الْأَرْضُ يَخْتَطُّها الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَلِّم عَلَيْهَا عَلَامَةً ويَخُطُّ عَلَيْهَا خَطّاً لِيُعْلم أَنَّهُ قَدِ احْتازَها، وَبِهَا سُمِّيت خِطَطُ الكُوفة والبَصرة. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعْطى نِساءً، مِنْهُنَّ أمُّ عَبْدٍ خِطَطاً يَسْكُنَّها بِالْمَدِينَةِ شِبْهَ الْقَطَائِعِ لَا حَظَّ للرِّجال فِيهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أمُّ زَرْع «وَأَخَذَ خَطِّيّاً» الْخَطِّيُّ بِالْفَتْحِ: الرُّمح الْمَنْسُوبُ إِلَى الخَطُّ، وَهُوَ سِيفُ البَحر عِنْدَ عُمان والبَحْرَين؛ لِأَنَّهَا تُحمل إليه وتُــثَقَّف به.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُه أَوْ خَطِيطُهُ» الْخَطِيطُ قرِيب مِنَ الغَطِيطِ: وَهُوَ صَوْتُ النَّائِمِ. وَالْخَاءُ والغَينُ مُتقاربتان.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «خَطَّ اللَّهُ نَوْءَهاَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وفُسر أَنَّهُ مِنَ الْخَطِيطَة، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُمْطَر بَيْن أرْضَين ممْطُورَتَين.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «نَرْعى الْخَطَائِطَ ونَرِدُ المَطَائط» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صِفَة الْأَرْضِ الخَامِسة « [فِيهَا] حَيَّاتٌ كسلاَسِل الرَّمْل، وكَالْخَطَائِطِ بَيْنَ الشقائِق» الْخَطَائِطُ: الطَّرَائِق، واحِدَتُها خَطِيطَةٌ.

قَنَوْنَى

قَنَوْنَى:
بالفتح ونونين، بوزن فعوعل من القنا أو فعولى من القنّ، كما ذكرنا في قرورى: من أودية السراة يصبّ إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة قرب حلي وبالقرب منها قرية يقال لها يبت، ولذلك قال كثير يرثي خندقا:
بوجه أخي بني أسد قنونى ... إلى يبت إلى برك الغماد
كان خندق الأسدي صديقا لكثير وكان ينال من السلف يسبّ أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، فقال يوما: لو أني أصبت رجلا يضمن لي عيالي بعدي لقمت في هذا الموسم وتكلمت أبا بكر وعمر، فقال كثيّر: فلله عليّ عيالك من بعدك، قال:
فقام خندق وسبهما، فمال الناس عليه فضربوه حتى أفضوه إلى الموت فحمل إلى منزله بالبادية فدفن بموضع يقال له قنونى، فقال كثير يرثيه في قصيدة:
حلفت، على أن قد أجنّتك حفرة ... ببطن قنونى، لو نعيش فنلتقي
لألفيتني للودّ بعدك راعيا ... على عهدنا إذ نحن لم نتفرّق
وإني لجاز بالذي كان بيننا ... بني أسد رهط ابن مرّة خندق
وخصم أبا بدر ألدّ أبتّه ... على مثل طعم الحنظل المتفلّق
وقال عبد الله بن ثور البكّائي:
ولما رأيت الحيّ عمرو بن عامر ... عيونهم بابني أمامة تذرف
أنخنا فأصلحنا عليها أداتنا، ... وقلنا: ألا اجزوا مدلجا ما تسلّفوا
فبتنا نهزّ السمهريّ إليهم، ... وبئس الصبوح السمهريّ المــثقّف!
علونا قنونى بالخميس كما أتى ... سها فبدا من آخر الليل أعرف
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.