وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ
[طه/ 111] ، أي: خضعت مستأسرة بعناء، يقال:
عَنَيْتُهُ بكذا، أي: أنصبته، وعَنِيَ: نصب واستأسر، ومنه العَانِي للأسير، وقال عليه الصلاة والسلام: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عَوَانٍ» وعُنِيَ بحاجته فهو مَعْنِيٌّ بها، وقيل: عُنِيَ فهو عَانٍ، وقرئ: لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يُعْنِيهِ والعَنِيَّةُ: شيء يطلى به البعير الأجرب وفي الأمثال: عَنِيَّةٌ تشفي الجرب . والمَعْنَى: إظهار ما تضمّنه اللّفظ، من قولهم: عَنَتِ الأرض بالنّبات: أنبتته حسنا، وعَنَتِ القربة: أظهرت ماءها، ومنه: عِنْوَانُ الكتابِ في قول من يجعله من: عُنِيَ .
والمَعْنَى يقارن التّفسير وإن كان بينهما فرق .
ونأت بحاجتنا ورُبّت عنْوَة ... لَك من مواعدها الَّتِي لم تصدقِ
يَقُول: استكانة لكَ وخضوعا لمواعدها ثمَّ لَا تصدق. وَمِنْه قيل: أخذت الْبِلَاد عنْوَة - أَي هُوَ بالقهر والإذلال: وَقد يُقَال للأسير: الهديّ قَالَ المتلمس يذكر طرفَة ومقتل عَمْرو بْن هِنْد إِيَّاه بعد أَن كَانَ سجنه:
[الْكَامِل]
كطُريفة بْن العَبْد كَانَ هديّهم ... ضربوا صميمَ قذاله بمهندِ
وأظن الْمَرْأَة إِنَّمَا سميت هدّيا لهَذَا الْمَعْنى لِأَنَّهَا كالأسيرة عِنْد زَوجهَا قَالَ عنترة: [الوافر]
أَلا يَا دَار عبلة بالطوى ... كرجع الوشم فِي كف الْهدى
وَقد يكون أَن يكون سميت هَديا لِأَنَّهَا تهدى إِلَى زَوجهَا فَهِيَ هدى - فعيل فِي مَوضِع مفعول فَقَالَ: هدى - يُرِيد مهدية يُقَال مِنْهُ: هديت الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا أهديها هداء - بِغَيْر ألف قَالَ زُهَيْر: [الوافر]
فَإِن تكن النِّسَاء مخبّاتٍ ... فَحق لكل مُحصنَة هداءُ
بِمَعْنى أَن تهدى إِلَى زَوجهَا. وَلَيْسَ هَذَا من الْهَدِيَّة [فِي شَيْء لَا يُقَال من الْهَدِيَّة -] إِلَّا أهديت - بِالْألف - إهداء وَمن الْمَرْأَة: هُدِيت وَقد زعم بعض النَّاس أَن فِي الْمَرْأَة لُغَة أُخْرَى أَيْضا: أهديت وَالْأولَى أفشى فِي كَلَامهم وَأكْثر.
عنا: قال الله تعالى: وعَنَتِ الوُجُوهُ للْحَيِّ القَيُّوم. قال الفراء:
عَنَتِ الوُجوهُ نَصِبَتْ له وعَمِلتْ له، وذكر أَيضاً أَنه وضْعُ
المُسْلِمِ يَدَيْه وجَبْهَته وركْبَتَيْه إِذا سَجَد ورَكَع، وهو في معنى
العَرَبيَّة أَن تقول للرجل: عَنَوْتُ لَكَ خَضَعْت لك وأَطَعْتُك، وعَنَوْتُ
للْحَقِّ عُنُوّاً خَضَعْت. قال ابن سيده: وقيل: كلُّ خاضِعٍ لِحَقٍّ
أَو غيرِه عانٍ، والاسم من كلّ ذلك العَنْوة.
والعَنْوة: القَهْرُ. وأَخَذْتُه عَنْوةً أَي قَسْراً وقَهْراً، من باب
أَتَيْته عَدْواً. قال ابن سيده: ولا يَطَّرِدُ عندَ سيبويه، وقيل:
أَخَذَه عَنْوة أَي عن طَاعَة وعن غيرِ طاعَةٍ. وفُتِحَتْ هذه البلدةُ عَنْوةً
أَي فُتِحَت بالقتال، قُوتِل أَهلُها حتى غُلِبوا عليها، وفُتِحَت
البلدةُ الأُخرى صُلْحاً أَي لم يُغْلبوا، ولكن صُولِحُوا على خَرْج يؤدُّنه.
وفي حديث الفتح: أَنه دَخَل مَكَّة عَنْوَةً أَي قَهْراً وغَلَبةً. قال
ابن الأَثير: هو من عَنا يَعْنُو إِذا ذلَّ وخَضَع، والعَنْوَة المَرَّة
منه، كأَنَّ المأْخُوذَ بها يَخْضَع ويَذلُّ. وأُخِذَتِ البلادُ عَنْوَةً
بالقَهْرِ والإِذْلالِ. ابن الأَعرابي: عَنا يَعْنُو إِذا أَخَذَ الشيءَ
قَهْراً. وعَنَا يَعْنُو عَنْوَةً فيهما إِذا أَخَذَ الشيءَ صُلْحاً
بإكْرام ورِفْقٍ. والعَنْوة أَيضاً: الموَدَّة. قال الأَزهري: قولهم أَخَذْتُ
الشيءَ عَنْوةً يكون غَلَبَةً، ويكون عن تَسْلِيمٍ وطاعة ممن يؤْخَذُ
منه الشيء؛ وأَنشد الفراء لكُثَيِّر:
فما أَخَذُوها عَنْوةً عن مَوَدَّة،
ولكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفيِّ اسْتَقالهَا
فهذا على معنى التَّسْلِيم والطَّاعَة بلا قِتالٍ. وقال الأَخْفش في
قوله تعالى: وْعَنَتِ الوُجوهُ؛ اسْتَأْسَرَتْ. قال: والعاني الأَسِيرُ.
وقال أَبو الهيثم: العاني الخاضِعُ، والعاني العَبْدُ، والعاني السائِلُ من
ماءٍ أَوْ دَمٍ. يقال: عَنَت القِرْبة تَعْنُو إِذا سالَ ماؤُها، وفي
المحكم: وعَنَتِ القِرْبَةُ بماءٍ كَثِيرٍ تَعْنُو، لم تَحْفَظْه فظهر؛ قال
المُتَنَخِّل الهُذَلي:
تَعْنُو بمَخْرُوتٍ له ناضحٌ،
ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو، وذُو شَلْشَل
ويروى: قاطِر بدَلَ ناضِحٍ. قال شمر: تعْنُو تَسِيلُ بمَخْرُوتٍ أَي من
شَقّ مَخْرُوتٍ، والخَرْتُ: الشَّقُّ في الشِّنَّة، والمَخْرُوتُ:
المَشْقُوقُ، رَوَّاه ذُو شَلْشَلٍ. قال الأَزهري: معناه ذو قَطَرانٍ من
الواشن، وهو القاطِرُ، ويروى: ذو رَوْنَقٍ. ودَمٌ عانٍ: سائِلٌ؛ قال:
لمَّا رأَتْ أُمُّه بالبابِ مُهْرَتَه،
على يَدَيْها دَمٌ من رَأْسِه عانِ
وعَنَوْت فيهم وعَنَيْت عُنُوّاً وعَناءً: صرتُ أَسيراً. وأَعْنَيْته:
أَسَرْته. وقال أَبو الهيثم: العَناء الحَبْس في شدة وذُلٍّ. يقال: عَنا
الرجُلُ يَعْنُو عُنُوّاً وعَناءً إِذا ذلَّ لك واسْتَأْسَرَ. قال:
وعَنَّيْتُه أُعَنّيه تَعْنِيَةً إِذا أَسَرْتَه وحَبَسْته مُضَيِّقاً عليه.
وفي الحديث: اتَّقُوا اللهَ في النِّساء فإِنَّهُنَّ عندكم عَوانٍ أَي أَسْرى
أَو كالأَسْرَى، واحدة العَواني عانِيَةٌ، وهي الأَسيرة؛ يقول: إنما
هُنَّ عندكم بمنزلة الأَسْرى. قال ابن سيده: والعَواني النساءُ لأَنَّهُنَّ
يُظْلَمْنَ فلا يَنْتَصِرْنَ. وفي حديث المِقْدامِ: الخالُ وارِثُ منْ لا
وارِثَ له يَفُكُّ عانَه أَي عانِيَه، فحذَف الياء، وفي رواية: يَفُكُّ
عُنِيَّه، بضم العين وتشديد الياء. يقال: عَنَا يَعْنُو عُنُوّاً
وعُنِيّاً، ومعنى الأَسر في هذا الحديث ما يَلْزَمهُ ويتعلق به بسبب الجنايات
التي سَبيلُها أَن يَتَحَمَّلَها العاقلَة، هذا عند من يُوَرِّث الخالَ،
ومن لا يُوَرِّثه يكونُ معناه أَنها طُعْمَة يُطْعَمُها الخالُ لا أَن يكون
وارثاً، ورجلٌ عانٍ وقوم عُناة ونِسْوَةٌ عَوانٍ؛ ومنه قول النبي، صلى
الله عليه وسلم: عُودُوا المَرْضى وفُكُّوا العانيَ، يعني الأسيرَ. وفي
حديث آخر: أَطْعِموا الجائِعَ وفُكُّوا العانيَ، قال: ولا أُراه مأْخُوذاً
إِلا من الذُّلِّ والخُضُوع. وكلُّ مَن ذَلَّ واسْتَكان وخَضَع فقد
عَنَا، والاسم منه العَنْوَة؛ قال القُطاميّ:
ونَأَتْ بحاجَتِنا، ورُبَّتَ عَنْوَةٍ
لكَ مِنْ مَواعِدِها التي لم تَصْدُقِ
الليث: يقال للأَسِير عَنَا يَعْنُو وعَنِيَ يَعْنى، قال: وإِذا قلت
أَعْنُوه فمعناه أَبْقُوه في الإِسار. قال الجوهري: يقال عَنى فيهم فلانٌ
أَسيراً أَي أَقامَ فيهم على إِسارِه واحْتَبسَ. وعَنَّاه غيرُه تَعْنِيةً:
حَبَسه. والتَّعْنِية: الحَبس؛ قال أَبو ذؤيب:
مُشَعْشَعة من أَذْرِعاتٍ هَوَتْ بها
رِكابٌ، وعَنَّتْها الزِّقاقُ وَقارُها
وقال ساعدة بن جُؤيَّة:
فإن يَكُ عَتَّابٌ أَصابَ بِسَهْمِه
حَشاه، فعَنَّاه الجَوَى والمَحارِفُ
دَعا عليه بالحَبْسِ والثِّقَلِ من الجِراحِ. وفي حديث عليّ، كرم الله
وجهه: أَنه كان يُحَرِّضُ أَصحابَه يومَ صِفِّينَ ويقولُ: اسْتَشْعِرُوا
الخَشْيَةَ وعَنُّوا بالأَصْواتِ أَي احْبِسُوها وأَخْفُوها. من التَّعْنِية
الحَبْسِ والأَسْرِ، كأَنه نَهاهُمْ عن اللَّغَط ورفْعِ الأَصواتِ.
والأَعْناء: الأَخْلاطُ من الناس خاصَّة، وقيل: من الناس وغيرهم،
واحدُها عِنْوٌ.
وعَنَى فيه الأَكْلُ يَعْنَى، شاذَّةٌ: نَجَعَ؛ لم يَحكِها غيرُ أَبي
عبيد. قال ابن سيده: حكمنا علَيها أَنَّها يائيَّة لأَنَّ انْقِلاب الأَلف
لاماً عن الياء أَكثرُ من انقلابها عن الواو. الفراء: ما يَعْنَى فيه
الأَكْلُ أَي ما يَنْجَعُ، عَنَى يَعْنَى. الفراء: شَرِبَ اللبنَ شهراً فلم
يَعْنَ فيه، كقولك لم يُغْنِ عنه شيئاً، وقد عَنِيَ يَعْنَى عُنِيّاً،
بكسر النون من عَنِيَ. ومن أَمثالهم: عَنِيَّتُه تَشْفِي الجَرب؛ يضرب
مثلاً للرجل إِذا كان جَيِّد الرأْي، وأَصل العَنِيَّة، فيما روى أَبو عبيد،
أَبوالُ الإِبل يؤخذ معها أَخلاط فتخلط ثم تُحْبس زماناً في الشمس ثم
تعالج بها الإِبل الجَرْبَى، سُمِّيت عَنِيَّةً من التَّعْنِيَة وهو الحبس.
قال ابن سيده: والعَنِيَّة على فَعيلَةٍ. والتَّعْنِية: أَخلاطٌ من
بَعَرٍ وبَوْلٍ يُحْبَس مُدَّة ثم يُطْلى به البعير الجَرِبُ؛ قال أَوْسُ بن
حجر:
كأَنَّ كُحَيلاً مُعْقَداً أَو عَنِيَّةً،
على رَجْعِ ذِفْراها، من الليِّتِ، واكِفُ
وقيل: العَنِيَّة أَبوالُ الإِبلِ تُسْتَبالُ في الربيع حين تَجْزَأُ عن
الماءِ، ثم تُطْبَخ حتى تَخْثُر، ثم يُلْقَى عليها من زَهْرِ ضُروبِ
العُشْبِ وحبِّ المَحْلَبِ فتُعْقدُ بذلك ثم تُجْعلُ في بساتِيقَ صغارٍ،
وقيل: هو البول يُؤخذُ وأَشْياءَ معه فيُخْلَط ويُحْبَس زمناً، وقيل: هو
البَوْلُ يوضَعُ في الشمس حتى يَخْثُر، وقيل: العَنِيَّة الهِناءُ ما كان،
وكله من الخَلْط والحَبْسِ. وعَنَّيت البعير تَعْنية: طَلَيْته
بالعَنِيَّة؛ عن اللحياني أَيضاً. والعَنِيَّة: أَبوالٌ يُطْبَخ معها شيءٌ من
الشجرِ ثم يُهْنَأُ به البعيرُ، واحِدُها عِنْو. وفي حديث الشَّعبي: لأَنْ
أَتَعَنَّى بعَنِيَّةٍ أَحَبُّ إِليَّ من أَن أَقولَ في مسأَلة بِرَأْيي؛
العَنِيَّة: بولٌ فيه أَخلاطٌ تُطْلَى به الإِبل الجَرْبَى، والتَّعَنِّي
التَّطَلِّي بها، سميت عَنِيَّة لطول الحَبسِ؛ قال الشاعر:
عندي دَواءُ الأَجْرَبِ المُعَبَّدِ،
عنِيَّةٌ من قَطِرانٍ مُعْقَدِ
وقال ذو الرمة:
كأَنَّ بذِفْراها عَنِيَّةَ مُجْربٍ،
لها وَشَلٌ في قُنْفُذِ اللَِّيت يَنْتَح
والقُنْفُذُ: ما يَعْرَقُ خَلْف أُذُن البعيرِ. وأَعْناءُ السماءِ:
نواحيها، الواحدُ عِنْوٌ. وأَعْناءُ الوجه: جوانِبُه؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
فما بَرِحتْ تَقْرِِيه أَعناءَ وَجْهِها
وجَبْهَتها، حتى ثَنَته قُرونُها
ابن الأَعرابي: الأَعناء النَّواحي، واحدُها عَناً، وهي الأَعْنان
أَيضاً؛ قال ابن مقبل:
لا تُحْرِز المَرْء أَعْناءُ البلادِ ولا
تُبْنَى له، في السمواتِ، السَّلالِيمُ
ويروى: أَحجاء. وأَورد الأَزهري هنا حديث النبي، صلى الله عليه وسلم:
أَنه سئل عن الإِبل فقال أعْنانُ الشياطِين؛ أَراد أَنها مثلُها، كأَنه
أَراد أَنها من نَواحِي الشياطين. وقال اللحياني: يقال فيها أَعْناءٌ من
الناس وأَعْراءٌ من الناس، واحدهما عِنْوٌ وعِرْوٌ أَي جماعات. وقال أَحمد
بن يحيى: بها أَعْناءٌ من الناس وأَفْناءٌ أَي أَخلاط، الواحد عِنْوٌ
وفِنْوٌ، وهم قومٌ من قبَائِلَ شَتَّى. وقال الأَصمعي: أَعْناءُ الشيء
جَوانِبُه، واحدها عِنْوٌ، بالكسر. وعنَوْت الشيءَ: أَبْدَيْته. وعَنَوْت به
وعَنَوْته: أَخْرَجْته وأَظْهَرْته، وأَعْنَى الغَيْثُ النَّباتَ كذلك؛ قال
عَدِيُّ بنُ زيد:
ويَأْكُلْنَ ما أَعْنَى الوَلِيُّ فلم يَلِتْ،
كأَنَّ بِحافاتِ النِّهاءِ المَزارِعَا
فَلم يَلِتْ أَي فلم يَنْقُصْ منه شيئاً؛ قال ابن سيده: هذه الكلمة
واوِيَّة وبائِيَّة. وأَعْناه المَطَرُ: أَنبَته. ولَمْ تَعْنِ بلادُنا
العامَ بشيء أَي لم تُنْبِتْ شيئاً، والواو لغة. الأَزهري: يقال للأَرض لم
تَعْنُ بشيء أَي لم تُنْبِت شيئاً، ولم تَعْنِ بشيء، والمعنى واحد كما يقال
حَثَوْت عليه التراب وحَثَيْت. وقال الأَصمعي: سأَلته فلم يَعْنُ لي
بشيء، كقولك: لم يَنْدَ لي بشيء ولم يَبِضَّ لي بشيء. وما أَعْنَتِ الأَرضُ
شيئاً أَي ما أَنْبَتَت؛ وقال ابن بري في قول عدي:
ويَأْكُلْنَ ما أَعْنَى الوَلِيُّ
قال: حذف الضمير العائد على ما أَي ما أَعْناهُ الوَلِيُّ، وهو فعل
منقول بالهمز، وقد يَتَعدَّى بالباء فيقال: عَنَتْ به في معنى أَعْنَتْهُ؛
وعليه قول ذي الرمة:
مما عَنَتْ به
وسنذكره عقبها. وعَنَت الأَرضُ بالنباتِ تَعْنُو عُنُوّاً وتَعْني
أَيضاً وأَعْنَتْهُ: أَظْهَرَتْه. وْعَنَوْت الشيءَ: أَخرجته؛ قال ذو
الرمة:ولم يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مِمَّا عَنَتْ به
مِن الرُّطْبِ، إِلاَّ يُبْسُها وهَجِيرُها
وأَنشد بيت المُتَنَخِّل الهُذَلي:
تَعْنُو بمَخْرُوتٍ له ناضِحٌ
وعَنَا النَّبْتُ يَعْنُو إِذا ظهر، وأَعْناهُ المَطَرُ إِعْناءً. وعَنا
الماءُ إِذا سالَ، وأَعْنَى الرجلُ إِذا صادَف أَرضاً قد أَمْشَرَتْ
وكَثُرَ كَلَؤُها. ويقال: خُذْ هذا وما عاناه أَي ما شاكَلَه. وعَنَا الكلبُ
للشيء يَعْنُو: أَتاهُ فشَمَّه. ابن الأَعرابي: هذا يَعْنُو هذا أَي
يأْتيه فيَشَمُّه. والهُمُومُ تُعاني فلاناً أَي تأْتيه؛ وأَنشد:
وإِذا تُعانِيني الهُمُومُ قَرَيْتُها
سُرُحَ اليَدَيْنِ، تُخالِس الخَطَرانا
ابن الأَعرابي: عَنَيْت بأَمره عِناية وعُنِيّاً وعَناني أَمره سواءٌ في
المعنى؛ ومنه قولهم:
إِيَّاكِ أَعْني؛ واسْمَعي يا جارَهْ
ويقال: عَنِيتُ وتعَنَّيْت، كلٌّ يقال. ابن الأَعرابي: عَنَا عليه
الأَمرُ أَي شَقَّ عليه؛ وأَنشد قول مُزَرِّد:
وشَقَّ على امْرِئٍ، وعَنا عليه
تَكاليفُ الذي لَنْ يَسْتَطِيعا
ويقال: عُنِيَ بالشيء، فهو مَعْنِيٌّ به، وأَعْنَيْته وعَنَّيْتُه بمعنى
واحد؛ وأَنشد:
ولم أَخْلُ في قَفْرٍ ولم أُوفِ مَرْبَأً
يَفاعاً، ولم أُعنِ المَطِيَّ النَّواجِيا
وعَنَّيْتُه: حَبَسْتُه حَبْساً طويلاً، وكل حَبْسٍ طويل تَعْنِيَةٌ؛
ومنه قول الوليد بن عقبة:
قَطَعْتَ الدَّهْرَ، كالسَّدِمِ المُعَنَّى،
تُهَدِّرُ في دِمَشْقَ، وما تَريمُ
قال الجوهري: وقيل إن المُعَنَّى في هذا البيت فَحْلٌ لَئيمٌ إِذا هاج
حُبِسَ في العُنَّة، لأَنه يُرغبُ عن فِحْلتِه، ويقال: أَصلُه معَنَّن
فأُبدِلت من إِحدى النونات ياءٌ. قال ابن سيده: والمُعَنَّى فَحْلٌ مُقْرِفٌ
يُقَمَّط إِذا هاج لأَنه يُرغب عن فِحْلتِه. ويقال: لَقِيتُ من فلان
عَنْيةً وعَنَاءً أَي تَعَباً. وعَناهُ الأَمرُ يَعْنيه عِنايةً وعُنِيّاً:
أَهَمَّه. وقوله تعالى: لكلِّ امْرئٍ منهم يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه،
وقرئ يعْنيه، فمن قرأَ يعْنيه، بالعين المهملة، فمعناه له شأْن لا
يُهِمُّه معه غيرهُ، وكذلك شأْن يُغنِيه أَي لا يقدر مع الاهتمام به على
الاهتمام بغيره. وقال أَبو تراب: يقال ما أَعْنى شيئاً وما أَغنى شيئاً بمعنى
واحد.
واعْتَنى هو بأَمره: اهْتَمَّ. وعُنِيَ بالأَمر عنايةً، ولا يقال ما
أَعْناني بالأَمر، لأَن الصيغة موضوعة لما لم يُسَمَّ فاعله، وصيغة التعجب
إنما هي لما سُمِّي فاعله. وجلس أَبو عثمان إِلى أَبي عبيدة فجاءه رجل
فسأَله فقال له: كيف تأْمر من قولنا عُنِيتُ بحاجتك؟ فقال له أَبو عبيدة:
أُعْنَ بحاجتي، فأَوْمأْتُ إِلى الرجل أَنْ ليس كذلك، فلما خَلَوْنا قلت
له: إِنما يقال لِتُعْنَ بحاجتي، قال: فقال لي أَبو عبيدة لا تدخُلْ إِليّ،
قلت: لِمَ؟ قال: لأَنك كنت مع رجل دوري سَرَقَ مني عامَ أَولَ قطِيفةً
لي، فقلت: لا والله ما الأَمر كذلك، ولكنَّك سمعتني أَقول ما سمعت، أَو
كلاماً هذا معناه. وحكى ابن الأَعرابي وحده: عَنِيتُ بأَمره، بصيغة الفاعل،
عنايةً وعُنِيّاً فأَنا به عَنٍ، وعُنِيتُ بأَمرك فأَنا مَعْنِيٌّ،
وعَنِيتُ بأَمرك فأَنا عانٍ. وقال الفراء: يقال هو مَعْنِيٌّ بأَمره وعانٍ
بأَمره وعَنٍ بأَمره بمعنى واحد. قال ابن بري: إِذا قلت عُنِيتُ بحاجتك،
فعدَّيتُه بالباء، كان الفعلُ مضمومَ الأَولِ، فإِذا عَدَّيتَه بفي فالوجه
فتحُ العين فتقول عَنِيت؛ قال الشاعر:
إِذا لمْ تَكُنْ في حاجةِ المَرءِ عانِياً
نَسِيتَ، ولمْ يَنْفَعْكَ عَقدُ الرَّتائمِ
وقال بعض أَهل اللغة: لا يقال عُنِيتُ بحاجتك إِلا على مَعْنى
قصَدْتُها،من قولك عَنَيْتُ الشيء أَعنِيه إِذا كنت قاصِداً له، فأَمَّا من
العَناء، وهو العِنايةُ، فبالفتح نحوُ عَنَيتُ بكذا وعَنَيت في كذا. وقال
البطليوسي: أَجاز ابن الأَعرابي عَنِيتُ بالشيء أَعنَى به، فأَنا عانٍ؛
وأَنشد:عانٍ بأُخراها طَويلُ الشُّغْلِ،
له جَفِيرانِ وأَيُّ نَبْلِ
وعُنِيتُ بحاجتك أُعْنى بها وأَنا بها مَعْنِّيٌّ، على مفعول. وفي
الحديث: مِنْ حُسنِ إِسلامِ المَرْءِ تَرْكُه ما لا يَعْنِيه أَي لا يُهِمُّه.
وفي الحديث عن عائشة، رضي الله عنها: كان النبيُّ،صلى الله عليه وسلم،
إِذا اشْتَكى أتاه جبريلُ فقال بسْمِ الله أَرْقِيكَ من كلِّ داءٍ يَعْنيك، من
شرِّ كلِّ حاسدٍ ومن شرِّ كلِّ عَين؛ قوله يَعْنِيك أَي يشغَلُك. ويقال:
هذا الأَمر لا يَعْنِيني أَي لا يَشْغَلُني ولا يُهِمُّني؛ وأَنشد:
عَناني عنكَ، والأَنْصاب حَرْبٌ،
كأَنَّ صِلابَها الأَبْطالَ هِيمُ
أَراد: شَغَلَني؛ وقال آخر:
لا تَلُمْني على البُكاء خَلِيلي،
إِنه ما عَناكَ قِدْماً عَناني
وقال آخر:
إِنَّ الفَتى ليس يَعْنِيهِ ويَقمَعُه
إِلاَّ تَكَلُّفُهُ ما ليس يَعْنِيهِ
أَي لا يَشْغَله، وقيل: معنى قول جبريل، عليه السلام، يَعْنِيكَ أَي
يَقْصِدُك. يقال: عَنَيْتُ فلاناً عَنْياً أَي قَصَدْتُه. ومَنْ تَعْني
بقولك أَي مَنْ تَقْصِد. وعَنانِي أَمرُك أَي قَصَدني؛ وقال أَبو عمرو في
قوله الجعدي:
وأَعْضادُ المَطِيّ عَوَاني
أَي عَوامِلُ. وقال أَبو سعيد: معنى قوله عَوَاني أَي قَواصِدُ في
السير. وفُلانٌ تَتَعَنَّاه الحُمَّى أَي تَتَعَهَّده، ولا تقال هذه اللفظة في
غير الحُمَّى. ويقال: عَنِيتُ في الأَمر أَي تَعَنَّيْتُ فيه، فأَنا
أَعْنى وأَنا عَنٍ، فإِذا سألت قلت: كيف مَن تُعْنى بأَمره؟ مضموم لأَن
الأَمْرَ عَنَّاهُ، ولا يقال كيف مَنْ تَعْنَى بأَمره.
وعانى الشيءَ: قاساه. والمُعاناةُ: المُقاساة. يقال:
عاناه وتَعَنَّاه وتَعَنَّى هو؛ وقال:
فَقُلْتُ لها: الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتَى،
وهَمّ تَعَنَّاه مُعَنّىً رَكائبُهْ
وروى أَبو سعيد: المُعاناة المُدارة؛ قال الأَخطل:
فإِن أَكُ قد عانَيْتُ قَوْمي وهِبْتُهُمْ،
فَهَلْهِلْ وأَوِّلْ عَنْ نُعَيْم بنِ أَخْثَما
هَلْهِلْ: تَأَنَّ وانْتَظِرْ. وقال الأَصمعي: المُعاناة والمُقَاناةُ
حُسْنُ السِّياسة. ويقال: ما يُعانُونَ مالَهُم ولا يُقانُونه أَي ما
يقومون عليه. وفي حديث عُقُبَة بن عامِرٍ في الرمي بالسهام: لَوْلا كلامٌ
سَمِعْتُه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمْ أُعانِهِ؛ مُعاناةُ الشيءِ:
مُلابَسَته ومُباشَرَته. والقَوْمُ يُعانُون مالَهُم أَي يقومون عليه.
وعَنى الأَمْرُ يعني واعْتَنى: نَزَلَ؛ قال رؤبة:
إِني وقد تَعْني أُمورٌ تَعْتَني
على طريقِ العُذْر، إِنْ عَذَرْتَني
وعَنَتْ به أُمورٌ: نَزَلَتْ. وعَنَى عَناءً وتَعَنَّى: نَصِبَ.
وعَنَّيْتُه أَنا تَعْنِيَةً وتَعَنَّيْتُه أَيضاً فَتَعَنَّى، وتَعنَّى
العَناء: تَجَشَّمَه، وعَنَّاه هو وأَعْناه؛ قال أُمَيَّة:
وإِني بِلَيْلَى، والدِّيارِ التي أَرَى،
لَكالْمُبْتَلَى المُعْنَى بِشَوْقٍ مُوَكَّلِ
وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
عَنْساً تُعَنِّيها وعَنْساً تَرْحَلُ
فسره فقال: تُعَنِّيها تَحْرُثُها وتُسْقِطُها. والعَنْيَةُ: العَناء.
وعَناءٌ عانٍ ومُعَنٍّ: كما يقال شِعْرٌ شاعِرٌ ومَوْتٌ مائتٌ؛ قال تَميم
بن مُقْبِل:
تَحَمَّلْنَ مِنْ جَبَّانَ بَعْدَ إِقامَةٍ،
وبَعْدَ عَناءٍ مِنْ فُؤادِك عانِ
(* قوله« من جبان» هو هكذا في الأصل بالباء الموحدة والجيم.)
وقال الأَعشى:
لَعَمْرُكَ ما طُولُ هذا الزَّمَنْ،
على المَرْءِ، إِلاَّ عَناءٌ مُعَنُّ
ومَعْنى كلِّ شيء: مِحْنَتُه وحالُه التي يصير إليها أَمْرُه. وروى
الأَزهري عن أَحمد بن يحيى قال: المَعْنَى والتفسيرُ والتَّأْوِيل واحدٌ.
وعَنَيْتُ بالقول كذا: أَردت. ومَعْنَى كلّ كلامٍ ومَعْناتُه ومَعْنِيَّتُه:
مَقْصِدُه، والاسم العَناء. يقال: عَرَفْتُ ذلك في مَعْنَى كلامِه
ومَعْناةِ كلامه وفي مَعْنِيِّ كلامِه.
ولا تُعانِ أَصحابَك أَي لا تُشاجِرْهُم؛ عن ثعلب. والعَناء: الضُّرُّ.
وعُنْوانُ الكتاب: مُشْتَقّ فيما ذكروا من المَعْنَى، وفيه لغات:
عَنْونْتُ وعَنَّيْتُ وعَنَّنْتُ. وقال الأَخْفش: عَنَوْتُ الكتاب واعْنُه؛
وأَنشد يونس:
فَطِنِ الكِتابَ إِذا أَرَدْتَ جوابَه،
واعْنُ الكتابَ لِكَيْ يُسَرَّ ويُكْتما
قال ابن سيده: العُنْوانُ والعِنْوانُ سِمَةُ الكِتابِ. وعَنْوَنَه
عَنْوَنَةً وعِنْواناً وعَنَّاهُ، كِلاهُما: وَسَمَه بالعُنوان. وقال أَيضاً:
والعُنْيانُ سِمَةُ الكتاب، وقد عَنَّاه وأَعْناه، وعَنْوَنْتُ الكتاب
وعَلْوَنْته. قال يعقوب: وسَمِعْتُ من يقول أَطِنْ وأَعِنْ أَي عَنْوِنْه
واخْتِمْه. قال ابن سيده: وفي جَبْهَتِه عُنْوانٌ من كَثْرَةِ السُّجودِ
أَي أَثَر؛ حكاه اللحياني؛ وأَنشد:
وأَشْمَطَ عُنْوانٌ به مِنْ سُجودِه،
كَرُكْبَةِ عَنزٍ من عُنوزِ بَني نَصْرِ
والمُعَنَّى: جَمَلٌ كان أَهلُ الجاهلية يَنزِعُونَ سناسِنَ فِقْرَتِهِ
ويَعْقِرُون سَنامَه لئلاَّ يُرْكَب ولا يُنْتَفَع بظَهْرِه. قال الليث:
كان أَهل الجاهلية إِذا بَلَغَتْ إِبلُ الرجل مائةً عمدوا إِلى البعير
الذي أَمْأَتْ به إِبلُه فأَغْلقوا ظَهْرَه لئلا يُرْكَب ولا يُنْتَفَع
بظَهْره، ليعرف أَن صاحِبَها مُمْئٍ، وإِغْلاق ظَهْرِه أَن يُنْزَع منه
سناسِنُ من فَقْرته ويُعْقر سَنامَه؛ قال ابن سيده: وهذا يجوز أَن يكونَ من
العَناءِ الذي هو التَّعَب، فهو بذلك من المُعْتلّ بالياء، ويجوز أَن
يكونَ من الحَبْسِ عن التَّصَرُّفِ فهو على هذا من المعتَلِّ بالواو؛ وقال
في قول الفرزدق:
غَلَبْتُكَ بالمُفَقَّئِ والمُعَنِّي،
وبَيْتِ المُحْتَبي والخافقاتِ
يقول: غَلَبْتُك بأَربع قصائد منها المُفَتِّئُ، وهو بيته:
فلَسْتَ، ولو فَقَّأْتَ عَينَك، واجداً
أَباً لكَ، إِن عُدَّ المَساعِي، كَدارِم
قال: وأَراد بالمُعَنِّي قوله تَعَنَّى في بيته:
تعَنَّى يا جَرِيرُ، لِغَيرِ شيءٍ،
وقد ذهَبَ القَصائدُ للرُّواةِ
فكيف تَرُدُّ ما بعُمانَ منها،
وما بِجِبالِ مِصْرَ مُشَهَّراتِ؟
قال الجوهري: ومنها قوله:
فإِنّكَ، إِذ تَسْعَى لتُدْرِكَ دارِماً،
لأَنْتَ المُعَنَّى يا جَرِيرُ، المُكَلَّف
وأَراد بالمُحْتَبي قوله:
بَيْتاً زُرارَةُ مُحْتَبٍ بِفنائه،
ومُجاشِعٌ وأَبو الفَوارسِ نَهْشَلُ
لا يَحْتَبي بفِناءِ بَيْتِك مِثْلُهُم
أَبداً، إِذا عُدَّ الفعالُ الأَفْضَلُ
وأَراد بالخافقات قوله:
وأَيْنَ يُقَضِّي المالِكانِ أُمُورَها
بِحَقٍّ، وأَينَ الخافِقاتُ اللَّوامِعُ؟
أَخَذْنا بآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ،
لنا قَمَرَاها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ