[في الانكليزية] Brilliant Light
[ في الفرنسية] Lumieres brillantes
في اصطلاح الصوفية عبارة عن الأنوار السّاطعة التي تلمع لأهل الرّايات من أرباب النّفوس الطّاهرة. ثم تنعكس من الخيال للحسّ المشترك وتشاهد بالحواس الظاهرة. كذا في لطائف اللغات.
عود: في صفات الله تعالى: المبدِئُ المعِيدُ؛ قال الأَزهري: بَدَأَ
اللَّهُ الخلقَ إِحياءً ثم يميتُهم ثم يعيدُهم أَحياءً كما كانوا. قال الله،
عز وجل: وهو الذي يبدأُ الخلقَ ثم يُعِيدُه. وقال: إِنه هو يُبْدِئُ
ويُعِيدُ؛ فهو سبحانه وتعالى الذي يُعِيدُ الخلق بعد الحياة إِلى المماتِ
في الدنيا وبعد المماتِ إِلى الحياةِ يوم القيامة. وروي عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكَلَ على النَّكَلِ،
قيل: وما النَّكَلُ على النَّكَلِ؟ قال: الرجل القَوِيُّ المُجَرِّبُ
المبدئُ المعيدُ على الفرس القَوِيِّ المُجَرّبِ المبدِئ المعيدِ؛ قال
أَبو عبيد: وقوله المبدئ المعِيدُ هو الذي قد أَبْدَأَ في غَزْوِهِ وأَعاد
أَي غزا مرة بعد مرة، وجرَّب الأُمور طَوْراً بعد طَوْر، وأَعاد فيها
وأَبْدَأَ، والفرسُ المبدئُ المعِيدُ هو الذي قد رِيضَ وأُدِّبَ وذُلِّلَ،
فهو طَوْعُ راكبِهِ وفارِسِه، يُصَرِّفه كيف شاء لِطَواعِيَتِه وذُلِّه،
وأَنه لا يستصعب عليه ولا يمْنَعُه رِكابَه ولا يَجْمَحُ به؛ وقيل: الفرس
المبدئ المعيد الذي قد غزا عليه صاحبه مرة بعد مرة أُخرى، وهذا كقولهم
لَيْلٌ نائِمٌ إِذا نِيمَ فيه وسِرٌّ كاتم قد كتموه. وقال شمر: رجل
مُعِيدٌ أَي حاذق؛ قال كثير:
عَوْمُ المُعِيدِ إِلى الرَّجا قَذَفَتْ به
في اللُّجِّ داوِيَةُ المَكانِ، جَمُومُ
والمُعِيدُ من الرجالِ: العالِمُ بالأُمور الذي ليس بغُمْرٍ؛ وأَنشد:
كما يَتْبَعُ العَوْد المُعِيد السَّلائِب
والعود ثاني البدء؛ قال:
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ فأَثْنَيْتُ جاهِداً،
فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَوْدُ أَحْمَدُ
قال الجوهري: وعاد إِليه يَعُودُ عَوْدَةً وعَوْداً: رجع. وفي المثل:
العَوْدُ أَحمدُ؛ وأَنشد لمالك بن نويرة:
جَزَيْنا بني شَيْبانَ أَمْسِ بِقَرْضِهِمْ،
وجِئْنا بِمِثْلِ البَدْءِ، والعَوْدُ أَحمدُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: وعُدْنا بِمِثْلِ البَدْءِ؛ قال: وكذلك هو
في شعره، أَلا ترى إِلى قوله في آخر البيت: والعود أَحمد؟ وقد عاد له
بعدما كان أَعرَضَ عنه؛ وعاد إِليه وعليه عَوْداً وعِياداً وأَعاده هو، والله
يبدِئُ الخلق ثم يعيدُه، من ذلك. واستعاده إِياه: سأَله إِعادَتَه. قال
سيبويه: وتقول رجع عَوْدُه على بَدْئِه؛ تريد أَنه لم يَقْطَعْ ذَهابَه
حتى وصله برجوعه، إِنما أَردْتَ أَنه رجع في حافِرَتِه أَي نَقَضَ
مَجِيئَه برجوعه، وقد يكون أَن يقطع مجيئه ثم يرجع فتقول: رجَعْتُ عَوْدي على
بَدْئي أَي رجَعْتُ كما جئت، فالمَجِيءُ موصول به الرجوعُ، فهو بَدْءٌ
والرجوعُ عَوْدٌ؛ انتهى كلام سيبويه. وحكى بعضهم: رجع عَوْداً على بدء من
غير إِضافة. ولك العَوْدُ والعَوْدَةُ والعُوادَةُ أَي لك أَن تعودَ في هذا
الأَمر؛ كل هذه الثلاثة عن اللحياني. قال الأَزهري: قال بعضهم: العَوْد
تثنية الأَمر عَوْداً بعد بَدْءٍ. يقال: بَدَأَ ثم عاد، والعَوْدَةُ
عَوْدَةُ مرةٍ واحدةٍ. وقوله تعالى: كما بدأَكم تَعودُون فريقاً هَدى وفريقاً
حقَّ عليهم الضلالةُ؛ يقول: ليس بَعْثُكم بأَشَدَّ من ابِتدائِكم، وقيل:
معناه تَعُودون أَشقِياءَ وسُعداءَ كما ابْتَدأَ فِطْرَتَكُم في سابق
علمه، وحين أَمَرَ بنفْخِ الرُّوحِ فيهم وهم في أَرحام أُمهاتهم. وقوله عز
وجل: والذين يُظاهِرون من نسائهم ثم يَعودُون لما قالوا فَتَحْريرُ
رَقَبَةٍ؛ قال الفراء: يصلح فيها في العربية ثم يعودون إِلى ما قالوا وفيما
قالوا، يريد النكاح وكلٌّ صوابٌ؛ يريد يرجعون عما قالوا، وفي نَقْض ما
قالوا قال: ويجوز في العربية أَن تقول: إِن عاد لما فعل، تريد إِن فعله مرة
أُخرى. ويجوز: إِن عاد لما فعل، إِن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أَن
يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك؛ وقال الأَخفش في قوله: ثم
يعودون لما قالوا إِنا لا نفعله فيفعلونه يعني الظهار، فإِذا أَعتق رقبة
عاد لهذا المعنى الذي قال إِنه عليّ حرام ففعله. وقال أَبو العباس:
المعنى في قوله: يعودون لما قالوا، لتحليل ما حرّموا فقد عادوا فيه. وروى
الزجاج عن الأَخفش أَنه جعل لما قالوا من صلة فتحرير رقبة، والمعنى عنده
والذين يظاهرون ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا، قال: وهذا مذهب حسن. وقال
الشافعي في قوله: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة، يقول: إِذا ظاهر منها فهو تحريم كان أَهل الجاهلية يفعلونه وحرّم على
المسلمين تحريم النساء بهذا اللفظ، فإِن أَتْبَعَ المُظاهِرُ الظِّهارَ
طلاقاً، فهو تحريم أَهل الإِسلام وسقطت عنه الكفارة، وإِن لم يُتْبِع
الظهار طلاقاً فقد عاد لما حرم ولزمه الكفارة عقوبة لما قال؛ قال: وكان
تحريمه إِياها بالظهار قولاً فإِذا لم يطلقها فقد عاد لما قال من التحريم؛
وقال بعضهم: إِذا أَراد العود إِليها والإِقامة عليها، مَسَّ أَو لم
يَمَسَّ، كَفَّر.
قال الليث: يقول هذا الأَمر أَعْوَدُ عليك أَي أَرفق بك وأَنفع لأَنه
يعود عليك برفق ويسر. والعائدَةُ: اسم ما عادَ به عليك المفضل من صلة أَو
فضل، وجمعه العوائد. قال ابن سيده: والعائدة المعروفُ والصِّلةُ يعاد به
على الإِنسان والعَطْفُ والمنْفَعَةُ.
والعُوادَةُ، بالضم: ما أُعيد على الرجل من طعام يُخَصُّ به بعدما
يفرُغُ القوم؛ قال الأَزهري: إِذا حذفت الهاء قلت عَوادٌ كما قالوا أَكامٌ
ولمَاظٌ وقَضامٌ؛ قال الجوهري: العُوادُ، بالضم، ما أُعيد من الطعام بعدما
أُكِلَ منه مرة.
وعَوادِ: بمعنى عُدْ مثل نَزالِ وتَراكِ. ويقال أَيضاً: عُدْ إِلينا
فإِن لك عندنا عَواداً حَسَناً، بالفتح، أَي ما تحب، وقيل: أَي برّاً
ولطفاً. وفلان ذو صفح وعائدة أَي ذو عفو وتعطف. والعَوادُ: البِرُّ واللُّطْف.
ويقال للطريق الذي أَعاد فيه السفر وأَبدأَ: معيد؛ ومنه قول ابن مقبل يصف
الإِبل السائرة:
يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ، يَجْتَبْنَ النِّعافَ على
أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ، لابِسِ القَتَمِ
أَراد بالهادي الطريقَ الذي يُهْتَدى إِليه، وبالمُعِيدِ الذي لُحِبَ.
والعادَةُ: الدَّيْدَنُ يُعادُ إِليه، معروفة وجمعها عادٌ وعاداتٌ وعِيدٌ؛
الأَخيرةُ عن كراع، وليس بقوي، إِنما العِيدُ ما عاد إِليك من الشَّوْقِ
والمرض ونحوه وسنذكره.
وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِواداً واعتادَه
واستعاده وأَعادَه أَي صار عادَةً له؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي،
والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وقال:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني
رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعادا
وقال أَبو كبير الهذلي يصف الذئاب:
إِلاَّ عَواسِلَ، كالمِراطِ، مُعِيدَةً
باللَّيْلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ
أَي وردت مرات فليس تنكر الورود. وعاوَدَ فلانٌ ما كان فيه، فهو
مُعاوِدٌ. وعاوَدَتْه الحُمَّى وعاوَدَهُ بالمسأَلة أَي سأَله مرة بعد أُخرى،
وعَوَّدَ كلبه الصيْدَ فَتَعَوّده؛ وعوّده الشيءَ: جعله يعتاده.
والمُعاوِدُ: المُواظِبُ، وهو منه. قال الليث: يقال للرجل المواظبِ على أَمْرٍ:
معاوِدٌ. وفي كلام بعضهم: الزموا تُقى اللَّهِ واسْتَعِيدُوها أَي
تَعَوَّدُوها.
واسْتَعَدْتُه الشيء فأَعادَه إِذا سأَلتَه أَن يفعله ثانياً.
والمُعاوَدَةُ: الرجوع إِلى الأَمر الأَول؛ يقال للشجاع: بطَلٌ مُعاوِدٌ لأَنه لا
يَمَلُّ المِراسَ. وتعاوَدَ القومُ في الحرب وغيرها إِذا عاد كل فريق
إِلى صاحبه. وبطل مُعاوِد: عائد.
والمَعادُ: المَصِيرُ والمَرْجِعُ، والآخرة: مَعادُ الخلقِ. قال ابن
سيده: والمعاد الآخرةُ والحج. وقوله تعالى: إِن الذي فرض عليك القرآن لرادّك
إِلى مَعادٍ؛ يعني إِلى مكة، عِدَةٌ للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَن
يفتحها له؛ وقال الفراء: إِلى معاد حيث وُلِدْتَ؛ وقال ثعلب: معناه يردّك
إِلى وطنك وبلدك؛ وذكروا أَن جبريل قال: يا محمد، اشْتَقْتَ إِلى مولدك
ووطنك؟ قال: نعم، فقال له: إِن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إِلى معاد؛ قال:
والمَعادُ ههنا إِلى عادَتِك حيث وُلِدْتَ وليس من العَوْدِ، وقد يكون
أَن يجعل قوله لرادّك إِلى معادٍ لَمُصَيِّرُكَ إِلى أَن تعود إِلى مكة
مفتوحة لك، فيكون المَعادُ تعجباً إِلى معادٍ أَيِّ معادٍ لما وعده من فتح
مكة. وقال الحسن: معادٍ الآخرةُ، وقال مجاهد: يُحْييه يوم البعث، وقال
ابن عباس: أَي إِلى مَعْدِنِك من الجنة، وقال الليث: المَعادَةُ والمَعاد
كقولك لآل فلان مَعادَةٌ أَي مصيبة يغشاهم الناس في مَناوِحَ أَو غيرها
يتكلم به النساء؛ يقال: خرجت إِلى المَعادةِ والمَعادِ والمأْتم.
والمَعادُ: كل شيء إِليه المصير. قال: والآخرة معاد للناس، وأَكثر التفسير في قوله
«لرادّك إِلى معاد» لباعثك. وعلى هذا كلام الناس: اذْكُرِ المَعادَ أَي
اذكر مبعثك في الآخرة؛ قاله الزجاج. وقال ثعلب: المعاد المولد. قال: وقال
بعضهم: إِلى أَصلك من بني هاشم، وقالت طائفة وعليه العمل: إِلى معاد أَي
إِلى الجنة. وفي الحديث: وأَصْلِحْ لي آخِرتي التي فيها مَعادي أَي ما
يعودُ إِليه يوم القيامة، وهو إِمّا مصدر وإِمّا ظرف. وفي حديث عليّ:
والحَكَمُ اللَّهُ والمَعْوَدُ إِليه يومَ القيامة أَي المَعادُ. قال ابن
الأَثير: هكذا جاء المَعْوَدُ على الأَصل، وهو مَفْعَلٌ من عاد يعود، ومن حق
أَمثاله أَن تقلب واوه أَلفاً كالمَقام والمَراح، ولكنه استعمله على
الأَصل. تقول: عاد الشيءُ يعودُ عَوْداً ومَعاداً أَي رجع، وقد يرد بمعنى
صار؛ ومنه حديث معاذ: قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أَعُدْتَ
فَتَّاناً يا مُعاذُ أَي صِرتَ؛ ومنه حديث خزيمة: عادَ لها النَّقادُ
مُجْرَنْثِماً أَي صار؛ ومنه حديث كعب: وَدِدْتُ أَن هذا اللَّبَنَ يعودُ قَطِراناً
أَي يصير، فقيل له: لِمَ ذلك قال: تَتَبَّعَتْ قُرَيشٌ أَذْنابَ الإِبلِ
وتَرَكُوا الجماعاتِ. والمَعادُ والمَعادة: المأْتَمُ يُعادُ إِليه؛
وأَعاد فلان الصلاةَ يُعِيدها. وقال الليث: رأَيت فلاناً ما يُبْدِيءُ وما
يُعِيدُ أَي ما يتكلم ببادئَة ولا عائِدَة. وفلان ما يُعِيدُ وما يُبدئ
إِذا لم تكن له حيلة؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وكنتُ امْرَأً بالغَورِ مِنِّي ضَمانَةٌ،
وأُخْرى بِنَجْد ما تُعِيدُ وما تُبْدي
يقول: ليس لِما أَنا فيه من الوجد حيلة ولا جهة. والمُعِيدُ: المُطِيقُ
للشيءِ يُعاوِدُه؛ قال:
لا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغَوامِضُ
إِلا المُعِيداتُ به النَّواهِضُ
وحكى الأَزهري في تفسيره قال: يعني النوق التي استعادت النهض
بالدَّلْوِ. ويقال: هو مُعِيدٌ لهذا الشيء أَي مُطِيقٌ له لأَنه قد اعْتادَه؛ وأَما
قول الأَخطل:
يَشُولُ ابنُ اللَّبونِ إِذا رآني،
ويَخْشاني الضُّواضِيَةُ المُعِيدُ
قال: أَصل المُعيدِ الجمل الذي ليس بِعَياياءٍ وهو الذي لا يضرب حتى
يخلط له، والمعِيدُ الذي لا يحتاج إِلى ذلك. قال ابن سيده: والمعيد الجمل
الذي قد ضرب في الإِبل مرات كأَنه أَعاد ذلك مرة بعد أُخرى.
وعادني الشيءُ عَوْداً واعتادني، انْتابَني. واعتادني هَمٌّ وحُزْنٌ؛
قال: والاعتِيادُ في معنى التَّعوُّدِ، وهو من العادة. يقال: عَوَّدْتُه
فاعتادَ وتَعَوَّدَ. والعِيدُ: ما يَعتادُ من نَوْبٍ وشَوْقٍ وهَمٍّ ونحوه.
وما اعتادَكَ من الهمِّ وغيره، فهو عِيدٌ؛ قال الشاعر:
والقَلْبُ يَعْتادُه من حُبِّها عِيدُ
وقال يزيد بن الحكم الثقفي سليمان بن عبد الملك:
أَمْسَى بأَسْماءَ هذا القلبُ مَعْمُودَا،
إِذا أَقولُ: صَحا، يَعْتادُه عِيدا
كأَنَّني، يومَ أُمْسِي ما تُكَلِّمُني،
ذُو بُغْيَةٍ يَبْتَغي ما ليسَ مَوْجُوداً
كأَنَّ أَحْوَرَ من غِزْلانِ ذي بَقَرٍ،
أَهْدَى لنا سُنَّةَ العَيْنَيْنِ والجِيدَا
وكان أَبو علي يرويه شبه العينين والجيدا، بالشين المعجمة وبالباء
المعجمة بواحدة من تحتها، أَراد وشبه الجيد فحذف المضاف وأَقام المضاف إِليه
مُقامه؛ وقد قيل إِن أَبا علي صحفه يقول في مدحها:
سُمِّيتَ باسمِ نَبِيٍّ أَنتَ تُشْبِهُه
حِلْماً وعِلْماً، سليمان بنِ داودا
أَحْمِدْ به في الورى الماضِين من مَلِكٍ،
وأَنتَ أَصْبَحتَ في الباقِينَ مَوْجُوداً
لا يُعذَلُ الناسُ في أَن يَشكُروا مَلِكاً
أَوْلاهُمُ، في الأُمُورِ، الحَزْمَ والجُودا
وقال المفضل: عادني عِيدي أَي عادتي؛ وأَنشد:
عادَ قَلْبي من الطويلةِ عِيدُ
أَراد بالطويلة روضة بالصَّمَّانِ تكون ثلاثة أَميال في مثلها؛ وأَما
قول تأَبَّطَ شَرّاً:
يا عيدُ ما لَكَ من شَوْقٍ وإِيراقِ،
ومَرِّ طَيْفٍ، على الأَهوالِ طَرَّاقِ
قال ابن الأَنباري في قوله يا عيد ما لك: العِيدُ ما يَعْتادُه من الحزن
والشَّوْق، وقوله ما لك من شوق أَي ما أَعظمك من شوق، ويروى: يا هَيْدَ
ما لكَ، والمعنى: يا هَيْدَ ما حالُك وما شأْنُك. يقال: أَتى فلان القومَ
فما قالوا له: هَيْدَ مالَك أَي ما سأَلوه عن حاله؛ أَراد: يا أَيها
المعتادُني ما لَك من شَوْقٍ كقولك ما لَكَ من فارس وأَنت تتعجَّب من
فُروسيَّته وتمدحه؛ ومنه قاتله الله من شاعر.
والعِيدُ: كلُّ يوم فيه جَمْعٌ، واشتقاقه من عاد يَعُود كأَنهم عادوا
إِليه؛ وقيل: اشتقاقه من العادة لأَنهم اعتادوه، والجمع أَعياد لزم البدل،
ولو لم يلزم لقيل: أَعواد كرِيحٍ وأَرواحٍ لأَنه من عاد يعود.
وعَيَّدَ المسلمون: شَهِدوا عِيدَهم؛ قال العجاج يصف الثور الوحشي:
واعْتادَ أَرْباضاً لَها آرِيُّ،
كما يَعُودُ العِيدَ نَصْرانيُّ
فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين،
وتصغير عِيد عُيَيْدٌ تركوه على التغيير كما أَنهم جمعوه أَعياداً ولم
يقولوا أَعواداً؛ قال الأَزهري: والعِيدُ عند العرب الوقت الذي يَعُودُ
فيه الفَرَح والحزن، وكان في الأَصل العِوْد فلما سكنت الواو وانكسر ما
قبلها صارت ياء، وقيل: قلبت الواو ياء ليَفْرُقوا بين الاسم الحقيقي وبين
المصدريّ. قال الجوهري: إِنما جُمِعَ أَعيادٌ بالياء للزومها في الواحد،
ويقال للفرق بينه وبين أَعوادِ الخشب. ابن الأَعرابي: سمي العِيدُ عيداً
لأَنه يعود كل سنة بِفَرَحٍ مُجَدَّد.
وعادَ العَلِيلَ يَعُودُه عَوْداً وعِيادة وعِياداً: زاره؛ قال أَبو
ذؤيب:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالدٌ
عِيادي على الهِجْرانِ، أَم هوَ يائِسُ؟
قال ابن جني: وقد يجوز أَن يكون أَراد عيادتي فحذف الهاء لأَجل
الإِضافة، كما قالوا: ليت شعري؛ ورجل عائدٌ من قَوْم عَوْدٍ وعُوَّادٍ، ورجلٌ
مَعُودٌ ومَعْوُود، الأَخيرة شاذة، وهي تميمية. وقال اللحياني: العُوادَةُ
من عِيادةِ المريض، لم يزد على ذلك. وقَوْمٌ عُوَّادٌ وعَوْدٌ؛ الأَخيرة
اسم للجمع؛ وقيل: إِنما سمي بالمصدر.
ونِسوةٌ عوائِدُ وعُوَّدٌ: وهنَّ اللاتي يَعُدْنَ المريض، الواحدة
عائِدةٌ. قال الفراء: يقال هؤلاء عَودُ فلان وعُوَّادُه مثل زَوْرِه
وزُوَّاره، وهم الذين يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ. وفي حديث فاطمة بنت قيس: فإِنها
امرأَة يكثُرُ عُوَّادُها أَي زُوَّارُها. وكل من أَتاك مرة بعد أُخرى،
فهو عائد، وإِن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتى صار كأَنه مختص به.
قال الليث: العُودُ كل خشبة دَقَّتْ؛ وقيل: العُودُ خَشَبَةُ كلِّ
شجرةٍ، دقّ أَو غَلُظ، وقيل: هو ما جرى فيه الماء من الشجر وهو يكون للرطْب
واليابس، والجمع أَعوادٌ وعِيدانٌ؛ قال الأَعشى:
فَجَرَوْا على ما عُوِّدوا،
ولكلِّ عِيدانٍ عُصارَهْ
وهو من عُودِ صِدْقٍ أَو سَوْءٍ، على المثل، كقولهم من شجرةٍ صالحةٍ.
وفي حديث حُذَيفة: تُعْرَضُ الفِتَنُ على القلوبِ عَرْضَ الحُصْرِ عَوْداً
عَوْداً؛ قال ابن الأَثير: هكذا الرواية، بالفتح، أَي مرة بعد مرةٍ،
ويروى بالضم، وهو واحد العِيدان يعني ما ينسج به الحُصْرُ من طاقاته، ويروى
بالفتح مع ذال معجمة، كأَنه استعاذ من الفتن.
والعُودُ: الخشبة المُطَرَّاةُ يدخَّن بها ويُسْتَجْمَرُ بها، غَلَبَ
عليها الاسم لكرمه. وفي الحديث: عليكم بالعُودِ الهِندِيّ؛ قيل: هو
القُسْطُ البَحْرِيُّ، وقيل: هو العودُ الذي يتبخر به. والعُودُ ذو الأَوْتارِ
الأَربعة: الذي يضرب به غلب عليه أَيضاً؛ كذلك قال ابن جني، والجمع
عِيدانٌ؛ ومما اتفق لفظه واختلف معناه فلم يكن إِيطاءً قولُ بعض
المولّدين:يا طِيبَ لَذَّةِ أَيامٍ لنا سَلَفَتْ،
وحُسْنَ بَهْجَةِ أَيامِ الصِّبا عُودِي
أَيامَ أَسْحَبُ ذَيْلاً في مَفارِقِها،
إِذا تَرَنَّمَ صَوْتُ النَّايِ والعُودِ
وقهْوَةٍ من سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ،
كالمِسْكِ والعَنبَرِ الهِندِيِّ والعُودِ
تستَلُّ رُوحَكَ في بِرٍّ وفي لَطَفٍ،
إِذا جَرَتْ منكَ مجرى الماءِ في العُودِ
قوله أَوَّلَ وهْلَةٍ عُودي: طَلَبٌ لها في العَوْدَةِ، والعُودُ
الثاني: عُودُ الغِناء، والعُودُ الثالث: المَنْدَلُ وهو العُودُ الذي يتطيب
به، والعُودُ الرابع: الشجرة، وهذا من قَعاقعِ ابن سيده؛ والأَمر فيه أَهون
من الاستشهاد به أَو تفسير معانيه وإِنما ذكرناه على ما وجدناه.
والعَوَّادُ: متخذ العِيدانِ.
وأَما ما ورد في حديث شريح: إِنما القضاء جَمْرٌ فادفعِ الجمرَ عنك
بعُودَيْنِ؛ فإِنه أَراد بالعودين الشاهدين، يريد اتق النار بهما واجعلهما
جُنَّتَك كما يدفع المُصْطَلي الجمرَ عن مكانه بعود أَو غيره لئلا يحترق،
فمثَّل الشاهدين بهما لأَنه يدفع بهما الإِثم والوبال عنه، وقيل: أَراد
تثبت في الحكم واجتهد فيما يدفع عنك النار ما استطعت؛ وقال شمر في قول
الفرزدق:
ومَنْ وَرِثَ العُودَيْنِ والخاتَمَ الذي
له المُلْكُ، والأَرضُ الفَضاءُ رَحْيبُها
قال: العودانِ مِنْبَرُ النبي، صلى الله عليه وسلم، وعَصاه؛ وقد ورد ذكر
العودين في الحديث وفُسِّرا بذلك؛ وقول الأَسود
بن يعفر:
ولقد عَلِمْت سوَى الذي نَبَّأْتني:
أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذي الأَعْوادِ
قال المفضل: سبيل ذي الأَعواد يريد الموت، وعنى بالأَعواد ما يحمل عليه
الميت؛ قال الأَزهري: وذلك إِن البوادي لا جنائز لهم فهم يضمون عُوداً
إِلى عُودٍ ويحملون الميت عليها إِلى القبر. وذو الأَعْواد: الذي قُرِعَتْ
له العَصا، وقيل: هو رجل أَسَنَّ فكان يُحمل في مِحَفَّةٍ من عُودٍ. أَبو
عدنان: هذا أَمر يُعَوِّدُ الناسَ عليَّ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي. وقال:
أَكْرَهُ تَعَوُّدَ الناسِ عليَّ فَيَضْرَوْا بِظُلْمي أَي يَعْتادُوه.
وقال شمر: المُتَعَيِّدُ الظلوم؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لطرفة:
فقال: أَلا ماذا تَرَوْنَ لِشارِبٍ
شَدِيدٍ علينا سُخطُه مُتَعَيِّدِ؟
(* في ديوان طرفة: شديد علينا بغيُه متعمِّدِ).
أَي ظلوم؛ وقال جرير:
يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عليَّ دُوني
أُسُودَ خَفِيَّةَ الــغُلْبَ الرِّقابا
وقال غيره: المُتَعَيِّدُ الذي يُتَعَيَّدُ عليه بوعده. وقال أَبو عبد
الرحمن: المُتَعَيِّدُ المُتجَنِّي في بيت جرير؛ وقال ربيعة بن مقروم:
على الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا
قال: والمُتَعَيِّدُ الغَضْبانُ. وقال أَبو سعيد: تَعَيِّدَ العائنُ على
ما يَتَعَيَّنُ إِذا تَشَهَّقَ عليه وتَشَدَّدَ ليبالغ في إِصابته
بعينه. وحكي عن أَعرابي: هو لا يُتَعَيَّنُ عليه ولا يُتَعَيَّدُ؛ وأَنشد ابن
السكيت:
كأَنها وفَوْقَها المُجَلَّدُ،
وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ،
غَيْرَى على جاراتِها تَعَيِّدُ
قال: المُجَلَّدُ حِمْل ثقيل فكأَنها، وفوقها هذا الحمل وقربة ومزود،
امرأَة غَيْرَى. تعيد أَي تَنْدَرِئُ بلسانها على ضَرَّاتها وتحرّك
يديها.والعَوْدُ: الجمل المُسِنُّ وفيه بقية؛ وقال الجوهري: هو الذي جاوَزَ في
السنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ، والجمع عِوَدَةٌ، قال الأَزهري: ويقال في
لغة عِيَدَةَ وهي قبيحة. وفي المثل: إنّ جَرْجَدَ العَوْدَ فَزِدْه
وقْراً، وفي المثل: زاحِمْ بعَوْد أَو دَعْ أَي استعن على حربك بأَهل السن
والمعرفة، فإِنَّ رأْي الشيخ خير من مَشْهَدِ الغلام، والأُنثى عَوْدَةٌ
والجمع عِيادٌ؛ وقد عادَ عَوْداً وعَوَّدَ وهو مُعَوِّد. قال الأَزهري: وقد
عَوَّدَ البعيرُ تَعْوِيداً إِذا مضت له ثلاث سنين بعد بُزُولِه أَو
أَربعٌ، قال: ولا يقال للناقة عَوْدَةٌ ولا عَوَّدَتْ؛ قال: وسمعت بعض العرب
يقول لفرس له أُنثى عَوْدَةٌ. وفي حديث حسان: قد آن لكم أَنْ تَبْعَثُوا
إِلى هذا العَوْدِ؛ هو الجمل الكبير المُسِنُّ المُدَرَّبُ فشبه نفسه به.
وفي حديث معاوية: سأَله رجل فقال: إِنك لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَوْدَة،
فقال: بُلَّها بعَطائكَ حتى تَقْرُبَ، أَي برَحِمٍ قديمةٍ بعيدة النسب.
والعَوْد أَيضاً: الشاة المسن، والأُنثى كالأُنثى. وفي الحديث: أَنه، عليه
الصلاة والسلام، دخل على جابر بن عبد الله منزلَهُ قال: فَعَمَدْتُ إِلى
عَنْزٍ لي لأَذْبَحَها فَثَغَتْ، فقال، عليه السلام: يا جابر لا تَقْطَعْ
دَرًّا ولا نَسْلاً، فقلت: يا رسول الله إِنما هي عَوْدَة علفناها البلح
والرُّطَب فسمنت؛ حكاه الهروي في الغريبين. قال ابن الأَثير: وعَوَّدَ
البعيرُ والشاةُ إِذا أَسَنَّا، وبعير عَوْد وشاة عَوْدَةٌ. قال ابن
الأَعرابي: عَوَّدَ الرجلُ تَعْويداً إِذا أَسن؛ وأَنشد:
فَقُلْنَ قد أَقْصَرَ أَو قد عَوّدا
أَي صار عَوْداً كبيراً. قال الأَزهري: ولا يقال عَوْدٌ لبعير أَو شاة،
ويقال للشاة عَوْدة ولا يقال للنعجة عَوْدة. قال: وناقة مُعَوِّد. وقال
الأَصمعي: جمل عَوْدٌ وناقة عَوْدَةٌ وناقتان عَوْدَتان، ثم عِوَدٌ في جمع
العَوْدة مثل هِرَّةٍ وهِرَرٍ وعَوْدٌ وعِوَدَةٌ مثل هِرٍّ وهِرَرَةٍ،
وفي النوادر: عَوْدٌ وعِيدَة؛ وأَما قول أَبي النجم:
حتى إِذا الليلُ تَجَلَّى أَصْحَمُه،
وانْجابَ عن وجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُه،
وتَبِعَ الأَحْمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُه
فإِنه أَراد بالأَحمر الصبح، وأَراد بالعود الشمس. والعَوْدُ: الطريقُ
القديمُ العادِيُّ؛ قال بشير بن النكث:
عَوْدٌ على عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ،
يَمُوتُ بالتَّركِ، ويَحْيا بالعَمَلْ
يريد بالعود الأُول الجمل المسنّ، وبالثاني الطريق أَي على طريق قديم،
وهكذا الطريق يموت إِذا تُرِكَ ويَحْيا إِذا سُلِكَ؛ قال ابن بري: وأَما
قول الشاعر:
عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ عَلى عَوْدٍ خَلَقْ
فالعَوْدُ الأَول رجل مُسنّ، والعَوْدُ الثاني جمل مسنّ، والعود الثالث
طريق قديم. وسُودَدٌ عَوْدٌ قديمٌ على المثل؛ قال الطرماح:
هَلِ المَجْدُ إِلا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدى،
وَرَأْبُ الثَّأَى، والصَّبْرُ عِنْدَ المَواطِنِ؟
وعادَني أَنْ أَجِيئَك أَي صَرَفَني، مقلوب من عَداني؛ حكاه يعقوب.
وعادَ فِعْلٌ بمنزلة صار؛ وقول ساعدة بن جؤية:
فَقَامَ تَرْعُدُ كَفَّاه بِمِيبَلَة،
قد عادَ رَهْباً رَذِيّاً طائِشَ القَدَمِ
لا يكون عاد هنا إِلا بمعنى صار، وليس يريد أَنه عاود حالاً كان عليها
قبل، وقد جاء عنهم هذا مجيئاً واسعاً؛ أَنشد أَبو علي للعجاج:
وقَصَباً حُنِّيَ حَتَّى كادَا
يَعُودُ، بَعْدَ أَعْظُمٍ، أَعْوادَا
أَي يصير. وعاد: قبيلة. قال ابن سيده: قضينا على أَلفها أَنها واو
للكثرة وأَنه ليس في الكلام «ع ي د» وأَمَّا عِيدٌ وأَعْيادٌ فبد لازم. وأَما
ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب من أَهلِ عاد بالإِمالة فلا يدل ذلك أَن
أَلفها من ياء لما قدّمنا، وإِنما أَمالوا لكسرة الدال. قال: ومن العرب
من يدَعُ صَرْفَ عاد؛ وأَنشد:
تَمُدُّ عليهِ، منْ يَمِينٍ وأَشْمُلٍ،
بُحُورٌ له مِنْ عَهْدِ عاد وتُبَّعا
جعلهما اسمين للقبيلتين. وبئر عادِيَّةٌ، والعادِيُّ الشيء القديم نسب
إِلى عاد؛ قال كثير:
وما سالَ وادٍ مِنْ تِهامَةَ طَيِّبٌ،
به قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ
(* قوله «وكرور» كذا بالأصل هنا والذي فيه في مادة ك ر ر وكرار بالالف
وأورد بيتاً قبله على هذا النمط وكذا الجوهري فيها).
وعاد: قبيلة وهم قومُ هودٍ، عليه السلام. قال الليث: وعاد الأُولى هم
عادُ بن عاديا بن سام بن نوح الذين أَهلكهم الله؛ قال زهير:
وأُهْلِكَ لُقْمانُ بنُ عادٍ وعادِيا
وأَما عاد الأَخيرة فهم بنو تميم ينزلون رمالَ عالِجٍ عَصَوُا الله
فَمُسخُوا نَسْناساً، لكل إِنسان منهم يَدٌ ورجل من شِقّ؛ وما أَدْري أَيُّ
عادَ هو، غير مصروف
(* قوله «غير مصروف» كذا بالأصل والصحاح وشرح القاموس
ولو اريد بعاد القبيلة لا يتعين منعه من الصرف ولذا ضبط في القاموس الطبع
بالصرف.) أَي أَيّ خلق هو.
والعِيدُ: شجر جبلي يُنْبِتُ عِيداناً نحو الذراع أَغبر، لا ورق له ولا
نَوْر، كثير اللحاء والعُقَد يُضَمَّدُ بلحائه الجرح الطري فيلتئم،
وإِنما حملنا العيد على الواو لأَن اشتقاق العيد الذي هو الموسم إِنما هو من
الواو فحملنا هذا عليه.
وبنو العِيدِ: حي تنسب إِليه النوق العِيدِيَّةُ، والعيدِيَّة: نجائب
منسوبة معروفة؛ وقيل: العِيدية منسوبة إِلى عاد بن عاد، وقيل: إلى عادِيّ
بن عاد إِلا أَنه على هذين الأَخيرين نَسَبٌ شاذٌّ، وقيل: العيدية تنسب
إِلى فَحْلٍ مُنْجِب يقال له عِيدٌ كأَنه ضرب في الإِبل مرات؛ قال ابن
سيده: وهذا ليس بقويّ؛ وأَنشد الجوهري لرذاذ الكلبي:
ظَلَّتْ تَجُوبُ بها البُلْدانَ ناجِيَةٌ
عِيدِيَّةٌ، أُرْهِنَتْ فيها الدَّنانِيرُ
وقال: هي نُوق من كِرام النجائب منسوبة إِلى فحل منجب. قال شمر:
والعِيدِيَّة ضَرْب من الغنم، وهي الأُنثى من البُرِْقانِ، قال: والذكر خَرُوفٌ
فلا يَزالُ اسمَه حتى يُعَقَّ عَقِيقَتُه؛ قال الأَزهري: لا أَعرف
العِيدِيَّة في الغنم وأَعرف جنساً من الإِبل العُقَيْلِيَّة يقال لها
العِيدِيَّة، قال: ولا أَدري إِلى أَي شيء نسبت.
وحكى الأَزهري عن الأَصمعي: العَيْدانَةُ النخلة الطويلة، والجمع
العَيْدانُ؛ قال لبيد:
وأَبْيَض العَيْدانِ والجَبَّارِ
قال أَبو عدنان: يقال عَيْدَنَتِ النخلةُ إِذا صارت عَيْدانَةً؛ وقال
المسيب بن علس:
والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَها،
تحتَ الأَشاءِ، مُكَمَّمٌ جَعْلُ
قال الأَزهري: من جعل العيدان فَيْعالاً جعل النون أَصلية والياء زائدة،
ودليله على ذلك قولهم عيْدَنَتِ النخلةُ، ومن جعله فَعْلانَ مثل
سَيْحانَ من ساحَ يَسِيحُ جعل الياء أَصلية والنون زائدة. قال الأَصمعي:
العَيْدانَةُ شجرة صُلْبَة قديمة لها عروق نافذة إِلى الماء، قال: ومنه هَيْمانُ
وعَيْلانُ؛ وأَنشد:
تَجاوَبْنَ في عَيْدانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ
مِنَ السِّدْرِ، رَوَّاها، المَصِيفَ، مَسِيلُ
وقال:
بَواسِق النخلِ أَبكاراً وعَيْدانا
قال الجوهري: والعَيدان، بالفتح، الطِّوالُ من النخل، الواحدة
عيْدانَةٌ، هذا إِن كان فَعْلان، فهو من هذا الباب، وإِن كان فَيْعالاً، فهو من
باب النون وسنذكره في موضعه.
والعَوْدُ: اسم فرَس مالك بن جُشَم. والعَوْدُ أَيضاً: فرس أُبَيّ بن
خلَف.
وعادِ ياءُ: اسم رجل؛ قال النمر بن تولب:
هَلاَّ سَأَلْت بِعادياءَ وَبَيْتِه
والخلِّ والخمرِ، الذي لم يُمْنَعِ؟
قال: وإِن كان تقديره فاعلاء، فهو من باب المعتل، يذكر في موضعه.
حسن: الحُسْنُ: ضدُّ القُبْح ونقيضه. الأَزهري: الحُسْن نَعْت لما
حَسُن؛ حَسُنَ وحَسَن يَحْسُن حُسْناً فيهما، فهو حاسِنٌ
وحَسَن؛ قال الجوهري: والجمع مَحاسِن، على غير قياس، كأَنه جمع مَحْسَن.
وحكى اللحياني: احْسُنْ إن كنتَ حاسِناً، فهذا في المستقبل، وإنه
لَحَسَن، يريد فِعْل الحال، وجمع الحَسَن حِسان. الجوهري: تقول قد حَسُن
الشيءُ، وإن شئت خَفَّفْت الضمة فقلت: حَسْنَ الشيءُ، ولا يجوز أَن تنقُل الضمة
إلى الحاء لأَنه خبَرٌ، وإنما يجوز النقْل إذا كان بمعنى المدح أَو
الذَّم لأَنه يُشَّبه في جواز النَّقْل بنِعْم وبِئْس، وذلك أَن الأَصل فيهما
نَعِم وبَئِس، فسُكِّن ثانيهما ونقِلتْ حركته إلى ما قبله، فكذلك كلُّ
ما كان في معناهما؛ قال سهم بن حنظلة الغَنَوي:
لم يَمْنَعِ الناسُ مِنِّي ما أَردتُ، وما
أُعْطِيهمُ ما أَرادوا، حُسْنَ ذا أَدَبا.
أَراد: حَسُن هذا أَدَباً، فخفَّف ونقَل. ورجل حَسَنٌ بَسَن: إتباع له،
وامرأَة حَسَنة، وقالوا: امرأَة حَسْناء ولم يقولوا رجل أَحْسَن، قال
ثعلب: وكان ينبغي أَن يقال لأَنَّ القياس يوجب ذلك، وهو اسم أُنِّث من غير
تَذْكير، كما قالوا غلام أَمرَد ولم يقولوا جارية مَرْداء، فهو تذكير من
غير تأْنيث. والحُسّان، بالضم: أَحسَن من الحَسَن. قال ابن سيده: ورجل
حُسَان، مخفَّف، كحَسَن، وحُسّان، والجمع حُسّانونَ؛ قال سيبويه: ولا
يُكَسَّر، استغْنَوْا عنه بالواو والنون، والأُنثى حَسَنة، والجمع حِسان
كالمذكر وحُسّانة؛ قال الشماخ:
دارَ الفَتاةِ التي كُنّا نقول لها:
يا ظَبْيةً عُطُلاً حُسّانةَ الجِيدِ.
والجمع حُسّانات، قال سيبويه: إنما نصب دارَ بإضمار أَعني، ويروى
بالرفع. قال ابن بري: حَسِين وحُسَان وحُسّان مثل كَبير وكُبَار وكُبَّار
وعَجيب وعُجاب وعُجَّاب وظريف وظُراف وظُرَّاف؛ وقال ذو الإصبع:
كأَنَّا يَوْمَ قُرَّى إِنْــ
ـنَما نَقْتُل إيّانا
قِياماً بينهم كلُّ
فَتًى أَبْيَضَ حُسّانا.
وأَصل قولهم شيء حَسَن حَسِين لأَنه من حَسُن يَحْسُن كما قالوا عَظُم
فهو عَظِيم، وكَرُم فهو كريم، كذلك حَسُن فهو حَسِين، إلا أَنه جاء
نادراً، ثم قلب الفَعِيل فُعالاً ثم فُعّالاً إذا بُولِغَ في نَعْته فقالوا
حَسَنٌ وحُسَان وحُسّان، وكذلك كريم وكُرام وكُرّام، وجمع الحَسْناء من
النساء حِسانٌ ولا نظير لها إلا عَجْفاء وعِجاف، ولا يقال للذكر أَحْسَن،
إنما تقول هو الأَحْسن على إرادة التفضيل، والجمع الأَحاسِن. وأَحاسِنُ
القوم: حِسانهم. وفي الحديث: أَحاسِنُكم أَخْلاقاً المُوَطَّؤُون أَكنافاً،
وهي الحُسْنَى. والحاسِنُ: القَمَر. وحسَّنْتُ الشيءَ تحْسيناً:
زَيَّنتُه، وأَحسَنْتُ إليه وبه، وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه قال في قوله
تعالى في قصة يوسف، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وقد أَحسَنَ بي إذ
أَخرَجَني من السِّجن؛ أَي قد أَحسن إلي. والعرب تقول: أَحسَنْتُ بفلانٍ
وأَسأْتُ بفلانٍ أَي أَحسنت إليه وأَسأْت إليه. وتقول: أَحْسِنْ بنا أَي
أَحسِنْ إلينا ولا تُسِئْ بنا؛ قال كُثيِّر:
أَسِيئي بنا أَو أَحْسِنِي، لا مَلومةٌ
لَدَيْنا، ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ.
وقوله تعالى: وصَدَّقَ بالحُسْنى؛ قيل أَراد الجنّة، وكذلك قوله تعالى:
للذين أَحْسَنوا الحُسْنى وزيادة؛ فالحُسْنى هي الجنّة، والزِّيادة النظر
إلى وجه الله تعالى. ابن سيده: والحُسْنى هنا الجنّة، وعندي أَنها
المُجازاة الحُسْنى. والحُسْنى: ضدُّ السُّوأَى. وقوله تعالى: وقولوا للناس
حُسْناً. قال أَبو حاتم: قرأَ الأَخفش وقولوا للناس حُسْنى، فقلت: هذا لا
يجوز، لأَن حُسْنى مثل فُعْلى، وهذا لا يجوز إلا بالأَلف واللام؛ قال ابن
سيده: هذا نصُّ لفظه، وقال قال ابن جني: هذا عندي غيرُ لازم لأَبي الحسن،
لأَن حُسْنى هنا غير صفة، وإنما هو مصدرٌ بمنزلة الحُسْن كقراءة غيره:
وقولوا للناس حُسْناً، ومثله في الفِعْل والفِعْلى: الذِّكْرُ والذِّكْرى،
وكلاهما مصدر، ومن الأَول البُؤسُ والبُؤسى والنُّعْم والنُّعْمى، ولا
يُسْتَوْحَش مِنْ تشبيه حُسْنى بذِكرى لاختلاف الحركات، فسيبويه قد عَمل
مثلَ هذا فقال: ومثلُ النَّضْرِ الحَسَن إلاَّ أَن هذا مُسَكَّن
الأَوْسَط، يعني النَّضْرَ، والجمع الحُسْنَيات
(* قوله «والجمع الحسنيات» عبارة
ابن سيده بعد أن ساق جميع ما تقدم: وقيل الحسنى العاقبة والجمع إلخ فهو
راجع لقوله وصدق بالحسنى). والحُسَنُ، لا يسقط منهما الأَلف واللام لأَنها
مُعاقبة، فأَما قراءة من قرأَ: وقولوا للناس حُسْنى، فزعم الفارسي أَنه
اسم المصدر، ومعنى قوله: وقولوا للناس حُسْناً، أَي قولاً ذا حُسْنٍ
والخِطاب لليهود أَي اصْدُقوا في صفة محمد، صلى الله عليه وسلم. وروى الأَزهري
عن أَحمد بن يحيى أَنه قال: قال بعض أَصحابنا اخْترْنا حَسَناً لأَنه
يريد قولاً حَسَناً، قال: والأُخرى مصدر حَسُنَ يَحسُن حُسْناً، قال: ونحن
نذهب إلى أَن الحَسَن شيءٌ من الحُسْن، والحُسْن شيءٌ من الكل، ويجوز هذا
وهذا، قال: واخْتار أَبو حاتم حُسْناً، وقال الزجاج: من قرأَ حُسْناً
بالتنوين ففيه قولان أَحدهما وقولوا للناس قولاً ذا حُسْنٍ، قال: وزعم
الأَخفش أَنه يجوز أَن يكون حُسْناً في معنى حَسَناً، قال: ومن قرأَ حُسْنى
فهو خطأ لا يجوز أَن يقرأَ به، وقوله تعالى: قل هل ترَبَّصون بنا إلا إحدى
الحُسْنَيَيْن؛ فسره ثعلب فقال: الحُسْنَيان الموتُ أَو الــغَلَبــة، يعني
الظفَر أَو الشهادة، وأَنَّثَهُما لأَنه أَراد الخَصْلتَين، وقوله تعالى:
والذين اتَّبَعوهم بإحسان؛ أَي باستقامة وسُلوك الطريق الذي درَج
السابقون عليه، وقوله تعالى: وآتَيْناه في الدنيا حَسَنةً؛ يعني إبراهيم، صلوات
الله على نبينا وعليه، آتَيناه لِسانَ صِدْقٍ، وقوله تعالى: إنَّ
الحَسَنات يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ؛ الصلواتُ الخمس تكفِّر ما بينها. والحَسَنةُ:
ضدُّ السيِّئة. وفي التنزيل العزيز: مَنْ جاء بالحَسَنة فله عَشْرُ
أَمثالها؛ والجمع حَسَنات ولا يُكسَّر. والمَحاسنُ في الأَعمال: ضدُّ
المَساوي. وقوله تعالى: إنا نراكَ من المُحسِنين؛ الذين يُحْسِنون التأْويلَ.
ويقال: إنه كان يَنْصر الضعيف ويُعين المظلوم ويَعُود المريض، فذلك
إحْسانه. وقوله تعالى: ويَدْرَؤُون بالحَسَنة السيِّئةَ؛ أَي يدفعون بالكلام
الحَسَن ما وردَ عليهم من سَيِّءِ غيرهم. وقال أَبو إسحق في قوله عز وجل: ثم
آتينا موسى الكتابَ تماماً على الذي أَحْسَنَ؛ قال: يكون تماماً على
المُحْسِن، المعنى تماماً من الله على المُحْسِنين، ويكون تماماً على الذي
أَحْسَن على الذي أَحْسَنه موسى من طاعة الله واتِّباع أَمره، وقال:
يُجْعل الذي في معنى ما يريد تماماً
على ما أَحْسَنَ موسى. وقوله تعالى: ولا تَقْرَبوا مالَ اليتيم إلا
بالتي هي أَحْسَن؛ قيل: هو أَن يأْخذَ من ماله ما سَتَرَ عَوْرَتَه وسَدَّ
جَوعَتَه. وقوله عز وجل: ومن يُسْلِمْ وجهَه إلى الله وَهْو مُحْسِن؛ فسره
ثعلب فقال: هو الذي يَتَّبع الرسول. وقوله عز وجل: أَحْسَنَ كُلَّ شيءٍ
خَلْقَه؛ أَحْسَنَ يعني حَسَّنَ، يقول حَسَّنَ خَلْقَ كلِّ شيءٍ، نصب
خلقََه على البدل، ومن قرأَ خَلَقه فهو فِعْلٌ. وقوله تعالى: ولله الأَسماء
الحُسنى، تأْنيث الأَحسن. يقال: الاسم الأَحْسَن والأَسماء الحُسْنى؛ ولو
قيل في غير القرآن الحُسْن لَجاز؛ ومثله قوله تعالى: لِنُريك من آياتنا
الكبرى؛ لأَن الجماعة مؤَنثة. وقوله تعالى: ووَصَّيْنا الإنسانَ بوالِدَيه
حُسْناً؛ أَي يفعل بهما ما يَحْسُنُ حُسْناً. وقوله تعالى: اتَّبِعُوا
أَحسَنَ ما أُنزِلَ إليكم؛ أَي اتَّبعوا القرآن، ودليله قوله: نزَّل
أَحسنَ الحديث، وقوله تعالى: رَبَّنا آتنا في الدنيا حسَنةً؛ أَي نِعْمةً،
ويقال حُظوظاً
حسَنة. وقوله تعالى: وإن تُصِبْهم حسنةٌ، أَي نِعْمة، وقوله: إن
تَمْسَسْكم حسَنةٌ تَسُؤْهمْ، أَي غَنيمة وخِصب، وإن تُصِبْكم سيِّئة، أَي
مَحْلٌ. وقوله تعالى: وأْمُرْ قوْمَك يأْخُذوا بأَحسَنِها؛ أَي يعملوا
بحَسَنِها، ويجوز أَن يكون نحو ما أَمَرنا به من الانتصار بعد الظلم، والصبرُ
أَحسَنُ من القِصاص والعَفْوُ أَحسَنُ. والمَحاسِنُ: المواضع الحسَنة من
البَدن. يقال: فلانة كثيرة المَحاسِن؛ قال الأَزهري: لا تكاد العرب توحِّد
المَحاسِن، وقال بعضهم: واحدها مَحْسَن؛ قال ابن سيده: وليس هذا بالقويِّ
ولا بذلك المعروف، إنما المَحاسِنُ عند النحويين وجمهور اللغويين جمعٌ
لا واحد له، ولذلك قال سيبويه: إذا نسبْتَ إلى محاسن قلت مَحاسِنيّ، فلو
كان له واحد لرَدَّه إليه في النسب، وإنما يقال إن واحدَه حَسَن على
المسامحة، ومثله المَفاقِر والمَشابِه والمَلامِح والليالي. ووجه مُحَسَّن:
حَسَنٌ، وحسَّنه الله، ليس من باب مُدَرْهَم ومفؤود كما ذهب إليه بعضهم
فيما ذُكِر. وطَعامٌ مَحْسَنةٌ للجسم، بالفتح: يَحْسُن به. والإحْسانُ: ضدُّ
الإساءة. ورجل مُحْسِن ومِحسان؛ الأَخيرة عن سيبويه، قال: ولا يقال ما
أَحسَنَه؛ أَبو الحسن: يعني منْ هذه، لأَن هذه الصيغة قد اقتضت عنده
التكثير فأَغْنَتْ عن صيغة التعجب. ويقال: أَحْسِنْ يا هذا فإِنك مِحْسانٌ أَي
لا تزال مُحْسِناً. وفسر النبي، صلى الله عليه وسلم، الإحسانَ حين سأَله
جبريلٍ، صلوات الله عليهما وسلامه، فقال: هو أَن تَعْبُدَ الله كأَنك
تراه، فإن لم تكن تراه فإِنه يَراك، وهو تأْويلُ قوله تعالى: إن الله
يأُْمُر بالعدل والإحسان؛ وأَراد بالإحسان الإخْلاص، وهو شرطٌ في صحة الإيمان
والإسلام معاً، وذلك أَن من تلفَّظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير إخْلاص لم
يكن مُحْسِناً، وإن كان إيمانُه صحيحاً، وقيل: أَراد بالإحسان الإشارةَ
إلى المُراقبة وحُسْن الطاعة، فإن مَنْ راقَبَ اللهَ أَحسَن عمَله، وقد
أَشار إليه في الحديث بقوله: فإن لم تكن تراه فإِنه يراك، وقوله عز وجل:
هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان؛ أَي ما جزاءُ مَنْ أَحْسَن في الدُّنيا إلا
أَن يُحْسَنَ إليه في الآخرة. وأَحسَنَ به الظنَّ: نقيضُ أَساءَه،
والفرق بين الإحسان والإنعام أَن الإحسانَ يكون لنفسِ الإنسان ولغيره، تقول:
أَحْسَنْتُ إلى نفسي، والإنعامُ لا يكون إلا لغيره. وكتابُ التَّحاسين:
خلاف المَشْق، ونحوُ هذا يُجْعَل مصدراً في المصدر كالتَّكاذِيب
والتَّكاليف، وليس الجمعُ في المصدر بفاشٍ، ولكنهم يُجْرُون بعضه مُجْرى الأَسماء
ثم يجمعونه. والتَّحاسينُ: جمعُ التَّحْسِين، اسم بُنِيَ على تَفْعيل،
ومثلُه تَكاليفُ الأُمور، وتَقاصيبُ الشَّعَرِ ما جَعُدَ مِنْ ذَوائِبه. وهو
يُحْسِنُ الشيءَ أَي يَعْمَلَه، ويَسْتَحْسِنُ الشيءَ أَي يَعُدُّه
حَسَناً. ويقال: إني أُحاسِنُ بك الناسَ. وفي النوادر: حُسَيْناؤُه أن يفعل
كذا، وحُسَيْناه مِثْلُه، وكذلك غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه أَي جُهْدُه
وغايتُه. وحَسَّان: اسم رجل، إن جعلته فعَّالاً من الحُسْنِ أَجْرَيْتَه، وإن
جَعَلْتَه فَعْلاَنَ من الحَسِّ وهو القَتْل أَو الحِسِّ بالشيء لم
تُجْرِه؛ قال ابن سيده: وقد ذكرنا أَنه من الحِسِّ أَو من الحَسِّ، وقال: ذكر
بعض النحويين أَنه فَعَّالٌ من الحُسْنِ، قال: وليس بشيء. قال الجوهري:
وتصغيرُ فعَّالٍ حُسَيْسِين، وتصغيرُ فَعْلانَ حُسَيْسان. قال ابن سيده:
وحَسَنٌ وحُسَيْن يقالانِ باللام في التسمية على إرادة الصفة، وقال قال
سيبويه: أَما الذين قالوا الحَسَن، في اسم الرجل، فإنما أَرادوا أَن يجعلوا
الرجلَ هو الشيءَ بعينه ولم يَجْعلوه سُمِّيَ بذلك، ولكنهم جعلوه كأَنه
وصفٌ
له غَلَب عليه، ومن قال حَسَن فلم يُدْخِل فيه الأَلفَ واللامَ فهو
يُجْريه مُجْرَى زيدٍ. وفي حديث أَبي هريرة، رضي الله عنه: كنا عند النبي،
صلى الله عليه وسلم، في ليلةٍ ظَلْماءَ حِنْدِسٍ وعندَه الحَسَنُ
والحُسَيْنُ، رضي الله عنهما، فسَمِعَ تَوَلْوُلَ فاطمةَ، رضوانُ الله عليها، وهي
تُنادِيهما: يا حَسَنانِ يا حُسَيْنانِ فقال: الْحَقا بأُمّكما؛
غَلَّبَــت أَحدَ الإسمين على الآخر كما قالوا العُمَران لأَبي بكر وعمر، رضي الله
عنهما، والقَمَران للشمس والقمر؛ قال أَبو منصور: ويحتمل أَن يكون
كقولهم الجَلَمانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلامِ، وهو المِقْراضُ، وقال:
هكذا روى سلمة عن الفراء، بضم النون فيهما جميعاً، كأَنه جعل الاسمين اسماً
واحداً فأَعطاهما حظ الاسم الواحد من الإعراب. وذكر الكلبي أَن في طيِّء
بَطْنَيْن يقال لهما الحسَن والحُسَيْن. والحَسَنُ: اسمُ رملة لبني
سَعْد؛ وقال الأَزهري: الحَسَنُ نَقاً في ديار بني تميم معروف، وجاء في الشعر
الحَسَنانُ، يريد الحَسَنَ وهو هذا الرملُ بعينه؛ قال الجوهري: قُتِل
بهذه الرملة أَبو الصَّهْباء بِسْطامُ بنُ قيْس بنِ خالدٍ الشَّيْبانيِّ،
يَوْمَ النَّقَا، قتَله عاصِمُ بن خَلِيفةَ الضَّبِّي، قال: وهما جَبَلانِ
أَو نَقَوانِ، يقال لأَحد هذين الجَبَلَيْن الحَسَن؛ قال عبد الله بن
عَنَمة الضَّبّيّ في الحَسَن يَرْثِي بِسْطَامَ بنَ قَيْس:
لأُمِّ الأَرضِ وَيْلٌ ما أَجَنَّتْ،
بحيثُ أَضَرَّ بالحَسَنِ السَّبيلُ.
وفي حديث أَبي رَجاء العُطارِدِيِّ: وقيل له ما تَذْكُر؟ فقال: أَذْكُرُ
مَقْتَلَ بِسْطام بنِ قَيْسٍ على الحَسَنِ؛ هو بفتحتين: جَبَل معروف من
رمل، وكان أَبو رجاء قد عُمِّر مائةً وثمانِياً وعشرين سَنَةً، وإذا
ثنّيت قلت الحَسَنانِ؛ وأَنشد ابن سيده في الحَسَنين لشَمْعَلة بن الأَخْضَر
الضَّبِّيّ:
ويوْمَ شَقيقةِ الحَسَنَيْنِ لاقَتْ
بَنُو شَيْبان آجالاً قِصارا
شَكَكْنا بالأَسِنَّة، وهْيَ زُورٌ،
صِماخَيْ كَبْشِهم حتى اسْتَدارا
فَخَرَّ على الأَلاءةِ لم يُوَسَّدْ،
وقد كان الدِّماءُ له خِمارا
قوله: وهي زُورٌ يعني الخيلَ، وأَنشد فيه ابنُ بري لجرير:
أَبَتْ عيْناكِ بالحَسَنِ الرُّقادا،
وأَنْكَرْتَ الأَصادِقَ والبِلادا
وأَنشد الجوهري في حُسَيْن جبل:
تَركْنَا، بالنَّواصِف من حُسَيْنٍ،
نساءَ الحيِّ يَلْقُطْنَ الجُمانا.
فحُسَيْنٌ ههنا: جبلٌ. ابن الأَعرابي: يقال أَحْسَنَ الرجلُ إذا جلس على
الحَسَنِ، وهو الكثيبُ النَّقِيّ العالي، قال: وبه سمي الغلام حَسَناً.
والحُسَيْنُ: الجبَلُ العالي، وبه سمي الغلام حُسَيْناً. والحَسَنانِ:
جبلانِ، أَحدُهما بإِزاء الآخر. وحَسْنَى: موضع. قال ابن الأَعرابي: إذا
ذكَر كُثيِّر غَيْقةَ فمعها حَسْنَى، وقال ثعلب: إنما هو حِسْيٌ، وإذا لم
يذكر غيْقةَ فحِسْمَى. وحكى الأَزهري عن علي ابن حمزة: الحَسَنُ شجر
الآَلاءُ مُصْطفّاً بكَثيب رمْلٍ، فالحسَنُ هو الشجرُ، سمي بذلك لِحُسْنِه
ونُسِبَ الكثيبُ إليه فقيل نَقا الحَسَنِ، وقيل: الحَسَنةُ جبلٌ أَمْلَسُ
شاهقٌ ليس به صَدْعٌ، والحَسَنُ جمعُه؛ قال أَبو صعْتَرة البَوْلانِيُّ:
فما نُطْفةٌ من حَبِّ مُزْنٍ تَقاذَفَتْ
به حَسَنُ الجُودِيّ، والليلُ دامِسُ.
ويروى: به جَنْبَتا الجُودِيِّ، والجودِيُّ وادٍ، وأَعلاه بأَجَأَ في
شواهِقها، وأَسفلُه أَباطحُ سهلةٌ، ويُسَمِّي الحَسَنةَ أَهلُ الحجاز
المَلقَة.
عير: العَيْر: الحمار، أَيّاً كان أَهليّاً أَو وَحْشِيّاً، وقد غلب على
الوَحْشِيْ، والأُنثى عَيْرة. قال أَبو عبيد: ومن أَمثالهم في الرضا
بالحاضر ونِسْيان الغائب قولهم: إِن ذَهَب العَيْرُ فعَيْرٌ في الرِّباط؛
قال: ولأَهل الشام في هذا مثل: عَيْرٌ بِعَيْرٍ وزيادةُ عشرة. وكان خلفاء
بني أُميّة كلما مات واحد منهم زاد الذي يخلُفه في عطائهم عشرة فكانوا
يقولون هذا عند ذلك. ومن أَمثالهم: فلان أَذَلُّ من العَيُرِ، فبعضهم يجعله
الحمار الأَهلي، وبعضهم يجعله الوتد؛ وقول شمر:
لو كُنْتَ عَيْراً كُنْتَ عَيْرَ مَذَلَّة،
أَو كُنْتَ عَظْماً كُنْتَ كِسْرَ قَبِيح
أَراد بالعَيْر الحمارَ، وبِكْسرِ القبيح طرف عظم المِرْفق الذي لا لحم
عليه؛ قال: ومنه قولهم فلان أَذلُّ من العَيْر. وجمع العَيْر أَعْيارٌ
وعِيارٌ وعُيورٌ وعُيُورة وعِيَارات، ومَعْيوراء اسم للجمع. قال الأَزهري:
المَعْيُورا الحَمِير، مقصور، وقد يقال المَعْيوراء ممدودة، مثل
المَعْلوجاء والمَشْيُوخاء والمَأْتوناء، يمد ذلك كله ويقصر. وفي الحديث: إِذا
أَرادَ اللهُ بَعْبَدٍ شَرّاً أَمْسَك عليه بذُنوبِه حتى يُوافيه يوم
القيامة كأَنه عَيْر؛ العَيْر: الحمار الوحشي، وقيل: أَراد الجبَل الذي
بالمدينة اسمه عَيْر، شبَّه عِظَم ذنوبه به. وفي حديث عليّ: لأَنْ أَمْسْح على
ظَهْر عَيْر بالفلاة أَي حمارِ وحْشٍ؛ فأَما قول الشاعر:
أَفي السِّلْم أَعْياراً جَفاءً وغلْظةً،
وفي الحَرْب أَشباهَ النّساء العَوارك؟
فإِنه لم يجعلهم أَعْياراً على الحقيقة لأَنه إِنما يخاطب قوماً، والقوم
لا يكونون أَعياراً وإِنما شبّههم بها في الجفاء والغلظة، ونصبه على
معنى أَتَلَوّنون وتَنَقّلون مرة كذا ومرة كذا؟ وأَما قول سيبويه: لو
مَثَّلْت الأَعْيار في البدل من اللفظ بالفعل لقلت: أَتَعَيَّرون إِذا أَوضحت
معناه، فليس من كلام العرب، إِنما أَراد أَن يصوغُ فعلاً أَي بناءَ
كَيْفِيَّة البدل من اللفظ بالفعل، وقوله لأَنك إِنما تُجْرِيه مُجْرى ما له
فعل من لفظه، يُدلّك على أَن قوله تَعَيّرون ليس من كلام العرب. والعَيرُ
العظم الناتئ وسط الكف
(* قوله: «وسط الكف» كذا في الأَصل، ولعله الكتف.
وقوله: معيرة ومعيرة على الأَصل، هما بهذا الضبط في الأَصل وانظره مع
قوله على الأَصل فلعل الأَخيرة ومعيرة بفتح الميم وكسر العين). والجمع
أَعْيارٌ. وكَتِفٌ مُعَيَّرة ومُعْيَرة على الأَصل: ذات عَيْر. وعَيْر النصل:
الناتئ في وسطه؛ قال الراعي:
فصادَفَ سَهْمُه أَحْجارَ قُفٍّ،
كَسَرْن العَيْرَ منه والغِرارا
وقيل: عَيْرُ النَّصل وسطه. وقال أَبو حنيفة: قال أَبو عمرو: نصل
مُعْيَر فيه عَيْر. والعَيْر من أُذن الإِنسان والفرسِ ما تحت الفَرْع من باطنه
كعَيْر السهم، وقيل: العَيْرانِ مَتْنا أُذُنَى الفرس. وفي حديث أَبي
هريرة: إِذا تَوضَّأْتَ فأَمِرَّ على عِيَار الأُذُنين الماء؛ العِيارُ جمع
عَيْرٍ، وهو الناتئ المرتفع من الأَذن. وكل عظم ناتئ من البدن:
عَيْرٌ. وعَير القدم: الناتئ في ظهرها. وعَيرُ الوَرقة: الخط الناتئ في وسطها
كأَنه جُدَيِّر. وعَيرُ الصخرة: حرفٌ ناتئ فيها خلقة، وقيل: كل ناتئ
في وسط مستو عَيرٌ. وعَيْرُ الأُذن: الوتد الذي في باطنها. والعَيْر:
ماقيء العين؛ عن ثعلب، وقيل: العَيْر إِنسانُ العين، وقيل لَحْظُها؛ قال
تأَبَّطَ شَرّاً:
ونارٍ قد حَضَأْتُ بُعَيْد وَهْنٍ،
بدارٍ ما أُرِيدُ بها مُقاما
سوى تَحْلِيل راحِلة وعَيْرٍ،
أُكالِئُه مَخافةَ أَن يَناما
وفي المثل: جاءَ قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَى أَي قبل لحظة العين. قال أَبو
طالب: العَيْر المِثال الذي في الحدقة يسمى اللُّعْبة؛ قال: والذي جرى
الطَّرْفُ، وجَرْيُه حركته؛ والمعنى: قبل أَن يَطْرِف الإِنسانُ، وقيل:
عَيْرُ العين جَفْنُها. قال الجوهري: يقال فعلت قبل عِيْرٍ وما جرى. قال
أَبو عبيدة: ولا يقال أَفعل؛ وقول الشماخ:
أَعَدْوَ القِبِصَّى قبل عَيْرٍ وما جَرى،
ولم تَدْرِ ما خُبْرِي، ولم أَدْرِ ما لَها؟
فسره ثعلب فقال: معناه قبل أَن أَنظر إِليك، ولا يُتَكلّم بشيء من ذلك
في النفي. والقِبِصَّى والقِمِصَّى: ضَرْبٌ من العَدْو فيه نَزْوٌ. وقال
اللحياني: العَيْرُ هنا الحمار الوحشي، ومن قال: قبل عائرٍ وما جرى، عنى
السهم. والعَير: الوَتد. والعَيْر: الجَبلُ، وقد غلب على جبل بالمدينة.
والَعيْر: السيّد والمَلِك. وعَيْرُ القوم: سيّدُهم؛ وقوله:
زعَمُوا أَنّ كلَّ مَن ضَرَبَ العَيْـ
ـر مَوالٍ لنا، وأَنَّى الوَلاءُ؟
(* في معلقة الحرث بن حِلْزة: «مُوال لنا ـــــ وأَنّا الوَلاء» ولا
يمكن إِصلاح هذا البيت على ما هو عليه في المعلقة لأَن له شرحاً يناسب
روايته هنا لاحقاً).
قيل: معناه كلُّ مَن ضرب بِجفنٍ على عَيْرٍ، وقيل: يعني الوتد، أَي من
ضرب وتِداً من أَهل العَمَد، وقيل: يعني إِياداً لأَنهم أَصحاب حَمِير،
وقيل: يعني جبلاً، ومنهم من خص فقال: جبلاً بالحجاز، وأَدخل عليه اللام
كأَنه جعله من أَجْبُلٍ كلُّ واحد منها عَيْر، وجعل اللام زائدة على
قوله:ولقد نَهَيْتُك عن بناتِ الأَوْبَرِ
إِنما أَراد بنات أَوبر فقال: كل من ضربه أَي ضرب فيه وتداً أَو نزله،
وقيل: يعني المُنْذِر بن ماء السماء لِسيادتهِ، ويروي الوِلاء، بالكسر،
حكى الأَزهري عن أَبي عمرو بن العلاء، قال: مات مَنْ كان يحسن تفسير بيت
الحرث بن حلزة: زعموا أَن كلَّ مَنْ ضَرَب العَيْر (البيت).
قال أَبو عمر: العَيْر هو الناتئ في بُؤْبُؤِ العين، ومعناه أَن كل من
انْتَبَه من نَوْمِه حتى يدور عَيْرُه جَنى جناية فهو مَوْلًى لنا؛
يقولونه ظلماً وتجَنّياً؛ قال: ومنه قولهم: أَتيتك قبل عَيْرٍ وما جَرى أَي
قبل أَن ينتبه نائم. وقال أَحمد بن يحيى في قوله: وما جرى، أَرادوا
وجَرُيه، أَرادوا المصدر. ويقال: ما أَدري أَيّ مَن ضرب العَيْر هو، أَي أَيّ
الناس هو؛ حكاه يعقوب. والعَيْرانِ: المَتْنانِ يكتنفان جانبي الصُّلْب.
والعَيْرُ: الطَّبْل.
وعارَ الفرسُ والكلبُ يَعِير عِياراً: ذهب كأَنه مُنْفَلت من صاحبه
يتردد ومن أَمثالهم: كَلْبٌ عائرٌ خيرٌ مِن كَلْبٍ رابِضٍ؛ فالعائرُ المتردد،
وبه سمي العَيْرُ لأَنه يَعِير فيتردّد في الفلاة. وعارَ الفرسُ إِذا
ذهب على وجهه وتباعد عن صاحبه. وعارَ الرجلُ في القوم يضربُهم: مثل عاث.
الأَزهري: فرسٌ عَيّارٌ إِذا عاثَ، وهو الذي يكون نافراً ذاهباً في الأَرض.
وفرس عَيّار بأَوصالٍ أَي بَعِير ههنا وههنا من نشاطه. وفرس عَيّار إِذا
نَشِط فرَكِبَ جانباً ثم عدل إِلى جانب آخر من نشاطه؛ وأَنشد أَبو عبيد:
ولقد رأَيتُ فوارِساً مِن قَوْمِنا،
غَنَظطُوك غَنْظَ جَرادةِ العَيّارِ
قال ابن الأَعرابي في مثل العرب: غَنَظُوه غَنْظَ جرادة العيّار؛ قال:
العَيّار رجل، وجرادة فرس؛ قال: وغيره يخالفه ويزعم أَن جرادة العيّار
جَرادةٌ وُضِعَت بين ضِرْسيه فأَفْلَتت، وقيل: أَراد بجرادة العَيَّار جرادة
وضعها في فيه فأَفْلَتت من فيه، قال: وغَنَظَه وركَظَعه يَكِظُه
وَكْظاً، وهي المُواكَظَة والمُواظبة، كل ذلك إِذا لازمه وغمَّه بشدة تَقاضٍ
وخُصومة؛ وقال:
لو يُوزَنون عِياراً أَو مُكايَلةً،
مالُوا بسَلْمَى، ولم يَعْدِلهْمُ أَحَدُ
وقصيدة عاثرة: سائرة، والفعل كالفعل،د والاسم العِيَارة. وفي الحديث:
أَنه كان يمُرّ بالتمرة العاثِرةِ فما يَمْنعُه من أَخذها إِلاَّ مَخافةُ
أَن تكون من الصدقة؛ العائرة: الساقطة لا يُعْرَف لها مالك، من عارَ
الفرسُ إِذا انطلق من مرْبطه مارّاً على وجهه؛ ومنه الحديث: مَثقَلُ المُنافِق
مَثَلُ الشاةِ العائرة بين غَنَمْينِ أَي المتردّدة بين قَطِيعين لا
تَدْري أَيّهما تَتْبَع. وفي حديث ابن عمر في الكلب الذي دخل حائِطَه: إِنما
هو عائرٌ؛ وحديثه الآخر: أَنَّ فرساً له عارَ أَي أَفْلَت وذهب على
وجهه. ورجل عَيّار: كثير المجيء والذهاب في الأَرض، وربما سمي الأَسد بذلك
لتردده ومجيئه وذهابه في طلب الصيد: قال أَوس بن حجر:
لَيْثٌ عليه من البَرْدِيّ هِبْرِية،
كالمَزبَرانيّ، عَيَّارٌ بأَوْصالِ
(* قوله: «كالمزبراني إلخ» قال الجوهري في مادة رزب ما نصه: ورواه
المفضل كالمزبراني عيار بأوصال، ذهب إِلى زبرة الأسد فقال له الأَصمعي: يا
عجباه الشيء يشبه بنفسه وإِنما هو المرزباني ا هـ. وفي القاموس والمرزبة
كمرحلة رياسة الفرس وهو مرزبانهم بضم الزاي).
أَي يذهب بها ويجيء؛ قال ابن بري: من رواه عيّار، بالراء، فمعناه أَنه
يذهب بأَوْصال الرِّجال إِلى أَجَمَته، ومنه قولهم ما أَدري أَي الجراد
عارَِه، ويروى عَيَّال، وسنذكره في موضعه؛ وأَنشد الجوهري:
لَمّا رأَيتُ أَبَا عمرو رَزَمْتُ له
مِنِّي، كما رَزَمَ العَيَّارُ في الغُرُفِ
جمع غَرِيف وهو الغابة. قال: وحكى الفراء رجل عَيَّار إِذا كان كثير
التَّطْواف والحركة ذكِيّاً؛ وفرس عَيَّار وعيّال؛ والعَيْرانة من الإِبل:
الناجية في نشاطه، من ذلك، وقيل: شبّهت بالعَيْرِ في سرعتها ونشاطها، وليس
ذلك بقوي؛ وفي قصيد كعب:
عَيْرانة قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرُضٍ
هي الناقة الصلبة تَشْبيهاً بِعَيْر الوحش، والأَلف والنون زائدتان. ابن
الأَعرابي: العَيِّرُ الفرس النشيط. قال: والعرب تمدح بالعَيَّار
وتَذُمّ به، يقال: غلام عَيّار نَشِيط في المعاصي، وغلام عَيّار نشيط في طاعة
الله تعالى. قال الأَزهري: والعَيْر جمع عائِر وهو النشيط، وهو مدح
وذدمٌّ.عاورَ البَعِيرُ عَيَراناً إِذا كان في شَوْل فتركها وانطلق نحوَ
أُخْرَى يريد القَرْع،. والعائِرةُ التي تخرج من الإِبل إِلى أُخْرَى ليضربها
الفحل. وعارَ الأَرض يَعِير أَي ذهب، وعارَ الرجلُ في القوم يضربهم بالسيف
عَيَراناً: ذهب وجاء؛ ولم يقيده الأَزهري بضرب ولا بسيف بل قال: عارَ
الرجلُ يَعِير عَيَراناً، وهو تردّدهُ في ذهابه ومجيئه؛ ومنه قيل: كلْبٌ
عائِرٌ وعَيّار، وهو من ذوات الياء، وأَعطاه من المال عائرةَ عينين أَي ما
يذهب فيه البصر مرة هنا ومرة هنا، وقد تقدم في عور أَيضاً.
وعيرانُ الجراد وعَوائِرهُ: أَوائلُِ الذاهبة المفْترقة في قلة. ويقال:
ما أَدري أَيّ الجراد عارَه أَي ذهب به وأَتْلَفه، لا آتَي له في قول
الأَكثر،
(* هكذا في الأصل). وقيل:
يَعِيره ويَعُوره؛ وقول مالك بن زغبة:
إِذا انتسأوا فَوْتَ الرِّماح، أَتَتْهُمُ
عوائرُ نَبْلٍ، كالجرادِ نُطِيرُها
عنى به الذاهبة المتفرقة؛ وأَصله في الجراد فاستعاره قال المؤرج: ومن
أَمثالهم؛ عَيْرٌ عارَه وَتِدُه؛ عارَه أَي أَهلكه كما يقال لا أَدري أَيّ
الجراد عارَه. وعِرْث ثوبه: ذهبت به. وعَيَّر الدينارَ: وازَنَ به آخر.
وعَيَّر الميزان والمكيال وعاوَرَهما وعايَرَهُما وعايَرَ بينهما
مُعايَرَة وعِياراً: قدَّرَهما ونظر ما بينهما؛ ذكر ذلك أَبو الجراح في باب ما
خالفت العامة فيه لغة العرب. ويقال: فلان يُعايرُ فلاناً ويُكايلُه أَي
يُسامِيه ويُفاخِره. وقال أَبو زيد: يقال هما يتعايبانِ ويَتَعايَران،
فالتعايُرُ التسابّ، والتَعايُب دون التَّعايُرِ إِذا عاب بعضهم بعضاً.
والمِعْيار من المكاييل: ما عُيِّر. قال الليث: العِيَار ما عايَرْت به
المكاييل، فالعِيَار صحيح تامٌّ وافٍ، تقول: عايَرْت به أَي سَوَّيْتُه،
وهو العِيَار والمِعْيار. يقال: عايِرُوا ما بين مكاييلكم ومَوازِينكم،
وهو فاعِلُوا من العِيَار، ولا تقل: عَيِّروا.
وعَيَّرْتُ الدنانير: وهو أَن تُلْقِي ديناراً ديناراً فتُوازِنَ به
ديناراً ديناراً، وكذلك عَيَّرْت تْعْييراً إِذا وَزَنْت واحداً واحداً،
يقال هذا في الكيل والوزن. قال الأَزهري: فرق الليث بين عايَرْت وعَيَّرْت،
فجعل عايَرْت في المكيال وعَيَّرْت في الميزان؛ قال: والصواب ما ذكرناه
في عايَرْت وعَيَّرت فلا يكون عَيَّرْت إِلاَّ من العار والتَّعْيِير؛
وأَنشد الباهلي قول الراجز:
وإِن أَعارَت حافراً مُعارا
وَأْباً، حَمَتْ نُسوُرَهُ الأَوْقارا
وقال: ومعنى أَعارَت رفعت وحوّلت، قال: ومنه إِعارةُ الثياب والأَدوات.
واستعار فلانٌ سَهْماً من كِنانته: رفعه وحوَّله منها إِلى يده؛ وأَنشد
قوله:
هتَّافة تَحْفِض مَن يُدِيرُها،
وفي اليَدِ اليُمْنَى لِمُسْتَعِيرها،
شَهْباءُ تَروي الرِّيشَ مِن بَصِيرها
شهباء: مُعْبَلة، والهاء في مُسْتَعِيرها لها. والبَصِيرة: طريقة الدّم.
والعِيرُ، مؤنثة: القافلة، وقيل: العِيرُ الإِبل التي تحمل المِيرَة، لا
واحد لها من لفظها. وفي التنزيل: ولَمَّا فَصَلت العِيرُ؛ وروى سلمة عن
الفراء أَنه أَنشده قول ابن حلِّزة:
زعموا أَنَّ كلّ مَن ضَرَبَ العِير
بكسر العين. قال: والعِيرُ الإِبل، أَي كلُّ من رَكِب الإِبل مَوالِ لنا
أَي العربُ كلهم موالٍ لنا من أَسفل لأَنا أَسَرْنا فيهم قلَنا نِعَمٌ
عليهم؛ قال ابن سيده: وهذا قول ثعلب، والجمع عِيَرات، قال سيبويه: جمعوه
بالأَلف والتاء لمكان التأْنيث وحركوا الياء لمكان الجمع بالتاء وكونه
اسماً فأَجمعوا على لغة هذيل لأَنهم يقولون جَوَزات وبَيّضات. قال: وقد قال
بعضهم عِيرات، بالإِسكان، ولم يُكَسَّر على البناء الذي يُكَسَّر عليه
مثله، جعلوا التاء عوضاً من ذلك، كما فعلوا ذلك في أَشياء كثيرة لأَنهم مما
يستغنون بالأَلف والتاء عن التكسير، وبعكس ذلك، وقال أَبو الهيثم في
قوله: ولما فَصَلَت العِيرُ كانت حُمُراً، قال: وقول من قال العِيرُ الإِبلُ
خاصّة باطلٌ. العِيرُ: كلُّ ما امْتِيرَ عليه من الإِبل والحَمِير
والبغال، فهو عِيرٌ؛ قال: وأَنشدني نُصَير لأَبي عمرو السعدي في صفة حَمِير
سماها عِبراً:
أَهكذا لا ثَلَّةٌ ولا لَبَنْ؟
ولا يُزَكِّين إِذا الدَّيْنُ اطْمَأَنّْ،
مُفَلْطَحات الرَّوْثِ يأْكُلْن الدِّمَنْ،
لا بدّ أَن يَخْترْن مِنِّي بين أَنْ
يُسَقْنَ عِيراً، أَو يُبَعْنَ بالثَّمَنْ
قال: وقال نصيرٌ الإِبل لا تكون عِيراً حتى يُمْتارَ عليها. وحكى
الأَزهري عن ابن الأَعرابي قال: العيرُ من الإِبل ما كان عليه حملُه أَو لم
يكن. وفي حديث عثمان: أَنه كان يشتري العِيرَ حُكْرة، ثم يقول: من
يُرْبِحُني عُقْلَها؟ العِيرُ: الإِبل بأَحْمالها. فِعْلٌ من عارَ يَعير إِذا سار،
وقيل: هي قافلة الحَمِير، وكثرت حتى سميت بها كل قافلة، فكل قافلة عِيرٌ
كأَنها جمع عَيْر، وكان قياسها أَن يكون فُعْلاً، بالضم، كسُقْف في
سَقْف إِلاَّ أَنه حوفظ على الياء بالكسرة نحو عِين. وفي الحديث: أَنهم كانوا
يترصّدون عِيَرات قُرَيْش؛ هو جمع عِير، يريد إِبلهم ودوابهم التي كانوا
يتاجرون عليها. وفي حديث ابن عباس: أَجاز لها العْيَرات؛ هي جمع عِيرٍ
أَيضاً؛ قال سيبويه: اجتمعوا فيها على لغة هذيل، يعني تحريك الياء،
والقياس التسكين؛ وقول أَبي النجم:
وأَتَت النَّمْلُ القُرَى بِعِيرها،
من حَسَكِ التَّلْع ومن خافورها
إِنما استعاره للنمل، وأَصله فيما تقدم.
وفلان عُيَيْرُ وَحْدِه إِذا انفرد بأَمره، وهو في الذمِّ، كقولك:
نَسِيج وحده، في المدح. وقال ثعلب: عُيَيْرُ وَحْدِه أَي يأْكل وحده. قال
الأَزهري: فلانٌ عُيَيْرُ وحده وجُحَيْش وَحْدِه. وهما اللذان لا يُشاوِران
الناس ولا يخالطانهم وفيهما مع ذلك مهانة وضعف. وقال الجوهري: فلان
عُيَيْرُ وَحْدِه وهو المعجب برأْيه، وإِن شئت كسرت أَوله مثل شُيَيْخٍ
وشِيَيْخٍ، ولا تقل: عُوَير ولا شُوَيخ.
والعارُ: السُّبّة والعيب، وقيل: هو كل شيء يلزم به سُبّة أَو عيب،
والجمع أَعْيارٌ. ويقال: فلان ظاهرُ الأَعْيارِ أَي ظاهر العيوب؛ قال
الراعي:ونَبَتَّ شَرَّ بَني تميم مَنْصِباً،
دَنِسَ المُروءَةِ ظاهرَ الأَعْيارِ
كأَنه مما يُعَيَّر به، والفعل منه التَّعْيير، ومن هذا قيل: هم
يَتَعَيَّرون من جيرانِهم الماعونَ والأَمتعة؛ قال الأَزهري: وكلام العرب
يَتَعَوَّرون، بالواو، وقد عيّره الأَمرَ؛ قال النابغة:
وعَيَّرَتْني بنو ذُبْيانَ خَشيَتَه،
وهل عليّ بأَنْ أَخْشاكَ مِن عار؟
وتعايرَ القومُ: عَيَّر بعضُهم بعضاً، والعامة تقول: عيّره بكذا.
والمَعايرُ: المعايب؛ يقال: عارَه إِذا عابَه؛ قالت ليلى الأَخيلية:
لعَمْرُك ما بالموت عارٌ على امرئٍ،
إِذا لم تُصِبْه في الحياة المَعايرُ
وتعايرَ القومُ: تعايَبُوا. والعارِيَّة: المَنيحة، ذهب بعضهم إِلى
أَنها مِن العارِ، وهو قُوَيل ضعيف، وإِنما غرّهم منه قولهم يَتَعَيَّرون
العَواريِّ، وليس على وضعه إِنما هي مُعاقبة من الواو إِلى الياء. وقال
الليث: سميت العاريّة عاريَّةً لأَنها عارٌ على من طلبها. وفي الحديث: أَن
امرأَة مخزومية كانت تَسْتَعِير المتاعَ وتَجْحَده فأَمر بها فقُطعَت
يدُها؛ الاستعارةُ من العاريّة، وهي معروفة. قال ابن الأَثير: وذهب عامة أَهل
العلم إِلى أَن المُسْتَعِير إِذا جحد العاريَّة لا يُقْطَع لأَنه جاحد
خائن، وليس بسارق، والخائن والجاحد لا قطع عليه نصّاً وإِجماعاً. وذهب
إِسحق إِلى القول بظاهر هذا الحديث، وقال أَحمد: لا أَعلم شيئاً يدفعه؛ قال
الخطابي: وهو حديث مختصرُ اللفظ والسياقِ وإِنما قُطِعَت المخزومية
لأَنها سَرَقت، وذلك بََيِّنٌ في رواية عائشة لهذا الحديث؛ ورواه مسعود بن
الأَسود فذكر أَنها سرقت قَطِيفة من بيت رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
وإِنما ذكرت الاستعارة والجحد في هذه القصة تعريفاً لها بخاصّ صفتها إِذ
كانت الاستعارة والجحد معروفة بها ومن عادتها، كما عُرِّفت بأَنها
مخزوميَّة، إِلاَّ أَنها لما استمر بها هذا الصنيع ترقَّت إِلى السرقة، واجترأَت
عليها، فأَمر بها فقطعت. والمُسْتَعِير: السَّمِين من الخيل. والمُعارُ:
المُسَمَّن. يقال: أَعَرْت الفرس أَسْمنْتُه؛ قال:
أَعِيرُوا خَيْلَكم ثم ارْكُضوها،
أَحَقُّ الخيل بالرَّكْضِ المُعارُ
ومنهم من قال: المُعار المنتوف الذنب، وقال قوم: المُعار المُضَمَّر
المُقَدَّح، وقيل: المُضَمَّر المُعار لأَن طريقة متنه نتأَت فصار لها عيرٌ
ناتئ، وقال ابن الأَعرابي وحده: هو من العاريَّة، وذكره ابن بري أَيضاً
وقال: لأَن المُعارَ يُهان بالابتذال ولا يُشْفَق عليه شفقة صاحبه؛ وقيل
في قوله :
أَعيروا خيلكم ثم اركبوها
إِن معنى أَعيروها أَي ضَمِّروها بترديدها، من عارَ يَعير، إِذا ذهب
وجاء. وقد روي المِعار، بكسر الميم، والناس رَوَوْه المُعار؛ قال: والمِعارُ
الذي يَحِيد عن الطريق براكبه كما يقال حادَ عن الطريق؛ قال الأَزهري:
مِفْعَل من عارَ يَعِير كأَنه في الأَصل مِعْيَر، فقيل مِعار. قال
الجوهري: وعارَ الفَرَسُ أَي انفَلَت وذهب ههنا وههنا من المَرَح، وأَعارَه
صاحبُه، فهو مُعَار؛ ومنه قول الطِّرمَّاح:
وجَدْنا في كتاب بني تميمٍ:
أَحَقُّ الخيل بالرَّكْضِ المُعارُ
قال: والناسُ يَرَوْنه المُعار من العارِيَّة، وهو خَطَأ؛ قال ابن بري:
وهذا البيت يُروى لِبشْر بن أَبي خازِم.
وعَيْرُ السَّراة: طائر كهيئة الحمامة قصير الرجلين مُسَرْوَلُهما أَصفر
الرِّجلين والمِنقار أَكحل العينين صافي اللَّوْن إِلى الخُضْرة أَصفر
البطن وما تحت جناحيه وباطن ذنبه كأَنه بُرْدٌ وشِّيَ، ويُجمَع عُيُورَ
السَّراةِ، والسَّراةُ موضع بناحية الطائف، ويزعمون أَن هذا الطائر يأْكل
ثلثمائة تِينةٍ من حين تطلعُ من الوَرقِ صِغاراً وكذلك العِنَب.
والعَيْرُ: اسم رجُل كان له وادٍ مُخْصِب، وقيل:
هو اسم موضع خَصيب غيَّره الدهرُ فأَقفر، فكانت العرب تستوحشه وتضرب به
المَثَل في البلَد الوَحْش، وقيل: هو اسم وادٍ؛ قال امرؤ القيس:
ووادٍ، كجَوْف العَيْرِ، قَفْرٍ مَضِلَّةٍ،
قطعتُ بِسَامٍ ساهِمِ الوَجْهِ حَسَّانِ
قال الأَزهري: قوله كجَوْف العَيرِ، أَي كوادي العَيرِ وكلُّ وادٍ عند
العرب: جوفٌ. ويقال للموضع الذي لا خيرَ فيه: هو كجوف عَيرٍ لأَنه لا شيء
في جَوْفه يُنتفع به؛ ويقال: أَصله قولهم أَخلى من جَوْف حِمار. وفي حديث
أَبي سفيان: قال رجل: أُغْتال محمداً ثم آخُذُ في عَيْرٍ عَدْوي أَي
أَمْضي فيه وأَجعلُه طريقي وأَهْرب؛ حكى ذلك ابن الأَثير عن أَبي موسى.
وعَيْرٌ: اسم جَبلَ؛ قال الراعي:
بِأَعْلام موَرْكُوزٍ فَعَيْرٍ فَعُزَّبٍ،
مَغَانِيَ أُمِّ الوَبْرِ إِذْ هِيَ ما هِيَا
وفي الحديث: أَنه حَرَّم ما بين عَيْرٍ إِلى ثَوْرٍ؛ هما جبلان، وقال
ابن الأَثير: جبلان بالمدينة، وقيل: ثَوْرٌ بمكة؛ قال: ولعلّ الحديث ما بين
عَيْرٍ إِلى أُحُد، وقيل: بمكة أَيضاً جبل يقال له عَيْرٌ.
وابْنَةُ مِعْيَرٍ الداهية. وبنَاتُ مِعْيَرٍ: الدواهي؛ يقال: لقيت منه
ابْنَةَ مِعْيَرٍ؛ يُريدون الداهية والشدّة.
وتِعَارٌ، بكسر التاء: اسم جبَل؛ قال بِشْر يصف ظُعْناً ارتحلن من
منازلهن فشبّههنَّ في هَوَادِجِهِن بالظِّباء في أَكْنِسَتِها:
وليل ما أَتَيْنَ عَلى أَرُومٍ
وَشابَة، عن شمائِلها تِعارُ
كأَنَّ ظِباءَ أَسْنِمَة عليها
كَوانِس، قالِصاً عنها المَغَارُ
المَغارُ: أَماكن الظِّباء، وهي كُنُسها. وشابَة وتِعار: جبَلان في
بِلاد قيس. وأَرُوم وشابة: موضعان.
عزز: العَزِيزُ: من صفات الله عز وجل وأَسمائه الحسنى؛ قال الزجاج: هو
الممتنع فلا يــغلبــه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي
ليس كمثله شيء. ومن أَسمائه عز وجل المُعِزُّ، وهو الذي يَهَبُ العِزَّ
لمن يشاء من عباده. والعِزُّ: خلاف الذُّلِّ. وفي الحديث: قال لعائشة: هل
تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تَعَزُّزاً
أَن لا يدخلها إِلا من أَرادوا أَي تَكَبُّراً وتشدُّداً على الناس، وجاء
في بعض نسخ مسلم: تَعَزُّراً، براء بعد زايٍ، من التَّعْزير والتوقير،
فإِما أَن يريد توقير البيت وتعظيمه أَو تعظيمَ أَنفسهم وتَكَبُّرَهم على
الناس. والعِزُّ في الأَصل: القوة والشدة والــغلبــة. والعِزُّ والعِزَّة:
الرفعة والامتناع، والعِزَّة لله؛ وفي التنزيل العزيز: ولله العِزَّةُ
ولرسوله وللمؤمنين؛ أَي له العِزَّة والــغلبــة سبحانه. وفي التنزيل العزيز: من
كان يريد العِزَّةَ فللَّه العِزَّةُ جميعاً؛ أَي من كان يريد بعبادته
غير الله فإِنما له العِزَّة في الدنيا ولله العِزَّة جميعاً أَي يجمعها
في الدنيا والآخرة بأَن يَنْصُر في الدنيا ويــغلب؛ وعَزَّ يَعِزّ، بالكسر،
عِزًّا وعِزَّةً وعَزازَة، ورجل عَزيزٌ من قوم أَعِزَّة وأَعِزَّاء
وعِزازٍ. وقوله تعالى: فسوف يأْتي اللهُ بقوم يحبهم ويحبونه أَذِلَّةٍ على
المؤمنين أَعِزَّةٍ على الكافرين؛ أَي جانبُهم غليظٌ على الكافرين لَيِّنٌ
على المؤمنين؛ قال الشاعر:
بِيض الوُجُوهِ كَرِيمَة أَحْسابُهُمْ،
في كلِّ نائِبَةٍ عِزاز الآنُفِ
وروي:
بِيض الوُجُوه أَلِبَّة ومَعاقِل
ولا يقال: عُزَزَاء كراهية التضعيف وامتناع هذا مطرد في هذا النحو
المضاعف. قال الأَزهري: يَتَذَلَّلُون للمؤمنين وإِن كانوا أَعِزَّةً
ويَتَعَزَّزُون على الكافرين وإِن كانوا في شَرَف الأَحْساب دونهم. وأَعَزَّ
الرجلَ: جعله عَزِيزاً. ومَلِكٌ أَعَزُّ: عَزِيزٌ؛ قال الفرزدق:
إِن الذي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لنا
بَيْتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ
أَي عَزِيزَةٌ طويلة، وهو مثل قوله تعالى: وهو أَهْوَنُ عليه، وإِنما
وَجَّهَ ابنُ سيده هذا على غير المُفاضلة لأَن اللام ومِنْ متعاقبتان، وليس
قولهم الله أَكْبَرُ بحجَّة لأَنه مسموع، وقد كثر استعماله، على أَن هذا
قد وُجِّهَ على كبير أَيضاً. وفي التنزيل العزيز: ليُخْرِجَنَّ
الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ، وقد قرئ: ليخْرُجَنَّ الأَعَزُّ منها الأَذَلَّ أَي
ليَخْرُجَنَّ العزيزُ منها ذليلاً، فأَدخل اللام والأَلف على الحال، وهذا
ليس بقويّ لأَن الحال وما وضع موضعها من المصادر لا يكون معرفة؛ وقول
أَبي كبير:
حتى انتهيْتُ إِلى فِراشِ عَزِيزَة
شَعْواءَ، رَوْثَةُ أَنْفِها كالمِخْصَفِ
(* قوله« شعواءَ» في القاموس في هذه المادة بدله سوداء.)
عنى عقاباً، وجعلها عَزِيزَةً لامتناعها وسُكْناها أَعالي الجبال. ورجل
عزِيزٌ: مَنِيع لا يُــغْلب ولا يُقْهر. وقوله عز وجل: ذُقْ إِنك أَنت
العَزِيزُ الكريم؛ معناه ذُقْ بما كنت تعَدُّ في أَهل العِزّ والكرم كما قال
تعالى في نقيضه: كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون؛ ومن الأَوّل قول
الأَعشى:
على أَنها، إِذْ رَأَتْني أُقا
دُ، قالتْ بما قَدْ أَراهُ بَصِيرا
وقال الزجاج: نزلت في أَبي جهل، وكان يقول: أَنا أَعَزُّ أَهلِ الوادي
وأَمنعُهم، فقال الله تعالى: ذُقْ إِنك أَنت العَزِيزُ الكريم، معناه ذُقْ
هذا العذاب إِنك أَنت القائل أَنا العَزِيزُ الكريم. أَبو زيد: عَزَّ
الرجلُ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً إِذا قوي بعد ذِلَّة وصار عزيزاً.
وأَعَزَّه اللهُ وعَزَزْتُ عليه: كَرُمْت عليه. وقوله تعالى: وإِنه لكتاب عَزِيزٌ
لا يأْتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خَلْفه؛ أَي أَن الكتب التي
تقدّمته لا تبطله ولا يأْتي بعده كتاب يبطله، وقيل: هو محفوظ من أَن يُنْقَصَ
ما فيه فيأْتيه الباطل من بين يديه، أَو يُزاد فيه فيأْتيه الباطل من
خلفه، وكِلا الوجهين حَسَنٌ، أَي حُفِظَ وعَزَّ مِنْ أَن يلحقه شيء من هذا.
ومَلِكٌ أَعَزّ وعَزِيزٌ بمعنى واحد. وعِزٌّ عَزِيزٌ: إِما أَن يكون على
المبالغة، وإِما أَن يكون بمعنى مُعِزّ؛ قال طرفة:
ولو حَضَرتْهُ تَــغْلِبُ ابْنَةُ وائلٍ،
لَكانُوا له عِزّاً عَزيزاً وناصِرا
وتَعَزَّزَ الرجلُ: صار عَزِيزاً. وهو يَعْتَزُّ بفلان واعْتَزَّ به.
وتَعَزَّزَ: تشرَّف. وعَزَّ عَليَّ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً وعَزازَةً:
كَرُمَ، وأَعْزَزتُه: أَكرمته وأَحببته، وقد ضَعَّفَ شمرٌ هذه الكلمة على
أَبي زيد
(* قوله « على أبي زيد» عبارة شرح القاموس: عن أبي زيد.) وعَزَّ
عَلَيَّ أَنْ تفعل كذا وعَزَّ عَلَيَّ ذلك أَي حَقَّ واشتدَّ. وأُعْزِزْتُ
بما أَصابك: عَظُم عليَّ. وأَعْزِزْ عليَّ بذلك أَي أَعْظِمْ ومعناه
عَظُمَ عليَّ. وفي حديث عليّ، رضي الله عنه، لما رأَى طَلْحَةَ قتيلاً قال:
أَعْزِزْ عليَّ أَبا محمد أَن أَراك مُجَدَّلاً تحت نجوم السماء؛ يقال:
عَزَّ عليَّ يَعِزُّ أَن أَراك بحال سيئة أَي يشتدُّ ويشق عليَّ. وكلمةٌ
شنعاء لأَهل الشِّحْر يقولون: بِعِزِّي لقد كان كذا وكذا وبِعِزِّكَ،
كقولك لَعَمْري ولَعَمْرُكَ. والعِزَّةُ: الشدَّة والقوَّة. يقل: عَزَّ
يَعَزُّ، بالفتح، إِذا اشتدَّ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: اخْشَوْشِنُوا
وتَمَعْزَزُوا أَي تشدَّدوا في الدين وتصلَّبوا، من العِزِّ القوَّةِ
والشدةِ، والميم زائدة، كَتَمَسْكَن من السكون، وقيل: هو من المَعَزِ وهو
الشدة، وسيجيءُ في موضعه. وعَزَزْتُ القومَ وأَعْزَزْتُهم وعَزَّزْتُهم:
قَوَّيْتُهم وشَدَّدْتُهم. وفي التنزيل العزيز: فَعَزَّزْنا بثالث؛ أَي
قَوَّينا وشَدَّدنا، وقد قرئت: فَعَزَزْنا بثالث، بالتخفيف، كقولك شَدَدْنا،
ويقال في هذا المعنى أَيضاً: رجل عَزِيزٌ على لفظ ما تقدم، والجمع كالجمع.
وفي التنزيل العزيز: أذِلَّةٍ على المؤْمنين أَعِزَّةٍ على الكافرين أَي
أَشِداء عليهم، قال: وليس هو من عِزَّةِ النَّفْس. وقال ثعلب: في الكلام
الفصيح: إِذا عَزَّ أَخوكَ فَهُنْ، والعرب تقوله، وهو مَثَلٌ معناه إِذا
تَعَظَّم أَخوكَ شامِخاً عليك فالْتَزِمْ له الهَوانَ. قال الأَزهري:
المعنى إِذا غلبــك وقهرك ولم تقاوِمْه فتواضع له، فإِنَّ اضْطِرابَكَ عليه
يزيدك ذُلاً وخَبالاً. قال أَبو إِسحق: الذي قاله ثعلب خطأٌ وإِنما الكلام
إِذا عزَّ أَخوك فَهِنْ، بكسر الهاء، معناه إِذا اشتد عليك فَهِنْ له
ودارِه، وهذا من مكارم الأَخلاق كما روي عن معاوية، رضي الله عنه، أَنه قال:
لو أَنَّ بيني وبين الناس شعرةً يمدُّونها وأَمُدُّها ما انقطعت، قيل:
وكيف ذلك؟ قال: كنت إِذا أَرْخَوْها مَدَدْتُ وإِذا مدُّوها أَرْخَيْت،
فالصحيح في هذا المثل فَهِنْ، بالكسر، من قولهم هان يَهِينُ إِذا صار
هَيِّناً لَيِّناً كقوله:
هَيْنُونَ لَيْنُونَ أَيْسارٌ ذَوُو كَرَمٍ،
سُوَّاسُ مَكْرُمَةٍ أَبناءُ أَطْهارِ
ويروى: أَيسار. وإِذا قال هُنْ، بضم الهاء، كما قاله ثعلب فهو من
الهَوانِ، والعرب لا تأْمر بذلك لأَنهم أَعزَّة أَبَّاؤُونَ للضَّيْم؛ قال ابن
سيده: وعندي أَن الذي قاله ثعلب صحيح لقول ابن أَحمر:
وقارعةٍ من الأَيامِ لولا
سَبِيلُهُمُ، لزَاحَتْ عنك حِينا
دَبَبْتُ لها الضَّرَاءَ وقلتُ: أَبْقَى
إِذا عَزَّ ابنُ عَمِّكَ أَن تَهُونا
قال سيبويه: وقالوا عَزَّ ما أَنَّك ذاهبٌ، كقولك: حقّاً أَنك ذاهب.
وعَزَّ الشيءُ يَعِزُّ عِزّاً وعِزَّةً وعَزازَةً وهو عَزِيز: قَلَّ حتى كاد
لا يوجد،وهذا جامع لكل شيء.
والعَزَزُ والعَزازُ: المكان الصُّلْب السريع السيل. وقال ابن شميل:
العَزازُ ما غَلُظَ من الأَرض وأَسْرَعَ سَيْلُ مطره يكون من القِيعانِ
والصَّحاصِحِ وأَسْنادِ الجبال والإِكامِ وظُهور القِفاف؛ قال العجاج:
من الصَّفا العاسِي ويَدْعَسْنَ الغَدَرْ
عَزَازَهُ، ويَهْتَمِرْنَ ما انْهَمَرْ
وقال أَبو عمرو: في مسايل الوادي أَبعدُها سَيْلاً الرَّحَبَة ثم
الشُّعْبَةُ ثم التَّلْعَةُ ثم المِذْنَبُ ثم العَزَازَةُ. وفي كتابه، صلى الله
عليه وسلم، لوَفْدِ هَمْدانَ: على أَن لهم عَزَازَها؛ العَزَازَ: ما
صَلُبَ من الأَرض واشتدّ وخَشُنَ، وإِنما يكون في أَطرافها؛ ومنه حديث
الزهري: قال كنتُ أَخْتَلِفُ إِلى عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة فكنت
أَخدُمُه، وذكَر جُهْدَه في الخِدمة فَقَدَّرْتُ أَني اسْتَنْظَفْتُ ما عنده
واستغنيت عنه، فخرج يوماً فلم أَقُمْ له ولم أُظْهِرْ من تَكْرِمَته ما
كنتُ أُظهره من قبلُ فنظر إِليَّ وقال: إِنك بعدُ في العَزَازِ فَقُمْ أَي
أَنت في الأَطراف من العلم لم تتوسطه بعدُ. وفي الحديث: أَنه، صلى الله
عليه وسلم، نهى عن البول في العَزازِ لئلا يَتَرَشَّشَ عليه. وفي حديث
الحجاج في صفة الغيث: وأَسالت العَزازَ؛ وأَرض عَزازٌ وعَزَّاءُ وعَزَازَةٌ
ومَعْزوزةٌ: كذلك؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
عَزَازَة كلِّ سائِلِ نَفْعِ سَوْءٍ،
لكلِّ عَزَازَةٍ سالتْ قَرارُ
وأَنشد ثعلب:
قَرارة كل سائلِ نَفْعِ سَوْءٍ،
لكلِّ قَرارَةٍ سالتْ قَرارُ
قال: وهو أَجود. وأَعْزَزْنا: وقعنا في أَرضٍ عَزَازٍ وسرنا فيها، كما
يقال: أَسْهَلْنا وقعنا في أَرض سهلةٍ.
وعَزَّزَ المطرُ الأَرضَ: لَبَّدَها. ويقال للوابلِ إِذا ضرب الأَرض
السهلة فَشَدَّدَها حتى لا تَسُوخَ فيها الرِّجْلُ: قد عَزَّزَها وعَزَّزَ
منها؛ وقال:
عَزَّزَ منه، وهو مُعْطِي الإِسْهالْ،
ضَرْبُ السَّوارِي مَتْنَه بالتَّهْتالْ
وتَعَزَّز لحمُ الناقة: اشتدَّ وصَلُبَ. وتَعَزَّزَ الشيءُ: اشتدّ؛ قال
المُتَلَمِّسُ:
أُجُدٌ إِذا ضَمَرَتْ تَعَزَّزَ لَحْمُها،
وإِذا تُشَدُّ بِنِسْعِها لا تنْبِسُ
لا تَنْبِسُ أَي لا تَرْغُو. وفرسٌ مُعْتَزَّة: غليظة اللحم شديدته.
وقولهم تَعَزَّيْتُ عنه أَي تصبرت أَصلها تَعَزَّزْت أَي تشدّدت مثل
تَظَنَّيْت من تَظَنَّنْتُ، ولها نظائر تذكر في مواضعها، والاسم منه
العَزاءُ. وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يَتَعَزَّ بِعَزاءِ اللهِ
فليس منَّا؛ فسره ثعلب فقال: معناه من لم يَرُدَّ أَمْرَه إِلى الله فليس
منا. والعَزَّاءُ: السَّنَةُ الشديدة؛ قال:
ويَعْبِطُ الكُومَ في العَزَّاءِ إِنْ طُرِقا
وقيل: هي الشدة. وشاة عَزُوزٌ: ضيِّقة الأَحاليل، وكذلك الناقة، والجمع
عُزُزٌ، وقد عَزَّتْ تَعُزُّ عُزُوزاً وعِزازاً وعَزُزَتْ عُزُزاً،
بضمتين؛ عن ابن الأَعرابي، وتَعَزَّزَتْ، والاسم العَزَزُ والعَزَازُ.
وفلان عَنْزٌ عَزُوزٌ: لها دَرُّ جَمٌّ، وذلك إِذا كان كثير المال
شحيحاً. وشاة عَزُوز: ضيقة الأَحاليل لا تَدِرُّ حتى تُحْلَبَ بجُهْدٍ. وقد
أَعَزَّت إِذا كانت عَزُوزاً، وقيل: عَزُزَتِ الناقة إِذا ضاق إِحليلها
ولها لبن كثير. قال الأَزهري: أَظهر التضعيف في عَزُزَتْ، ومثله قليل. وفي
حديث موسى وشعيب، عليهما السلام: فجاءَت به قالِبَ لَوْنٍ ليس فيها
عَزُوزٌ ولا فَشُوشٌ؛ العزُوزُ: الشاة البَكِيئَةُ القليلة اللبن الضَّيِّقَةُ
الإِحليل؛ ومنه حديث عمرو بن ميمون: لو أَن رجلاً أَخذ شاة عَزُوزاً
فحلبها ما فرغ من حَلْبِها حتى أُصَلِّيَ الصلواتِ الخمسَ؛ يريد التجوّز في
الصلاة وتخفيفَها؛ ومنه حديث أَبي ذرٍّ: هل يَثْبُتُ لكم العدوُّ حَلْبَ
شاةٍ؟ قال: إِي والله وأَرْبَعٍ عُزُزٍ؛ هو جمع عزوز كصَبُور وصُبُرٍ.
وعَزَّ الماءُ يَعِزُّ وعَزَّتِ القَرْحَةُ تَعِزُّ إِذا سال ما فيها،
وكذلك مَذَعَ وبَذَعَ وضَهَى وهَمَى وفَزَّ وفَضَّ إِذا سال.
وأَعَزَّتِ الشاة: اسْتَبانَ حَمْلُها وعَظُمَ ضَرْعُها؛ يقال ذلك
للمَعَز والضَّأْن، يقال: أَرْأَتْ ورَمَّدَتْ وأَعَزَّت وأَضْرَعَتْ بمعنى
واحد.
وعازَّ الرجلُ إِبلَه وغنمه مُعازَّةً إِذا كانت مِراضاً لا تقدر أَن
ترعى فاحْتَشَّ لها ولَقَّمَها، ولا تكون المُعازَّةُ إِلا في المال ولم
نسمع في مصدره عِزازاً. وعَزَّه يَعُزُّه عَزًّا: قهره وغلبــه. وفي التنزيل
العزيز: وعَزَّني في الخِطاب؛ أَي غلبــني في الاحتجاج. وقرأَ بعضهم:
وعازَّني في الخطاب، أَي غالبني؛ وأَنشد في صفة جَمَل:
يَعُزُّ على الطريقِ بمَنْكِبَيْهِ،
كما ابْتَرَكَ الخَلِيعُ على القِداحِ
يقول: يــغلب هذا الجملُ الإِبلَ على لزوم الطريق فشبَّه حرصه على لزوم
الطريق وإِلحاحَه على السير بحرص هذا الخليع على الضرب بالقداح لعله يسترجع
بعض ما ذهب من ماله، والخليع: المخلوع المَقْمُور مالُه. وفي المثل: من
عَزَّ بَزَّ أي غَلَبَ سَلَبَ، والاسم العِزَّة، وهي القوّة والــغلبــة؛
وقوله:
عَزَّ على الريح الشَّبُوبَ الأَعْفَرا
أَي غلبــه وحال بينه وبين الريح فردَّ وجوهها، ويعني بالشَّبُوب الظبي لا
الثور لأَن الأَعفر ليس من صفات البقر.
والعَزْعَزَةُ: الــغلبــة. وعازَّني فَعَزَزْتُه أَي غالبني فــغلبــته، وضمُّ
العين في مثل هذا مطَّرد وليس في كل شيءٍ، يقال: فاعلني فَفَعَلْتُه.
والعِزُّ: المطر الغَزير، وقيل: مطر عِزٌّ شديد كثير لا يمتنع منه سهل
ولا جبل إِلا أَساله. وقال أَبو حنيفة: العِزُّ المطر الكثير. أَرض
مَعْزُوزَة: أَصابها عِزٌّ من المطر. والعَزَّاءُ: المطر الشديد الوابل.
والعَزَّاءُ: الشِّدَّةُ.
والعُزَيْزاءُ من الفرس: ما بين عُكْوَتِه وجاعِرَتِه، يمد ويقصر، وهما
العُزَيْزاوانِ؛ والعُزَيْزاوانِ: عَصَبَتانِ في أُصول الصَّلَوَيْنِ
فُصِلَتا من العَجْبِ وأَطرافِ الوَرِكَينِ؛ وقال أَبو مالك: العُزَيْزاءُ
عَصَبَة رقيقة مركبة في الخَوْرانِ إِلى الورك؛ وأَنشد في صفة فرس:
أُمِرَّتْ عُزَيْزاءُ ونِيطَتْ كُرومُه،
إِلى كَفَلٍ رَابٍ، وصُلْبٍ مُوَثَّقِ
والكَرْمَةُ: رأْس الفخذ المستدير كأَنه جَوْزَةٌ وموضعُها الذي تدور
فيه من الورك القَلْتُ، قال: ومن مَدَّ العُزَيْزَا من الفرس قال:
عُزَيْزاوانِ، ومن قَصَرَ ثَنَّى عُزَيْزَيانِ، وهما طرفا الوَرِكين. وفي شرح
أَسماء الله الحسنى لابن بَرْجانَ: العَزُوز من أَسماء فرج المرأَة
البكر.والعُزَّى: شجرة كانت تُعبد من دون الله تعالى؛ قال ابن سيده: أُراه
تأْنيث الأَعَزِّ، والأَعَزُّ بمعنى العَزيزِ، والعُزَّى بمعنى العَزِيزَةِ؛
قال بعضهم: وقد يجوز في العُزَّى أَن تكون تأْنيث الأَعَزِّ بمنزلة
الفُضْلى من الأَفْضَل والكُبْرَى من الأَكْبَرِ، فإِذا كان ذلك فاللام في
العُزَّى ليست زائدة بل هي على حد اللام في الحَرثِ والعَبَّاسِ، قال:
والوجه أَن تكون زائدة لأَنا لم نسمع في الصفات العُزَّى كما سمعنا فيها
الصُّغْرى والكُبْرَى. وفي التنزيل العزيز: أَفرأَيتم اللاَّتَ والعُزَّى؛
جاءَ في التفسير: أَن اللاَّتَ صَنَمٌ كان لِثَقِيف، والعُزَّى صنم كان
لقريش وبني كِنانَةَ؛ قال الشاعر:
أَمَا ودِماءٍ مائراتٍ تَخالُها،
على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ، عَنْدَما
ويقال: العُزَّى سَمُرَةٌ كانت لغَطَفان يعبدونها وكانوا بَنَوْا عليها
بيتاً وأَقاموا لها سَدَنَةً فبعث إِليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
خالد بن الوليد فهدم البيت وأَحرق السَّمُرَة وهو يقول:
يا عُزَّ، كُفْرانَكِ لا سُبْحانَكِ
إِنِّي رأَيتُ الله قد أَهانَكِ
وعبد العُزَّى: اسم أَبي لَهَبٍ، وإِنما كَنَّاه الله عز وجل فقال:
تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ، ولم يُسَمِّه لأَن اسمه مُحالٌ.
وأَعَزَّت البقرةُ إِذا عَسُرَ حَمْلُها.
واسْتَعَزَّ الرَّمْلُ: تَماسَكَ فلم يَنْهَلْ. واسْتَعَزَّ الله بفلان
(* قوله« واستعز الله بفلان» هكذا في الأصل. وعبارة القاموس وشرحه:
واستعز الله به أماته.)
واسْتَعَزَّ فلان بحقِّي أَي غَلَبَــني. واسْتُعِزَّ بفلان أَي غُلِبَ في
كل شيءٍ من عاهةٍ أَو مَرَضٍ أَو غيره. وقال أَبو عمرو: اسْتُعِزَّ
بالعليل إِذا اشتدَّ وجعُه وغُلِب على عقله. وفي الحديث: لما قَدِمَ المدينة
نزل على كُلْثوم بن الهَدْمِ وهو شاكٍ ثم اسْتُعِزَّ بكُلْثُومٍ فانتقل
إِلى سعد بن خَيْثَمة. وفي الحديث: أَنه اسْتُعِزَّ برسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه أَي اشتدّ به المرضُ وأَشرف على الموت؛
يقال: عَزَّ يَعَزُّ، بالفتح
(* قوله« يقال عز يعز بالفتح إلخ» عبارة
النهاية: يقال عز يعز بالفتح إِذا اشتد، واستعز به المرض وغيره واستعز عليه
إذا اشتد عليه وغلبــه، ثم يبنى الفعل للمفعول)، إِذا اشتدَّ، واسْتُعِزَّ
عليه إِذا اشتد عليه وغلبــه.
وفي حديث ابن عمر، رضي الله عنه: أَن قوماً مُحْرِمِينَ اشتركوا في قتل
صيد فقالوا: على كل رجل مِنَّا جزاءٌ، فسأَلوا بعضَ الصحابة عما يجبُ
عليهم فأَمر لكل واحد منهم بكفَّارة، ثم سأَلوا ابنَ عمر وأَخبروه بفُتْيا
الذي أَفتاهم فقال: إِنكم لَمُعَزَّزٌ بكم، على جميعكم شاةٌ، وفي لفظٍ
آخر: عليكم جزاءٌ واحدٌ، قوله لَمُعَزَّزٌ بكم أَي مشدد بكم ومُثَقَّل عليكم
الأَمرُ: وفلانٌ مِعْزازُ المرض أَي شديده. ويقال له إِذا مات أَيضاً:
قد اسْتُعِزَّ به.
والعَزَّة، بالفتح: بنت الظَّبْية؛ قال الراجز:
هانَ على عَزّةَ بنتِ الشَّحَّاجْ
مَهْوَى جِمالِ مالِك في الإِدْلاجْ
وبها سميت المرأَة عَزَّة.
ويقال للعَنْز إِذا زُجِرت: عَزْعَزْ، وقد عَزْعَزْتُ بها فلم
تَعَزْعَزْ أَي لم تَتَنَحَّ، والله أَعلم.
ذهل: الذَّهْل: تَرْكُكَ الشيءَ تَناساه على عَمْد أَو يَشْغَلك عنه
شُغْلٌ، تقول: ذَهَلْت عنه وذَهِلْتُ وأَذْهَلَني كذا وكذا عنه؛ وأَنشد:
أَذْهَلَ خِلِّي عن فِراشِي مَسْجَدُهْ
وفي التنزيل العزيز: يوم تَذْهَلُ كلُّ مُرْضِعة عما أَرضعت؛ أَي
تَسْلُو عن ولدها. ابن سيده: ذَهَل الشيءَ وذَهَل عنه وذَهِلَه وذَهِل، بالكسر،
عنه يَذْهَل فيهما ذَهْلاً وذُهُولاً تركه على عَمْد أَو غَفَل عنه أَو
نَسِيَه لشُغُل، وقيل: الذَّهْل السُّلوُّ وطيب النَّفْس عن الإِلْف، وقد
أَذْهَله الأَمر، وأَذْهلَه عنه.
ومَرَّ ذَهْل من الليل وذُهْل أَي قِطْعة، وقيل: ساعة منه مثل دَهْل،
والدال أَعلى، وجاءَ بعد ذَهْل من الليل ودَهْل أَي بعد هَدْءٍ؛ وأَنشد ابن
بري لأَبي جهمة الذهلي:
مَضَى من الليل ذَهْلٌ، وهي واحدةٌ،
كأَنَّها طائرٌ بالدَّوِّ مَذْعُور
قال: وقال أَبو زكريا التبريزي دَهْل، بدال غير معجمة؛ قال: وكذا أَنشده
في الحَماسة.
والذُّهْلُول من الخيل: الجَوادُ الدَّقيق.
وذُهْل: قبيلة. وذُهْلٌ: حَيٌّ من بكر وهما ذُهْلان كلاهما من ربيعة:
أَحدهما ذُهْلُ بن شيبان بنِ ثَعْلبةَ بنِ عُكَابة، والآخر ذُهْل بنُ ثعلبة
بن عُكَابة، وقد سَمَّوا ذُهْلاً وذُهْلانَ وذُهَيلاً.
صرع: الصَرْعُ: الطَّرْحُ بالأَرض، وخَصَّه في التهذيب بالإِنسان،
صارَعَه فصَرَعَه يَصْرَعُه صَرْعاً وصِرْعاً، الفتح لتميم والكسر لقيس؛ عن
يعقوب، فهو مصروعٌ وصرِيعٌ، والجمع صَرْعَى؛ والمُصارَعةُ والصِّراعُ:
مُعالَجَتُهما أَيُّهُما يَصْرَعُ صاحِبَه. وفي الحديث: مثَلُ المؤمِن
كالخامةِ من الزَّرْعِ تَصْرَعُها الريحُ مرة وتَعْدِلُها أُخْرى أَي تُمِيلُها
وتَرْمِيها من جانب إِلى جانب. والمَصْرَعُ: موضِعٌ ومَصْدَرٌ؛ قال
هَوْبَرٌ الحارثيّ:
بمَصْرَعِنا النُّعْمانَ، يومَ تأَلَّبَتْ
علينا تَمِيمٌ من شَظًى وصَمِيمِ،
تَزَوَّدَ مِنّا بَيْنَ أُذْنَيْه طَعْنةً،
دَعَتْه إِلى هابِي التُّرابِ عَقِيمِ
ورجل صَرّاعٌ وصَرِيعٌ بَيِّنُ الصّراعةِ، وصَرِيعٌ: شَدِيد الصَّرْع
وإِن لم يكن معروفاً بذلك، وصُرَعةٌ: كثير الصَّرْع لأَقْرانِه يَصْرَعُ
الناسَ، وصُرْعةٌ: يُصْرَعُ كثيراً يَطَّرِدُ على هذين بابٌ. وفي الحديث:
أَنه صُرِعَ عن دابَّة فجُحِشَ شِقُّه أَي سقَطَ عن ظهرها. وفي الحديث
أَيضاً: أَنه أَردَفَ صَفِيّةَ فَعَثَرَتْ ناقتُه فصُرِعا جميعاً. ورجُلٌ
صِرِّيعٌ مثال فِسِّيقٍ: كثير الصَّرْع لأَقْرانه، وفي التهذيب: رجل
صِرِّيعٌ إِذا كان ذلك صَنْعَتَه وحالَه التي يُعْرَفُ بها. ورجل صَرّاعٌ إِذا
كان شديد الصَّرْعِ وإِن لم معروفاً. ورجل صَرُوعُ الأَقْرانِ أَي كثير
الصَّرْع لهم. والصُّرَعة: هم القوم الذين يَصْرَعُون من صَارَعُوا. قال
الأَزهري: يقال رجل صُرَعةٌ، وقوم صُرَعةٌ وقد تَصارَعَ القومُ
واصْطَرَعُوا، وصارَعَه مُصارَعةً وصِراعاً. والصِّرْعانِ: المُصْطَرِعانِ. ورجل
حَسَنُ الصِّرْعةِ مثل الرِّكْبةِ والجِلْسةِ، وفي المَثلِ: سُوءُ
الاسْتِمْساكِ خَيْر من حُسْنِ الصِّرْعةِ؛ يقول: إِذا اسْتَمْسَكَ وإِن لم
يُحْسِنِ الرّكْبةَ فهو خير من الذي يُصْرَعُ صَرْعةً لا تَضُرُّه، لأَن الذي
يَتماسَكُ قد يَلْحَقُ والذي يُصْرَعُ لا يَبْلُغُ.
والصَّرْعُ: عِلّة مَعْرُوفة. والصَّريعُ: المجنونُ، ومررت بِقَتْلى
مُصَرَّعِين، شُدِّد للكثرة. ومَصارِعُ القوم: حيث قُتِلُوا. والمَنِيّةُ
تَصْرَعُ الحيوانَ، على المَثل.
والصُّرَعةُ: الحلِيمُ عند الغَضَبِ لأَن حِلْمَه يَصْرَعُ غَضَبَه على
ضِدّ معنى قولهم: الغَضَبُ غُولُ الحِلْمِ. وفي الحديث: الصُّرَعةُ، بضم
الصاد وفتح الراء مثل الهُمَزةِ، الرجلُ الحليمُ عِندَ الغَضَب، وهو
المبالغ في الصِّراعِ الذي لا يُــغْلَبُ فَنَقَلَه إِلى الذي يَــغْلِبُ نفسه
عند الغضب ويَقْهَرُها، فإِنه إِذا مَلَكها كان قد قَهَرَ أَقْوى أَعْدائِه
وشَرَّ خُصُومِه، ولذلك قال: أَعْدَى عَدُوٍّ لك نفسُك التي بين
جَنْبَيْكَ، وهذا من الأَلفاظ التي نقَلها اللغويون
(* قوله «نقلها اللغويون إلخ
كذا بالأصل، والذي في النهاية: نقلها عن وضعها اللغوي، والمتبادر منه
أن اللغوي ضفة للوضع وحينئذ فالناقل النبي، صلى الله عليه وسلم، ويؤيده
قول المؤلف قبله: فنقله الى الذي يــغلب نفسه.) عن وضعها لِضَرْبٍ من
التَّوَسُّع والمجاز، وهو من فصيح الكلام لأَنه لما كان الغضبانُ بحالة شديدة من
الغَيْظِ، وقد ثارَتْ عليه شهوة الغضب فَقَهَرها بحلمه وصَرَعَها
بثباته، كان كالصُّرَعَةِ الذي يَصْرَعُ الرجالَ ولا يَصْرَعُونه. والصَّرْعُ
والصِّرعُ والضِّرْعُ: الضرْبُ والفَنُّ من الشيء، والجمع أَصْرُعٌ
وصُرُوعٌ؛ وروى أَبو عبيد بيت لبيد:
وخَصْمٍ كَبادِي الجِنّ أَسْقَطْتُ شَأْوَهُمْ
بِمُسْتَحْوذٍ ذِي مِرّةٍ وصُرُوعِ
بالصاد المهملة أَي بِضُروبٍ من الكلام، وقد رواه ابن الأَعرابي بالضاد
المعجمة، وقال غيره: صُرُوعُ الحبل قُواه. ابن الأَعرابي: يقال هذا
صِرْعُه وصَرْعُه وضِرْعُه وطَبْعُه وطَلْعُه وطِباعُه وطِبَيعُه وسِنُّه
وضَرْعُه وقَرْنُه وشِلْوُهُ وشُلَّتُه أَي مِثْلُه؛ وقول الشاعر:
ومَنْجُوبٍ له منْهُنَّ صِرْعٌ
يَمِيلُ، إِذا عَدَلْتَ بهِ الشّوارا
هكذا رواه الأَصمعي أَي له مِنْهُنَّ مثل؛ قال ابن الأَعرابي: ويروى
ضِرْعٌ، بالضاد المعجمة، وفسره بأَنه الحَلْبة. والصَّرْعانِ: إِبلان تَرِدُ
إِحداهما حين تَصْدُر الأُخرى لكثرتها؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
مِثْل البُرامِ غَدا في أصْدةٍ خَلَقٍ،
لم يَسْتَعِنْ وحَوامِي المَوْتِ تَغْشاهُ
فَرَّجْتُ عنه بِصَرْعَيْنا لأَرْملةٍ،
وبائِسٍ جاءَ مَعْناهُ كَمَعْناه
قال يصف سائلاً شَبَّهَه بالبُرام وهو القُراد. لم يَسْتَعِنْ: يقول لم
يَحْلِقْ عانته. وحَوامِي الموت وحَوائِمُهُ: أَسبابُه. وقوله
بصَرْعَيْنا أَراد بها إِبلاً مختلفة التِّمْشاء تجيء هذه وتذهب هذه لكثرتها، هكذا
رواه بفتح الصاد، وهذا الشعر أَورده الشيخ ابن بري عن أَبي عمرو وأَورد
صدر البيت الأَول:
ومُرْهَق سالَ إِمْتاعاً بأصْدتِه
والصِّرْعُ: المِثْلُ؛ قال ابن بري شاهِدُه قول الراجز:
إِنَّ أَخاكَ في الأَشاوٍي صِرْعُكا
والصِّرْعانِ والضِّرْعانِ، بالكسر: المِثْلانِ. يقال: هما صِرْعانِ
وشِرْعانِ وحِتْنانِ وقِتْلانِ كله بمعنى. والصَّرْعانِ: الغَداةُ
والعشِيُّ، وزعم بعضهم أَنهم أَرادوا العَصْرَيْنِ فقُلِبَ. يقال: أَتيتُه صَرْعَى
النهارِ، وفلان يأْتينا الصَّرْعَيْنِ أَي غُدْوةً وعَشِيَّةً، وقيل:
الصَّرْعانِ نصف النهار الأَول ونصفه الآخر؛ وقول ذي الرمة:
كأَنَّني نازِعٌ، يَثْنِيهِ عن وَطَنٍ
صَرْعانِ رائحةً عَقْلٌ وتَقْيِيدُ
أَراد عَقْلٌ عَشِيّةً وتَقْيِيدٌ غُدْوةً فاكتفى بذكر أَحدهما؛ يقول:
كأَنني بعير نازعٌ إِلى وَطَنِه وقد ثناه عن إِرادته عَقْلٌ وتَقْيِيدٌ،
فَعَقْلُه بالغداةِ ليَتَمَكَّنَ في المَرْعَى، وتقييدُه بالليل خوفاً من
شِرادِه. ويقال: طلبْتُ من فلان حاجة فانصَرَفْتُ وما أَدرِي على أَيّ
صِرْعَيْ أَمرِه هو أَي لم يتبين لي أَمرُه؛ قال يعقوب: أَنشدني
الكلابي:فَرُحْتُ، وما ودَّعْتُ لَيْلى، وما دَرَتْ
على أَيِّ صِرْعَيْ أَمرِها أَتَرَوَّحُ
يعني أَواصلاً تَرَوَّحْتُ من عندها أَو قاطعاً. ويقال: إِنه لَيَفْعَلُ
ذلك على كلِّ صِرْعةٍ
(* قوله «على كل صرعة هي بكسر الصاد في الأصل وفي
القاموس بالفتح.) أَي يَفْعَلُ ذلك على كلّ حال. ويقال للأَمر صَرْعان
أَي طَرَفان. ومِصْراعا البابِ: بابان منصوبان ينضمان جميعاً مَدْخَلُهما
في الوَسَط من المِصْراعَيْنِ؛ وقول رؤبة:
إِذْ حازَ دُوني مِصْرَعَ البابِ المِصَكّْ
يحتمل أَن يكون عندهم المِصْرَعُ لغة في المِصْراعِ، ويحتمل أَن يكون
محذوفاً منه. وصَرَعَ البابَ: جعَل له مِصْراعَيْنِ؛ قال أَبو إِسحق:
المِصْراعانِ بابا القصيدة بمنزلة المِصْراعَيْنِ اللذين هما بابا البيت، قال:
واشتِقاقهما الصَّرْعَيْنِ، وهما نصفا النهار، قال: فمن غُدْوةٍ إِلى
انتصاف النهار صَرْعٌ، ومن انتصاف النهار إِلى سقوط القُرْص صَرْع. قال
الأَزهري: والمِصْراعانِ من الشعْر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد، ومن
الأَبواب ما له بابان منصوبان ينضَمّان جميعاًمَدْخَلُهما بينهما في وسط
المصراعين، وبيتٌ من الشعْر مُصَرَّعٌ له مِصْراعانِ، وكذلك باب
مُصَرَّعٌ.والتصريعُ في الشعر: تَقْفُِهُ المِصْراعِ الأَول مأْخوذ من مِصْراعِ
الباب، وهما مُصَرَّعانِ، وإِنما وقع التصريعُ في الشعر ليدل على أَنّ
صاحبه مبتدِئٌ إِما قِصّةً وإِما قصِيدة، كما أَن إِمّا إِنما ابْتُدِئَ
بها في قولك ضربت إِما زيداً وإِمّا عمراً ليعلم أَن المتكلم شاكّ؛ فمما
العَرُوضُ فيه أَكثر حروفاً من الضرب فَنَقَصَ في التصريعِ حتى لحق بالضرب
قَوْلُ امرِئِ القَيْسِ:
لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُه فَشَجَاني
كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَماني؟
فقوله شَجاني فعولن وقوله يماني فعولن والبيت من الطويل وعروضه المعروف
إِنما هو مفاعلن، ومما زِيد في عروضه حتى ساوَى الضرْبَ قول امرئ
القيس:أَلا انْعِمْ صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ البالي،
وهل يَنْعَمَنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي؟
وصَرَّعَ البيتَ من الشعر: جعلَ عَرُوضه كضربه.
والصرِيعُ: القضِيبُ من الشجر يَنْهَصِرُ إِلى الأَرض فيسقط عليها
وأَصله في الشجرة فيبقى ساقطاً في الظل لا تُصِيبُه الشمس فيكون أَلْيَنَ من
الفَرْعِ وأَطيَبَ رِيحاً، وهو يُسْتاكُ به، والجمع صُرُعٌ. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يعجبه أَن يَسْتاكَ بالصُّرُعِ؛ قال
الأَزهري: الصَّرِيعُ القضِيبُ يَسْقُطُ من شجر البَشام، وجمعه صِرْعانٌ.
والصَّريعُ أَيضاً: ما يَبِسَ من الشجر، وقيل: إنما هو الصَّرِيفُ،
بالفاء، وَقيل: الصَّرِيعُ السوْطُ أَو القَوْسُ الذي لم يُنْحَتْ منه شيء،
ويقال الذي جَفَّ عُوده على الشجرة؛ وقول لبيد:
منها مَصارِعُ غايةٍ وقِيامُها
(* في معلقة لبيد: منه مصرَّعُ غابةٍ وقيامها.)
قال: المَصارِعُ جمع مَصْرُوعٍ من القُضُب، يقول: منها مَصْرُوعٌ ومنها
قائم، والقياس مَصارِيعُ.
وذكر الأَزهري في ترجمة صعع عن أَبي المقدام السُّلَمِيّ قال: تَضَرَّعَ
الرجلُ لصاحبه وتَصَرَّعَ إِذا ذَلَّ واسْتَخْذَى.
وسط: وسَطُ الشيء: ما بين طرَفَيْه؛ قال:
إِذا رَحَلْتُ فاجْعلُوني وَسَطا،
إِنِّي كَبِير، لا أُطِيق العُنّدا
أَي اجعلوني وسطاً لكم تَرفُقُون بي وتحفظونني، فإِني أَخاف إِذا كنت
وحدي مُتقدِّماً لكم أَو متأَخّراً عنكم أَن تَفْرُط دابتي أَو ناقتي
فتصْرَعَني، فإِذا سكَّنت السين من وسْط صار ظرفاً؛ وقول الفرزدق:
أَتَتْه بِمَجْلُومٍ كأَنَّ جَبِينَه
صَلاءةُ وَرْسٍ، وَسْطُها قد تَفَلَّقا
فإِنه احتاج إِليه فجعله اسماً؛ وقول الهذلي:
ضَرُوب لهاماتِ الرِّجال بسَيْفِه،
إِذا عَجَمَتْ، وسْطَ الشُّؤُونِ، شِفارُها
يكون على هذا أَيضاً، وقد يجوز أَن يكون أَراد أِذا عجمَتْ وسْطَ
الشُّؤونِ شفارُها الشؤُونَ أَو مُجْتَمَعَ الشؤُونِ، فاستعمله ظرفاً على وجهه
وحذف المفعول لأَن حذف المفعول كثير؛ قال الفارسي: ويُقوّي ذلك قول
المَرّار الأَسدي:
فلا يَسْتَحْمدُون الناسَ أَمْراً،
ولكِنْ ضَرْبَ مُجْتَمَعِ الشُّؤُونِ
وحكي عن ثعلب: وَسَط الشيء، بالفتح، إِذا كان مُصْمَتاً، فإِذا كان
أَجزاء مُخَلْخَلة فهو وسْط، بالإِسكان، لا غير. وأَوْسَطُه: كوَسَطِه، وهو
اسم كأَفْكَلٍ وأَزْمَلٍ؛ قال ابن سيده وقوله:
شَهْم إِذا اجتمع الكُماةُ، وأُلْهِمَتْ
أَفْواهُها بأَواسِطِ الأَوْتار
فقد يكون جَمْعَ أَوْسَطٍ، وقد يجوز أَن يكون جَمَعَ واسِطاً على
وواسِطَ، فاجتمعت واوان فهمَز الأُولى. الجوهري: ويقال جلست وسْط القوم،
بالتسكين، لأَنه ظرف، وجلست وسَط الدار، بالتحريك، لأَنه اسم؛ وأَنشد ابن بري
للراجز:
الحمد للّه العَشِيَّ والسفَرْ،
ووَسَطَ الليلِ وساعاتٍ أُخَرْ
قال: وكلُّ موضع صلَح فيه بَيْن فهو وسْط، وإِن لم يصلح فيه بين فهو
وسَط، بالتحريك، وقال: وربما سكن وليس بالوجه كقول أَعْصُرِ بن سَعْدِ بن
قَيْسِ عَيْلانَ:
وقالوا يالَ أَشْجَعَ يَوْمَ هَيْجٍ،
ووَسْطَ الدّارِ ضَرْباً واحْتِمايا
قال الشيخ أَبو محمد بن بري، رحمه اللّه، هنا شرح مفيد قال: اعلم أَنّ
الوسَط، بالتحريك، اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه كقولك قَبَضْت وسَط
الحبْل وكسرت وسَط الرمح وجلست وسَط الدار، ومنه المثل: يَرْتَعِي وسَطاً
ويَرْبِضُ حَجْرةً أَي يرْتَعِي أَوْسَطَ المَرْعَى وخِيارَه ما دام القومُ
في خير، فإِذا أَصابهم شَرٌّ اعتَزلهم ورَبَضَ حَجرة أَي ناحية منعزلاً
عنهم، وجاء الوسط محرّكاً أَوسَطُه على وزان يقْتَضِيه في المعنى وهو
الطرَفُ لأَنَّ نَقِيض الشيء يتنزّل مَنْزِلة نظِيرة في كثير من الأَوزان
نحو جَوْعانَ وشَبْعان وطويل وقصير، قال: ومما جاء على وزان نظيره قولهم
الحَرْدُ لأَنه على وزان القَصْد، والحَرَدُ لأَنه على وزان نظيره وهو
الغضَب. يقال: حَرَد يَحْرِد حَرْداً كما يقال قصَد يقْصِد قصداً، ويقال:
حَرِدَ يَحْرَدُ حرَداً كما قالوا غَضِبَ يَغْضَبُ غضَباً؛ وقالوا: العَجْم
لأَنه على وزان العَضّ، وقالوا: العَجَم لحبّ الزبيب وغيره لأَنه وزان
النَّوَى، وقالوا: الخِصْب والجَدْب لأَن وزانهما العِلْم والجَهل لأَن
العلم يُحيي الناس كما يُحييهم الخِصْب والجَهل يُهلكهم كما يهلكهم الجَدب،
وقالوا: المَنْسِر لأَنه على وزان المَنْكِب، وقالوا: المِنْسَر لأَنه
على وزان المِخْلَب، وقالوا: أَدْلَيْت الدَّلْو إِذا أَرسلتها في البئر،
وَدَلَوْتُها إِذا جَذَبْتها، فجاء أَدْلى على مثال أَرسل ودَلا على مثال
جَذَب، قال: فبهذا تعلم صحة قول من فرق بين الضَّرّ والضُّر ولم يجعلهما
بمعنى فقال: الضَّر بإِزاء النفع الذي هو نقيضه، والضُّر بإِزاء السُّقْم
الذي هو نظيره في المعنى، وقالوا: فاد يَفِيد جاء على وزان ماسَ يَمِيس
إِذا تبختر، وقالوا: فادَ يَفُود على وزان نظيره وهو مات يموت،
والنِّفاقُ في السُّوق جاء على وزان الكَساد، والنِّفاق في الرجل جاء على وزان
الخِداع، قال: وهذا النحوُ في كلامهم كثير جدّاً؛ قال: واعلم أَنّ الوسَط قد
يأْتي صفة، وإِن أَصله أَن يكون اسماً من جهة أَن أَوسط الشيء أَفضله
وخياره كوسَط المرعى خيرٌ من طرفيه، وكوسَط الدابة للركوب خير من طرفيها
لتمكن الراكب؛ ولهذا قال الراجز:
إِذا ركِبْتُ فاجْعلاني وسَطا
ومنه الحديث: خِيارُ الأُمور أَوْساطُها؛ ومنه قوله تعالى: ومن الناسِ
مَن يَعبد اللّهَ على حرْف؛ أَي على شَكّ فهو على طرَف من دِينه غيرُ
مُتوسّط فيه ولا مُتمكِّن، فلما كان وسَطُ الشيء أَفضلَه وأَعْدَلَه جاز أَن
يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدّس: وكذلك جعلْناكم أُمّة وسَطاً؛
أَي عَدْلاً، فهذا تفسير الوسَط وحقيقة معناه وأَنه اسم لما بينَ طَرَفَي
الشيء وهو منه، قال: وأَما الوسْط، بسكون السين، فهو ظَرْف لا اسم جاء
على وزان نظيره في المعنى وهو بَيْن، تقول: جلست وسْطَ القوم أَي بيْنَهم؛
ومنه قول أَبي الأَخْزَر الحِمَّانيّ:
سَلُّومَ لوْ أَصْبَحْتِ وَسْط الأَعْجَمِ
أَي بيم الأَعْجم؛ وقال آخر:
أَكْذَبُ مِن فاخِتةٍ
تقولُ وسْطَ الكَرَبِ،
والطَّلْعُ لم يَبْدُ لها:
هذا أَوانُ الرُّطَبِ
وقال سَوَّارُ بن المُضَرَّب:
إِنِّي كأَنِّي أَرَى مَنْ لا حَياء له
ولا أَمانةَ، وسْطَ الناسِ، عُرْيانا
وفي الحديث: أَتَى رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، وسْط القوم أَي
بينهم، ولما كانت بين ظرفاً كانت وسْط ظرفاً، ولهذا جاءت ساكنة الأَوسط
لتكون على وزانها، ولما كانت بين لا تكون بعضاً لما يضاف إِليها بخلاف
الوسَط الذي هو بعض ما يضاف إِليه كذلك وسْط لا تكون بعضَ ما تضاف إِليه،
أَلا ترى أَن وسط الدار منها ووسْط القوم غيرهم؟ ومن ذلك قولهم: وسَطُ
رأْسِه صُلْبٌ لأَن وسَطَ الرأْس بعضها، وتقول: وسْطَ رأْسِه دُهن فتنصب وسْطَ
على الظرف وليس هو بعض الرأْس، فقد حصل لك الفَرْق بينهما من جهة المعنى
ومن جهة اللفظ؛ أَما من جهة المعنى فإِنها تلزم الظرفية وليست باسم
متمكن يصح رفعه ونصبه على أَن يكون فاعلاً ومفعولاً وغير ذلك بخلاف الوَسَطِ،
وأَما من جهة اللفظ فإِنه لا يكون من الشيء الذي يضاف إِليه بخلاف
الوَسَط أَيضاً؛ فإِن قلت: قد ينتصب الوَسَطُ على الظرف كما ينتصب الوَسْطُ
كقولهم: جَلَسْتُ وسَطَ الدار، وهو يَرْتَعِي وسَطاً، ومنه ما جاء في
الحديث: أَنه كان يقف في صلاة الجَنازة على المرأَة وَسَطَها، فالجواب: أَن
نَصْب الوَسَطِ على الظرف إِنما جاء على جهة الاتساع والخروج عن الأَصل على
حدّ ما جاء الطريق ونحوه، وذلك في مثل قوله:
كما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وليس نصبه على الظرف على معنى بَيْن كما كان ذلك في وسْط، أَلا ترى أَن
وسْطاً لازم للظرفية وليس كذلك وسَط؟ بل اللازم له الاسمية في الأَكثر
والأَعم، وليس انتصابه على الظرف، وإِن كان قليلاً في الكلام، على حدِّ
انتصاب الوسْط في كونه بمعنى بين، فافهم ذلك. قال: واعلم أَنه متى دخل على
وسْط حرفُ الوِعاء خرج عن الظرفية ورجعوا فيه إِلى وسَط ويكون بمعنى وسْط
كقولك: جلسْتُ في وسَط القوم وفي وسَطِ رأْسِه دُهن، والمعنى فيه مع
تحرُّكه كمعناه مع سكونه إِذا قلت: جلسْتُ وسْطَ القوم، ووسْطَ رأْسِه دُهن،
أَلا ترى أَن وسَط القوم بمعنى وسْط القوم؟ إِلاَّ أَن وَسْطاً يلزم
الظرفية ولا يكون إِلاَّ اسماً، فاستعير له إِذا خرج عن الظرفية الوسَطُ على
جهة النيابة عنه، وهو في غير هذا مخالف لمعناه، وقد يُستعمل الوسْطُ الذي
هو ظرف اسماً ويُبَقَّى على سكونه كما استعملوا بين اسماً على حكمها
ظرفاً في نحو قوله تعالى: لقد تَقَطَّعَ بَيْنُكُم؛ قال القَتَّالُ
الكلابي:مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ، بعدما
هَتَفَتْ رَبِيعَةُ: يا بَني خَوّارِ
وقال عَدِيُّ بن زيد:
وَسْطُه كاليَراعِ أَو سُرُجِ المَجْـ
ـدلِ، حِيناً يَخْبُو، وحِيناً يُنِيرُ
وفي الحديث: الجالِسُ وسْطَ الحَلْقةِ مَلْعُون، قال: الوسْط، بالتسكين،
يقال فيما كان مُتَفَرِّقَ الأَجزاء غيرَ مُتصل كالناس والدوابّ وغير
ذلك، فإِذا كان مُتصلَ الأَجزاء كالدَّار والرأْس فهو بالفتح. وكل ما
يَصْلُح فيه بين، فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بين، فهو بالفتح؛ وقيل: كل
منهما يَقَع مَوْقِعَ الآخر، قال: وكأَنه الأَشبه، قال: وإِنما لُعِنَ
الجالِسُ وسْط الحلقة لأَنه لا بدَّ وأَن يَسْتَدبِر بعضَ المُحيطين به
فيُؤْذِيَهم فيلعنونه ويذُمونه.
ووسَطَ الشيءَ: صار بأَوْسَطِه؛ قال غَيْلان بن حُرَيْثٍ:
وقد وَسَطْتُ مالِكاً وحَنْظَلا
صُيَّابَها، والعَدَدَ المُجَلْجِلا
قال الجوهري: أَراد وحنظلة، فلما وقف جعل الهاء أَلِفاً لأَنه ليس
بينهما إِلا الهَهَّةُ وقد ذهبت عند الوقف فأَشبهت الأَلف كما قال امرؤُ
القيس:وعَمْرُو بنُ دَرْماء الهُمامُ إِذا غَدا
بِذي شُطَبٍ عَضْبٍ، كمِشْيَةِ قَسْوَرا
أَراد قَسْوَرَة. قال: ولو جعله اسماً محذوفاً منه الهاء لأَجراه، قال
ابن بري: إِنما أَراد حريثُ بن غَيلان
(* قوله «حريث بن غيلان» كذا بالأصل
هنا وتقدم قريباً غيلان ابن حريث.) وحنظل لأَنه رَخَّمه في غير النداء
ثم أَطلق القافية، قال: وقول الجوهري جعل الهاء أَلِفاً وهمٌ منه.
ويقال: وسَطْتُ القومَ أَسِطُهم وَسْطاً وسِطةً أَي تَوَسَّطْتُهم.
ووَسَطَ الشيءَ وتَوَسَّطَه: صار في وسَطِه.
ووُسُوطُ الشمس: توَسُّطُها السماء.
وواسِطُ الرَّحْل وواسِطَتُه؛ الأَخيرة عن اللحياني: ما بين القادِمةِ
والآخِرة. وواسِطُ الكُورِ: مُقَدَّمُه؛ قال طرفة:
وإِنْ شِئت سامى واسِطَ الكُورِ رأْسُها،
وعامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاء الخَفَيْدَدِ
وواسِطةُ القِلادة: الدُّرَّة التي وسَطها وهي أَنْفَس خرزها؛ وفي
الصحاح: واسِطةُ القلادة الجَوْهَرُ الذي هو في وَسطِها وهو أَجودها، فأَما
قول الأَعرابي للحسن: عَلَّمني دِيناً وَسُوطاً لا ذاهِباً فُرُوطاً ولا
ساقِطاً سُقُوطاً، فإِن الوَسُوط ههنا المُتَوَسِّطُ بين الغالي والتَّالي،
أَلا تراه قال لا ذاهباً فُرُوطاً؟ أَي ليس يُنال وهو أَحسن الأَديان؛
أَلا ترى إِلى قول عليّ، رضوان اللّه عليه: خير الناس هذا النمَطُ
الأَوْسَط يَلْحق بهم التَّالي ويرجع إِليهم الغالي؟ قال الحسن للأَعرابي: خيرُ
الأُمور أَوْساطُها؛ قال ابن الأَثير في هذا الحديث: كلُّ خَصْلة محمودة
فلها طَرَفانِ مَذْمُومان، فإِن السَّخاء وسَطٌ بين البُخل والتبذير،
والشجاعةَ وسَط بين الجُبن والتهوُّر، والإِنسانُ مأْمور أَن يتجنب كل وصْف
مَذْمُوم، وتجنُّبُه بالتعَرِّي منه والبُعد منه، فكلَّما ازداد منه
بُعْداً ازداد منه تقرُّباً، وأَبعدُ الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين
وسَطُهما، وهو غاية البعد منهما، فإِذا كان في الوسَط فقد بَعُد عن
الأَطراف المذمومة بقدر الإِمكان. وفي الحديث: الوالِد أَوْسَطُ أَبواب الجنة
أَي خيرُها. يقال: هو من أَوسَطِ قومِه أَي خيارِهم. وفي الحديث: أَنه
كان من أَوْسَطِ قومه أَي من أَشْرَفِهم وأَحْسَبِهم. وفي حديث رُقَيْقةَ:
انظُروا رجلاً وسِيطاً أَي حَسِيباً في قومه، ومنه سميت الصلاة الوُسْطَى
لأَنها أَفضلُ الصلوات وأَعظمها أَجْراً، ولذلك خُصت بالمُحافَظةِ
عليها، وقيل: لأَنها وسَط بين صلاتَيِ الليل وصلاتَيِ النهار، ولذلك وقع
الخلاف فيها فقيل العصر، وقيل الصبح، وقيل بخلاف ذلك، وقال أَبو الحسن:
والصلاة الوسطى يعني صلاة الجمعة لأَنها أَفضلُ الصلواتِ، قال: ومن قال خلافَ
هذا فقد أَخْطأَ إِلا أَن يقوله برواية مُسنَدة إِلى النبي، صلّى اللّه
عليه وسلّم.
ووَسَطَ في حَسَبِه وَساطة وسِطةً ووَسُطَ ووسَّط؛ ووَسَطَه: حَلَّ
وَسَطَه أَي أَكْرَمَه؛ قال:
يَسِطُ البُيوتَ لِكي تكون رَدِيّةً،
من حيثُ تُوضَعُ جَفْنةُ المُسْتَرْفِدِ
ووَسَطَ قومَه في الحسَبِ يَسِطُهم سِطةً حسنَة. الليث: فلان وَسِيطُ
الدارِ والحسَبِ في قومه، وقد وسُطَ وَساطةً وسِطةً ووَسَّطَ توْسِيطاً؛
وأَنشد:
وسَّطْت من حَنْظَلةَ الأُصْطُمّا
وفلان وسِيطٌ في قومه إِذا كان أَوسطَهم نسَباً وأَرْفعَهم مَجْداً؛ قال
العَرْجِيُّ:
كأَنِّي لم أَكُنْ فيهم وسِيطاً،
ولم تَكُ نِسْبَتي في آلِ عَمْرِ
والتوْسِيطُ: أَن تجعل الشيء في الوَسَط. وقرأَ بعضهم: فوَسَّطْنَ به
جمعاً؛ قال ابن بري: هذه القراءة تُنسب إِلى عليّ، كرّم اللّه وجهه، وإِلى
ابن أَبي ليلى وإِبراهيم بن أَبي عَبْلَةَ. والتوْسِيطُ: قَطْعُ الشيء
نصفين. والتَّوَسُّطُ من الناس: من الوَساطةِ، ومَرْعىً وسَطٌ أَي خِيار؛
قال:
إِنَّ لها فَوارِساً وفَرَطا،
ونَفْرَةَ الحَيِّ ومَرْعىً وَسَطا
ووَسَطُ الشيءِ وأَوْسَطُه: أَعْدَلُه، ورجل وَسَطٌ ووَسِيطٌ: حسَنٌ من
ذلك. وصار الماءُ وَسِيطةً إِذا غلَب الطينُ على الماء؛ حكاه اللحياني عن
أَبي طَيْبة. ويقال أَيضاً: شيءٌ وَسَطٌ أَي بين الجَيِّدِ والرَّدِيء.
وفي التنزيل العزيز: وكذلك جَعَلْناكم أُمّة وسَطاً؛ قال الزجاج: فيه
قولان: قال بعضهم وسَطاً عَدْلاً، وقال بعضهم خِياراً، واللفظان مختلفان
والمعنى واحد لأَن العَدْل خَيْر والخير عَدْلٌ، وقيل في صفة النبي، صلّى
اللّه عليه وسلّم: إِنه كان من أَوْسَطِ قومِه أَي خِيارِهم، تَصِف
الفاضِلَ النسَب بأَنه من أَوْسَطِ قومه، وهذا يَعرِف حقيقَته أَهلُ اللغة لأَن
العرب تستعمل التمثيل كثيراً، فَتُمَثِّل القَبِيلةَ بالوادي والقاعِ وما
أَشبهه، فخيرُ الوادي وسَطُه، فيقال: هذا من وَسَط قومِه ومن وَسَطِ
الوادي وسَرَرِ الوادي وسَرارَته وسِرِّه، ومعناه كله من خَيْر مكان فيه،
وكذلك النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، من خير مكان في نسَب العرب، وكذلك
جُعِلتْ أُمّته أُمة وسَطاً أَي خِياراً.
وقال أَحمد بن يحيى: الفرق بين الوسْط والوَسَط أَنه ما كانَ يَبِينُ
جُزْء من جُزْء فهو وسْط مثل الحَلْقة من الناس والسُّبْحةِ والعِقْد، قال:
وما كان مُصْمَتاً لا يَبِينُ جزء من جزء فهو وسَط مثل وسَطِ الدارِ
والراحة والبُقْعة؛ وقال الليث: الوسْط مخففة يكون موضعاً للشيء كقولك زيد
وسْطَ الدارِ، وإِذا نصبت السين صار اسماً لما بين طَرَفَيْ كل شيء؛ وقال
محمد ابن يزيد: تقول وَسْطَ رأْسِك دُهْنٌ يا فَتى لأَنك أَخبرت أَنه
استقرّ في ذلك الموضع فأَسكنت السين ونصبت لأَنه ظرف، وتقول وسَطُ رأْسِك
صُلْب لأَنه اسم غير ظرف، وتقول ضربْت وسَطَه لأَنه المفعول به بعينه،
وتقول حَفَرْتُ وسَطَ الدارِ بئراً إِذا جعلت الوَسَط كله بِئراً، كقولك
حَرَثْت وسَطَ الدار؛ وكل ما كان معه حرف خفض فقد خرج من معنى الظرف وصار
اسماً كقولك سِرْت من وَسَطِ الدار لأَنَّ الضمير لِمنْ، وتقول قمت في وسَط
الدار كما تقول في حاجة زيد فتحرك السين من وسَط لأَنه ههنا ليس بظرف.
الفراء: أَوْسَطْت القومَ ووَسَطْتُهم وتوَسَّطْتُهم بمعنى واحد إِذا
دخلت وسْطَهم. قال اللّه عزّ وجلّ: فوَسَطْنَ به جَمْعاً. وقال الليث: يقال
وَسَطَ فلانٌ جماعةً من الناس وهو يَسِطُهم إِذا صار وَسْطَهم؛ قال:
وإِنما سمي واسِطُ الرحْل واسِطاً لأَنه وسَطٌ بين القادِمة والآخرةِ، وكذلك
واسِطةُ القِلادةِ، وهي الجَوْهرة التي تكون في وسَطِ الكِرْسِ
المَنْظُوم. قال أَبو منصور في تفسير واسِطِ الرَّحْل ولم يَتَثَبَّتْه: وإِنما
يعرف هذا من شاهَدَ العَربَ ومارَسَ شَدَّ الرِّحال على الإِبل، فأَما من
يفسِّر كلام العرب على قِياساتِ الأَوْهام فإِنَّ خَطأَه يكثر، وللرحْلِ
شَرْخانِ وهما طَرَفاه مثل قرَبُوسَيِ السَّرْج، فالطرَفُ الذي يلي ذنب
البعير آخِرةُ الرحل ومُؤْخِرَتُه، والطرف الذي يلي رأْس البعير واسِطُ
الرحل، بلا هاء، ولم يسمَّ واسطاً لأَنه وَسَطٌ بين الآخرة والقادِمة كما
قال الليث: ولا قادمة للرحل بَتَّةً إِنما القادمةُ الواحدةُ من قَوادِم
الرِّيش، ولضَرْع الناقة قادِمان وآخِران، بغير هاء، وكلام العرب يُدَوَّن
في الصحف من حيث يصح، إِمّا أَن يُؤْخَذَ عن إِمام ثِقَة عَرَفَ كلام
العرب وشاهَدَهم، أَو يقبل من مؤدّ ثقة يروي عن الثقات المقبولين، فأَما
عباراتُ مَن لا معرفة له ولا أَمانة فإِنه يُفسد الكلام ويُزيله عن صِيغته؛
قال: وقرأْت في كتاب ابن شميل في باب الرحال قال: وفي الرحل واسِطُه
وآخِرَتُه ومَوْرِكُه، فواسطه مُقَدَّمه الطويل الذي يلي صدر الراكب، وأَما
آخِرته فمُؤخرَته وهي خشبته الطويلة العريضة التي تحاذي رأْس الراكب،
قال: والآخرةُ والواسط الشرْخان. ويقال: ركب بين شَرْخَيْ رحله، وهذا الذي
وصفه النضْر كله صحيح لا شك فيه. قال أَبو منصور: وأَما واسِطةُ القِلادة
فهي الجوهرة الفاخرة التي تجعل وسْطها. والإِصْبع الوُسطى.
وواسِطُ: موضع بين الجَزيرة ونَجْد، يصرف ولا يصرف. وواسِط: موضع بين
البصرة والكوفة وُصف به لتوسُّطِه ما بينهما وغلبــت الصفة وصار اسماً كما
قال:
ونابِغةُ الجَعْدِيُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه،
عليه تُرابٌ من صَفِيحٍ مُوَضَّع
قال سيبويه: سموه واسطاً لأَنه مكان وسَطٌ بين البصرة والكوفة: فلو
أَرادوا التأْنيث قالوا واسطة، ومعنى الصفة فيه وإِن لم يكن في لفظه لام. قال
الجوهري: وواسِط بلد سمي بالقصر الذي بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة،
وهو مذكر مصروف لأَن أَسماء البُلدان الغالب عليه التأْنيث وتركُ الصرف،
إِلاَّ مِنىً والشام والعراق وواسطاً ودابِقاً وفَلْجاً وهَجَراً فإِنها
تذكر وتصرف؛ قال: ويجوز أَن تريد بها البقعة أَو البلْدة فلا تصرفه كما
قال الفرزدق يرثي به عمرو بن عبيد اللّه بن مَعْمر:
أَمّا قُرَيْشٌ، أَبا حَفْصٍ، فقد رُزِئتْ
بالشامِ، إِذ فارَقَتْك، السمْعَ والبَصَرا
كم من جَبانٍ إِلى الهَيْجا دَلَفْتَ به،
يومَ اللِّقاء، ولولا أَنتَ ما صَبرا
مِنهنَّ أَيامُ صِدْقٍ، قد عُرِفْتَ بها،
أَيامُ واسِطَ والأَيامُ مِن هَجَرا
وقولهم في المثل: تَغافَلْ كأَنَّك واسِطِيٌّ؛ قال المبرد: أَصله أَن
الحجاج كان يتسخَّرُهم في البِناء فيَهْرُبون ويَنامون وسْط الغُرباء في
المسجد، فيجيء الشُّرَطِيُّ فيقول: يا واسِطيّ، فمن رفع رأْسه أَخذه وحمله
فلذلك كانوا يتَغافلون.
والوَسُوط من بيوت الشعَر: أَصغرها. والوَسُوط من الإِبل: التي تَجُرُّ
أَربعين يوماً بعد السنة؛ هذه عن ابن الأَعرابي، قال: فأَما الجَرُور فهي
التي تجرّ بعد السنة ثلاثة أَشهر، وقد ذكر ذلك في بابه. والواسطُ:
الباب، هُذَليّة.
شرف: الشَّرَفُ: الحَسَبُ بالآباء، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفاً وشُرْفَةً
وشَرافةً، فهو شريفٌ، والجمع أَشْرافٌ. غيره: والشَّرَفُ والمَجْدُ لا
يكونانِ إلا بالآباء. ويقال: رجل شريفٌ ورجل ماجدٌ له آباءٌ متقدِّمون في
الشرَف. قال: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وإن لم يكن له آباء لهم شَرَفٌ.
والشَّرَفُ: مصدر الشَّريف من الناس. وشَريفٌ وأَشْرافٌ مثل نَصِيرٍ
وأَنْصار وشَهِيد وأَشْهادٍ، الجوهري: والجمع شُرَفاء وأَشْرافٌ، وقد شَرُفَ،
بالضم، فهو شريف اليوم، وشارِفٌ عن قليل أَي سيصير شريفاً؛ قال الجوهري:
ذكره الفراء. وفي حديث الشعبي: قيل للأَعمش: لمَ لمْ تَسْتَكْثِر من
الشعبي؟ قال: كان يَحْتَقِرُني كنت آتِيه مع إبراهيم فَيُرَحِّبُ به ويقول
لي: اقْعُدْ ثَمَّ أَيـُّها العبدُ ثم يقول:
لا نَرْفَعُ العبدَ فوق سُنَّته،
ما دامَ فِينا بأَرْضِنا شَرَفُ
أَي شريف. يقال: هو شَرَفُ قومه وكَرَمُهم أَي شَريفُهُم وكَريمهم،
واستعمل أَبو إسحق الشَّرَفَ في القرآن فقال: أَشْرَفُ آيةٍ في القرآن آيةُ
الكرسي.
والمَشْرُوفُ: المفضول. وقد شَرَفه وشَرَفَ عليه وشَرَّفَه: جعل له
شَرَفاً؛ وكل ما فَضَلَ على شيء، فقد شَرَفَ. وشارَفَه فَشَرَفَه يَشْرُفه:
فاقَه في الشرفِ؛ عن ابن جني. وَشَرفْتُه أَشْرُفه شَرْفاً أَي غَلَبْــته
بالشرَفِ، فهو مَشْرُوف، وفلان أَشْرَفُ منه. وشارَفْتُ الرجل: فاخرته
أَيـُّنا أَشْرَفُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قال: ما
ذِئبان عادِيانِ أَصابا فَريقة غَنَمٍ بأَفْسَدَ فيها من حُبِّ المرء
المالَ والشَّرَفَ لِدِينه؛ يريد أَنه يَتَشَرَّفُ للمُباراةِ والمُفاخَرةِ
والمُساماةِ. الجوهري: وشَرَّفَه اللّه تَشْريفاً وتَشَرَّفَ بكذا أَي
عَدَّه شَرَفاً، وشَرَّفَ العظْمَ إذا كان قليل اللحم فأَخذ لحمَ عظم آخرَ
ووضَعَه عليه؛ وقول جرير:
إذا ما تَعاظَمْتُمْ جُعُوراً، فَشَرِّفُوا
جَحِيشاً، إذا آبَتْ من الصَّيْفِ عِيرُها
قال ابن سيده: أَرى أَنَّ معناه إذا عَظُمَتْ في أَعينكم هذه القبيلة من
قبائلكم فزيدوا منها في جَحِيش هذه القبيلة القليلة الذليلة، فهو على
نحو تَشْريفِ العظْمِ باللَّحم.
والشُّرْفةُ: أَعلى الشيء. والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، والجمع أَشْرافٌ؛
قال الأَخطل:
وقد أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا،
وأُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ
ابن بزرج: قالوا: لك الشُّرْفةُ في فُؤَادي على الناس.
شمر: الشَّرَفُ كل نَشْزٍ من الأَرض قد أَشْرَفَ على ما حوله، قادَ أَو
لم يَقُد، سواء كان رَمْلاً أَو جَبَلاً، وإنما يطول نحواً من عشْر
أَذرُع أَو خمس، قَلَّ عِرَضُ طهره أَو كثر. وجبل مُشْرِفٌ: عالٍ. والشَّرَفُ
من الأَرض: ما أَشْرَفَ لك. ويقال: أَشْرَفَ لي شَرَفٌ فما زِلْتُ
أَرْكُضُ حتى علوته؛ قال الهذلي:
إذا ما اشْتَأَى شَرَفاً قَبْلَه
وواكَظَ، أَوْشَكَ منه اقْتِرابا
الجوهري: الشَّرَفُ العُلُوُّ والمكان العالي؛ وقال الشاعر:
آتي النَّدِيَّ فلا يُقَرَّبُ مَجْلِسي،
وأَقُود للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِماري
يقول: إني خَرِفْت فلا يُنتفع برَأْيي، وكبِرْت فلا أَستطيع أَن أَركب
من الأَرض حماري إلا من مكان عال. الليث: المُشْرَفُ المكان الذي تُشْرِفُ
عليه وتعلوه. قال: ومَشارِفُ الأَرض أَعاليها. ولذلك قيل: مَشارِفُ
الشَّامِ. الأَصمعي: شُرْفةُ المال خِيارُه، والجمع الشُّرَفُ. ويقال: إني
أَعُدُّ إتْيانَكم شُرْفةً وأَرى ذلك شُرْفةً أَي فَضْلاً وشَرَفاً.
وأَشْرافُ الإنسان: أُذُناه وأَنـْفُه؛ وقال عديّ:
كَقَصِير إذ لم يَجِدْ غير أَنْ جَدْ
دَعَ أَشْرافَه لمَكْر قَصِير
ابن سيده: الأَشْرافُ أَعلى الإنسانِ، والإشرافُ: الانتصابُ. وفرس
مُشْتَرِفٌ أَي مُشْرِفُ الخَلْق. وفرس مُشْتَرِفٌ: مُشْرِفُ أَعالي العظام.
وأَشْرَف الشيءَ وعلى الشيء: عَلاه. وتَشَرَّفَ عليه: كأَشْرَفَ.
وأَشْرَفَ الشيءُ: علا وارتفع. وشَرَفُ البعير: سَنامه، قال الشاعر:
شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ
وأُذُن شَرْفاء أَي طويلة. والشَّرْفاء من الآذان: الطويلة القُوفِ
القائمة المُشْرِفةُ وكذلك الشُّرافِيَّة، وقيل: هي المنتصبة في طول، وناقة
شَرْفاء وشُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأُذنين جسيمة، وضَبٌّ شُرافيٌّ كذلك،
ويَرْبُوعٌ شُرافيّ؛ قال:
وإني لأَصْطادُ اليَرابيعَ كُلَّها:
شُرافِيَّها والتَّدْمُريَّ المُقَصِّعا
ومنكب أَشْرَفُ: عال، وهو الذي فيه ارتفاع حَسَنٌ وهو نقِيض الأَهدإِ.
يقال منه: شَرِفَ يَشْرَفُ شَرَفاً، وقوله أَنشده ثعلب:
جَزى اللّهُ عَنَّا جَعْفَراً، حين أَشْرَفَتْ
بنا نَعْلُنا في الواطِئين فَزَلَّتِ
لم يفسره وقال: كذا أَنشدَناه عمر بن شَبَّة، وقال: ويروى حين
أَزْلَفَتْ؛ قال ابن سيده: وقوله هكذا أَنشدناه تَبَرُّؤٌ من الرواية.
والشُّرْفةُ: ما يوضع على أَعالي القُصور والمدُن، والجمع شُرَفٌ.
وشَرَّفَ الحائطَ: جعل له شُرْفةً. وقصر مُشَرَّفٌ: مطوَّل.
والمَشْرُوف: الذي قد شَرَفَ عليه غيره، يقال: قد شَرَفَه فَشَرَفَ عليه. وفي حديث
ابن عباس: أُمِرْنا أَن نَبْني المَدائِنَ شُرَفاً والمساجِدَ جُمّاً؛
أَراد بالشُّرَفِ التي طُوّلت أَبْنِيَتُها بالشُّرَفِ، الواحدة شُرْفةٌ،
وهو على شَرَفِ أَمر أَي شَفًى منه. والشَّرَفُ: الإشْفاء على خَطَر من خير
أَو شر.
وأَشْرَفَ لك الشيءُ: أَمْكَنَك. وشارَفَ الشيءَ: دنا منه وقارَبَ أَن
يَظْفَرَ به. ويقال: ساروا إليهم حتى شارَفُوهم أَي أَشْرَفُوا عليهم.
ويقال: ما يُشْرِفُ له شيء إلا أَخذه، وما يُطِفُّ له شيء إلا أَخذه، وما
يُوهِفُ له شيء إلا أَخذه. وفي حديث عليّ، كرم اللّه وجهه: أُمِرْنا في
الأَضاحي أَن نَسْتَشْرفَ العين والأُذن؛ معناه أَي نتأَمل سلامتهما من آفةٍ
تكون بهما، وآفةُ العين عَوَرُها، وآفة الأُذن قَطْعها، فإذا سَلِمَت
الأُضْحِية من العَوَر في العين والجَدْعِ في الأَذن جاز أَن يُضَحَّى بها،
إذا كانت عَوْراء أَو جَدْعاء أَو مُقابَلَةً أَو مُدابَرَةً أَو
خَرْقاء أَو شَرْقاء لم يُضَحَّ بها، وقيل: اسْتِشْرافُ العين والأُذن أَن
يطلبهما شَريفَيْن بالتمام والسلامة، وقيل: هو من الشُّرْفةِ وهي خِيارُ
المال أَي أُمِرْنا أَن نتخيرها. وأَشْرَفَ على الموت وأَشْفى: قارَبَ.
وتَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وضع يده على حاجِبِه كالذي يَسْتَظِلُّ من
الشمس حتى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه؛ ومنه قول ابن مُطَيْر:
فَيا عَجَباً للناسِ يَسْتَشْرِفُونَني،
كأَنْ لم يَرَوا بَعْدي مُحِبّاً ولا قبْلي
وفي حديث أَبي طلحة، رضي اللّه عنه: أَنه كان حسَنَ الرمْي فكان إذا رمى
اسْتَشْرَفَه النبي، صلى اللّه عليه وسلم، لينظر إلى مَواقِعِ نَبْله
أَي يُحَقِّقُ نظره ويَطَّلِعُ عليه. والاسْتِشْرافُ: أَن تَضَع يدك على
حاجبك وتنظر، وأَصله من الشرَف العُلُوّ كأَنه ينظر إليه من موضع مُرْتَفِع
فيكون أَكثر لإدراكه. وفي حديث أَبي عبيدة: قال لعمر، رضي اللّه عنهما،
لما قَدِمَ الشامَ وخرج أَهلُه يستقبلونه: ما يَسُرُّني أَن أَهلَ هذا
البلد اسْتَشْرَفُوك أَي خرجوا إلى لقائك، وإنما قال له ذلك لأن عمر، رضي
اللّه عنه، لما قدم الشام ما تَزَيَّا بِزِيِّ الأُمراء فخشي أَن لا
يَسْتَعْظِمُوه. وفي حديث الفِتَن: من تَشَرَّفَ لها اسْتَشْرَفَتْ له أَي من
تَطَلَّعَ إليها وتَعَرَّضَ لها واتَتْه فوقع فيها. وفي الحديث: لا
تُشْرِفْ يُصِبْك سهم أَي لا تَتَشَرَّفْ من أَعْلى الموضع؛ ومنه الحديث: حتى
إذا شارَفَتِ انقضاء عدّتها أَي قَرُبَت منها وأَشْرَفَت عليها. وفي
الحديث عن سالم عن أَبيه: أَن رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، كان يُعْطِي
عُمَر العطاء فيقول له عمر: يا رسولَ اللّه أَعْطِه أَفْقَرَ إليه مني،
فقال له رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم: خُذْه فتَمَوَّلْه أَو
تَصَدَّقْ به، وما جاءك من هذا المال وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ له ولا سائل فخذه وما
لا فلا تُتْبِعْه نفسَك، قال سالم: فمن أجل ذلك كان عبد اللّه لا
يَسْأَلُ أحداً شيئاً ولا يُرُدُّ شيئاً أُعْطِيَه؛ وقال شمر في قوله وأَنت غير
مُشْرِفٍ له قال: ما تُشْرِفُ عليه وتَحَدَّثُ به نفسك وتتمناه؛ وأَنشد:
لقد عَلِمْتُ، وما الإشْرافُ من طَمَعي،
أَنَّ الذي هُو رِزْقي سَوْفَ يأْتيني
(* قوله «من طمعي» في شرح ابن هشام لبانت سعاد: من خلقي.)
وقال ابن الأَعرابي: الإشْرافُ الحِرْصُ. وروي في الحديث: وأَنتَ غيرُ
مُشْرِفٍ له أَو مُشارِفٍ فخذه. وقال ابن الأعرابي: اسْتَشْرَفَني حَقّي
أَي ظَلمَني؛ وقال ابن الرِّقاع:
ولقد يَخْفِضُ المُجاوِرُ فيهمْ،
غيرَ مُسْتَشْرَفٍ ولا مَظْلوم
قال: غيرَ مُسْتَشْرَف أَي غيرَ مظلوم. ويقال: أَشْرَفْتُ الشيءَ
عَلَوْتُه، وأَشْرَفْتُ عليه: اطَّلَعْتُ عليه من فوق، أَراد ما جاءك منه وأَنت
غيرُ مُتَطَلِّع إليه ولا طامِع فيه، وقال الليث: اسْتَشْرَفْتُ الشيءَ
إذا رَفَعْتَ رأْسَك أَو بصَرك تنظر إليه. وفي الحديث: لا يَنْتَهِبُ
نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ وهو مؤمِنٌ أَي ذاتَ قَدْر وقِيمة ورِفْعةٍ يرفع الناسُ
أَبصارهم للنظر إليها ويَسْتَشْرفونها. وفي الحديث: لا تَشَرَّفُوا
(*
قوله «لا تشرفوا» كذا بالأصل، والذي في النهاية: لا تستشرفوا.) للبلاء؛
قال شمر: التَّشَرُّف للشيء التَّطَلُّعُ والنظرُ إليه وحديثُ النفْسِ
وتَوَقُّعُه؛ ومنه: فلا يَتَشَرَّفُ إبلَ فلان أَي يَتَعَيَّنُها. وأَشْرَفْت
عليه: اطَّلَعْتُ عليه من فوق، وذلك الموضع مُشْرَفٌ. وشارَفْتُ الشيء
أَي أَشْرَفْت عليه. وفي الحديث: اسْتَشْرَفَ لهم ناسٌ أَي رفعوا رؤُوسَهم
وأَبصارَهم؛ قال أَبو منصور في حديث سالم: معناه وأَنت غير طامع ولا
طامِحٍ إليه ومُتَوَقِّع له. وروي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال:
من أَخَذَ الدنيا بإشرافِ نفْس لم يُبارَك له فيها، ومن أَخذها بسخاوةِ
نَفْس بُورِك له فيها، أَي بحرْصٍ وطَمَعٍ. وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ
وأَشْرَفْتُه أَي علوته؛ قال العجاج:
ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَن تَشَرَّفا،
أَشْرَفْتُه بلا شَفًى أَو بِشَفى
قال الجوهري: بلا شَفًى أَي حين غابت الشمس، أَو بشَفًى أَي بقِيَتْ من
الشمس بقِيّة. يقال عند غروب الشمس: ما بَقِيَ منها إلا شَفًى.
واسْتَشْرَفَ إبلَهم: تَعَيَّنَها ليُصِيبها بالعين.
والشارِفُ من الإبل: المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، والجمع شَوارِفُ وشُرَّفٌ
وشُرُفٌ وشُرُوفٌ، وقد شَرُفَتْ وشَرَفَتْ تَشْرُف شُرُوفاً. والشارِفُ:
الناقةُ التي قد أَسَنَّتْ. وقال ابن الأعرابي: الشارِفُ الناقة
الهِمّةُ، والجمع شُرْفٌ وشَوارِفُ مثل بازِلٍ وبُزْلٍ، ولا يقال للجمل شارِفٌ؛
وأَنشد الليث:
نَجاة من الهُوجِ المَراسِيلِ هِمَّة،
كُمَيْت عليها كَبْرةٌ، فهي شارفُ
وفي حديث عليّ وحَمْزة، عليهما السلام:
أَلا يا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّواء،
فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِناء
هي جمع شارِفٍ وتضمُّ راؤُها وتسكن تخفيفاً، ويروى ذا الشرَف، بفتح
الراء والشين، أَي ذا العَلاء والرِّفْعةِ. وفي حديث ابن زمْل: وإذا أَمام
ذلك ناقةٌ عَجْفاء شارِفٌ؛ هي المُسِنّةُ. وفي الحديث: إذا كان كذا وكذا
أَنى أَن يَخْرُجَ بكم الشُّرْفُ الجُونُ، قالوا: يا رسول اللّه وما
الشُّرْفُ الجُون؟ قال: فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظْلمِ؛ قال أَبو بكر:
الشُّرْفُ جمع شارِفٍ وهي الناقة الهَرِمةُ، شبَّه الفِتَنَ في اتِّصالها
وامْتِداد أَوقاتها بالنُّوق المُسِنَّة السُّود، والجُونُ: السود؛ قال ابن
الأَثير: هكذا يروى بسكون الراء
(* قوله «يروى بسكون الراء» في القاموس:
وفي الحديث أتتكم الشرف الجون بضمتين.) وهي جمع قليل في جمع فاعل لم يَردْ
إلا في أَسماء معدودة، وفي رواية أُخرى: الشُّرْقُ الجُون، بالقاف، وهو
جمع شارِق وهو الذي يأْتي من ناحية المَشْرِق، وشُرْفٌ جمع شارِفٍ نادر لم
يأْت مثلَه إلا أَحرف معدودة: بازِلٌ وبُزْلٌ وحائلٌ وحُولٌ وعائذٌ
وعُوذٌ وعائطٌ وعُوطٌ. وسهم شارِفٌ: بعيد العهد بالصِّيانةِ، وقيل: هو الذي
انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هو الدقيق الطويل. غيره: وسهم شارِفٌ
إذا وُصِف بالعُتْق والقِدَم؛ قال أَوس بن حجر:
يُقَلِّبُ سَهْماً راشَه بمَناكِبٍ
ظُهار لُؤامٍ، فهو أَعْجَفُ شارِفُ
الليث: يقال أَشْرَفَتْ علينا نفْسُه، فهو مُشْرِفٌ علينا أَي مُشْفِقٌ.
والإشْرافُ: الشَّفَقة؛ وأَنشد:
ومن مُضَرَ الحَمْراء إشْرافُ أَنْفُسٍ
علينا، وحَيّاها إلينا تَمَضُّرا
ودَنٌّ شارِفٌ: قدِيمُ الخَمْر؛ قال الأَخطل:
سُلافةٌ حَصَلَتْ من شارِفٍ حَلِقٍ،
كأَنـَّما فارَ منها أَبْجَرٌ نَعِرُ
وقول بشر:
وطائرٌ أَشْرَفُ ذو خُزْرةٍ،
وطائرٌ ليس له وَكْرُ
قال عمرو: الأَشْرفُ من الطير الخُفّاشُ لأَنَّ لأُذُنيه حَجْماً
ظاهراً، وهو مُنْجَرِدٌ من الزِّفِّ والرِّيش، وهو يَلِدُ ولا يبيض، والطير
الذي ليس له وكر طير يُخبِر عنه البحريون أَنه لا يَسْقط إلا ريثما يَجْعَلُ
لبَيْضِه أُفْحُوصاً من تراب ويُغَطِّي عليه ثم يَطِيرُ في الهواء وبيضه
يتفَقَّس من نفسه عند انتهاء مدته، فإذا أَطاق فَرْخُه الطيَران كان
كأَبوَيه في عادتهما. والإشْرافُ: سُرعةُ عَدْوِ الخيل. وشَرَّفَ الناقةَ:
كادَ يَقْطَعُ أَخلافها بالصَّرّ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
جَمَعْتُها من أَيْنُقٍ غِزارِ،
من اللَّوا شُرِّفْنَ بالصِّرارِ
أَراد من اللواتي، وإنما يُفعل بها ذلك ليَبْقى بُدْنُها وسِمَنُها
فيُحْمَل عليها في السنة المُقْبلة. قال ابن الأَعرابي: ليس من الشَّرَف ولكن
من التشريف، وهو أَن تَكادَ تقطع أَخْلافها بالصِّرار فيؤثِّر في
أَخْلافِها؛ وقول العجاج يذكر عَيْراً يَطْرُد أُتُنه:
وإنْ حَداها شَرَفاً مُغَرِّبا،
رَفَّهَ عن أَنـْفاسِه وما رَبا
حَداها: ساقها، شرفاً أَي وجْهاً. يقال: طَرَده شرَفاً أَو شَرَفَين،
يريد وجْهاً أَو وجْهَين؛ مُغَرِّباً: مُتَباعداً بعيداً؛ رَفَّهَ عن
أَنفاسه أَي نَفَّسَ وفرَّجَ. وعَدا شَرَفاً أَو شَرَفَينِ أَي شَوْطاً أَو
شَوْطَيْنِ. وفي حديث الخيل: فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أو شَرَفين؛ عَدَتْ
شَوْطاً أَو شَوْطَيْن.
والمَشارِفُ: قُرًى من أَرض اليمن، وقيل: من أَرض العرب تَدْنُو من
الرِّيف، والسُّيُوفُ المَشْرَفِيّةُ مَنْسوبة إليها. يقال: سَيفٌ مَشْرَفيّ،
ولا يقال مَشارِفيٌّ لأَن الجمع لا يُنسب إليه إذا كان على هذا الوزن،
لا يقال مَهالِبيّ ولا جَعَافِرِيٌّ ولا عَباقِرِيٌّ. وفي حديث سَطِيح:
يسكن مَشارِفَ الشام؛ هي كل قرية بين بلاد الرِّيفِ وبين جزيرة العرب، قيل
لها ذلك لأَنها أشْرَفَتْ على السواد، ويقال لها أَيضاً المَزارِعُ
والبَراغِيلُ، وقيل: هي القرى التي تَقْرُب من المدن.
ابن الأَعرابي: العُمَرِيَّةُ ثياب مصبوغة بالشَّرَفِ، وهو طين أَحمر.
وثوب مُشَرَّفٌ: مصبوغ بالشَّرَف؛ وأَنشد:
أَلا لا تَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيّةٌ،
على غَمْلَجٍ طالَتْ وتَمَّ قَوامُها
ويقال شَرْفٌ وشَرَفٌ للمَغْرةِ. وقال الليث: الشَّرَفُ له صِبْغٌ أَحمر
يقال له الدّارْبَرْنَيان؛ قال أَبو منصور: والقول ما قال ابن الأعرابي
في المُشَرَّفِ. وفي حديث عائشة: أَنها سُئِلَتْ عن الخِمار يُصْبَغُ
بالشَّرْف فلم ترَ به بأْساً؛ قال: هو نبت أَحمر تُصْبَغ به الثياب.
والشُّرافيُّ: لَوْنٌ من الثياب أَبيض.
وشُرَيفٌ: أَطولُ جبل في بلاد العرب. ابن سيده: والشُّرَيْف جبل تزعم
العرب أَنه أَطول جبل في الأَرض. وشَرَفٌ: جبل آخرُ يقرب منه. والأَشْرَفُ:
اسم رجل: وشِرافُ وشَرافِ مَبْنِيَّةً: اسم ماء بعينه. وشَراف: موضع؛ عن
ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
لقد غِظْتَني بالحَزْمِ حَزْمِ كُتَيْفةٍ،
ويومَ الْتَقَيْنا من وراء شَرافِ
(* قوله «غظتني بالحزم حزم» في معجم ياقوت: عضني بالجوّ جوّ.)
التهذيب: وشَرافِ ماء لبني أَسد. ابن السكيت: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ،
قال: وكانت الملوك من بني آكِل المُرار تَنزِلُها، وفيها حِمَى ضَرِيّةَ،
وضرِيّة بئر، وفي الشرف الرَّبَذةُ وهي الحِمَى الأَيمنُ، والشُّرَيْفُ
إلى جنبه، يَفْرُق بين الشرَف والشُّريفِ وادٍ يقال له التَّسْرِيرُ، فما
كان مُشَرِّقاً فهو الشُّرَيْف، وما كان مغرِّياً، فهو الشرَفُ؛ قال
أَبو منصور: وقولُ ابن السكّيت في الشرَف والشُّريف صحيح. وفي حديث ابن
مسعود، رضي اللّه عنه: يُوشِكُ أَن لا يكونَ بين شَرافِ وأَرضِ كذا جَمَّاءُ
ولا ذاتُ قَرْن؛ شَرافِ: موضع، وقيل: ماء لبني أَسد. وفي الحديث: أَن عمر
حمى الشَّرَفَ والرَّبَذَةَ؛ قال ابن الأَثير: كذا روي بالشين وفتح
الراء، قال: وبعضهم يرويه بالمهملة وكسر الراء. وفي الحديث: ما أُحِبُّ أَن
أَنْفُخَ في الصلاة وأَن لي مَمَرَّ الشرَفِ. والشُّرَيْفُ، مُصَغّر: ماء
لبني نُمير. والشاروفُ: جبل، وهو موَلَّد. والشاروفُ: المِكْنَسةُ، وهو
فارسيٌّ معرَّب. وأَبو الشَّرفاء: من كُناهم؛ قال:
أَنا أَبو الشَّرْفاء مَنَّاعُ الخَفَرْ
أَراد مَنّاع أَهل الخفر.
زور: الزَّوْرُ: الصَّدْرُ، وقيل: وسط الصدر، وقيل: أَعلى الصدر، وقيل:
مُلْتَقَى أَطراف عظام الصدر حيث اجتمعت، وقيل: هو جماعة الصَّدْرِ من
الخُفِّ، والجمع أَزوار. والزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ وقيل: هو إِشراف
أَحد جانبيه على الآخر، زَوِرَ زَورَاً، فهو أَزْوَرُ. وكلب أَزْوَرُ: قد
اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وخرج كَلْكَلُه كأَنه قد عُصِرَ جانباه، وهو
في غير الكلاب مَيَلٌ مَّا لاً يكون مُعْتَدِلَ التربيع نحو الكِرْكِرَةِ
واللِّبْدَةِ، ويستحب في الفرس أَن يكون في زَوْرِه ضِيقٌ وأَن يكون
رَحْبَ اللَّبَانِ، كما قال عبدالله بن سليمة
(* قوله: «عبدالله بن سليمة»
وقيل ابن سليم، وقبله:
ولقد غدوت على القبيص بشيظم * كالجذع وسط الجنة المفروس
كذا بخط السيد مرتضى بهامش الأَصل).
مُتَقَارِب الثَّفِناتِ، ضَيْق زَوْرُه،
رَحْب اللَّبَانِ، شَدِيد طَيِّ ضَريسِ
قال الجوهري: وقد فرق بين الزَّوْرِ واللَّبانِ كما ترى. والزَّوَرُ في
صدر الفرس: دخولُ إِحدى الفَهْدَتَيْنِ وخروجُ الأُخرى؛ وفي قصيد كعب ابن
زهير:
في خَلْقِها عن بناتِ الزَّوْرِ تفضيلُ
الزَّوْرُ: الصدر. وبناته: ما حواليه من الأَضلاع وغيرها.
والزَّوَرُ، بالتحريك: المَيَلُ وهو مثل الصَّعَر.
وعَنُقٌ أَزْوَرُ: مائل. والمُزَوَّرُ من الإِبل: الذي يَسُلُّه
المُزَمَّرُ من بطن أُمه فَيَعْوَجُّ صدره فيغمزه ليقيمه فيبقى فيه من غَمْزِه
أَثر يعلم أَنه مُزَوَّرٌ. وركية زَوْراءُ: غير مستقيمة الحَفْرِ.
والزَّوْراءُ: البئر البعيدة القعر؛ قال الشاعر:
إِذْ تَجْعَلُ الجارَ في زَوْراءَ مُظْلِمَةٍ
زَلْخَ المُقامِ، وتَطْوي دونه المَرَسَا
وأَرض زَوْراءُ: بعيدة؛ قال الأَعشى:
يَسْقِي دِياراً لها قد أَصْبَحَتْ غَرَضاً
زَوْراءَ، أَجْنَفَ عنها القَوْدُ والرَّسَلُ
ومفازة زَوْراءُ: مائلة عن السَّمْتِ والقصدِ. وفلاة زَوْراءُ: بعيدة
فيها ازْوِرَارٌ. وقَوْسٌ زَوْراءُ: معطوفة. وقال الفراء في قوله تعالى:
وترى الشمسَ إِذا طلعتْ تَزاوَرُ عن كَهْفِهِمْ ذاتَ اليمين؛ قرأَ بعضهم:
تَزْوَارُ يريد تَتَزاوَرُ، وقرأَ بعضهم: تَزْوَرُّ وتَزْوَارُّ، قال:
وازْوِرارُها في هذا الموضع أَنها كانت تَطْلُع على كهفهم ذات اليمين فلا
تصيبهم وتَغْرُبُ على كهفهم ذات الشمال فلا تصيبهم، وقال الأَخفش: تزاور عن
كهفهم أَي تميل؛ وأَنشد:
ودونَ لَيْلَى بَلَدٌ سَمَهْدَرُ،
جَدْبُ المُنَدَّى عن هَوانا أَزْوَرُ،
يُنْضِي المَطَايا خِمْسُه العَشَنْزَرُ
قال: والزَّوَرُ مَيَلٌ في وسط الصدر، ويقال للقوس زَوْراءُ لميلهَا،
وللجيش أَزْوَرُ. والأَزْوَرُ: الذي ينظر بِمُؤْخِرِ عينه. قال الأَزهري:
سمعت العرب تقول للبعير المائل السَّنَامِ: هذا البعير زَوْرٌ. وناقة
زَوْرَةٌ: قوية غليظة. وناقة زَوْرَة: تنظر بِمُؤْخِرِ عينها لشدّتها
وحدّتها؛ قال صخر الغيّ:
وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ،
كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا
ويروى: زُورَةٍ، والأَوّل أَعرف. قال أَبو عمرو: على زَوْرَةٍ أَي على
ناقة شديدة؛ ويقال: فيه ازْوِرارٌ وحَدْرٌ، ويقال: أَراد على فلاة غير
قاصدة. وناقة زِوَرَّةُ أَسفار أَي مُهَيَّأَة للأَسفار مُعَدَّة. ويقال
فيها ازْوِرارٌ من نشاطها.
أَبو زيد: زَوَّرَ الطائر تَزْوِيراً إِذا ارتفعت حَوْصَلَتُه؛ ويقال
للحوصلة: الزَّارَةُ والزَّاوُورَةُ والزَّاوِرَةُ.
وزَاوَرَةُ القَطاةِ، مفتوح الواو: ما حملت فيه الماء لفراخها.
والازْوِزارُ عن الشيء: العدول عنه، وقد ازْوَرَّ عنه ازْوِراراً
وازْوارَّ عنه ازْوِيرَاراً وتَزاوَرَ عنه تَزاوُراً، كله بمعنى: عَدَلَ عنه
وانحرفَ. وقرئ: تَزَّاوَرُ عن كهفهم، وهو مدغم تَتَزَاوَرُ.
والزَّوْراءُ: مِشْرَبَةٌ من فضة مستطيلة شبه التَّلْتَلَةِ.
والزَّوْرَاءُ: القَدَحُ؛ قال النابغة:
وتُسْقى، إِذا ما شئتَ، غَيْرَ مُصَرَّدٍ
بِزَوْراءَ، في حافاتها المِسْكُ كانِعُ
وزَوَّرَ الطائرُ: امتلأَت حوصلته.
والزِّوار: حبل يُشَدُّ من التصدير إِلى خلف الكِرْكِرَةِ حتى يثبت
لئلاَّ يصيب الحَقَبُ الثِّيلَ فيحتبسَ بوله، والجمع أَزْوِرَةٌ.
وزَوْرُ القوم: رئيسهم وسيدهم.
ورجل زُوارٌ وزُوارَةٌ: غليظ إِلى القصر. قال الأَزهري: قرأْت في كتاب
الليث في هذا الباب: يقال للرجل إِذا كان غليظاً إِلى القصر ما هو: إِنه
لَزُوارٌ وزُوَارِيَةٌ؛ قال أَبو منصور: وهذا تصحيف منكر والصواب إِنه
لَزُوازٌ وزُوَازِيَةٌ، بزايين، قال: قال ذلك أَبو عمرو وابن الأَعرابي
وغيرهما.
والزَّوْرُ: العزيمة. وما له زَوْرٌ وزُورٌ ولا صَيُّورٌ بمعنًى أَي ما
له رأْي وعقل يرجع إِليه؛ الضم عن يعقوب والفتح عن أَبي عبيد، وذلك أَنه
قال لا زَوْرَ له ولا صَيُّورَ، قال: وأُراه إِنما أَراد لا زَبْرَ له
فغيره إِذ كتبه. أَبو عبيدة في قولهم ليس لهم زَوْرٌ: أَي ليس لهم قوّة ولا
رأْي. وحبل له زَوْرٌ أَي قوّة؛ قال: وهذا وفاق وقع بين العربية
والفارسية والزَّوْرُ: الزائرون. وزاره يَزُورُه زَوْراً وزِيارَةً وزُوَارَةً
وازْدَارَهُ: عاده افْتَعَلَ من الزيارة؛ قال أَبو كبير:
فدخلتُ بيتاً غيرَ بيتِ سِنَاخَةٍ،
وازْدَرْتُ مُزْدَارَ الكَريم المِفْضَلِ
والزَّوْرَةُ: المرَّة الواحدة. ورجل زائر من قوم زُوَّرٍ وزُوَّارٍ
وزَوْرٍ؛ الأَخيرة اسم للجمع، وقيل: هو جمع زائر. والزَّوْرُ: الذي
يَزُورُك. ورجل زَوْرٌ وقوم زَوْرٌ وامرأَة زَوْرٌ ونساء زَوْرٌ، يكون للواحد
والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد لأَنه مصدر؛ قال:
حُبَّ بالزَّوْرِ الذي لا يُرَى
منه، إِلاَّ صَفْحَةٌ عن لِمام
وقال في نسوة زَوْرٍ:
ومَشْيُهُنَّ بالكَثِيبِ مَوْرُ،
كما تَهادَى الفَتَياتُ الزَّوْرُ
وامرأَة زائرة من نسوة زُورٍ؛ عن سيبويه، وكذلك في المذكر كعائذ وعُوذ.
الجوهري: نسوة زُوَّرٌ وزَوْرٌ مثل نُوَّحٍ ونَوْحٍ وزائرات، ورجل
زَوَّارٌ وزَؤُورٌ؛ قال:
إِذا غاب عنها بعلُها لم أَكُنْ
لها زَؤُوراً، ولم تأْنَسْ إِليَّ كِلابُها
وقد تَزاوَرُوا: زارَ بعضُهم بعضاً. والتَّزْوِيرُ: كرامة الزائر
وإِكرامُ المَزُورِ لِلزَّائرِ. أَبو زيد: زَوِّرُوا فلاناً أَي اذْبَحُوا له
وأَكرموه. والتَّزْوِيرُ: أَن يكرم المَزُورُ زائِرَه ويَعْرِفَ له حق
زيارته، وقال بعضهم: زارَ فلانٌ فلاناً أَي مال إِليه؛ ومنه تَزَاوَرَ عنه
أَي مال عنه. وقد زَوَّرَ القومُ صاحبهم تَزْوِيراً إِذا أَحسنوا إِليه.
وأَزَارَهُ: حمله على الزيارة. وفي حديث طلحة: حتى أَزَرْتُه شَعُوبَ أَي
أَوردته المنيةَ فزارها؛ شعوب: من أَسماء المنية. واسْتَزاره: سأَله أَن
يَزُورَه. والمَزَارُ: الزيارة والمَزَارُ: موضع الزيارة. وفي الحديث:
إِن لِزَوْركَ عليك حقّاً؛ الزَّوْرُ: الزائرُ، وهو في الأَصل مصدر وضع
موضع الاسم كصَوْم ونَوْمٍ بمعنى صائم ونائم. وزَوِرَ يَزْوَرُ إِذا مال.
والزَّوْرَةُ: البُعْدُ، وهو من الازْوِرارِ؛ قال الشاعر:
وماءٍ وردتُ على زَوْرَةٍ
وفي حديث أُم سلمة: أَرسلتُ إِلى عثمان، رضي الله عنه: يا بُنَيَّ ما لي
أَرى رَعِيَّتَكَ عنك مُزْوَرِّينَ أَي معرضين منحرفين؛ يقال: ازْوَرَّ
عنه وازْوَارَّ بمعنًى؛ ومنه شعر عمر:
بالخيل عابسةً زُوراً مناكِبُها
الزُّورُ: جمع أَزْوَرَ من الزَّوَرِ الميل. ابن الأَعرابي: الزَّيِّرُ
من الرجال الغضبانُ المُقاطِعُ لصاحبه. قال: والزِّيرُ الزِّرُّ. قال:
ومن العرب من يقلب أَحد الحرفين المدغمين ياء فيقول في مَرٍّ مَيْرٍ، وفي
زِرٍّ زِيرٍ، وهو الدُّجَةُ، وفي رِزٍّ رِيز. قال أَبو منصور: قوله
الزَّيِّرُ الغضبان أَصله مهموز من زأَر الأَسد. ويقال للعدوّ: زائِرٌ، وهم
الزائرُون؛ قال عنترة:
حَلَّتْ بأَرضِ الزائِرِينَ، فأَصْبَحَتْ
عَسِراً عَلَيَّ طِلاَبُكِ ابْنَةَ مَخْرَمِ
قال بعضهم: أَراد أَنها حلت بأَرض الأَعداء. وقال ابن الأَعرابي: الزائر
الغضبان، بالهمز، والزاير الحبيب. قال: وبيت عنترة يروى بالوجهين، فمن
همز أَراد الأَعداء ومن لم يهمز أَراد الأَحباب.
وزأْرة الأَسد: أَجَمَتُه؛ قال ابن جني: وذلك لاعتياده إِياها وزَوْرِه
لها. والزَّأْرَةُ: الأَجَمَةُ ذات الماء والحلفاء والقَصَبِ.
والزَّأْرَة: الأَجَمَة.
والزِّيرُ: الذي يخالط النساء ويريد حديثهنّ لغير شَرٍّ، والجمع
أَزْوارٌ وأَزْيارٌ؛ الأَخيرة من باب عِيدٍ وأَعياد، وزِيَرَةٌ، والأُنثى زِيرٌ،
وقال بعضهم: لا يوصف به المؤنث، وقيل: الزِّيرُ المُخالِطُ لهنّ في
الباطل، ويقال: فلان زِيرُ نساءٍ إِذا كان يحب زيارتهن ومحادثتهن ومجالستهن،
سمي بذلك لكثرة زيارته لهن، والجمع الزِّيَرَةُ؛ قال رؤبة:
قُلْتُ لزِيرٍ لم تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ
وفي الحديث: لا يزال أَحدكم كاسِراً وسادَهُ يَتَّكِئٌ عليه ويأْخُذُ
في الحديث فِعْلَ الزِّيرِ؛ الزِّيرُ من الرجال: الذي يحب محادثة النساء
ومجالستهن، سمي بذلك لكثرة زيارته لهن، وأَصله من الواو؛ وقول الأَعشى:
تَرَى الزِّيرَ يَبْكِي بها شَجْوَهُ،
مَخَافَةَ أَنْ سَوْفَ يُدْعَى لها
لها: للخمر؛ يقول: زِيرُ العُودِ يبكي مخافة أَن يَطْرَبَ القوْمُ إِذا
شربوا فيعملوا الزَّيرَ لها للخمر، وبها بالخمر؛ وأَنشد يونس:
تَقُولُ الحارِثِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو:
أَهذا زِيرُهُ أَبَداً وزِيرِي؟
قال معناه: أَهذا دأْبه أَبداً ودأْبي.
والزُّور: الكذب والباطل، وقيل: شهادة الباطل. رجل زُورٌ وقوم زُورٌ
وكلام مُزَوَّرٌ ومُتَزَوَّرٌ: مُمَوَّهٌ بكذب، وقيل: مُحَسَّنٌ، وقيل: هو
المُثَقَّفُ قبل أَن يتلكم به؛ ومنه حديث قول عمر، رضي الله عنه: ما
زَوَّرْتُ كلاماً لأَقوله إِلا سبقني به أَبو بكر، وفي رواية: كنت زَوَّرْتُ
في نفسي كلاماً يومَ سَقِيفَةِ بني ساعدة أَي هَيَّأْتُ وأَصلحت.
والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشيء. وكلامٌ مُزَوَّرٌ أَي مُحَسَّنٌ؛ قال نصرُ بن
سَيَّارٍ:
أَبْلِغْ أَميرَ المؤمنين رِسالةً،
تَزَوَّرْتُها من مُحْكَمَاتِ الرَّسائِل
والتَّزْوِيرُ: تَزْيين الكذب والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الشيء، وسمع ابن
الأَعرابي يقول: كل إِصلاح من خير أَو شر فهو تَزْوِيرٌ، ومنه شاهد
الزُّورِ يُزَوَّرُ كلاماً والتَّزْوِيرُ: إِصلاح الكلام وتَهْيِئَتُه. وفي صدره
تَزْوِيرٌ أَي إِصلاح يحتاج أَن يُزَوَّرَ. قال: وقال الحجاج رحم الله
امرأً زَوَّرَ نفسَه على نفسه أَي قوّمها وحسَّنها، وقيل: اتَّهَمَ نفسه
على نفسه، وحقيقته نسبتها إِلى الزور كَفَسَّقَهُ وجَهَّلَهُ، وتقول: أَنا
أُزَوِّرُكَ على نفسك أَي أَتَّهِمُك عليها؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
به زَوَرٌ لم يَسْتَطِعْهُ المُزَوِّرُ
وقولهم: زَوَّرْتُ شهادة فلان راجع إِلى تفسير قول القَتَّالِ:
ونحن أُناسٌ عُودُنا عُودُ نَبْعَةٍ
صَلِيبٌ، وفينا قَسْوَةٌ لا تُزَوَّرُ
قال أَبو عدنان: أَي لا نغْمَزُ لقسوتنا ولا نُسْتَضْعَفُ فقولهم:
زَوَّرْتُ شهادة فلان، معناه أَنه استضعف فغمز وغمزت شهادته فأُسقطت. وقولهم:
قد زَوَّرَ عليه كذا وكذا؛ قال أَبو بكر: فيه أَربعة أَقوال: يكون
التَّزْوِيرُ فعل الكذب والباطل. والزُّور: الكذب. وقال خالد بن كُلْثُومٍ:
التَّزْوِيرُ التشبيه. وقال أَبو زيد: التزوير التزويق والتحسين. وزَوَّرْتُ
الشيءَ: حَسَّنْتُه وقوَّمتُه. وقال الأَصمعي: التزويرُ تهيئة الكلام
وتقديره، والإِنسان يُزَوِّرُ كلاماً، وهو أَن يُقَوِّمَه ويُتْقِنَهُ قبل
أَن يتكلم به. والزُّورُ: شهادة الباطل وقول الكذبل، ولم يشتق من تزوير
الكلام ولكنه اشتق من تَزْوِيرِ الصَّدْرِ. وفي الحديث: المُتَشَبِّعُ بما
لم يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ؛ الزُّور: الكذب والباطل والتُّهمة،
وقد تكرر ذكر شهادة الزور في الحديث، وهي من الكبائر، فمنها قوله:
عَدَلَتْ شهادَةُ الزور الشِّرْكَ بالله، وإِنما عادلته لقوله تعالى: والذين
لا يدعون مع الله إِلهاً آخر، ثم قال بعدها: والذين لا يشهَدون الزُّورَ.
وزَوَّرَ نَفْسَه: وسمَهَا بالزُّورِ. وفي الخبر عن الحجاج: زَوَّرَ رجلٌ
نَفْسَه. وزَوَّرَ الشهادة. أَبطلها؛ ومن ذلك قوله تعالى: والذين لا
يشهدون الزُّورَ؛ قال ثعلب: الزُّورُ ههنا مجالس اللهو. قال ابن سيده: ولا
أَدري كيف هذا إِلا أَن يريد بمجالس اللهو هنا الشرك بالله، وقيل: أَعياد
النصارى؛ كلاهما عن الزجاج، قال: والذي جاء في الرواية الشرك، وهو جامع
لأَعياد النصارى وغيرها؛ قال: وقيل الزّورُ هنا مجالس الغِنَاء.
وزَوْرُ القوم وزَوِيرُهم وزُوَيْرُهم: سَيِّدُهم ورأْسهم. والزُّورُ
والزُّونُ جميعاً: كل شيء يتخذ رَبّاً ويعبد من دون الله تعالى؛ قال
الأَــغلب العجلي:
جاؤُوا بِزُورَيْهِم وجِئْنا بالأَصَمْ
قال ابن بري: قال أَبو عبيدة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى إِن البيت ليحيى بن
منصور؛ وأَنشد قبله:
كانَت تَمِيمٌ مَعْشَراً ذَوِي كَرَمْ،
غَلْصَمَةً من الغَلاصِيم العُظَمْ
ما جَبُنُوا، ولا تَوَلَّوْا من أَمَمْ،
قد قابَلوا لو يَنْفُخْون في فَحَمْ
جاؤوا بِزُورَيْهِم، وجئنا بالأَصَمّ
شَيْخٍ لنا، كالليثِ من باقي إِرَمْ
شَيْخٍ لنا مُعاوِدٍ ضَرْبَ البُهَمْ
قال: الأَصَمُّ هو عمرو بن قيس بن مسعود بن عامر وهو رئيس بَكْرِ بن
وائل في ذلك اليوم، وهو يوم الزُّورَيْنِ؛ قال أَبو عبيدة: وهما بَكْرانِ
مُجلَّلانِ قد قَيَّدوهما وقالوا: هذان زُورَانا أَي إِلهانا، فلا نَفِرُّ
حتى يَفِرَّا، فعابهم بذلك وبجعل البعيرين ربَّيْنِ لهم، وهُزِمَتْ تميم
ذلك اليوم وأُخذ البكران فنحر أَحدهما وترك الآخر يضرب في شَوْلِهِمْ.
قال ابن بري: وقد وجدت هذا الشعر للأَــغْلَبِ العِجْلِيِّ في ديوانه كما
ذكره الجوهري. وقال شمر: الزُّورانِ رئيسانِ؛ وأَنشد:
إِذ أُقْرِنَ الزُّورانِ: زُورٌ رازِحُ
رَارٌ، وزُورٌ نِقْيُه طُلافِحُ
قال: الطُّلافِحُ المهزول. وقال بعضهم: الزُّورُ صَخْرَةٌ.
ويقال: هذا زُوَيْرُ القوم أَي رئيسهم. والزُّوَيْرُ: زعيم القوم؛ قال
ابن الأَعرابي: الزّوَيْرُ صاحب أَمر القوم؛ قال:
بأَيْدِي رِجالٍ، لا هَوادَة بينهُمْ،
يَسوقونَ لِلمَوْتِ الزُّوَيْرَ اليَلَنْدَدا
وأَنشد الجوهري:
قَدْ نَضْرِبُ الجَيْشَ الخَميسَ الأَزْوَرا،
حتى تَرى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرا
وقال أَبو سعيد: الزُّونُ الصنم، وهو بالفارسية زون بشم الزاي السين؛
وقال حميد:
ذات المجوسِ عَكَفَتْ للزُّونِ
أَبو عبيدة: كل ما عبد من دون الله فهو زُورٌ.
والزِّيرُ: الكَتَّانُ؛ قال الحطيئة:
وإِنْ غَضِبَتْ، خِلْتَ بالمِشْفَرَيْن
سَبايِخَ قُطْنٍ، وزيراً نُسالا
والجمع أَزْوارٌ. والزِّيرُ من الأَوْتار: الدَّقيقُ. والزِّيرُ: ما
استحكم فتله من الأَوتار؛ وزيرُ المِزْهَرِ: مشتق منه. ويوم الزُّورَيْنِ:
معروف. والزَّوْرُ: عَسيبُ النَّخْلِ. والزَّارَةُ: الجماعة الضخمة من
الناس والإِبل والغنم. والزِّوَرُّ، مثال الهِجَفِّ: السير الشديد؛ قال
القطامي:
يا ناقُ خُبِّي حَبَباً زِوَرّا،
وقَلِّمي مَنْسِمَكِ المُغْبَرّا
وقيل: الزِّوَرُّ الشديد، فلم يخص به شيء دون شيء. وزارَةُ: حَيٌّ من
أَزْدِ السَّراة. وزارَةُ:
موضع؛ قال:
وكأَنَّ ظُعْنَ الحَيِّ مُدْبِرَةً
نَخْلٌ بِزارَةَ، حَمْلُه السُّعْدُ
قال أَبو منصور: وعَيْنُ الزَّارَةِ بالبحرين معروفة. والزَّارَةُ: قرية
كبيرة؛ وكان مَرْزُبانُ الزَّارَةِ منها، وله حديث معروف.
ومدينة الزَّوْراء: بِبغداد في الجانب الشرقي، سميت زَوْراءَ لازْوِرار
قبلتها. الجوهري: ودِجْلَةُ بَغْدادَ تسمى الزَّوْراءَ. والزَّوْرَاءُ:
دار بالحِيرَةِ بناها النعمان بن المنذر، ذكرها النابغة فقال:
بِزَوْراءَ في أَكْنافِها المِسْكُ كارِعُ
وقال أَبو عمرو: زَوْراءُ ههنا مَكُّوكٌ من فضة مثل التَّلْتَلَة.
ويقال: إِن أَبا جعفر هدم الزَّوْراء بالحِيرَةِ في أَيامه. الجوهري:
والزَّوْراءُ اسم مال كان لأُحَيْحَةَ بن الجُلاح الأَنصاري؛ وقال:
إِني أُقيمُ على الزَّوْراءِ أَعْمُرُها،
إِنَّ الكَريمَ على الإِخوانِ ذو المالِ
ما: حَرْفُ نَفي وتكون بمعنى الذي، وتكون بمعنى الشَّرط، وتكون عِب
ارة عن جميع أَنواع النكرة، وتكون موضُوعة موضع مَنْ، وتكون بمعنى
الاسْتِفهام، وتُبْدَل من الأَلف الهاء فيقال مَهْ؛قال الراجز:
قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ،
مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ،
إِنْ لم أُرَوِّها فَمَهْ
قال ابن جني: يحتمل مَهْ هنا وجهين أَحدهما أَن تكون فَمَهْ زَجْراً منه
أَي فاكْفُفْ عني ولستَ أَهلاً للعِتاب، أَو فَمَهْ يا إنسانُ يُخاطب
نفسَه ويَزْجُرها، وتكونُ للتعجُّب، وتكون زائدة كافَّةً وغير كافة،
والكافة قولهم إِنما زيدٌ مُنْطَلِقٌ، وغير الكافَّة إِنما زَيْداً مُنطلق،
تريد إن زيداً منطلق. وفي التنزيل العزيز: فِبما نَقْضِهم مِيثاقَهم،
وعَمَّا قليل ليُصْبِحُنَّ نادِمين، ومِمَّا خَطيِئَاتِهم أُغْرِقُوا؛ قال
اللحياني: ما مؤنثة، وإن ذُكِّرَت جاز؛ فأَما قول أَبي النجم:
اللهُ نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ،
مِنْ بَعْدِما وبَعْدِما وبَعْدِمَتْ
صارَتْ نُفُوسُ القَومِ عِنْد الغَلْصَمَتْ،
وكادتِ الحُرَّةُ أَن تُدْعَى أَمَتْ
فإِنه أَراد وبَعْدِما فأَبدلَ الأَلف هاء كما قال الراجز:
مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ
فلما صارت في التقدير وبعدمَهْ أَشبهت الهاء ههنا هاء التأْنيث في نحو
مَسْلمةَ وطَلْحة، وأَصلُ تلك إِنما هو التاء، فشبَّه الهاء في
وبَعْدِمَهْ بهاء التأَنيث فوَقَفَ عليها بالتاء كما يَقِفُ على ما أَصله التاء
بالتاء في مَسْلَمَتْ والغَلْصَمَتْ، فهذا قِياسُه كما قال أَبو
وَجْزَة:العاطِفُونَتَ ، حين ما مِنْ عاطِفٍ،
والمُفْضِلونَ يَداً، وإذا ما أَنْعَمُوا
(*قوله «والمفضلون» في مادة ع ط ف: والمنعمون.)
أَراد: العاطِفُونَهْ، ثم شبَّه هاء الوقف بهاء التأْنيث التي أَصلها
التاء فَوَقَفَ بالتاء كما يَقِفُ على هاء التأْنيث بالتاء. وحكى ثعلب
وغيره: مَوَّيْتُ ماء حَسَنةً، بالمدِّ، لمكان الفتحة مِن ما، وكذلك لا أَي
عَمِلْتها، وزاد الأَلف في ما لأَنه قد جعلها اسماً، والاسم لا يكون على
حرفين وَضْعاً، واختار الأَلف من حروف المدِّ واللِّين لمكان الفتحة، قال:
وإذا نسبت إِلى ما قلت مَوَوِيٌّ. وقصيدة ماويَِّةٌ ومَوَوِيَّةٌ:
قافيتها ما. وحكى الكسائي عن الرُّؤاسي: هذه قصيدة مائِيةٌ وماوِيَّةٌ
ولائِيَّةٌ ولاوِيَّةٌ ويائِيَّةٌ وياوِيَّةٌ، قال: وهذا أَقْيسُ. الجوهري: ما
حرف يَتَصَرَّف على تسعة أَوجه: الاستفهامُ نحو ما عِنْدَك، قال ابن بري:
ما يُسأَلُ بها عَمَّا لا يَعْقِل وعن صفات من يَعْقِل، يقول: ما عَبْدُ
اللهِ؟ فتقول: أَحْمَقُ أَو عاقلٌ، قال الجوهري: والخَبَر نحو رأيت ما
عِنْدَك وهو بمعنى الذي، والجزاء نحو ما يَفْعَلْ أَفْعَلْ، وتكون تعجباً
نحو ما أَحْسَنَ زيداً، وتكون مع الفِعل في تأْويل المَصدر نحو بَلَغَني
ما صَنَعْتَ أَي صَنِيعُك، وتكون نكرة يَلْزَمُها النعتُ نحو مررت بما
مُعْجِبٍ لك أَي بشيءٍ مُعْجِبٍ لك، وتكون زائدةً كافّةً عن العمل نحو إنما
زيد مُنْطَلِقٌ، وغير كافَّة نحو قوله تعالى: فبِما رَحْمَةٍ من اللهِ
لِنْتَ لهم؛ وتكون نفياً نحو ما خرج زيد وما زَيْدٌ خارِجاً، فإن جعلْتَها
حرفَ نفيٍ لم تُعْمِلْها في لغة أَهل نَجدٍ لأَنها دَوَّارةٌ، وهو
القِياس، وأَعْمَلْتَها في لغةِ أَهل الحِجاز تشبيهاً بليس، تقول: ما زيدٌ
خارِجاً وما هذا بَشراً، وتجيء مَحْذُفَةً منها الأَلفُ إِذا ضَمَمتَ إِليها
حرفاً نحو لِمَ وبِمَ وعَمَّ يَتَساءلُون؛ قال ابن بري: صوابه أَن يقول:
وتجيء ما الاستفهاميةُ مَحذُوفةً إِذا ضممت إِليها حرفاً جارًّا.
التهذيب: إِنما قال النحويون أَصلُها ما مَنَعَتْ إِنَّ من العمل، ومعنى إِنَّما
إثباتٌ لما يذكر بعدها ونَفْيٌ لما سِواه كقوله: وإِنَّما يُدافِعُ عن
أَحْسابِهم أَنا أَو مِثْلي؛ المعنى ما يُدافعُ عن أَحسابهم إِلاَّ أَنا
أَو مَنْ هو مِثْلي، والله أَعلم. التهذيب: قال أَهل العربية ما إِذا كانت
اسماً فهي لغير المُمَيِّزِين من الإِنس والجِنِّ، ومَن تكون
للمُمَيِّزِين، ومن العرب من يستعمل ما في موضع مَنْ، مِن ذلك قوله عز وجل: ولا
تَنكِحوا ما نَكَح آباؤكم من النِّساء إِلا ما قد سَلَفَ؛ التقدير لا
تَنْكِحُوا مَنْ نَكَحَ آباؤكم، وكذلك قوله: فانْكِحُوا ما طابَ لكم من
النِّساء؛ معناه مَنْ طابَ لكم. وروى سلمة عن الفراء: قال الكسائي تكون ما اسماً
وتكون جَحْداً وتكون استفهاماً وتكون شرطاً وتكون تَعَجُّباً وتكون
صِلةً وتكون مَصْدَراً. وقال محمد بن يزيد: وقد تأْتي ما تَمْنَع العامِلَ
عَملَه، وهو كقولك: كأَنَّما وَجْهُكَ القمرُ، وإِنما زيدٌ صَدِيقُنا. قال
أَبو منصور: ومنه قوله تعالى: رُبَّما يَوَدُّ الذين كفروا؛ رُبَّ
وُضِعَت للأَسماء فلما أُدْخِل فيها ما جُعلت للفعل؛ وقد تُوصَلُ ما بِرُبَّ
ورُبَّتَ فتكون صِلةً كقوله:
ماوِيَّ، يا رُبَّتَما غارةٍ
شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ
يريد يا رُبَّتَ غارة، وتجيءُ ما صِلَةً يُريد بها التَّوْكِيدَ كقول
الله عز وجل: فبِما نَقْضِهم مِيثاقَهُم؛ المعنى فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم،
وتجيء مصدراً كقول الله عز وجل: فاصْدَعْ بما تؤمر؛ أَي فاصْدَعْ بالأَمر،
وكقوله عز وجل: ما أَغْنى عنه مالُه وما كَسَبَ؛ أَي وكَسْبُه، وما
التَّعَجُّبِ كقوله: فما أَصْبَرَهم على النار، والاستفهام بما كقولك: ما
قولُك في كذا؟ والاسْتِفهامُ بما من الله لعباده على وجهين: هل للمؤمنِ
تَقْريرٌ، وللكافر تَقْرِيعٌ وتَوْبيخٌ، فالتقرير كقوله عز وجل لموسى: وما
تِلكَ بيَمِينك يا موسى قال هي عَصايَ، قَرَّره اللهُ أَنها عَصاً كراهةَ
أَن يَخافَها إِذا حوَّلها حَيَّةً، والشَّرْطِ كقوله عز وجل: ما يَفْتَح
الله للناسِ من رَحْمَة فلا مُمْسِكَ لها وما يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ لَه،
والجَحْدُ كقوله: ما فَعَلُوه إِلاَّ قَليلٌ منهم، وتجيء ما بمعنى أَيّ
كقول الله عز وجل: ادْعُ لَنا رَبَّك يُبَيِّن لنا ما لَوْنُها؛ المعنى
يُبَيِّن لنا أَيُّ شيء لَوْنُها، وما في هذا الموضع رَفْعٌ لأَنها ابْتداء
ومُرافِعُها قوله لَوْنُها، وقوله تعالى: أَيّاً ما تَدْعُوا فله
الأَسْماء الحُسْنى؛ وُصِلَ الجَزاءُ بما، فإِذا كان اسْتِفْهاماً لم يُوصَلْ
بما وإِنما يُوصَلُ إِذا كان جزاء؛ وأَنشد ابن الأَعرابي قول حَسَّانَ:
إِنْ يَكُنْ غَثَّ من رَقاشِ حَديثٌ،
فبما يأْكُلُ الحَدِيثُ السِّمِينا
قال: فبما أَي رُبَّما. قال أَبو منصور: وهو مَعْروف في كلامهم قد جاءَ
في شعر الأَعشى وغيره. وقال ابن الأَنباري في قوله عز وجل: عَما قَلِيل
ليُصْبحُنَّ نادِمينَ. قال: يجوز أَن يكون معناه عَنْ قَليل وما
تَوْكِيدٌ، ويجوز أَن يكون المعنى عن شيءٍ قليل وعن وَقْتٍ قليل فيصير ما اسماً
غير تَوكيد، قال: ومثله مما خَطاياهُمْ، يجوز أَن يكون من إِساءَة خَطاياهم
ومن أَعْمال خَطاياهم، فنَحْكُمُ على ما من هذه الجِهة بالخَفْض،
ونَحْمِلُ الخَطايا على إِعرابها، وجَعْلُنا ما مَعْرِفةً لإِتْباعِنا
المَعْرِفةَ إِياها أَوْلى وأَشْبَهُ، وكذلك فبِما نَقْضِهم مِيثاقَهم، معناه
فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم وما تَوْكِيدٌ، ويجوز أَن يكون التأْويل
فَبِإِساءَتِهم نَقْضِهم ميثاقَهم.
والماءُ، المِيمُ مُمالةٌ والأَلف مَمْدُودةٌ: حكاية أَصْواتِ الشاءِ؛
قال ذو الرمة:
لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا ما تَخَوَّنَهُ
داعٍ يُناديه، باسْم الماء، مَبْغُومُ
وماءِ: حكايةُ صوتِ الشاةِ مبني على الكسر. وحكى الكسائي: باتَتِ الشاءُ
ليلَتَها ما ما وماهْ وماهْ
(*قوله« ما ما وماه ماه» يعني بالامالة
فيها.) ، وهو حكاية صوتها. وزعم الخليل أَن مَهْما ما ضُمَّت إِليها ما
لَغْواً، وأَبدلوا الأَلف هاء. وقال سيبويه: يجوز أن تكون كإِذْ ضُمَّ إِليها
ما؛ وقول حسان بن ثابت:
إِمَّا تَرَيْ رَأْسي تَغَيَّرَ لَوْنُه
شَمَطاً، فأَصْبَحَ كالنَّغامِ المُخْلِس
(* قوله «المخلس» أي المختلط صفرته بخضرته، يريد اختلاط الشعر الأبيض
بالأسود، وتقدم انشاد بيت حسان في ثغم الممحل بدل المخلس، وفي الصحاح هنا
المحول.)
يعني إِن تَرَيْ رأْسي، ويدخُل بعدها النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ كقولك:
إِما تَقُومَنَّ أَقُمْ وتَقُوماً، ولو حذفت ما لم تقل إِلاَّ إِنْ لم
تَقُمْ أَقُمْ ولم تنوّن، وتكون إِمّا في معنى المُجازاة لأَنه إِنْ قد
زِيدَ عليها ما، وكذلك مَهْما فيها معنى الجزاء. قال ابن بري: وهذا مكرر
يعني قوله إِما في معنى المُجازاة ومهما. وقوله في الحديث: أَنْشُدُكَ بالله
لَمَّا فعلت كذا أَي إِلاَّ فَعَلْته، وتخفف الميم وتكون ما زائدة،
وقرئ بهما قوله تعالى: إِنَّ كلُّ نَفْسٍ لَمَّا عليها حافظ؛ أَي ما كلُّ
نَفْسٍ إِلا عليها حافظ وإِنْ كلُّ نَفْسٍ لعَلَيْها حافِظٌ.
غلف: الغِلاف: الصِّوان وما اشتمل على الشيء كقَمِيص القَلْب وغِرْقِئِ
البيض وكِمام الزَّهْر وساهُور القَمر، والجمع غُلُفٌ. والغِلافُ: غلاف
السيف والقارورة، وسيف أَغْلَف وقوس غَلْفاء، وكذلك كل شيء في غِلاف:
وغَلَف القارُورة وغيرها وغلَّفها وأَغْلَفها: أَدخلها في الغِلاف أَو جعل
لها غلافاً، وقيل: أَغْلَفَها جعل لها غِلافاً، وإذا أَدخلها في غلاف قيل:
غَلَفها غَلْفاً. وقلب أَغْلفُ بيِّن الغُلْفة: كأَنه غُشِّي بغلاف فهو
لا يَعِي شيئاً. وفي التنزيل العزيز: وقالوا قلوبنا غُلْفٌ، وقيل: معناه
صُمٌّ، ومن قرأَ غُلُفٌ أَراد جمع غِلاف أَي أَن قلوبنا أَوْعِية للعِلم
كما أَن الغلاف وِعاء لما يُوعَى فيه، وإذا سكنت اللام كان جمع أَغلف وهو
الذي لا يعي شيئاً. وفي صفته، صلى اللّه عليه وسلم: يَفْتَح قُلوباً
غُلْفاً أَي مُغَشَّاة مغطاة، واحدها أَغلف. وفي حديث حذيفة والخُدريّ:
القلوب أَربعة فقلب أَغلف أَي عليه غِشاء عن سَماع الحق وقبوله، وهو قلب
الكافر، قال: ولا يكون غُلُف جمع أَغلف لأَنَّ فُعُلاً، بالضم، لا يكون جمع
أَفعل عند سيبويه إلا أَن يضطر شاعر كقوله:
جَرَّدُوا منها وِراداً وشُقُرْ
قال الكسائي: ما كان جمع فِعال وفَعُول وفَعِيل، فهو على فُعُلٍ مثقل.
وقال خالد بن جنْبة: الأَغلف فيما نرى الذي عليه لِبْسة لم يدَّرِعْ منها
أَي لم يُخرِج منها. وتقول: رأَيت أَرْضاً غَلْفاء إذا كانت لم تُرع
قبلنا ففيها كلُّ صغير وكبير من الكلإِ، كما يقال غلام أَغلف إذا لم تُقطع
غُرْلَتُه، وغَلَّفْت السرْج والرحْل؛ وأَنشد:
يَكادُ يرْمي الفاتِرَ المُغَلَّفا
ورجل مُغَلَّف: عليه غِلاف من هذا الأَدَم ونحوها.
والغُلْفَتان: طَرفا الشاربين مما يلي الصِّماغين، وهي الغُلْفة
والقُلْفة.
وغلام أَغلف: لم يختتن كأَقْلَف.
والغَلَفُ: الخِصْب الواسع. وعامٌ أَغلف: مُخْصِب كثير نباته. وعيش
أَغلَف: رَغَدٌ واسع. وسنة غَلْفاء: مُخْصِبة. وغَلَف لِحْيَته بالطيب
والحِنَّاء والغالية وغَلَّفها: لطخها، وكرهها بعضهم وقال: إنما هو غَلاَّها.
وتَغَلَّفَ الرجلُ بالغالية وسائر الطيب واغْتَلَفَ؛ الأَوّل عن ثعلب،
وقال اللحياني: تَغَلَّفَ بالغالية وتَغَلَّلَ، وقال بعضهم: تَغَلَّفَ
بالغالية إذا كان ظاهراً، فإذا كان داخلا في أُصول الشعر قيل تَغَلَّلَ،
وغَلَفَ لِحْيَته بالغالية غَلْفاً. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: كنت
أُغَلِّفُ لحيته بالغالية أَي ألطخها؛ وأَكثر ما يُقال غَلَفَ بها لحيته
غَلْفاً وغلَّفها تغليفاً. والغالية: ضَرْبٌ مركَّب من الطِّيب.
والغَلْفُ: شجر يُدْبَغُ به مثل الغَرْف، وقيل: لا يُدْبغُ به إلا مع
الغرف.
والغَلِفُ، بفتح الغين وكسر اللام: نبت شبيه بالحَلق ولا يأْكله شيء إلا
القُرود؛ حكاه أَبو حنيفة.
والغُلْفَة وغَلْفانُ: موضعان. وبنو غَلْفانَ: بطن. والغَلْفاء: لَقَب
سَلَمَة عم امرئ القيس ومعديكَرِبَ بن الحرث بن عَمْرو أَخي شَراحِيل
(*
قوله «أخي شراحيل إلخ» عبارة الصحاح: اخي شرحبيل بن الحرث إلخ.) ابن
الحرث، يُلَقَّب بالغَلْفاء لأَنه أَوَّل من غَلَّفَ بالمِسْك، زعموا؛ وابن
غَلْفاء: من شعرائهم، يقول:
أَلا قالت أُمامةُ يَوْمَ غَوْلٍ:
تَقَطَّعَ بابن غَلْفاء الحِبالُ