إلــى: حرف خافض وهو مُنْتَهىً لابتداء الغاية، تقول: خرجت من الكوفة إلــى
مكة، وجائز أَن تكون دخلتها، وجائز أَن تكون بلغتها ولم تدْخُلْها لأَنّ
النهاية تشمل أَول الحدّ وآخره، وإنما تمنع من مجاوزته. قال الأزهري :
وقد تكون إلــى انتهاء غايةٍ كقوله عز وجل: ثم أَتِمُّوا الصِّيامَ إلــى
الليلِ. وتكون إلــى بمعنى مع كقوله تعالى: ولا تأْكلوا أَموالهم إلــى
أَموالِكم؛ معناه مع أَموالِكم، وكقولهم: الذَّوْدُ إلــى الذَّوْدِ إبِلٌ. وقال
الله عز وجل: مَن أَنصاري إلــى الله؛ أَي مع اللهِ. وقال عز وجل: وإذا
خَلَوْا إلــى شياطينهم. وأَما قوله عز وجل: فاغسِلوا وجوهَكُم وأَيَدِيَكم
إلــى المرافِق وامْسَحُوا برُؤوسكم وأَرْجُلِكم إلــى الكعبينِ؛ فإن العباس
وجماعة من النحويين جعلوا إلــى بمعنى مع ههنا وأَوجبوا غسْلَ المَرافِق
والكعبين ، وقال المبرد وهو قول الزجاج: اليَدُ من أَطراف الأَصابع إلــى
الكتف والرِّجل من الأَصابع إلــى أَصل الفخذين، فلما كانت المَرافِق
والكَعْبانِ داخلة في تحديد اليدِ والرِّجْل كانت داخِلةً فيما يُغْسَلُ
وخارِجَةً مما لا يُغسل ، قال: ولو كان المعنى مع المَرافِق لم يكن في المَرافِق
فائدة وكانت اليد كلها يجب أَن تُغسل، ولكنه لَمَّا قيل إلــى المَرافِق
اقتُطِعَتْ في الغَسْل من حدّ المِرْفَق. قال أَبو منصور: وروى النضر عن
الخليل أَنه قال إذا اسْتأْجرَ الرجلُ دابَّةً إلــى مَرْوَ ، فإذا أَتى
أَدناها فقد أَتى مَرْوَ، وإذا قال إلــى مدينة مرو فإذا أَتى باب المدينة فقد
أَتاها. وقال في قوله تعالى: اغسلوا وجوهكم وأَيديكم إلــى المرافق؛ إنَّ
المرافق فيما يغسل. ابن سيده قال إلــى مُنتهى لابتداء الغاية. قال سيبويه:
خرجت من كذا إلــى كذا، وهي مِثْلُ حتى إلــاَّ أَن لحتى فِعلاً ليس لــإلــى.
ونقول للرجل: إنما أَنا إلــيك أَي أَنت غايتي ، ولا تكونُ حتى هنا فهذا
أَمْرُ إلــى وأَصْلُه وإن اتَّسَعَتْ، وهي أَعمُّ في الكلام من حتى، تقول :
قُمْتُ إلــيه فتجعله مُنْتَهاك من مكانك ولا تقول حَتَّاه. وقوله عز وجل:
مَن أَنصاري إلــى الله؛ وأَنت لا تقول سِرْتُ إلــى زيد تريد معه، فإنما جاز
مَن أَنصاري إلــى الله لما كان معناه مَن ينضافُ في نُصرتي إلــى الله فجاز
لذلك أَن تأْتي هنا بــإلــى؛ وكذلك قوله تعالى: هل لَكَ إلــى أَن تَزَكَّى؛
وأَنت إنما تقول هل لك في كذا، ولكنه لما كان هذا دعاء منه، صلى الله عليه
وسلم ، له صار تقديره أَدعوك أَو أُرْشِدُكَ إلــى أَن تزكَّى؛ وتكون إلــى
بمعنى عند كقول الراعي :
صَناعٌ فقد سادَتْ إلــيَّ الغوانِيا
أَي عندي. وتكون بمعنى مع كقولك: فلانٌ حليمٌ إلــى أَدبٍ وفقْهٍ؛ وتكون
بمعنى في كقول النابغة:
فلا تَتْرُكَنِّي بالوَعِيدِ كأَنَّني
إلــى الناسِ مَطْلِيٌّ به القارُ أَجْرَبُ
قال سيبويه: وقالوا إلَــيْكَ إذا قلت تَنَحَّ، قال: وسمعنا من العرَب
مَن يقال له إلَــيْكَ، فيقول إلــي، كأَنه قيل له تَنَحَّ، فقال أَتَنَحَّى ،
ولم يُستعمل الخبر في شيء من أَسماء الفعل إلــاَّ في قول هذا الأَعرابي.
وفي حديث الحج: وليس ثَمَّ طَرْدٌ ولا إلَــيْكَ إلَــيْكَ؛ قال ابن الأثير:
هو كما تقول الطريقَ الطريقَ، ويُفْعَل بين يدي الأُمراء، ومعناه تَنَحَّ
وابْعُدْ، وتكريره للتأْكيد؛ وأَما قول أَبي فرعون يهجو نبطية استسقاها
ماء:
إذا طَلَبْتَ الماء قالَتْ لَيْكا،
كأَنَّ شَفْرَيْها، إذا ما احْتَكَّا،
حَرْفا بِرامٍ كُسِرَا فاصْطَكَّا
فإنما أَراد إلَــيْكَ أَي تَنَحَّ، فحذف الأَلف عجمة؛ قال ابن جني: ظاهر
هذا أَنَّ لَيْكا مُرْدَفة، واحْتَكّا واصْطَكا غير مُرْدَفَتَين، قال:
وظاهر الكلام عندي أَن يكون أَلف ليكا رويًّا، وكذلك الأَلف من احتكا
واصطكا رَوِيٌّ، وإن كانت ضمير الاثنين؛ والعرب تقول إلَــيْكَ عني أَي
أَمْسِكْ وكُفَّ، وتقول: إلــيكَ كذا وكذا أَي خُذْه؛ ومنه قول القُطامي:
إذا التَّيَّارُ ذو العضلاتِ قُلْنا:
إلَــيْك إلَــيْك، ضاقَ بها ذِراعا
وإذا قالوا: اذْهَبْ إلَــيْكَ، فمعناه اشْتَغِلْ بنَفْسك وأَقْبِلْ
عليها؛ وقال الأَعشى:
فاذْهَبي ما إلَــيْكِ ، أَدْرَكَنِي الحِلْـ
ـمُ، عَداني عن هَيْجِكُمْ إشْفاقي
وحكى النضر بن شميل عن الخليل في قولك فإني أَحْمَدُ إلَــيْكَ الله قال:
معناه أَحمد معك. وفي حديث عمر، رضي الله عنه، أَنه قال لابن عباس، رضي
الله عنهما: إني قائل قولاً وهو إلَــيْكَ، قال ابن الأثير: في الكلام إضمار
أَي هو سِرٌّ أَفْضَيْتُ به إلَــيْكَ. وفي حديث ابن عمر: اللهم إلَــيْكَ
أَي أَشْكو إلــيك أَو خُذْني إلــيك. وفي حديث الحسن، رضي الله عنه: أَنه
رأَى من قَوْمٍ رِعَةً سَيِّئَةً فقال اللهم إلَــيْكَ أَي اقْبِضْني إلــيْكَ؛
والرِّعَةُ: ما يَظهر من الخُلُقِ. وفي الحديث: والشرُّ ليس إلــيكَ أَي
ليس مما يُتقرَّب به إلــيك، كما يقول الرجل لصاحبه: أَنا منكَ وإلــيك أَي
التجائي وانْتمائي إلــيك. ابن السكيت: يقال صاهَرَ فلان إلــى بني فلان
وأَصْهَرَ إلــيهم؛ وقول عمرو:
إلَــيْكُم يا بني بَكْرٍ إلَــيْكُم،
أَلَمّا تَعْلَموا مِنَّا اليَقِينا؟
قال ابن السكيت: معناه اذهبوا إلــيكُم وتَباعَدوا عنا. وتكون إلــى بمعنى
عند؛ قال أَوس:
فهَلْ لكُم فيها إلــيَّ، فإنَّني
طَبيبٌ بما أَعْيا النِّطاسِيِّ حِذْيَما
وقال الراعي:
يقال ، إذا رادَ النِّساءُ: خَريدةٌ
صَناعٌ، فقد سادَتْ إلــيَّ الغَوانِيا
أَي عندي ، وراد النساء: ذَهَبْنَ وجِئن، امرأةٌ رَوادٌ أَي تدخل وتخرج.