فني: الفَناء: نَقِيض البقاء، والفعل فَنى يَفْنَى نادر؛ عن كراع، فَناء
فهو فانٍ، وقيل: هي لغة بلحرث ابن كعب؛ وقال في ترجمة قرع:
فلما فَنى ما في الكنائن، ضارَبُوا
إلى القُرْعِ من جِلْدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ
أَي ضربوا بأَيديهم إِلى التِّرَسةِ لما فَنِيت سهامهم. قال: وفَنى
بمعنى فَنِيَ في لغات طيّء، وأَفْناه هو. وتَفانى القومُ قتلاً: أَفنى بعضهم
بعضاً، وتفانوا أَي أَفنى بعضهم بعضاً في الحرب. وفَنِيَ يَفْنى فَناء:
هَرِمَ وأَشرف على الموت هَرَماً، وبذلك فسر أَبو عبيد حديث عمر، رضي الله
عنه، أَنه قال: حَجَّةً ههنا ثم احْدِجْ ههنا حتى تَفْنى يعني الغزو؛
قال لبيد يصف الإنسان وفَناءه:
حَبائِلُه مَبْثوثةٌ بسَبِيلِه،
ويَفْنى إِذا ما أَخْطَأَتْه الحَبائلُ
يقول: إِذا أَخطأَه الموت فإِنه يفنى أَي يَهْرَمُ فيموت لا بدَّ منه
إِذا أَخطأَته المنِيَّةُ وأَسبابها في شَبِيبَته وقُوَّته. ويقال للشيخ
الكبير: فانٍ.
وفي حديث معاوية: لو كنتُ من أَهل البادِيةِ بعت الفانِيةَ واشتريت
النامِيةَ؛ الفانِيةُ: المُسِنَّة من الإِبل وغيرها، والنامِيةُ: الفَتِيَّةُ
الشابَّة التي هي في نموّ وزيادة.
والفِناء: سَعةٌ أَمامَ الدار، يعني بالسعة الاسم لا المصدر، والجمع
أَفْنِيةٌ، وتبدل الثاء من الفاء وهو مذكور في موضعه؛ وقال ابن جني: هما
أَصلان وليس أَحدهما بدلاً من صاحبه لأَن الفِناء من فَنِيَ يَفْنى، وذلك
أَن الدار هنا تَفْنى لأَنك إِذا تناهيت إِلى أَقصى حدودها فَنِيَتْ، وأَما
ثِناؤها فمن ثَنى يَثْني لأَنها هناك أَيضاً تنثني عن الانبساط لمجيء
آخرها واسْتِقْصاء حدودها؛ قال ابن سيده: وهمزتها بدل من ياء لأَن إِبدال
الهمز من الياء إِذا كانت لاماً أَكثر من إِبدالها من الواو، وإن كان بعض
البغداديين قد قال: يجوز أَن يكون أَلفه واواً لقولهم شجرة فَنْواء أَي
واسِعة فِناء الظل، قال: وهذا القول ليس بقوي لأَنا لم نسمع أَحداً يقول
إِن الفَنْواء من الفِناء، إنما قالوا إِنها ذات الأَفنان أَو الطويلة
الأَفنان. والأَفْنِية: السَّاحات على أَبواب الدور؛ وأَنشد:
لا يُجْتَبى بِفناء بَيْتِك مثْلهم
وفناء الدار: ما امْتدَّ من جوانبها.
ابن الأَعرابي: بها أَعناء من الناس وأَفْناء أَي أَخْلاط، الواحد
عِنْوٌ وفِنْوٌ. ورجل من أَفْناء القبائل أَي لا يُدرى من أَيّ قبيلة هو،
وقيل: إِنما يقال قوم من أَفناء القبائل، ولا يقال رجل، وليس للأَفْناء واحد.
قالت أُم الهيثم: يقال هؤلاء من أَفناء الناس ولا يقال في الواحد رجل من
أَفناء الناس، وتفسيره قوم نُزَّاعٌ من ههنا وههنا. والجوهري: يقال هو
من أَفناء الناس إِذا لم يُعلم من هو. قال ابن بري: قال ابن جني واحد
أَفناء الناس فَناً ولامه واو، لقولهم شجرة فَنْواء إِذا اتسعت وانتشرت
أَغصانها، قال: وكذلك أَفناء الناس انتشارهم وتشعبهم. وفي الحديث: رجل من
أَفناء الناس أَي لم يُعلم ممن هو، الواحد فِنْوٌ، وقيل: هو من الفِناء وهو
المُتَّسَعُ أَمام الدار، ويجمع الفِناء على أَفْنية. والمُفاناة:
المُداراة. وأَفْنى الرجلُ إِذا صَحِب أَفناء الناس. وفانَيْت الرجل: دارَيْته
وسَكَّنْته؛ قال الكميت يذكر هموماً اعترته:
تُقِيمُه تارةً وتُقْعِدُه،
كما يُفاني الشَّمُوسَ قائِدُها
قال أِبو تراب: سمعت أَبا السميدع يقول بنو فلان ما يُعانُون مالهم ولا
يُفانُونه أَي ما يقومون عليه ولا يُصْلِحونه. والفَنا، مقصور، الواحدة
فَناة: عنب الثَّعلب، ويقال: نبت آخر؛ قال زهير:
كأَنّ فُتاتَ العِهْنِ، في كلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْنَ، به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّمِ
وقيل: هو شجر ذو حب أَحمر ما لم يُكسَّر، يتخذ منه قراريط يوزن بها كل
حبة قيراط، وقيل: يتخذ منه القَلائد، وقيل: هي حشيشة تنبت في الغَلْظ
ترتفع على الأَرض قِيسَ الإِصْبع وأَقل يَرعاها المالُ، وأَلفها ياء لأَنها
لام؛ وروى أَبو العباس عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده قول الراجز:
صُلْبُ العَصا بالضَّرْبِ قد دَمَّاها،
يقولُ: لَيْتَ الله قد أَفْناها
(* قوله« صلب العصا» في التكملة: ضخم العصا.)
قال يصف راعي غنم وقال فيه معنيان: أَحدهما أَنه جعل عصاه صُلبة لأَنه
يحتاج إِلى تقويمها ودَعا عليها فقال ليت اللهَ قد أَهلكها ودمَّاها أَي
سيَّلَ دَمها بالضرب لخِلافِها عليه، والوجه الثاني في قوله صُلْبُ العصا
أَي لا تحوجه إِلى ضربها فعصاه باقية، وقوله: بالضرب قد دمَّاها أَي
كساها السِّمَن كأَنه دمَّمها بالشحم لأَنه يُرَعِّيها كل ضرب من النبات،
وأَما قوله ليت اللهَ قد أَفناها أَي أَنبت لها الفَنا، وهو عنب الذئب، حتى
تغزر وتَسْمَن.
والأَفاني: نبت ما دام رطباً، فإِذا يبس فهو الحَماط، واحدتها أَفانِيةٌ
مثال ثمانية، ويقال أَيضاً: هو عنب الثعلب. وفي حديث القِيامة:
فيَنْبُتُون كما يَنْبُت الفَنا؛ هو عنب الثعلب. وقيل: شجرته وهي سريعة النبات
والنموّ؛ قال ابن بري شاهد الأَفاني النبت قول النابغة:
شَرَى أَسْتاهِهِنَّ من الأَفاني
وقال آخر:
فَتِيلانِ لا يَبْكِي المَخاضُ عليها،
إِذا شَبِعا مِنْ قَرْمَلٍ وأَفاني
(* قوله« فتيلان» كذا بالأصل، ولعله مصغر مثنى الفتل. ففي القاموس:
الفتل ما لم ينبسط من النبات، أو شبه الشاعر النبت الحقير بالفتيل الذي يفتل
بالاصبعين. وعلى كلا الاحتمالين الافاني فحق شبعا شبعت ومقتضى أن واحد
الافاني كثمانية أن تكون الافاني مكسورة، وضبطت في القاموس هنا بالكسر
ووزنه المجد في أفن بسكارى.)
وقال آخر:
يُقَلِّصْن عن زُغْبٍ صِغارٍ كأَنَّها،
إِذا دَرَجَتْ تَحتَ الظِّلالِ، أَفاني
وقال ضباب بن وَقْدان السَّدُوسِي:
كأَنَّ الأَفانَي شَيْبٌ لها،
إِذا التَفَّ تحتَ عَناصِي الوَبْرْ
قال ابن بري: وذكر ابن الأَعرابي أن هذا البيت لضباب بن واقد
الطَّهَوِي، قال: والأَفاني شجر بيض، واحدته أَفانِيةٌ، وإِذا كان أَفانية مثل
ثمانية على ما ذكر الجوهري فصوابه أَن يذكر في فصل أَفن، لأَن الياء زائدة
والهمزة أَصل.
والفَناة: البقَرة، والجمع فَنَوات؛ وأَنشد ابن بري قول الشاعر:
وفَناة تَبْغِي، بحَرْبةَ، طِفْلاً
مِن ذَبِيحٍ قَفَّى عليه الخَبالُ
وشعَر أَفْنَى: في معنى فَيْنان، قال: وليس من لفظة. وامرأَة فَنْواء:
أَثِيثة الشعَر منه؛ روى ذلك ابن الأَعرابي، قال: وأَما جمهور أَهل اللغة
فقالوا امرأَة فَنْواء أَي لشَعَرها فُنُون كأَفْنان الشِّعْر، وكذلك
شجرة فَنْواء إِنما هي ذات الأَفْنان، بالواو. وروي عن ابن الأَعرابي:
امرأَة فَنْواء وفَنْياء. وشعَر أَفْنَى وفَيْنانٌ أَي كثير. التهذيب: والفنوة
المرأَة العربية؛ وفي ترجمة قنا قال قَيْس بن العَيْزار الهُذَلي:
بما هي مَقْناةٌ، أَنِيقٌ نَباتُها،
مِرَبٌّ، فَتَهْواها المَخاضُ النَّوازِعُ
قال: مَقْناةٌ أَي مُوافِقة لكل مَن نَزَلها من قوله مُقاناةِ البياض
بصُفْرَةٍ أَي يوافق بياضُها صفرتها، قال الأَصمعي: ولغة هذيل مَفْناةٌ
بالفاءِ، والله أَعلم.